عرض مشاركة واحدة
 
قديم 2007-12-29, 12:23 AM
الثوري الثوري غير متواجد حالياً
محاور
 
تاريخ التسجيل: 2007-08-24
المكان: أرض الله
المشاركات: 109
رد شبهة : رد عائشة لحديث عمر لأنه يخالف القرآن


رد شبهة :
رد عائشة لحديث عمر لأنه يعارض القرآن

أهم الأحاديث الصحيحة في هذا الموضوع أخرجها البخاري في صحيحه (جزء 1صفحة 432:رقم 1226):

قال عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة: توفيت ابنة لعثمان رضى الله عنه بمكة وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر وابن عباس –رضي الله عنهم– وإني لجالس بينهما. فقال عبد الله بن عمر - رضى الله عنه - لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء؟ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه». فقال ابن عباس - رضى الله عنه -: قد كان عمر - رضى الله عنه - يقول بعض ذلك .

ثم حدث قال : صدرت مع عمر رضي الله عنه من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل سمرة، فقال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب. قال فنظرت فإذا صهيب، فأخبرته فقال ادعه لي. فرجعت إلى صهيب، فقلت ارتحل فالحق أمير المؤمنين. فلما أصيب عمر، دخل صهيب يبكي يقول: وا أخاه وا صاحباه. فقال عمر - رضى الله عنه - : يا صهيب، أتبكي عليَّ وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه»؟

قال ابن عباس - رضى الله عنه -: فلما مات عمر - رضى الله عنه -، ذكرت ذلك لعائشة - رضى الله عنها -، فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه»، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه». وقالت: «حسبكم القرآن: [ ولا تزر وازرة وزر أخرى ]».
قال ابن عباس - رضى الله عنه -: ثم ذلك والله هو أضحك وأبكى. قال ابن أبي مليكة: والله ما قال ابن عمر - رضى الله عنه - شيئاً.

وعن المغيرة - رضى الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن كذبا علي ليس ككذب على أحد. من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار».
سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من نيح عليه يعذب بما نيح عليه».

وعن النعمان بن بشير - رضى الله عنه - قال: «أغمي على عبد الله بن رواحة. فجعلت أخته تبكي واجبلاه واكذا واكذا، تعدد عليه. فقال حين أفاق: ما قلت شيئاً إلاّ قيل لي: أنت كذا؟ فلما مات لم تبك عليه».

نقول من البداية بأنه ليس من المستحيل عقلياً أن يغلط راوي الحديث. أما أن يغلط هو ثم يغلط راوٍ آخر نفس الخطأ ثم يتابعهم على هذا الخطأ عدد من الرواة الثقات، فهذا مستحيلٌ عقلاً وشرعاً. خاصة مع ما عرف عن هؤلاء الصحابة من قوة الحفظ وشدة العناية بألفاظ الحديث والورع في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهذه الأحاديث الصحيحة التي يرويها عمر بن الخطاب وابنه عبد الله و المغيرة بن شعبة وأبي موسى الأشعري وعمران بن حصين وصهيب وغيرهم من الحفظة من الصحابة –رضي الله عنهم أجمعين–، كل هذه الأحاديث تصل إلى مرتبة التواتر القطعي الذي لا يمكن فيه ادعاء الوهم أو الغلط.

ومن ظن بأن أمنا عائشة - رضى الله عنها -كانت ترد الحديث إذا لم يكن موافقاً للقرآن حتى لو كان رواته ثقات، فهو ظنٌّ باطلٌ مردودٌ، وإنّ بعض الظنّ إثم، وإن كان ظاهر الحديث الأول قد يوهم بذلك. بل ليس كذلك. فإن أمنا عائشة - رضى الله عنها - قد أنكرت على ابن عمر - رضى الله عنه - تعميمه للحديث الخاص باليهودية، كما أنها أنكرت على فاطمة بنت قيس - رضى الله عنها - تعميمها لحديث لا سكنى ولا نفقة للبائنة مع أن ذلك الحديث كان خاصاً بحالتها.

وهذا يبدو لنا جليّاً في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه (2\643): أن أمنا عائشة - رضى الله عنها -، ذُكِر لها أن عبد الله بن عمر - رضى الله عنه - يقول: «إن الميت ليعذب ببكاء الحي». فقالت عائشة - رضى الله عنها -: «يغفر الله لأبي عبد الرحمن. أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ. إنما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يهودية يُبْكى عليها، فقال: إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها».

فقد حملت الحديث الثاني على أنه مقيّدٌ للأول وفق القاعدة الفقهية بحمل المقيد على المطلق. فيكون معنى الحديث أن الكافر وغيره من أصحاب الذنوب يعذب في حال بكاء أهله عليه بذنبه لا ببكائهم. فأمنا عائشة - رضى الله عنها - لم تردّ الحديث الصحيح، بل فسّرت الحديث الأول الصحيح بالحديث الثاني الصحيح، واستشهدت لتفسيرها ذلك بالقرآن، لأن من غير الممكن أن يعذب الله نفساً بذنب لم ترتكبه. و هذا لا غبار عليه البتة. فانتقادها إذاً لإبن عمر - رضى الله عنه - هو أنه أخطأ بعدم ذكره القصة كاملة، لأن الحديث خاص بالكفار. لكن يظهر ابن عمر لم يخطئ بذكر الحادثة، إنما هو يتحدث عن قصة أخرى.

فقد أخرج البخاري في صحيحه (1\439): عن عبد الله بن عمر - رضى الله عنه -، قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له. فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود –رضي الله عنهم–. فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال: «قد قضى». قالوا: «لا يا رسول الله»، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم - . فلما رأى القوم بكاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بكوا،

فقال: «ألا تسمعون؟ إن الله لا يُعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا –وأشار إلى لسانه– أو يرحم. وإن الميت يعذَّب ببكاء أهله عليه». وكان عمر - رضى الله عنه - يضرب فيه بالعصا، ويرمى بالحجارة، و يحثي بالتراب.

فظهر غلط من قال بحصر الحديث بالكافر الميت، مع ما في ذلك التأويل من تكلف. وهنا اختلف العلماء كثيراً في معنى الحديث، فقالت طائفة أنه يعذب فقط إذا أوصى قبل موته بالنياحة عليه، أو أن ذلك كان مذهبه في حياته، وهذا اختيار الإمام البخاري كما يظهر في تبويبه لهذا الحديث. وهو قول ليس عليه دليل، بل يبطله الحديث السابق، لأن سعد - رضى الله عنه - لم يوص بذلك ولم يكن ينوح على الموتى في حياته.

والجمع بين هذه الأحاديث أبسط من هذا بكثير لو تأملناها. فإن من أنكر الحديث الأول إنما ظنّ أن معناه أن الله يعذب الميت بنحو عذاب القبر ببكاء أهله. وليس في الحديث ما يدل على هذا. فالحديث الذي رواه عمر - رضى الله عنه - هو: «إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه».

وقالت أمنا عائشة - رضى الله عنها -: والله ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه»، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه».

فلو تأملت النصوص بتمعّن، لوجدت أن أمنا عائشة - رضى الله عنها -، لم تنكر حديث عمر - رضى الله عنه - بألفاظه، إنما أنكرت ما قد يفهمه بعض الناس من ظاهره.

وحديث عمر - رضى الله عنه - صحيحٌ بلا ريب، وكذلك ما قالته أمنا عائشة - رضى الله عنها -. فإن الله لا يعذب الميت ببكاء أهله عليه، مؤمناً كان أم كافراً.

إنما أهله هم الذين يعذبونه بنحيبهم عليه. ذلك أن الميّت يسمع أصوات الأحياء على قول جمهور العلماء، فلذلك يتعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم. خاصة أن العلماء أجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم أن المراد بالبكاء بصوت ونياحة، لا مجرد دمع العين الذي لا يشاهده الميت.

فإذا تدبرت هذا المعنى وراجعت النصوص كلها، لم تجد أدنى تعارض بينها. وإلى هذا ذهب إمام المفسّرين محمد بن جرير الطبري. وقال القاضي عياض وهو أولى الأقوال.

واستشهدوا له بحديث أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسّنه الحافظ ابن حجر، عن قـَيْـلة بنت مَخْرمة، قلت: «يا رسول الله، قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة، ثم أصابته الحمى فمات ونزل على البكاء». فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفاً، وإذا مات استرجع؟ فوا الذي نفس محمد بيده، إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه. فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم».

وقد انتصر شيخ الإسلام ابن تيمية لهذا المذهب، فقال في مجموع فتاواه (24\374): «وأما تعذيب الميت، فهو لم يقل إن الميت يعاقب ببكاء أهله عليه، بل قال يعذب. والعذاب أعم من العقاب. فإن العذاب هو الألم، وليس كل من تألم بسبب كان ذلك عقابا له على ذلك السبب. فإن النبي قال: "السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه". فسمى السفر عذاباً. وليس هو عقابا على ذنب. والإنسان يعذب بالأمور المكروهة التي يشعر بها، مثل الأصوات الهائلة والأرواح الخبيثة والصور القبيحة. فهو يتعذب بسماع هذا وشم هذا ورؤية هذا، ولم يكن ذلك عملا له عوقب عليه. فكيف يُنكـَرُ أن يعذب الميت بالنياحة؟ وإن لم تكن النياحة عملا له يعاقب عليه».

ثم قال: «وقد يندفع حكم السبب بما يعارضه. فقد يكون في الميت من قوة الكرامة ما يدفع عنه من العذاب، كما يكون في بعض الناس من القوة ما يدفع ضرر الأصوات الهائلة والأرواح والصور القبيحة».


فظهر بذلك بشكل جليٍّ أنه لا تعارض بين الأحاديث الصحيحة أبداً. وأن خلاف العلماء هو في تفسيرها وفقاً للظروف التي قيلت به، وبحسب الآيات القرآنية، لا رداً للأحاديث الصحيحة والعياذ بالله.
والله الموفق للصواب بمنّه وفضله وكرمه.


المصدر :
http://www.ibnamin.com/qaradawi.htm#_Toc13728496
__________________


[============================]

لو علمتَ ما فعل أهلُ الحديثِ
لسجدتَ للهِ شكراً أن جعلك من هذه الأمة.

فضيلة الشيخ / أبو إسحق الحويني
[============================]
رد مع اقتباس