عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2012-05-09, 09:30 PM
ابو عبد الرحمن الدوسي ابو عبد الرحمن الدوسي غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2011-04-19
المشاركات: 315
افتراضي مناظرة ابن عباس للخوارج


عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا خَرَجَتِ الْحَرُورِيَّةُ اجْتَمَعُوا فِى دَارٍ وَهُمْ سِتَّةُ آلاَفٍ أَتَيْتُ عَلِيًّا رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبْرِدْ بِالظُّهْرِ لَعَلِّى آتِى هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ فَأُكَلِّمُهُمْ. قَالَ : إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكَ. قَالَ قُلْتُ : كَلاَّ. قَالَ : فَخَرَجْتُ آتِيهُمْ وَلَبِسْتُ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنْ حُلَلِ الْيَمَنِ فَأَتَيْتُهُمْ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِى دَارٍ وَهُمْ قَائِلُونَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا : مَرْحَبًا بِكَ يَا أَبَا عَبَّاسٍ فَما هَذِهِ الْحُلَّةُ؟ قَالَ قُلْتُ : مَا تَعِيبُونَ عَلَىَّ لَقَدْ رَأَيْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الْحُلَلِ وَنَزَلَتْ (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) قَالُوا : فَمَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ : أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ صَحَابَةِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لأُبْلِغَكُمْ مَا يَقُولُونَ وَتُخْبِرُونِى بِمَا تَقُولُونَ فَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْوَحْىِ مِنْكُمْ وَفِيهِمْ أُنْزِلَ وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ تُخَاصِمُوا قُرَيْشًا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَأَتَيْتُ قَوْمًا لَمْ أَرَ قَوْمًا قَطُّ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ مُسَهَّمَةٌ وُجُوهُهُمْ مِنَ السَّهَرِ كَأَنَّ أَيْدِيَهُمْ وَرُكَبَهُمْ ثَفِنٌ عَلَيْهِمْ قُمُصٌ مُرَحَّضَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ لَنُكَلِّمَنَّهُ وَلَنَنْظُرَنَّ مَا يَقُولُ. قُلْتُ : أَخْبِرُونِى مَاذَا نَقَمْتُمْ عَلَى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَصِهْرِهِ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ قَالُوا : ثَلاَثًا . قُلْتُ : مَا هُنَّ؟ قَالُوا : أَمَّا إِحْدَاهُنَّ فَإِنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِى أَمْرِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ) وَمَا لِلرِّجَالِ وَمَا لِلْحُكْمِ. فَقُلْتُ : هَذِهِ وَاحِدَةٌ. قَالُوا : وَأَمَّا الأُخْرَى فَإِنَّهُ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ فَلَئِنْ كَانَ الَّذِينَ قَاتَلَ كُفَّارًا لَقَدْ حَلَّ سَبْيُهُمْ وَغَنِيمَتُهُمْ وَإِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ مَا حَلَّ قِتَالُهُمْ قُلْتُ : هَذِهِ ثِنْتَانِ فَمَا الثَّالِثَةُ؟ قَالُوا : إِنَّهُ مَحَا اسْمَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ. قُلْتُ : أَعِنْدَكُمْ سِوَى هَذَا؟ قَالُوا : حَسْبُنَا هَذَا. فَقُلْتُ لَهُمْ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَمِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا يُرَدُّ بِهِ قَوْلُكُمْ أَتَرْضَوْنَ؟ قَالُوا : نَعَمْ فَقُلْتُ لَهُمْ : أَمَّا قَوْلُكُمْ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِى أَمْرِ اللَّهِ فَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ مَا قَدْ رُدَّ حُكْمُهُ إِلَى الرِّجَالِ فِى ثَمَنِ رُبُعِ دِرْهَمٍ فِى أَرْنَبٍ وَنَحْوِهَا مِنَ الصَّيْدِ فَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) إِلَى قَوْلِهِ (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فَنَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ أَحُكْمُ الرِّجَالِ فِى أَرْنَبٍ وَنَحْوِهَا مِنَ الصَّيْدِ أَفْضَلُ أَمْ حُكْمُهُمْ فِى دِمَائِهِمْ وَإِصْلاَحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ وَأَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَحَكَمَ وَلَمْ يُصَيِّرْ ذَلِكَ إِلَى الرِّجَالِ وَفِى الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهُمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) فَجَعَلَ اللَّهُ حُكْمَ الرِّجَالِ سُنَّةً مَاضِيَةً أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا : نَعَمْ. قَالَ : وَأَمَّا قَوْلُكُمْ قَاتَلَ فَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ أَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ ثُمَّ تَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا يُسْتَحَلُّ مِنْ غَيْرِهَا فَلَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ كَفَرْتُمْ وَهِىَ أُمُّكُمْ وَلَئِنْ قُلْتُمْ لَيْسَتْ بِأُمِّنَا لَقَدْ كَفَرْتُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ( النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) فَأَنْتُمْ تَدُورُونَ بَيْنَ ضَلاَلَتَيْنِ أَيَّهُمَا صِرْتُمْ إِلَيْهَا صِرْتُمْ إِلَى ضَلاَلَةٍ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قُلْتُ : أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا : نَعَمْ. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنَا آَتِيكُمْ بِمَنْ تَرْضَوْنَ أُرِيكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كَاتَبَ الْمُشْرِكِينَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ :« اكْتُبْ يَا عَلِىُّ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ». فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لاَ وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا قَاتَلْنَاكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّى رَسُولُكَ اكْتُبْ يَا عَلِىُّ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ». فَوَاللَّهِ لَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَيْرٌ مِنْ عَلِىٍّ وَمَا أَخْرَجَهُ مِنَ النُّبُوَّةِ حِينَ مَحَا نَفْسَهُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ : فَرَجَعَ مِنَ الْقَوْمِ أَلْفَانِ وَقُتِلَ سَائِرُهُمْ عَلَى ضَلاَلَةٍ.
هذه الواقعة أخرجها النسائى فى الكبرى وفى خصائص على والبيهقى فى السنن والحاكم فى المستدرك والطبرانى فى الكبير وعبد الرزاق فى المصنف وهى صحيحة .
الدروس المستفادة من هذه الواقعة :
1- بيان مكانة عبد الله بن عباس وفضله وعلمه وما حباه الله به من الفطنة والذكاء والفهم والفقه فى الدين ، ولما لا وقد دعا النبى صلى الله عليه وسلم له بذلك :
أخرج البخارى والترمذى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ ضَمَّنِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ « اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ » .
وأخرج الترمذى وصححه الألبانى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ دَعَا لِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُؤْتِيَنِى اللَّهُ الْحِكْمَةَ مَرَّتَيْنِ.
وأخرج ابن ماجه وصححه الألبانى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ضَمَّنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَيْهِ وَقَالَ « اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ وَتَأْوِيلَ الْكِتَابِ ».
وأخرج أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اللَّهُمَّ أَعْطِ ابْنَ عَبَّاسٍ الْحِكْمَةَ وَعَلِّمْهُ التَّأوْيلَ ».
وأخرج البخارى وأحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ضَمَّنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ « اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ » .
وأخرج البخارى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الْخَلاَءَ ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا قَالَ « مَنْ وَضَعَ هَذَا » . فَأُخْبِرَ فَقَالَ « اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِى الدِّينِ » .
وأخرج أحمد وصححه الألبانى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِى - أَوْ عَلَى مَنْكِبِى شَكَّ سَعِيدٌ - ثُمَّ قَالَ « اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِى الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ ».
2- جواز إقامة المناظرة والمخاصمة مع أهل الباطل ومقارعتهم بالحجة والبرهان وتفنيد حججهم الواهية التى رسخت فى أذهانهم عن عمى وجهالة ، إذا ظن أن من وراء مجادلتهم النفع والرجوع عن غيهم وضلالهم ، لا من أجل الترف العقلى أو الظهور والبروز الذاتى ، بل لإحقاق الحق وإبطال الباطل ، وقد ذكر الله تعالى مجادلة أنبيائه مع أقوامهم ، فذكر عن نوح عليه السلام ومقولة قومه له {قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }هود32
وقال عن قوم إبراهيم إذ جادلوه وحاولوا مقارعته بالحجج الباطلة :{وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ }الأنعام80
وأمر سبحانه بالمجادلة التى هى أحسن من غيرها الخالية من السباب والشتم فقال تعالى :{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125
وقال أيضا عند مناظرة اليهود والنصارى :{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }العنكبوت46
3- أنه على أهل العلم والحكمة الذين منَّ الله عليهم بالفقه فى الدين وحباهم الله تعالى الرزانة والحصافة إذا ظهرت الفتن أن يُخرجوا علمهم ويستخرجوا ملكتهم لكشف عوارى الجهل وأهله ، وتزييف كلمة الباطل ودحضها ، فلعلى الله تعالى على أيديهم أن يطفىء نيران فتنة قد أججت ويخمد لهيبها.
4- أنه على الحاكم المسلم الحصيف ألا يقارع أهل الفكر الزائف والمعتقد الفاسد بالسنان قبل مقارعتهم باللسان والحجة والبرهان ؛ إذ لا يفل الحديد إلا الحديد ، وكذا الفكر لا يقاوم إلا بالفكر ، كما أنه على كل حاكم مسلم ألا يواجه هؤلاء بالشدة والحدة قبل أن يقيم عليهم المحجة ، فإن ذلك يزيدهم على ضلالهم ضلالا وعلى غيهم غيا وبهتانا ، لذا فإننى أرى أن من أكبر عوامل نشر الفكر المنحرف عن الجادة السوية – ولا أقول الفكر التكفيرى أو الإرهابى أو المتشدد ؛ لأن هؤلاء لهم عذرهم بخروجهم بمثل هذا الفكر والمعتقد ، للعوامل النفسية والسياسية والاجتماعية ، ولتقصير أهل العلم عن تبيين الحق والحقيقة – أقول من أكبر عوامل نشر هذا الفكر هى أجهزة الأمن التى تعمل فى نفس الأمر على إخماد هذا الفكر ومحاربته ، كيف ذلك ؟ لسوء معاملتهم ولجهالتهم إذ يحسبون أنه تحت وطئة التعذيب قد يرجع أحدهم عن معتقده ، كيف ذلك وأنَّى يكون ؟ وهو يرى فى تعذيبه هذا جنته والنعيم المقيم الذى أعده الله له جزاء صبره على هذا البلاء من تسلط أعداء الله الظلمة بل الكفرة فى اعتقاده عليه ، إذا على الحكام الإستعانة بأهل العلم فى مواجهة الفكر التكفيرى الخارج عن المنظور الإسلامى السوى والوسطى ، ولكن أقول : ضد الفكر الخارج عن وسطية الإسلام لا ضد الإسلام ، ولا ضد المتمسكين بصحيح الدين ! .
5- عدم جواز الخروج على الحاكم المسلم ما دام يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ولم ينكر معلوما من الدين بالضرورة ، حتى ولو كان ظالما جائرا أو فاسقا فاجرا ، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ، أخرج البخارى ومسلم عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِى أُمَيَّةَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقُلْنَا حَدِّثْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ قَالَ « إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ ».
6- أن سبب فتنة أهل التكفير فى كل عصر ومصر هو الجهل بالدين واتباع بعض نصوص الشرع دون فهم لها ، أو عدم العلم بباقى النصوص الأخرى التى يرد فيها المتشابه إلى المحكم ، والمبهم إلى الواضح ؛ لذا لما ذهب ابن عباس إلى الخوارج وبين لهم باقى النصوص رجع منهم ألفان أى ثلثهم ، إذا إن قتل الفكر التكفيرى فى مهده لا سبيل له إلا عن طريق العلم ، العلم النابع من الوحيين بفهم أهل العلم الذين رسخت أقدامهم وذاع صيتهم ، وعلم التزامهم بالمنهج السديد والفكر الرشيد ، واتباعهم لفهم من فهم فى الزمن السعيد من الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الوعيد .
7- أن عبادة الله تعالى بعلم وإن قلت خير من عبادته بجهل وإن كثرت العبادة ؛ لذا فإن العالم خير من العابد ، أخرج أبو داود وابن ماجه وصححه الألبانى عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِى الدَّرْدَاءِ فِى مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنِّى جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- لِحَدِيثٍ بَلَغَنِى أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ. قَالَ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِى الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِى جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ».
أخرج الترمذى متصلا والدارمى مرسلا وصححه الألبانى عَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ قَالَ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِى عَلَى أَدْنَاكُمْ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِى جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ».
وأنظر إلى وصف النبى صلى الله عليه وسلم لعبادتهم أخرج البخارى ومسلم عَنْ أَبِى سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ فَسَأَلاَهُ عَنِ الْحَرُورِيَّةِ أَسَمِعْتَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ لاَ أَدْرِى مَا الْحَرُورِيَّةُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « يَخْرُجُ فِى هَذِهِ الأُمَّةِ - وَلَمْ يَقُلْ مِنْهَا - قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ - أَوْ حَنَاجِرَهُمْ - يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، فَيَنْظُرُ الرَّامِى إِلَى سَهْمِهِ إِلَى نَصْلِهِ إِلَى رِصَافِهِ ، فَيَتَمَارَى فِى الْفُوقَةِ ، هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَىْءٌ » .
وأنظر إلى وصف ابن عباس لهم قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَأَتَيْتُ قَوْمًا لَمْ أَرَ قَوْمًا قَطُّ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ مُسَهَّمَةٌ وُجُوهُهُمْ مِنَ السَّهَرِ كَأَنَّ أَيْدِيَهُمْ وَرُكَبَهُمْ ثَفِنٌ عَلَيْهِمْ قُمُصٌ مُرَحَّضَةٌ .
هذا والله تعالى الهادى إلى سواء السبيل - منقول للفائده
__________________
[align=center][/align]
رد مع اقتباس