عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2012-08-18, 02:49 AM
ابن عبد البر الصغير ابن عبد البر الصغير غير متواجد حالياً
محـــاور
 
تاريخ التسجيل: 2012-08-10
المشاركات: 47
افتراضي تنبيه إلى أن الإنكار أو الخروج على الإمام الفاسق الظالم فيه خلاف سني .

قد وجدتُ من إخواني الكرام وصما لكل من رأى الخروج على الحاكم الظالم أو الإنكار عليه فهو خارجي، وهذا غلط لأن الخوارج خرجوا على أئمة العدل ومن أصولهم التكفير بالكبيرة ولا يصح وصم من رأى بطلان البيعة لطروء فسق مكفر أو غير مكفر كإبطال الشريعة أو استحلال ما حرم الله، وغيره بالخارجي.

يقول الشيخ الكناني : " وأنا وإن كنتُ أحرّمُ الخروجَ على إمام ِ الجور ِ ، وذلكَ لما فيهِ من الفتن ِ العظيمةِ ، إلا أنّي لا يحلُّ لي أن أصنّفَ من فعلَ ذلكَ بأنّهُ من الخوارج ِ ، وذلكَ لأنَّ الخوارجَ لهم نعوتٌ معروفة ٌ ، ولهم آراءُ كثيرة ٌ ، وأصولٌ قامَ عليها مذهبهم ، وهم وإن وافقوا بعضَ السلفِ في مسألةِ الخروج ِ على الوالي الظالم ِ ، إلا أنّهُ خالفوهم في أصول ٍ أخرى هامّةٍ ." - الاعتذار والانتصار.

فأهل السنة والجماعة أجمعوا على حرمة الخروج على الإمام العادل الذي بويع بيعة شرعية صحيحة، وأجمعوا على وجوب الخروج على الإمام الذي كفر، أما في مسألة الخروج على الإمام الجائر الذي بلغ مبلغا من الظلم وكانت المفاسد في تركه أكبر منها في حال زواله، فقد اختلفوا في الخروج والعزل، فمنهم من قال أن للأمة حق عزله إذا تغير حاله وهذا مذهب من مذاهب السلف، فاختياره كان بشروط قائمة فيه، فإن انتفت عنه كان أهلا لأن ينفى من منصبه، وقد حدد الفقهاء ذلك في نوعين :

- سقوط العدالة: وهو الفسق، وهو قسمين ما تابع فيه الشهوة والثاني ما تعلق فيه بشبهة.
- ونقص في البدن .

فالقاعدة العامة عند الجمهور أن للأمة عزل الخليفة لسبب وجيه، لكنهم اختلفوا في حالة ما أفضى ذلك إلى فتنة، ففريق قال بعزله ولو أدى ذلك إلى فتنة وفريق قال باحتمال أدنى المضرتين ، وفريق قال بعدم عزله إذا استلزم خلعه فتنة ولو كان مستحقا لذلك بفعله، ولك أن تراجع في ذلك شرح الزرقاني في جزئه الثامن ص 60، وحاشية ابن عابدين ج 3 ص 429، أسنى المطالب وحاشية الرملي ج 4 ص 111، كشاف القناع ج 4 ص 95، المواقف ص 607 ، الملل والنحل ج 4 ص 175-176 ، المحلى ج 4 ص 185-186.
قال الإمام القرطبي في تفسيره : " الإمام إذا نصب ثم فسق بعد انبرام العقد فقال الجمهور: إنه تنفسخ إمامته ويخلع بالفسق الظاهر المعلوم؛ لأنه قد ثبت أن الإمام إنما يقام لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وحفظ أموال الأيتام والمجانين والنظر في أمورهم إلى غير ذلك مما تقدم ذكره، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأمور والنهوض بها. فلو جوزنا أن يكون فاسقا أدى إلى إبطال ما أقيم لأجله، ألا ترى في الابتداء إنما لم يجز أن يعقد للفاسق لأجل أنه يؤدي إلى إبطال ما أقيم له، وكذلك هذا مثله."

قال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله في كتابه "مراتب الإجماع": ورأيت لبعض من ينسب نفسه للإمامة والكلام في الدين، ونصب لذلك طوائفه من المسلمين فصولا، ذكر فيها الإجماع، فأتى بكلام لو سكت عنه لكان أسلم له في أخراه، بل الخرس كان أسلم له، وهو ابن مجاهد البصري الطائي – لا المقرئ – فإنه أتى فيما ادعى فيه الإجماع، أنهم أجمعوا أنه لا يخرج على أئمة الجور فاستعظمت ذلك، ولعمري إنه عظيم أن يكون قد علم، أن مخالف الإجماع كافر، فيلقي هذا إلى الناس، وقد علم أن أفاضل الصحابة وبقية الناس يوم الحرة، خرجوا على يزيد بن معاوية، وأن ابن الزبير ومن اتبعه من خيار المسلمين، خرجوا عليه أيضاً رضي الله عن الخارجين عليه ولعن قتلتهم. وأن الحسن البصري وأكابر التابعين خرجوا على الحجاج بسيوفهم، أترى هؤلاء كفروا، بل والله من كفرهم أحق بالكفر منهم، ولعمري لو كان خلافاً يخفى لعذرناه،ولكنه أمر مشهور يعرفه أكثر العوام في الأسواق والمخدرات في خدورهن لاشتهاره، فلا يحق على المرء أن يخطم كلامه وأن يزمه إلا بعد تحقيق وميز، وأن يعلم أن الله تعالى بالمرصاد وأن كلامه محسوب مكتوب مسؤول عنه يوم القيامة، وعلى كل تابع له إلى آخر من اتبعه عليه وزره."

وقال في كتاب "الفصل في الملل ..": "إنّ سل السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ، إذا لم يمكن دفع المنكر إلا بذلك .. وهذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكل من معه من الصحابة ، وقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وطلحة والزبير ، وكل من كان معهم من الصحابة ، وقول معاوية وعمرو والنعمان بن بشير ، وغيرهم ممن معهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، وهو قول كل من قام على الفاسق الحجاج ومن والاه من الصحابة رضي الله عن جميعهم ، كأنس بن مالك ، وكل من كان ممن ذكرنا من أفاضل التابعين . ثم من بعد هؤلاء من تابعي التابعين ، ومن بعدهم كعبدالله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر ، وكعبد الله بن عمر ، ومحمد بن عجلان ، ومن خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن ، وهاشم بن بشر ، ومطر الوراق ، ومن خرج مع إبراهيم بن عبد الله ، وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء ، كأبي حنيفة ، والحسن بن حي ، وشريك ، ومالك ، والشافعي ، وداود وأصحابهم ، فإن كل من ذكرنا من قديم أو حديث إما ناطق بذلك في فتواه ، وإما فاعل لذلك بسل سيفه في إنكار ما رأوه منكرا".

قال الإمام أبو بكر الجصاص في"أحكام القرآن": "وقد كان الحسن وسعيد بن جبير والشعبي وسائر التابعين يأخذون أرزاقهم من أيدي هؤلاء الظلمة، لا على أنهم كانوا يتولونهم ولا يرون إمامتهم، وإنما كانوا يأخذونها على أنها حقوق لهم في أيدي قوم فجرة. وكيف يكون ذلك على وجه موالاتهم وقد ضربوا وجه الحجاج بالسيف، وخرج عليه من القراء أربعة آلاف رجل هم خيار التابعين وفقهاؤهم فقاتلوه مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بالأهواز ثم بالبصرة ثم بدير الجماجم من ناحية الفرات بقرب الكوفة وهم خالعون لعبد الملك بن مروان لاعنون لهم متبرئون منهم".

ويقول في موضع آخر من نفس الكتاب : "ومن الناس من يظن أن مذهب أبي حنيفة تجويز إمامة الفاسق وخلافته وأنه يفرق بينه وبين الحاكم فلا يجيز حكمه .. ولا فرق عند أبي حنيفة بين القاضي وبين الخليفة في أن شرط كل واحد منهما العدالة، وأن الفاسق لا يكون خليفة ولا يكون حاكما ..وكان مذهبه مشهورا في قتال الظلمة وأئمة الجور"

ونقل الإمام ابن حجر في فتح الباري الآتي : "ونقل ابن التين عن الداودي قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب وإلا فالواجب الصبر".

ونقل الإمام ابن العربي في " أحكام القرآن" عن علماء المالكية الآتي : "قال علماؤنا في رواية سحنون: إنما يقاتل مع الإمام العدل سواء كان الأول أو الخارج عليه، فإن لم يكونا عدلين فأمسك عنهما إلا أن تراد بنفسك أو مالك أو ظلم المسلمين فادفع ذلك ".

وقال الشيخ الكناني في "الاعتذار .. والانتصار" عن الفئة التي تنكر الإنكار على الولاة : "وهذا من جهلهم العظيم بالفقهِ في دين ِ اللهِ ، ولو أنّهم رجعوا إلى أصغر ِ كتبِ العلم ِ ، لوجدوا أنَّ النكيرَ على السلطان ِ باللسان ِ واليدِ ، سنّة ٌ معروفة ٌ عندَ سلفِ الأمّةِ ، حتّى إنَّ الخروجَ عليهم بالسيفِ فيما لو جاروا وظلموا ، كانَ مذهباً معروفاً ، قالَ بهِ جمعٌ كبيرٌ من الصحابةِ ، بل جعلهُ ابنُ حزم ٍ مذهبَ أكثر ِ الصحابةِ ، وهو قولُ أكثر ِ التابعينَ الذين كانوا مع ابن ِ الأشعثِ ، وفيهِ رواياتٌ عن أحمدَ ، وهو قولٌ مشهورٌ في مذهبِ أبي حنيفة َ ، ومالكٍ ، بل جعلهُ ابنُ حجر ٍ مذهباً من مذاهبِ السلفِ ."

أما أدلة الفقهاء على وجوب عزل الخليفة حين مبلغه من الظلم والفسق مبلغا عظيما، أو الخروج على حكام الجور فكثيرة جدا منها أن المقصود "بالكفر البواح" في حديث النبي صلى الله عليه وسلم "وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان"، هو المعصية والإثم، وذلك ما ذكرته روايات أخرى للحديث كـ: "إلا أن تكون معصية لله بواحاً " و "ما لم يأمروك بإثم بواحاً" . وهو عين ما قاله الإمام النووي في شرح الحديث :

"المراد بالكفر هنا المعصية ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فانكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم".

وقد قرر الفقهاء أنه : ما دام الخليفة قد أتى منكرا بواحا محققا يعلمه الناس من قواعد الإسلام فلهم أن ينكروا ذلك وأن ينازعوا ولاة الأمر في ولايتهم وأحقيتهم لها، وهذا ما جاء في "نيل الأوطار"، و " الخلافة"، والأحكام للماوردي، "والأحكام السلطانية" للفراء، و"المسامرة".

ومن الأدلة عندهم الآتي :

1- أنه جاء بنص القرآن والسنة وعمل الصحابة وإجماع العلماء أن العدالة - وليس العصمة فبينهما فرق شاسع- شرط للشاهد، والقاضي، والمفتي والراوي، فمن سقطت عدالته رفضت شهادته او روايته أو فتواه أو قضاؤه، حتى لو عين ابتداءا وحصل الفسق انتهاءا، فمن باب أولى اشتراط استمرارية العدالة في الإمام لأنه أعظم منصبا وأخطر نتيجة.

2- قول الله عز وجل : {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}، فعدم الأخذ على يد الإمام الجائر والركون لظلمه موجب للعقوبة.

3- قول الله تبارك وتعالى: {واذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن، قال إني جاعلك للناس اماماً قال ومن ذريتي قال: لا ينال عهدي الظالمين} وفيه دليل على أنه لا تصح ولاية الظالم وإمامته.

4- { ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون }.

5- {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا }.

6- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم

7 -قال عليه الصلاة والسلام " إنه سيلي أمركم من بعدي رجال يطفئون السنة ويحدثون بدعة ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها . قال ابن مسعود : يا رسول الله كيف بي إذا أدركتُهم ؟ قال : ليس يا ابن أم عبد طاعة لمن عصى الله -قالها ثلاثة مرات- " -رواه أحمد وابن ماجة - .

8- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : "ما من نبي بعثه الله قبلي إلا كان له من أمته حواريون ، وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف ، يقولون مالا يفعلون ، ويفعلون مالا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" -رواه مسلم-. قال ابن رجب في جامع العلوم : "وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد " .

9- وروى الطبراني بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن مواقيتها ويحدثون البدع، قال فكيف أصنع إن ادركتهم؟ قال: تسألني يا ابن أم عبد كيف تصنع؟ لا طاعة لمن عصى الله" وفي سؤال النبي عليه الصلاة والسلام للصحابي الجليل لطائف شتى.

ومن الشرطية هي أبلغ صيغ العموم على الإطلاق كما بينه الأصوليون.

10- روى الإمام أحمد بسند جيد "إنه سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله عز وجل" - وهو صالح للاحتجاج بمتابعاته-.

11- قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "سيكون أمراء من بعدى يأمرونكم بما تعرفون، ويعملون ما تنكرون، فليس أولئك عليكم بأئمة" - صحيح على شرط ابن حبان-.

12- أخرج الحاكم بسنده مرفوعا : "يكون عليكم أمراء يتركون من السنة مثل هذا -وأشار إلى أصل إصبعه، يريد التقليل-، وإن تركتموهم جاؤوا بالطامة الكبرى، وإنها لم تكن أمة إلا كان أول ما يتركون من دينهم السنة، وآخر ما يدعون الصلاة، ولولا أنهم يستحيون ما صلوا".

13- روى أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه تلا قوله تعالى "يا أيها الناس عليكم أنفسكم لايضركم من ضل إذا اهتديتم " فقال : أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية فتضعونها في غير موضعها وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه ، أوشك أن يعمهم بعقابه " "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه"

فهذا نذر يسير في بيان حال هذه المسألة لمن شم رائحة الفقه وغاص في تحقيقه ومراجعه.
رد مع اقتباس