و لكن العجب العجيب ، و النبأ الغريب أن خوارج هذا العصر لم يكتفوا ﻷنفسهم بـ " البدعة " فقط بل أصروا على إستصحاب " الحماقة " معها .
فلم يجدوا في قاموس البدع إﻻ بدعة اﻹرجاء ليرموا بها مخالفيهم ظناً منهم أن المرجئة ﻻ يُكفرون الحكام ، و ﻻ يرون الخروج عليهم و ربما جعلوا زنادقة الحكام أولياء .
و بما أنه للحماقة رجال ، و للحقيقة أبطال ، فالحق على خﻼف ذلك .
فإن المرجئة يرون الخروج على الحكام وﻻ يشترطون له كفر السلطان .
- روى ابن شاهين عن سفيان الثوري : أنه قال : إتقوا هذه اﻷهواء المضلة ، قيل له : بين لنا - رحمك الله - فقال سفيان : أما المرجئة فيقولون ... و ذكر شيئاً من أقوالهم الى ان قال : و هم يرون السيف على أهل القبلة ( 3 ).
-و قيل ﻹبن المبارك - رحمه الله - : ترى رأي اﻹرجاء ؟ فقال : كيف أكون مرجئاً ، فأنا ﻻ أرى السيف (4)
-و روى عبد الله بن أحمد في " السنة " بإسناد صحيح عن أبي إسحاق الفزاري قال : سمعت سفيان و اﻷوزاعي يقولون : إن قول المرجئة يخرج الى السيف( 5 ).
-و روى الصابوني في " عقيدة السلف أصحاب الحديث " بإسناده الصحيح الى أحمد بن سعيد الرباطي أنه قال : قال لي عبد الله بن طاهر : يا أحمد إنكم تبغضون هؤﻻء القوم - يعني المرجئة - جهﻼً ، و أنا أبغضهم عن معرفة ، أوﻻً : أنهم ﻻ يرون للسلطان طاعة( 6 )
قلت : ﻷنهم يرون الخروج على اﻷئمة بﻼ تكفير ، و لهذا قال فيهم إبراهيم النخعي :" الخوارج أعذر عندي من المرجئة"
( 7 )ﻷن الخوارج ﻻ تخرج إﻻ بعد أن تُكِّفر
-و قال أيضاً إبراهيم النخعي - رحمه الله - : لفتنة المرجئة على هذه اﻷمة أخوف عندي من فتنة اﻷزارقة( 8 ).
قلت : و اﻷزارقة هم ( فرقة من فرق الخوارج أصحاب نافع بن اﻷزرق و قولهم أخبث اﻷقاويل و أبعده من اﻹسﻼم و السنة ) .
-و كان عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود مرجئاً ثم رجع فأنشد يقول :
ﻷول ما نُفارق غير شكٍ ... نفارق ما يقول المرجئونا..
و قالوا : مؤمن و أهل جور ... و ليس المؤمنون بجائرينا..
و قالوا : مؤمن دمه حﻼل ... و قد حُرمت دماء المؤمنينا..
( 9 )-و قال إسحاق بن إبراهيم تعقيباً على حديث " خيار أئمتكم الذين تحبونهم و يحبونكم ... قالوا يا رسول الله أفﻼ ننابذهم بالسيف ؟ قال : ﻻ ما أقاموا فيكم الصﻼة ..." .قال إسحاق : ( و السنة عليه ، و فيها هﻼك المرجئة )( 10 ).
و قبل الختام فلكم هدية من إمام أهل السنة اﻹمام المبجل أحمد بن حنبل - رحمه الله - :فقد روى عنه أنه قال :
" المرجئة هم الخوارج "قال أبو الحسين بن أبي يعلى في " طبقات الحنابلة " ( 1/34-36 ) :و قد رأيت ﻷهل اﻷهواء و البدع و الخﻼف أسماء شنيعة قبيحة يسمون بها أهل السنة يريدون بذلك عيبهم و الطعن عليهم ، و الوقيعة فيهم ، و اﻹزراء بهم عند السفهاء و الجهال فأما المرجئة فأنهم يسمون أهل السنة شُكَّاكاً و كذبت المرجئة بل هم بالشك أولى ... الى أن قال : و أما الخوارج فإنهم يسمون أهل السنة و الجماعة مرجئة و كذبت الخوارج في قولهم بل هم المرجئة يزعمون أنهم على إيمان و حق دون الناس و من خالفهم كافر . أ هـ
قلت : و رحم الله من قال المبتدعة إختلفوا في اﻷسم و إجتمعوا على السيف .
فـ " عذراً أيها الخوارج " .. أنتم المرجئة و نحن على ما نحن عليه من السنة وهذا ما ندين الله به فعرفونا قولكم الذي به تقولون ، و ديانتكم التي بها تدينون .
و صلى الله على محمد و على آله وصحبه و سلم .و كتبه أبو صهيب وليد بن سعد وفقه الله
------------------
1- الصواعق المرسلة ﻻبن القيم ( 2/440 )
2 - مجموع الفتاوى ( 5/111 )
3 - رواه ابن شاهين في الكتاب اللطيف ( 15 ) ، اﻵجُري في الشريعة ( 2062 ) ، الﻼلكائي في شرح أصول اﻹعتقاد ( 1834 ) .
4 - رواه ابن شاهين في الكتاب اللطيف ( 17 ) ، و مختصر مستخرج الطوسي حديث رقم ( 17 ) تحقيق أنيس بن أحمد طاهر اﻷندونوسي .
5 - السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل ( 363 ) .6- عقيدة السلف أصحاب الحديث ( 109 ) للصابوني .
7 - السنة لعبد الله بن أحمد حديث ( 623 ) .8 - رواه الخﻼل في السنة ( 963 )
9 - شرح أصول اﻹعتقاد ﻻلﻼلكائي حديث ( 1501 ) .
10 - مستخرج أبي عوانة حديث ( 5774)
آخر تعديل بواسطة مناظر سلفي ، 2014-10-02 الساعة 09:35 AM
|