ونعود فنسأل هل كان لتلك الآيات مصاديق في عالم الخارج أم لا؟
فإن كان يوجد لها مصاديق فمن هم؟
ألم يكونوا نفس الذين اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لنصب الخليفة؟
فهل كان الله تعالى، الذي امتدحهم وأثنى عليهم، عالما بسرائرهم وضمائرهم خبيرا بماضيهم ومستقبلهم أم لا؟
بديهي أن الشق الثاني من السؤال لا يمكن لمؤمن بالله أن يلتزم به
"تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا"!
وأما إن كان عليماً خبيراً، وهو قطعاً كذلك، فمن يستطيع أن يدعي أن الله العليم الخبير مدحهم وأثنى عليهم (وشهد لهم بصدق الإيمان ووعدهم بالجنات والرضوان) لكنهم ارتدوا، فور وفاة نبيهم، على أعقابهم كفاراً (خونة) وجحدوا أمر الله تعالى بتأمير علي عليه السلام عليهم؟!([27]).
ذلك لأن الله تعالى، الذي يعلم الغيب ويعلم فيما إذا كان عبدٌ من عباده سيرتكب من الأعمال في المستقبل ما يحبط أجره ويبطل سوابقه الصالحة، إذا قال عن فلان أنه مفلح وفائز وأعددت له الجنات، كان ذلك دليلاً قاطعاً على أن ذلك العبد لن يرتكب عملا يمنعه من الدخول في الجنة وأن عثراته ستكون مغفورة.
ألم يكن الله تعالى الحكيم العليم الخبير يعلم أن أصحاب نبيه لم يكونوا مهتمين بصدق بحقائق الدين بل قبلوه قبولا ظاهريا سطحيا ومتزلزلا - كما تدعيه الروايات التي وضعها الغلاة المندسّين بين شيعة آل البيت الأطهار –
بل طبقاً لبعض رواياتهم كان أولـئك الصحابة في نفس زمن حياة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد شكلوا زمراً ومجموعاتٍ سريةً وعقدوا فيما بينهم عهوداً وكتبوا صحيفةً ملعونةً أودعوها الكعبة!،!!!!!!!!!!!!
وأنه منذ أول يوم تظاهروا فيه بالدخول في الإسلام لم يكن لهم هدف سوى الوصول للإمارة والحكومة!
وأن قلبهم كان طافحاً ببغض أهل البيت وبمجرّد أن ارتحل النبي ارتدوا على أعقابهم وأنكروا أهم أصل من أصول الدين وهو الإمامة المنصوص عليها من الله؟!
فكيف إذن أنزل تعالى في شأنهم كل آيات الثناء والمديح والشهادة بالإيمان والفوز والفلاح تلك؟!
آيات تبقى خالدة إلى يوم القيامة يتلوها المؤمنون آناء الليل وأطراف النهار يحبون بسببها المهاجرين الأنصار ويغبطونهم على إيمانهم وفلاحهم.
أجل إن تصديق رواية «لما قبض النبي ارتد الناس إلا ثلاثة (أو سبعة)...»
وأمثالها يؤدي إلى تكذيب جميع الآيات القرآنية الكريمة السابقة ولا ينطق بها الا من انكر القران او روج له بالتحريف كما يدعون !!!!!!!!!!! وليعوذ بالله من هؤلاء،
أو إلى اتباع البدعة التي وضعها بعض أعداء الإسلام لإسقاط الكتاب المجيد عن الحجية، بادعائهم أن كتاب الله غير قابل للفهم البشري
وأننا لا نستطيع أن نفهم المراد الحقيقي منه! وأن ظواهره غير مرادة، وعندئذ يفتح الباب للباطنية الذين يفسرون القرآن على أهوائهم فيأتون بغرائب وأباطيل لم ينـزّل الله بها من سلطان!
أجل إن الإصرار على صحّة أمثال تلك الروايات، يلزم منه اعتبار تلك الآيات القرآنية الكريمة إما خاطئة - والعياذ بالله - أو غير مفهومة، وبالتالي ففاعل ذلك يغفل - أو يتغافل - عن أنه بإصراره على إثبات الإمامة المنصوص عليها لعلي عليه السلام أثبت - والعياذ بالله - بطلان معجزة الرسالة الكبرى
وبالتالي أثبت كذب الإسلامِ ونبوةِ خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)!!
(و وقع في المثل القائل جاء ليكحِّلها فأعماها!)
. لأنه إذا كان رد خلافة علي ارتداداً كما تصرِّح به تلك الروايات التي تقول: لما قُبِضَ النبيّ ارتـدّ الناس على أعقابهم كفَّاراً إلا ثلاثة، ونعلم أن أكثر صحابة النبي بل كلهم بقوا على بيعتهم لأبي بكر، أي بقوا على ذلك الارتداد المزعوم(!) - والعياذ بالله - وماتوا عليه، فطبقاً لقوله تعالى:
﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُو كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة:217]،
سيكونون جميعاً قد حبطت أعمالهم وسيصيرون إلى نار جهنم خالدين فيها أبداً، إلا ثلاثة نفر!! أولـئك الثلاثة الذين تدل سيرتهم، للأسف أو لحسن الحظ، على أن موقفهم ورأيهم في المسألة كان نفس رأي وموقف سائر أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)!!
وذلك أن المقداد رضي الله عنه الذي ذكر في بعض الروايات أنه كان أثبت قدما من سلمان وأبي ذر (رضي الله عنهما) في أمر خلافة علي بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)،
هو الشخص ذاته الذي - طبقاً لوصية عمر رضي الله عنه - كان عليه مهمة التعاون والإشراف على أبي طلحة (زيد بن سهل) الأنصاري في أمر تعيين الخليفة من بين الستة:
علي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن وعثمان،
حيث أمر عمر رضي الله عنه أبا طلحة أن ينظرهم ثلاثة أيام فإن اتفقوا على رجل منهم وأبى واحدٌ أن يَضرِبَ عُنُقَه وإن اتفق أربعة وأبى اثنان أن يضرب عُنُقَهما وإن اختلفوا جميعاً بعد المدة المحددة أن يضرب أعناقهم جميعاً([28]).راجع ص 42 من هذا الكتاب، وانظر تاريخ الأمم والملوك للطبري: ج 3 /ص 294-295 (ت)
كما أن سلمان رضي الله عنه كان والياً على المدائن من قِبَلِ عمر رضي الله عنه لعدة سنين ولم يُؤْثَر عنه من سيرته المعروفة الواضحة، أدنى اعتراض على خلافة الشيخين (رضي الله عنهما).
فبعد كل ذلك هل يمكن لأي مسلمٍ مؤمنٍ بالقرآن أن يعير مفاد تلك الروايات أدنى التفات؟
ألا ينبغي على كل مؤمن بالقرآن، بينه وبين الله وأمام حكم وجدانه ودينه، - وعملا بالأمر الصريح لأئمة آل البيت عليهم السلام الذين أكدوا مراراً أن ما خالف القرآن من الأخبار المنقولة فهو زخرف وليس عنهم وينبغي أن يضرب به عرض الحائط([29]) –
أن يحارب ويكذِّب بشدة وبكل ما أوتي من طاقة ووسع أمثال تلك الأحاديث الموضوعة المكذوبة.
لو ألقيت نظرة، أيها القارئ الكريم، على التاريخ الدموي المخزي المليء بالعداوة والخصومة والفرقة، الذي أوجدته تلك الروايات وأمثالها بين المسلمين،لأدركت أن واضعي أمثال تلك الروايات، ومختلقي مثل تلك الأحاديث، هم بلا شك ولا ريب من أشد أعداء الإسلام، أو أنهم أشخاص جهلة كان يحركهم ويحرضهم أعداء الإسلام ليوقعوا الفرقة بين المسلمين،