دليل حجية السنة من السنة
ثانيا : دليل حجيتها من السنة نفسها :
كما دلت أي القرآن الكريم على حجية السنة، ووجوب اتباعها، والتمسك بأحكامها، فقد تضمنت السنة الشريفة نفسها الحجج والبراهين على أنها ضرورة دينية، يجب الأخذ بها، والالتزام بما جاءت به من أحكام، وحذرت من تنكر المتنكرين لها، والحيدة عن دربها، وقد استفاضت الأحاديث التي تدل على ذلك :
1- روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا يا رسول الله من يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى "(1).
2- وروى أبو داود والترمذي عن أبي رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "[gdwl] لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه "(2).[/gdwl]
3- وروي الترمذي عن المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني، وهو متكئ على أريكته فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله "(3).
ولفظ أبي داود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلى، ولا كل ذى ناب من السباع، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه "(4).
يتضح من الأحاديث الثلاثة السابقة ما يلي :
أ- أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتبرأ ممن يتجاهل العمل بسنته عليه السلام، ومن يبرأ منه الرسول صلى الله عليه وسلم ويغضب عليه، يبرأ الله منه ويغضب عليه والعياذ بالله.
ب- أن الجهل وعدم الفقه في الدين، والغرور بالجاه والمال قد يؤديان بالإنسان إلى القول بالتفريق بين الكتاب والسنة، وهذا خطر عظيم على إيمان ودين من يقع فيه.
ج- أن ما يشرعه الرسول لم يشرعه من عنده كبشر، وإنما مما أتاه الله، فقد أتاه الله القرآن ومثله معه، فسنته عليه السلام بيان من الله وتعليم موحى به مثل القرآن، ففي القرآن أم المسائل، وفي السنة بيان المبهم وتفريع المسائل.... إلخ.
ولذلك نجد الرسول يقرن العمل بالسنة بالعمل بالكتاب، في مثل الحديث الآتي :
روى الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه قال : "بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله، وسنة رسوله " (5)، فمن يترك العمل بالسنة بضل، مثله في ذلك مثل من يترك العمل بالقرآن.
4- وروى الترمذي وغيره عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نضر الله أمراً سمع مقالتي فوعاها وحفظها، وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه "(6).
قال الشافعي : " فلما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها... دل على أنه لا يأمر أن يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه، لأنه إنما يؤدي عنه حلال يؤتي، وحرام يجتنب، وحد يقام، ومال يؤخذ ويعطي، ونصيحة في دين ودنيا "(7).
وقال البيهقي : " لولا ثبوت الحجة بالسنة لما قال صلى الله عليه وسلم في خطبته، بعد تعليم من شهده أمر دينهم : " ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع "(8).
5- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم "(9).
وهذا الحديث يوافق قوله تعالى : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصبهم عذاب أليم )[ سورة النور /63].
والأحاديث غير ذلك كثيرة، وفيما ذكرناه غنية وكفاية، وننتقل إلى دليل حجيتها من الإجماع.
(1) - صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم ( 7280).
(2) - سنن أبي داود، كتاب السنة، باب لزوم السنة، رقم ( 4605)، وسنن الترمذي، كتاب العلم، باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، رقم ( 2663)وقال : حديث حسن صحيح .
(3) - الترمذي، كتاب العلم، باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم رقم ( 2664)وقال : حسن غريب من هذا الوجه .
(4) - سنن أبي داود، كتاب السنة، باب لزوم السنة، رقم ( 4606)وسبق تخريجه .
(5) - الحديث سبق تخريجه في المبحث الأول .
(6) - سنن الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، رقم ( 2657)، وقال : حسن صحيح، وأخرجه ابن ماجه، المقدمة، باب من بلغ علماً، رقم ( 231).
(7) - الرسالة صـ 402، 403.
(8) - مفتاح الجنة للسيوطي صـ 8 والحديث أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قال الله تعالى " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " رقم ( 7447)ومسلم، كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض، رقم ( 1679).
(9) - أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الفضائل باب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه رقم ( 1337 ).
|