الحمد لله ،، أولا بالنسبة لفهم السلف فإنني لم أجد حتى الآن في كلامك ما يدل على وجوب الالتزام به ولا أظنك جاء بأكثر مما جئت به من عمومات لا نص فيها،ولأن القول بوجوب فهم السلف بدعة سلفية فإننا لم نجد أحدا من أكبار السالفين قال به،بل وجدنا الإمام أباحنيفة يقول:"ما جاء عن رسول صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين وما جاء عن الصحابة اخترنا وما كان غير ذلك فهم رجال ونحن رجالٌ " أنظر الوافي بالوفيات(ج 7 / ص 351)،وانظر كذلك الجامع الصغير لعبد الحي اللكنوي(ج1/ص34)،وقال الإمام أحمد -وقد سئل عن مسألة فأفتى فيها فقيل له: هذا لا يقول به ابن المبارك فقال-: ابن المبارك لم ينزل من السماء،ذكر ذلك الحافظ ابن الجوزي في دفع الشبه ص111، وما ذلك من أولئك إلا لأنهم لم يجدوا ما يأمرهم بالتزام فهم أحد لا الصحابة ولا غيرهم وإنما وجدوا قوله تعالى{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ }[النساء/59]،فقط.
وما أوردته في تعقيبك ليس فيه شيء مما يدل على ذلك فحديث:" خير الناس قرني" دال على أفضليتهم لا على حجية فهمهم،وهو أمر يدركه كل من درس سيرتهم واستقرأ حياتهم،رضي الله عنهم،فالصحابة اختلفوا في قضايا أعمل كل منهم فيها فهمه واجتهد رأيه ولم يتفقوا على فهم واحد وهذا هو الفهم السليم وهو الصراط المستقيم الذي هدوا إليه.
وقد اختلفوا في فهم كتاب الله تعالى كما دلت على ذلك أدلة منها ما رواه أحمد في مسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حمر النعم أقبلت أنا وأخي وإذا مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس عند باب من أبوابه فكرهنا أن نفرق بينهم فجلسنا حجرة إذ ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا قد احمر وجهه يرميهم بالتراب ويقول مهلا : " يا قوم بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتب بعضا ببعض إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا بل يصدق بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه " وهو حديث صححه الشيخ الألباني في شرح الطحاوية.
وعن عبد الله بن عمرو قال: هَجَّرتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فإنا لجلوس إذ اختلف اثنان في آية، فارتفعت أصواتهما فقال: "إنما هلكت الأمم قبلكم باختلافهم في الكتاب" رواه أحمد ومسلم والنسائي.
واختلفوا كذلك في مسائل عقائدية كالقدر مثلا،ففي سنن ابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يختصمون في القدر فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم قال فقال عبد الله بن عمرو ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه " قال الألباني حسن صحيح كما في تخريج المشكاة وغيره فأين حجية فهم السلف مع كل هذا؟!
|