عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2010-06-12, 08:23 PM
طالب عفو ربي طالب عفو ربي غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-02-28
المشاركات: 716
افتراضي إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾[‏يوسف‏:4]‏

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾[‏يوسف‏:4]‏


هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في مطلع سورة يوسف‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها مائة واحدي عشرة‏(111)‏ آية بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لدورانها حول قصة نبي الله يوسف‏,‏ وهي القصة الوحيدة من قصص الأنبياء التي جاءت كاملة في احدي سور القرآن الكريم‏.‏ وقد جاء ذكر نبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ باسمه صراحة في أربع وعشرين‏(24)‏ آية من آيات السورة التي تحمل اسمه‏,‏ كما جاء في آية واحدة في كل من سورتي الأنعام وغافر‏,‏ وبذلك يكون ذكر هذا النبي الصالح قد جاء في ست وعشرين‏(26)‏ آية من آيات القرآن الكريم‏.‏
ويدور المحور الرئيسي لسورة يوسف حول سلسلة الابتلاءات التي عرضه الله ـ تعالي ـ لها تمحيصا لشخصه الكريم حتى يكون في ذلك سلوى لخاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ وسط كل التحديات التي تعرض لها من كفار ومشركي قريش بعد عام الحزن الذي فقد فيه كلا من زوجه الوفية أم المؤمنين السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ وعمه أبي طالب‏,‏ وحتى يري خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ من قصة نبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ أن لنجاح العبد في الابتلاءات التي يتعرض لها مردوده العظيم في الدنيا قبل الآخرة‏,‏ وأن اعتزاز المرء بإيمانه بالله وانعكاس ذلك علي سلوكه له أكبر الأثر في تمكينه من دعوة الآخرين‏,‏ والإيمان بأن الحق يعلو ولا يعلي عليه‏,‏ وغير ذلك من القيم الإسلامية الرفيعة‏.‏
هذا وقد سبق لنا استعراض سورة يوسف وما جاء فيها من ركائز العقيدة‏,‏ والقصص والدروس المستفادة منها‏,‏ وغير ذلك من الإشارات العلمية‏,‏ ونركز هنا علي أوجه الإعجاز التاريخي والعلمي في استعراض القرآن الكريم لقصة نبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ وفي الرؤيا التي رآها وهو طفل صغير ثم جعلها ربي حقا‏,‏ والتي تلخصها الآية التي اخترناها عنوانا لهذا المقال‏.‏

من أوجه الإعجاز العلمي والتاريخي:
علي عادة القرآن الكريم تأتي القصة من أجل استخلاص الدروس والعبر منها‏,‏ لا من قبيل العرض التاريخي المباشر الذي يعني بالأسماء والتواريخ والأماكن فقط‏,‏ ولكنها تبقي من الناحيتين العلمية والتاريخية بالغة الدقة والإحكام لأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه‏,‏ فلا يمكن للباطل أن يأتيه من بين يديه ولا من خلفه‏.‏

ولقد لخصت سورة يوسف قصة هذا النبي الصالح في سلسلة من المحن والابتلاءات التي يمكن إيجازها فيما يلي‏:‏
‏1‏ ـ كانت المحنة الأولي التي تعرض لها نبي الله يوسف هي استئثاره بحب أبيه مما تسبب في حقد إخوته عليه‏,‏ والدرس المستفاد من تلك المحنة هو ضرورة عدم تفرقة الآباء بين الأبناء‏,‏ حتى وإن كان أحدهم أقرب إلي القلب‏,‏ فلا يجوز إظهار ذلك أمام الآخرين حتى لا يوقع الآباء الفتنة بين أبنائهم‏.‏
‏2‏ ـ وكانت المحنة الثانية هي الرؤيا المنامية التي رآها يوسف في طفولته والتي لخصها القرآن الكريم في مطلع السورة‏,‏ يقول ربنا ـ تبارك وتعالي‏:‏ـ ‏﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ ‏‏(‏ يوسف‏:4).‏
والدرس المستفاد من ذلك هو ضرورة التصديق برؤى الصالحين‏,‏ والحرص علي عدم إفشائها‏,‏ وأخذ الحذر من التباهي بالنعم والإعلان عنها خشية الغيرة والحسد حتى بين الإخوة‏,‏ مع الإيمان الكامل بأن قدر الله نافذ لا محالة‏,‏ وفي ذلك يقول القرآن الكريم علي لسان يعقوب ـ عليه السلام ـ بعد أن سمع رؤيا ابنه يوسف‏:‏ ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ ‏(‏ يوسف‏:5).‏
‏3‏ ـ وكانت المحنة الثالثة هي كيد إخوة يوسف له الذي يلخصه القرآن الكريم علي لسان أحدهم بقوله‏:‏ ﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ *

قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ (‏ يوسف‏:10,9).‏
والدرس المستفاد من هذا الموقف هو أن للإخوة حقوقا كثيرة‏,‏ وعليه فإنه لا يجوز للإنسان أن يسمح للشيطان بإغوائه كي يتجاوزها‏,‏ لأن الشر لا ينتج إلا شرا‏,‏ وأن الخير لا ينتج إلا خيرا‏,‏ فلا يجوز لمسلم أن يخدع أخاه المسلم‏,‏ أو أن يخدع نفسه باختلاق المبررات للوقوع في الخطأ‏,‏ والظلم مهما زينه الشيطان في ناظريه‏.‏
‏4 ‏ ـ وكانت المحنة الرابعة إلقاء الطفل الصغير يوسف في غيابت الجب‏(‏ أي في قاع بئر الماء‏)‏ وما فيه من ظلمة ووحدة ووحشة‏,‏ ولكن سرعان ما جاء الفرج من عند الله ـ تعالي ـ فجاءت قافلة وأرسلت فردا منهم فأدلي بدلوه ليستسقي من الماء‏,‏ فتعلق الطفل الصغير يوسف بالدلو فشعر صاحب الدلو بثقله وظن أنه قد امتلأ ماء‏,‏ فلما نزع الدلو فإذا بغلام صغير شديد الوسامة قد تعلق بالدلو فاستبشر به كما استبشر به بقية أفراد القافلة‏,‏ ورحلوا به إلي مصر وباعوه بثمن بخس إلي رئيس وزراء مصر‏.
باعوه رقيقا وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم كما وصفه المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏,‏ والدرس المستفاد من هذه المحنة هو اليقين بلطف الله ورحمته في كل شدة يمر بها المسلم‏,‏ انطلاقا من الإيمان بأن الله ـ تعالي ـ هو رب هذا الكون ومليكه‏,‏ والدعوة إلي التحلي بالصبر علي المكاره في جميع الأزمات التي يمر بها الإنسان‏,‏ لأن الصبر من أعظم القيم الإسلامية‏,‏ ومن أنجع الوسائل التربوية للنفس الإنسانية‏,‏ والعاقبة دوما للصابرين رضا بقضاء الله وقدره‏,‏ والصادقين يقينا بعدله المطلق ورحمته بعباده‏.
‏5‏ ـ وكانت المحنة الخامسة هي وقوع امرأة العزيز في حب يوسف‏,‏ والكيد له بمكر وخبث شديدين هي وصاحباتها بكل وسائل الإغراء التي كن يمتلكنها إلي أن نجاه الله ـ تعالي ـ من كيدهن بوضعه في السجن ظلما بقرار من عزيز مصر حتى يخلص من عار امرأته‏,‏ ويكف ألسنة الناس عنها وعنه‏.‏
والدروس المستفادة من هذه المحنة هي الدعوة إلي العفة والحرص علي صون محارم الآخرين‏,‏ والوفاء لأصحاب الفضل‏,‏ ومراقبة الله في السر والعلن‏,‏ والتحذير من خطورة الخلوة بالمرأة الأجنبية‏.‏
‏6‏ ـ وكانت المحنة السادسة هي محنة التمكين في الأرض بعد أن فسر يوسف رؤيا ملك مصر وكان هذا الملك من العماليق الهكسوس العرب‏,‏ وكان ذلك في حدود القرن الثالث عشر قبل الميلاد‏,‏ وقد فسر يوسف رؤيا الملك علي النحو التالي كما يرويه القرآن الكريم‏:‏﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾‏(‏ يوسف‏:47‏ ـ‏49).‏
‏7‏ ـ أما المحنة السابعة فكانت محنة اللقاء بإخوته وأبويه بعد فراق طال لعشرات السنين‏,‏ فبعد مرور السنوات السبع الخصبة التي أعد يوسف ـ عليه السلام ـ عدته فيها بخزن فائض محاصيل الغلال في سنابلها كما علمه الله‏,‏ جاءت السنوات السبع المجدبة ففتح مخازن الدولة وباع لأهل مصر ما يكفيهم من الغلال‏,‏ وعندما علم أهل فلسطين بما في مصر من مخزون الغلال أرسلوا وفودهم لجلب شيء منها‏,‏ وكان من بين تلك الوفود وفد أبناء نبي الله يعقوب ـ عليه السلام ـ وعندما رآهم يوسف عرفهم وهم لم يعرفوه‏,‏ ولم يجد بينهم أخاه الأصغر بنيامين‏,‏ فأخذ في استدراجهم حتى علم منهم أن أباهم لم يسمح بمفارقة بنيامين له‏.‏
ولما جهزهم يوسف بالغلال التي اشتروها‏,‏ أمر برد بضاعتهم التي دفعوها ثمنا للغلال في أوعيتهم حتى يعودوا بها إليه لأنهم لا يقبلون ما ليس لهم‏,‏ ثم قال لهم‏:‏ ائتوني بأخ لكم من أبيكم أبيع لكم الغلال مرة أخري وأوفي لكم الكيل‏,‏ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي‏,‏ فقالوا سنراود عنه أباه‏.‏
وعندما عاد إخوة يوسف إلي بلدهم فتحوا أمتعتهم لاستخراج ما شروه من غلال فوجدوا الثمن الذي دفعوه مدسوسا فيها‏,‏ فشجعهم ذلك علي طلب صحبة أخيهم بنيامين لهم في رحلتهم الثانية إلي مصر علي الرغم من معارضة أبيهم لذلك‏,‏ ولكن نظرا لشدة القحط‏,‏ ولإلحاح الأبناء لان يعقوب ـ عليه السلام ـ لطلب أبنائه اصطحابهم لأخيهم بنيامين في رحلتهم الثانية إلي أرض مصر‏,‏ واشترط عليهم أن يؤتوه موثقا من الله أن يعودوا به سالما إلا أن يحاط بهم أي أن يغلبوا علي أمرهم‏).‏
عاد إخوة يوسف إلي أرض مصر ومعهم أخوهم بنيامين فأكرم يوسف وفادتهم وأعطاهم طلبهم من الغلال‏,‏ وأمر برد أثمانها إليهم مدسوسة بين الغلال وأن يوضع صواع‏(‏ كأس‏)‏ الملك في رحل بنيامين كي يستبقيه عنده بالادعاء عليه بأنه أخذ الصواع‏.‏
وبعد قليل من ارتحالهم نودي عليهم ليعودوا بدعوي أنهم سرقوا صواع الملك‏,‏ فأظهروا البراءة من ذلك‏,‏ وقالوا‏:‏ من وجد صواع الملك في رحله يؤخذ عبدا للملك‏.‏ وبالتفتيش وجد الصواع في رحل بنيامين فاحتجزه يوسف‏,‏ وبادر الإخوة بالرجاء بأن يأخذ أحدهم مكانه فأبي يوسف ذلك‏.‏
رفض الأخ الأكبر العودة مع إخوته‏,‏ وأشار عليهم بإخبار أبيهم عند عودتهم إليه بما كان من أمر بنيامين‏,‏ فلم يقتنع الأب بروايتهم‏,‏ وأحاله إلي أمر دبروه بليل كما كادوا لأخيهم يوسف من قبل‏,‏ وفي ذلك يقول القرآن الكريم‏:‏ ﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ ‏(‏ يوسف‏:84).‏
لام أبناء يعقوب أباهم علي ذلك‏,‏ فأمرهم بالعودة إلي مصر ليبحثوا عن يوسف وأخيه بنيامين‏,‏ وألا ييأسوا من رحمة الله‏,‏ فعادوا إلي مصر في رحلة ثالثة انصياعا لأمر أبيهم فوجدوا أخاهم بنيامين معززا مكرما في صحبة يوسف فعرفوا أنه أخوهم وأقرهم يوسف علي ذلك وأمرهم بأمر يلخصه القرآن الكريم بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ علي لسانه فقال‏: ﴿ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ * وَلَمَّا فَصَلَتِ العِيرُ قَالَ أَبُوَهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَن تُفَنِّدُونِ ﴾‏ (‏ يوسف‏:94,93).‏
شد يعقوب ـ عليه السلام ـ وآله أجمعون رحالهم إلي أرض مصر‏,‏ فلما جاءوها دخلوا علي يوسف فآوي إليه أبويه‏,‏ فسجد له كل من أبيه وأمه وإخوانه الأحد عشر سجود الاحترام والتوقير لا سجود العبادة والخضوع ونطق بقول الحق ـ تبارك وتعالي ـ‏: ﴿...وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقاًّ...﴾‏ (‏ يوسف‏:100).‏
والدروس المستفادة من هذه المحنة السابعة في حياة نبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ تتلخص في الدعوة إلي العفو عن المسيء‏,‏ واليقين بأن الله ـ تعالي ـ قد تكفل بنصرة المظلوم ولو بعد حين‏,‏ والتأكيد علي ضرورة الاعتبار بقصص القرآن كلها‏,‏ وبآيات الله في السماوات والأرض‏,‏ وعلي أن أكثر الناس يقعون في حبائل الشيطان الذي يغويهم بالشرك بالله أو الكفر به‏,‏ والتحذير من الوقوع في ذلك لأنه يستوجب نزول عقاب الله في الدنيا قبل الآخرة‏,‏ والتأكيد كذلك علي أن البشرية تأرجحت عبر تاريخها الطويل بين التوحيد والشرك‏,‏ وبين الإيمان والكفر‏,‏ وبين الاستقامة علي منهج الله والخروج عليه‏(‏ سورة يوسف الآيات‏:103‏ ـ‏107).‏
ومن الدروس المستفادة كذلك من هذه المحنة السابعة في قصة نبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ ضرورة القيام بالدعوة إلي دين الله القائم علي التوحيد الخالص لجلاله‏,‏ ونفي الشرك نفيا كاملا‏(‏ سورة يوسف‏:108),‏ وضرورة التسليم بوحدة رسالة السماء وبالأخوة بين الأنبياء وبين الناس جميعا‏,‏ وبنبوة الرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ والاعتبار بعقاب المكذبين لرسل الله في كل زمان ومكان‏(‏ سورة يوسف‏:110.109).‏
وورود هذه القصة في القرآن الكريم بهذا التفصيل هو وجه من أوجه الإعجاز التاريخي والعلمي في كتاب الله للمبررات التالية‏:‏
أولا‏:‏ لأن نبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ عاش في مصر في حدود القرن الثالث عشر قبل الميلاد‏,‏ وأن خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ بعث في مطلع القرن السابع الميلادي‏,‏ أي أن الفترة الزمنية بينهما كانت أكثر من عشرين قرنا‏,‏ ولم يكن العرب أهل علم وتدوين حتي يتذكروا هذه التفاصيل الدقيقة‏,‏ ولا يمكن الاحتجاج بما جاء في كتب الأولين‏.‏
ثانيا‏:‏ من ومضات الإعجاز التاريخي والعلمي في استعراض القرآن الكريم لقصة نبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ ما يمكن إيجازه في النقاط التالية‏:‏
‏1‏ ـ استعمال لقب الملك لحاكم مصر خلال كل السورة بدلا من لقب الفرعون‏,‏ وذلك لأن دخول يوسف عليه السلام ـ ومن بعده أسرته إلي أرض مصر كان في عهد ملوك الهكسوس الرعاة الذين لم يستخدموا لقب الفرعون‏,‏ بل استخدموا لقب الملك‏.‏
‏2‏ ـ الإشارة إلي إخوة يوسف ووالديه بتعبير‏:‏ أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يتوافق تماما مع ما أثبته علم الفلك من أن عدد كواكب المجموعة الشمسية هو أحد عشر كوكبا‏,‏ وأن الشمس لا يمكنها جذب شيء إليها بعد الكوكب الحادي عشر الذي يقع علي بعد‏(90)‏ وحدة فلكية عن الشمس الذي تم اكتشافه في‏2003/11/14‏ م وتم الإعلان عنه في‏2004/3/15‏ م وعرف باسم الكوكب سيدنا‏(Sedna).‏
‏3‏ ـ الإشارة إلي أن أفضل وسيلة لحفظ الحبوب التي تنبت في سنابل من مثل القمح‏,‏ والشعير‏,‏ والذرة‏,‏ والشوفان‏,‏ وغيرها هو حفظها في سنابلها بدلا من حفظها مفروطة في صوامع الغلال حيث تفسد وهو ما أثبته العلم أخيرا‏.‏
من هنا كان في استعراض القرآن الكريم لقصة نبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ من الشهادات الناطقة لكل ذي بصيرة بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية‏,‏ فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي بعثة خير الأنام‏..‏ وصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

رد مع اقتباس