فذكره مرة في بيان أنّه كان رضي الله عنه ، مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكــن سواه معه في قوله
( ثاني اثنين ) ،
أي كانا اثنين لم يكن معهما ثالث ،
وهذا أقل ما يكون من العدد بعد الواحد ،
ومع ذلك نصرهالله تعالى، وفي ذلك بيان واضح على أنّه لو لم يكـن معه سوى واحد من الناس ينصره ، فسيكون الصديق وحده ، ولهذا أقامه الله تعالى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، في أعظم مقام فوقف وحده ناصراً للرسالة حتى جمع أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم على حرب المرتدين ،
ثم أطفأ أعظم فتنة حدثت في الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
والثانية :
في بيان أنّه كان معه في الغـار حيث الشدّة ، والخوف ، والموقف العصيـب ،
لبيان منزلة الصديق ،
وأنّ الله اختاره دون سواه لذلك
المكان في ذلك الحدث التاريخي دون غيره .
والثالثة :
أنه سماه : صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ،
فقــال ( لصاحبه )
ولم يقال صاحب الغار كما بيّنـا .
والرابعـة :
أن الله تعالى جعل الذي يطمئن الصديق هو النبي صلى الله عليه وسلم نفسه في قوله ( لاتحزن ) .
الخامسة:
ذكره أن الله تعالى معهما أي مع النبي صلى الله عليه وسلم والصديـق بالنصرة والتأييد.
وبهذا يتبيّن أنّ المغالطات
التي أرادها الرافضي في غاية السخف
والضعف ، وأنها انقلبت عليه ، وقد فهم
الصحابة حكمة اختيار الله تعالى الصديق لصحبة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف ،
وأنّ ذلك أوضح دليـل
على أن الصـدّيق رضي الله عنه ،
أعظم أتباعه صلى الله عليه وسلم ،
وأنه الذي سيحفظ الدين من بعده ،
وهذا ما وقع حقا وصدقا ،
وقد أجمعت الصحابة على فضل الصدّيق على من سواه ، وأحقيّته بالخلافــة واختاره الله تعالى لخلافة نبيه صلى الله عليه وسلم ، كما أختاره لصحبته في الغار ،ونوّه بذكره مع خيرته من خلقه صلى الله عليه وسلم ،
نوّه بذكره في القرآن دون بقية الخلـق أجمعــين ، ورفع شأنه بوحي يتلى إلى يوم القيامة ،
ورفع الله قدره ومقامه ،إلى أسنى مقام بعد النبيين في العالمين .
فقد أعلى الله منزلته وإن كرهت الرافضة الحاقدة على ديـن المسلمين ، وحقدههم سيرتد عليهم وسيبوؤون بالخسران المبين ، كعادتهم في كل زمان وحين
، جعل الله عاقبة أمرهم الخزي والهوان ، وجعل العز والنصر والتمكين ، لأهل السنة أنصار الدين والله أعلى وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الفوائد : ( فلما وقف القوم على رؤوسهم ،
وصار كلامهم بسمع الرسول ، والصديق ، قال الصديق وقد اشتد به القلق :
يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلي ما تحت قدميه لأبصرنا تحت قدميه ،
فقال رسول الله :
يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ، لما رأى الرسول حزنه قد اشتد ،
قوّي قلبه ببشارة (لا تحزن ان الله معنا ) .
فظهر سر هذا الاقتران في المعية لفظا كما ظهر حكما ومعنى ، اذْ يقال رسول الله وصاحب رسول الله .
فلما مات ، قيل :
خليفة رسول الله ، ثم انقطعت إضافة الخلافة بموته فقيل أمير المؤمنين فأقاما في الغار ثلاثا ، ثم خرجا منه ، ولسان القدر يقول لتدخلنّها دخولا لم يدخله أحد قبلك ،ولا ينبغي لأحد من بعدك .
فلما استقلا علي البيداء ، لحقهما سراقة بن مالك ، فلما شارف الظفر أرسل عليه الرسول سهما من سهام الدعاء ، فساخت قوائم فرسه في الأرض إلى بطنها ، فلما علم انه لا سبيل له عليهما ،
أخذ يعرض المال علي من قد رد مفاتيح الكنوز ، ويقدم الزاد الي شبعان
( أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ) .
كان تحفة (ثاني اثنين) مدخرة للصديق ،
دون الجميع فهو الثاني في الإسلام ،
وفي بذل النفس ،وفي الزهد ، وفي الصحبة ،
وفي الخلافة ، وفي العمر ، وفي سبب الموت ، لأن الرسول مات عن أثر السم ، وأبو بكر سم فمات .
أسلم على يديه من العشرة :
عثمان ، وطلحة ، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص .
وكان عنده يوم أسلم أربعون ألف درهم ، فأنفقها أحوج ما كان الإسلام إليها .
فلهذا أجلبت نفقته عليه :
( ما نفعنى مال ما نفعنى مال أبي بكر )
فهو خير من مؤمن آل فرعون ،
لأن ذلك كان يكتم إيمانه ، والصديق أعلن به ،
وخير من مؤمن آل ياسين ، لأن ذلك جاهد ساعة ، والصديق جاهد سنين .
عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الإيثار ويصيح من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ،
فألقى له حب المال علي روض الرضا ،
واستلقى على فراش الفقر ، فنقل الطائر الحب إلى حوصلة المضاعفة ، ثم علا على أفنان شجرة الصدق يغرد.
مبغضيه في قلوبكم
من ذكره نار ،
كلما تليت فضائله علا عليهم الصغار ،
أتري لم يسمع الروافض الكفار
( ثانى اثنين اذ هما فى الغار) .
دُعي إلي الإسلام فما تلعثم ، ولا أبى وسار علي المحجة ، فما زلّ ، ولا كبا ،
وصبر فى مدته من مدى العدى ، علي وقع الشبا ، وأكثر فى الإنفاق فما قلل حتى تخلل بالعبا
تالله لقد زاد علي السبك فى كل دينار دينار (ثاني اثنين إذ هما فى الغار) ، من كان قرين النبي في شبابه ،من ذا الذي سبق إلي الإيمان من أصحابه ، من الذى أفتى بحضرته سريعا في جوابه ، من أول من صلي معه ، من آخر من صلى به ، من الذي ضاجعه بعد الموت فى ترابه ، فاعرفوا حق الجار ، نهض يوم الردة بفهم ، واستيقاظ ، وأبان من نص الكتاب معنى دق عن حديد الالحاظ .
فالمحب يفرح بفضائله ، والمبغض يغتاظ حسرة ، الرافضي أن يفر من مجلس ذكره ، ولكن أين الفرار ، كم وقى الرسول بالمال ، والنفس ،
وكان أخص به فى حياته ،
وهو ضجيعه فى الرمس ،
فضائله جليلة وهى خلية عن اللبس .
ياعجبا !!من يغطى عين ضوء الشمس في نصف النهار ، لقد دخلا غارا لا يسكنه لابث ، فاستوحش الصديق من خوف الحوادث ،
فقال الرسول ما ظنك باثنين والله الثالث ، فنزلت السكينة فارتفع خوف الحادث ،
فزال القلق وطاب عيش الماكث فقام مؤذن النصر ينادى على رؤوس منائر الامصار ( ثاني اثنين اذ هما فى الغار ).
حبه والله رأس الحنيفة ،
وبغضه يدل على خبث الطوية ، فهو خير الصحابة ، والقرابة والحجة على ذلك قوية )
انتهى