عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 2010-10-11, 02:33 AM
يعرب يعرب غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-04-12
المكان: دار الاسلام
المشاركات: 4,144
افتراضي

رابعة العدوية


رابعة بنت إسماعيل العدوية، مولاة آل عتيك البصرية، صوفية كبيرة، توفيت سنة (135)هـ، وقيل (185)هـ

فمن عبد الله بالحب وحده فهو زنديق. حتى إن بعضهم يسميه العشق الإلهي، كما يقولون عن رابعة العدوية : شهيدة العشق الإلهي، كما ذكر عبد الرحمن بدوي وأمثاله، فهؤلاء يعبدون الله تعالى بالحب فقط، ويقولون: لا نعبده طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره، إنما نعبده محبة لذاته حتى ولو كان مصيرنا إلى النار، عياذاً بالله! ويبنون على هذه المحبة أن الله لا يعذبهم، ويقولون: إن الحبيب لا يعذب حبيبه!!


وهؤلاء كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عمن قبلهم: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ [المائدة:18] فدعوى أن الإنسان إذا أحب الله فإن الله لا يؤاخذه هي دعوى الزنادقة الذين كانوا في القرن الثاني وأول القرن الثالث، ومن تتبع وقرأ سير أئمة التصوف الكبار والمشهورين كـالجنيد ، أو النوري ، أو الكرخي ، أو ذي النون المصري ، لوجد أنهم كانوا متهمين بالزندقة -والعياذ بالله- سواء صحت أم لم تصح؛ لأنهم كانوا يتدينون بهذا الدين، وهو من بقايا الرهبانية النصرانية ، وهي مأخوذة عن رهبانية الهندوس، الذين غلوا في المحبة، وادعوا أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يحبهم ويحبونه، وإذا فعلوا ذلك فلا حرج عليهم كما ينسبون إلى رابعة :


أحبك حبين حب الهوى وحب لأنك أهل لذاكا


فأما الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عمن سواك


وأما الذي أنت أهل له فكشفك للحجب حتى أراك


فينقلون هذا الكلام عن أولئك العباد الذين اتهموا بالزندقة كما قال أبو داوود رحمه الله قال:
ورابعة رابعتهم في الزندقة، وكان قد ذكر حيان الجريري ورياح بن عمرو القيسي وأبو حبيب ثم قال: ورابعة رابعتهم على الزندقة، والمقصود أن من عبد الله بالحب وحده أو ادعى ذلك أو زعمه، فإنه زنديق.


ومن اعتقد ذلك فقد أزرى بالأنبياء، وقد أزرى بالصحابة الكرام الذين كانوا يعبدون الله خوفاً وطمعاً، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما روى عنه خادمه أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وهو من أكثر الصحابة خلطة له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : {كان أكثر دعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار }، والله تعالى يقول عن أولئك الأنبياء: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَبا [الأنبياء:90] وقال: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57].


وتفسيرها هو أن أولئك المدعوين والمعبودين الذين يدعوهم المشركون هم عباد يعبدون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويبتغون هم أنفسهم إلى ربهم الوسيلة، ويرجون القرب، ويرجون رحمة الله ويخافون عذابه سواء كانوا من الملائكة أو من الأنبياء أو من الصالحين، فإذا كان هذا حال المدعوين؛ فكيف يكون حال الداعين؟! فيجب عليهم أن يتوبوا وأن يستغفروا الله تبارك وتعالى؛ كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم [آل عمران:31].


فمن ادعى محبة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وجب عليه أن يطيعه باتباع رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه هي آية الامتحان كما قال بعض السلف : [[ ادعى قوم محبة الله، فأنزل الله تعالى آية الامتحان قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [آل عمران:31] ]] فهذا جواب الشرط المقترن بالفاء "فإن كنتم تحبون الله فاتبعوني"، ثم جعل جواب الشرط شرطاً له جواب آخر حيث قال: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].



فالمقصود أن محبة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا تعطى لكل من زعم أنه يحبه، وإلا فعبّاد الهندوس يحبون الله، وعباد النصارى يتقربون ويدعون ويبكون ويخشعون ويقولون: (نحب الله)، لكن هل الله يحبهم؟ هذا هو الأهم. شرط حصول محبة الله أن يكون العبد متبعاً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومؤمناً به، فمن كان كافراً به، ومن كان يدعي الانتساب إليه أو أنه من أمته ولكنه لا يعبد الله كما شرع لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فالدعوى باطلة.

ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ. وهو ما حصل لأمثال هؤلاء في القديم والحديث، حيث يعبدون الله تعالى بالرجاء وحده، وهذه ظاهرة عامة عند أكثر المسلمين، فتجدهم يُغَلِّبون الرجاء، لأن النفوس بطبيعتها مجبولة على ترك الواجبات وترك الالتزام بالحلال والحرام؛ لأنها تحب الحرية وارتكاب الشهوات، وقلة من النفوس التي تحب أن تتقيد وهنا يقع الغلو عند هذه النفوس التي تحب القيود والالتزام بها؛ ولذلك تجد أن الناس إذا ذكِّروا بالذنوب والمعاصي والنار، قالوا: نحن برحمة الله، والله غفور رحيم، فهذا مذهب الإرجاء.


والمقصود: أن من استحل شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة كالمحرمات المعلومة التحريم من الدين بالضرورة، أو من حرم شيئاً مما أحل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأصر على ذلك فإنه يكفر، كما جاء في حديث عياض بن حمار في صحيح مسلم قال: {وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم، وحرمت عليهم ما أحللتُ لهم }.


فتحريم الحلال كتحليل الحرام كما نص على ذلك شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله، لأنه لا يُحِلُّ ولا يُحَرِّمُ إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إما في كتابه وإما على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ [النحل:116] ومن فعل ذلك فإن كان فرداً فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإن كانت طائفة فإنها تقاتل، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد بَيَّنَ في كتابه حالَ المشركين الذين وقعوا فيما وقعوا فيه من تحريم أو تحليل بغير ما شرع الله وبغير ما أذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بالنسبة للأنعام والحرث والبحيرة والوصيلة والحام وغيرها.







ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري. وهذا هو حال الخوارج ، نسأل الله العفو والعافية!
فإنهم ضيقوا على أنفسهم، وأخذوا من الدين جانب الرهبة والخوف والترهيب والإشفاق والحذر، وقد تقع شبهتهم لبعض العُبَّاد وإن لم يكونوا على مذهب الخوارج ، كعُبَّاد البصرة وغيرهم ممن ذكرهم في كتاب حلية الأولياء أو صفوة الصفوة ، حيث كان بعضهم يغلو غلواً شديداً في الخوف من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مما يؤدي إلى اليأس من رحمة الله.

وهذا النوع دخل فيهم أهل التصوف حتى أفسدوا عليهم عبادتهم!! وهذه من الحكم التربوية العظيمة، وهي أن الإنسان إذا غلا في الخوف والرهبة، فإنه قد يؤدي به ذلك إلى الوقوع فيما هرب منه، وحتى يعلم الناس أن الحق مع السنة التي لا غلو فيها ولا جفاء، كما قال الحسن -رحمه الله- في أهل السنة : [[ إن أهل السنة لم يذهبوا مع أهل الغلو في غلوهم، ولا مع أهل الترف في ترفهم، وإنما هم وسط بين ذلك ]].

فلو رأيت إنساناً مشدداً على نفسه وعلى أتباعه في أمور كثيرة، بحيث يجعل المستحبات واجبات والمكروهات محرمات، فاعلم أنه سيقع في استحلال المحرمات؛ لأن من خرج عن المنهج الصحيح في تهذيب النفس وتقويمها، فإنه لا بد وأن يقع في ضده، فـالخوارج أول ما ابتدءوا، ابتدءوا بهذا الغلو الذي ذكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أحاديث صحيحة متواترة حيث قال: {تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وقراءتكم إلى قراءتهم } وبعد ذلك جاءهم أناس فناقشوهم، وقالوا لهم: هذه سورة يوسف ذكر فيها العشق، وذكر فيها أن امرأة العزيز راودت نبياً من الأنبياء، وغلقت الأبواب، فقالوا: هذه ليست من القرآن! فكفرت طائفة منهم بسورة يوسف.

ومن كفر بحرف من القرآن فقد كفر به كُلَّه، وكَفَّروا الصحابة الكرام، وكانوا بذلك كفاراً، وأدى بهم الغلو إلى أنهم كانوا يقعون فيما كانوا ينفرون منه، كاغتيابهم الصحابة، بل واستحلوا دماءهم، فقتلوا عبد الله بن خبيب وبقروا بطن جاريته، وهو ابن الصحابي الجليل خبيب بن عدي ، ثم وجدوا نصرانياً في الطريق فقالوا: لا تخفروا ذمة نبيكم!.

ووجد أحدهم تمرة سقطت من نخلة فأخذها، وذهب إلى الأمير وقال : هل يجوز أن نأكلها؟ ففكر وقال: قد تكون من نخل الخراج أو من نخل الصدقة، قد تكون.. لا، لا، اتركها، فهذا الغلو شر، فالمقصود أن من عبد الله بالخوف وحده فهو حروري.




الدكتورسفرالحوالي
__________________
قال أيوب السختياني رحمه الله:
من أحب أبابكر فقد أقام الدين،
ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل،
ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله،
ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى،

ومن قال الحسنى في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق.

[align=center]
[/align]

رد مع اقتباس