عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 2010-07-13, 06:27 PM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 3,052
افتراضي سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/الأسوة الحسنة/د.عثمان قدري مكانسي

من أساليب التربية في القرآن الكريم

الأسوة الحسنة

الدكتور عثمان قدري مكانسي


والأسوة : القدوة والمثل .
وتأسى به : احتذاه ، وسار على هداه ، واقتدى به .
وأسوةُ المسلم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والأنبياء الكرام الذين دعَوا إلى الله سبحانه ، ودلوا البشرية إلى الطريق القويم .
وحين زلَّ آدم ، فأمر الله تعالى بإنزاله إلى الأرض وتاب عليه حدَّدَ له ولذريته ما يتبعون فقال : (( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) ))(1) .

1ـ وقد أمرنا الله تعالى أن يكون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوتنا ، وأمر رسوله الكريم ـ ونحن من بعده ـ أن نتخذ من الأنبياء الكرام خيرَ أسوة وأفضلَ قدوة ، فقال : (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) ))(2) . فهدفنا اليومُ الآخر الذي نربح فيه رضاء الله والجنة .
وقال سبحانه آمراً بالاتباع ، ومبيناً السبب : (( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ . . . ))(3) ، (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ . . . . . ))(4) . فنبرأ من الشرك بالله ومن المشركين فلا نواليهم .
ولنا قدوة في داود : (( اصبرعَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) . . . ))(5).
ولنا قدوة في ابنه سليمان : (( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) . . . ))(6) .
ولنا قدوة أيضاً في أيوب : (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ))(7) .
ولنا قدوة في إبراهيم عليه السلام ، وأبنائه الكرام : (( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) ))(8) .
ـ لماذا يا رب ؟
ـ إن فيهم خصلة زادت على غيرهم من أمثالهم .
ـ فما هي ؟
((إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)))(9) .
(( وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48) ))(10) .

وقد يقول أحدهم كيف عرفت من هذه الآيات أنهم قدوة ؟
والجواب أنه سبحانه يأمر نبيه الكريم أن يذكرهم للناس ويذكر عملهم وإيمانهم وصبرهم في الدعوة إلى الله تعالى ليكونوا لنا مثالاً وأسوة .
ويحشد الله سبحانه وتعالى أسماء ثمانية عشر نبياً ، مادحاً إياهم بالهدى والرشاد آمراً المسلمين بإتباع هداهم : (( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ))(11) .

2ـ وقد أمر الله سبحانه نبيّه الكريم أن يصدع بدعوة الحقّ ، داعياً إلى التزامها بوعي وفهم : ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ))(12) .
ـ وهذه الدعوة القويمة ليس فيها اعوجاج ، ولا ميلان عن الحق : (( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ))(13) .
ـ وهي سبيل الصالحين السادة الأعلام : (( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ . . . ))(14).
ـ ومن سلكها لم يكن للشيطان سبيل عليه ولا سلطان : (( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) ))(15) .
ـ وفيها التمايز عن المشركين : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) ))(16) .
(( فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ))(17) .
(( قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ))(18) .

3 ـ ولا ينبغي اتباع أحد إلا للوصول معه إلى طريق مستقيم ، فيه هدىّ .
ـ فهذا سيدنا موسى يقول للرجل الصالح : ((هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ))(19) . وقد نهى القرآن عن اتباع أهل الغي والفساد نهياً شديداً ، فاتباعهم يؤدي إلى المهالك في الدنيا والآخرة .
ـ إنهم ضالون ، فهل يقودون من تبعهم إلا إلى الضلال ؟!! (( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ))(20) .
ـ قلوبهم غافلة لاهية ، وهم أصحاب هوى ، لا خير فيهم (( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ))(21) .
(( فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) ))(22) .
ـ أصحاب فتنة ،والمفتون لا يهدي بل يضل ((وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ))(23).
(( وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ))(24) .

4 ـ ومن اقتدى بالأنبياء وسار على دربهم نجا ، ونجح .
ـ فمن تبع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان مفلحاً (( . . . فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) (25) .
ـ وأتباع عيسى عليه السلام ، الحواريون الموحّدون ، ومن سار على دربهم قبل بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعلهم الله منتصرين على الكفار أبداً (( وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))(26) .
ـ وهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يحدد هوية من آمن به (( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي . . ))(27) .
ـ ولسام حال كل نبي كريم يقول : (( وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ))(28) .
ـ والله سبحانه وتعالى يجمل المعنى قائلاً : (( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ))(29) .
5 ـ أما من حاد عن الطريق السويّ فهو ضال تائه (( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ؟ ))(30) .
ـ خاسر لأنه اتبع هواه ، وحاد عن الطريق (( فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) ))(31) .
ـ يحيا حياة متعبة ، لا راحة فيها ، ويحشر أعمى يوم القيامة (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) ))(32) .
ـ هم أولياء الشيطان ، غاوون (( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) ))(33) . لكنّ المسلم لا يتبع الشيطان إنما يحذر منه فليس من الغاوين .
ـ أما الجبابرة المتكبرون في الدنيا ، فإنهم في الآخرة يتبرأون من أتباعهم وأعوانهم حين يروا العذاب ، ويتمنّى التابعون أن يعودوا إلى الدنيا ليتبرأوا من الطغاة ، الذين كانت لهم أدوات التنفيذ الفاسدة ، يعملون لهم دون تفكير وتمحيص (( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) ))(34) .
ـ والإنسان العاقل لا يقتدي إلا بمن ينفعه في الدنيا والآخرة ، ويأخذ بيده إلى دروب النجاة والسلامة . . . . . . إنه يقتدي بالهادين المهديين ، بالأنبياء المرشدين ، وأتباعهم الصالحين .

الهوامش:

(1) سورة البقرة ، الآيتان : 38 ، 39 .
(2) سورة الأحزاب ، الآية : 21 .
(3) سورة الممتحنة ، الآية : 4 .
(4) سورة الممتحنة ، الآية : 6
(5) سورة ص ، الآية : 17 .
(6) سورة ص ، الآية : 30 .
(7) سورة ص ، الآية : 41 .
(8) سورة ص ، الآية : 45 .
(9) سورة ص ، الآيتان : 46 ، 47 .
(10) سورة ص ، الآية : 48 .
(11) سورة الأنعام ، الآيات : 83 ـ 90 .
(12) سورة يوسف ، الآية : 108 .
(13) سورة النساء ، الآية : 125 .
(14) سورة يوسف ، الآية : 38 .
(15) سورة الحجر ، الآية : 42 .
(16) سورة الأنفال ، الآية : 64 .
(17) سورة آل عمران ، الآية : 20 .
(18) سورة الأنعام ، الآية : 56 .
(19) سورة الكهف ، الآية : 66 .
(20) سورة القصص ، الآية : 50 .
(21) سورة الكهف ، الآية : 28 .
(22) سورة طه ، الآية : 16 .
(23) سورة المائدة ، الآية : 48 .
(24) سورة المائدة ، الآية : 49 .
(25) سورة الأعراف ، الآية : 157 .
(26) سورة آل عمران ، الآية : 55 .
(27) سورة إبراهيم ، الآية : 36 .
(28) سورة طه ، الآية : 47 .
(29) سورة طه ، الآية : 123 .
(30) سورة القصص ، الآية : 50 .
(31) سورة طه ، الآية : 16 .
(32) سورة طه ، الآيات : 124 ـ 126 .
(33) سورة الحجر ، الآية : 42 .
(34) سورة البقرة ، الآيتان : 166 ، 167 .

يتبع

آخر تعديل بواسطة Nabil ، 2015-02-10 الساعة 02:06 PM
رد مع اقتباس