رؤية النبي صل الله عليه وسلم
#رؤيا النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في المناممقدمة#تُعَدُّ رؤيا النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) من أكثر الرؤى أهمِّيَّة وشيوعًا بين المسلمين، وخاصَّةً الصالحين منهم، فلا تكاد تجد مسلمًا صالحًا إلَّا وقد رأى النبيَّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) في رؤيا واحدة على الأقل، فإن لم يكن، فقد رآه واحد من أقاربه، أو معارفه، أو المحيطين به.والكلام عن رؤيا النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) كثير في كتب علماء الإسلام، فهي رؤيا تحتاج في فهمها إلى بعض التأصيل الشرعيِّ، وقد تناولنا بعض أصولها المهمَّة بالبحث والتحليل في كتابنا شمس دنيا المنام، فليُرجع إليه في هذه المسألة.وتكتسب هذه الرؤيا تلك الأهمِّيَّة بسبب المنـزلة الكبيرة للنبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، ليس في الإسلام فقط، وليس بين المسلمين فقط، بل إنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) هو المخلوق الأعظم شرفًا في هذا الكون، وهو الأكرم عند الله (تعالى)، كما دلَّت على ذلك العديد من الشواهد سواء في القرآن الكريم أو الحديث الشريف.#وتتعدَّد تفسيرات رؤيا النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، وتتشعَّب دروبها، وتتعقَّد أحيانًا، ومع ذلك فإذا كانت هناك صفة مشتركة تجمع بين كلِّ رؤى النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فهي أهمِّيَّة معانيها، وعظمة دلالاتها، وقوَّة الرسالة التي تحملها للرائي، فما جاء في الرؤيا عظيم إلَّا أن يدلَّ على عظيم، فما بالك بمن هو أعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم).وأفضل رؤيا للنبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) وأصدقها، ما كان فيها على هيئته الشريفة التي كان عليها حال حياته، فإذا ما كان في هذه الهيئة تغيـير، فقد يُضعِف هذا من الرؤيا، وقد يزيد من احتمال كذبها، وقد تكون صادقة أيضًا.وبما أنَّه لا يمكن لمفسِّر رؤى أو لبحث علميٍّ أن يحصر جميع مدلولات أو معاني رمز من رموز الرؤى لأسباب لا تكاد تخفى على الجميع (فما بالك إن كان هذا الرمز هو النبيَّ [صلَّى الله عليه وسلَّم])، فقد حرصنا على أن يكون هذا البحث - بما فيه من نماذج للمعاني المحتملة لرؤيا النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، وشروح لقواعد تفسيرها، ورؤى تطبيقيَّة مفسَّرة -، حرصنا أن يكون هذا البحث بمثابة مرشد وموجِّه لطلبة العلم الراغبين في وضع تصوُّر أو خط عام لما يمكن أن تسير فيه احتمالات معاني مثل هذه الرؤيا الشريفة.وأخيرًا، نؤكد على أمرين مهمَّين، وهما:أولًا: قد تأتي الرؤى في كثير من الأحيان في أشكال مجازيَّة تختلف عن الحقيقة، وقد تكون صادمة أحيانًا، وذلك بغرض إيصال معنى معيَّن للمفسِّر قد لا يكون له أيَّة علاقة بهذا الشكل. وبالتالي، فمن أراد أن يعرف النبيَّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فليعرفه من القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة الشريفة؛ إذ لا يمكن أن تكون رموز الرؤى مصدرًا أصيلًا لأيَّة معلومات في هذا الشأن.ثانيًا: ننصح غير ذوي العلم أو الخبرة في تفسير الرؤى بعرض رؤاهم على أهل العلم من المسلمين الصالحين المتخصِّصين الأكفاء المشهود لهم في العلم بتفسير الرؤى؛ إذ أنَّ استخدام مثل هذه الأبحاث في تفسير الرؤى من قِبَل غير ذوي العلم أو الخبرة قد يتسبَّب في أضرار لهم أو لغيرهم.اللَّهم بلَّغت، اللَّهم فاشهد.#----------------------------------------------------------------------دلالات رؤيا النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في المنام:1. يدلُّ على نفسه (صلَّى الله عليه وسلَّم)، وأهل بيته، وعلى الإسلام؛ لأنـَّه نبيُّ الإسلام. ويدلُّ على سُنَّته الشريفة.2. يدلُّ على رجل مسلم صالح ملتزم بسُنَّتِهِ (صلَّى الله عليه وسلَّم). وتدلُّ رؤياه على الهداية والالتزام بالإسلام.3. يدلُّ على عالم من علماء الإسلام الصالحين الأتقياء؛ لقوله (صلى الله عليه وسلَّم): «...إنَّ العلماء هم وَرَثَةُ الأنبياء. إنَّ الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَّما ورَّثُوا العلم...» (حديث صحيح - رواه ابن ماجة).4. وقد تدلُّ رؤياه (صلى الله عليه وسلَّم) على الرحمة لمن رآها من الصالحين خاصًّة إذا رُؤيَ على هيئته الشريفة التي كان عليها في الدنيا؛ لقول الله (تعالى): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107].5. رؤياه (صلى الله عليه وسلَّم) في موضع أو بين قوم صالحين هو أمان لهم من العذاب، أو البلاء، أو الخوف، أو القلق، أو عاقبة السوء؛ لقول الله (تعالى): ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ...﴾ [الأنفال:33].6. وقد تدلُّ رؤياه (صلى الله عليه وسلَّم) على رجل مسلم يُعلِّم الناس الخير؛ لقوله (صلَّى الله عليه وسلَّم): «إنَّ الله لم يبعثني مُعَنِّتًا، و لا مُتَعَنِّتًا، ولكن بعثني مُعلِّمًا مُيسِّرًا» (صحيح الجامع).7. يدلُّ على الإصلاح، والتقويم، وإحقاق الحقِّ، وإزهاق الباطل، وسيادة العدل، وزوال الظلم، أو من يقومون بهذه الأعمال من المسلمين الصالحين الأتقياء؛ لأنـَّه (صلَّى الله عليه وسلَّم) بُعث لترسيخ هذه القيم في المجتمع.8. رؤيا النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) في هيئة طيـِّبة مخصوصة قد تدلُّ على خير عظيم له علاقة بهذه الهيئة، فمثلًا: رؤياه (صلَّى الله عليه وسلَّم) في هيئة محارب قد تدلُّ على النصر والتمكين، ورؤياه في هيئة طبيب قد تدلُّ على الشفاء، ورؤياه في هيئة حاكم دولة قد تدلُّ على إصلاحات سياسيَّة مهمَّة، ورؤياه في هيئة رجل أعمال قد تدلُّ على أموال، وغِنَى، ووفرة اقتصاديـَّة...إلخ.9. رؤيا النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) في هيئة غير طيـِّبة، أو لا تليق به، أو لا تتَّفق مع ما كان عليه حاله (صلَّى الله عليه وسلَّم) ربَّما تدل على معنى معيَّن له علاقة بهذه الهيئة. وقد تدلُّ هذه النوعيَّة من الرؤى على خلل في تديُّن الرائي – أو غيره -، وقد تدلُّ على معانٍ أخرى ترتبط بهذه الهيئة ولا تدلُّ بالضرورة على خلل في التديُّن. فمثلًا: رؤياه (صلَّى الله عليه وسلَّم) مقتولًا في مكان ربُّما تدلُّ على معادة أهل هذا المكان للإسلام والمسلمين، وتنكيلهم بهم، أو ربَّما تدلُّ على مسلمين موتى، أو مقابر الشهداء من المسلمين.#ورؤياه (صلَّى الله عليه وسلَّم) بدون لحية، ربَّما تدلُّ على ناس مسلمين، ولكن ليسوا ملتزمين بالسُّنَّة. ورؤياه (صلَّى الله عليه وسلَّم) يُغنِّي، ربَّما تدلُّ على بعض من يتقرَّبون لله (تعالى) بالأغاني كالصوفيَّة أو غيرهم، ورؤياه (صلَّى الله عليه وسلَّم) في هيئة رجل دين يهوديٍّ أو نصرانيٍّ قد تدلُّ على مسلمين يتَّبعون هؤلاء في أعمالهم وأسلوب حياتهم، كما جاء في الحديث الشريف: «لتَـتَّبِعن سَنَنَ من كان قبلكم، شِبرًا شِبرًا وذِراعًا ذِراعًا حتَّى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعتُمُوهُم. قلنا : يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فَمَنْ؟» (متَّفق عليه).#وقد تدلُّ رؤياه (صلَّى الله عليه وسلَّم) يلهو أو يلعب على قوم منافقين من الذين قال الله (تعالى) فيهم: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا...﴾ [الأعراف:51]. ومن أشهر هذه الرؤى ما جاء في مُسنَد الإمام أحمد بسند صحيح عن الصحابيِّ عبد الله بن عبـَّاس (رضي الله [تعالى] عنهما) أنـَّه قال: «رأيت النبيَّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائم أشعث، أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمِّي يا رسول الله، ما هذا؟» قال: «هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل ألتقطه منذ اليوم»، «فأحصينا ذلك اليوم، فوجدوه قُتِلَ في ذلك اليوم»، فدلَّت رؤيا النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) في هذه الهيئة التي لا تليق أو تخالف الحقيقة على مدى شناعة وقبح وفداحة حادثة مقتل الحسين (رضي الله [تعالى] عنه) وأصحابه. والله (تعالى) أعلم.
|