أنصار السنة  
جديد المواضيع





للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 مأذون شرعي بمدينة الرياض   Online quran classes for kids 
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك


العودة   أنصار السنة > أقسام عامة > العيادة الصحية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 2020-04-11, 10:18 AM
معاوية فهمي إبراهيم مصطفى معاوية فهمي إبراهيم مصطفى غير متواجد حالياً
مشرف قسمي العيادة الصحية والمجتمع المسلم
 
تاريخ التسجيل: 2018-02-05
المشاركات: 2,766
افتراضي كيف تعامل المسلمون مع الأوبئة

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:-
( كيف تعامل المسلمون مع الأوبئة وآثارها في مراحل تاريخهم؟)




تعاقبت الأزمات والابتلاءات والمحن التي أصابت البشرية عبر تاريخها الطويل، ونزلت بالناس صنوف شتى من الابتلاء؛ كالطواعين والمجاعات والفيضانات والزلازل والجفاف وغير ذلك. وبالطبع، فقد نال المسلمين من ذلك البلاء والجوائح الكثير، وسجل تاريخهم أحداثها ووقائعها وآثارها. ولعل أكثرها فتكاً كان مرض “الطاعون” الذي انتشر أكثر من مرة في مصر والشام والمغرب والعراق والأندلس وقتل ألوفاً من سكانها.
وقد قدم المؤرخون الذين عاصروا تلك الأحداث صوراً متنوعة عن تلك الأوبئة وآثارها وعواقبها في سائر أرجاء الأرض، مثل المقريزي وابن تغري بردي وابن كثير وابن إياس وابن بطوطة وابن عذارى المراكشي، كما بحثت في ذلك كتب النوازل الفقهية للونشريسي وابن رشد وغيرهم… ونظراً لما تركت تلك الأوبئة من آثار في التاريخ الإسلامي نظراً لانعكاسها على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية للمجتمع الإسلامي والإنسانية ككل، فلا بد من تناولها والاهتمام بدراستها.
وفي هذه الأيام يشغل بال الجميع، ما يُشاع من أخبار عن الوباء العالمي الذي يزداد انتشاراً يوماً بعد يوم، والمسمى بفيروس “كورونا”، وقد تسبب هذا الوباء بعدد كبير من الوفيات وحالات الخوف والذعر خصوصاً في البلدان التي استفحل فيها خطره.
ولما كان هذا النوع من الأوبئة من قضاء الله وقدره، وانطلاقاً من قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:195). فإننا كمؤمنين مطالبون بالعمل على الوقاية من هذا البلاء ودرء أسبابه، وذلك بعد التوكل على الله والأخذ بالأسباب والتسليم بقضائه وقدره.
الوباء والطاعون: لغة واصطلاحا
الطاعون لغةً: يقال عن الشخص طعين إن أصابه الطاعون، وطعن الشخص فهو مطعون، وقد جاءت كلمة طاعون على وزن فاعول من الطعن، فاستخدموه بمعنى غير معناه الأصلي، لكنه يعطي دلالة قريبة منه ليدل على الموت الذي يصيب جماعة من الناس فيشيع بينهم كالوباء (بهجت،2011، ص99).
أما المعنى الاصطلاحي فهو قروح جسدية تخرج وتتمركز في مواضع مختلفة من الجسم، كالأيدي أو المرافق أو الآباط أو غيرها. ويصحب ذلك آلام شديدة، مع ما يرافقها من أعراض أخرى كالقيء وخفقات القلب. وقد عرَّف ابن حجر العسقلاني الطاعون بقوله: “هو المرض الذي يفسد الهواء به وتفسد به الأبدان والأمزجة، وهو مادة سمية تحدث ورماً قاتلاً في المواقع الرخوة، والسبب هو دم رديء يميل إلى العفونة والفساد”. ومما سبق نرى أن الأورام هي أبرز علامات الطاعون وأوضح أعراضه، وهذه الأورام يمكن أن تكون على شكل نتوءات أو غدد، ويعزز ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الطاعون غدة كغدة الإبل”.
وقد فرَّق العلماء بين الوباء والطاعون، فعدوا الطاعون وباءً وليس العكس، حيث إن الطواعين في الغالب غير معلومة المصدر بينما يكون مصدر الوباء بشكل عام معروفاً (فاضل،2011، ص100)، أما تعريف الوباء بشكل عام، فقد عرفته منظمة الصحة العالمية بأنه حالة انتشار لمرض معين، حيث يكون عدد حالات الإصابة أكبر مما هو متوقع في مجتمع محدد أو مساحة جغرافية معينة أو موسم أو مدة زمنية (شبكة الجزيرة، 18/3/2020).
من الأوبئة والطواعين في فترات التاريخ الإسلامي
حدثت عدة أوبئة وأمراض جماعية عبر التاريخ الإسلامي، وفي مختلف دوله وأمصاره وأصقاعه، إلا أن أبرزها وأكثرها شهرةً وتأثيراً هي:
– طاعون عمواس (18 ه/ 693م).
– طاعون الجارف (69ه/ 688م).
– طاعون الفتيات أو الأشراف (87 ه/ 705م).
– طاعون مسلم بن قتيبة (131 ه/ 748م).
الأوبئة والطواعين في العصر العباسي والمملوكي والأيوبي في المشرق الإسلامي.
الأوبئة والطواعين في المغرب الإسلامي.
أما طاعون عمواس فحدث في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك أنه في العام الثامن عشر من الهجرةوقع شيءٌ فظيعٌ مروِّعٌ، وقد سمِّي بطاعون عِمَواس نسبة إِلى بلدةٍ صغيرة، يقال لها: عِمَواس، وهي: بين القدس، والرَّملة؛ لأنَّها كانت أول ما نجم الدَّاء بها، ثمَّ انتشر في الشَّام منها، فنسب إِليها، وكان حصول الطَّاعون في ذلك الوقت بعد المعارك الطَّاحنة بين المسلمين والروم، وكثرة القتلى، وتعفُّن الجو، وفساده بتلك الجثث أمراً طبيعياً، قدَّره الله لحكمةٍ أرادها. فكانت شدَّته بالشَّام، فهلك به خلقٌ كثيرٌ، منهم: أبو عبيدة بن الجرّاح، وهو أمير النَّاس، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان، والحارث بن هشام، وقيل: استشهد باليرموك، وسهيل بن عمرو، وعتبة بن سهيل، وأشراف النَّاس (الصلابي،2005، ص231).
حدث الطاعون الجارف في البصرة سنة 69ه، في زمن عبد الله بن الزبير (رضي الله عنه)، وسمي بالجارف لكثرة من مات فيه، فقد اجترف الموت فيه الناس اجترافاً كالسيل، واستمر ثلاثة أيام فقط (فاضل،2011 ص104). وفي عام 87ه وقع طاعون في العراق وبلاد الشام، سمي بطاعون الفتيات لأنه وقع بالنساء والعذارى أولاً، فوقع بالنساء قبل الرجال، بينما سماه البعض بطاعون الأشراف لكثرة ما توفي فيه من أشراف القوم وأكابرهم (فاضل،2011، ص105). وكان آخر ما حدث من الطواعين في العصر الأموي هو طاعون مسلم بن قتيبة في سنة 131ه، والذي سمي باسم أول من مات به، وقد وقع هذا الطاعون في البصرة واستمر لثلاثة أشهر، واشتد في رمضان حيث كان يحصى في بعض الأيام ألف جنازة أو يزيد (فاضل،2011، 106).
وتحدث ابن كثير أنه عندما اجتاح المغول بغداد ودمروها في سنة 656ه/ 1258م: “تعطلت المساجد والجماعات والجمعات مدة شهور ببغداد،… ولما انقضى الأمر المقدر وانقضت الأربعون يوماً بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم وأنتنت من جيفهم البلد، وتغير الهواء فحصل بسببه الوباء الشديد حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون”. (ابن كثير، ج13، 203).
وفي العصر المملوكي، فقد تعرضت بلاد الشام لطاعون اجتاح معظم مناطقها في عام 748ه، وقد أطلق عليه اسم “الطاعون الأعظم” لسعة انتشاره وشدة فتكه. وأفنى هذا الطاعون سكان مدن حلب ودمشق والقدس والسواحل. كما انتشر في حلب داء اسمه “الفناء العظيم” في عام 795ه، وقد حصد بحصيلته النهائية 150 ألف شخص من حلب وقراها (الطراونة،2010، 47-48).

أما المغرب العربي، فمر بتاريخه في كثير من الأوبئة والمجاعات

والجفاف في عصر المرابطين والموحدين والمرنيين وحتى الفترة الحديث، ولعل من أهمها طاعون عام 571ه، الذي انتشر في بلاد المغرب والأندلس ويعتبر أهم طاعون عرفه عصر الموحدين، فقد كان له نتائج كارثية ولم يسلم منه أحد حتى أن أربعة أمراء من إخوة الخليفة يوسف بن يعقوب ماتوا فيه، بينما كان يموت بسببه ما بين 100 و190 من عامة الناس في اليوم الواحد (بنمليح، 2002، 124). وقد حدث في المغرب طاعون عام 1798م، والذي انتقل بالعدوى من التجار الذين حملوه معهم من الاسكندرية إلى تونس فالجزائر فالمغرب، وقد تفشى الطاعون في فاس ومكناس ووصل إلى الرباط، فكان يخلف 130 ضحية في اليوم (البزاز،1992، ص92).
كما أورد ابن عذاري المراكشي في سياق التأريخ لحوادث الأوبئة في الأندلس في أواخر القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي أنه عام 498ه/ 1105م تناهى القحط في بلاد الأندلس والعدوة حتى أيقن الناس بالهلاك”، ولا شك أن ما أعقب كارثة القحط من مضاعفات سكانية واقتصادية بالمغرب والأندلس، كان بمثابة الشرارة المهددة لسلسة من الكوارث الطبيعية المتلاحقة. وكلما حدث اضطراب مناخي كان يدل في ذهنية إنسان تلك المرحلة على ظروف معيشية ونفسية وصحية أصعب، وفي نفس تلك الفترة أصيب المغرب والأندلس بسلسلة من القحوط والمجاعات في الربع الأول من القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، حيث اجتاح جفاف شديد مدينتي فاس وغرناطة عام 524 ه/ 1130م، وفي عام 526ه/ 1132م اشتدت المجاعة والوباء بالناس في قرطبة، وكثر الموتى وبلغ مد القمح خمسة عشر ديناراً. واستمرت موجات الكوارث الطبيعية في العدوتين (الأندلس والمغرب) وخاصة في فترات المواجهة العسكرية وذلك في تناوب مستمر (البياض، 2008، 19 -22).
وعلى العموم، فتاريخ المسلمين في مختلف مراحله، وجغرافيا العالم الإسلامي في شتى بقاعها، شهدت مثل هذه النكبات والأوبئة الكثير، وقد ذكرنا بعضها، ولكن ما آثارها عليهم؟ وكيف تعامل المسلمون مع مثل هذه الأوبئة!؟ وما هي الإجراءات التي اتخذوها في ضوء العقيدة الإسلامية!؟
التأثيرات الاجتماعية والسياسية والروحية لانتشار الأوبئة في التاريخ الإسلامي
للطواعين والأوبئة أخطار كبيرة تصيب الأمم والشعوب فتهلكها، وتهدد أمن الدول وتؤذن بزوالها وإدبارها، فهي من بلاء الله الذي يصيب به من يشاء، وسيف من سيوفه المسلط على عباده يضربهم به بقصد الرحمة أو النقمة، فيمكن أن يشكل الوباء خطراً على أمن الدولة والأمة، فلقد كان طاعون عمواس عظيم الخطر على المسلمين وأفنى منهم أكثر من عشرين ألفاً ومن بينهم خيرة أمرائهم، وهو عددٌ يوازي نصفهم بالشَّام وربما تخوَّف من ذلك المسلمون يومئذٍ، واستشعروا الخطر من قبل الرُّوم، وفي الحقيقة لو تنبَّه الرُّوم لهذا النَّقص الَّذي أصاب جيش المسلمين بالشَّام يومئذٍ، وهاجموا البلاد؛ لصعب على الجيوش المرابطة دفعهم، ولكن ربما كان اليأس تمكَّن من نفوس الرُّوم، فأقعدهم عن مهاجمة المسلمين (الصلابي،2005، 232).
فمن الناحية الاجتماعية، أدت الأوبئة في العهد المملوكي مثلاً إلى اختلال التركيبة السكانية، والذي أدى بدوره إلى تباين كبير في الكثافة السكانية بين المدن والقرى، إذ أن كثيراً من القرى اختفت تماماً بفعل الوباء، فنتج عن ذلك تغير ديموغرافي، حيث قل عدد الفلاحين، قلت المنتوجات والمحاصيل الزراعية والحيوانية، ونتج عن ذلك كله غلاء شديد في الأسعار زاد الأوضاع الاقتصادية سوءاً، ولجأ بعض ضعاف النفوس من التجار وأرباب الصنائع إلى استغلال الأزمة باحتكار السلع الأساسية لزيادة ثروتهم، بينما مال بعض المحتاجين والمعدمين إلى السرقة والاحتيال، والذي أدى بالضرورة إلى انهيار أخلاقي في المجتمع. وأدى الوباء إلى هلاك الكثير من الأتقياء ورجال الدين والعلماء الصالحين، فشكل ذلك فراغاً في المرجعية الدينية، حتى أن الناس بدأوا يلجؤون في تلك الفترة إلى المشعوذين والمنجمين حتى يسدوا الفراغ الروحي لديهم (الطراونة،2010، 46-54).
كيف تعامل المسلمون مع الأوبئة في تاريخهم؟
في موجة طاعون عمواس، ذُكر أن المسلمين تحركوا في إطار قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون: «إِذا سمعتم به بأرضٍ؛ فلا تقدموا عليه، وإِذا وقع بأرضٍ، وأنتم بها؛ فلا تخرجوا فراراً منه »، وهذا الحديث النبوي فيه إشارة واضحة إلى ما يطبق اليوم علمياً وعملياً من الحجر الصحي بهدف مواجهة الأوبئة المنتشرة، فرسول الله لم يكتفي بأن يأمرهم بعدم القدوم إلى الأرض الموبوءة، بل أتبعها بأن أمر من كان في أرض أصابها الطاعون أن لا يخرج منها، وذلك لمنع انتشار العدوى فينتقل الوباء إلى مناطق أخرى، وبذلك فإن هذا الحديث لفتة إعجازية تضاف إلى سجل الطب النبوي. وقد رجع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بناء على هذا الحديث إلى المدينة ولم يدخل الشام بعد أن كان قد قصدها ولم يكن ذلك هرباً من الموت المقدر إّ أن عمر أجاب أبا عبيدة بن الجراح عندما سأله عن سبب رجوعه إلى المدينة، قائلاً: أفراراً من قدر الله؟، فأجاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو غيرك يقول هذا، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله… وعليه فقد أباح بعض العلماء الخروج على ألا يكون الخروج فراراً من قدر الله، والاعتقاد بأنَّ فراره هو الَّذي سلَّمه من الموت، أمَّا مَنْ خرج لحاجةٍ متمحِّضَةٍ، فهو جائزٌ، ومن خرج للتَّداوي فهو جائزٌ، فإِنَّ تَرْكَ الأرض الوبئة، والرَّحيل إِلى الأرض النَّزهة مندوبٌ إِليه، ومطلوبٌ. وقد طلب الفاروق بعد ذلك من أبي عبيدة أن يرتحل بالمسلمين من الأرض الغمقة الَّتي تكثر فيها المياه، والمستنقعات إِلى أرضٍ نزهةٍ عالية، ففعل أبو عبيدة. وفي ذلك درس في الأخذ بأسباب الوقاية من المرض والوباء والابتعاد عن مصادره وأماكن استفحاله (الصلابي،2005 ص233).
بينما بقي أبو عبيدة بن الجراح وغيره من الصحابة في الشام ولم يخرجوا منها بعد أن أصابها الوباء. وقد أصاب بعض العلماء عندما ذكروا في حكمة النَّهي عن الخروج فراراً من الطاعون: أنَّ النَّاس لو تواردوا على الخروج، لصار مَنْ عجز عنه بالمرض المذكور أو غيره ـ ضائع المصلحة، لفقد من يتعهَّده حيّاً وميتاً، ولو أنَّه شُرع الخروج، فخرج الأقوياء؛ لكان في ذلك كسر قلوب الضُّعفاء. وقد قالوا: إِنَّ حكمة الوعيد من الفرار من الزَّحف؛ لما فيه من كسر قلب مَنْ لم يفرَّ، وإدخال الرُّعب فيه بخذلانه، وفي رواية أن الوباء لم يرتفع إِلا بعد أن ولي عمرو بن العاص رضي الله عنه الشام، فخطب النَّاس، وقال لهم: أيُّها الناس! إِنَّ هذا الوجع إِذا وقع إِنما يشتعل اشتعال النَّار، فتجنَّبوا منه في الجبال، فخرج، وخرج النّاس، فتفرقوا حتّى رفعه الله عنهم، فبلغ عمر ما فعله عمرو، فما كرهه. وهنا نجد أنه نصح القوم المصابين بأن يتفرقوا عن بعضهم ولا يتجمعوا، حتى يقلل من نسبة انتقال العدوى، وحتى لا يهلكهم المرض كجماعات، بل يهلك من كان مصاباً به من الأفراد فيبقى الآخرون في معزل عن الإصابة به (الصلابي،2005، 231-232).
وقد طور المسلمون طرق مواجهتهم للطاعون والأوبئة فيما بعد، ففي العهد المملوكي ولمواجهة الأوبئة المنتشرة، والكثيرة التي أصابت أهالي الشام ومصر، عمد بعض السلاطين والميسورين من الناس بقصد الثواب والتقرب إلى الله، إلى بناء البيمارستانات في مدن الشام جميعها، لمداواة ورعاية المطعونين والمصابين بالأوبئة كالحمى وغيرها. ولأن الناس كانت تموت بأعداد كبيرة في فترة الوباء فإن الجثث كانت تترك ثلاثة أيام أحياناً على الأرض ولا يوجد من يواريها خوفاً من العدوى، ولذلك فقد عمد بعض الحكام والأثرياء استجابة لتعاليم الدين الإسلامي والتي تحض على دفن الميت بأسرع وقت ممكن حفاظاً على حرمته وكرامته، إلى إنشاء ما سمي بحوانيت أو مغاسل الموتى، والتي تهتم بتغسيل وتكفين الفقراء من موتى المسلمين ثم يتم دفنهم وفق الشريعة الإسلامية (الطراونة،2010، 55).
ولم ينس الناس أهمية التقرب من الله والدعاء إليه والرجاء منه في تلك الأوقات العصيبة، فأخذ أهل الصلاح والعباد من الناس يتوبون إلى الله ويستغفرون ويزيدون من العبادات، ومن أجل التقرب إليه فقد شرع بعضهم في إغلاق حوانيت الخمر، وابتعد الناس عن ارتكاب الفواحش والمنكرات (الطراونة،2010، 57)، وللمسلمين تجارب في تطبيق الحجر الصحي، فقبيل انتشار طاعون 1798م في المغرب، استطاع المغاربة تطبيق حجر صحي واتخاذ إجراءات للوقاية من الوباء الذي قدم من الشرق، فهم وإن لم يستطيعوا أن يتفادوه ولكنهم استطاعوا تأخير قدومه عدة سنوات، فهذا الطاعون أول ما بدأ في الإسكندرية في عام 1783م. والذي ساهم في تأخير قدوم الوباء مجموعة التدابير التي اتخذها سيدي محمد بن عبدالله لوقاية مملكته من الوباء المتفشي في الجزائر وذلك بأن أقام نطاقاً عسكرياً على الحدود الشرقية للمغرب، وبدأت الهيئة القنصلية المقيمة في طنجة في عام 1792م باتخاذ اجراءات صحية وقائية على الواجهة البحرية، بعد أن استطاعت انتزاع موافقة مولاي سليمان على فرض حجر صحي ضد الجزائر التي كان الوباء فيها قد تفشى آنذاك (البزاز،1992، ص87).

كيف نتعامل مع وباء كورونا وفق الرؤية القرآنية وسنة الأخذ بالأسباب؟
إذاً فاستناداً إلى قوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) “سورة البقرة:195”. ومع الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره خيره وشره، وباستقراء تجارب المسلمين وسيرتهم مع البلاء، فإننا نخلص إلى عدة نتائج:
– وجوب الأخذ بأسباب الوقاية والعلاج، مع القناعة والاعتقاد بأننا نفر من أقدار الله إلى أقدار الله.
– الاعتقاد بأن لنا في هذا المرض والبلاء أجر إن نحن صبرنا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” الطاعون شهادة لكل مسلم “، وإننا نحسب أن من مات بوباء الكورونا مثل من مات بالطاعون إذا كان المبتلى ذا نية على الشهادة وصبر على البلاء وشكر لله على كل حال.
– وجوب تجنب أماكن العدوى والالتزام بقواعد الحجر الصحي التي تحددها الحكومات والقوانين، فبالنسبة لمكان الوباء فإنَّ في البقاء فيه رخصةٌ، والخروج منه رخصةٌ، فمن كان في الوباء، وأصيب، فلا فائدة من خروجه، وهو بخروجه ينقل المرض إِلى النَّاس الأصحَّاء، ومن لم يُصَبْ فإِنَّه يرخَّص له في الخروج من باب التَّداوي على ألا يخرج النَّاس جميعاً، فلا بدَّ أن يبقى من يعتني بالمرضى.
– أخيراً: يجدر الإشارة إل أهمية التقيد بإرشادات وتوجيه الجهات الرسمية والهيئات الطبية لأنها الأكثر معرفة ودراية بتفاصيل المرض وآثاره وذلك في كل بلد، والتكافل مهم بين بني الإنسان للتغلب على هذا الوباء الخطير.
========================================
المراجع:
– أبو الفداء الحافظ ابن كثير، البداية والنهاية، الطبعة السابعة، 1408ه/ 1988م، مكتبة المعارف، بيروت، ج13.
– عبد الهادي البياض، الكوارث الطبيعية وأثرها في سلوك وذهنيات الإنسان في المغرب والأندلس (12 – 14م)، الطبعة الأولى، دار الطليعة، بيروت، 2008.
– علي محمد الصلابي، سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب شخصيته وعصره، (2005)، مؤسسة اقرأ، القاهرة.
– مبارك محمد الطراونة، الأوبئة وآثارها الاجتماعية في بلاد الشام في عصر المماليك الشراكسة، 2010، المجلة الأردنية للتاريخ والآثار.
– محمد الأمين البزاز، تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، 1992، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جامعة محمد الخامس.
– موقع قناة الجزيرة، الوباء،
– نصير بهجت فاضل، الطواعين في صدر الإسلام والخلافة الأموية، 2011، مجلة جامعة كركوك للدراسات الإنسانية.
– عبدالإله بنمليح، عرض كتاب “جوائع وأوبئة المغرب في عهد الموحدين “، 2002، الجمعية المغربية للبحث التاريخي.
المقالة نقلا عن مدونات الجزيرة

د.على الصلابي

*******************
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 link 
*** مواقع صديقة ***
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 سطحة شمال الرياض   سطحة بين المدن   سطحة ظهرة لبن   شحن السيارات   سطحة هيدروليك   نقل السيارات بين المدن   ارخص شركة شحن بين المدن   شركة شحن سيارات   سطحة غرب الرياض   سطحة السويدى 
 فني سيراميك   محامي جنائي   شات قطر   مناديل ورق سعودية   تقرير فني   شركة عزل خزانات بجدة   شركة تنظيف افران   صيانة غسالات الدمام   صيانة غسالات ال جي   صيانة غسالات بمكة   شركة صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات سامسونج   تصليح غسالات اتوماتيك   شركة مكافحة حشرات   مظلات حدائق   موقع اضافه عقارات مجانا   كورة لايف   فني سخانات مركزية   yalla shoot english   اشتراك هولك   تطبيقات التداول والاستثمار   شركة تنظيف اثاث بالرياض   متجر نقتدي   متاجر السعودية   مأذون شرعي   كحل الاثمد   الاسطورة لبث المباريات   yalla live   يلا لايف   bein sport 1   كورة لايف   مباريات اليوم مباشر   Koora live 
 متجر وفرة   best metal detector for gold   جهاز كشف الذهب   مظلات وسواتر   تركيب مظلات سيارات في الرياض   تركيب مظلات في الرياض   مظلات وسواتر   شركة تنظيف بجدة   شركة تنظيف بجدة 
 صيانة غسالات خميس مشيط   صيانة غسالات المدينة   صيانة مكيفات المدينة   صيانة ثلاجات المدينة   صيانة غسالات الطائف   صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات مكة المكرمة   صيانة ثلاجات مكة المكرمة   صيانة مكيفات مكة   صيانة مكيفات جدة   صيانة مكيفات المدينة   صيانة مكيفات تبوك   صيانة مكيفات بريدة   سباك المدينة المنورة 
 شركة سياحة في روسيا   بنشر متنقل   شركة تصميم مواقع   Online Quran Classes 
 شركة مكافحة حشرات في دبي 
 certified translation office in Jeddah   يلا شوت   اهم مباريات اليوم   يلا شوت 
 yalla shoot   يلا شوت   yalla shoot   سوريا لايف 
 يلا كورة 
 شركة نقل عفش بالرياض   شركة نقل عفش بالرياض 
 شركة تنظيف بجدة   شركة تنظيف فلل بجدة   شركة مكافحة حشرات بجدة   شركة تنظيف المنازل بجدة 
 دكتور مخ وأعصاب 
 شركة صيانة افران شمال الرياض   شركة تنظيف منازل بخميس مشيط 
 شدات ببجي   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي   شدات ببجي تابي   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي   شدات ببجي تابي   مجوهرات يلا لودو   شحن يلا لودو   ايتونز امريكي   بطاقات ايتونز امريكي   شدات ببجي تمارا   شدات ببجي اقساط 
 شركة نقل اثاث بالرياض   افضل شركة مكافحة النمل الابيض بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركه تنظيف بالرياض 
 نشر سناب 
 اضافات سناب   حسابات تويتر 
 كشف تسربات المياه مجانا   لحام خزانات فيبر جلاس بالرياض   شركة تخزين عفش بالرياض   برنامج ارسال رسائل الواتساب   شركة تسليك مجاري بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   شركة مقاولات   تنسيق حدائق 
 كشف تسربات المياه    شركة تنظيف منازل   نقل اثاث بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   نقل اثاث   كشف تسربات المياه   شركة تنظيف بالرياض   شركة عزل اسطح   عزل اسطح بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   تنظيف خزانات بالرياض   شركة مكافحة حشرات بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل فوم بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة عزل فوم بالرياض   كشف تسربات المياه   عزل خزانات بالاحساء   شركة نقل اثاث بالرياض   نقل عفش بالرياض   عزل اسطح   شركة تنظيف بالرياض   شركة عزل فوم بالرياض 
 شركات نقل الاثاث   شركة عزل فوم بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة تنظيف خزانات بالرياض 
 شركة تخزين اثاث بالرياض   شركة تسليك مجاري بالرياض   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة كشف تسربات المياه   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   شركة عزل اسطح   عزل خزانات   شركات عزل اسطح بالرياض   شركة عزل خزانات المياه   شركة تنظيف فلل بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   شركة عزل اسطح بجدة   عزل خزانات بالاحساء   عزل فوم بالرياض   عزل اسطح بجدة   عزل اسطح بالطائف 
 شركة عزل فوم بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   شركة عزل شينكو بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة كشف تسربات المياه 
 شركة حور كلين للتنظيف   شركة صيانة افران بالرياض   دعاء القنوت 
دليل السياح | تقنية تك | بروفيشنال برامج | موقع . كوم | شو ون شو | أفضل كورس سيو أونلاين بالعربي | المشرق كلين | الضمان | Technology News | خدمات منزلية بالسعودية | فور رياض | الحياة لك | كوبون ملكي | اعرف دوت كوم | طبيبك | شركة المدينة الذهبية للخدمات المنزلية | خدماتنا فى البلد | الزاجل دوت كوم

تطوير موقع الموقع لخدمات المواقع الإلكترونية

Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd
الليلة الحمراء عند الشيعة، الغرفة المظلمة عند الشيعة، ليلة الطفية، ليلة الطفية عند الشيعة، الليلة الظلماء عند الشيعة، ليلة الظلمة عند الشيعة الليلة السوداء عند الشيعة، ليلة الطفيه، ليلة الطفية'' عند الشيعة، يوم الطفية'' عند الشيعة، ليلة الطفيه الشيعه، يوم الطفيه عند الشيعه ليله الطفيه، ماهي ليلة الطفيه عند الشيعه، الطفيه، الليلة المظلمة عند الشيعة، ماهي الليله الحمراء عند الشيعه يوم الطفيه، الطفية، الليله الحمراء عند الشيعه، ليلة الظلام عند الشيعة، الطفية عند الشيعة، حقيقة ليلة الطفية أنصار السنة | منتدى أنصار السنة | أنصار السنة المحمدية | جماعة أنصار السنة المحمدية | جماعة أنصار السنة | فكر أنصار السنة | فكر جماعة أنصار السنة | منهج أنصار السنة | منهج جماعة أنصار السنة | جمعية أنصار السنة | جمعية أنصار السنة المحمدية | الفرق بين أنصار السنة والسلفية | الفرق بين أنصار السنة والوهابية | نشأة جماعة أنصار السنة | تاريخ جماعة أنصار السنة | شبكة أنصار السنة | انصار السنة | منتدى انصار السنة | انصار السنة المحمدية | جماعة انصار السنة المحمدية | جماعة انصار السنة | فكر انصار السنة | فكر جماعة انصار السنة | منهج انصار السنة | منهج جماعة انصار السنة | جمعية انصار السنة | جمعية انصار السنة المحمدية | الفرق بين انصار السنة والسلفية | الفرق بين انصار السنة والوهابية | نشاة جماعة انصار السنة | تاريخ جماعة انصار السنة | شبكة انصار السنة | انصار السنه | منتدى انصار السنه | انصار السنه المحمديه | جماعه انصار السنه المحمديه | جماعه انصار السنه | فكر انصار السنه | فكر جماعه انصار السنه | منهج انصار السنه | منهج جماعه انصار السنه | جمعيه انصار السنه | جمعيه انصار السنه المحمديه | الفرق بين انصار السنه والسلفيه | الفرق بين انصار السنه والوهابيه | نشاه جماعه انصار السنه | تاريخ جماعه انصار السنه | شبكه انصار السنه |