قصتين سمعتهما من خطيب مسجد(١)

[أبو عبيدة أمارة]

القصة الأولى يرويها صاحبها ويقول:
أنه ذهب إلى مسجد كي يصلي، فوجد مكانا خاليا في صف من صفوف المسجد، وكان هذا المكان الخالي بجانب رجل مدخن، وكانت تفوح من الرجل المدخن رائحة مزعجة ، فتضايق الرجل من رائحة الرجل المدخن، ولم يكن له مجالا ليغير مكانه أو يجرح شعور الرجل بنفوره منه ، وهنا فكر الرجل أن يقنع الرجل المدخن بترك التدخين كي لا يؤذي غيره ونفسه، فتحير الرجل كيف يستطيع إقناع هذا الرجل بالاقلاع عن التدخين، وكيف يقنعه بوجوب ترك التدخين كي لا يضايق نفسه وغيره.
وجلس الرجل متضايقا من رائحة الدخان المنبعثة من الرجل المدخن، وأنه لا يريد أن يجرح شعوره بتضايقه.
وبينما هو يصابر نفسه على تحمل الجلوس بجانب رجل تفوح منه ريح الدخان المضايقة وهو لا يريد أحراج الرجل بتضايقه، وأذ بغلام حدث يقبل ويجلس بجوارهما ، وشعر الغلام الحدث أيضا برائحة المدخن المضايقة، وساءه الوضع ، ولاحظ أيضا امتعاض الرجل (راوي القصة) من الرجل المدخن ومن رائحة التدخين المنبعثة منه.
فما كان من الغلام ألا أن توجه إلى للرجل المدخن وقال له:
ألا تعلم يا سيدي أن الدخان مضر بالصحة، ومهدر للمال؟
فقال الرجل المدخن: بلى، أعلم وأدرك.
فقال له الغلام : فلم لا تترك التدخين يا سيدي؟
فقال الرجل المدخن: لأني متعلق به ولا أستطيع تركه .
فقال الغلام : أفلا تعلم يا سيدي وأيضا وأن التدخين أيضا حرام ؟
فقال الرجل المدخن: حرام؟ ولكن كيف؟ فهل تستطيع أن تشرح لي؟
فقال الغلام : بما أن الدخان هو من الخبائث، فهو حرام بخبثه، والدخان خبيث بضرره ورائحته، وهو خبيث بهيمنته على المدخن وسلبه إرادته. وهو خبيث أيضا بسلبه مالا من المدخن لا حاجة منطقية للمدخن بصرفه عليه، وهذا المال المهدر ينتج عنه ضرر مادي وصحي، وهذا دون نفع حقيقي بل هو شعور مخادع، وضرر على المصاريف الحياتية والببتية الضرورية.
والله تعالى قد حرم الخبائث، حيث يقول الله تعالى:
‌(وَيُحِلُّ ‌لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) (الأعراف/١٥٧(.
وبما أن الدخان من الخبائث فهو حرام.
فقال الرجل المدخن: حسنا؛ ولكن لكي تقنعني اذكر لي آية تحرم التدخين بإسمه.
فقال الغلام : هل التفاح حلال وطيب؟ أم هو حرام وخبيث؟
قال الرجل المدخن: بل هو حلال وطيب.
فقال الغلام: إذا، اذكر لي آية تذكر أن التفاح حلال وطيب بإسمه.
فقال الرجل المدخن: والله لا أعلم ان هناك آية تتكلم عن التفاح بإسمه.
فقال الغلام: إذا فالتفاح وكثير من الطيبات لم تذكر باسمها ولكن نعلم أنها حلال طيبة، وهكذا فالخبائث لم تذكر كلها باسمها ولكن نعرفها أنها خبيثة بصفاتها، والدخان من الخبائث، وذلك مما ذكرنا من ضرره الصحي والمادي على المدخن وعلى غيره، ثم فالأطباء والعقلاء يصرحون بخبث الدخان وضرره.
وحتى المدخنين أنفسهم يعرفون ذلك، فأليس هذا يقول بأن الدخان حرام، وأنه من الخبائث.
فقال الرجل المدخن:نعم، نعم ، لقد أقنعتني، ومن اليوم إن شاء الله سأقلع عن التدخين.
فسر الرجل (راوي القصة) من حجة الغلام وكيف أنه استطاع أن يقنع الرجل المدخن بترك التدخين وبعدم الاضرار بالنفس والغير، وعدم مضايقة الجالسين بجوار المدخن.
وهنا انتهت القصة، ولكن لا بد من تعقيب.
والتعقيب هو: أنه لا يشك عاقل بضرر التدخين على الصحة والمال، وبضرره على من يحتك بالمدخن، وخصوصا وأسفا على زوجة المدخن وابناؤه، وأن هناك حالات من إصابة الزوجات بأنواع السرطانات بسبب رأئحة الدخان المنبعثة من زوجها قد تؤدي إلى الوفاة، وهذا من التدخين السلبي.
والمدخن السلبي، فالأطباء يصّرحون بأن المدخن السلبي معرض لنسبة عالية من نفس أضرار المدخن الصحية نفسه، وقد يؤدي هذا حتى إلى وفاة المدخن السلبي كما ذكرنا، مثل الزوجة، أوقد يصيب الأطفال بأمراض مختلفة، وهو أيضا قد يضر بصحة أصحاب وزملاء المدخن.
وهذا وبالإضافة أن التدخين يضر بمصروف البيت، ويزيد من الأزمات المالية الشخصية.
ونعلم أن هناك أشخاص قد لا يتضايقون من رائحة الدخان، وقد يكون بعض المدخنين ليسوا بذي رائحة تدخين قوية ومضايقة.
وأيضا؛ قد يكون البعض ميسور الحال فلا يؤثر مصروف التدخين على مصروف البيت بشكل ظاهر وجلي.
ولكن الحكم على الشيء يؤخذ بعمومه وعموم مضاره الصحية والمادية ، وعموم مضاره على الغير، ومما يجلب الضيق كثيرا لمن يعايش المدخن، وما قد يجلبه التدخين من ضرر لا يعوض قد يصل حتى وفاة المدخن السلبي.
والقصة حقا قد سمعتها من خطيب جمعة، وهي معبرة جدا، وشديدة الوعظ والنصح.

[أبو عبيدة أمارة]

تنويه: القصة الثانية سأنشرها في قسم مناسب إن شاء الله .