جديد المواضيع |
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
شبهات المستشرقين حول السنة النبوية
الاستشراق وموقفه من السنة النبوية إعـداد<?XML:NAMESPACE PREFIX = O /><O:p></O:p> أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيّر<O:p></O:p> <O:p></O:p> <O:p></O:p> <O:p></O:p> <O:p></O:p> <O:p></O:p> <O:p></O:p> بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة: <O:p></O:p> الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:<O:p></O:p> فإنَّ من أهم ما ينبغي للمسلم إدراكه في الحياة العدوَّ الذي يتربص به وبدينه من كل جانب، ويحاول أن ينقضَّ عليه لاستـئصاله، وانتزاع عقيدته من واقع حياته. وهذا العدو يظهر بأشكال كثيرة ومتنوعة، فأحياناً يكون بصورة استعمار عسكري يغزو البلاد وينهب الخيرات، وأحياناً يكون تحت شعارات إنسانية وحقوق الإنسان، ويأتي أحيانًا أخرى بهدف الحوار الحضاري أو المعرفي، وكلها صور مختلفة ولكن الهدف واحد، هو استعمار البلاد واستعمار العقول حسب ما تملي عليهم مبادئهم ومصالحهم. ولكن أخطر هذه الأنواع ذلك الذي يتغلغل داخل الأمة عبر الثقافة والمعرفة، ومنه ما يسمى بالاستشراق، فإنه عدو خطير بكل أدواته ووسائله؛ لأنه يحارب بالشبهة من خلال بعض ما يتوافر لديه من أحداث تاريخية أو روايات غير صحيحة، ولكنه يضعها في ثوب يثير الانتباه، ويشكك الضعفاء من أبناء الأمة في أمر دينهم وتاريخهم، مستفيدًا من بعض الصراعات التي حدثت في التاريخ الإسلامي في القرون الأولى لهذا الدين.<O:p></O:p> وهذا العدو خطير؛ لأنه مدعوم بأشياء كثيرة ومن أطراف متعددة، فتدعمه بعض الدول الكبرى والمؤسسات العلمية في الغرب والشرق، والتي لها شهرة معرفية لدى معظم دول العالم، هذا فضلاً عن القيادات التي ترأس هذه المؤسسات وعلاقاتهم مع الساسة الكبار في دولهم الاستعمارية.<O:p></O:p> وقد وضع هذا العدو المتمثل بالاستشراق والمستشرقين أمامهم عدة أهداف من أجل الوصول إلى تحقيقها، وهذه الأهداف كثيرة ومتفاوتة من حيث الأهمية بالنسبة لهم، ولكن الغاية الأخيرة لهم هي جعل الدين الإسلامي مجرد أسطورة ليس له حقيقة ربانية، وإنما هو مزيج من الآراء والأفكار التي اقتبست من بعض الأشخاص كبحيرى الراهب وغيره، ومن الأديان الأخرى كاليهودية والنصرانية، لذلك بادر هؤلاء المستشرقون إلى الطعن في أركان هذا الدين ومصادره الأصلية التي هي مصدر الأحكام والتشريعات، إذ أعلنوا حربًا فكرية شعواء على القرآن الكريم، وعدّ الوحي ضربا من الصرع أو الجنون، ولكنهم شددوا هذه الحرب وبوسائل أقوى على السنة المطهرة؛ لكونها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، ويقوم تفصيل التشريع عليها، مستغلين بعض الأحاديث الموضوعة والخلافات التاريخية بين المسلمين.<O:p></O:p> وقد بذل علماء الأمة بمختلف اتجاهاتهم وتخصصاتهم جهودًا جبارة في التصدي لهذا العدو الخطير وسمومه، مع أن بعضًا من أبناء الأمة تأثروا ببعض هذه السموم، ولكنها في النهاية كان مصيرها السقوط والهزيمة والحمد لله.<O:p></O:p> وقد أحسنت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ممثلة في مجمع الملك فهد بإقامة ندوة (عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية)، وموضوع الاستشراق أحد محاور هذه الندوة، والذي يأتي هذا البحث مشاركة متواضعة فيه، فأسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الندوة وبحوثها وأن تكون لها ثمار إيجابية، وجزى الله الجميع خير الجزاء.<O:p></O:p> وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|
#2
|
|||
|
|||
منهج البحث: <?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p> <o:p></o:p> انطلقت عند كتابتي هذا البحث من زاوية علمية معرفية بالاستشراق ونشأته وأهدافه، والشبهات التي يثيرها المستشرقون حول السنة النبوية، وذلك من خلال النقاط التالية:<o:p></o:p> 1 – اعتمدت عند تناول هذا البحث على محاولة الاستدلال مع الاختصار قدر الإمكان.<o:p></o:p> 2 – رجعت عند كتابة البحث إلى كتب المستشرقين أنفسهم وهي كثيرة، رغم قلة المترجَم منها، ومن أهم تلك الكتب كتاب "العقيدة والشريعة في الإسلام" لرأس المستشرقين "أجناس جولدتسيهر" وهو مترجم إلى العربية، وكذلك إلى كتابات المسلمين عن الاستشراق والمستشرقين وردودهم عليهم، وهي أيضًا كثيرة، وكان أهم مرجع اعتمدت عليه هو كتاب "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي" للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، فهو كتاب قيّم وشاف لمعرفة السنة والأطوار التي مرت بها، والشبهات التي أثيرت حولها من قبل الغربيين والرد عليها.<o:p></o:p> 3 – عدم ذكر جميع الشبهات التي أثارها المستشرقون حول السنة النبوية؛ لأنها كثيرة جدًا، وتحتاج إلى كتابات طويلة لذكرها والرد عليها، ولكنني اكتفيت بذكر أهم هذه الشبهات حول السنة، والرد عليها بإيجاز.<o:p></o:p> 4 – إذا نقلت نصًا من كتاب دون تصرف فإنني أضعه بين قوسي تنصيص صغيرين، وأشير إلى مرجعه في الحاشية في أسفل الصفحة، أما إذا نقلت النص بتصرف فإنني أشير في الحاشية فقط إلى المراجع التي اقتبست منها الفكرة.<o:p></o:p> 5 – عزوتُ الآيات إلى مصادرها في القرآن الكريم.<o:p></o:p> 6 – بالنسبة للأحاديث النبوية، فإنني وضعتها بين قوسي تنصيص صغيرين، وأشير في الحاشية إلى تخريجها حسب الطرق العلمية في التخريج.<o:p></o:p> أما خطة البحث فكانت على الشكل التالي:<o:p></o:p> · مفهوم الاستشراق.<o:p></o:p> · تاريخ الاستشراق وتطوره.<o:p></o:p> · دوافع الاستشراق:<o:p></o:p> 1 – الدافع الديني.<o:p></o:p> · شبهات الاستشراق حول السنة النبوية ومناقشتها:<o:p></o:p> 1- مفهوم السنة عند المستشرقين.<o:p></o:p>وينقسم إلى ما يلي:<o:p></o:p> أ- زعمهم أن الحديث مزيج من عقائد الأديان السابقة وأفكارها من اليهودية والنصرانية.<o:p></o:p>علاقة المستشرقين بالمذاهب والفرق القديمة والحديثة:<o:p></o:p> 1 – الاستشراق والمعتزلة.<o:p></o:p>· الخاتمة<o:p></o:p> وفيها بعض التوصيات والمقترحات حول الاستشراق ومدى حاجة الأمة إلى إنشاء مؤسسات علمية تتخصص بالدراسات الاستشراقية والغزو الفكري، تبيّن لأبناء المسلمين خطورتها على دينها وعقيدتها، وإيجاد وسائل الوقاية منها.<o:p></o:p> |
#3
|
|||
|
|||
مفهوم الاستشراق<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p> <o:p></o:p>اختلف الباحثون في إيجاد تعريف موحد للاستشراق، رغم أن هذا الاختلاف شكلي وجزئي، إلا أنهم يتفقون فيما بينهم على عناصر مشتركة للاستشراق والمستشرقين، ويعود ذلك إلى تصور كل واحد منهم لحقيقة الاستشراق وأهدافه. وعلى كل حال فهو في صورته العامة: عبارة عن اتجاه فكري غربي يقوم بدراسة حضارة الأمم من جوانبها الثقافية والفكرية والدينية والاقتصادية والسياسية كافة، لغرض التأثير فيها.<o:p></o:p> وقد عرّفه إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق": "بأنه أسلوب غربي للهيمنة على الشرق، وإعادة صياغته وتشكيله وممارسة السلطة عليه"<SUP>([1])</SUP>.<o:p></o:p> وقدّم أحمد عبدالحميد غراب تعريفات كثيرة للاستشراق من الغربيين وغيرهم، وقسّمها إلى قسمين، عام وخاص: <o:p></o:p> أما التعريف العام: فهو أن الاستشراق أسلوب فكري غربي (أي منهج غربي في رؤية الأشياء والتعامل معها) يقوم على أن هناك اختلافًا جذريًا في الوجود والمعرفة بين الغرب والشرق، وأن الأول يتميز بالتفوق العنصري والثقافي على الثاني.<o:p></o:p> وأما التعريف الخاص: فهو عبارة عن دراسات "أكاديمية"، يقوم بها غربيون من الدول الاستعمارية، للشرق بشتى جوانبه: تاريخه وثقافاته، وأديانه، ولغاته، ونظمه الاجتماعية والسياسية، وثرواته، وإمكاناته.. من منطلق التفوق العنصري والثقافي على الشرق، وبهدف السيطرة عليه لمصلحة الغرب، وتسويغ هذه السيطرة بدراسات وبحوث ونظريات تتظاهر بالعلمية والموضوعية<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> وخلص إلى إيجاد تعريف أكثر شمولية من التعريفات السابقة، آخذًا في الحسبان النقص والتزوير الذي اعترى تلك التعريفات، فيقول في تعريف الاستشراق بمفهومه الاصطلاحي: "إن الاستشراق دراسات "أكاديمية" يقوم بها غربيون من أهل الكتاب للإسلام والمسلمين من شتى الجوانب: عقيدة، وثقافة، وشريعة، وتاريخًا، ونظمًا، وثروات، وإمكانيات.. بهدف تشويه الإسلام، ومحاولة تشكيك المسلمين فيه، وتضليلهم عنه، وفرض التبعية للغرب عليهم، ومحاولة تبرير هذه التبعية بدراسات ونظريات تدعي العلمية والموضوعية، وتزعم التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي"<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> ولعلنا نأخذ بالتعريف الذي اقترحه الدكتور مازن مطبقاني، والذي أضاف إلى تعريف غراب بعض الزيادات، وتفرع ليشمل نطاقًا أوسع مما يتصوره الباحث، فقال عن الاستشراق:<o:p></o:p> "بأنه كل ما يصدر عن الغربيين من أوروبيين (شرقيين وغربيين بما في ذلك السوفيت) وأمريكيين من دراسات أكاديمية (جامعية) تتناول قضايا الإسلام والمسلمين في العقيدة، وفي الشريعة، وفي الاجتماع، وفي السياسة أو الفكر أو الفن، كما يلحق بالاستشراق كل ما تبثه وسائل الإعلام الغربية سواء بلغاتهم أو باللغة العربية من إذاعات أو تلفاز أو أفلام سينمائية أو رسوم متحركة أو قنوات فضائية، أو ما تنشره صحفهم من كتابات تتناول المسلمين وقضاياهم. كما أن من الاستشراق ما يخفى علينا مما يقرره الباحثون والسياسيون الغربيون في ندواتهم ومؤتمراتهم العلنية أو السرية. ويمكننا أن نلحق بالاستشراق ما يكتبه النصارى العرب من أقباط ومارونيين وغيرهم، ممن ينظر إلى الإسلام من خلال المنظار الغربي، ولا بد أن نلحق بالاستشراق ما ينشره الباحثون المسلمون الذين تتلمذوا على أيدي المستشرقين، وتبنَّوا كثيرًا من أفكار المستشرقين حتى إن بعض هؤلاء التلاميذ تفوق على أساتذته في الأساليب والمناهج الاستشراقية، ويدل على ذلك احتفال دور النشر الاستشراقية بإنتاج هؤلاء ونشره باللغات الأوروبية على أنها بحوث علمية رصينة أو ما يترجمونه من كتابات بعض العرب والمسلمين إلى اللغات الأوروبية"<SUP>(<SUP>[4]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> ويمكن من خلال هذه التعريفات استخلاص عدة أمور تعد أركانًا متينة للاستشراق:<o:p></o:p> 1 – أن الاستشراق هو حركة علمية (أكاديمية) من أهل الكتاب من شرقيين وغربيين وأمريكيين وغيرهم ممن ينظر إلى الإسلام بالمنظار الغربي.<o:p></o:p> 2 – الهدف منه تشويه الإسلام وتشكيك المسلمين في دينهم، وذلك بالطعن في أهم مصادر التشريع: القرآن والسنة وتاريخ المسلمين<SUP>([5])</SUP>.<o:p></o:p> 3 – إنشاء مجتمعات تابعة للغرب في الفكر والاقتصاد والسياسة والاجتماع، ليسهل استغلالهم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.<o:p></o:p> 4 – أن الاستشراق ذو علاقة وطيدة مع الاستعمار، فلا استعمار بدون استشراق ولا استشراق من غير دول استعمارية.<o:p></o:p> 5 – أن الاستشراق له علاقة بالتنصير؛ لأن معظم المستشرقين من أهل الكتاب، يبذلون قصارى جهدهم في سبيل أن يحوّل المسلمون دينهم إلى النصرانية، وهذا ما أكدته البعثات التنصيرية التي كانت ترافق الاستعمار في المنطقة الإسلامية.<o:p></o:p> 6 – أن كثيراً من المستشرقين يفتقدون المنهجية العلمية في طرح شبهاتهم وأباطيلهم، فهم يحتجون ببعض الموضوعات من الآثار والروايات الموضوعة التي لا أصل لها في الواقع، وأحيانًا كثيرة لا يعتمدون على شيء وإنما يعتمدون على وساوس شياطينهم لتشكيك الأمة في دينها. <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) ينظر رؤية إسلامية للاستشراق، أحمد عبدالحميد غراب، ص7-8.<o:p></o:p> ([2]) المرجع السابق نفسه ص7-8.<o:p></o:p> ([3]) المرجع السابق، ص9.<o:p></o:p> ([4]) بحث بعنوان: "الاستشراق". د. مازن مطبقاني على موقع مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق.http: // medina center.org<o:p></o:p> ([5]) يحمل هذا الكلام من الباحث على الأعم الأغلب. وينظر ما ورد في ص 20-21. (اللجنة العلمية).<o:p></o:p> |
#4
|
|||
|
|||
تاريخ الاستشراق وتطوره<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>
<o:p></o:p> إن المتمعن في تاريخ الاستشراق سيجدأنجذوره تمتد إلى الصدر الأول من الإسلام، متمثلاً باليهود والنصارى الذينلم يألوا جهدًا من أجل محاربة هذا الدين،وذلك بالطعن فيه والهمز واللمز في أحكامه وتشريعاته،واتهام الرسولr بالمجنون والساحر والشاعر،يقول الله تعالى: ( بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ) [الأنبياء: 5]، ويقول جلّ ذكره عنهم أيضًا: ( وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا (4) وقالوا أساطير الأوليناكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلاً ) [الفرقان: 4-5]. وقوله: ( فقالوا إن هذا إلا سحر يؤثر ( 24) إن هذا إلا قول البشر ) [سورة المدثر: 24-25].<o:p></o:p> وقد اتخذ هؤلاء المشركون سبلاً كثيرة للطعن في هذا الدين لإعراض الناس عنه، فتارة يحرفون آياته وتارة يكتمون الحق وهم يعلمون، وأخرى يشككون فيه بالطعن في الوحي نفسه، يقول الله تعالى: ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون )[البقرة: 75]. ويقول جل ذكره: ( وأمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتى ثمناً قليلاً وإياىفاتقون (41) ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) [ البقرة: 41-42].<o:p></o:p> وكثيرًا ما كان يتبع المشركون سبيل الدخول في الإسلام لفترة وجيزة ثم الارتداد عنه ليبين للناس أنهم جربوا هذا الدين؛ لأنه غير نافع وغير صحيح، لإخراجهم إلى ظلماتهم وضلالهم، يقول الله تعالى: ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) [ آل عمران: 72].<o:p></o:p> هذه المواقف والأفعال لم تكن ذات أبعاد إنسانية أو إيجاد الخير للناس وإظهار الحق واتباعه، وإنما كانت جميعها منصبة ليردوا الناس عن دينهم ويتبعوا دياناتهم المنحرفة، يقول الله تعالى فيهم: ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من رحمة من ربكم ) [ البقرة: 105].<o:p></o:p> ويقول أيضًا: ( يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ) [آل عمران: 100].<o:p></o:p> وكل هذه الوسائل وغيرها اتبعها المشركون للصد عن دين الله، ويتبعها المستشرقون المعاصرون في نشاطاتهم الفكرية والثقافية، وهذا يعني حقًا أنهم امتداد لذلك التيار المعارض والمحارب لدين الله تعالى في بداية بزوغه.<o:p></o:p> إلا أن نشوء الاستشراق في القرون المتأخرة ليس له تاريخ محدد ومعلوم، وإنما بدأ تأسيسه عندما حاول بعض الرهبان الغربـيـين السفر إلى الأندلس ودرسوا القرآن والكتب العربية وترجموها إلى لغاتهم، وذلك بالاستعانة بالعلماء المسلمين في الطب والفلك والفلسفة والرياضيات وغيرها، ومن أوائل هؤلاء الغربـيـين الراهب الفرنسي "جربرت" الذي انتخب بابا لكنيسة روما عام 999م بعد تعلمه في معاهد الأندلس وعودته إلى بلاده، وكذلك "بطرس المحترم 1092-1156م" و"جيراردي كريمون 1114-1187م".<o:p></o:p> وبعد عودة هؤلاء الرهبان إلى بلادهم نشروا هذه الثقافة التي ارتأوها من الأندلس في بلادهم واستفادوا منها قرابة ستة قرون تقريبًا، من حيث دراسة اللغة العربية وترجمات القرآن الكريم وأمهات الكتب والمراجع العربية العلمية، إلى أن جاء عهد الاستعمار في القرن الثامن عشر، على العالم الإسلامي، للاستيلاء على خيراته وثرواته المادية والثقافية، فقد ظهرت فئة من هؤلاء الغربـيـين الذين تفرغوا تمامًا بالتعاون مع الاستعمار لنهب ثروات العالم الإسلامي العلمية والفكرية، والمتمثلة بالدرجة الأولى في الكتب والمخطوطات القيمة بأبخس الأثمان، مستفيدين من الفوضى العارمة في العالم الإسلامي، حتى بلغ عدد هذه المخطوطات والوثائق العلمية في أوائل القرن التاسع عشر مائتين وخمسين ألف مجلد، والعدد يتزايد يومًا بعد يوم<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP>. <o:p></o:p> وقد عقد أول مؤتمر للمستشرقين في باريس عام 1873م،<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP> وكان بداية لعشرات المؤتمرات التي بدأت تدرس أحوال العالم الإسلامي وطرائق الوصول إلى ثرواته، ودراسة نقاط الضعف والقوة فيه، مستعينة بالقوى الاستعمارية الكبرى، ولا تزال هذه المؤتمرات والندوات في أوجها حتى هذا العصر، والتي كانت من إحدى نتائجها الحرب الحالية على العالم الإسلامي، ومحاولة مسح الهوية الإسلامية من الوجود وذلك باتهام المسلمين ومصادر تشريعهم، ولكن أنّى لهم ذلك، وقد تكفل الله تعالى بحفظ كتابه ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [الحجر:9]. ويقول أيضًا: ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا ان يتم نوره ولو كره الكافرون ) [التوبة: 32].<o:p></o:p> وهذه المحاولات الجادة لتشويه صورة الإسلام والنيل منه تحتم على المختصين من أبناء المسلمين اليقظة والوعي والدراسات الجادة للقيام بمهمتهم، والسعي لنشر دينهم والحفاظ على مصادر تشريعهم.<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم، مصطفى السباعي، ص17-18.<o:p></o:p> ([2]) المرجع السابق.<o:p></o:p> |
#5
|
|||
|
|||
دوافع الاستشراقffice<?XML:NAMESPACE PREFIX = O /><O:p< font O:p<> <O:p< font O:p<> 1 – الدافع الديني:<O:p< O:p< u> تتبين حقيقة هذا الدافع للاستشراق من خلال دراسة نشأته وتاريخه، فقد نشأ على أيدي الرهبان وكان خروجه من الكنيسة، وهذا الدافع كان أمرًا ضروريًا للكنيسة، ولاسيما أنه قد حدثت مواجهة بين الكنيسة والعلم، وأفلست الكنيسة في أطروحاتها ومبادئها التي كانت تتغنى بها، فما كان لها من سبيل إلا الهجوم على دين الإسلام، وكما قيل: أفضل وسيلة للدفاع هو الهجوم، فجعل الاستشراق غايته الهجوم على الإسلام في عقيدته وعبادته وأحكامه، وتصويره بأنه دين القتل وسفك الدماء والشهوات، كل ذلك من أجل التغطية على فشل الكنيسة واصطدام مبادئها بالعلم والواقع والتاريخ، وتزعزت ثقة الغربيين بالكنيسة التي كانت عندهم المركز العصامي لتعاليمهم وأفكارهم، ومن جهة أخرى خوفًا من انتشار الدين الإسلامي الذي بدأ يزحف شرقًا وغربًا على أيدي الدعاة والتجار والمسافرين والذين اختلطوا مع المجتمعات الإسلامية، وأخذوا الإسلام من منابعه الأصيلة.<O:p< font O:p<> ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الاستشراق التقى في هدفه الديني مع تلك الجمعيات التنصيرية التي كان من أهم أهدافها تحويل المسلمين عن دينهم في الأحكام والأخلاق والمعاملات، إلى دين النصرانية، وذلك بتقديم الخدمات لهم في جميع المجالات، فإن استجابوا لذلك ودخلوا النصرانية كان هو المطلوب والمرسوم، وإن لم يستجيبوا في دخول النصرانية، فيكفي إخراجهم من دينهم إلى الإلحاد والشيوعية وغيرها، وقد أصاب هذا الداء كثيرًا من أبناء الأمة التي تخلت عن دينها إلى لا دين، فصاروا ملاحدة وزنادقة، فوزعت سموم الإلحاد وقذارة التغريب على المجتمعات الإسلامية التي لا تزال تعاني منها ومن أتباعها.<O:p< font O:p<> 2 – الدافع الاستعماري:<O:p< O:p< u> بعد أن انهزم الغرب في حروبه الصليبية على العالم الإسلامي، وكانت شديدة الوطأة على الغرب من النواحي كافة، العقدية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية، والعسكرية، إلا أن الغرب بدأ يعيد حساباته، ويخطط للاحتلال والغزو مرة أخرى، ولكن في هذه المرة يكون بشكل آخر واستراتيجية مختلفة، حيث لجأ هذا العدو إلى تأسيس مراكز وأكاديميات مختصة بشؤون العالم الإسلامي، وصرف جهودًا جبارة وأموالاً طائلة، لتكون مرافقة مع استعمارها للأمة وبلادها. <O:p< font O:p<> لقد درست هذه المراكز حال الأمة الإسلامية عقديًا وجغرافيًا واقتصاديا وعسكريا، وعرفت نقاط الضعف فيها ودرستها دراسة عميقة وواعية، فبدأ الاحتلال العسكري مرة أخرى، من خلال تلك النقاط، وكان احتلالاً عسكريًا وفكريا في آن واحد، وبعد أن تمركزت قوتهم في العالم الإسلامي، بدأ الاحتلال الفكري أو الغزو الفكري لعقول أبناء الأمة ونفوسها، وذلك بإظهار تفوقهم العلمي والتقني، وتخلف المسلمين في ذلك، وكذا بث روح الضعف والوهن في نفوسهم؛ لقتل روح المقاومة والتمسك بدينهم، وإظهار هذا الدين بصورة مشوهة غير صحيحة، مما كان له أثره الخطير في الأمة، فقد تأثر جمع غفير من أبنائها بهذه الوسائل، وقد ساعدهم على ذلك حصولهم على الثروات العلمية الإسلامية في البلاد المستعمرة، وتمكنهم من دراسة علومها في اللغة والأدب والدين والفقه والسيرة، واستطاعوا أن يخرجوا من بطون هذه الكتب نماذج من الأدب الوضيع والفكر المنحرف والعقيدة الفاسدة كالتصوف، والتركيز عليها وتوصيلها إلى المثقفين والدارسين من أبناء الأمة على أنها الإسلام، فكان وسيلة قوية لتلك الدول على الاحتلال العسكري والبقاء لفترات أطول في ديار المسلمين، والاستيلاء على ثرواتهم وتسخيرها في مصالحهم المعيشية والتقنية والعسكرية. <O:p< font O:p<> هذا بالإضافة إلى الدور الذي قام به هؤلاء المستشرقون في إفشاء روح الإقليمية والعنصرية بين المسلمين والتركيز على إثارة الفتن القومية بين الشعوب، كافتخار العربي بالعروبة والتركي بالتركية والمصري بالفرعونية، والكردي بالكردية، والفارسي بالفارسية وهكذا، فكان كل ذلك معول هدم وخراب، لذلك البناء المتين الذي أرسى قواعده الرسول r والصحابة رضوان الله عليهم، والعمالقة من أبناء الإسلام على مرّ العصور والأزمان، رغم أن الدين الإسلامي جاء وأزال كل هذه التصورات التي عدّها صفات جاهلية لا تتناسب مع الرسالة الربانية. <O:p< font O:p<> والحق أن الاستشراق صار ملازمًا للاستعمار أينما حلّ وأناخ، وتوسع مجاله ونطاقه بتوسع احتلاله واغتصابه لحقوق الشعوب عامة والمسلمين خاصة، حيث يقول المستشرق الهولندي سنوك هرجرنجي عن ذلك بقوله: "إن الشريعة الإسلامية موضوع مهم للدراسات الاستشراقية، ليس فقط لأسباب تجريدية [نظرية] متعلقة بتاريخ القانون والحضارة والدين، ولكن كذلك لأهداف عملية: وذلك أنه كلما توثقت العلاقات بين أوروبا والشرق الإسلامي، وكلما زاد [عدد] البلاد الإسلامية التي تقع تحت السيادة الأوروبية زادت الأهمية بالنسبة لنا نحن الأوروبيين لنتعرف على الحياة الفكرية، وعلى الشريعة، وعلى خلفية المفاهيم الإسلامية"<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP>.<O:p< font O:p<> 3 – الدافع السياسي:<O:p< O:p< u> يقول الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله - "وهنالك دافع آخر أخذ يتجلى في عصرنا الحاضر بعد استقلال أكثر الدول العربية والإسلامية، ففي كل سفارة من سفارات الدول الغربية لدى هذه الدول سكرتير أو ملحق ثقافي يحسن اللغة العربية؛ ليتمكن من الاتصال برجال الفكر والصحافة والسياسة فيتعرف إلى أفكارهم، ويبث فيهم من الاتجاهات السياسية ما تريده دولته، وكثيرًا ما كان لهذا الاتصال أثره الخطير في الماضي حين كان السفراء الغربيون - ولا يزالون في بعض البلاد العربية والإسلامية - يبثون الدسائس للتفرقة بين الدول العربية بعضها مع بعض، وبين الدول العربية والدول الإسلامية، بحجة توجيه النصح وإسداء المعونة بعد أن درسوا تماماً نفسية كثيرين من المسؤولين في تلك البلاد، وعرفوا نواحي الضعف في سياستهم العامة، كما عرفوا الاتجاهات الشعبية الخطيرة على مصالحهم واستعمارهم"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>. <O:p< font O:p<> وقد ظهر - حقًا - في الآونة الأخيرة في معظم الدول الإسلامية والعربية نوعٌ من التواصل الثقافي بين الملحقيات الثقافية للدول الغربية والطبقات المثقفة من الدول الإسلامية التي تحتضن هذه الملحقيات، وتعقد الندوات العلمية والحفلات الأدبية، بحجة تبادل الآراء والأفكار أو ما سمي في العصر الحديث بالتقارب الديني أو الحوار الحضاري، والهدف الأول والأخير من انعقاد هذه الندوات هو تحويل المسلمين عن دينهم، وإيجاد طبقة من المثقفين ولاسيما الذين يشغلون مناصب عالية في الدولة من تحقيق بعض أهدافهم السياسية في كسر الحواجز وإزالة العراقيل التي تحول دون الوصول إلى مآربهم في تلك البلاد، وأيضًا هناك مطلب مهم جدًا يقصدونه هؤلاء من وراء ملحقياتهم وهو اختيار بعض الناس من أبناء البلاد التي هم فيها ليكونوا لهم عيونًا لخدمة مصالحهم في جميع المجالات.<O:p< font O:p<> 4 – الدافع الاقتصادي:<O:p< O:p< u> وهو من الدوافع التي ساعدت على تنشيط حركة الاستشراق وهي أن الدول الغربية بعد أن تعرفت على المنطقة الإسلامية وتعرفت على ثرواتها وخيراتها، أرادت أن تفتح مع هذه المنطقة صفحة أخرى أو علاقة أخرى من العلاقات التي تروي اقتصادهم وتدعم مصانعهم وشركاتهم، وبالتالي تسهل عليهم حركة التطور العلمي والتقني، وذلك بالاتصال المباشر مع العالم الإسلامي اقتصاديًا وذلك باستيراد ما تفتقر إليه من المواد الخام الطبيعية وبأسعار زهيدة وبخسة، حفاظاً على مستوى التصنيع والتقنية عندهم، وإبقاء لمستوى التراجع والتخلف في منطقتنا الإسلامية، التي كانت مهداً للصناعات والاختراعات، وجعلها منطقة استهلاك فحسب، وبذلك يتم القضاء كليا على الصناعات الوطنية والمحلية.<O:p< font> </O:p<> ومن أهم نتائج هذا الدافع وثمراته أن أموال المسلمين ومصالحهم صارت بأيدي الغربيين، فمعظم أغنياء المسلمين وأصحاب الثروات الكبيرة والأرصدة العالية، يودعون أموالهم وأسهمهم في بنوك الغربيين، حيث لا يصل إليهم من هذه البنوك إلا النـزر اليسير من الأرباح، أما الغربيون فيربحون من وراء هذه الأرصدة الملايين والمليارات، وإذا صارت هناك إشكالات أو مشكلات سياسية بين هذه الدول الغربية والدول الإسلامية، ربما تؤدي بتلك الأموال المودعة إلى التجميد أو إلى الاستيلاء عليها، ولا يحق لأصحابها استرجاعها أو المطالبة بها، كما حدث في الآونة الأخيرة في أمريكا وبعض الدول الغربية الأخرى، التي اتهمت مؤسسات وشركات ومنظمات خيرية بدعمها للإرهاب من أجل حيازة أرصدتهم وأموالهم، وكل ذلك ثمرة واضحة لمخططات المستشرقين مع دولهم الاستعمارية لنهب ثروات الأمة الإسلامية بشتى السبل والوسائل.<O:p< font O:p<> 5 – الدافع العلمي:<O:p< O:p< u> بعد أن تعرفنا على مجموعة من الدوافع المغرضة للاستشراق والمستشرقين، فإن هناك فئة قليلة ونادرة جدًا من هؤلاء الغربيين الذين يقبلون على دراسة الإسلام دراسة حقيقية لفهمه والاطلاع عليه، مجردين من الدوافع والأغراض التي سبق ذكرها، وهؤلاء يعدون من الصادقين في أبحاثهم ودراساتهم، إلا أنهم غير مدعومين من الدول الغربية، ولا من المؤسسات الاستشراقية التي تأسست على أساس تشويه الإسلام وتحريف أحكامه عند الناس، من أجل ذلك لا يكون لهم صيت قوي وشهرة شائعة في الأوساط العلمية والسياسية والدولية. وربما يجد هذا القسم من المستشرقين مضايقات وعقوبات من قبل حكوماتهم لأنهم لا يمثلون وجهة نظرهم ولا يخدمون مصالحهم، ومن هؤلاء المستشرقين من يعتنق الإسلام بعد أن يدرس الإسلام دراسة عميقة ومجردة، وربما يتحول إلى داعية ومفكر يدافع عن حمى الإسلام ودياره، ومن هؤلاء المستشرقين الذين كان هذا شأنهم المفكر محمد أسد صاحب كتاب "الإسلام على مفترق الطرق"، وتوماس أرنولد صاحب كتاب "الدعوة إلى الإسلام" والذي ركز فيه على التسامح الديني في الإسلام والتزام المسلمين بهذا المبدأ عبر التاريخ، إلا أنه تعرض لأكبر هجمة استشراقية واتهموه بأنه لم يعتمد في كتابه على الأدلة العلمية، وإنما على عاطفته تجاه المسلمين، رغم أنه لم يورد حادثة من التاريخ إلا ووثقها من مصادرها ومراجعها العلمية. <O:p< font O:p<> ومن هؤلاء المستشرقين أيضًا المستشرق الفرنسي "دينيه" الذي أسلم في الجزائر وغيّر اسمه إلى "ناصرالدين دينيه" وألف مع كاتب جزائري كتابًا في السيرة النبوية، وله كتاب "أشعة خاصة بنور الإسلام" الذي بيّن فيه حقد الغرب وتحاملهم على الرسول r<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>. <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) رؤية إسلامية للاستشراق أحمد غراب، ص53.<O:p< font O:p<> ([2]) الاستشراق والمستشرقون، مصطفى السباعي، ص23-24.<O:p< font O:p<> ([3]) انظر: أجنحة المكر الثلاثة، عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني.<O:p< font O:p<> </O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<></O:p<> |
#6
|
|||
|
|||
شبهات الاستشراق حول السنة النبوية<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p> <o:p></o:p>إن المتتبع للشبهات التي تثار حول السنة النبوية من قبل المستشرقين والمعادين لدين الله، فإنه سيجد أن هؤلاء يحاولون التشكيك في كل شيء في هذا الدين، وليست هناك شبهات محددة وإنما الدين كله مثار للشك والشبهة عندهم، ويظهر ذلك واضحًا في كتاباتهم ومحاضراتهم وندواتهم، وحتى في صحفهم ومجلاتهم، وهذا يعني أن التصدي الحقيقي للاستشراق يكمن في دراسة أصوله وحقيقة أهدافه، وبيان ذلك لأبناء الأمة، في كل مناسبة وكل مكان، لأن كثيرًا من هذه الشبهات هي قديمة في حقيقتها ومضمونها تبنتها المعتزلة والخوارج في فترات معينة، وخمدت نارها بعد أن تصدى لها علماء الأمة المخلصون، حتى جاء هؤلاء المستشرقون وأعادوا إثارتها وصياغتها من جديد.<o:p></o:p> لذلك لا نستطيع أن نبحث هذه الشبهات جميعها ونناقشها بالأدلة العقلية والمنطقية، وبالأحداث التاريخية، والدراسات الموضوعية، لأن ذلك يحتاج إلى مجلدات ومصنفات، ولكننا سنذكر بعض الشبهات التي اتفقت عليها كلمة معظم المستشرقين حول السنة النبوية، والنيل من شخصية الرسول r، ابتداء من تشكيكهم في مفهوم السنة نفسها.<o:p></o:p> أولاً: السنة في مفهوم المستشرقين<o:p></o:p> <o:p></o:p>يقول جولد تسيهر عن مفهوم السنة: "هي جوهر العادات وتفكير الأمة الإسلامية قديمًا وتعد شرحًا لألفاظ القرآن الغامضة التي جعلتها أمرًا عملياً حياً"<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> كما يقول أيضًا هذا المستشرق: "ما من أمر أو فعل يوصف عندهم بالفضل أو العدالة إلا إذا كان له أصل في عاداتهم الموروثة أو كان متفقًا معها، وهذه العادات التي تتألف منها السنة تقوم عندهم مقام القانون أو الديانة، كما أنهم كانوا يرونها المصدر الأوحد للشريعة والدين، ويعدون اطراحها خطأ جسيما، ومخالفة خطيرة للقواعد المعروفة والتقاليد المرعية التي لا يصح الخروج عليها، وما يصدق على الأفعال يصدق أيضًا على الأفكار الموروثة، والجماعة يتحتم عليها أن لا تقبل في هذا المجال شيئًا جديدًا لا يتفق مع آراء أسلافها الأقدمين" ثم يقول: "فكرة السنة يمكن إدراجها بين الظواهر التي سماها سبنسر بـ العواطف القائمة مقام غيرها وهي النتائج العضوية التي جمعتها بيئة من البيئات خلال الأجيال والأحقاب، والتي تركزت وتجمعت في غريزة وراثية تتألف منها الصفة أو الصفات التي يتوارثها أفراد هذه البيئة"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> ثم يتطرق هذا المستشرق إلى تحديد مفهوم الحديث الذي يفصله عن مفهوم السنة بقوله إن الحديث: "الشكل الذي وصلت به السنة إلينا، فهما ليسا بمعنى واحد، وإنما السنة دليل الحديث، فهو عبارة عن سلسلة من المحدِّثين الذين يوصلون إلينا هذه الأخبار والأعمال المشار إليها طبقة بعد طبقة، مما ثبت عند الصحابة أنه حاز موافقة الرسول r في أمور الدين أو الدنيا، وما ثبت أيضًا حسب هذا المعنى من المُثُل التي تحتذى كل يوم"<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> وأما شاخت فيقول: "إن الأحاديث ليست هي السنة بل هي تدوين السنة بالوثائق"<SUP>(<SUP>[4]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> ويمكن استخلاص مفهوم السنة عند المستشرقين في النقاط التالية:<o:p></o:p> 1 – أن السنة هي جوهر العادات والتقاليد الموروثة.<o:p></o:p> 2 – أن السنة شرح لألفاظ القرآن الغامضة.<o:p></o:p> 3 – أن السنة وحدها هي القانون أو الديانة وهي المصدر الوحيد للشريعة.<o:p></o:p> 4 – أن السنة غير الحديث، وأنهما ليسا بمعنى واحد.<o:p></o:p> وهنا لا بد من بيان حقيقة مفهوم السنة والحديث لدحض هذا الخلط الذي انتهجه المستشرقون بقصد التشويش والتضليل على أبناء الأمة، والتشكيك في المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي.<o:p></o:p> <o:p></o:p> فالسنة في اللغة:كما في القاموس المحيط هي الطريقة والعادة حسنة كانت أم سيئة، وقد جاءت بهذا المعنى في قوله تعالى: ( سنة من أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلاً ) [الإسراء،: 77].<o:p></o:p> وجاءت في الأحاديث النبوية الشريفة، كما في قوله r: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"<SUP>(</SUP>[5]<SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> أما السنة اصطلاحًا: فقد تباينت تعريفات العلماء لها حسب نوع العلم الشرعي الذي تستعمل فيه السنة:<o:p></o:p> 1 – السنة عند المحدثين: ما أثر عن النبي r من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلُقية أو خَلقية.<o:p></o:p> فالقول: وهو الكلام الذي نطقه النبي r وتناقله الناس بعد ذلك، مثل حديث: "إنما الأعمال بالنيات"<SUP>(<SUP>[6]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> الفعل: وهو ما كان يقوم به النبي عليه الصلاة والسلام من سلوك وتصرف وفعل، مثل كيفية صلاته، وصيامه، وحجه، مثل قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وقوله "خذوا عني مناسككم".<o:p></o:p> التقرير: وهو ما أقره النبي r من أفعال الصحابة بسكوته أو بإظهار رضاه له، كإقراره عليه الصلاة والسلام لمن تيمم لعدم وجود الماء ثم وجده بعد الانتهاء من الصلاة ولم يعد صلاته.<o:p></o:p> الصفات: وهي إما خَلقية كطوله ومشيه ولونه وشعره..إلخ، أو خُلقية كالشجاعة والكرم والحلم والصفح وغيرها.<o:p></o:p> 2 – السنة عند علماء أصول الفقه،هي: ما نقل عن النبي r من قول أو فعل أو تقرير، وبعضهم يضيف ما يصلح أن يكون دليلاً شرعيًا<SUP>(</SUP>[7]<SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> 3 – السنة عند الفقهاء: تعددت تعريفات السنة عند الفقهاء ولكن مدلول هذه التعريفات واحد، فمنها: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، ومنها: كل ما ثبت عن النبي r ولم يكن من باب الفرض والواجب<SUP>(<SUP>[8]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> 4 – السنة عند علماء العقيدة: هي كل ما دل الدليل الشرعي عليه سواء كان هذا الدليل من الكتاب أو الحديث أو من قواعد الشريعة. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعةضلالة".<o:p></o:p> أما تعريف الحديث: فإنه علم يعرف به أقوال رسول الله r وأفعاله وأحواله. أو هو: كل ما أضيف إلى النبي r.<o:p></o:p> وهذا التفصيل والتوضيح كاف لأن يزيل الغمة عن أفهام بعض من قد يجد التشويش الاستشراقي إلى فكره سبيلاً، هذا التشويش الذي يقصد به إلحاق اللغط وعدم الضبط في أهم علم من علوم هذا الدين وهو علم السنة والحديث، فيسقط ادعاء هؤلاء المغرضين من أن السنة خليط من المأثور القديم، وليعلموا بعد ذلك هؤلاء القوم جهود العلماء الأفذاذ الكبيرة وأسفارهم الطويلة والمديدة في سبيل تحصين هذا المصدر من سموم الحاقدين وإفك المفترين.<o:p></o:p> ثم إنهم لم يقفوا عند هذا الحد في خلطهم بين السنة والحديث، وإنما عمدوا إلى الطعن في أركان السنة التي ترتكز عليها.<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) العقيدة والشريعة لجولد تسيهر، ص41.<o:p></o:p> ([2]) المستشرقون ومصادر التشريع الإسلامي، عجيل جاسم النشمي، ص81-82.<o:p></o:p> ([3]) المرجع السابق، ص83.<o:p></o:p> ([4]) المرجع السابق، ص84.<o:p></o:p> ([5]) صحيح مسلم برقم 2351، ص410.<o:p></o:p> ([6]) أخرجه البخاري برقم 6689.<o:p></o:p> ([7]) شرح الكوكب المنير 2/159-166، إرشاد الفحول للشوكاني 1/131، 132.<o:p></o:p> ([8]) الإحكام للآمدي 1/169، شرح الكوكب المنير 1/160.<o:p></o:p> |
#7
|
|||
|
|||
ثانيًا: الطعن في رسالة النبي r <?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p> إن الطعن في رسالة النبي r يعني هدم الدين بالكامل لذلك ركز هؤلاء المستشرقون على الطعن في حقيقة الرسالة والوحي من السماء ليكون بمثابة هدم الصرح الذي يرتكز عليه الإسلام بالكامل، وذلك بالتشكيك في أصل الدين ومنبع أحكامه وأوامره ونواهيه، وبالتالي تتساقط المبادئ الأخرى تلقائيًا. وهذا الأسلوب العدائي الناتج عن الحقد الغائر في صدور أولئك القوم كان الأسلوب نفسه الذي مارسه كبراء قريش وزعماء الشرك في الصدر الأول من عهد هذا الدين، حيث اتهم المشركون الرسول r بأن ما يأتي به محمد ليس إلا نوعًا من الجنون أو صرعًا ينتابه في بعض الأحيان، فيأتيه وهو في حالته هذه بعض الأمور فيبثها على الصحابة من حوله، أو هو نوع من السحر يتعامل من خلاله مع الجن فيعلمونه أمورًا يجهلها المجتمع العربي في ذلك الوقت، وغيرها من الافتراءات والأكاذيب التي لا سند لها ولا دليل، فكان ذلك بمنـزلة طعن في الوحي والتشكيك فيه.<o:p></o:p> <o:p></o:p> يقول المستشرق هنري ماسيه في كتابه "الإسلام": "ووفقًا للتقاليد فإن محمدًا تلقى في بادئ الأمر نوعًا من الدوي فصار كأنه مصاب بالحمى، وشحب لونه وارتجف وتدثر بدثار، وهناك بعض المؤرخين - والبيزنطيون منهم على الخصوص - تحدثوا عن الصرع الذي يمكن أن يكون محمد مصابًا به، ومن المعلوم في القرون الوسطى في الشرق كما في الغرب أن هؤلاء المرضى كانوا يتخيلون كأن روحًا تمتلكهم، وقد أصبحت النوبات عند محمد مألوفة كثيرًا ابتداء من الوحي الأول الذي حدث في شهر رمضان"<SUP>([1])</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويقول المستشرق واشنجتون آفنج في كتابه "حياة محمد" تحت عنوان "مسألة تعرض محمد لحالات من الصرع": "وهي المسألة التي يثيرها خصومه من الكتاب المسيحيين، ويبدو أن بعض المؤرخين المسلمين القدامى قد أيدوها، فذهبوا إلى أن محمدًا كان يصاب برعدة عنيفة ثم بنوع من الإغماء أو التشنجات وفي خلال ذلك ينحدر من جبهته سيل من العرق البارد، فكان يرقد وعيناه مغلقتان وقد انتشر الزبد حول فمه... وكانت زوجته عائشة ومولاه زيد ممن وصفوا هذه الحالة وذكروا أنها تحدث له نتيجة نزول الوحي عليه، وقد انتابته هذه الحالة عدة مرات في مكة قبل نزول القرآن وخافت خديجة عليه، إذ ظنت أنها نتيجة تأثير الأرواح الشريرة، وأرادت استدعاء أحد المشعوذين ليفحصه، ولكن محمدًا نهاها عن ذلك، فكان لا يحب أن يراه أحد خلال هذه النوبات"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>. <o:p></o:p> <o:p></o:p> للرد على هذه الأقاويل والدعاوى يجب معرفة ما يلي:<o:p></o:p> <o:p></o:p> 1 - لماذا هذا التشكيك في الوحي ووصفه بأنه ضرب من الصرع أو السحر، ألم يكن هذا الوحي نفسه الذي كان ينـزل على موسى وعيسى عليهما السلام؟ لماذا يكون هذا الوحي نتيجة صرع وقع على النبي محمد r، وصدق وحقيقة مع موسى وعيسى عليهما السلام؟ أليس هذا الكلام نفسه نوع من الازدواجية في القياس والتحليل؟؛ بل إنه كراهية وحقد دفين في نفوس هؤلاء الغربيين تجاه هذا الدين الذي توسع بفضل الله تعالى ووصل إلى أقاصي الأرض.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ثم إن الوحي كان ينـزل على الرسول r بصور متعددة فأحيانًا كصلصلة الجرس وأحيانًا بصورة رجل، وأحيانًا بصورته الحقيقية، كما ذكرته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله r فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله r:<o:p></o:p> <o:p></o:p> "أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني، وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول". قالت عائشة رضي الله عنها ولقد رأيته ينـزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا"<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 2 – أن الوحي الذي كان ينـزل على النبي r بتلك الصور المتعددة لم يكن بينه وبين الصرع أي تقارب أو تشابه، لأن الصرع عندما يصيب الإنسان يفقده النطق والحركة وتصطك أسنانه وتزيغ عيناه، فأين هذا من الحالة التي كان عليها النبي عليه الصلاة والسلام وهو يتلقى الوحي؟ ثم كيف يؤمن به الناس وهو يعاني مرض الصرع، وهو الذي يأتيهم بكلام فصيح وبليغ، تحدى العرب به عدة مرات في كتاب الله تعالى: ( وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين (23) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) [البقرة: 23-24].<o:p></o:p> <o:p></o:p> 3 – أن الحالات التي ذكرها هؤلاء هي محض افتراء وكذب وليس عليها دليل علمي، وإنما هي مجرد أقاويل، لأن الرسول rعندما جاءه الوحي في المرة الأولى كان في غار حراء، ولم يسبقه شيء قبل ذلك كما يدعي هؤلاء حيث تقول عائشة رضي الله عنها: <o:p></o:p> <o:p></o:p> عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت أول ما بدئ به رسول الله r من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينـزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني. فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال : ( اقرأ باسم ربك الذى خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم (3) [العلق: 1-3] <o:p></o:p> <o:p></o:p> فرجع بها رسول الله r يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زمِّلوني زمِّلوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع"<SUP>(<SUP>[4]</SUP>)</SUP>. <o:p></o:p> <o:p></o:p> وإن جبريل عليه السلام حين جاءه كان على صورته الحقيقية كما يقول الرسول r: "ثم فتر عني الوحي فترة. فبينا أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض"<SUP>(<SUP>[5]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وهذا يرد قولهم أن محمدًا تلقى في البداية نوعًا من الدوي.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 4 – أما قولهم أن النبي r كانت تأتيه هذه الحالات قبل مجيء الوحي فإنه لا يستند إلى شيء، والتاريخ يثبت كذب هذا القول وزوره، لأن هؤلاء يريدون مِنْ وراء ذلك أن يفصلوا الوحي الحقيقي عن حياة النبي r، وعدَّه حالة قديمة معه عليه الصلاة والسلام. فأين المستند على ذلك؟!<o:p></o:p> <o:p></o:p> 5 – أما قولهم وافتراؤهم على خديجة رضي الله عنها بأنها خافت عليه وخشيت أن يكون الوحي من الأرواح الشريرة، فإنه مردود عليهم بقول خديجة نفسها رضي الله عنها، عندما أخبرها النبي r بالوحي وقال: خشيت على نفسي، فردَّت أمّنا رضي الله عنها: "كلا والله لن يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق".<o:p></o:p> <o:p></o:p> وأما قولهم: إنها ذهبت به إلى مشعوذ، فإن ذلك حمق وافتراء، لأن الذي ذهبوا إليه هو ورقة بن نوفل الذي تنصر وكان عنده علم من الكتب السماوية.<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1])دراسات في الاستشراق ورد شبه المستشرقين حول الإسلام، د. علي علي شاهين، ص124-125.<o:p></o:p> ([2]) المرجع السابق.<o:p></o:p> ([3]) صحيح البخاري، برقم 3215، ص537.<o:p></o:p> ([4]) صحيح البخاري، برقم3، ص1.<o:p></o:p> ([5]) صحيح البخاري، برقم 3238، ص540.<o:p></o:p> |
#8
|
|||
|
|||
ثالثًا: الطعن في شخصية النبي r<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p> <o:p></o:p>أ – زعمهم انشغاله r بالنساء :<o:p></o:p> يقول غوستاف لوبون: "وضعف محمد ( r ) الوحيد هو حبه الطارئ للنساء، وهو الذي اقتصر على زوجته الأولى حتى بلغ الخمسين من عمره، ولم يُخْفِ محمد ( r ) حبه للنساء، فقد قال: "حبب إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة".<o:p></o:p> <o:p></o:p> ولم يبال محمد بسن المرأة التي كان يتزوجها، فتزوج عائشة وهي بنت عشر سنوات، وتزوج ميمونة وهي في السنة الحادية والخمسين من عمرها.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وأطلق محمد العنان لذلك الحب، حتى إنه رأى اتفاقًا زوجة ابنه بالتبني وهي عارية، فوقع في قلبه منها شيء، فسرَّحها بعلُها، ليتزوجها محمد ( r ) فاغتم المسلمون، فأوحي إلى محمد r بواسطة جبريل الذي كان يتصل به يوميًا آيات تسوغ ذلك، فانقلب الانتقاد إلى سكوت"<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويقول جولد تسيهر في كتابه العقيدة والشريعة: "روي عنه r أنه قال: "إنما حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء" وأضيف إلى ذلك فيما بعد: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" وهذه الرواية وأمثالها تجعله بحق موضع اتهام خصومه الذين أخذوا عليه أنه لا يشتغل بغير النساء مما لا يتفق وصفة النبوة"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> يقول الله تعالى : ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً ) [الكهف: 5].<o:p></o:p> <o:p></o:p> يراد بذلك إحداث خلل في عقيدة المسلم وتشكيكه في نبيه r ورسالته، وذلك حسب أهوائهم وتصورهم البشري القاصر، ثم يكون هدم الفروع سهلاً عليهم، ولكن الله تعالى هيأ لحفظ هذا الدين رجالاً وعلماء استطاعوا بفضله جل وعلا أن يتصدوا لهؤلاء، يقول الله تعالى : ( يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) [إبراهيم: 27].<o:p></o:p> والعداء لهذا الدين قديم منذ أن أرسل الله الأنبياء والرسل الأولى : ( وكذلك جعلنا لكل نبى عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً ) [الفرقان: 31].<o:p></o:p> <o:p></o:p> وللإجابة عن هذه الشبهة نقول:<o:p></o:p> 1 - إن الله تعالى أباح لنبيه r الزواج لأكثر من واحدة، وهذا شرع الله الذي نحن به مؤمنون أبدًا، وهذه عقيدة المؤمنين الصادقين عبر التاريخ الإسلامي الطويل من عهد النبوة إلى قيام الساعة، مهما تقوّل المبطلون، أو افترى الحاقدون، ولهذا الزواج في دين الإسلام حِكَمٌ وأسباب، تبيّن لنا بعضها وغاب عنا بعضها الآخر، من هذه الحكم التي نلمسها:<o:p></o:p> <o:p></o:p> أ – أن الرسول r يقول: "النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوَّجوا فإني مكاثِرٌ بكم الأمم. ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصيام فإنَّ الصوم له وِجاء"<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ب – تربية النفس على الطهارة والعفة بدلاً من إطلاق عنانها في دروب الرذيلة ومهاوي الخنا والفواحش، فربما احتاج الإنسان ليتزوج أكثر من واحدة؛ لحاجته إلى ذلك، فهناك من الرجال تكون غريزة الجنس عندهم قوية، لا يصبرون على واحدة فقط ولاسيما في حالات النفاس والحيض وغيرها، أو قد تكون الزوجة مريضة أو عقيمة، أو غير ذلك من الأسباب التي تدفع بالإنسان أن يتزوج بأخريات.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ج – زيادة عدد النساء وقلة عدد الرجال الذين تصيبهم المنية بأسبابها الكثيرة ولاسيما الحروب الطاحنة التي تعم أرجاء الأرض، وما تخلفه هذه الحروب من المآسي والكوارث البشرية من القتلى والمعاقين مما يقلل نسبة عدد الرجال وقدرة بعضهم على الزواج، فكان لزامًا أن يتزوج الرجل الواحد أكثر من واحدة، حتى لا تنحرف النساء العازبات عن السقوط في شراك الرذيلة والفاحشة.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 2 – إن الزواج بأكثر من واحدة كان جائزًا في جميع الشرائع السابقة<SUP>(<SUP>[4]</SUP>)</SUP>، كاليهودية والنصرانية التي ينتمي إليها معظم المستشرقين، مما يتبين لنا مما تكنه نفوس هؤلاء من حقد لنبينا محمد r.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 3 – فلينظر هؤلاء المستشرقون ومن سار على دربهم إلى الحقيقة الناصعة التي يتهربون منها في كتاباتهم ومحاضراتهم، ألا وهي السن الذي تزوج فيها الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام خديجة رضي الله عنها، وهو سن الشباب وقمة الطاقة والقوة الجسدية والجنسية، لو كان عنده أهواء جنسية لاختار من أجمل بنات العرب مالاً ونسبًا، وهو الشاب الأمين ومن نسب عريق وأصيل، إلا أن الله تعالى أراد أن يتزوج من خديجة التي كانت تكبره بخمس عشرة سنة، ليكون ذلك نقاء في صفحة حياته النقية أصلاً، ويكون صفعة في وجوه من أراد أن يثير حوله شبهة الشهوانية أو الهوى.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 4 – ثم إن مرحلة الشباب التي مرّ بها هذا النبي عليه الصلاة والسلام لتشهد له بما كان عليه من الفضائل والأخلاق من السلوك وصدق الحديث والأمانة وغيرها، حتى سمي بين قومه بالصادق الأمين. <o:p></o:p> <o:p></o:p> 5 – إن بيوت النبي r كانت بفضل زوجاته بمنـزلة مدارس تخرج المؤمنات الداعيات لهذا الدين، وكانت كل زوجة داعية وفقيهة تعلم النساء أحكام دينهن لقربهن من رسول الله r، فكانت النسوة يترددن إليهن، ويسألن عما يشكل عليهن من أمور الدين كحقوق الزوج وأحكام الطهارة والتحلي بأخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 6 – لو كان التعدد من الأمور الشهوانية والبهيمية لدى المسلمين لاستباح دين المسلمين إطلاق العنان لأبنائه بأن يسرحوا ويمرحوا في عالم الشهوة والهوى ومع أكبر عدد من النساء كما كانت عليه العرب في الجاهلية وبيوت الخنا التي كانت ترفرف على أبوابها أعلام الفاحشة والفجور، وكما نلاحظه في العصر الحالي من الإباحية المطلقة والبهيمية الجامحة التي ليس لها ضوابط ولا روادع، بل إن معظم بيوت الفاحشة في أوربا وغيرها عبارة عن مؤسسات لها حصانة قانونية، ولها الحرية التامة في الدعاية والإعلان حتى صارت مهنة وتجارة عالمية مربحة، ناهيك عن الدعم التي تجده هذه المؤسسات من القوى السياسية في تلك البلاد تحت راية الحريات الشخصية، حتى وصل بهم الحال أن يتزوج الرجال بالرجال، وصارت لهم منظمات ومراكز تعقد فيها عقود رسمية في المحاكم والدوائر الرسمية. <o:p></o:p> <o:p></o:p> أما عن نشاطات هذه المؤسسات والنوادي فهي قوية جدًا، ولديها قوة إعلامية هائلة للدعاية والترويج والربح، والشاهد على ذلك الفضائيات التي تبث في الليل والنهار الأفلام الجنسية بشتى الصور والأشكال، وشبكات الإنترنت التي صارت من أكبر الميادين الدعائية لها. وحسبنا أن نعلم أن هناك ما يقارب اثنين وعشرين مليون موقع جنسي على شبكات الإنترنت، عدا المحادثات المباشرة على مدار الساعة وبالعملات الصعبة.<o:p></o:p> <o:p></o:p> هذه هي البهيمية الحقيقية والغريزة الحيوانية الجامحة من غير ضوابط وأحكام التي أفسدت المجتمعات الإنسانية وأخرجتها من إنسانيتها، واستولت على عقول الناس وَلوَّثت صفاء العقول وبراءة النفوس بالشهوات والخبائث.<o:p></o:p> <o:p></o:p> والشيء الذي يأسف له القلب ويندى له الجبين أن هذه الثقافة الجنسية قد دخلت كثيرًا من البلاد الإسلامية وإن لم تكن على نحو رسمي ولكنها موجودة ولها تجارها وعملاؤها.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 7 – لم يكن من بين زوجات الرسول r بكر إلا عائشة رضي الله عنها، أما الأخريات فأرامل وثيبات، والعاقل يدرك أن زواجه عليه الصلاة والسلام بهؤلاء النساء رضوان الله عليهن لم يكن بدافع شهوة أو هوى في النفس، وإنما كان زواجه بكل واحدة منهن لقصة وحكمة: فمثلاً تزوج النبي r أم المؤمنين سودة بنت زمعة بن قيس القرشية وهي في الخامسة والخمسين بعد وفاة خديجة رضي الله عنها، فهي مسنة وثيب، تقول عائشة رضي الله عنها: لما توفيت خديجة بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين قالت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنه للنبي r: أي رسولَ الله ألا تتزوج؟ قال: من؟ قالت: إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا. قال: من البكر؟ قالت: بنت أحبِّ الخلق إليك عائشة بنت أبي بكر. قال: ومن الثيب؟ قالت: سودة آمنت بك واتبعتك. فاختار النبي r سودة حيث بقيت تعاني الوحدة بعد وفاة زوجها في مكة فخشي النبي r أن ترجع إلى مكة ويفتنها أهلها في دينها فتزوجها r ليحفظها ويستر عليها ويحميها من قومها الذين أسلم عدد كبير منهم بعد هذا الزواج. <o:p></o:p> فإن النظر والإمعان في هذا الزواج فيه ما يرد كيد المغرضين والطاعنين في شخص النبي r الذي عرض عليه البكر والمسنة الثيب فاختار المسنة رفقًا بحالها وأنسًا لوحدتها وحفاظًا على دينها وعقيدتها.<o:p></o:p> وأما زواجه عليه الصلاة والسلام بأم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها التي كانت من سبايا بني المصطلق، وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في قصة زواجها من النبي r: "وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو ابن عم له فكاتبت على نفسها وكانت امرأة ملاحة تأخذها العين قالت عائشة رضي الله عنها فجاءت تسأل رسول الله r في كتابتها فلما قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها، وعرفت أن رسول الله r سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث وإنما كان من أمري ما لا يخفى عليك، وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، وإني كاتبت على نفسي، فجئتك أسألك في كتابتي. فقال رسول الله r: فهل لك إلى ما هو خير منه. قالت: وما هو يا رسول الله قال أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك. قالت: قد فعلت. قالت: فتسامع تعني الناس أن رسول الله r قد تزوج جويرية فأرسلوا ما في أيديهم من السبي فأعتقوهم وقالوا: أصهار رسول الله r، فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أعتق في سببها مائة أهل بيت من بني المصطلق"<SUP>(<SUP>[5]</SUP>)</SUP>. <o:p></o:p> <o:p></o:p> وقد كان هذا الزواج سببًا في دخول بني المصطلق في الإسلام بعد معاداة طويلة على الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام. وهذا وحده كاف لمعرفة الحكمة من زواج النبي r بذلك العدد من النساء.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وسائر الزوجات الأخريات رضوان الله عليهن أيضًا كان لكل واحدة منهن شأن ديني ومصلحة دعوية، أو عطف إنساني، أو أمرٌ رباني.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 8- أما بالنسبة للحديث الذي يذكره هؤلاء المستشرقين "حبب إليَّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة" فإن كلمة ( ثلاث ) زيادة لم ترد في رواية من الروايات التي أوردها الإمام أحمد والنسائي، وجملة ( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) من أصل الحديث وليست مضافة إلى الرواية فيما بعد كما يدعون، وهذا يدل على عدم دقتهم في البحث والتحري، وفيما يلي سرد لجميع روايات هذا الحديث ليتبين الحق من الباطل، ويعلم العقلاء والمنصفون حقيقة دعاوى هؤلاء المستشرقين:<o:p></o:p> عن أنس قال: قال رسول الله r:" حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة<SUP>([6])</SUP> ". وفي رواية أخرى:" حبب إلي النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة "<SUP>([7])</SUP>.<o:p></o:p> وجاء الحديث في ثلاث روايات للإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه: أن النبي r قال:" حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة "<SUP>([8])</SUP>.<o:p></o:p> وفي أخرى:" حبب إلي النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة "<SUP>([9])</SUP> بدون "من الدنيا".<o:p></o:p> ثم بعد ذلك نقول: هلاّ أتوا بالمصدر الذي اقتبسوا منه هذا الحديث وأن جملة " وجعلت قرة عيني في الصلاة " أضيفت إليه فيما بعد أو أنه عبارة عن تشويش فحسب؟!<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) حضارة الغرب، غوستاف لوبون، ص142.<o:p></o:p> ([2]) موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية، الأمين الصادق الأمين 1/524.<o:p></o:p> ([3]) سنن ابن ماجه، رقم 1846، ص264.<o:p></o:p> ([4]) تعدد الزوجات إعجاز تشريعي يوقف المد الاستشراقي، محمد بن شتى أبو سعد، ص121.<o:p></o:p> ([5]) سنن أبي داود، برقم3931، ص558.<o:p></o:p> (([6] سنن النسائي ، رقم 3391، ص469.<o:p></o:p> (([7] سنن النسائي ، رقم 3392، ص469.<o:p></o:p> (([8] مسند أحمد ، باقي مسند المكثرين.<o:p></o:p> (([9] مسند أحمد ، باقي مسند المكثرين.<o:p></o:p> |
#9
|
|||
|
|||
9- أما الشبهة التي ذكرها أحد المستشرقين حول قصة زواج النبي r من زوجة ابنه بالتبني، فقد رواها مغلوطا وبرواية غريبة، وقد علل هذا المستشرق حسب هوى نفسه قصة هذا الزواج ليطعن في شخصية الرسول r وموقفه من النساء، وفيما يلي بيان بحقيقة هذا الزواج ومعالمه:<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p> قال ابن كثير في تفسيره: قال العوفي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: قوله تعالى: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ) الآية[الأحزاب:36].. وذلك أن رسول الله r انطلق ليخطب على فتاه زيد بن حارثة –رضي الله عنه- فدخل على زينب بنت جحش الأسدية –رضي الله عنها- فخطبها، فقالت: لست بناكحته. فقال رسول الله r:( بلى فانكحيه ). قالت: يا رسول الله أؤامر في نفسي؟ فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسول الله r: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً ) الآية.<o:p></o:p> <o:p></o:p> قالت: قد رضيته لي يا رسول الله منكحاً؟ قال رسول الله r:(نعم) قالت: إذن لا أعصي رسول الله r قد أنكحته نفسي.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وزيد كان قد سبي في الحرب واشترته خديجة رضي الله عنها وأهدته إلى الرسول r الذي خيّره بين أن يذهب مع أبيه أو يبقى معه، فقال: ما أنا بمفارق رسول الله r، فقال عليه الصلاة والسلام:( اشهدوا أنه حرّ وأنه ابني يرثني وأرثه ) فسمي لذلك زيد بن محمد<SUP>([1])</SUP>.<o:p></o:p> عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن زيد بن حارثة مولى رسول الله r ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن : ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) [الأحزاب:5]<SUP>([2])</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وأما الأسباب والظروف التي كانت وراء زواج زيد بزينب رضي الله عنهما ثم افتراقهما، وزواج النبي r بزينب فيمكن إيجازها بما يلي:<o:p></o:p> <o:p></o:p> 1- أن ذلك كان أمراً ربانياً أولاً وآخراً، لا نستطيع أن نجادل في ذلك بشيء، فهو أعلم بخلقه، وأعلم بشؤونهم جميعا، ما ينفعهم وما يضرهم، وينـزل إليهم ما تتحقق به مصالحهم وتسير بها أمورهم. فكان زواج زيد من زينب أمراً من رب ا لعالمين وكان طلاقها كذلك، وبالتالي كان زواج النبي r بزينب أيضاً أمراً ربانياً، والرسول r المبلغ والمنفذ لأمر خالقه عز وجل، فكل ما حدث بهذا الموضوع كان تدبيراً إلهياً عظيماً، يقول الله تعالى: ( ما كان على النبى من حرج فيما فرض الله له سنة الله فى الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدراً مقدوراً ) [الأحزاب:38].<o:p></o:p> <o:p></o:p> 2- كان في زواج زينب من زيد رضي الله عنهما -حسب ما تبين لنا- أمر إنساني عظيم وهو إزالة الفوارق الطبقية الموروثة والنظرة الدونية التي كانت سائدة في أوساط القبائل إلى غيرهم من العبيد والموالي، تحقيقاً لقول الله تعالى: ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [الحجرات:13] ولا يتم ذلك إلا بتطبيق عملي، فكان زواج ابنة القبيلة بمولى من الموالي.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 3- إبطال عادة التبني التي كانت منتشرة عند العرب وهي: أن يعجب الرجل بأحد الأطفال أو الفتيان فيتبناه ويدعوه ابنه ويلحق بنسبه فيتوارث وإياه توارث النسب ويُعامل معاملة الابن في جميع الحقوق والواجبات. وتحدث عادة التبني غالباً في سبايا الحروب حين يؤخذ الأطفال والصبيان أثناء الغارات، فمن شاء أن يلحق بنسبه واحداً منه فعل ذلك من غير إحراج.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وردّ الأدعياء إلى آبائهم، لقول الله تعالى: ( ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه وما جعل أزواجكم اللآئى تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل (4) ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا أباءهم فأخوانكم فى الدين ومواليكم ) [الأحزاب:4-5] ولاسيما وأن العلاقات بين زيد وزينب قد اضطربت وبدأ زيد يشكو إلى الرسول r هذا الاضطراب، وأنه غير قادر على الاستمرار معها.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 4- أن الله تعالى قد ألهم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أمر زواجه من زينب، ومع ذلك فإنه يقول عليه الصلاة والسلام لزيد رضي الله عنه ( أمسك عليك زوجك ) إلى أن يضعه الله تعالى أمام أمر لابد من إظهاره ومواجهة الناس به، وذلك بأن يتزوج من مطلقة ابنه بالتبني، فيقول الله تعالى: ( فلما قضى زيد منها وتر زوجناكها ) [الأحزاب:37].<o:p></o:p> <o:p></o:p> فعن أنس قال جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النبي r يقول:( اتق الله وأمسك عليك زوجك، قال أنس لو كان رسول الله r كاتما شيئا لكتم هذه)<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> 5- وكان في النهاية زواجه عليه الصلاة والسلام من زينب، حسب ما جاء في قوله تعالى: ( فلما قضى زيد منها وتر زوجناكها ) [الأحزاب:37].<o:p></o:p> <o:p></o:p> حيث لم يعقد عليها كما عقد على سائر زوجاته، يقول أنس رضي الله عنه: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي r تقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات<SUP>([4])</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وأظن أن هذا البيان كاف لإزالة الشبهة، ودحض الافتراء الذي يردده المستشرقون وبعض أذنابهم حول قصة زواج النبي r من زينب رضي الله عنها.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن كثيرًا من المستشرقين وأذنابهم من بعض المستغربين يخافون من المد السكاني الإسلامي وخطره على أفكار شعوبهم وبلادهم ومصالحهم، مما يدفع بهم بين الفينة والأخرى إلى نشر الكتب وعقد الندوات والمحاضرات والمؤتمرات التي تطالب بالحد من التعدد، وتحديد النسل بحجة التنظيم أو بهدف الحصول على الرخاء الاقتصادي والاجتماعي في بلاد المسلمين التي يكثر فيها التعدد ويتزايد فيها الإنجاب.<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>(([1] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، ج14، ص193.<o:p></o:p> (([2] صحيح البخاري، رقم 4782، ص840.<o:p></o:p> (([3] صحيح البخاري، رقم 7420، ص1276.<o:p></o:p> (([4] صحيح البخاري ، رقم 7420، ص1276.<o:p></o:p> |
#10
|
|||
|
|||
<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>ب – زعمهم اهتمامه r بالغنائم والسلب <o:p></o:p> <o:p></o:p>يقول مرجليوث: "عاش محمد r هذه السنين الست ما بعد الهجرة إلى المدينة على التلصص والسلب والنهب - ولكن نهب أهل مكة قد يسوّغه طرده من بلده ومسقط رأسه وضياع أملاكه وكذلك بالنسبة إلى القبائل اليهودية في المدينة فقد كان هناك - على أي حال - سبب ما، أحقيقيًا كان أم مصطنعًا يدعو إلى انتقامه منهم، إلا أن خيبر التي تبعد عن المدينة كل هذا البعد لم يرتكب أهلها في حقه ولا في حق أتباعه خطأ يعد تعديًا منهم جميعًا لأن قتل أحدهم رسول محمد r لا يصلح أن يكون ذريعة للانتقام"<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ولا استغراب في هذا الكلام حيث خرج من أفواه يهودية أو صليبية وسطرتها أقلامهم المنحرفة، ويشم من هذا الكلام حقد وحسرة ولاسيما أن هذا الدين قد وصل إلى أرجاء العالم وما وراء المحيطات والجبال، وهذا هو الشيء الذي يغيظهم ويحرق صدورهم، لذا يتخبصون ويفترون دون دليل علمي أو وثيقة تاريخية، ويكتبون الكلام جزافًا ويسمعه الحمقى والغاوون.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وللرد على هذه المزاعم والافتراءات المكشوفة نقول:<o:p></o:p> 1- كيف بنبي أرسل من رب العالمين يكون همه السلب والنهب والعيش على أقوات الناس وأموالهم، وكل حركة من حياته عليه الصلاة والسلام وكل كلمة وسلوك ينطق بخلاف ما ذهب إليه هؤلاء المستشرقون؟ فالمعروف من حياة النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يعيش على الكفاف وأنه كان يمر الشهر والشهران ولا يُوقَد في بيته نار، وأنه تعرض في بداية دعوته لأكبر جائزة ومنال من قريش فرفضها، حيث عرضت عليه المال والنساء والجاه فقال قولته المشهورة r: "يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ماتركته"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> فمن يرفض هذا العرض المغري ويركن إلى الزهد ويصبر نفسه مع الفقراء الفقراء، ويحث أصحابه على شظف العيش والخشونة فيه، ووصف دار الدنيا بأنها دار ابتلاء واختبار، لا يكون من هذا شأنه إلا رجل يعيش من أجل رسالة عظيمة وهدف سام وجليل، وهي الدعوة إلى دين الله والعيش في ظلالها والموت في سبيلها، والتاريخ يشهد لهذا النبي عليه الصلاة والسلام بما كان عليه في حياته إلى أنْ توفَّاه الله تعالى، من صدق في الحديث واستقامة في السلوك وأمانة في التعامل، وإخلاص في العمل، وغير ذلك من الخصال الحميدة والأخلاق الفاضلة التي شهد له بعض الغربيين، يقول "الكونت هنري دي كاستري": "إن محمدًا r ما كان يميل إلى زخارف الدنيا ولم يكن بخيلاً، وكان يستدر اللبن من نعاجه بنفسه، ويجلس على التراب، ويرقع ثوبه ونعاله بيده، ويلبسها مرقعة، وكان قنوعًا، وقد خرج من هذا الباب، ولم يشبع من خبز الشعير مرة في حياته، وتجرد من الطمع، وتمكن من نوال المقام الأعلى في بلاد الغرب، ولكنه لم يجنح إلى الاستبداد فيها، فلم تكن له حاشية، ولم يتخذ وزيرًا ولا حشمًا، وقد احتقر المال، وإنه بلغ من السلطان منتهاه، ومع ذلك لم يكن له علامات الإمارة والملك سوى خاتم من الفضة مكتوب عليه (محمد رسول الله)"<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 2- ثم لينظر هؤلاء الذين لا يريدون أن يقرؤوا التاريخ على حقيقته وإنما يريدونه على هواهم ومصالحهم وأحقادهم لهذا الدين ونبيه عليه الصلاة والسلام، لينظر هؤلاء إلى الخُلق العظيم الذي كان يتحلى به الرسول عليه الصلاة والسلام وسماحته مع أعدائه، فبعد فتح مكة انقادت إليه القبائل، وصارت تحت سيطرته الجزيرة العربية، وأولئك الأعداء الذين كذبوه وحاربوه وأعرضوا عن دعوته، وقتلوا أصحابه وأهله، وقاطعوه في كل شيء مع صحابته ثلاث سنوات، وأخرجوه مع المؤمنين من ديارهم إلى الحبشة والمدينة، ها هم اليوم ضعفاء وأذلاء أمام هذا النبي r ينتظرون جزاءهم وعقابهم على ما اقترفوه خلال تلك السنوات نحو هذا النبي وأصحابه ودعوته، وقلوبهم وجلة تخشى أن ينـزّل عليهم هذا النبي عليه الصلاة والسلام أقسى العقوبات أو أشد أنواع العذاب، ولكن الأمر كان على خلاف هذا التصور فخاطبهم نبي الرحمة:( يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء )<SUP>([4])</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> فأين الانتقام الذي يزعمه هؤلاء الحاقدون على الإسلام وأهله؟.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام مليئة بمثل هذه المواقف الرحيمة التي حيرت القاصي والداني من الأعداء وغيرهم، إلا أن هذا المستشرق الحاقد لا يريد أن يراجع التاريخ من أبوابه.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 3- أما مسألة يهود خيبر فإن فيه القول الكثير الذي لا يذكره المستشرقون فإنهم من ناحية كفرهم كمشركي قريش والله تعالى أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بقتالـهم وإخراجهم من خيبر بعد نـزول قوله تعالى: ( كُتب عليكم القتال وهو كره لكم ) [البقرة:216].وقولـهتباركوتعـالى: ( وقاتلوا فى سبيل الله ) [البقرة:244]. وقوله تعالى : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) [التوبة: 29].<o:p></o:p> <o:p></o:p> 4- أما من الناحية الأخرى، فإن يهود خيبر لم يكونوا مسالمين مع المسلمين أبدًا، فقد ذهب إليهم كثير من زعماء بني النضير وظاهروهم على المسلمين وهم الذين حرضوا بعض القبائل على قتال النبي r في غزوة الخندق مثل غطفان وغيرها بشرط أن يكون لهم نصف ثمر خيبر.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وقد أقرّ بهذه الحقيقة المستشرق "مونتجمري وات" بقوله: "كان يهود خيبر وبخاصة رؤساء قبيلة بني النضير التي أجلاها الرسول r من المدينة يضمرون الحقد لمحمد r وهم الذين نجحوا في حمل قبائل العرب المجاورة على حمل السلاح على المسلمين والزحف عليهم، بما بذلوه من أموال وكان ذلك هو السبب الرئيس في توجه محمد إلى خيبر بجيوشه"<SUP>(<SUP>[5]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 5- أمّا تعليل مرجليوث أنّ سبب انتقام المسلمين من اليهود في غزوة خيبر هو قتل أحدهم رسولَ رسولِ الله r، فهو خطأ وافتراء عظيم على الحقائق التاريخية التي لاشك أنها لاتخفى على مرجليوث، ولكن التعصب يصم ويعمى، فالصواب الثابت تاريخياً<SUP>([6])</SUP> أنّ قتل أحدِ يهود خيبر رسولَ رسولِ الله r - عبدالله بن سهل - كان بعد غزوة فتح خيبر، وليس قبلها<SUP>([7])</SUP>، حتى يكون سبباً للانتقام منهم، من هنا يتبين لنا التلبيس الذي يمارسه المتعصبون الحاقدون من المستشرقين على عامة القراء والتحريف المتعمد لحقائق السيرة النبوية بصفة خاصة، ومعروف في كتب السيرة أنّ من أهم أسباب غزوة خيبر هو تحريض أهل خيبر قبائل العرب والمشركين على قتال محمد r والمسلمين.<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) الإسلام والمستشرقون، نخبة من العلماء المسلمين، ص256 نقلاً عن كتاب "محمد وقيام الساعة" لمرجليوث ص262-263.<o:p></o:p> ([2]) السيرة النبوية لابن هشام، 1/299.<o:p></o:p> ([3]) الإسلام والمستشرقون، ص317.<o:p></o:p> ([4]) السيرة النبوية لابن هشام:4/54-55.<o:p></o:p> ([5]) السيرة النبوية لأبي الحسن الندوي، ص352 نقلاً عن محمد النبي السياسي، ص189.<o:p></o:p> ([6]) انظر صحيح البخاري ح6143،6142، صحيح مسلم(3/1291-1295) رقم 1669.<o:p></o:p> ([7]) حيث ورد في صحيح مسلم المشار إليه في الحاشية السابقة صريحا أن عبدالله بن سهل وحميصة بن مسعود الأنصاريين خرجا إلى خيبر في زمان رسول الله وهي يومئذ صلح وأهلها يهود .....<o:p></o:p> |
#11
|
|||
|
|||
<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>
رابعا- الطعن في الأحاديث النبوية سندًا ومتنًا<o:p></o:p> <o:p></o:p>ونقسمه إلى ما يلي: <o:p></o:p> أ – زعمهم أن الحديث مزيج من عقائد الأديان السابقة وأفكارها من اليهودية والنصرانية. <o:p></o:p> يقول بروكلمان: "وأغلب الظن أن محمدًا r قد انصرف إلى التفكير في المسائل الدينية في فترة مبكرة جدًا، وهو أمر لم يكن مستغربًا عند أصحاب النفوس الصافية من معاصريه الذين قصرت العبادة الوثنية عن إرواء ظمئهم الروحي. وتذهب الروايات إلى أنه اتصل في رحلاته ببعض اليهود والنصارى، أما في مكة نفسها فلعله اتصل بجماعات من النصارى كانت معرفتهم بالتوراة والإنجيل هزيلة إلى حد بعيد"<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويقول جولد تسيهر في كتاب "العقيدة والشريعة في الإسلام": "لكي نقدر عمل محمد r من الوجهة التاريخية، ليس من الضروري أن نتساءل عما إذا كان تبشيره ابتكارًا وطريفًا من كل الوجوه ناشئًا عن روحه، وعما إذا كان يفتح طريقًا جديدًا بحتًا. فتبشير النبي العربي ليس إلا مزيجًا منتخبًا من معارف وآراء دينية، عرفها أو استقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها التي تأثر بها تأثرًا عميقًا والتي رآها جديرة بأن توقظ عاطفة حقيقية عند بني وطنه"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويرى ريتشارد بل: مؤلف كتاب "مقدمة القرآن": أن النبي r قد اعتمد في كتابته للقرآن على الكتاب المقدس، وبخاصة على العهد القديم في قسم القصص، فبعض قصص العقاب كقصص عاد وثمود مستمد من مصادر عربية، ولكن الجانب الأكبر من المادة التي استعملها محمد ليفسر تعاليمه ويدعمها قد استمده من مصادر يهودية ونصرانية، وقد كانت فرصته في المدينة للتعرف على ما في العهد القديم أفضل من وضعه السابق في مكة حيث كان على اتصال بالجاليات اليهودية في المدينة، وعن طريقها حصل على قسط غير قليل من المعرفة بكتب موسى على الأقل<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ونقول للرد على هؤلاء:<o:p></o:p> لا ريب أن هناك أموراً مشتركة كثيرة في التشريعات بين الإسلام والديانات الأخرى، مما جاء في كتاب الله وسنة رسوله r، لأن مصدر الديانات كلها من عند الله الواحد الأحد، وكلها تأتي إلى البشر عن طريق الوحي إلى الرسل والأنبياء، ورغم أن الديانات السابقة أصابها التحريف والزيادة والنقصان إلا أنه بقي منها بعض الأمور التي توافق القرآن الكريم والسنة النبوية كما جاء في قوله تعالى: ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتى ثمناً قليلاً ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (44) وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص )[المائدة:44-45].<o:p></o:p> <o:p></o:p> ومما جاء أيضا في الإسلام ويوافق ما في التوراة ما ورد في حديث عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما:" أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله r فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله r: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقالوا نفضحهم ويجلدون، فقال عبدالله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبدالله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم. فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله r فرجما، قال عبدالله فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة "<SUP>([4])</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ثم إنه لو كانت رسالة الإسلام مقتبسة من تلك الأديان لما جاء في كتاب الله تعالى الأمر بمخالفتهم ومحاربتهم، وعدم موالاتهم ونصرتهم، هذا فضلا عما اتصف به صحابة رسول الله r من صدق وإخلاص لهذا الدين، فلو كان للقرآن علاقة بالتوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السماوية من حيث الاقتباس، لرأينا الكثير من هؤلاء الصحابة ينقلون إلينا ذلك، ولكن لم يحدث شيءٌ من هذا، وهذا دليل على بطلان قولهم من أن السنة مزيج من العقائد والأديان السابقة.<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) افتراءات المستشرق كارل بروكلمان على السيرة النبوية، ص22-23.<o:p></o:p> ([2]) العقيدة و الشريعة في الإسلام، أجناس جولدتسيهر، ص5-6.<o:p></o:p> ([3]) الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، محمود زقزوق، ص102.<o:p></o:p> ([4]) صحيح البخاري ، رقم 3635، ص 610.<o:p></o:p> |
#12
|
|||
|
|||
<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p> ب – الطعن في رواة الحديث<o:p></o:p> <o:p></o:p> كثر القول في رواة الأحاديث النبوية في كتابات المستشرقين ووسائلهم الأخرى، ووضعوا مجموعة من هؤلاء الرواة الثقات موضع الشبهة والتشكيك في رواياتهم .... وكان على رأس قائمتهم عَلَمان كبيران ومن أعلام الرواية: هما الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، والإمام الزهري رحمه الله.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وكان جولد تسيهر من أوائل الذين كتب عنهما وافترى عليهما الفريات العظام، معتمدًا في ذلك على الخلافات التي نشبت بين المسلمين بعد الخلافة الراشدة، والفتن التي مزقت الصف الإسلامي، فاستغلها أمثال تسيهر وغيره ليطعنوا في أهم مصدر من مصادر التشريع الإسلامي، وذلك بالطعن في رجال سنده. وهذه بعض الشبهات والتشكيكات التي أثارها المستشرق جولد تسيهر حول الإمام الزهري، وهي ليست كل الشبهات لأنها كثيرة، ولكننا نتناول هنا بعضها ونناقشها بموضوعية.<o:p></o:p> <o:p></o:p> يقول أجناس جولد تسيهر فيما يفتريه على الإمام الزهري: "ولم يكن الأمويون وأتباعهم ليهمهم الكذب في الحديث الموافق لوجهات نظرهم، فالمسألة كانت في إيجاد هؤلاء الذين تنسب إليهم، وقد استغل هؤلاء الأمويون أمثال الإمام الزهري بدهائهم في سبيل وضع الأحاديث...إلخ"<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> ويقول أيضًا: "إن عبدالملك بن مروان منع الناس من الحج أيام فتنة ابن الزبير، وبنى قبة الصخرة في المسجد الأقصى ليحج الناس إليها ويطوفوا حولها بدلاً من الكعبة، ثم أراد أن يحمل الناس على الحج إليها بعقيدة دينية، فوجد الزهري وهو ذائع الصيت في الأمة الإسلامية مستعدًا لأن يضع له أحاديث في ذلك، فوضع أحاديث، منها حديث: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى" ومنها حديث: "الصلاة في المسجد الأقصى تعدل ألف صلاة فيما سواه" وأمثال هذين الحديثين، والدليل على أن الزهري هو واضع هذه الأحاديث، أنه كان صديقًا لعبدالملك وكان يتردد عليه وأن الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس مروية من طرق الزهري فقط"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> إن هذه الفرية رددها هذا المستشرق وتبعه تلامذته من بعده، واقتنع بها كثير من أبناء المسلمين، وهي فرية قديمة حديثة تبنتها الرافضة للطعن في كل رواية وردت في العهد الأموي أو ممن كانوا تحت الولاية الأموية، إلا أن التاريخ والشواهد الكثيرة والأدلة العلمية الواضحة التي لا شبهة فيها ولا غبار عليها، قادرة على نفي هذا التشكيك في أعظم شخصية إسلامية كالإمام الزهري الذي اتصف بالحزم والثبات في المواقف، وكان من أوائل الذين خدموا السنة بروايتها وتدوينها، إلا أن أقلام هؤلاء الأعداء لا يتركون أحدًا من المخلصين من رجالات هذه الأمة، حتى يتحول التاريخ الإسلامي في أذهان المسلمين إلى مجرد صراع ونفاق وكذب، وبالتالي يكون هذا الدين كله مبنيا على أوهام وخرافات، ولكن هيهات لهؤلاء أن يدركوا أهدافهم ومآربهم، لأن الله تعالى حفظ هذا الدين بحفظ كتابه، على أيد أمينة وصادقة، وهذه الحقيقة تناقلتها الأجيال بعد الأجيال. <o:p></o:p> <o:p></o:p> وجعل الله تعالى جيل الصحابة من خير الأجيال، ثم الذين يلونهم، لأنهم جيل القدوة وجيل الرفقة بالنبي r والرفقة بأصحابه، فمهما كاد هؤلاء وأذنابهم فلن يصلوا إلى الغبار الذي كان تطؤه أقدامهم الطاهرة، ومن أجل أن تدحض فرية هؤلاء القوم على عالم جليل مثل الإمام الزهري، الذي عاش مع الصحابة وسلك نهجهم، لا بد من توضيح بعض الأمور منها:<o:p></o:p> <o:p></o:p> 1 – الإمام الزهري هو الإمام محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبدالله بن شهاب بن عبدالله بن الحارث بن زهرة القرشي الزهري، اتصف هذا العالم في عصره بالحرص الشديد على تلقي العلم والسعي الدؤوب من أجل الحصول عليه، كما اتصف بقوة الحفظ والذاكرة، واتصف بصفات أخرى كالكرم والسخاء والشجاعة وحسن الخلق، ومعروف عنه المواقف الثابتة لمن خالف شيئًا من الدين، وشهد له بذلك شيوخه وعلماء الأمة.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 2 – الأمانة التي اتصف بها الإمام الزهري، تجعل هذه الافتراءات ترتد على أصحابها وتقذف في عيونهم القذى وفي بصائرهم ضلالهم وحقدهم، إذ يتبين من خلال دراسة سيرة حياة هذا العالم أنه كان لا يقبل أدنى تنازل في أية جزئية من جزئيات الدين، فكيف لمن هذا شأنه أن يفتري على النبي r ويضع الأحاديث حسب أهواء الأمراء والخلفاء؟ ويكفي هنا أن نذكر أحد مواقفه العظيمة أمام أحد خلفاء بني أمية عندما أراد أن يؤول حديثًا في غير موضعه، حيث " دخل الزهري على الوليد بن عبدالملك فقال له: ما حديث يحدثنا به أهل الشام؟ قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: يحدثوننا أن الله إذا استرعى عبدًا رعيته كتب له الحسنات ولم يكتب له السيئات. قال الزهري: باطل يا أمير المؤمنين، أنبيٌّ خليفة أكرم على الله أم خليفة غير نبي؟ قال: بل نبي خليفة، قال: فإن الله تعالى يقول لنبيه داود عليه السلام: ( يا داوود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) [̃ص : 26]، فهذا وعيد يا أمير المؤمنين لنبي خليفة فما ظنك بخليفة غير نبي؟ قال الوليد: إن الناس ليغووننا عن ديننا"<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 3 – إن كبار العلماء في الدولة العباسية أخذوا عن الزهري جميع الأحاديث والروايات، ولم يذكر أن أحدهم قدح فيه، من أمثال الإمام أحمد ابن حنبل والبخاري ومسلم وغيرهم، رغم أنه كان من رجال بني أمية، الذين لم يسلموا من مهاجمة العباسيين لهم في معظم أمورهم، وهذا دليل كاف للردِّ على المفترين الذين افتروا على هذا العالم الجليل.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 4 – أما بالنسبة لكلام تسيهر على منع عبدالملك بن مروان الناس الحج، وبناء قبة الصخرة ليحج الناس إليها وأمره الإمام الزهري بوضع حديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" فإن هذا الكلام لا يستند إلى دليل علمي أو تاريخي، وإنما هو سرد مغلوط ومشبوه يراد منه كعادته إثارة التشكيك في التاريخ الإسلامي ورجالاته، وتنجلي الغمة، ويتضح الأمر من خلال الأمور التالية:<o:p></o:p> <o:p></o:p> أ – أجمع المؤرخون قاطبة أمثال الطبري وابن خلدون وابن الأثير على أن الذي بنى قبة الصخرة هو الوليد بن عبدالملك، وليس عبدالملك بن مروان، وكان الناس يقفون عندها في يوم عرفة، حيث كانت عادة المسلمين في كثير من البلاد حيث كانوا يخرجون إلى أطراف المدينة في هذا اليوم ويشاركون إخوانهم الحجاج في هذا اليوم، بالرغم من أن كثيرًا من العلماء كرهوا هذا الفعل، فالأمر لم يكن مقتصرًا على قبة الصخرة وإنما كان في كل مكان.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ب – لو كان كلام جولد تسيهر صحيحًا على فعل عبدالملك بن مروان، لما سكت علماء الأمة من ذلك الوقت وإلى يومنا على ذلك، لأن منع الناس من الحج لبيت الله وإنشاء مكان آخر للحج فيه يعد كفرًا، لا يقبل التهاون معه والمجاملة فيه.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ج – يذكر المؤرخون أن الزهري لم يلتق بعبدالملك بن مروان في عهد ابن الزبير، وإنما كان أول لقاء بينهما بعد مقتل ابن الزبير حينما كان شابًا، وإن السنة التي ولد فيها الزهري كانت إحدى وخمسين أو ثمانية وخمسين، وكان مقتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين، فيكون عمر الزهري عشرين عامًا أو خمسة عشر عامًا، وغير معقول أن يشتهر الزهري في هذه السن المبكرة ثم يفتي بالحج إلى قبة الصخرة بدلاً من الكعبة؟.<o:p></o:p> <o:p></o:p> د - أما كلام تسيهر أن حديث "لا تشد الرحال" لم يروه غير الزهري فهذا باطل لا أصل له، فقد روي من طرق كثيرة غير طريق الزهري كما أخرجه البخاري ومسلم.<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، ص 206.<o:p></o:p> ([2]) المرجع السابق، ص191.<o:p></o:p> ([3]) العقد الفريد، شهاب الدين أحمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسي 1/20.<o:p></o:p> |
#13
|
|||
|
|||
ج – زعمهم التعارض في الأحاديث<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>
<o:p></o:p> يقول جولد تسيهر: "إنه لا توجد مسألة خلافية سياسية أو اعتقادية إلا ولها اعتماد على جملة من الأحاديث ذات الإسناد القوي"<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> إن تعارض الأحاديث وقوة صحتها لا تعني بأي حال أنها موضوعة أو غير صحيحة، فمن المعلوم أن التعارض الظاهري بين بعض الأحاديث إنما نتيجة بعض الأسباب:<o:p></o:p> <o:p></o:p> 1 – أن الفعل الذي يُروى مرتين بشكل مختلف ربما يكون لكل واحد منهما حالة خاصة أو ظروف خاصة بالوضع الذي كان فيه الصحابي، أو بحسب حال الصحابي الذي كان يسأل النبي r، وهذا لا يعني أبدًا أن هناك تناقضًا في الأحاديث، مثل الحديثين: "الوضوء من مس الذكر" و"هل هو إلا بضعة منك".<o:p></o:p> <o:p></o:p> 2 – ومنها أن يفعل النبي r الفعل على وجهين إشارة إلى الجواز، فيروي صحابي ما شاهده في المرة الأولى، ويرويه آخر ما شاهده في المرة الثانية، مثل أحاديث الوتر أنها سبع أو تسع أو إحدى عشرة.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 3 – منها اختلاف الصحابة في فهم مراد النبي r من الحديث، فبعضهم يفهمه بالوجوب والآخرون يفهمونه بالاستحباب.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 4 – منها اختلاف الصحابة في حكاية حال شاهدوها من رسول الله r مثل اختلافهم في حجة الرسول r هل كان فيها قارنًا أو مفردًا أو متمتعًا؟ وكل ذلك حالات يجوز أن يفهمها الصحابة من النبي r، فكل يحكم بما يرى.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 5 – ومنها نسخ الحكم السابق بحكم لاحق وهذا كثير كما في بعض أحكام حَدِّ الزاني.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وقد بيّن علماء الأمة أسباب اختلاف الحديث فما كان سببه الوضع بَيَّنوه وما كان سببه شيئاً آخر بينوه أيضًا، وقد صنفوا في ذلك كتبًا ومراجع<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>. <o:p></o:p> <o:p></o:p> وهذا بيان واضح لمعرفة أسباب الاختلاف والتعارض بين بعض الأحاديث ليعلم الناس ذلك، ويكون حجة في وجوه المغرضين الذين يثيرون مسألة التعارض بوصفها مسألة أحاديث صحيحة وغير صحيحة.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وإذا وجد تعارض، بيّن أهلُ العلم حَلَّ هذا التعارض وفق قواعد معلومة لدى أئمة الحديث، عرفت بـ (مختلف الحديث). وخلاصتها أن ينظر في الأحاديث المتعارضة هل يمكن الجمع بينهما؟ فإن كان كذلك فيحمل كل واحد منهما على محمل خاص؟ فإن لم يمكن الجمع بينهما نظر في التاريخ، هل أحدهما متأخر والآخر متقدم، فيكون المتأخر ناسخاً، والمتقدم منسوخاً وإن لم يعلم المتأخر من المتقدم عمل بترجيح أحدهما على الآخر وفق المرجحات المعروفة عند المحدثين<SUP>([3])</SUP> ....<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص203.<o:p></o:p> ([2]) المرجع السابق، ص204.<o:p></o:p> ([3]) انظر علوم الحديث لابن الصلاح /284-286. <o:p></o:p> |
#14
|
|||
|
|||
<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>
د – زعمهم أن الأحاديث النبوية هي نتيجة التطور الديني<o:p></o:p> <o:p></o:p> يقول جولد تسيهر: "إن القسم الأكبر من الحديث ليس صحيحًا ما يقال من أنه وثيقة للإسلام في عهده الأول عهد الطفولة، ولكنه أثر من آثار جهود الإسلام في عهد النضوج"<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويقول بروكلمان: "كان محمد r وأصحابه يصلون مرتين في اليوم في مكة، أو ثلاث مرات في المدينة كاليهود، ثم جعلت الطقوس المتأخرة المتأثرة بالفرس عدد الصلوات في اليوم خمسًا"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويقول أيضًا: "القسم الأعظم من الحديث المتصل بسنة الرسول لم ينشأ إلا بعد قرنين من ظهور الإسلام، ومن هنا تعين اصطناعه مصدراً لعقيدة النبي نفسه" .<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويقول برنارد لويس: "لقد استحدثت طرق جديدة في الحياة مع مرور الزمن وتوسع البلاد الإسلامية، وظهرت حاجات أدت إلى أوضاع غريبة تمامًا على الحياة البسيطة والفكر الذي كان سائدًا في عصر الصحابة – وبالإضافة إلى ذلك فإن الأحداث الغريبة والتأثيرات الأجنبية التي كان لا بد من استيعابها وهضمها كان لا بد أن تحدث خللاً في التمسك بالمفهوم الجامد للسنة على أنها المعيار الوحيد للصدق والعدل"<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> إن هذا الكلام فيه كثير من اللغط والافتراء، لأن وفاة الرسول r لم تكن في منتصف طريق دعوته إلى الله، وإنما كان بعد أن أدى الرسالة وبلغ الأمانة، حتى نزل قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام ديناً ) [ المائدة: 3]. وقال عليه الصلاة والسلام: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه"<SUP>(<SUP>[4]</SUP>)</SUP> <o:p></o:p> <o:p></o:p> وهذا يدل على أن التحاق النبي r بالرفيق الأعلى كان بعد أدائه رسالة ربه للناس، وهذا يعني أن هذا الدين أُرسيت أصوله وأحكامه الثابتة في الحياة، وكان شريعة واضحة المعالم، لم تكن فيه مبهمات أو غموض أو أسرار، وإنما كان بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وإن التطور الذي حدث بعد عهد الرسالة كان في بعض الفروع والجزئيات التي ظهرت عندما توسعت رقعة الخلافة الإسلامية، وعندما فتح المسلمون البلاد الأخرى، فكان لا بد أن تعتريهم بعض الحوادث الجديدة التي لم يكن لها نص في القرآن أو السنة، فتعامل العلماء معها بطرق علمية متينة وقواعد معلومة تستند إلى كتاب الله وسنة رسوله، كالإجماع والقياس وغيرهما من مصادر التشريع الإسلامي.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ومن ناحية أخرى لو نظر الإنسان إلى هذا الدين منذ عهد النبوة إلى الآن سيجد فيه حجة قوية على بقاء الأصول على حالها منذ ذلك الوقت، ووحدة المسلمين في أداء عباداتهم وشعائرهم مع اختلاف يسير في بعض فروعها، في جميع أرجاء العالم رغم تباين أقطارهم واختلاف لغاتهم وتمايز أعراقهم وأجناسهم، ولو كانت الأحاديث النبوية نتيجة التطور الديني والاجتماعي كما يدعي هؤلاء القوم، لوجدنا المسلمين في كل بلد بل في كل منطقة يختلفون في كيفية أداء الصلوات وعدد ركعاتها وأوقاتها وكذلك الصيام والحج وغيرها من العبادات، ولكن الله تعالى أراد لهذا الدين أن يكون هكذا إلى يوم الدين؛ لأنه جل ثناؤه تكفل بحفظه وحمايته، من أيادي الانحراف والتزييف والتضليل. <o:p></o:p> وهذا الإيجاز كاف لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، ص190.<o:p></o:p> ([2]) تاريخ الشعوب الإسلامية، ص73.<o:p></o:p> ([3]) الاستشراق والاتجاهات الفكرية، مازن مطبقاني، ص156.<o:p></o:p> ([4]) الموطأ للإمام مالك، برقم 1874، ص70 بلاغاً، وقد وصله الحاكم في المستدرك 1/93 من حديث ابن عباس ، وإسناده حسن كما في تخريج المشكاة.<o:p></o:p> |
#15
|
|||
|
|||
ﻫ - الطعن في منهج المحدثين في النقد<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p> <o:p></o:p>- في سند الحديث ومتنه:<o:p></o:p> يقول شاخت: "إن أكبر جزء من أسانيد الأحاديث اعتباطي، ومعلوم لدى الجميع أن الأسانيد بدأت بشكل بدائي ووصلت إلى كمالها في النصف الثاني من القرن الثالث، وكانت الأسانيد لا تجد أدنى اعتناء، وأي حزب يريد نسبة آرائه إلى المتقدمين كان يختار تلك الشخصيات ويضعها في الإسناد"<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP>. <o:p></o:p> <o:p></o:p> يقول جولد تسيهر: "نقد الأحاديث عند المسلمين قد غلب عليه الجانب الشكلي منذ البداية فالقوالب الجاهزة هي التي يحكم بواسطتها على الحديث بالصحة أو بغيرها، وهكذا لا يخضع للنقد إلا الشكل الخارجي للحديث، ذلك أن صحة المضمون مرتبطة أوثق الارتباط بنقد سلسلة الإسناد، فإذا استقام سند حديث لقوالب النقد الخارجي فإن المتن يصحح حتى ولو كان معناه غير واقعي أو احتوى على متناقضات داخلية أو خارجية، فيكفي لهذا الإسناد أن يكون متصل الحلقات وأن يكون رواته ثقات اتصل الواحد منهم بشيخه حتى يقبل متن مرْويّه، فلا يمكن لأحد أن يقول بعد ذلك إني أجد في المتن غموضًا منطقيًا أو أخطاء تاريخية لذلك فإني أشك في قيمة سنده"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> يقول المستشرق الإيطالي (كايتاني): كل قصد المحدثين ينحصر ويتركز في واد جدب ممحل من سرد الأشخاص الذين نقلوا المروي ولا يشغل أحد نفسه بنقد العبارة والمتن نفسه"<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويقول أيضًا: "إن المحدثين والنقاد المسلمين لا يجسرون على الاندفاع في التحليل النقدي للسنة إلى ما وراء الإسناد، بل يمتنعون عن كل نقد للنص، إذ يرونه احتقارًا لمشهوري الصحابة، وقحة ثقيلة الخطر على الكيان الإسلامي"<SUP>(<SUP>[4]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويقول غوستاف ويت: "قد درس رجال الحديث السنة بإتقان، إلا أن تلك الدراسة كانت موجهة إلى السند ومعرفة الرجال والتقائهم وسماع بعضهم من بعض..." ثم يقول: "لقد نقل لنا الرواة حديث الرسول r مشافهة، ثم جمعه الحفاظ ودونوه، إلا أن هؤلاء لم ينقدوا المتن، ولذلك لسنا متأكدين من أن الحديث وصلنا كما هو عن رسول الله r من غير أن يضيف عليه الرواة شيئًا عن حسن النية في أثناء روايتهم، ومن الطبيعي أن يكونوا قد زادوا شيئًا عليه في أثناء روايتهم، لأنه كان بالمشافهة"<SUP>(<SUP>[5]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> أما بالنسبة لشبهاتهم حول الأسانيد فنقول:<o:p></o:p> ربما كانت شبهات المستشرقين حول أسانيد الأحاديث أقل حظاً إذا قورنت بمثيلتها بالنسبة للمتون، فالقلة من المستشرقين الذين نقدوا الأسانيد لأنهم لم يجدوا فيها ثغوراً يستطيعون أن يثيروا من خلالها الشبهات والادعاءات حول الأحاديث، ليس هذا فحسب بل هناك الكثيرون منهم أشادوا بجهود علماء الحديث واعتنائهم الكبير في الأسانيد ورواة الأحاديث، كما قال غوستاف ويت:"قد درس رجال الحديث السنة بإتقان، إلا أن تلك الدراسة كانت موجهة إلى السند ومعرفة الرجال والتقائهم وسماع بعضهم من بعض...".<o:p></o:p> <o:p></o:p> ولكن رغم ذلك لم يسلم الإسناد من أباطيلهم وشبهاتهم، من أجل ذلك لابد من إلقاء نظرة سريعة حول الإسناد المتَّهم من قبل هؤلاء، لمعرفة حقيقته والمنهج العلمي الذي اتبعه العلماء للوصول إلى الحديث النبوي، وذلك بما يلي:<o:p></o:p> <o:p></o:p> كان اهتمام علماء الحديث بالأسانيد قبل كل شيء انطلاقا من قول الله تعالى: ( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا علىما فعلتم نادمين ) [الحجرات:6].<o:p></o:p> <o:p></o:p> فقد روى مسلم عن مجاهد قال: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس، فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله r، قال رسول الله r، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه.<o:p></o:p> <o:p></o:p> فقال: يا ابن عباس! ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله r ولا تسمع. فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله r ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف<SUP>([6])</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> فكان لا يؤخذ الحديث من أحد إلا إذا كان ثقة، حتى اشتهر بين المحدثين أن السند للخبر كالنسب للمرء. والحديث الذي ليس له سند ليس بشيء.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ومعروف عن ابن سيرين قوله: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم<SUP>([7])</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وقول عبدالله بن المبارك: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء<SUP>([8])</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وكان الإسناد علم بذاته من علوم الحديث اعتنى به علماء الأمة عناية مميزة؛ لأنه سند السنة التي هي المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، وقد تفردت الأمة الإسلامية بهذا العلم وهذه المنهجية في أخذ الأخبار والروايات بخلاف جميع أمم الأرض وأديانها الأخرى حيث اعتمدت على المشافهة والروايات التي اختلط فيها الحق بالباطل.<o:p></o:p> <o:p></o:p> يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:"وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد r وجعله سُلَّماً إلى الدراية. فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات. وهكذا المبتدعون من هذه الأمة أهل الضلالات. وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليه المنة أهل الإسلام والسنة، يفرقون به بين الصحيح والسقيم والمعوج والقويم. وغيرهم من أهل البدع والكفار إنما عندهم منقولات يأثرونها بغير إسناد. وعليها من دينهم الاعتماد وهم لا يعرفون فيها الحق من الباطل ولا الحالي من العاطل. وأما هذه الأمة المرحومة وأصحاب هذه الأمة المعصومة، فإن أهل العلم منهم والدين هم من أمرهم على يقين، ظهر لهم الصدق من المَين كما يظهر الصبح لذي عينين"<SUP>([9])</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وقد فاقت جهود الصحابة وعلماء الأمة من بعدهم التصور البشري لشدة اهتمامهم وعنايتهم بالحديث النبوي. فهذا أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه يسافر من المدينة إلى مصر من أجل أن يتأكد من صحة حديث يحفظه عن رسول الله r، وذلك من عقبة بن عامر رضي الله عنه. وهذا الحديث في الستر على المؤمن، فعن عطاء ابن أبي رباح قال: خرج أبو أيوب الأنصاري إلى عقبة بن عامر، يسأله عن حديث سمعه من رسول الله r ولم يبق أحد سمعه من رسول الله r غيره وغير عقبة، فلما قدم إلى منـزل مسلمة بن مخلد الأنصاري ( وهو أمير مصر ) فأخبره فعجل عليه، فخرج إليه فعانقه، ثم قال له: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله r لم يبق أحد سمعه من رسول الله r غيري وغير عقبة، فابعث من يدلني على منـزله، قال: فبعث معه من يدله على منـزل عقبة، فأخبر عقبة، فعجل فخرج إليه فعانقه، فقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله r لم يبق أحد سمعه من رسول الله r غيري وغيرك في ستر المؤمن، قال عقبة: نعم سمعت رسول الله r يقول:" من ستر مؤمنا في الدنيا على خزية، ستره الله يوم القيامة" فقال له أبو أيوب صدقت. ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته، فركبها راجعاً إلى المدينة، فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر<SUP>([10])</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويقول سعيد بن المسيب أحد كبار التابعين: إني كنت لأسافر مسيرة الأيام والليالي في الحديث الواحد<SUP>([11])</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> إن علماء الحديث قد وضعوا للإسناد قواعد وأصولاً علمية دقيقة للوصول إلى الأحاديث الصحيحة وترك غيرها من الضعيفة والموضوعة، وقسم هذا الإسناد إلى أقسام من حيث القبول أو الرد. فمن الأشياء التي وضعوها على سبيل المثال لا الحصر للراوي، ما يلي:<o:p></o:p> <o:p></o:p> 1- صفة من تقبل روايته ومن ترد: وقد اشترطوا للراوي العدالة والضبط، يقول ابن الصلاح:"أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يروي. وتفصيله: أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقظاً غير مغفل، حافظاً إن حدَّث من حفظه، ضابطاً لكتابه إن حدَّث من كتابه. وإن كان يحدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يحيل المعاني".<o:p></o:p> <o:p></o:p> فقد اشترطوا في العدالة: <o:p></o:p> الإسلام: لقوله تعالى: ( ممن ترضون من الشهداء) [البقرة:282] والمسلم من أهل الرضا، وغيره ليس من أهل الرضا، وبذلك لا يقبل حديث من راو كافر. وكذلك: <o:p></o:p> <o:p></o:p> البلوغ والعقل: لأنهما شرطان لتحمل التكاليف الشرعية وليتم ضبط الكلام وصدقه، فلا تقبل رواية الصبي والمجنون. <o:p></o:p> <o:p></o:p> والتقوى: وفيها اجتناب الكبائر وترك الإصرار على الصغائر. والدليل على اشتراط التقوى: ( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) [الحجرات: 6]. فلا يقبل خبر الفاسق الذي يرتكب المعاصي ولاسيما الكبيرة منها. ويدخل في ذلك المبتدع فلا تقبل روايته.<o:p></o:p> <o:p></o:p> فقد روي عن أبي بن كعب حديث مرفوع في فضل القرآن سورة سورة، من أوله إلى آخره. فقد روى السيوطي عن المؤمل بن إسماعيل قال: حدثني شيخ به، فقلت للشيخ: من حدثك به؟ فقال: حدثني رجل بالمدائن وهو حيّ، فصرت إليه فقلت من حدثك؟ فقال حدثني شيخ بعبادان فصرت إليه. فأخذ بيدي، فأدخلني بيتاً، فإذا فيه قوم من المتصوفة، ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ حدثني، فقلت: يا شيخ من حدثك: فقال: لم يحدثني أحد، ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث<SUP>([12])</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وأما شرط الضبط فيعرف بالمقاييس التي حددها العلماء كما يقول ابن الصلاح:"أن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطاً، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه".<o:p></o:p> <o:p></o:p> فإذا تحقق شرط العدالة والضبط في الراوي فيجب أخذ روايته والعمل بحديثه ويطلق عليه عندئذ (ثقة).<o:p></o:p> 2- الجرح والتعديل: <o:p></o:p> والجرح: هو الطعن في راوي الحديث بما يسلب أو يخل بعدالته أو ضبطه. <o:p></o:p> والتعديل: عكسه، وهو تزكية الراوي والحكم عليه بأنه عدل أو ضابط<SUP>([13])</SUP>.<o:p></o:p> وهناك شروط وآداب للجارح والمعدل، وشروط لقبول الجرح والتعديل أو رده، ومراتب الجرح والتعديل، وألفاظ الجرح والتعديل التي يعتمد عليها العلماء، وغيرها من الشروط التي يطول بنا المقام لسردها. لا نريد التوسع فيها.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 3- الثقات والضعفاء: وقد ألفت مؤلفات في الثقات والضعفاء، لمعرفة أشخاص الإسناد وبالتالي معرفة درجة الحديث صحة وضعفاً، فمما أُلّف في الثقات: كتاب"الثقات" للإمام أبي حاتم محمد بن حبان البستي (المتوفى سنة 354هـ)، وكتاب"الثقات" للإمام أحمد بن عبدالله العجلي المتوفى سنة 261هـ، و(كتاب تذكرة الحفاظ) للإمام الحافظ شمس الدين محمد الذهبي (المتوفى سنة 748هـ). وما أُلّف في الضعفاء: "الكامل في الضعفاء" للحافظ الإمام أبي أحمد عبدالله بن عَديّ (المتوفى سنة 365هـ) وكتاب (ميزان الاعتدال في نقد الرجال) للإمام الذهبي، و(لسان الميزان) للحافظ ابن حجر العسقلاني. وغيرها كثير من الكتب التي تحدثت عن الثقات والضعفاء<SUP>([14])</SUP>.<o:p></o:p> في نهاية المطاف نقول لهؤلاء المستشرقين إن المقياس الذي يقاس به رواة الحديث مقياس علمي ودقيق، حيث تطرق إلى حال الرواة من جميع النواحي الدينية والعقلية والذهنية والصحية والاجتماعية، والأخلاقية،ووضع لهم عبر هذا المقياس مراتب ودرجات عن طريق الجرح والتعديل، وألفت عنهم الكتب والمصنفات لبيان حالهم، عبر هذه المسيرة العلمية الدقيقة والشاقة لحال الإسناد، وصلت إلينا الأحاديث صافية وخالية من الكذب والتحريف أو الزيادة والإضافات من قبل الرواة أو غيرهم.<o:p></o:p> <o:p></o:p> فهل بعد هذا يمكن أن يقال: إن جزءاً من أسانيد الأحاديث اعتباطي أو أنها لم تجد عناية أو قوالب جاهزة أو نحو ذلك؟!!<o:p></o:p> <o:p></o:p> وأما فيما يتعلق بشبهاتهم حول متون الأحاديث فنقول:<o:p></o:p> إذا قرأنا ما ذكره علماء الحديث من قواعد لنقد الحديث وقبوله، لعلمنا أن ما يردده المستشرقون إنما هو محض افتراء وتكذيب، فقد ملئت كتب بهذه القواعد التي تدل على الاعتناء الكبير، والحرص الشديد لعلماء الأمة بالحديث سندًا ومتنًا، ولكن هيهات للعدو الحاقد أن يقر بالحق الذي هو كالشمس في رابعة النهار، ومنها ما ذكره الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله مثل:<o:p></o:p> <o:p></o:p> "1 – ألا يكون ركيك اللفظ، بحيث لا يقوله بليغ أو فصيح.<o:p></o:p> 2 – ألا يكون مخالفًا لبدهيات العقول، بحيث لا يمكن تأويله.<o:p></o:p> 3 – ألا يخالف القواعد العامة في الحِكَم والأخلاق.<o:p></o:p> 4 – ألا يكون مخالفًا للحس والمشاهدة.<o:p></o:p> 5 – ألا يخالف البدهي في الطب والحكمة.<o:p></o:p> 6 – ألا يكون داعية إلى رذيلة تتبرأ منها الشرائع.<o:p></o:p> 7 – ألا يخالف المعقول في أصول العقيدة من صفات الله ورسله.<o:p></o:p> 8 – ألا يكون مخالفًا لسنة الله في الكون والإنسان.<o:p></o:p> 9 – ألا يشتمل على سخافات يصان عنها العقلاء.<o:p></o:p> 10 – ألا يخالف القرآن أو محكم السنة أو المجمع عليه أو المعلوم من الدين بالضرورة، بحيث لا يحتمل التأويل.<o:p></o:p> 11 – ألا يكون مخالفًا للحقائق التاريخية المعروفة عن عصر النبي r.<o:p></o:p> 12 – ألا يوافق مذهب الراوي [ المبتدع ] الداعية إلى مذهبه.<o:p></o:p> 13 – ألا يخبر عن أمر وقع بمشهد عظيم ثم ينفرد راو واحد بروايته.<o:p></o:p> 14 – ألا يكون ناشئًا عن باعث نفسيّ، حمل الراوي على روايته.<o:p></o:p> 15 – ألا يشتمل على إفراط في الثواب العظيم على الفعل الصغير، والمبالغة بالوعيد الشديد على الأمر الحقير"<SUP>(<SUP>[15]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> كانت تلك أهم القواعد التي اتبعها علماء الحديث في قبول متن الحديث أو رده، وهي كافية لدحض دعاوى المستشرقين الذي اتهموا منهج المحدثين في اهتمامهم بالسند دون المتن.<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) المستشرق شاخت والسنة النبوية، محمد مصطفى الأعظمي ص 104.<o:p></o:p> ([2]) جهود المحدثين في نقد متن الحديث، محمد طاهر الجوابي، ص 450.<o:p></o:p> ([3]) المستشرقون والحديث النبوي، محمد بهاء الدين، ص128.<o:p></o:p> ([4]) المستشرقون والحديث النبوي، محمد بهاء الدين، ص130.<o:p></o:p> ([5]) المرجع السابق، ص161.<o:p></o:p> ([6]) مقدمة مسلم1/39.<o:p></o:p> ([7]) مقدمة مسلم1/44<o:p></o:p> ([8]) مقدمة مسلم1/47<o:p></o:p> ([9]) مجموعة الفتاوى 1/9.<o:p></o:p> ([10]) معرفة علوم الحديث، ص8.<o:p></o:p> ([11]) المرجع السابق.<o:p></o:p> ([12]) تدريب الراوي ص188،189.<o:p></o:p> ([13]) منهج النقد في علوم الحديث ، نورالدين عتر ص92، نقلا عن قسم الرواة ص55،88.<o:p></o:p> ([14]) منهج النقد، ص129-130.<o:p></o:p> ([15]) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، ص271-272. وينظر ما كتبه الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم "المنار المنيف".<o:p></o:p> |
#16
|
|||
|
|||
<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>و – تأخر التدوين<o:p></o:p> <o:p></o:p>يقول برنارد لويس أن "جمع الحديث وتدوينه لم يحدثا إلا بعد عدة أجيال من وفاة الرسول r وخلال هذه المدة فإن الغرض والدوافع لتزوير الحديث كانت غير محدودة، فأولاً لا يكفي مجرد مرور الزمن وعجز الذاكرة البشرية وحدهما لأن يلقيا ظلالاً من الشك على بيّنة تنقل مشافهة مدة تزيد على مائة عام"<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويقول أيضًا: "ثمة دوافع للتحريف المتعمد لأن الفترة التي تلت وفاة الرسول r شهدت تطورًا شاملاً في حياة المجتمع الإسلامي فكان تأثر المسلمين بالشعوب المغلوبة بالإضافة إلى الصراعات بين الأسر والأفراد كل ذلك أدى إلى وضع الحديث"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> يقول الدكتور نورالدين عتر: "برز قرن الفتنة التي أدت إلى مقتل الإمام الشهيد عثمان بن عفان ثم مقتل الإمام الحسين رضي الله عنهما، وظهرت الفرق المنحرفة، وراح المبتدعة يبحثون عن مستندات من النصوص يعتمدون عليها في كسب أعوان لهم، فعمدوا إلى الوضع في الحديث، فاختلقوا على رسول الله r ما لم يقل، فكان مبدأ ظهور الوضع في الحديث منذ ذلك الوقت"<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> فقبل كل شيء يجب معرفة ما كان عليه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم مع رسولهم r، وكيف كانوا يأخذون منه الحديث ويتناقلونه فيما بينهم، وكيف كان حرصهم الشديد على صحة هذا الحديث أو ذاك، فقد صارت لديهم ما يشبه القوانين أو الضوابط التي يعتمدون عليها في أَخْذِ الأحاديث أو ردها، وما كان هذا الحرص وهذا الجهد إلا لسببين اثنين:<o:p></o:p> <o:p></o:p> 1 – حرصهم في الحفاظ على هذا الكنـز النبوي وخوفهم من ضياعه، والذي يعد من أهم صروح هذا الدين، فإن هوى هذا الصرح أو أصابه الضياع والنسيان فإن جزءًا كبيرًا من هذا الدين سيندثر معه، من أجل ذلك كانوا رضوان الله عليهم حريصين على نقل أحاديث الرسول صلى الله عليه بالدقة والتحري.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 2 – خيرية الصحابة وخوفهم الشديد من الكذب عامة، وفي حديث الرسول r خاصة، يقول الله تعالى: ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ) [الإسراء:36]، وقوله جل وعلا: ( إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله أولئك هم الكاذبون ) [النحل: 105]وقـوله r في الحديث الصحيح: "من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"<SUP>(<SUP>[4]</SUP>)</SUP>. وقوله عليه الصلاة والسلام: "من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"<SUP>(<SUP>[5]</SUP>)</SUP>، وقوله عليه الصلاة والسلام: "من يقل عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار"<SUP>(<SUP>[6]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ومن أهم ما تميز به الصحابة في نقل حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام أنهم لم يكثروا من كتابة الحديث ونقله خشية أن يعتريه الخطأ والزيادات، أو يختلط بالقرآن، وتلتبس الأمور بعد ذلك عليهم وعلى الأمة من بعدهم.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وكذلك حرص الصحابة على الدقة والتثبت من الأحاديث التي يرويها بعضهم عن الرسول r، والشاهد على هذا التدقيق والتشديد في ذلك حادثة الجدة حيث: "جاءت الجدة أم الأم وأم الأب إلى أبي بكر فقالت: إن ابن ابني أو ابن بنتي مات وقد أخبرت أن لي في كتاب الله حقا فقال أبو بكر ما أجد لك في الكتاب من حق وما سمعت رسول الله r قضى لك بشيء وسأسأل الناس قال: فسأل الناس فشهد المغيرة بن شعبة أن رسول الله r أعطاها السدس. قال: ومن سمع ذلك معك قال محمد بن مسلمة قال فأعطاها السدس ثم جاءت الجدة الأخرى التي تخالفها إلى عمر قال سفيان وزادني فيه معمر عن الزهري ولم أحفظه عن الزهري، ولكن حفظته من معمر أن عمر قال إن اجتمعتما فهو لكما، وأيتكما انفردت به فهو لها"<SUP>(<SUP>[7]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويجدر بنا إلى بيان المنهج الذي اتبعه بعض الصحابة في أخذ الأحاديث وهو عرضها على النصوص القطعية والأصول الثابتة من الدين، فهذه عائشة رضي الله عنها سمعت حديث عمر وابنه عبدالله أن رسول الله r قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" فقالت: رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله r إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله r قال: إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه، وقالت: حسبكم القرآن: ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [الأنعام: 164]"<SUP>(<SUP>[8]</SUP>)</SUP>. <o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي دراسات تطبيقية على كتابات برنارد لويس، ص157.<o:p></o:p> ([2]) المرجع السابق، ص157.<o:p></o:p> ([3]) منهج النقد، نورالدين عتر، ص55.<o:p></o:p> ([4]) صحيح البخاري برقم 107، وصحيح مسلم، برقم5، ص8.<o:p></o:p> ([5]) صحيح مسلم، برقم1، ص7.<o:p></o:p> ([6]) صحيح البخاري، برقم109، ص24.<o:p></o:p> ([7]) جامع الترمذي، برقم2100، ص482.<o:p></o:p> ([8]) صحيح البخاري، برقم 1288، ص206.<o:p></o:p> |
#17
|
|||
|
|||
ومن أهم عوامل حفظ الصحابة للحديث<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p> <o:p></o:p>1 – أن البساطة في العيش وقلة الاختلاط مع الناس يولد نوعًا من صفاء الذهن وقوة الحفظ والذاكرة بالإضافة إلى أن العرب أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب ومعظم علومها تعتمد في الدرجة الأولى على الحفظ، لذا كان من حفظهم ما يضرب به المثل وتناقلته الأجيال عبر التاريخ، مثل أولئك الذين كانوا يحفظون المعلقات الشعرية الطويلة، وكذلك معرفتهم بالأنساب والقبائل والأماكن وغيرها لدليل على تمكن هؤلاء العرب من القدرة على الحفظ دون عوائق، ومن الخطأ الفادح مقارنة العقل البشري المعاصر بعقول تلك العصور من رسالة الإسلام، ومن يقارن ويشابه بينهما ويطبق عليهما الدراسات والأبحاث فإنه سوف يصطدم بعقبات علمية كبيرة، وينـزلق في مهاوي الجهل والظلام، وهذا ما وقع فيه المستشرقون الذين قارنوا بين حاضرهم اليوم وماضي هذه الأمة في القرون الأولى لهذا الدين، فشلت دراساتهم.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 2 – أسلوب النبي r في الحديث مع الصحابة، الذي تميز بالهدوء والأناة، وقِصَر جُمَله وإعادته للجملة الواحدة عدة مرات مما كان له الأثر الواضح في تمكين السامعين من حفظه وتدبره، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان يحدث حديثًا لو عده العاد لأحصاه"<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP>. وقالت أيضًا:"ما كان رسول الله r يسرد سردكم هذا، ولكنه كان يتكلم بكلام يبينه فصل، يحفظه من جلس إليه"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 3 – إيمان الصحابة والتابعين ومن بعدهم بحقيقة هذا الدين وحقيقة هذا الرسول r، وحرصهم الشديد على حفظ منابعه ومصادره من الجفاف، واعتقادهم بأن هذا الدين بمصادره الرئيسة هو سبب سعادة البشرية ونصرها في الدنيا والآخرة، فحفظوا السنة النبوية بهذا الدافع الإيماني القوي، ولاسيما وأن الله تعالى قد نبّه المؤمنين على مكانة الرسول r وسنته في الدين، كقوله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله وقغفر لكم ذنوبكم ) [آل عمران: 31]. وقوله جل وعلا: ( يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) [النساء: 59]. وقوله تعالى: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )[الحشر:7].<o:p></o:p> <o:p></o:p> وغيرها من الآيات التي تحث المؤمنين على طاعة الرسول r واتباعه والتحاكم إليه، ولا يتم ذلك بعد وفاته إلا بحفظ سنته الصحيحة وتجريدها مما ليس منها من أقوال الناس وآثارهم. <o:p></o:p> <o:p></o:p> وكذلك قوله r لصحابته: "نضر الله امرءًا سمع مقالتي فبلغها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> من أجل ذلك كله وجد المسلمون أنه من الواجب عليهم جمع سنة المصطفى r بهذا الشكل الذي بين أيدينا وحفظها وحمايتها والدفاع عنها.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 4 – أن النبي r أمر بعض الصحابة بكتابة الحديث، حتى يكون لهم مرجعًا آخر بعد القرآن في المستقبل، وهذا ما قاله أبو هريرة رضي الله عنه: "ما من أصحاب النبي r أحد أكثر حديثًا عنه مني إلا ما كان من عبدالله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب"<SUP>(<SUP>[4]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) صحيح البخاري، برقم 3567، ص598.<o:p></o:p> ([2]) سنن أبى داود، رقم 3660، ص525، وجامع الترمذي، رقم 3639، (6/29).<o:p></o:p> ([3]) سنن أبي داود، رقم 3660 ص525، وجامع الترمذي رقم 230 ص35، وسنن ابن ماجه، برقم 231، ص35.<o:p></o:p> ([4]) صحيح البخاري، برقم 113، ص24-25.<o:p></o:p> |
#18
|
|||
|
|||
<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>
ثم لا بد من ذكر الأسباب الحقيقية لوضع الأحاديث وهي بإيجاز:<o:p></o:p> <o:p></o:p> 1 – الخلافات السياسية: وذلك من أجل أن يثبت كل فريق أحقيته بالخلافة وأفضليته بالاتباع، وكان من أكثر الذين وضعوا الأحاديث هم الرافضة، حتى سئل الإمام مالك عنهم فقال: "لا تكلموهم، ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون"<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP> وقال الشافعي: "ما رأيت في أهل الأهواء قومًا أشهد بالزور من الرافضة"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويكفي ما قال عنهم الخليلي في الإرشاد: "وضعت الرافضة في فضائل علي وأهل بيته ثلاثمائة ألف حديث"، ومن أشهر الأحاديث الموضوعة حديث الوصية في غدير خم، والذي يروي فيه الرافضة أن الرسول r أخذ بيد علي بعد رجوعه من حجة الوداع وقال للصحابة: "هذا وصيي وأخي والخليفة من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا" وقد كذّب أهل السنة هذا الحديث وعدّوه في الموضوعات.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وبالمقابل ظهرت بعض الأحاديث الموضوعة من بعض المتعصبين من الأمويين مثل: "الأمناء ثلاثة أنا وجبريل ومعاوية" وحديث: "أنت مني يا معاوية وأنا منك".<o:p></o:p> <o:p></o:p> 2 – الزندقة: وقد ظهرت بعد أن فتحت البلاد وتوسعت سيطرة الخلافة الإسلامية، وصارت للدين شوكة ومنعة، وتنعم الناس في ظل الدين بالأمن والاستقرار، فلم يستطع أعداء الدين النيل منه علنًا أو مواجهة، وإنما اتخذوا سبيلاً آخر، وذلك بالدخول في الإسلام وتمزيق صفه من الداخل، فتستر هؤلاء بالتصوف والزهد والتشيع وغيرها، ووضعوا آلاف الأحاديث للطعن في الدين، ومن هذه الأحاديث الموضوعة: "ينـزل ربنا عشية عرفة على جمل أورق يصافح الركبان ويعانق المشاة" و"خلق الله الملائكة من شعر ذراعيه وصدره". وقد لاحق بعض خلفاء بني العباس هؤلاء الزنادقة وقتلوهم وحبسوهم، حتى ضعفت شوكتهم وتم القضاء عليهم نهائيا.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 3 – القصص والوعظ: حيث ظهرت حركة للقصاص الذين يجتمع حولهم الناس ليسمعوا رواياتهم وقصصهم ووعظهم، وهم لا يتورعون أن يكذبوا ويضعوا الأحاديث في سبيل أن يجذبوا الناس إليهم، أو يبكوهم في مجالسهم، فيكسبوا بذلك جاهًا ومكانة، ومثل هذه الأحاديث "من قال لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة طيرًا منقاره من ذهب وريشه من مرجان".<o:p></o:p> <o:p></o:p> 4 – الخلافات الفقهية والمذهبية: وهذه الخلافات أدت إلى أن تتعصب كل جماعة لمذهبهم وإمامهم، فوضعوا الأحاديث التي تساندهم، ومن ذلك القول المكذوب: "من رفع يديه في الصلاة فلا صلاة له".<o:p></o:p> <o:p></o:p> 5 – الجهل بالدين مع الرغبة في الخير: حيث قامت طائفة من العبّاد والزهاد بوضع الأحاديث ليرجعوا الناس إلى دين الله وكتابه، ظانين أن ذلك من العبادات المستحبة والأعمال الفاضلة، وقالوا إننا لم نكذب على رسول الله وإنما نكذب لرسول الله r.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 6 – التقرب إلى الأمراء والملوك: وذلك بوضع الأحاديث التي تناسب أوضاعهم وأحوالهم، وأهواءهم ورغباتهم، ومن ذلك ما فعله غياث بن إبراهيم الذي دخل على المهدي وهو يلعب بالحَمَام فروى له الحديث المشهور "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر" وزاد غياث "أو جناح" إرضاء للمهدي الذي منحه عشرة آلاف درهم، ثم قال بعد أن ولَّى: "أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله r وأمر بذبح الحمام"<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> * * *<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) الوضع في الحديث، عمر بن حسن فلاتة 1/246.<o:p></o:p> ([2]) المرجع السابق.<o:p></o:p> ([3]) ينظر: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، ص75-88.<o:p></o:p> |
#19
|
|||
|
|||
هذا وإن علماء الأمة لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد أهم مصدر من مصادر التشريع، فقد بذلوا جهودًا عظيمة لتنقية السنة من الشوائب والزيادات والأكاذيب، ووضعوا قواعد وأسسًا ينهجون عليها من ذلك:<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>
<o:p></o:p> 1 – إسناد الحديث: لم تظهر متابعة الإسناد إلا بعد ظهور الفتنة وانقسام المسلمين، وبعد ظهور اليهودي عبدالله بن سبأ الذي دعا إلى تأليه علي رضي الله عنه، فحينها لم يأخذ الصحابة الذين عاشوا إلى ذلك الوقت وكذلك التابعون من الأحاديث إلا ما عرف سنده وهذه كانت الخطوة الأولى لتصفية الحديث من غيره، حتى قال ابن المبارك: "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"<SUP>([1])</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 2 – التأكد والتوثق من الأحاديث وذلك بالرجوع إلى الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، فقد صار هؤلاء مرجعًا للناس عند سماعهم حديثًا عن النبي r، فإذا أقروا أخذوا به وإن لم يقروه ضربوا به عرض الحائط. وقد سَخَّر كثير من الناس أنفسهم لخدمة الحديث وذلك بالسفر من بلد إلى آخر للتحقق من صحة الأحاديث المروية عن النبي r، ومن بين هؤلاء الإمام البخاري ومسلم وغيرهما رضي الله عنهم جميعًا لما قاموا به من عمل جليل سيبقى ذخرًا للأمة إلى يوم الدين.<o:p></o:p> <o:p></o:p> 3 – نقد الرواة، وبيان حالهم من صدق أو كذب، وهذا الأصل كان من أهم الأصول التي اتبعوها في تنقية الأحاديث، حيث لم يحرجهم شيء في أن يقولوا عن الرواة ما فيهم من عيب أو كذب، وقد قيل ليحيى بن سعيد القطان: "أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟ فقال: لأن يكون هؤلاء خصمي أحب إليّ من أن يكون خصمي رسول الله r يقول: لِمَ لم تذب الكذب عن حديثي"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وهذا الإيجاز فيه بيان كاف للذين اتخذوا من وضع الأحاديث مطية يمتطون بها على السنة كلها، ويشككون فيها من كل الجهات والأطراف، ولكنهم خابوا وخسروا، وذهبت جهودهم وأقاويلهم مع رياح الحق التي أزهقتهم وأثبتت السنة الصحيحة.<o:p></o:p> <o:p></o:p> * * *<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) مقدمة صحيح مسلم بشرح النووي(1/87)، الجرح والتعديل(2/16).<o:p></o:p> ([2]) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، ص90-92.<o:p></o:p> |
#20
|
|||
|
|||
علاقة المستشرقين بالمذاهب والفرق القديمة والحديثة<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p> <o:p></o:p>إن الشبهات التي تثار حول السنة النبوية من الطعن في رواتها والتشكيك في متون الأحاديث، إنما مصدرها في الحقيقة واحد، وإن اختلفت صورها وأشكالها، أو تباينت أفكار أصحابها، أو تباعدت أعصارهم وأمصارهم، فإنهم جميعًا يجتمعون ويشتركون في الشبهة غالبًا.<o:p></o:p> <o:p></o:p> فظهر هؤلاء الأعداء بصور متعددة قديمًا وحديثًا، ففي القديم كانوا متمثلين في المعتزلة، وبعض الطوائف التي ظهرت وتنادي بالرجوع إلى القرآن فحسب، وامتد فكر هذه الطوائف لفترة طويلة ما بين مد وجزر، إلى أن هيأ الله تعالى للأمة علماء وأمراء مخلصين تمكنوا من كشف أكاذيبهم ومآربهم، إلا أن هذا التيار بقي على نحو ضعيف، إلى أن ظهرت في العصر الحديث طائفة محدودة من هؤلاء تنادي بالمنهج نفسه، وهم الذين نسميهم العقلانيين، فهؤلاء امتداد لأولئك الأعداء من المعتزلة وغيرهم ممن يسمون أنفسهم بالقرآنيين.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويجدر بنا أن نتطرق إلى علاقة هذه الفرق القديمة والحديثة بالاستشراق والمستشرقين، ونبين بعض النقاط المشتركة بينهم باختصار شديد:<o:p></o:p> <o:p></o:p> 1 – الاستشراق والمعتزلة<o:p></o:p> <o:p></o:p>إن المعتزلة تشترك في قدر كبير مع المستشرقين في قضية أساسية وهي التشكيك في صحة الأحاديث، وإلقاء ظلال الظن والريب على معظم الأحاديث النبوية، فمنهم من لا يعتد بالأحاديث مطلقًا، المتواتر والآحاد منها، وهم المتشددون منهم، فقد روى البغدادي رحمه الله عن النظّام قوله: "الخبر المتواتر مع خروج ناقليه عن سامع الخبر عن الحصر ومع اختلاف همم الناقلين واختلاف دواعيها يجوز أن يقع كذبًا"<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP>. <o:p></o:p> <o:p></o:p> وقد أنكر النظَّام ما روي في معجزات النبي r من انشقاق القمر وتسبيح الحصى في يده وكذلك نبع الماء من بين أصابعه، ليتوصل بذلك إلى إنكار النبوة<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> أما الهذيلية الذين هم أتباع أبي الهذيل محمد بن الهذيل المعروف بالعّلاف وهم فرقة من المعتزلة إلا أنهم أقل تشددًا من النظامية، الذين يقولون إن الحجة من طريق الأخبار فيما غاب عن الحواس من آيات الأنبياء عليهم السلام وفيما سواها لا تثبت بأقل من عشرين نفسًا فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثر، ولم يوجب بأخبار الكفرة والفسقة حجة وإن بلغوا عدد المتواتر الذين لا يمكن تواطؤهم على الكذب إذا لم يكن فيهم واحد من أهل الجنة، وزعم أن خبر ما دون الأربعة لا يوجب حكمًا، ومن فوق الأربعة إلى العشرين قد يصح بوقوع العلم بخبرهم، وقد لا يقع العلم بخبرهم، وخبر العشرين إذا كان فيهم واحد من أهل الجنة يجب وقوع العلم منه لا محالة، واستدلوا على أن العشرين حجة بقول الله تبارك وتعالى: ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) [الأنفال: 65]حيث لم يبح لهم قتالهم إلا وهم عليهم حجة<SUP>([3])</SUP>.<o:p></o:p> <o:p></o:p> وأما ما ورد في السنة وغاب عن الحس والبصر فإنه مرفوض عندهم تمامًا، كالقبر وعذابه ونزول المنكر والنكير على الميت.<o:p></o:p> <o:p></o:p> ويلاحظ مما سبق أن المعتزلة يشتركون مع المستشرقين في التشكيك في رواة الحديث، وإن بلغ عددهم التواتر، وكذلك أحاديث الآحاد، والأحاديث التي وردت في أمور الغيب وحال الإنسان بعد الموت، وهذا يدل على أن الفكر الاستشراقي المعاصر هو امتداد متواصل مع الفكر المعتزلي في ذلك الوقت أو معتمد عليه.<o:p></o:p> <HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) الفرق بين الفرق، عبدالقاهر البغدادي، ص103-104.<o:p></o:p> ([2]) الفرق بين الفرق، ص93.<o:p></o:p> ([3]) المرجع السابق، ص90.<o:p></o:p> |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
يوم الزينة | معاوية فهمي إبراهيم مصطفى | مناسبات إسلامية | 2 | 2021-01-31 12:19 PM |
الوهابي الاهدل لم يثبت بنص معتبر احاديث النيروز انها من الاعياد الاسلامية | موحد مسلم | الشيعة والروافض | 1 | 2020-04-05 11:04 AM |
شبهات حول القرآن د. محمد عمارة | عادل محمد عبده | كتب إلكترونية | 0 | 2020-03-12 06:47 AM |
العنصرية المجوسية | موحد مسلم | الشيعة والروافض | 0 | 2020-01-30 06:38 PM |