جديد المواضيع |
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
كتاب: جاهلية الشيعةن وسخافة عقولهم (دراسة مقارناتية للدين الشيعي)
ـــ الكتاب: جاهلية الشيعة وسخافة عقولهم (دراسة مقارناتية للدين الشيعي).
ـــ المؤلف: محمد محمد البقاش أديب باحث وصحفي.. ـــ الحقوق المادية غير محفوظة للمؤلف خلاف الحقوق المعنوية، ولكن رجاء إشعاري قبل طبعه فربما عدلت فيه، كما يجوز النسخ والاقتباس شرط ذكر المصدر.. ـــ النشرة الإلكترونية الأولى: الاثنين 14 مارس 2016 م. ـــ الطبعة الورقية الأولى: لم يطبع الكتاب بعد. ـــ الإيداع القانوني: 462 ـ 98. ـــ ردمد 1114 – 8640 ISSN. ـــ الغلاف: للرسامة الإسبانية من أصل لبناني فاطمة سعيد مغير Fatima Said Moguir C / Castillo Nº 40 Santa Cruz De Tenerife C. P. 38003 _ España ========================================== (دراسة مقارناتية للدين الشيعي) ========================================== الطفلة رنا عبيد تبلغ من العمر سنة واحدة عانت بسبب حصار الجيش الأسدي وميليشيات شيعية لمعظمية الشام وعجزت المنظمات الدولية فضلا عن العربية والإسلامية عن فك الحصار وإدخال المواد الإغاثية، فمادة الحليب منعدمة وقد وصلت الصبية إلى هذه الحالة ثم ماتت جوعا والغرب وروسيا والصين والحكام العرب ينعمون في بحبوحة العيش وهم جميعهم شركاء في جريمة تجويعها ونحن أيضا بسبب تقاعسنا ونومنا ومنا أنذال ونفايات يتشفون بإخواننا السوريين، فيا لفظاعة جرمنا. ===================== كلمة تُقْرئ قُبَيْل قراءة الكتاب كتاب: جاهلية الشيعة وسخافة عقولهم (دراسة مقارناتية للدين الشيعي) كتاب استفرغتُ وسعي فيه بعد أن درست أمهات كتب الشيعية وقلّبت آراءهم ونظرت في أصل دينهم تاريخيا واستمعت إلى أشرطة فيديو موثّقة لعلماء شيعة فخرجت بما يلي: أولا: التشيّع دين جديد ظهر وسط المسلمين قديما وتم التأصيل له بالكذب، وتم التنظير له بالأسطورة والخرافة في القرون الهجرية الأولى وكان من رأس المنظرين للدين الشيعي في الظل علي بن بابويه القمي الصدوق الأول كما يلقبونه تمييزا له عن الصدوق الثاني ولده محمد بن علي بن بابويه القمي صاحب كتاب: من لا يحضره الفقيه، والصدوق الأول وقع له مثل ما وقع لعثمان العمري وولده محمد بن عثمان العمري إذ استساغ النصب والاحتيال واستمرأ بريق الدنانير الذهبية والدراهم الفضية التي كانت تصله من الوكلاء خصوصا ابن روح الذي كان يزوره في إيران بين الحين والآخر لمنحه حصته ولأخذ الفتاوى منه من أجل الإمعان في تضليل الشيعة حتى لا تحضر عقولهم فوقع في شرَك ما نصب للناس، ثم ورثه في حرفة النصب الفكري ابنه محمد بن علي القمي أو الصدوق الثاني، وكان من النصّابين أيضا باعتماد التأصيل للدين الشيعي الجديد بالكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة الأطهار رئيس الشيعة كما يلقبونه؛ الكليني، وكان متفقا مع الوكلاء على النصب والاحتيال شريكا بوضع الأحاديث على لسان الأئمة في كتابه الكافي وله حصة من الأموال تصله من وكلاء المهدي عثمان العمري وابنه محمد وابن روح والسمري، ثم جاء المفيد والمرتضى والنجاشي.. ثانيا: للفكر الشيعي عقائد آسنة وأحكام متورِّمة سُيِّجت بسياج محكم من التقية (أي النفاق) عند إرادة التبرير، وإجمالا الضعف والدونية يغلفان آراءهم ومفاهيمهم الشاذة. ثالثا: للفكر الشيعي جانب لا أقول عنه أنه مضيء، بل هو مأخوذ من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وكتب أهل السنة وعلمائهم لأن دين الشيعة خليط من الإسلام والنصرانية واليهودية والمجوسية، وفيه من المزدكية كالقول بإعارة الفروج.. وفيه مواقف هي لفلاسفة اليونان كالقول بقدم العالم.. وكان الغرض من ذلك تغليف دينهم بما يسهِّل قبوله لدى المسلمين حتى يلبِّسوا عليهم ويدلِّسوا، فكانت النتيجة من تأليف كتاب: جاهلية الشيعة وسخافة عقولهم (دراسة مقارناتية للدين الشيعي) رفض كل ما ورد في دين الشيعة وكتبهم، وانتعال كل ما جاء عن علمائهم وفقهائهم لأنك إن عمدت إلى القول بأن لديهم ما ينسجم مع ما عند أهل الحق وهم أهل السنة سقطتَ في فخّهم وسرّبوا لك من خلال ذلك ما يضلّك خصوصا إن كنت قليل المعرفة واهي الحصن العلمي، فهم يلبسون نفاقا لباس محبة آل البيت ويتقنون استدعاء العَبَرات على بعض مآسينا وليس مآسيهم خصوصا مصرع حبّنا سبط النبي صلى الله عليه وسلم؛ الحسين رضي الله عنه فكان الأولى لك والأنجع ألا تلتفت لما يقولون، وألا تقرأ ما يكتبون حرصا على وقتك، وتحصينا لدينك، فلقد أخذوا كما قلت من القرآن والسنة وعلماء المسلمين وما ذلك إلا خداع في سلعتهم لأنهم يبخسون الناس أشياءهم ولا يوفون الكيل والميزان الفكري والمعرفي، ويطففون على الناس إذا اكتالوهم بموازين غير سوية.. وعليه لا يخدعنَّك منهم قولهم أن كذا وكذا يوجد عندنا أو يشبه ما عندنا، ولا يخدعنك ما يُروَّج له من سمّ التقريب بين الشيعة والسنة فلا وجه للتقريب بيننا وبينهم، لا وجه للتقريب أبدا لأن لنا ديننا ولهم دينهم، فالعاقل لا يبحث عن لؤلؤة أو للآلئ في بحر لُجّيّ وفي النهاية يجدها ليكتشف أنها ليست حقيقية، بل هي نسخة عن لؤلؤته الحقيقية الموجودة في بحر القرآن والسنة وعلماء المسلمين، فاستنساخ للآلئ يظل استنساخا لا يمكن أن تكون اللآلئ المستنسخة حقيقية وبالتالي لا تضيِّع وقتك حضرة القارئ المحترم في طلبها، فالدين الشيعي دين عهر فكري ودياثة معرفية.. الدين الشيعي يقينٌ تتجمّع فيه نفايات العقول المريضة، فهو دين غير العقلاء، هو دين الشذوذ ودين النصب والاحتيال، وعلماؤه (أي جهّاله) نصّابون مدلِّسون ولا همَّ لهم إلا جمع الأموال من الخمُس والزكاة والهبات والتبرعات والصدقات، وافتراس نساء الأتباع كالضباع والاستغلال والإضلال. رابعا: القلوب في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم عند أحمد بإسناد جيد لم يخرجه أهل الحديث عن أبي النضر عن أبي معاوية (أي شيبان) عن ليث عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يُزْهرُ، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مُصْفَح: فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن، سراجه فيه نوره. وأما القلب الأغلف فقلب الكافر. وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عَرَفَ ثم أنكر. وأما القلب المُصْفَح فقلب فيه إيمان ونفاق، ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يَمُدّها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القُرحة يَمُدّها القيح والدم، فأي المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه". وعليه لم أجد وصفا ينطبق على الشيعة الاثني عشرية بما قدمته في كتابي غير وصف واحد لا وصف غيره وهو ينطبق عليهم تماما وهو وصف النفاق، فالتشيّع نفاق، والشيعة منافقون ويكفي ذلك تنبيها لخطرهم، فهم أخطر من الصهاينة والصليبيين ومن كل عدو، فلا اليهود في منزلتهم، ولا النصارى في منزلتهم، ولا أيّاً كان، والتاريخ يشهد عليهم وعلى غدرهم وجرائمهم وإضلالهم الناس بدءا من الراهب النصراني أبو عامر الذي سُقط في يده بحيث كان يرجوا النبوة ويصبو إليها فلما صرفت عنه إلى خير الخلق صلى الله عليه وسلم التجأ إلى هرقل وشرع يراسل أصحاب مسجد الضرار الذين ثبطوا الناس عن الخروج إلى تبوك ولمزوا المُطَّوِّعين في الصدقات وقالوا لا تنفروا في الحر، وكذلك سويلم اليهودي الذي كان يجمع الناس في بيته بالمدينة المنورة ويحرضهم على ألا يخرجوا مع النبي إلى تبوك.. ثم رؤوس الفتنة على عثمان بن عفان رضي الله عنه كاليهودي المنافق ابن سبأ الذي أسلم نفاقا وظل على يهوديته المحرفَّة يبثّ بعضا من عقائدها الفاسدة في الدين الشيعي كالقول بالوصية والرجعة وتعطيل الجهاد حتى يظهر المهدي وينادي مناد من السماء.. ثم القرامطة والبُوَيْهيين والعُبيْديين (الفاطميين) والصفويّين أمثال ابن عم إبليس الهالك خومينيئس والحي الميت خمينائيس وسيستانيس وليس انتهاء بالنصيريين في سوريا اليوم ولا الاثني عشريين في إيران والعراق والبحرين، ولا الإسماعيليين الحوثيين في اليمن.. ============================ ديباجة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم ((لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21))) الحشر. ((وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59))) الكهف. ======================= الإهداء إلى كل عاقلٍ يعرف قيمة العقل فلا يحقره. إلى كل عالٍ فوق هواه مترفّعٍ على بهيميته. إلى كل قاهرٍ نفسَه عند جحودها. إلى كل عارفٍ بقدْره ومقدِّر قدْر غيره من العلماء والمفكرين والباحثين الذين يخشون الله ولا يخافون فيه لومة لائم. إلى كل دارس لا يخشى على قناعاته فلا يضطر إلى رفض مناقشتها والانفتاح على ما يناقضها مادام يسعى إلى الحقيقة التي لن تفوته ولن يعدمها حتى وإن خشي على قناعاته لأنه بذلك يعرضها للتمحيص فتصدمه بقوتها على الثبات وما الحقيقة إلا ثبات. إلى كل من يحمل صفة من هذه الصفات أهديه كتابي هذا لعلي أصيب به شغف قلبه فأطمع في احتلال مقعد فيه وفي عقله، كما أطمع أن يعمل على نشره ولفت النظر إليه بغية إيقاف المد الشيعي الذي بات شبيها بالمد النصراني، المد النصراني يقدم بيد الإنجيل وهو غير إنجيل عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وباليد الأخرى كيسا من الأرز، والثاني يقدم بيد سخية الأموال، وباليد الأخرى قنينة بها شراب مليئ بالحقد على دين الله تعالى وزوجات النبي العفيفات الطاهرات والصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعا.. لقد استفرغتُ وُسْعي فيه واطمأننت إلى صفاء سريرتي من غش قارئي فالله تعالى أسأل أن يتقبّله مني إن كان خالصا له، وإذا لم يكن كذلك فالله تعالى أسأل وأسأل ولن أملّ من السؤال أن يجعله عملا خالصا له ويتقبله مني، فأنا بدين الإسلام سعيد وبربّي أسعد، وربّي على دين الإسلام راض وهو بالإجابة جدير. ==================== استهلال البحث في الشيء يتطلب وجود شرطين اثنين، الأول في الباحث، والثاني في المبحوث عنه. الشرط في الباحث أن يتأكد من استفراغ وسعه مع غياب الغفلة والشرود عند البحث. الشرط في المبحوث عنه أن يكون مما يقع عليه الحس أو يقع على أثره، وأما ما كان خيالا وتم تصوّره والتفكير فيه فإنه لا يعيِّن بحثا وإنما يعيِّن وهْما، ولا يدل على العملية العقلية لأنه خيال وهو جميل في الآداب ولسنا نقصده إلا ما كان خيالا داخلا في الممكن عقلا لأن الممكن عقلا ممكن فعلا. ==================== المقدمة جاهلية الشيعة وسخافة عقولهم (دراسة مقارناتية للدين الشيعي) كتاب يبدأ بكلمة قصيرة يلحّ على القارئ في قراءتها أولا، ثم يتركه يقرر على ضوئها ما يقرر، والكلمة خلاصة لجهد الكاتب وعصارة لدراسة عميقة انتهت إلى الاستنارة يقدمها لقارئه ربما يستثمر بها جهد غيره فيما هو أفضل وأحسن. يأتي بالديباجة من كلام الله عز وجل من سورة الحشر الآية: 21 وسورة الكهف الآية: 54 إلى 59. وفي إهدائه للكتاب جعل إهداءه خاصا بالعقلاء. وفي استهلاله يضع شروطا للباحث وشروطا للمبحوث عنه حتى يستقيم البحث ويؤدي إلى نتائج صحيحة. ويسوق في مدخل الدراسة موضوع العصمة ويقدم لها أدلة عقلية ونقلية تنتهي إلى أنه لا عصمة لأحد بعد النبي محمد . ويسوق موضوع الإمامة عند الشيعة وينتهي إلى نتيجة صحيحة تجعل من الإمامة بالمفهوم الشيعي؛ عنصرية. ويقف على وصية النبي لعلي بن أبي طالب كما تزعم الشيعة فينتهي في دراستها إلى أن النبي لم يوص بالخلافة لأحد وأنه لا يجوز عقلا وشرعا أن يوصي لأحد بعده بالخلافة وإن كان قد أشار، بل أمر أبا بكر ليصلي بالناس وفي ذلك ما فيه من تقديم لأبي بكر على غيره وقد فهمها الصحابة الكرام بما فيهم علي بن أبي طالب فقدموه لخلافة النبي خلافة سياسية، وقد ختم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحقية أبي بكر وتفضيله له عن سائر الصحابة في الصلاة بالناس في نفس اليوم الذي توفي فيه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول للسنة الحادية عشرة للهجرة، ختم رسالته حين أعجزه المرض عن حضور الصلاة بإقراره لأبي بكر أن يصلي بالناس وتقديمه له عن سائر الصحابة، وقد كان مسرورا جدا ومن لا يُسرُّ لسرور رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا منافق، فقد فاجأ النبي أصحابه وأحبابه وتلامذته النجباء في فجر نفس اليوم الذي توفي فيه حين كشف ستر حجرة الطاهرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وتقدم حتى جلس إلى جانب الإمام أبي بكر، وظن أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الصلاة بالناس فأراد أن يأخذ مكانه من المأمومين فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقاء مكانه إماما للمسلمين، ثم عاد إلى حجرته ولم يلبث إلا يسيرا حتى عاوده الوجع في الضحى وكان وجعا أخيرا إذ جاءه ملك الموت بعد أن أسرّ إلى ابنته البارة فاطمة رضي الله عنها بسر موته الذي بكت له، ثم أسرّ لها بأنها أول من يلحق به فسُرّت له وتوفي رسول الله الله صلى الله عليه وسلم وحلت المصيبة العظمى على جميع المسلمين حينها وظلت مصيبة كل مسلم إلى يوم الدين. يقدم الكتاب للقارئ المحترم شبكة من النصب والاحتيال بقيادة نواب المهدي الأسطورة ووكلاؤه، ثم يخصص لكل واحد منهم فصلا خاصا به بدءا من عثمان بن سعيد العمري، ثم ولده محمد بن سعيد العمري، ثم الحسين بن روح، ثم انتهاء بعلي بن محمد السمري، ويسوق رجالا مبعدين عن صناعة الدين الشيعي ويخصص لكل واحد منهم فصلا بدءا من الشريعي، ثم محمد بن نصير النميري، ثم أحمد بن هلال الكرخي العبرتائي، ثم محمد بن علي بن بلال، ثم الحسين بن منصور الحلاج، ثم ابن أبي العزاقر، ثم انتهاء بأبي بكر البغدادي. ويسوق فرية كسر ضلع بنت النبي فاطمة الزهراء رضي الله عنها ويدلل على أنها فِرية غبيّة لم يحبك واضعها قصتها فارتدّت عليه. ويسوق الإرث عند الشيعة الاثني عشرية خصوصا إرث الأنبياء وإرث فدك فيبين أن ما جرى بصرف النظر عن حديث للنبي رواه أبو بكر: ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة)) يؤكد صدق أبي بكر بتزكية علي وتصرف فاطمة رضي الله عنهم جميعا. ويراجع الكتاب كتبا هامة ينتهي في مراجعتها إلى أنها أصح الكتب والوثائق التاريخية خصوصا تلك التي كتبت بطريق الرواية ولا يترك لكتب الشيعة أي مقعد في الصدق والتحري والأمانة العلمية لكي تقتعد عليه لأنها كتب لا تصحّ، ثم يقارن بين كتب الشيعة وعلمائهم بكتب أهل السنة وعلمائهم فينتهي إلى أن الصحيح والأصح هي كتب أهل السنة، والصادق والأصدق هم علماء أهل السنة. ويأتي بفصل يدرس فيه تواريخ استلام (المعصومين) الإمامة وأسلوبهم فينتهي إلى أن ما نسب إليهم في معظمه كذب عليهم بدءا من علي بن أبي طالب وانتهاء بالأسطورة محمد بن الحسن العسكري. ويأتي بفرية عرض كتاب الكافي على محمد بن الحسن العسكري مدللا على الفرية ومكذبا راويها، ثم يفعل نفس الفعل مع زعم وجود توقيع المهدي للقمي فيبين كذبه، ثم يفعل نفس ما فعل في زعم القمي أنه التقى بالمهدي المنتظر، ويسوق المفيد وينتهج معه نهج سلفيه. ويخصص فصلا لأفجر الزنادقة الشيعة بدءا من ياسر الحبيب، ثم عبد الحميد المهاجر، ثم الخميني، ثم انتهاء بحسن نصر الله. وأخيرا يختم الكتاب ببحث نكاح المتعة الذي حرمه رسول الله من حديث علي بن أبي طالب ويختمه بالحديث أيضا عن إعارة الفروج التي برع فيها عالمهم السيستاني بالعراق وهو سلوك مأخوذ من المزدكيةكما ورد في عنوان: كلمة تقرئ قبيل قراءة الكتاب. ======================== فساد القول بعصمة أحد بعد النبي محمد العصمة في الإنسان بما في الإنسان النبي والرسول تتنافى مع طبيعة الإنسان لأن الإنسان عاجز ناقص محتاج يتأثر ببيئته الشيء الذي يحتم ألا يكون معصوما، وإذا ثبتت عصمة أحد فيجب أن تثبت عقلا، ثم نقلا. واستمرار بعثة الرُّسُل من قِبل الله تعالى إلى الناس على سبيل التخصيص يقضي استمرار التوافق في الأصول مع الاختلاف في التشريع والتبديل في الأحكام، كما يقضي أيضا بعدم نضج العقل لمعرفته على سبيل التفكير والاستقراء والاجتهاد، أو على الأقل اختلافهم بعد أن كانوا أمة واحدة وانحرافهم عن الصراط المستقيم. والاستمرار في ذلك يعني عدم ثبوت أي حكم؛ إذ يقضي الواقع التغيير دائما وأبدا، وهذا يقودنا إلى التشريع الوضعي وها نحن نحياه ونعيشه وهو يعطينا دليلا كافيا ليس على بشريته فحسب والتي تقضي بعجزه ونقصه واحتياجه ومحدوديته واستناده إلى غيره، بل على سخافته واستحقاقه الانتعال. واستمرار بعثة الرسل من قبل الله تعالى إلى الناس على سبيل الدوام يقضي بسلب إرادة الإنسان وهو مخالف للواقع لأن ذلك لا ينطبق على الإنسان، بل ينطبق على المعصومين من غير البشر، من الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6))) التحريم. وقال تعالى: ((وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50))) النحل. أما البشر فإرادتهم ثابتة فيهم غير مسلوبة منهم يدل عليها تصرفهم ضمنها واختيارهم بها فلا حاجة للتفكير في إمكانية غيابها إلا إذا كنا نتحدث عمن لا إرادة له كالمجنون والنائم والصبي والمصاب بمرض تالف للعقل وهذا بحث لا نقصده، وإذا قصدناه لا ينفي وجود إرادة عند غيرهم من الناس ممن ليسو على حالتهم تلك. وأما انقطاع بعثة الأنبياء والرسل فهو الصواب، وهو الدال على نضج العقل البشري، إنه صواب؛ لأنه باستمرار بعثتهم تظل الحياة في جميع مناحيها حتى تلك التي تنظم علاقة الإنسان بربه وهي العقائد والعبادات دون قيم ثابتة، ودون أحكام سارية، كما أنه استغباء للعقل البشري بحيث يضيِّق عليه ويجعل منه عقلا بدائيا غير مؤهل للبحث والاجتهاد والإبداع... وإذا تقرر هذا عقلا وعلما وواقعا؛ تنتفي حاجة الناس دائما وأبدا إلى أنبياء ورسل يبلغون الناس دين الله تعالى، كما تنتفي الحاجة إلى تشريع آخر يبصم ما سبقه بالنقص، ويثبت في الحياة لكماله إلى يوم القيامة، والنقص ليس معناه نقص في المشرِّع والتشريع وفكرته إذا كان المشرِّع هو الله تعالى، بل هو في عقلية الإنسان وطبيعة أخذه أو رفضه لما جاءه من الله تعالى لأنه بإرادة تستطيع فعل ما تريد ضمن الدائرة التي يسيطر عليها الإنسان وتقع فيها أفعاله باختياره. طبيعة الإنسان وتفاوت قدراته هما اللتان تقفان من التشريع الإلهي موقف المتبني أو الجاحد، والإنسان مخلوق لله تعالى قد أوقفه على حقيقة استناد كل مخلوق في وجوده إلى غيره، وأوقفه على نقصه في ذاته وفي الطبيعة والكون لعله يختار ما أراده الله له ولم يلزمه به فرتب على ذلك المثوبة والعقوبة وهو عين العدل. صحيح أن شرع من قبلنا في أصوله يشبه شرعنا، ولكنه في معالجاته لشؤون الحياة يختلف عنه، ويفضله الخاتم الذي لنا بالكمال والهيمنة، قال تعالى: ((وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)) المائدة، وهذا دال على اكتمال الدين في عقائد وشرائع صافية نقية مقبولة عقلا وواقعا، واكتمال الدين لا يعني أن شرع من قبلنا قد كان ناقصا باعتبار النقص عائدا على المشرع، كلا، فشرْع من قبلنا شرْعٌ يناسب من شُرِّع لهم، لأن لكل قوم شرعة ومنهاج حتى مجيء آخر شرعة وهي شرعة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي للناس كافة إلى يوم الدين. وعليه يبقى اكتمال الدين في تشريعه الذي حوى كل شيء ولم ينس جزئية واحدة أو فرّط فيها صغرت أو كبرت، دقّت أو جلّت، ويبقى على العقل المؤمن بهذا التشريع أن يعلم أن شريعته خطوط عريضة ومعاني عامة قابلة دائما وأبدا لاستنباط الجديد لما يحتاجه الناس فيما جدّ بينهم، وهذا هو الشيء الذي يمكِّن العقل البشري من خوض التفكير في الكون والإنسان والحياة وفق تلك الرؤى العقدية والتشريعية ليأتي بما ينفع الناس ويسعدهم دون أن يقف عقله عن مبحث، أو يمنع من آخر إلا ما كان مما لا يقع عليه الحس أو يقع على أثره وهو يبغي واقعا له، وهذا عين الخور، وإذا كان غير ذلك وهو كائن في مجال الإبداع والخيال كما هو الشأن في الأدب من قصة وشعر ورواية وغيرها فذلك مجاله ودائما وفق ما توصل إليه العقل من إدراك لواقعه الذي ينبغي أن يحترمه، وإذا كان هذا ما توصلنا إليه فبه حتما تنتفي حاجة الناس إلى أنبياء ورسل دائما وأبدا كما قلنا، لأن الإنسان ذو عقل، وعقله يجب أن لا يتعطل، وعليه يجب أن لا يحجر على عقله مادام سليما، وبه يحصل التفكير، وبه يستنبط العالم، وبه يبدع المجتهد، وبه ينتج الأديب، وبه يخوض الباحث، وبه يفتي الفقيه، وبه يبكِّت صاحب الحق أهل الباطل، وبه يكون من باب أولى نفي حاجتهم قطعا لمعصوم غير نبي ولا رسول. وإذا قارنا بين عصمة الإمام لدى الشيعة الاثني عشرية وبين ما كان عليه الفرس قبل الإسلام وقبل زوال دولتهم من طرف الصحابة الكرام رضوان الله عليهم والمسلمين نجد أن الفرس قد كانوا يقدسون الأسرة الحاكمة ويعتقدون في توارث الحكم في عائلة معينة وفي الابن الأكبر لها تحديدا فكان ما عليه الفرس قبل الإسلام وقبل زوال دولتهم هو ما عليه الشيعة الاثني عشرية في الإسلام مع تسميات جديدة كعصمة الإمام وقدسيته، ومع مخالفة صريحة في الابن الأكبر لزين العابدين والذي لم يكن هو محمد الباقر.. ويدل على القدسية التي ذكرناها ما جاء على لسان الخميني في كتابه: الحكومة الإسلامية صفحة: 52 قوله: ((... وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملكٌ مقرَّب، ولا نبي مرسل)). ويكفي هذا دليلا على أفضلية علي بن أبي طالب والحسن بن علي والحسين بن علي وعلي زين العابدين بن الحسين ومحمد الباقر بن زين العابدين وجعفر الصادق بن محمد الباقر وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن بن علي العسكري والأسطورة محمد بن الحسن العسكري على جميع الأنبياء والرسل وعلى جميع الملائكة، وهذا قول لا يصدر إلا عن عقل قد شبع مُهَلِوسات، وقلب قد شبع تورُّمات. كيف يكون علي بن أبي طالب صهر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبنته الطاهرة فاطمة وسبطيه الحسن والحسين وهم جميعا صحابة؛ كيف يكونون أفضل من سيدهم وسيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم؟. فالملك المقرب كجبريل الذي يكرهه الروافض ويخطئونه في الرسالة التي نزل بها على قلب النبي محمد إذ قالوا أنها كانت لعلي وليس لمحمد وميكائيل وإسرافيل لهم منزلة عند الله تعالى كبيرة، وأصفياء الله من الأنبياء والرسل لهم منزلة عظيمة ولكنها جميعها دون منزلة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضل من جميع خلقه بما في خلقه الملائكة ومنزلته أكبر وأعظم من أي منزلة، فربه أعطاه الكوثر وهو الخير الكثير وواد بالجنة، وأعطاه الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة في الجنة، وشفّعه في المؤمنين، وجعله أول من ينشق عنه القبر، وأول من يدخل الجنة، وهو الذي ختم به رسالته، وهو الذي أرسله للعالمين والعالمون هم غير الله تعالى فكل شيئ عالم؛ ويدخل في العالم، إلا الله تعالى وذاته العلية؟ كيف يكون الحسن والحسين وعلي وفاطمة ولا أقول غير الصحابة كالتابعي الجليل والفقيه الموفق من آل بيت النبي علي زين العابدين ومن جاء بعده أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وله منزلة فوق منزلته؟ هل من يقول بهذا عاقل؟ كلا وربي. وينقل الكليني في كتاب الكافي أصول الكافي: ((قال الإمام جعفر الصادق نحن خُزّان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون أُمر بطاعتنا ونُهي عن معصيتنا، نحن حجة الله البالغة على من دون السماء وفوق الأرض)) 1/165. فمن دلائل العصمة المذكورة، ومن دلائل عصمة أب المعصومين تحديدا ما رواه الكليني عن علي بن أبي طالب أنه سُئل عن مدة غيبة المهدي فقَالَ: ((سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ سِتَّ سِنِينَ )). الكافي ج1 ص 338. الكليني من القرن الرابع الهجري، وعلي بن أبي طالب من أبناء القرن الأول الهجري وقد ولد قبل البعثة المحمدية بثلاث وعشرين سنة، وهو المعصوم عند الشيعة الذي يقول بظهور المهدي بعد ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين وها قد مر منذ الغيبة الصغرى سنة وفاة الحسن العسكري في: 260 هـ إلى يومنا هذا (10 مارس 2014م) 1175 سنة ولم يظهر بعد، فهل سيؤولون قول علي أم يخطِّئونه؟ لا شك أن عليا مخطئ ومصيب شأنه شأن سائر البشر إلا الأنبياء والرسل، وقد أخطأ مع غيره من كبار الصحابة والمسلمين حين رفضوا شروط الحديبية وقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخطأ حين خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما روي من كتاب الكافي لأنه كذب عليه رضي الله عنه، بل أخطأ فيما ورد في صلح الحديبية الذي كان في السنة السادسة للهجرة (مارس 628 م) وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمحو كلمة الرحمن فامتنع، وأمره أن يمحو رسول الله فامتنع، والقصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الحديبية: ((هات اكتب بيننا وبينك كتاباً، فدعا الكاتب - وهو علي بن أبي طالب ـ فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: أما الرحمن، فما أدري ما هو؟ ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال : اكتب: باسمك اللهم، ثم قال: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال: إني رسول الله، وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله، ثم تمت كتابة الصحيفة..)) وتلك طبيعة بشرية بما فيها طبيعة نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم لولا أن الله تعالى قد عصمه من الخطأ لأنه رسول يجب عقلا ألا يخطئ وهو بشر لا بد أن يخطئ فكان وجوب ألا يخطئ حتى لا يتم الطعن فيما جاء به من وحي الله تعالى دليلا عقليا بالإضافة إلى الدليل النقلي وهو ما جاء به من قرآن وسنة، فكيف بالذي لم يكن نبيا ولا رسولا؟ كيف له ألا يخطئ وقد أخطأ فيما ذكر من كتاب الكافي وفي غير ما ذكر من كتاب الكافي. أخطأ علي بن أبي طالب كغيره من الصحابة لجهله بالغيب، ولو كان يعلم الغيب وقيمة المعاهدة والحكمة منها لما تردد في محو ما أمره به رسول الله من الكتابة، ولو كان غيره من الصحابة وهم كثيرون كعمر بن الخطاب يعلمون الغيب أيضا لما اعترضوا على المعاهدة التي اعترض عليها كبار الصحابة كعلي وعمر وغيرهما إلا أبا بكر وقد قال لعمر حينها: ((إلزم غرزه فإنه رسول الله))، ولكنهم في النهاية انصاعوا جميعا حين أدركوا أن فعل النبي ليس من قبيل الحرب والخدعة، بل هو وحي إذ قال : ((إني رسول الله، ولن أعصيه وهو ناصري)) أخرجه البخاري عن المسور بن مخرمة. ولهم معه صلى الله عليه وسلم تجربة في غزوة بدر حين نزل منزلا لم يرضه الحباب بن المنذر وأشار على النبي بتركه والانتقال إلى منزل آخر فتبعه رسول الله ونزل إلى رأيه وقد كان الرأي من قبيل الحرب والمكيدة وليس من قبيل الحكم الشرعي. ومن أخطائه رضي الله عنه أن ولده الحسن أشار عليه بألا يخرج إلى العراق خوفا من خيانتهم وقد صدق رضي الله عنه ولكن أباه خرج إلى حتفه ومن من الخلائق لا يذهب إلى حيث مصرعه؟ ومن أخطائه رضي الله عنه أنه قد عين الأشتر النخعي الذي وصفته أم المؤمنين صَفِيَّة بأنه كلب، ودعت عليه أم المؤمنين عائشة، واعترف أن جماعته قتلت خير الناس وهو عثمان بن عفان رضي الله عن الصحابة أجمعين، وقال عن موته بشربة عسل عمرو بن العاص: ((إن لله جنودا من عسل)) كما عند البخاري في التاريخ الكبير والصغير، وحوّل عنه بصره عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحذّر من شرّه وكانت فراسة منه، هذا المقبور عيّنه علي بن أبي طالب واليا على مصر وأرسله إليها سنة: 37 هـ، وهو من هو في الغدر والخيانه، فقد كان من رؤوس الفتنة على عثمان رضي الله عنهم جميعا، الشيئ الذي يؤاخذ عليه علي وهو من هو في حب صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببنتين له عثمان بن عفان لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم له، فما من صحابي علم بحب رسول الله لأحد إلا أحبه فذلك دين لأن النبي يوحى إليه وهم وقّافون عند الوحي رضي الله عنهم جميعا. ومن أخطائه رضي الله عنه أنه قد عيّن محمد بن أبي حذيفة واليا على مصر والتعيين حق للخليفة ولا جدال ولكن الرجل كان شديدا على عثمان طعن فيه وأنكر جميله ودعا إلى خلعه الشيئ الذي لم يفعله علي ولا الحسن ولا الحسين، والحسن والحسين بعلم علي وأمره كانا من حراسه يذودان عنه، تم قتل عثمان رضي الله عنه من طرف شيعة علي سنة: 36 هـ والفعلة في التولية من علي للقاتل أو للمحرض على القتل أو للمشارك فيه مدخل للطعن فيه، وقصور في فهم لؤم الرجل فهل نعادي عليا عليها؟ كلا، بل نحبه لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولكونه صحابيا جليلا، ولكونه من النَّقَلة الأمناء لهذا الدين العظيم إلينا، ومن هنا جنسية ولا يجوز أن تفهم بعضية لأن القرآن الكريم أثنى على جميع الصحابة رجالا ونساء، وجعلهم جميعا عدولا. ومن أخطائه تعيين محمد بن أبي بكر واليا على مصر، وقد دعت عليه أخته أم المؤمنين عائشة، وسماه الحسن البصري بالفاسق، هذا الفاسق التقى بجيش معاوية فكسره وقتله، ثم أُدْخل في جوف حمار وأُحرق. إن فكرة العصمة لإمام واحد أو لعدة أئمة تقضي أن يكون الإمام حجة وهو كذلك في الدين الشيعي، فعندهم أن أئمتهم حجة الله على خلقه في أرضه بعد الأنبياء والرسل، وهذا يعين الحضور للإمام وليس الغياب، فكيف لا يوجد إمام حجة على الناس لا يراه الناس ولا يتصلون به ولا يسألونه ولا يقودهم؟ كيف يكون حجة وهو غائب ولا شيء خلّفه للناس من كتاب أو علم منقول على لسانه بالأسانيد الصحيحة مضبوط محكم؟ وإذا كان كذلك وهو غير موجود قطعا لأن جميع الأئمة الذين يقول الشيعة الإمامية بإمامتهم بدءا من علي بن أبي طالب وانتهاء بالأسطورة محمد بن الحسن العسكري لم يخلفوا لنا كتابا واحدا يحفظ علمهم وفقههم، وإذا زعموا العكس فليخرجوه لنا. كيف يكون معصوما من تخاصم ذات يوم مع ابن عمه الحسن المثنى ولد الإمام الحسن، فقال زين العابدين له: ((إن كنتَ صادقاً فيما قلتَ فغفر الله لي، وإن كنتَ كاذباً فيه فغفر الله لك))؟. كشف الغمة للإربلي الاثناعشري 2/287. كيف يكون معصوما من كان في يوم يصلي ويدعو ويبكي" أي زين العابدين"، فقيل له: ((إنك إبن رسول الله ولك شفاعة جدك ورحمة الله، فقال (ع) إن الله تعالى يقول: "فلا أنساب بينهم يومئذ"، وقال تعالى: "ولا يشفعون إلا لمن إرتضى"، وأما رحمة الله فهي قريبة من المحسنين، ولا أعلم أني محسن))؟. كشف الغمة للإربلي الإثناعشري 2/319. كيف يكون معصوما من يأخذ علمه من غير المعصومين وقد أخذه زين العابدين من زيد بن أسلم بحيث كان يتردد على المجالس العلمية للاستفادة منها وأخذ العلم من شيوخها ومنها مجلس زيد بن أسلم فقيل له من تعجُّب: ((أنت سيد الناس وأفضلهم، وتذهب الى هذا العبد فتجلس عنده (يقصد زيد بن أسلم) ؟! فقال (ع) ينبغي للعلم أن يُتبع حيثما كان))؟ كشف الغمة للإربلي 2/291. كيف يكون معصوما من كان يحب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ودين الشيعة يكرههم ويسبهم خصوصا كبراء الصحابة كأبي بكر وعمر وغيرهما؟ كيف يكون معصوما من يخالف ما عليه الشيعة في دينهم الذي ليس هو دين علي بن الحسين زين العابدين؟ فقد روى الإربلي أن زين العابدين سمع بعض أهل العراق يطعنون في أبي بكر وعمر وعثمان، فغضب وسألهم ((هل أنتم من المهاجرين الأولين الصادقين، قالوا: لا، فسألهم هل أنتم من الأنصار الذين يحبون من هاجر إليهم ، فقالوا: لا، فقال :- وأنا أشهد أنكم لستم من الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا إغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، أخرجوا عني، فعل الله بكم؟)). كيف يكون معصوما من دل فعله على عدم علمه بحديث للنبي صلى الله عليه وسلم يحث عن العتق؟ ففي ذات المصدر ـأنه ذات مرة سمع أحدهم يروي عن أبي هريرة عن النبي حديثاً يحث على العتق، فقال (ع): ((أنت سمعتَ هذه من أبي هريرة؟ فقال الرجل: نعم، فقال (ع) لغلامه: أنت حر لوجه الله تعالى)). كيف يكون معصوما من لم يخبر عمه بحقه في الإمامة وقد جاءه بعد استشهاد الحسين رضي الله عنه من يزعم أنها له، جاء عم زين العابدين محمد بن الحنفية إلى علي السجاد (ع) فقال له: يا ابن أخي، أنا عمك وصنو أبيك وأسنّ منك، فأنا أحق بالإمامة والوصية )). البحار 92/160. كيف لم يكن يعرف ولد علي بن أبي طالب؛ محمد بن الحنفية أن الإمامة والوصية لعلي زين العابدين؟ ألم يخبره أبوه بها وبالتسلسل الوارد عنها في رواية سليم بن قيس الهلالي؟ ألم تكن الوصية معلومة لدى آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كيف لم يقل علي زين العابدين لعمه أن الوصية إلي وليست إليك؟ ألم يكن محمد بن الحنفية هو حامل الراية في معركة الجمل وصفين؟ لمَ لم يعط أمير المؤمنين علي الراية لأحد ولديه الحسن أو الحسين؟ لم أعطاها لمحمد بن الحنفية؟ ألم يكن عليٌّ يخشى عليهما؟ ألم يكن يعرف قوة محمد ومهارته في القتال بل وتخويفه لخصمه ببدنه الذي زاده الله فيه بسطة؟ ألم يكن يشار إليه بالبنان هو وعبد الله بن الزبير خصوصا حين قدم رجلان من عند هرقل يتفاخران بقويتيهما وعظمة بدنيهما فأُخرج إليهما محمد بن الحنفية وعبد الله بن الزبير وتصارعوا فصُرع الروميان ولم يكتف محمد بن الحنفية بالمصارعة، بل طالب خصمه أن يرفعه من على الأرض فلم يقدر، ثم طالبه أن يتمدد على الأرض ليرفعه هو فرفعه؟ ألم يكن يخيف خصومه بمظهره؟ لم كان يخشى علي أمير المؤمنين رضي الله عنه على الحسن والحسين من القتل؟ ألم يكن يقول لجنوده في صفين بحسب راوية في البحار: ((أملِكوا عني هذين الفتيين، أخافُ أن ينقطع بهما نسل رسول الله (عليه الصلاة والسلام) بحار الأنوار 42/ 99. كيف عرف علي بن أبي طالب الأئمة واحدا بعد واحد إلى المنتهى محمد بن الحسن العسكري ثم يخاف على الحسنين من القتل؟ أليسا هما الإمامان من بعده؟ فكيف يخشى عليهما القتل وهما حتما سيكونان إمامين من بعده؟ أليس تصرفه دليل جهل بمصيريهما؟ أليس التخوف من القتل دليل على خرافة الوصية؟ الإمام لا يكون إماما إلا بعد وفاة الإمام الذي سبقه، وعلي إمام لا يمكن أن يكون ابنه الحسن إماما في حياته لن يكون إماما إلا بعد موته هو وكذلك الحسين لن يكون إماما بحسب الترتيب إلا بعد وفاة أخيه الحسن فما الدافع للخوف على حياة الحسنين وهما سيعيشان بعده ليكونا إمامين وقد علم بذلك في رواية سليم بن قيس الهلالي؟ لماذا بايع ولد علي بن أبي طالب وأخو الحسن والحسين عبيد الله بن النهشلية بالخلافة؛ عبد الله بن الزبير؟ لقد بايعه على الخلافة كما في معجم رجال الحديث للخوئي والبحار، ثم قتله المختار الثقفي، ألم يكن يعرف بالإمامة وتسلسلها؟ ألم يسمع من أبيه عن العقيدة الاثنا عشرية شيئا؟ هل تنكر لها وعُدّ في المنافقين؟ معجم رجال الحديث للخوئي 12/89 ، البحار 13/308. ما قيمة الإسلام وشريعة الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إلى من يرجع الناس في حاجاتهم؟ هل يرجعون إلى قرآنهم وقد ثبت بالعقل أنه كلام الله وثبت بطريق التواتر أن ما جاء به رسول الله وثبت أنه قد حفظ بطريق التواتر وثبت أنه معجز في كل شيء، ثم بعد ذلك يترك إلى غيره مما هو وهم وسراب؟ هل يرجعون إلى سنة نبيهم وهي مضبوطة ومحققة ولها أربابها من العلماء الذين نقلوها إلينا وحفظوها في كتب نقلت إلينا متواترة وآحادا من عصور قديمة في أمانة تامة أم يرجعون إلى أقوال موضوعة يظهر عليها الجهل وسوء التركيب؟ هل يرجع الناس إلى الموجود أم إلى المعدوم؟ هذا من جهة، أما من جهة أخرى تُبكِّت العدوّ وتخرس الدجّال وتحسم الأمر وتضرب بغيره عُرْض الحائط ما ورد في كتاب الله عز وجل، فهو يتحدث عن الحجة ولكنه لم يجعلها في الأئمة، بل جعلها في أنبيائه ورسله، اقرأ قوله تعالى في سورة النساء: ((رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165). واقرأ لعلي بن أبي طالب فيما نسب إليه قوله: ((حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم حُجَّتُه)). نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، تحقيق الدكتور صبحي الصالح، قم، انتشارات دار الهجرة، الخطبة 91 المعروفة بخطبة الأشباح، ص:134 ـ 133. فأي الحجتين أوجب وأبلغ؟ هل حجة الله في الأنبياء والرسل؟ أم حجة الضلاّل الدجاجلة بجعل الحجة في أناس غير أنبياء ولا رسل؟ قال تعالى: ((قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149))) الأنعام. وقال جلّ من قائل: ((وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)) الشورى. ============================ الإمامية عنصرية الإمامة أصل من أصول الدين عند الشيعة الإمامية، فمن لم يعتقد بإمامة علي ابن أبي طالب والأئمة من ذريته المعينين من بعده وهم اثنا عشر إماما تقليدا لعدد أسباط اليهود المذكورين في القرآن الكريم؛ خرج من ملة الإسلام. الإمامة رئاسة عامة للمسلمين في الدين والدنيا ولا حق لأحد فيها إلا علي وبعض من ذريته ممن سماهم الرافضة دون غيرهم وجعلوهم اثنا عشر إماما، فهي حق إلهي لهم وحدهم دون غيرهم يقلدون في ذلك رجال دين النصرانية في القرون الوسطى، وهي (أي الإمامة) رئاسة عامة حتى عند أهل السنة ولكن لا يحتكرها أحد، فهي حق لكل مسلم بالغ راشد عاقل عدل يختاره المسلمون، أو هي حق للأمة تنصِّب عليها من ترضاه ليسوسها بالإسلام ويطبق عليها شرعته. ويستشهد الرافضة على الإمامة المحصورة في علي وذريته المعينين من القرآن الكريم بقول الله عز وجل: ((إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد)) الرعد الآية: 7. وروى عبد الرحيم القصير، عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في قول الله عز وجل من الآية 7 من سورة الرعد قال: ((رسول الله المنذر، وعليّ الهادي، أما والله ما ذهبت منّا وما زالت فينا إلى الساعة)) غاية المرام: ص235 ب 31 ح 4. الناظر إلى الآية الكريمة بعين لغوية سليمة يجد أنها ابتدأت بأداة حصر، ثم جاءت بوصف مع ضمير المخاطب، والمخاطب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو المنذر حصريا، وليس غيره، ثم جاءت بخبر عن الهادي وجعلته لقوم ما، فإن كان علي هاديا فيجب أن يكون هاديا لقوم ما، لقومه مثلا من العرب دون غيرهم من الأعاجم، وهذا يبطل الاستدلال وينسفه من القواعد، كما يجعل الهادي متعددا إذ لكل قوم هاد، وعلي فرد هاد لقوم ما، وغيره أفراد هادون لأقوام ما، وعليه يظهر العهر اللغوي والدياثة العقلية في هذا الفهم الساقط، فالنبي صلى الله عليه وسلم منذر وهو هاد لعشيرته ولقومه وللبشرية جمعاء، وغيره من إخوانه الأنبياء والرسل منذرون لأقوامهم وهم هداتهم ولكنهم ليسوا لغير أقوامهم، هذا هو الفهم السليم لغة وعقلا وشرعا. أما قوله: "أما والله ما ذهبت منّا وما زالت فينا إلى الساعة" فقول لا يرقى إلى الكذب الصبياني فلو كان كذلك لربما تم تجاوزه لصغر عقل الكاذب، ولكن الكذّاب هنا بعقل كبير غارق في الصَّغار، وعليه لا يمكن أن يصدر هذا الكلام عن عربي يفهم اللغة العربية، فضلا عمن يفهم شرع الله كالباقر رحمه الله. ومن أحاديث العامّة التي يعتمدها الشيعة عندما تناسب ما هم عليه، وتأتي على قياس ما يتشهَّون (أي أحاديث غير الشيعة من أهل السنة) ما رواه عبد الله بن عمر، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم: ((بي أنذرتم، وبعلي بن أبي طالب اهتديتم ـ وقرأ:"ِإنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد . وبالحسن أعطيتم الإحسان، وبالحسين تسعدون وبه تشقون. ألا وإنّ الحسين باب من أبواب الجنّة من عانده حرّم الله عليه ريح الجنّة. غاية المرام: (ص235 ب30 ح6. ((وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7))) الرعد. ((يقول تعالى إخبارًا عن المشركين أنهم يقولون كفرا وعنادا: لولا يأتينا بآية من ربه كما أرسل الأولون، كما تعنتوا عليه أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن يزيل (2) عنهم الجبال، ويجعل مكانها مروجا وأنهارا، قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]. قال الله تعالى: { إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ } أي: إنما عليك أن تبلغ رسالة الله التي أمرك بها، {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [البقرة: 272]. وقوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، أي: ولكل قوم داع. وقال العوفي، عن ابن عباس في تفسيرهما: يقول الله تعالى: أنت يا محمد منذر، وأنا هادي كل قوم، وكذا قال مجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك. وعن مجاهد: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} أي: نبي. كما قال: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] وبه قال قتادة، وعبد الرحمن بن زيد. وقال أبو صالح، ويحيى بن رافع: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} أي: قائد. وقال أبو العالية: الهادي: القائد، والقائد: الإمام، والإمام: العمل. وعن عِكْرِمة، وأبي الضحى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قالا هو محمد [رسول الله] (3) صلى الله عليه وسلم. وقال مالك: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} من يدعوهم إلى الله، عز وجل. وقال أبو جعفر بن جرير: حدثني أحمد بن يحيى الصوفي، حدثنا الحسن بن الحسين الأنصاري، حدثنا معاذ بن مسلم بياع الهروي، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: لما نزلت: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره، وقال: "أنا المنذر، ولكل قوم هاد". وأومأ بيده إلى منكب علي، فقال: "أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي". وهذا الحديث فيه نكارة شديدة (4). "رواه ابن جرير في تفسيره، عن أحمد بن يحيى، عن الحسن، عن معاذ، ومعاذ نكرة، فلعل الآفة منه")) تفسير ابن كثير (4/434). الآية مكية في أكثر الأقوال، وعلي حينها صغير السن، ولكي يكون هاديا يجب أن ينضج، صحيح أنه رضي الله عنه قد نضج مبكرا ولكن لكي يكون هاديا فالأمر يحتاج إلى أن يكون قد تأهل للهداية والمتأهل للهداية يجب أن يكون عالما، وعلي عالم كبير وفقيه جليل وقاض موفق ولكن ليس في بداية سنوات عمره، بل بعد أن كبر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيوخ الإسلام أمثال أبي بكر وعمر وعامر بن هلال أبو عبيدة بن الجراح وغيرهم، ولا غرابة دون أن نسقط في القول التافه الذي يقول بعصمته. هذا القول يظهر ضعفه في علم الدراية أكثر منه في علم الرواية فهو متناقض مع ثوابت الإسلام، إنه قول من يهذي ويهرف بما لا يعرف، لقد مر معنا أن الهادي لا يمكن أن يكون عليا، كما أنه يمكن أن يكون عليا ولكن يشترك معه في كونه هاديا كل مسلم، فكل مسلم هاد، فهداه الطريق بمعنى دله عليها، ولكن الهداية إلى الشرع فخاصة بالأنبياء والرسل لأنهم الدالون عليها بوحي الله لهم، أما غيرهم ممن لا يوحى إليهم كأقوامهم فهم تبع لهم يتأسون بهم، وأما غيرهم أيضا ولكن من قوم محمد ومن البشرية جمعاء بعد ختم الرسالات برسالة الإسلام التي جاء بها محمد ومنهم علي وذريته فهم تبع لمحمد صلى الله عليه وسلم يتأسون به، ويشتركون معهم عند انقطاع النبوات في دلالة الناس على الطريق القويم (أي هدايتهم) ورثتهم من العلماء ومن العلماء ورثة محمد صلى الله عليه وسلم من ذريته ومن غير ذريته، ثم إن قوله: "وبالحسن أعطيتم الإحسان، وبالحسين تسعدون وبه تشقون. ألا وإنّ الحسين باب من أبواب الجنّة من عانده حرّم الله عليه ريح الجنّة" يجعل الباء في ذلك القول سببية، وإذا كانت كذلك فأين إرجاع الإحسان والسعادة إلى صاحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه هو الرحمة المهداة من الله عز وجل، ثم إن كان الحسن سببا للإحسان فقد فات الإحسان شهداء بدر، وإن كان الحسين سببا للسعادة فقد فات السعادة شهداء بدر لأنهم استشهدوا قبل ولادة الحسن، وإن كان الحسين بابا من أبواب الجنة فقد حرم من دخوله شهداء بدر لأنهم استشهدوا قبيل ولادته، ثم إن لفظ "عاند" لا مكان له هنا إذ يظهر عليه الإقحام دون سبب، ما هذا التخريف؟ هل يظنون أن غير الشيعة مثل الشيعة لا عقل لهم؟ وللزيادة في التوضيح أسوق لفظ الهداية فعلا وفاعلا، واسم فاعل وهو من وقع بواسطته الفعل أي فعل الهداية نجد أن القرآن الكريم قد تحدث كثيرا عن الهادي، فقد أوضح أن الله تعالى هو الهادي في قوله تعالى في سورة البقرة: ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213))) وقال تعالى في سورة الأنعام: ((وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)))، وقال تعالى في سورة الحج: ((وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)))، وأوضح أن النبي محمد وإبراهيم هاديان في قوله تعالى في سورة الشورى: ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)))، سورة مريم: ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)))، وأوضح أن القرآن هاد في قوله تعالى في سورة الإسراء: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)))، وأوضح أن غير النبي وغير الرسول من الناس هادين في قوله تعالى في سورة الأحزاب: ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24))) أي جعلناهم قادة وقدوة يهتدي بهم الناس، أي جعلناهم أئمة يتبعهم الناس ويتأسون بهم وهذا عن علماء بني إسرائيل ولكنه عام في كل هاد إلى الخير وهو الإسلام من المسلمين علماء وغير علماء، صحيح أن الأئمة يتميزون بعلمهم وفقههم ومنهم آل بيت النبي ولكنهم بالتأكيد لا يحتكرون الهداية إذا ما دلوا على الإسلام أو على شيئ واحد منه، فكل تابع لمحمد بن عبد الله رسول الله والهادي إلى صراط الله العزيز الحميد، وعليه فالهداية بمعنى الدلالة هي لله ولرسله ولكل الناس، بل إن فرعون هاد أيضا بمعنى الدلالة، أي يدل على الشر ويهدي الناس إليه قال تعالى: ((يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)). ومن الاستشهاد على الإمامة قول منسوب لعلي بن أبي طالب: ((ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه)) نهج البلاغة: (الرسائل ص78 من الطبعة المصرية الكتاب 45). هذا القول يقضي أن يحضر الإمام لا أن يغيب الغيبة الكبرى حتى يقتدى به ويستضاء بنور علمه، وبما أنه غائب بطل هذا القول، كما أن لكل مأموم إماما يقضي ألا يتحول الإمام إلى مأموم وقد حصل، فالحسن والحسين وعلي زين العابدين كانوا حضورا وهم أئمة وإمامهم في حياتهم كان علي بن أبي طالب الشيئ الذي جعل منهم أئمة ومأمومين، وقد كان غيرهم أيضا، فكيف نوفق بين قوله: "لكل مأموم إماما يقتدي به ويستضيئ بنور علمه"؟ يظهر أن الإقحام ديدن الكذبة وليتهم يتقنون الإقحام. الإمامية نسبة إلى جماعة الشيعة الذين قالوا بأن النبي محمدا قد نص على إمامة علي بن أبي طالب من بعده، ويعتبرون أئمتهم الذين يعتقدون في إمامتهم دون غيرهم اثني عشر إماما؛ الإمام الأول علي بن أبي طالب، والثاني الحسن بن علي، ثم انتقلت إلى أخيه الحسين بن علي واستمرت في عقبه حتى جعفر الصادق، ثم شوش عليهم الإمامية الإسماعيلية وقالوا بأن الإمامة بعد جعفر الصادق انتقلت إلى ابنه إسماعيل وليس إلى موسى الكاظم إمام الإثني عشرية، والاثنا عشرية هم: محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن أبي عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الإمام الثاني عشر وهو الأول عند الإمامية الإثني عشرية وهو جدهم جميعا. ولد الحسن العسكري سنة: 231 هـ أو سنة: 232 هـ ومات سنة: 260 هـ أي أنه عاش 29 سنة، وولده المهدي المنتظر ازداد سنة: 255 هـ أي أنه قضى مع أبيه في حياته 5 سنوات فقط، ثم مات (أي الوالد؛ الحسن العسكري). إذا كان الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري وهو المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشرية بلحمه ودمه قد فقد أباه الحسن العسكري وهو في سن الخامسة من عمره، فمعنى ذلك أن غياب الإمام في ذلك الوقت أمر محقق، لا أتحدث عن الغيبة الصغرى التي دامت سبعين سنة تقريبا (69 سنة وبضعة أشهر) وهي العمر المقتطع من الأربعة الذين أداروا عقيدة الشيعة الإمامية من بغداد، أداروا عقيدة الشيعة واحدا بعد واحد وهم بالترتيب: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد بن عثمان بن سعيد العمري (أبو جعفر)، والحسين بن روح (أبو القاسم)، وعلي بن محمد السَّمَري (أبو الحسن)، لا أتحدث عن هذا الآن، سأتحدث عنه إن شاء الله لاحقا، فقط أريد لفت النظر إلى عقيدة جديدة ظهرت مع الغيبة الصغرى وهي نضج غلمان آل بيت رسول الله ، فإذا كان غلمان آل بيت النبي ناضجون فما بالهم حين كانوا صبيانا يدللهم رسول الله ويداعبهم ويخاطبهم بصفتهم يجهلون كل شيء وهم ينضجون بين يديه يهجّيهم فيتعلمون منه، يحرِّفون الحروف والكلمات كسائر الصبيان عند تعلمهم في الصغر ولم يثبت نضج الحسن ولا الحسين إلا بعد مرورهما على الطريق الطبيعي الذي يسير فيه كل مولود بشري إلا أن يكون قد أجرى الله على يديه معجزة كحال عيسى على نبينا وعليه السلام حين كلم الناس في المهد وكلم أمه وهو في رحمها وكان كلامه ناضجا يدل على عقل دون المرور على الطريق الطبيعي الذي يسلكه كل الناس، هذا قد حصل مع نبي رسول ولكن وللتنبيه فإن ما ظهر على يد عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام من معجزة تكليم الناس في المهد لم يستمر بحيث تربى صبيا غير ناضج وشرع ينضج كسائر الصبيان في بيت أمه أو مربيه ولم يثبت أن عيسى ظل ناضجا منذ كلم الناس في المهد ولو كان لما خفي ولن يكون إلا معجزة ولكنه لم يكن بحيث أنطقه الله في المهد مرتين اثنتين الأولى لطمأنة أمه عند المخاض، والثانية لتبرئتها مما رموها به من بهتان واتهام بالزنا وإخبارهم أنه نبي رسول قال تعالى: ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35))) مريم. وقال تعالى: ((إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110))) المائدة. وقال تعالى: ((إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45))) آل عمران. وقال تعالى: ((يا أهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171))) النساء. والحسن والحسين ليسا نبيين ولا رسولين، وعليه فقد مرا على نفس الطريق المسلوك من طرف كل إنسان إلا أن يكون معجزة كما قلت، وهذا لم يحصل لسيد الخلق وهو أفضل منهما ومن العالمين، وهما أفضل من أحفادهما وذريتهما إلى يوم القيامة لأنهما صحابيين وسيدا شباب أهل الجنة ولكن يستحيل أن يكونا أفضل من عيسى وموسى وهارون ويحيى وسائر الأنبياء والرسل على نبينا وعليهم السلام.. كيف ينضج جد الإمام المهدي وينضج حفيده المزداد سنة: 255 هـ على خلاف في حقيقة وجوده أصلا لأنه مجرد وهم وأكذوبة خلقها النصّابون على الناس ممن كانوا (شيعة) لآل بيت النبي ؟. الأمر ليس مقتصرا على المهدي فقط، بل تجاوزه إلى من قبله ممن استلموا الإمامة وهم صبيان، فكيف كانوا يديرون دين الشيعة ويفتون لهم وهم بالعلم جاهلين وعن الفهم قاصرين لأن العلم والفهم يحتاجان إلى وقت يحصل فيه التعلم والتحصيل؟ كيف يكون ذلك في حق محمد بن علي الجواد وقد تولى الإمامة وهو ابن 8 ربيعا، وتولى علي بن محمد الهادي الإمامة وهو ابن 8 ربيعا أيضا، وتولى الحسن العسكري الإمامة وعمره 22 ربيعا، وتوفي سنة: 260 للهجرة، وبوفاته تولى الإمامة محمد بن الحسن العسكري سنة: 260 هـ وهو من مواليد سنة: 255 هـ ومعناه أنه أصغر الأئمة توليا للإمامة ومسؤولية إدارة دين الشيعة ومذهبهم والإفتاء لهم؟.. فأصغر الأئمة الذين تولوا الإمامة والمسؤولية هم محمد بن الحسن بخمس سنين، ثم علي الهادي ومحمد الجواد بثمان سنين، والحسن العسكري باثنين وعشرين عاما ولنا مع العسكري وقفة لأن له تاريخ ميلاد غير الذي ذكر وفيه إشكال كبير سنناقشه إن شاء الله في حينه عند مناقشة تواريخ استلام المعصومين للإمامة.. كيف ينضج أولئك جميعا وفي نضجهم مخالفة لسنن الطبيعة؟ كيف يكون ذلك وهو معجزة والمعجزة قد انقطعت بانقطاع النبوات؟ كيف يمكن لذهن بشري أن يفسح المجال لمكان فيه حتى تعشش هذه الخرافات؟ هل لا يزال في الناس من سيصدق الخرافات؟. إذا أنتم وضعتم أصابعكم على رؤوس صبيانكم ممن هم في الشهر الأول من أعمارهم والشهر الثاني والثالث والرابع فستلاحظون رخاوة في وسط الرأس مكان المخ ومعنى ذلك أن المخ لم ينضج بعد لأنه يحتاج إلى وقت ومراحل يقطعها في التكوين، فكيف ينضج كلام لبشر قبل نضوج مخه؟ لا يكون ذلك أبدا إلا إذا كان معجزة كما هو الشأن مع عيسى على نبينا وعليه السلام فهو الذي تكلم كلام العقلاء ثم عاد إلى طبيعته الصبيانية، وهو الذي سيكلم الناس في كهولته التي لم تتحقق بعد لأن الله رفعه إليه وهو في سن الثلاثين وهي سن لا يقول عنها العرب أنها سن الكهولة، فسن الكهولة هي سن الأربعين فما فوق وهي إشارة إلى أنه فعلا سيأتي وسيصير كهلا قال تعالى: ((تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا)). وعند النظر إلى زعمهم النص على علي بن أبي طالب والأئمة من بعده بأسمائهم ما جاء في الكافي: ((عدة من أصحابنا، (عدة عند الكليني في كتابه الكافي مقسمة إلى أبواب هي: أحدها: عدّة أحمد بن محمّد بن عيسى. وهم: محمّد بن يحيى، وعليّ بن موسى الكمنداني، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم. ثانيها: عدّة أحمد بن محمّد بن خالد البرقي. وهم: عليّ بن إبراهيم، وعليّ بن محمّد بن عبد اللّه بن اُذينة، وأحمد بن عبد اللّه بن اُميّة، وعليّ بن الحُسين. ثالثها: عدّة الحسين بن عبيد اللّه. وهم: أبو غالب أحمد بن محمّد الرازي، وأبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، وأبو محمّد هارون بن موسى التَلْعُكبري، وأبو عبد اللّه بن أبي رافع الضميري، وأبو المفضّل الشيباني محمّد بن عبد اللّه بن محمّد. رابعها: عدّة سهل بن زياد. وهم: عليّبن محمّد بن علان، ومحمّد بن أبي عبد اللّه، ومحمّد بن أبي الحسن، ومحمّد بن أبي عقيل الكليني. فالثلاثُ صحيحةٌ. والأخيرة فيها محمّد بن أبي عبد اللّه، فإن كان هو محمّد بن جعفر بن عون الأسديّ الثقة فصحيحةٌ أيضا وإلّا فلا. ذكر ذلك الشيخ الحافظ مهذّب الدين أحمد بن عبد الرضا البصري، من تلامذة المحدّث الشيخ الحرّ صاحب وسائل الشيعة، في كتابه المسمّى بـ"فائق المقال في الحديث والرجال". وحيث إنّه كان مخطوطا بعيدا عن أيدي المحقّقين والطلاب، عزمنا بتوفيق اللّه – عزّ وجلّ - في مركز بحوث دار الحديث على جمع نسخه، ثمّ تصحيحه ونشره. وقد تمّ بحمد اللّه وتوفيقه تحقيقه على يد الشيخ الفاضل غلا محسين القيصري. قسم إحياء التراث، مركز بحوث دار الحديث، 11 ربيع الثاني 1422، 12 تير ماغه 1380، قم المقدسة) عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه الحسن بن علي عليه السلام وهو متكئ على يد سليمان فدخل المسجد الحرام فجلس إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلم على أمير المؤمنين، فرد عليه السلام فجلس، ثم قال: يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهن علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما قضى عليهم وأن ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم وإن تكن الأخرى علمت أنك وهم شرع سواء. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام سلني عما بدا لك، قال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟ فالتفت أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن فقال: يا أبا محمد أجبه، قال: فأجابه الحسن عليه السلام فقال الرجل أشهد أن لا إله إلا الله ولم أزل أشهد بها وأشهد أن محمدا رسول الله ولم أزل أشهد بذلك وأشهد أنك وصي رسول الله صلى الله عليه وآله والقائم بحجته - وأشار إلى أمير المؤمنين - ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته - وأشار إلى الحسن عليه السلام - وأشهد أن الحسين بن علي وصي أخيه والقائم بحجته بعده وأشهد على علي بن الحسين أنه القائم بأمر الحسين بعده وأشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي بن الحسين وأشهد على جعفر بن محمد بأنه القائم بأمر محمد وأشهد على موسى أنه القائم بأمر جعفر بن محمد وأشهد على علي بن موسى أنه القائم بأمر موسى بن جعفر وأشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي ابن موسى وأشهد على علي بن محمد بأنه القائم بأمر محمد بن علي وأشهد على الحسن بن علي بأنه القائم بأمر علي بن محمد وأشهد على رجل من ولد الحسن لا يكنى ولا يسمى حتى يظهر أمره فيملأها عدلا كما ملئت جورا والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم قام فمضى، فقال أمير المؤمنين: يا أبا محمد اتبعه فانظر أين يقصد فخرج الحسن بن علي عليهما السلام فقال: ما كان إلا أن وضع رجله خارجا من المسجد فما دريت أين أخذ من أرض الله، فرجعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأعلمته، فقال: يا أبا محمد أتعرفه؟ قلت: الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم، قال: هو الخضر عليه السلام)). أصول الكافي، الجزء الأول ص: 526 و 527. من أين نبدأ من أجل تثبيت النص على الأئمة بعد رسول الله ؟ النص الذي معنا نص إنشائي لتلميذ يتعلم كتابة الإنشاء، أو طالب يجتهد في تعلم التعبير. كيف نسي مؤلف النص أن يجيب على ثلاثة أسئلة وردت في نصه حتى لا يخفى علمها أو يكتم أمرها وقد خفي وكُتم، علمٌ عن ذهاب الأرواح ومكانها، وعلمٌ عن علة النسيان والتذكُّر أو كيفية حصولهما، وعلمٌ عن سبب شبه الأبناء بأعمامهم وأخوالهم، كل ذلك ضاع ورام التكتم عليه وهو توطئة لقبول ما سيأتي بعده، فأين ذهب؟ علما بأن السؤال واضح عن ثلاث مسائل هي: "أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟". جاء بكلام أقحمه إقحاما ولم يمهد له بأية كلمة، فالحديث عن تعيين الأئمة بأسمائهم حديث لم يسبقه بسؤال حتى يأتي الكلام عنهم مناسبا، فكيف يؤلف هذا التلميذ كلامه؟ لا شك أنه معذور لتعلمه فن الإنشاء، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالموضوع متعلق بدين وفكر ومبدأ ومذهب، فالرجل يحاول إثبات الولاية بالنص لعلي ولأحفاده من بعده، وأن ما ساقه لنفس الغرض ولتلك الغاية غير مناسب تماما، وغير مناسب أيضا نسبة محمد بن الحسن العسكري إلى الحسن وليس إلى الحسين. هذا من جهة. ما هذا الاستخفاف بعقول الناس؟ ثم يبدأ في وضع الأسانيد المخترعة والتي لا واقع لها، وإذا تمت محاججتنا على أن الأسانيد واقع، نقول طيب، لنترك الأسانيد ونناقش ما جاء فيها، ففي النهاية يثبت النص أن الخضر يضع بصمته وينصب الأئمة ويسميهم دون أن يرد ذلك إلى رسول الله ، ولنقل أن ذلك ليس من ضمن الحديث المنقطع الذي لا يحتج به نظرا لغياب راو غير معروف وقد يكون غير ثقة وهذا صواب، بل هو من الحديث المرسل وإن كان به راو غير معروف، أي راو محذوف ولكن لا يرد ولا يطعن فيه إذا كان الراوي صحابيا لأن الصحابي ثقة وإن كان غير معروف وقد دل على ذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة وعليه إذا قال التابعي قال رسول الله قبلنا منه لأنه قد سمع الصحابي فروى عنه، أما إذا روى عن تابعي مثله فقد يكون التابعي الآخر غير المعروف والذي لم يذكره لنا غير ثقة وهذا معقول، وإذن الحديث المرسل يستشهد به ولا بأس ولكن ما معنا مما سطرناه عن الكافي ليس من الحديث المرسل فلا بد له من أسانيد توصله إلى الصحابي الجليل علي بن أبي طالب لأن عدم ذكر النبي بالنسبة للصحابي لا يضعف الحديث، ولكن لا بد من التمييز بينه وبين كلام النبي، أي لا بد من الحرص على عدم الخلط بين كلام الصحابي وكلام النبي، فكلام الصحابي كلام رجل يخطئ ويصيب، وكلام النبي وحي، أما الرجل الذي روى عن الصحابي فلا بد من ذكره لينظر إليه في علم الرجال، ولكن ذلك الرجل الذي روى عن الصحابي هنا منقطع إذ يبدأ مباشرة بالرواية عن جعفر الثاني وهذا يحكم بعدم قبول الرواية، ولنذهب إلى شيء هام جدا وهو أن الحديث يتضمن خبرا له علاقة بالعقيدة، والعقيدة تحتاج إلى دليل عقلي أو نقلي أو هما معا، فإن كان الخبر في القرآن فدليله نقلي وعقلي ذلك أن القرآن ثبت أنه كلام الله بالعقل فكان ما جاء فيه قد ثبت هو أيضا بالعقل لأن ما ثبت أصلا بالعقل يدل على أن جميع مغيباته قد بنيت على العقل، وأما النقل فيكفي ذكر ما جاء في النص عن الوصية والتعيين وهو غير موجود قطعا. وما يلفت النظر في النص أكثر هو عنصر الغرائبية وهي لا تصلح إلا في الأدب، فهل نحن مع قاص مبتدأ أو روائي لم يخبر فن السرد، أم مع عالم مفكر وباحث؟ كيف يأتي الرجل بالخرافة ويبني عليها معتقداته ليضل بها الشيعة ضلالا بعيدا؟ أين هو الخضر الذي التقى بعلي ولم يتشرف بلقاء رسول الله ولم يعرفه نبي الله محمد إلا من خلال الوحي وفي سورة الكهف ومعرفته له في القرآن قد كانت بغير اسمه، بل بذكر صفته وهي العبد الصالح الذي آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علما ليعلّم نبي بني إسرائيل موسى على نبينا وعليه السلام؟ وقصة ذلك واردة في القرآن العظيم قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82))) الكهف. فهل كان الخضر هو جبريل أمين الوحي وكان علي أو الحسن رضي الله عنهما نبيين أو رسولين؟ ما هذه الحماقات؟ هل عاش الرجل الصالح إلى حين لقائه بعلي بن أبي طالب وقد كان بينه وبينه آلاف السنين؟ ولم لم يتشرف بلقاء من هو أفضل من علي؛ رسول الله ؟ هل كان الرجل حيا يرزق في حياة علي؟ وإذا كان كذلك، فهل يكون ما جاء به حجة؟ كلا، الحجة مع الرسول وليس مع الرجلين الصالحين علي والخضر، وكيف يشهد الخضر على غيب لم يعرفه؟ هل عرف الغيب قياسا على قصته في سورة الكهف؟ كلا، الأمر مختلف، والنتيجة أننا مع أناس أغبياء يستغبون الناس. وإذا تتبعنا الكذّاب بغية الإيقاع به وفضح كذبه نجد أنه يذكر المسجد الحرام، والمسجد الحرام في مكة المكرمة، وعلي يعيش ويحيا في المدينة المنورة، وقد كان آخر عهد به (أي المسجد الحرام) قبل لقاء الخضر كما يزعمون في حجة الوداع، فكيف التقى به في الحرم المكي؟ هل طار علي بن أبي طالب وأطار معه الحسن ليلتقوا بالخضر فيحدثهم الحديث وينص عليهم وعلى من بعدهم كما في الحديث المزعوم؟ قصة الوصية كانت بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع لأن الوصية كانت في الطريق بعد أن ذهب الناس إلى حال سبيلهم وبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سكان المدينة ومن هم في الطريق ويقدر عددهم بعشرين ألفا وقد كانوا في حجة الوداع بعدد 120 ألفا، وعليه فالوصية بحسب زعمهم يجب أن تكون بعد الرجوع من حجة الوداع فكيف جعلت قبل حجة الوداع؟ وإذا زعم أنها بعد حجة الوداع فيجب أن تكون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يدخل في الدين غريب عنه ويزيد فيه الوصية وهو الخضر ويترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن الأمر لا يعنيه وهو من جاء بالرسالة الخاتمة، كيف يمكن أن تكون الوصية وهم يشهدون أن حجة الوداع هي التي كانت بها الوصية وفي الرجوع منها تحديدا ولا خلاف بين الشيعة والسنة فيما جرى في الطريق إلى المدينة من مكة المكرمة وهو موضوع الكساء والغدير؟ كيف تأتي الوصية في حديث الخضر بعد حجة الوداع؟ ألم تتحدث عن المسجد الحرام الذي شهد هذه الرواية؟ ألم يزعموا أن عليا كان في المسجد الحرام هو والحسن وفيه التقوا جميعا وفيه تم كشف الوصية والتنصيص على الأئمة الاثني عشر؟ كان علي في حجة الوداع مع أهله وذريته وفي الطريق حصل موضوع الكساء وموضوع الغدير فكيف يعود علي إلى مكة المكرمة ومعه الحسن وهو ابن ست سنين أو سبع سنين؟ كيف يصطحب علي معه الحسن وهو طفل صغير دون رفقة أخيه الحسين وأمه فاطمة الزهراء وهي حية ترزق لأن حادثة الكساء والغدير كانتا بعد الرجوع من حجة الوداع وحجة الوداع هي الفيصل في التواريخ والأحداث والسنوات لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؟ يعود علي إلى المسجد الحرام ليلتقي بالخضر وهو لم يغادر المدينة بعد رجوعه من مكة قطعا ويقينا على الأقل في الفترة القصيرة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من حجة الوداع ولم يغادر في خلافة أبي بكر حتى حج عمر بالناس ومعهم أمهات المؤمنين إلا أم سلمة فكيف نوفق بين الواقع القطعي والتاريخ المحقق وبين الرواية؟ هل من مزيد من الكذب الغبي على الله وعلى رسوله وعلى آل بيت النبي وعلى الرجل الصالح وعلى الناس والتاريخ؟ أما من حياء يعلوا الوجوه العاقلة أم ليس هناك عقل؟ هل الدواب أعقل أم الشيعة؟ إن الإمامة أصل من أصول الدين الشيعي، ولقد أعيتهم الحيل لإثباتها بنص قطعي الدلالة من القرآن الكريم أو من حديث النبي المتواتر فتخبطوا في دينهم خبط الخنازير في الوحل وشرعوا يخترعون الأكاذيب الغبية ليثبتوا ما لم يثبت قط ولن يثبت أبدا فكان أن ازدادوا ضلالا بعنادهم في إثبات الوهم فافتروا على الله الكذب وقالوا بنقص القرآن وتحريفه وأن ما فيه دلالة على الإمامة قد أزيل من طرف أعداء آل بيت النبي على حد تعبيرهم، والقرآن الذي يثبت الوصية لعلي ولآل بيت النبي لم يظهر قط وهو موجود في عقولهم المريضة معطلا لا يستفاد منه عند الأسطورة محمد بن الحسن العسكري، وعليه فإن الشيعة منذ الغيبة الكبرى دون دين إلا دين التشهي والهوى، ودون هداية إلا من المعممين الذين يهدونهم هداية فرعون لقومه. ===================== وصية النبي لعلي بن أبي طالب بالخلافة بعده عقلا وشرعا لا تجوز بالنظر إلى النصوص الشرعية عند أهل السنة يتبين أنه لا يوجد نص واحد على استخلاف علي بن أبي طالب بعد الرسول محمد ، لا يوجد نص واحد يدل على الاستخلاف في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة، وما ورد من نصوص السنة الصحيحة في الكتب المعتمدة عند المسلمين كالبخاري ومسلم وغيرهما فليس فيها ما يدل على الوصية والاستخلاف السياسي، بها وصية بأهل بيت النبي خيرا ولا يفهم منها الوصية لحكم آل بيت النبي المسلمين وقيادتهم قيادة سياسية ولكن الشرع لم يحرمهم من ذلك لأنهم جزء من المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، حرمهم فقط من الصدقة وقد استخُلف علي بن أبي طالب خلافة سياسية وحكم لفترة معينة وكذلك ولده الحسن رضي الله عنهما، وقد حكم كثير من ذريته عبر التاريخ الإسلامي.. وأما بالنظر إلى النصوص غير الشرعية الواردة في كتب الشيعة فهي نصوص مكذوبة على رسول الله ، ومكذوبة على آل بيته الأطهار، وما وجد من نصوص منسجمة أو هي مما ورد عند أهل السنة فليست ذات بال لأن الأصل في غير كتب الشيعة، وليس في الكتب الشيعية القائمة على الكذب، فما يوافق كتب أهل السنة وما لا يخالف كتب أهل السنة لا قيمة له، وهم قد فعلوا ذلك تقيّة (أي نفاقا) من أجل الخداع، تلك الأحاديث الموضوعة وضعت لتثبيت الوصية التي قال بها أول من قال اليهودي اليمني عبد الله بن سبأ ولم تكن الفكرة مطروحة في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين.. وكان على رأس القائلين بنظرية "العصمة والنص والتعيين" أبو جعفر الأحول الملقب بمؤمن الطاق، وإسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار ويروون عنه أنه أول من تكلم على مذهب الإمامية، ويروي العلامة الحلي في الخلاصة أن هشام بن الحكم الكندي كان أو شخص فتق الحديث في الإمامة والنص والوصية بحسب تعبيره، والتاريخ يذكر أن جذور تلك الأفكار موجودة في حياة عبد الله بن سبأ وقد كان أول القائلين بالعصمة والغيبة وغيرها.. حتى إن زيد بن علي الذي تنتسب إليه الزيدية فوجئ بتلك الأقوال عندما ذهب إلى الكوفة ليعد لثورته، وللمفيد أن الإمامة بالنص والتعيين دليلها غدير خم بينما السيد المرتضى يرى النصوص بشأنها خفية وليست جلية. وفي مسألة التعيين وعند وفاة إسماعيل المفترض أن يكون إماما للاثني عشرية لأنه الإبن الأكبر ظهر البداء بسببه والذي يعني تغيير إرادة الله ليغطّوا على عدم النص على الإمام فترق الشيعة إلى عدة فرق، وكُذِّب الاثنا عشرية من طرف الزيدية واتُّهموا بوضع روايات اختلقوها لتثبيت مزاعمهم في الأئمة الذي أخرجوا للناس في رواياتهم قائمة بأسمائهم، ولكن الصدوق مثلا رفض البداء من أساسه ولم يعترف به، بينما الصفار والكليني والمفيد والطوسي فقد رووا حديث البداء وأكد الطوسي في تناقض واضح أن موضوع الإمامة لا يقبل البداء لأن نتيجته أن لا نثق بشئ من أخبار الله تعالى، وحاول المفيد تأويل معنى البداء من معنى تغيير إرادة الله إلى معنى الظهور، أي أن البداء معناه ظهور إرادة الله. موضوع الاستدلال على وصية رسول الله قتله العلماء بحثا وأخرسوا ألسن الشيعة الدجاجلة لأن الشيعة لا علم لهم بالحديث، بقي أن أناقش الموضوع من زاوية العقل ولكن بعد ما يلي:. إن الشيعة يتهمون الصحابة رضوان الله عليهم بكتمان الوصية وخصوصا أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما رغم أنف الشيعة، وعند أهل السنة حديث عن النبي موضوعه كتابة الوصية وقد كان ذلك في زمن وفاته بأبي هو وأمي ، أمرهم النبي أن يأتوه بدواة وقلم يكتب لهم ما به لن يضلوا بعده أبدا، وكان يغمى عليه بين الحين والآخر، ولحظتها قال عمر: "لعل الرسول يهجر"، والهجر لفظ عربي له عدة معاني ومن معانيه معنى استعمله عمر بن الخطاب في حضرة الصحابة وهم أهل لغة ولم يعب عليه أحد لعلمهم أنه تلفظ بلفظ عربي معناه صحيح في الموضوع والحادثة، بل والفاجعة فاجعة مرض رسول الله ، فقد رأى عمر حِبَّه وحِبَّ كل مسلم ومؤمن النبيَّ يتوجع من شدة الألم، وكان يشكوا رأسه ، وكان تحمّله للألم يفوق تحمل رجلين من أقوى الصحابة، والصحابة خير الناس في الصبر والبلاء والتحمل بعد الأنبياء والرسل، حين رأى عمر ذلك، ورأى غيبوبة النبي، أي غيابه عن وعيه وفياقه منه أدرك أنه في حال شديد بأبي هو وأمي فرقّ له وأشفق عليه حتى لا يلحّوا عليه في كتابة ما كان سيكتب لهم وقال: "حسبنا كتاب الله"، ولا يقال أين سنة النبي؟ لا يقال ذلك لأن كتاب الله يتضمن الإشارة إليها ويحث على اتباعها وهذا لا نناقشه لبساطته ووضوح أمره، فظهر من خلال ذلك كلام يصف الواقع كما هو وهو أن النبي ربما يكون يهجر، أي ربما يكون من شدة الألم والوجع والحمى قد بدأ يهذي، أي يتكلم كلاما لا يفهم، أو يقول قولا مختلطا، ولا يقال أن النبي لا يهذي، لا يقال ذلك لأن النبي رجل من الناس ينطبق عليه ما ينطبق على الناس، صحيح أنه لا يمكن أن يهذي في غياب ما يؤثر على صحته العقلية، والحمى الشديدة تؤثر على الصحة العقلية، وقد ثبت قطعا ويقينا أنه لم يهذ قط في فترة مرضه الذي توفي منه، بل كان يغمى عليه ويغيب عن وعيه كله وكأنه نائم، وحين يفيق رغم شدة ما ألمّ به بأبي هو وأمي يفيق وهو بكل قواه العقلية رغم معاناته، فلم يهذ قط في مرضه ولا يمكن أن يهذي عند الوحي، والوحي لم يظهر بعد، أي لم يعرف أحد ما كان سيوصي به، لأنه لم يوص، همَّ بالوصية ولكنه لم يوص، وقد هم بالتمثيل بالمشركين انتقاما لشهداء أُحد ولكنه لم يمثل، ولا يقال أنه قد كان على وشك الوصية لعلي بن أبي طالب، بل قد كان سيوصي له، لا يقال ذلك لغياب الدليل النقلي عليه ولبطلانه بالدليل العقلي واللغوي اللذان سنتطرق إليهما بعد حين، وظهر أيضا رحمة عمر على رسول الله ، فلو كان الوحي حاضرا لمنع عنه الحمى والوجع، بل حتى إذا لم يمنع عنه الوجع والحمى لا بد أن يُسْلم له وعيه حتى يبلِّغ عن ربه لأنه معصوم في التبليغ ، والنتيجة أن وصية النبي قد كانت ستكون من باب تحصيل الحاصل، كانت من أجل التثبيت لأبي بكر الذي قال فيه في الصحيح: ((عن أبي سعيد الخدري قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: "إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله". قال فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد خيرا، فكان رسول الله هو المخير، وكان أبو بكر هو أعلمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبو بكر"))، ثم بعد أبي بكر من باب تحصيل الحاصل عمر ثم عثمان ثم علي إن كان ذلك مما أطلعه الله عليه وهو غيب عنه ، أو للتثبيت لأبي بكر فقط إذا لم يكن قد أطلعه الله على غيب ما سيكون بعد أبي بكر وقد كان كذلك دون أن يفصح عن وصيته لأنه قد صار أبو بكر خليفة له وقد أشار إلى ذلك في عدة أحاديث في باب فضل أبي بكر خشية أن يقول قائل وقد قال الزنادقة الشيعة في ذلك الكثير. هذا من جهة، ومن جهة أخرى استعمل عمر لفظ "لعلَّ"، ولعل لغة تُستعمل للتوقُّع، فمعناها ترجّي المحبوب والإشفاق من المكروه وتختص بالممكن، والرسول بشر من الناس قال تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110))) الكهف، وقال تعالى: ((قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)) إبراهيم، ومن كان من البشر يشترك معهم في صفاتهم، وما ينطبق على الناس ينطبق على رسول الله ، وعمر يحيا ويعيش في زمنه وبصحبته وقد أحبه فوق ولده، ثم نفسه فأشفق عليه، وهذا وفاء من المحب لمحبوبه، وعمر لا يعلم الغيب، وقد توقّع كما يتوقع الناس ولكن توقُّعه لم يحصل ولا غرابة فلم يهجر رسول الله كل عمره، وظل في وجعه وحمّاه يغيب ويفيق وفي فياقه يكون كامل القوى العقلية، ظل كذلك إلى أن سمعته أمي الطاهرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهو بين سحرها ونحرها في بيتها وفي حجرتها يقول: ((بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى))، وقال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن عمر عن عبيد بن جبير مولى الحكم ابن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي مويهبة مولى رسول الله قال: بعثني رسول الله من جوف الليل فقال: "يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع، فانطلق معي" فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: "السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى"، ثم أقبل علي فقال: "يا أبا مويهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة". قال فقلت: بأبي أنت وأمي، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة. قال: "لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة". ثم استغفر لأهل البقيع، ثم انصرف. فبدأ برسول الله وجعه الذي قبضه الله فيه)) صحيح البخاري. وفي البخاري أيضا، قال: ((وحدثني يعقوب بن عتبة عن محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة عن عائشة قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع. فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وارأساه. فقال: "بل أنا والله يا عائشة وارأساه" . ثم قال: "وما ضرك لو مت قبلي فقمت إليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك". قالت: قلت والله لكأني بك لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك". قالت: فتبسم رسول الله. وتتام به وجعه وهو يدور على نسائه، حتى استعز به وهو في بيت ميمونة. فدعا نساءه فاستأذنهن أن يمرَّض في بيتي فأذنّ له. قالت: فخرج رسول الله يمشي بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر، عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتي. قال عبيد الله: فحدثت بهذا الحديث عبد الله بن عباس فقال: هل تدري من الرجل الآخر؟ قال قلت: لا. قال: علي بن أبي طالب. ثم غمي رسول الله واشتد به وجعه. فقال: "اهريقوا علي سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم". قالت: وأقعدناه في مخضب لحفصة بنت عمر، ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول: "حسبكم حسبكم". انتهى. وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري من طريق الزهري عن عبيد الله عن عائشة. زاد البخاري في هذه الرواية: ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم. كان النبي يُخيَّر كما قالت عائشة في فطنة عالية رضي الله عنها إلى أن فاضت روحه الطاهرة ومالت يده الشريفة التي كان يرفعها، ثم التحق بالرفيق الأعلى. والدليل العقلي على أن الوصية لعلي بن أبي طالب مستحيلة هي ما سيترتب عليها إن هي كانت وصية له، أي أنه إذا قلنا أن النبي قد أوصى فعلا لعلي بن أبي طالب وأن أبا بكر وعمر قد كتماها وهو أمر مستبعد لوجودهما في بيت له أهله وهم الذين يقومون بأمر رسول الله لأنه يتمرض في بيت السيدة عائشة ومعه أهل بيته الشيء الذي يرجِّح إبعاد أن يكون قد أوصى ولم يسمع بوصيته إلا أبو بكر وعمر، ويبقى أنه كان سيوصي لعلي لولا أن عمر حال بينه وبين الوصية، يبقى هذا الاحتمال وهو ما بنى عليه الشيعة كذبهم، ولا بأس أن نسجل هنا للحق والحقيقة أن عمر بن الخطاب قد كان يحب رسول الله أكثر من نفسه وولده والناس أجمعين فاستحال بسبب ذلك أن يغش نفسه في محبته للنبي فضلا عن كتمان وصيته، وكان يحب أهل بيت النبي أكثر من الشيعة وله من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء ولد اسمه زيد يحمل جينات النبي وكان وهو فتى يفتخر بأبوين له كانا خليفتين للمسلمين هما عمر بن الخطاب أبوه، وعلي بن أبي طالب جده وقد توفي شابا. ليكن ذلك ولو أن العكس هو الاحتمال الصحيح لأن النبي بوحي من الله اختار التمرض في بيت زوجه عائشة بنت أعز أصدقائه وصحابته أبو بكر ليمهد لاستخلافه، والذي يؤكد اختيار النبي لبيت عائشة ما ترتب عن اختياره من وفاة في حجرتها والأنبياء يدفنون حيث قبضوا عليهم الصلاة والسلام وفي ذلك حديث صحيح في سنن الترمذي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: "سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته"، قال: ((ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه)). وروى الشيخان عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ)) رواه البخاري 1196، ومسلم 1391، وحجرة نومه في بيته هي قبره الشريف، لنقل أن النبي قد كان سيوصي لعلي بن أبي طالب لولا منعه من قبل عمر. إذا كان النبي قد أوصى لعلي بن أبي طالب فمعنى ذلك أن الوصية وحي، ولكن هذا الوحي لم يظهر في مسرح الحياة، أي أنه لم يصر علي خليفة لرسول الله مباشرة بعد وفاته، بل صار خليفة له أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم أتى علي بعد الثلاثة فكيف تكون الوصية بهذه الصورة عقلا؟ والسؤال المطروح هو: هل يجوز مخالفة علم الله تعالى؟ الجواب قطعا لا، لأنه إن تمت المخالفة لعلم الله تعالى حصل في ملكه شيء يجهله، وحصل في ملكه أيضا شيء رغما عنه، وهذا محال قطعا ويقينا، فيكون ما جرى في مسرح الحياة باستخلاف أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي أمر لا يخالف علم الله تعالى، وتكون الوصية إن أردنا اليقين منها هي وصية النبي لأبي بكر وليس لعلي، وإذا زدنا فستكون الوصية لعمر بعد أبي بكر، ثم لعثمان بعد عمر، ثم لعلي بعد عثمان، هذا هو الدليل العقلي على الوصية، فالوصية التي كان النبي سيوصي بها هي لأبي بكر وليس لعلي، والواقع أكد ذلك بانسجامه مع علم الله تعالى الذي لن يخالفه شيء، ولن يقع في ملك الله تعالى شيء رغما عنه. ولا يقال أن الوصية قد كانت لعلي بن أبي طالب وكان ذلك في علم الله تعالى، وأن مخالفتها من طرف أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان قد كانت أيضا في علم الله تعالى فلا يمكن أن يحصل شيء في ملك الله تعالى لا يعلمه، بل ما يحصل في ملكه يعلمه قبل أن يقع، وهو قد كتبه في اللوح المحفوظ، لا يقال ذلك على صحته لأنه خارج الموضوع، ولأن المسألة ليست أمرا ونهيا، أي ليست خطابا شرعيا يتعلق بأفعال العباد يختارون الأمر أو يقعون في النهي باختيارهم، بل هي مسألة غيب، أي عقيدة وليست حكما شرعيا يخير فيه العبد بالفعل أو الترك حتى تستقيم المثوبة والعقوبة ويتحقق بها عدل الله تعالى، والعقيدة لا تؤخذ إلا عن يقين أضف إلى ذلك أن هذا البحث يضع الله تعالى تحت طائلة الافتراض والعلم بأفعاله وهي لم تقع بعد، كيف يكون الله تعالى قد أوصى لمجرد توهُّم توهَّمه فرد، ولمجرد رأي رآه فرد أو رؤية تشهّاها فرد أو جماعة، هذا لا يكون قطعا لأنه لا ينزّه الله تعالى، بل يُخْضعه لأهواء الناس تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ولا يقال أيضا لِمَ لم يوص النبي بالتمريض في بيت زهرائه وزهراء المسلمين فاطمة رضي الله عنها تفاديا لاحتمال أن يؤثر بيت عائشة في الوصية؟ وإذا كان كذلك بأن اختار النبي التمريض في بيت فاطمة وهو محال لأنه إن حصل تعارض مع السنة، فهل يخضع تبليغ الشرع لمثل هذه الحسابات وهو لم يبال بالأصعب منها مما لاقاه النبي في دعوته بمكة المكرمة؟ هل نخضع الوحي لأهوائنا؟ والدليل اللغوي على أن الوصية ليست لعلي ولا لآل بيته الأطهار ولا لأحد من المسلمين إلا ما كان من فهم لغوي لكلام النبي أنها لأبي بكر؛ هو أن اللغة العربية حَكَمٌ في النصوص الشرعية إذا لم يكن لها معنى شرعيا، وللغة العربية سلطان يجب احترامه، والقرآن بلسان عربي مبين، قال تعالى: ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103))) النحل، وقال تعالى: ((وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195))) الشعراء، وما صدر عن النبي يفهم لغويا، لأن طريقة فهمه؛ اللغة العربية، فقوله صلى الله عليه وسلم: ((عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: (هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ) قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ فَحَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قُومُوا عَنِّي). قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. وروي عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ (لَقَدْ هَمَمْتُ - أَوْ أَرَدْتُ - أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ؛ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ - أَوْ: يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ -) رواه البخاري (5342) – واللفظ له - ومسلم (2387) بلفظ: (وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ). رواه البخاري (6932) ومسلم (1637). وقوله صلى الله عليه وسلم: (("اهريقوا علي سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم" يفهم فهما لغويا إذا لم يكن له معنى شرعيا، والفهم اللغوي لقوله: (هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ)..)) يقضي أن يحصل التتبع لمعرفة انطباق ذلك القول على الواقع، والواقع يؤكد أن شيئا مما همَّ به النبي لم يحصل فلم يكتب، وهذا باتفاق السنة والشيعة إلا ما كان من بعض الفرق الشيعية وعلى رأسهم الاثني عشرية الضالة، فعندهم أن الأمر قد كتم، فالنبي أوصى وأبو بكر وعمر هما اللذان أخفيا الوصية باتفاق مع عائشة وحفصة وهذا القول لغة لا معنى له لأنه تحقيق، والتحقيق شأن غير لغوي فيستحسن أن يتم الذهاب إلى التاريخ لمعرفة ما جرى، وما جرى أن عمر وآل بيت النبي كانوا حضورا عند همّه صلى الله عليه وسلم بالوصية، بل إن آل بيت النبي اختلفوا فيما بينهم فمنهم من يرى رأي عمر ومنهم من يرى غير ذلك حتى قال لهم النبي جميعا قوموا عني. وأصح الطرق لمعرفة ما جرى هو الرواية، والرواية علم برع فيه علماء السنة وليس للشيعة فيها نصيب إلا من جهة الوضع والكذب على النبي وعلى آل بيته، فكان الواقع أن النبي لم يوص بشيئ ولم يكتب شيئا، وبناء عليه يفهم أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان سيكتب فلن يكتب إلا ما هو معروف من الدين بالضرورة، أي أنه سيعيد على الناس ما فات مما أوحي إليه سواء في الوصية أو غيرها، ويؤيد ذلك قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) الآية 67 من سورة المائدة، ((وإذا ما تأملنا قوله تعالى: ((...ما أُنْزل إليك من ربك...)) نجد بها فعلا ماضيا مبنيا للمجهول، ومعناه أن ما يريد الله تعالى تبليغه عنه هو ما أُنْزِل، وليس ما نَزَل للتّو حينا وقصدا، وهو يكشف طلب تبليغ شيء نزل قبل نزول الآية، وهذه هي اللغة، وهذا هو الفهم السليم الذي يؤكد تبليغ شيء سبق وأن نزل، وليس شيئا نزل في الآن، أو أمر تعيَّن وهو ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتعيين الذي أنزل يتأتى بحرف [ما] وهو اسم موصول، أو هو نكرة تقصد لذاتها، فيصلح أن يكون دالا على أن أمرا واحدا أو حكما واحدا هو المقصود بالتبليغ، ويصلح أن يكون دالا على أن أمورا كثيرة وأحكاما متعددة هي المقصودة بالتبليغ، فهي إما أن تقول بتبليغ شيء واحد عن الله تعالى، أو تقول بتبليغ كل شيء عنه، ولا يعين كون المقصود شيئا واحدا أو كل شيء سوى القرينة، وعند التدقيق في قوله تعالى: "فما بلَّغْتَ رسالته" يعين أن [ما] معناها جميع رسالته، أو جميع ما أنزل إليك من ربك، ويستحيل الالتفات إلى غير هذا الفهم، وذلك كأن يقال: أن المقصود ولاية علي، أي حكم واحد، وأمر واحد، فلو أريد ذلك لكان لزاما أن تعاد الصياغة، وتستبدل الكلمات لتؤدي المعنى المراد وهو محال إلا أن يقصد إلى الشرح الباطني، الشرح الذي لا يعكس سوى الخبث والهراء، وفي أحسن الأحوال البله والغباء..)) الجهاز المناعي للقرآن الكريم، للمؤلف، النشرة الورقية الأولى (الطبعة الأولى): 2012م، صفحة: 31، ثم إنه إن رجّحنا أنها وصية فمن أدرانا أنها يقينا وصية استخلاف سياسي لعلي بن أبي طالب؟ هذا الفهم لا سبيل إليه عقلا وشرعا ولغة فهو غير صحيح، والعقل الذي يفكر بهذه الطريقة عقل مريض يحتاج إلى علاج، فالأرجح الذي له سند من الشرع والعقل واللغة هو أن الوصية كانت ستكون لأبي بكر لأنه قد استخلف واقعيا بعد وفاة النبي مباشرة، وقد فهم الصحابة ذلك من ثناء النبي عليه بشكل لافت ومن التنصيص عليه للصلاة بالناس في مرضه ورفضه غيره وقد رضيه الصحابة وصلوا خلفه مأمومين بما فيهم علي بن أبي طالب لأن الرسول اختاره للصلاة بالناس ويكفي هذا فهما سليما لموضوع الاستخلاف، والذي يزيدنا اطمئنانا هو أن النبي صلى الله عليه وسلم حين عجز عن الصلاة بالناس أمر أن يصلي بهم أبو بكر ورفض غيره، وحين أحس من نفسه القدره على الخروج للصلاة خرج من بيته وهو مسرور ودخل المسجد والناس يصلون بصلاة أبي بكر وفيهم علي بن أبي طالب فتقدم النبي إلى الصف الأول فتأخر أبو بكر ليؤم الرسول الناس وجلس النبي إلى جواره متقدما عليه قليلا وأمّ الناس بعد أن كان أبو بكر يؤمهم وأبقاه حيث هو ولم يدخل مع الناس في الصف الأول، بقي يصلي بصلاة النبي وهما متقدمان عن الصف الأول وكأنهما إمامان لولا أن النبي يسبق أبا بكر ليعلم من هو الإمام وقد كان الإمام أبو بكر قبل حضور النبي إلى أن تمت الصلاة وفرح المسلمون بذلك فرحا شديدا، فرحوا بعافية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولإمامته لهم وإقراره بإمامة أبي بكر للناس ومن الناس علي بن أبي طالب، أمّ الصديق الناس دون غيره في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل بعد هذا البلاغ بلاغ؟ هذا دون الاعتماد على الحديث الصحيح الذي مر معنا وهو: ((روي عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ (لَقَدْ هَمَمْتُ - أَوْ أَرَدْتُ - أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ؛ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ - أَوْ: يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ -) رواه البخاري (5342) – واللفظ له - ومسلم (2387) بلفظ: (وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ).رواه البخاري (6932) ومسلم (1637)))، فاعتماده لا يقبل به إلا العقلاء ونحن منهم بإذن الله تعالى. وإذا أخذنا قوله صلى الله عليه وسلم: ((حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم)) لا يفهم منه أنه كان سيعهد لعلي بن أبي طالب لأن الأمر كسابقه، همّ بالعهد للناس ولم يفعل ولا أحد يستطيع معرفة الغيب، ولا أحد يمكن أن يجزم بما كان سيعهد به رسول الله ولكن استئناسا بما مضى من الاستدلال بالقرآن والسنة نفهم أيضا أن العهد هو الذي ظهر ويؤكد ذلك ما فعله الصحابة الكرام بإجماعهم على ما حصل بعد وفاة النبي وإلا للزم أن يبلغ رسول الله عن ربه إذا كان ذلك وحيا لأنه من المحال أن يكتم النبي شيئا، ومن المحال أن يحول شيئ بينه وبين التبليغ لأنه مؤيد من الله ومعصوم عن الخطأ في التبليغ، وقد علم أن الدين اكتمل، فإجماع الصحابة أكد الوصية، وإجماعهم دليل شرعي يكشف لنا الوحي، فالعهد بمعنى الوصية، صحيح أنه مصدر يأتي بمعنى الوفاء والذمة والضمان والأمان وغيره ولكنه هنا بمعنى الوصية ولا معنى آخر له بحسب السياق وبحسب الحادثة والواقعة، فكان العهد هو نفسه الوصية في الحديث الآخر، ووصيته صلى الله عليه وسلم قد ظهرت وجهر بها لأنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة والتحق بالرفيق الأعلى وهو غير متهم بأبي هو وأمي في تبليغه، وما كان مما كان سيوصي به كما أسلفنا سوى تكراره لما كان حرصا منه صلى الله عليه وسلم على البذرة التي بذرها في قلوب الصحابة والتي تعهدها حتى أنبتت ونمت واخضرت وأورقت وأثمرت وهي بذرة الإسلام التي زرعها في قلوب تلامذته النجباء صحابته الأوفياء رضي الله عنهم أجمعين أدّوا ووفّوا بأمانة تامة فكانوا صورة طبق الأصل لأستاذهم العظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يقال أن ما سُقْتُه لا يصلح دليلا على الاستخلاف لأبي بكر وقد أمّ الصحابة بعضهم بعضا في الصلاة عند غياب النبي عنهم، فكما أمّ الصحابة أبو بكر حين بعثه النبي بعد تبوك على رأس الحج ومن المأمومين علي بن أبي طالب، فقد أرسله النبي ليلحق بأبي بكر في الحج ومعه سورة التوبة يقرأها على الناس وقد قرأها في منى، أمّه في صلاته أبو بكر، أمّ الصديقُ عليّاً وأبا أبا هريرة وأمّ من كان معه في الحج وهذا هو الطبيعي عند غيباب النبي، وأمّ الناس عند اجتماع جيش العسرة عندما خلفه النبي على الجيش يصلي بهم الصلواة المكتوبة ريثما يدبر النبي أمور المدينة وأمور أهل بيته ويعود إلى قيادة الجيش وإمامته في الصلاة، لقد ترك فيهم أبا بكر يؤمهم في الصلاة في انتظار عودة النبي، فكذلك أمَّ علي صحابة حين بعثه النبي قاضيا إلى اليمن، وحين بعثه في بعض سفرياته ومعه صحابة، وأمّ زيد بن حارثة الناس حين عينه النبي أميرا على جيش مؤتة، وأمَّ محمد بن مسلمة الناس في مسجد النبي بالمدينة المنورة ومنهم علي حين دبر الرسول أمور المدينة وأهل بيته ليغادر إلى تبوك فقد عين النبي عليا على أهل بيته، ومحمد بن مسلمة أميرا على المدينة وفيها علي يصلي مأموما بإمامة محمد بن مسلمة، لا يقال ذلك على صحته لأن البحث الذي سقته لا علاقة له بما ذكر، فالبحث الذي أنا بصدده هو احتلال مكانة النبي في المسجد وبحضوره صلى الله عليه وسلم، فالإمام الذي يخلف النبي في الصلاة وبحضرته لن يكون أي إمام على الرغم من أن إمامة الصلاة تصلح لأي كان منهم، فكل مسلم يصلح أن يحتل مكان أي إمام ليصلي بالناس، ولكنها لا تصلح لواحد منهم في حضرة النبي، لأنه هو الذي يقرر بالوحي، وبما أنه قد سلمها لأبي بكر دون غيره من الصحابة وشدد على ذلك فمعنى ذلك أنه قد عين إماما للصلاة خليفة له في الصلاة، وفرق بين هذا وما سقته مما لا يقال على صحته، واللبيب كما كان علي والصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعا قد فهموا ذلك ومن أفهم منهم لدين الله تعالى؟ لا أحد لأنهم هم من نقل إلينا ديننا. وهذا الذي سقته يقتلع من الأساس جميع الأفكار التي تقول بإمامة آل بيت النبي للناس على سبيل التعيين والوصية وأن إمامتهم للمسلمين حكْرٌ عليهم لا يحق لأي مسلم أن يحتل مكانتهم. وللاستئناس بفعل الصحابة وتصرفهم في تعيين خليفة للنبي خلافة سياسية نجد أنهم اختلفوا فيما بينهم على الإمارة وكان أول المختلفين عليها الأنصار والمهاجرون، فقد شرع الأنصار ينتخبون خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد أن التحق الرسول بالرفيق الأعلى، شرعوا في ذلك وجثمان النبي الطاهر لا يزال مسجى في حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وحين علم المهاجرون بفعلتهم لم ينكر عليهم أحد، ولكي يشاركوهم وهو حق لهم كما هو حق لكل مسلم أن يختار خليفة؛ ذهب أبو بكر وعمر وأبو عبيد بن الجراح إلى سقيفة بني ساعدة ودار بينهم حوار رائع دل على عظمتهم وصدق إيمانهم مع عدم توصل الأنصار بحديث للنبي إذ قالوا للمهاجرين "منا أمير ومنكم أمير"، وحين رد عليهم أبو بكر حصل إجماع بينهم على صحة قوله وأنه لا يجوز للمسلمين أن يكون لهم أميران أو إمامان أو رئيسان، والحديث معروف ولم يكن الأنصار قد توصلوا به وهو حديث: ((إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما)) وهو كناية عن حرمة التعدد، أي حرمة وجود أميرين أو دولتين أو إمامين للإمامة العامة، وبعد الحوار الذي أفضى بهم إلى الحق في أفضلية أن يكون الأمير من قريش وفي ذلك حديث: ((الأئمة من قريش)) وهو يدل على الأفضلية ولا يدل على الاحتكار وبالله عليكم من كان حينها أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم؟ من كان أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؟ من كان أولى بالتقدير لهذه الأفضلية والوقوف عندها لمعرفتهم بفضل الرجال من الأنصار؟ أليس هم من انعقدت بهم البيعة للنبي في العقبة الأولى والثانية؟ أليس هم من انعقدت بهم البيعة لأبي بكر مع رجلين من المهاجرين هما عمر بن الخطاب وعامر بن هلال؟ ولا يقال أن هناك حديث يجعل الأئمة من المسلمين من غير القرشيين ولو أن يكون عبدا حبشيا، لا يقال ذلك لأن الأمر لا لبس فيه، فالأمير من قريش بشرط الأفضلية وهو ليس مُلْزِما، وكم قرشي حينها لم يكن صالحا للإمارة. فبعدما انعقد العزم في سقيفة بني ساعدة على بيعة أحد المهاجرين وليس أحد من الأنصار سارع أبو بكر إلى رفع يد أبي عبيدة بن الجراح وعمر بن الخطاب وقال: ((أيهما شئتم فبايعوا)) ولكن هيهات أن يوجد في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من يفضل نفسه على أبي بكر في شيئ من أمور الدين فهو السبّاق رضي الله عنه، ولكن ومع ذلك يصلح أن يكون الإمام والأمير غير أبي بكر ولكنه لم يكن لروعة فهم الصحابة، ولعظمة حفظهم عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم والوقوف على تعاليمه ولزوم غرزه صلى الله عليه وسلم. ====================== شبكة النصب والاحتيال بقيادة الوكلاء الأربعة للمهدي الأسطورة منذ بعثة النبي محمد والمنافقون واليهود يعملون ضد الإسلام. المنافقون كانوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يعرفهم وقد عرّفهم للصحابي الجليل حذيفة بن اليمان ولكنهم لم يفلحوا مع نبي الهدى ولا مع خلفائه من بعده ولا في القرن الثاني للهجرة ولا في النصف الأول من القرن الثالث الهجري حتى وفاة الحسن العسكري سنة: 260 هـ. في العصور الأولى للإسلام لم يفلح فرد ولا جماعة في تضليل أمة الإسلام لأنها قد تحصنت بتعاليم النبي والصحابة ومن جاء بعدهم من فقهاء المسلمين وعلمائهم من التابعين وتابعي التابعين حتى وفاة الحسن العسكري كما قلت، فقد كان النبي أَمَنَةً للأمة كما هي النجوم أمنة للسماء، وكان الصحابة أمنة للأمة بعده، وكان التابعون، ثم تابعوا التابعين. صحيح أن المنافقين قد بذروا بذور الخراب، وزرعوا زروع الضلال، وقعّدوا للفتنة في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان والخليفة الراشد بعده علي بن أبي طالب، وصحيح أيضا أنهم قد أوجدوا لها تربة قذرة أنبتت زقوما وأينعت غسلينا في الأرض ولكنها لم تؤت أكلها إلا في قلوب مريضة وعقول متورِّمة واستمرت كذلك حتى قيام بعض الكيانات للفكر الشيعي النجس في مصر والمغرب العربي وامتد نفوذهم إلى الشام وأخيرا في إيران، فبعد وفاة الحسن العسكري ظهر الوكلاء الأربعة على رأسهم عثمان بن سعيد العمري مدعيا البابية والاتصال بالإمام الغائب الأسطورة محمد بن الحسن العسكري. ولا بأس من لفت النظر إلى أصول التشيع في عصر الصحابة رضوان الله عليهم، فقد وجد في عصرهم ومن أبناء بعض منهم أناس ركبوا الفتنة حسدا من عند أنفسهم وليس رغبة في هدم الإسلام فكانوا على فظاعة جرمهم في قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة: 35 هـ؛ مسلمين، وعليه لا مقارنة بينهم وبين من كان منهم كعبد الله بن سبأ اليهودي اليمني مثلا الذي اعتنق الإسلام من أجل هدمه والتأصيل للدين الشيعي بمختلف مذاهبه واتجاهاته، فالسب للصحابة والطعن فيهم والعصمة لعلي ولأبنائه المعينين من طرف الاثني عشرية وادعاء إلوهيته والطعن في القرآن والوصية ورجعة علي بعد موته ورجعة الحسن العسكري بعد موته كل ذلك قاسم مشترك بينهم.. ولا يقال بأن من زعمت إسلامهم ممن حرّضوا وقتلوا الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ ليسوا كذلك، بل هم منافقون بشهادة الحديث الذي صح عن رسول الله ، لا يقال ذلك رغم صحة الحديث، فأنا هنا لست بصدد بحث علم الحديث رواية والذي يعنى بنقل ما صدر عن النبي من قول وفعل وإقرار وإثبات ذلك وضبطه وتحرير ألفاظه وإسناد ذلك إلى من عزي إليه بتحديث أو إخبار فهذا العلم له رجاله جزاهم الله عنا خيرا وأنا عيال عليهم، بل أنا بصدد بحث علم الحديث دراية، والمعروف بعلم مصطلح الحديث أو أصول الحديث والذي يعنى ببيان قواعد البحث في السنن الأحادية وأحوال السند وما يتعلق بهما من حيث القبول والرد، فبه يعرف حال الراوي وحال المروي وذلك هو الفهم عينه للحديث، فالحديث الذي يرويه الترمذي (توفي سنة: 279 هـ) يقول فيه النبي محمد : ((يا عثمان إن الله مُقمصك قميصا، فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه))، وفي رواية أخرى: ((يا عثمان إنه لعل الله يقمصك قميصا فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم)). أحمد بن حنبل: المسند، ج 6 ص: 86، 149. وأبو بكر الخلال: السنة، ج 2 ص: 321، و 326. وابن ماجة: السنن، ج 1 ص: 41. والألباني: الجامع الصغير، المكتب الإسلامي، بيروت، ج 1 ص: 1391. هذا الحديث صحيح في علم الرواية ولكن فهمه في علم الدراية يحتاج إلى نقاش فأقول والله الموفق: معلوم لغة أن العموم بلفظ واحد يستغرق كل ما يصلح له، والجمع المعرّف للعموم يدخله الاستثناء، والاستثناء إخراج ما يتناوله اللفظ، والعموم الثابت باللفظ يثبت من طريقتين، أولا: النقل، ثانيا: الاستنباط، وكلاهما من وضع العرب. والتخصيص والخصوص بمعنى واحد وهو إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، وهو يقع في الأوامر العامة مثل قوله تعالى: ((فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5))) التوبة، وقد أخرج من ذلك أهل الذمة، أي لا تقتلوا أهل الذمة واقتلوا غيرهم من المشركين، وكذلك قوله تعالى: ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38))) المائدة، فقد أخرج من ذلك من سرق دون النصاب، أي من سرق دون ربع دينار قال عليه الصلاة والسلام: ((لا قطع في ربع دينار فصاعدا)) رواه البخاري، وقوله تعالى: ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2))) النور، وأخرج الزاني المحصن والزانية المحصنة، وقوله تعالى: ((يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11))) النساء، وأخرج الكافر والقاتل فهما لا يرثان المؤمن. والتخصيص بيان وهو تشريع، والتخصيص يكون بالشرط، ويكون بأدوات الاستثناء كإلا أو ماعدا وما خلا.. ويكون بالغاية، ويكون بأدلة منفصلة، ويكون باقتران العام بالصفة ويخرج ما عداها كقوله صلى الله عليه وسلم: ((في كل إبل سائمة في كل أربعين، ابنةُ لبون)). رواه أحمد، أي أن التي تعلف أخرجها فلا زكاة عليها. وفي ثقافتنا الغنية، وفي تشريعنا الثرّ المعجز يوجد تخصيص الكتاب بالكتاب مثل قوله تعالى: ((وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4))) الطلاق، فقد وردت مُخصِّصة لآية: ((وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)))، البقرة. وتخصيص الكتاب بالسنة مثل قوله تعالى: ((يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11))) النساء، فقد خصص الآية حديث للنبي يقول فيه: ((القاتل لا يرث)) أخرجه ابن ماجه. وتخصيص الكتاب للسنة أو تخصيص السنة بالكتاب مثل قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11))) الممتحنة. والسبب في نزول هذ الآية؛ الصحابية العظيمة أمّ كلثوم بنت عدو الله ورسوله عقبة بن أبي معيط، فقد خرجت من مكة رضي الله عنها مهاجرة لوحدها إلى الله ورسوله تطلب المدينة المنورة بعد صلح الحديبية، فبعث في طلبها أهلها وطوى القفار أخواها حتى لحقا بها في رواية، وفي رواية أخرى حتى دخلت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانت فتنة عظيمة، فرجل من المسلمين قد أعيد إلى أهله وفق معاهدة الحديبية هو ولد سهيل بن عمرو، والآن امرأة فنزل قول الله تعالى يحميها ويمنع عنها فتنتها فكانت الآية مخصصة للسنة. فقد خصَّصَتِ الآية حديثا للنبي جاء في معاهدة الحديبية إذ نصت المعاهدة على: ((أنه لا يأتيك منا أحد، وإن كان على دينك، إلا رددته إلينا)). أخرجه البخاري. فقد خصّص القرآن السنة بحيث استعمل النبي لفظا دالا على العموم وهو قوله: ((أحد)) وهو لفظ عام يشمل الرجال والنساء، فنزل قوله تعالى يخصص السنة وكلاهما وحي، القرآن باللفظ والمعنى، والسنة بالمعنى، والمراد الأحكام، والأحكام معاني وليست ألفاظا، والألفاظ دلالة عليها. أردنا من خلال هذا البساط الذي بسطناه أن نناقش داخل سياج مكتمل الإحكام بديع الحبك واضح المعالم حسن المنظر. وضعنا هذه الأرضية لنناقش قول النبي لعثمان: ((..فإن أرادك المنافقون..))، فلفظ المنافقين لفظ عام يستغرق جميع الأفراد الذين شاركوا وساهموا في خلع القميص الذي ارتداه عثمان وهو كناية عن الخلافة لأنه ليس هناك سبيل إلى الذهاب لغير ذلك، فبسبب الخلافة وبسبب تصرف عثمان في إدارة شؤون الدولة والذي هو من حقه ومن صلاحياته كرئيس دولة من مثل تعيين الولاة والعمال ورجالات الدولة وقد أحسن التصرف الذي آخذوه عليه بحيث عين من بني أمية من عين وقالوا يختار من عشيرته وقد اختار فقط الأكفأ ولم يكونوا بأعداد كبيرة كانوا دائما أقلية إذ عين من غير بني أمية أكثر مما عين من بني أمية فنقم عليه من نقم ظلما، وحسده من حسد بهتا، وتذرع بها من دخل الإسلام نفاقا من أجل خلق الفتنة وهدم الإسلام إلى أن قتلوه مظلوما رضي الله عنه. وعليه فالذين قتلوه والذين حرضوا على قتله والذين شاركوا فيه بمال أو ركاب أو تجهيز أو ما إلى ذلك مما يؤدي إلى الغاية الغاشمة وهي قتله بغير حق؛ منافقون بنص الحديث، ولكن وكما أسلفنا فإن الجمع المعرّف يدخله الاستثناء، ودخول الاستثناء ليس دخولا عقليا، بل هو دخول بإذن لغوي وعرفي يقتضيه أمر الفهم للكلام العربي، والتخصيص بالاستثناء يسمى التخصيص المتصل وهو متعلق باللفظ الذي ذكر فيه العام، ويكون بإحدى أدوات الاستثناء مثل إلا وغير وسوى وخلا وحاشا.. وغيره من الاستثناء المنفصل يكون بنص آخر، والتخصيص المتصل أربعة أنواع هي: ـــ الاستثناء ويكون بإحدى أدوات الاستثناء كما مر معنا. ـــ الشرط وهو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود، أي أنك إذا توضأت مثلا فإن وضوءك شرط لصحة الصلاة وهنا قد لزم من عدمه العدم أي أنك إذا لم تتوضأ لم تصح صلاتك ولا صلاة لك وإن صليت لأنك بدون وضوء، فالوضوء شرط لصحة الصلاة، ولكنه لا يلزم من وجوده وجود الصلاة فقد تتوضأ لغير الصلاة، للنوم طاهرا مثلا، للقراءة في المصحف.. ـــ الغاية ويكون بصيغتين للغاية وهما: "إلى" و"حتى" فإذا دخلت إحداهما على العام خصصته وأخرجت منه ما بعدها، وحكم ما بعدها لا بد أن يكون مخالفا لما قبلها، ومثال ذلك قوله تعالى: ((أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187))) البقرة، فحكم الليل الذي هو بعد "إلى" مخالف لما قبلها وهكذا. ـــ الصفة ويكون التخصيص بالصفة وهو ما يهمنا هنا، فإذا اقترن العام بصفة فإنه يخصصه، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((في كل إبل سائمة، في كل أربعين ابنة لبون)) المصدر السابق، فإن كلمة إبل كلمة عامة تشمل جميع الإبل، ولكن كلمة سائمة صفة لغير المعلوفة، صفة للتي ترعى فكانت صفتها مخصصة للتي تعلف أي لا زكاة في المعلوفة فكان الذي أوجب فيها الزكاة هو الصفة، صفة العلف، فالصفة إذا لم تكن فلا زكاة عليها، أي لا زكاة في المعلوفة. ففي الذين قتلوا عثمان؛ صحابة، وعند البعض أنهم ليسوا صحابة، والصحابي عند التابعي الجليل سعيد بن المسيب هو من صحب النبي سنة أو سنتين أو غزا معه غزوة أو غزوتين، وبعض من أولئك قد أخرجوهم من الصحبة غير أن أحدهم وهو عبد الرحمن بن عديس قد كان منهم، بل ترأس وفد مصر وشارك في حصار عثمان ولكنه لم يقتله ولم يحرِّض على قتله، فهل هو من المنافقين؟ وهل يمكن استثناء غيره ممن وصفهم النبي بالمنافقين؟ وهل من سبيل لغوي إلى ذلك؟ والجواب على ذلك أنه لغة يجوز الاستثناء بالصفة، والصفة في حقهم أنهم كانوا مؤمنين بصرف النظر عن الجريمة النكراء التي حصلت بسببهم وهي قتل الشهيد البريء عثمان بن عفان رضي الله عنه، يبقى أنهم قد أخطئوا مجتهدين، أو أجرموا متأولين، أو أجرموا حاسدين، أو أجرموا منخدعين، أو أجرموا ملتبسا عليهم الأمر، أو أجرموا منافقين خصوصا وأن من بينهم من كان منافقا خالصا قد صدر عنه ما يؤكد كفره ونفاقه مثل عبد الله بن سبأ وقد كان في صفوفهم في الوفد المصري، والنتيجة أنهم مؤمنون ومعهم منافقون ولا يهمنا وضع إشارة عليهم باستثناء من صدر عنه الكفر البواح كعبد الله بن سبأ مؤسس الدين الشيعي وغيره ممن هم على شاكلته. وما نستطيع به الجزم والقطع تخصيص السنة بالكتاب، فقد جئنا بمثال على ذلك في صلح الحديبية، وهذا مثال آخر، فعبد الله بن عديس صحابي جليل قد ثبتت صحبته للنبي قطعا ويقينا، وهذا يبعد أي اتهام له بالنفاق وذلك من خلال قوله تعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18))) الفتح، فقد كان من شهود بيعة الشجرة، وهو مرضي عند الله تعالى، والآية قطعية الثبوت قطعية الدلالة، ولا يمكن أن ينقلب إلى النفاق حتى يكون غير مؤمن والإيمان صفة له بنص القرآن وهي ضد النفاق لأن النفاق كفر وهو كفر زائد، ولا يمكن لله تعالى أن يخطئ في حكمه، ولا يمكنه أن يعود عما حكم وقضى وأبرم لأن ذلك من صفات المحدود العاجز الناقص المحتاج الذي يستند في وجوده إلى غيره خلاف الله تعالى، والعودة هي الرجعة، فقد قال بها عبد الله بن سبأ حين توفي علي بن أبي طالب وهو بالمدائن كما يروي الجاحظ إذ أنكر وفاته وقال برجعته، وهذا من الكفر البواح، وقال بعودة الله عن أحكامه وهي مبثوثة في كتب الشيعة الإمامية، وعليه فالقرآن الكريم قد فتح بابا للاستثناء في الخاص والعام بالصفة ولا يهمنا اختلاف من يختلف على غير عبد الرحمن بن عديس، فنحن أردنا أن نثبت من خلال ما أثبته القرآن الكريم أن عبد الرحمن بن عديس ليس منافقا، وأما غيره فيمكننا الاختلاف عليهم ولا بأس ولكن شرط سلوك طرق البحث الرصينة والسليمة وركوب علم المقارنات وفن المقارنات، وما أروع الاستنتاج العلمي الرصين الذي يقول أن الصحابة الكرام كلهم عدول. لقد كان النصّاب الأول عثمان بن سعيد العمري خادما عند الإمام الحسن العسكري، وفي بعض رواياتهم أنه قد خدم علي الهادي حين كان عمره 11 سنة، وخدم قبله أباه محمد بن علي الجواد دون تلك السن، ومعنى ذلك أنه قد تربى في بيت العلم والفقه والزهد والتقوى الشيء الذي كان يجب عليه أن يراعيها جميعها حين اتصل به بعض ممن اختلقوا خلفا للحسن العسكري وهو يعرف أكثر من غيره أن لا خلف لسيده وطالبوه بادعاء البابية بعد تصديق فكرة وجود خلف للحسن العسكري وغيبته فقبل منهم وكان أول خائن للأمانة وأول كذّاب على الأئمة، كل ذلك من أجل المال فضلّ وأضلّ. وبما أن اللعبة قد تمكّنت من قلبه وسكنت عقله فاستمرأها واستمرأ الأموال التي تجبى إليه من الأغبياء للإمام الذي لم يكن إلا هو والعصابة المؤيدة له لم يستطع العودة عن المؤامرة ولا التوبة إلى الله فداهمه الموت وقد عشش الغش والخبث في بيته واستحكما فاستلم إدارة اللعبة ولده وزكّاه في ذلك للأتباع بعض ممن كانت تصلهم الأموال من وكلاء أبيه المشاركين في النصب والاحتيال واللعبة القذرة ولم يكونوا من الجباة للأموال بل كانوا يلبسون قناع العلم والفقه أمثال الكليني فقد قال: ((وأخبرنا جماعة، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، وأبي غالب الزراري وأبي محمد التلعكبري، كلهم عن محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله تعالى، عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو عند أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري القمي، فغمزني أحمد [بن إسحاق] أن أسأله عن الخلف. فقلت له: يا أبا عمرو إني أريد [أن] أسألك وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل (يوم) القيامة بأربعين يوما، فإذا كان ذلك وقعت الحجة وغلق باب التوبة (فلم يكن ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) فأولئك أشرار من خلق الله عز وجل، وهم الذين تقوم عليهم القيامة. ولكن أحببت أن أزداد يقينا، فإن إبراهيم عليه السلام سأل ربه (أن يريه كيف يحيي الموتى فقال: أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) وقد أخبرنا أحمد بن إسحاق أبو علي عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته فقلت له: لمن أعامل وعمن آخذ وقول من أقبل؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدى إليك فعني يؤدي، وما قال لك فعني يقول فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون. قال: وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد الحسن بن علي عن مثل ذلك فقال له: العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان فهذا قول إمامين قد مضيا فيك. قال: فخر أبو عمرو ساجدا وبكى، ثم قال: سل. فقلت له: أنت رأيت الخلف من أبي محمد عليه السلام؟ فقال: أي والله ورقبته مثل ذا وأومأ بيديه، فقلت له: فبقيت واحدة فقال لي: هات قلت: فالاسم قال: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي وليس لي أن أحلل وأحرم ولكن عنه عليه السلام. فإن الأمر عند السلطان أن أبا محمد عليه السلام مضى ولم يخلف ولدا وقسم ميراثه، وأخذه من لا حق له، وصبر على ذلك، وهو ذا عيال يجولون وليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئا، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك. قال الكليني: وحدثني شيخ من أصحابنا ذهب عني اسمه أن أبا عمرو سئل عن أحمد بن إسحاق عن مثل هذا، فأجاب بمثل هذا، وقد قدمنا هذه الرواية فيما مضى من الكتاب))، وخرج عنه غيرهم كما خرجوا على أبيه من قبل لعلمهم بفن اللعبة التي اخترعها محمد بن نصير النميري ولم يجن منها شيئا إذ سرقت منه. انتبه حضرة القارئ المحترم للكذب غير المحكم، وعندنا في المثال الشعبي عن الكذاب يقول: "غفِّل الكذاب، ثم اسأله عما سألته سابقا توقعه"، انظر إلى قوله: "فأولئك أشرار من خلق الله عز وجل" هذه العبارة بها ركاكة لغوية وركاكة معنوية، الركاكة اللغوية تجلت في وضع من التبعيضية للدلالة على بعض الأشرار الذين ستقوم عليهم الساعة علما بأن الساعة لا تقوم على بعض الأشرار، بل ستقوم على كل الأشرار، أي أنه لن يبقى في الأرض من خيِّر واحد فوجب أن تعاد العبارة حتى تنسجم مع المراد، والركاكة المعنوية تجلت في إعطاب صورة يوم القيامة، بحيث جعلت اليوم يوما فيه أشرار وأخيار، وهذا مخالف لما ورد في دين الإسلام، ومخالف حتى لما ورد في دين الشيعة ولكن الكذاب لا بد أن يقع، ولا يقال أن مِنْ هنا ليست للتبعيض، بل هي للجنس فكان المعنى أن القيامة لا تقوم إلا على شر خلق الله، أي على أشرار من جنس خلق الله وليس على أشرار من بعض خلق الله الشيء الذي ينفي وجود أخيار مع الأشرار عند قيام القيامة، لا يقال ذلك لأن سلطان اللغة العربية يمنع ذلك، فالقول بأن من جنسية يقضي بأن ترد دون مجيء ما يصرفها إلى التبعيضية، صحيح أن من الجنسية تقع غالبا بعد ما ومهما، وهنا وردت بعد ما مرتين، وردت في قوله: "وما" ووردت في قوله: "فيما" فكانت بذلك جنسية وليست تبعيضية، هذا صحيح ولكن تركيب الجملة غير سليم بحيث يجب أن يتغير ليوافق المعنى المقصود، فالقول بمن الجنسية مع وجود لفظ "أشرار" يجعل المعنى ركيكا ذلك أن ما يأتي بعدها لا يكون سليما لأن الأولى إزالة من والاكتفاء بخلق الله، أي كان يجب أن يكون الكلام: أشرار خلق الله، والأولى أن يكون المصدر وليس الجمع فيقال: فأولئك شر خلق الله، ولا غرابة أن يصدر مثل هذا الكلام عن النصابين لأنهم لا يتقنون اللغة العربية، وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقنون اللغة العربية وهم عرب توارثوا العلم كابرا عن كابر ومن العلم علم اللغة العربية فيكون كلام عثمان العمري أو كلام الكليني نسبه إلى غيره. وانتبه أيضا لهذه العبارة: "ولا أقول هذا من عندي وليس لي أن أحلل وأحرم ولكن عنه عليه السلام" فقد نسب التحليل والتحريم إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كاف لإدراك التدبير في القصة الواردة، ولو تم سؤال الحسن العسكري أو غيره كعلي والحسنان وغيرهم لما تجرأ على التحليل والتحريم لأنهم رضي الله عنهم يوقنون أن ذلك خاص بالله ورسوله وما عداهما طاغوت قال تعالى: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60). وطال عهد الوكيل الثاني وقضى عقودا في إدارة شبكة الكذب والنصب والاحتيال مع مجموعة من الأعلام من علماء وفقهاء شيعة سطّروا في كتبهم ورواياتهم الفقه القذر والعلم النتن يختلقون بهما الأكاذيب ويضعونها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال نسبها إلى الأئمة كل ذلك من أجل وضع سياج لمشروعهم الاستغلالي الذي لم يكن بد من تحويله إلى دين يمكِّنهم من استغلال الناس واستحمارهم واستبغالهم جيلا بعد جيل. ولما هلك الوكيل الثاني كان أصدقاؤه قد عرفوا الطريق وخبروا الأتباع فكان سهلا أن يتفقوا على من يخلفه وفعلا جاء الحسين بن روح ليقوم بنفس الدور يتقاسمون المحصول من الخمس والصدقات ويستمتعون بنساء الأتباع فيما سمي بنكاح المتعة وإعارة الفروج الذي وضعوا له أسانيد تسنده من الأحاديث الموضوعة. وحين توفي الحسين بن روح خلفه علي بن محمد السمري ولم يستمر في إدارة الشبكة إلا قليلا ولكنه لم يتركهم على حالهم مستمرين في استغباء الناس ولم يعلن توبته ولكن يستشم مما فعل شيئين اثنين: إما ندمه على ما فات من فعال خسيسة فلم يعلن خلفا له وصرح أن الأمر لله يضعه حيث يشاء وهذا بعيد عن الأنفس المريضة مثل نفس العمري ومن والاه، وإما تشفيا في رفقائه ممن تحلقوا حوله لكراهيته لهم وكراهيته لنفسه ومقته لكل شيء لما تنطوي عليه نفسه المنافقة من خبث وظلام دامس وهذا هو المرجح لأن النفاق مرض القلوب المذبذبة فتاه الأتباع بعد موته واستمروا في التيه كاليهود إلى أن جاء كارتر بعميله المسيخ الخميني فبعث الدفء في الدين الشيعي الجديد وجعل لولاية الفقيه واقعا إذ وضعها في حيز التطبيق وكان أول واضع لها محييا لها من فقهاء سبقوه وضعوها كنظرية أول الأمر وكان أولهم المولى أحمد النراقي (ت 1245 هـ ـ 1829م)، ثم جاء بعده الكوراني وغيره وجعلوها مطلقة وجزئية، المطلقة للفقيه الذي يقتعد أعلى المراتب الدينية عندهم كآية الله العظمى وهو اليوم الدجال خمينائي وقد خالف الخميني آية الله حسين علي منتظري (1922م- 2009م) في ولاية الفقيه المطلقة وكان نائبا له سيخلفه بعد موته ولكنه لم يكن يقول بالولاية المطلقة فعزله الخميني وفرض عليه الإقامة الجبرية وقُدم إلى التلفزيون الإيراني فظهر حاسر الرأس إذلالا له وإمعانا في إهانته إلى أن مات وهو أعلم من خمينائي وإن كان كلاهما أجهل من حمار جحا وأنتن من فضلات الوطاويط، كما اتهم الخميني شريعتمداري بالردة عن الإسلام لأنه لم يكن يقول بولاية الفقيه، وليس هؤلاء فقط ممن عارضوا ولاية الفقيه، بل كثيرون عارضوها كحفيد الخميني حسين الخميني وهو آية من آيات الله بحسب تصنيفهم، والمجتهد الأكبر (الأحقر) حسين النائيني الذي كتب دستورا علمانيا نشر سنة: 1909م، ومحسن الحكيم، ونجله السيد محمد باقر الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، والشيرازي، وعلي السيستاني، ومحمد سعيد الحكيم، والشيخ إسحاق فياض، والشيخ بشير النجفي، ومحسن الأمين، وعبدالحسين شرف الدين، وموسى الصدر، ومحمد جواد مغنية، ومحمد مهدي شمس الدين، والثعلب المراوغ محمد حسين فضل الله وقد قال بها وأيد الخميني في بداية الأمر ولعله تأكد من خروجها عنه فانقلب عليها لأنه آية عظمى أعلم من الآية الصغرى خمينائي وحورب بسببها من طرف حزب الله اللبناني لأن هذا الأخير يؤمن بولاية الفقيه. جعلت الولاية المطلقة للخوميني وهي الحاكمية بمعنى آخر، ثم لخمينائي وهو بها ينوب عن الإمام الغائب؛ الأسطورة، وهو كالنبي وكالمعصوم يحرم الخروج عليه في جميع الأحوال. والولاية الجزئية تكون للفقيه الذي يرشد الناس في دينهم، أما تلك التي تجمع الدين والدنيا فليست لأحد سوى ولي الفقيه، وهي هي الوكالة وإنما في الغيبة الكبرى إلى أن يأتي القائم الذي سيأتي وسيكون هو المسيح الدجال والذي سيتبعه أهل أصفهان، أي أهل إيران كما في الحديث الصحيح عن رسول الله . هذه هي الشبكة التي استغلت السذّج من الناس وأضلتهم ضلالا بعيدا. وفي وقتنا الحاضر يوجد سفراء للمهدي في غيبته الكبرى وهم الفقهاء المعمّمون في النجف وكربلاء وقم وغيرها وكلهم زنديق كذاب شهواني لا همّ له إلا نكاح بنات الأتباع فيما يسمى بنكاح المتعة وإعارة الفروج كما يقول المعمم المقيت؛ السيستاني وجلب الأموال من الشيعة الأغبياء. ========================== النصاب الأول: عثمان بن سعيد العمري (أبو عمرو) أولا: عثمان بن سعيد العمري الذي يزعمون انتهاء نسبه إلى عمّار بن ياسر الصحابي الجليل نصّاب كبير وأول النصابين البارزين في الدين الشيعي، وإلصاق نسبه بالصحابي الجليل ربما جاء من جهة كونه كان في صف علي يوم موقعة صفين، وعمّار فيه حديث للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: ((تقتل عمارا الفئة الباغية)). لم يختلفوا عليه مع أهل السنة وهذا ديدنهم مع كل الأحاديث. فإن كانت موافقة لمعتقداتهم وأكاذيبهم قالوا بها. وإن لم تكن هجروها واتهموا رواتها بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أكْذب من اليهود. فعلوا مثل ذلك حين اختاروا التمسك بالحسين رضي الله عنه فقط لأنه تزوج من فارسية وأنجبت منه علي زين العابدين أمه هي شهربانو بنت يزدجر بن شهريار بن كسرى ملك الفرس، ولقبها شان زنان، ومعناه ملكة النساء. إلصاق نسبه بعمار بن ياسر أورده صاحب مراقد المعارف( [2]) نقلا عن «نزهة أهل الحرمين في تاريخ تعميرات المشهدين» المخطوط للسيد حسن الصدر. والمشهدان: النجف وكربلاء، ( [2]) مراقد المعارف ، حرز الدين 2 : 61 . عثمان بن سعيد العمري نصّبه أبو الحسن عليّ بن محمّد الجواد ـ أي علي الهادي ـ، وأبو محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد ابنه كما يقول الصدوق، ويروي الشيخ في الغيبة بسنده عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيان: ((اشهدوا علي أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي، وأن ابنه محمدا وكيل ابني مهديكم)). وهو الشيخ الثقة، كان أسديّاً، ويقال له السمّان لاتجاره في السمن الذي كان يتخذه تغطية لنشاطه السياسي ولسفارته ووكالته كما يزعمون وهو زعم باطل لأنه كان فعلا يتجر في السمن ولكنه بعد أن تقلد منصب الباب والوكيل عن الإمام تخلى عن حرفته وطبيعي أن يتخلى عنها لأنه قد استبدلها بحرفة أخرى تتعلق بالنصب والاحتيال ولكثرة انشغالاته ولوجود سفراء له متآمرين معه ينوبون عنه في جمع الأموال من الشيعة إليه، وكان يجمع الأموال من الشيعة لحساب الإمام فيجعله في جراب السّمن يتستر عليه حتى ينفذه إلى الإمام وهذا استنتاج لتغليف الكذب المفضوح. لقد نصّبه للسفارة والوكالة أول الأمر أبو الحسن عليّ بن محمّد الجواد، ثمّ ابنه أبو محمّد الحسن بن علي الهادي، فتولّى القيام بأمورهما في حياتهما، ثمّ بعد ذلك قام بأمر المهدي وصاحب الزمان، وكانت التوقيعات والأجوبة على المسائل التي تعرض على الإمام تخرج على يديه، فلمّا قضى قام ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان... توفي محمد بن علي الجواد سنة: 220 هـ. وبوفاته تبدأ إمامة ولده علي بن محمد الهادي، فيكون الهادي إماما لمدة 34 سنة وهي المدة من وفاة والده إلى وقت وفاته هو سنة: 254 هـ، ويكون الوكيل والسفير الأول عثمان بن سعيد العمري وكيلا وسفيرا له لمدة 34 سنة أيضا، ومعنى ذلك أن السفارة دامت من وفاة محمد بن علي الجواد (أبو جعفر الثاني) إلى غاية وفاة علي بن محمد الهادي (أبو الحسن). ولا يقال أن عثمان بن سعيد العمري لم يكن سفيرا لعلي الهادي طول هذه المدة، بل بدأت سفارته في زمن الهادي ولا يعرف متى بدأت. لا يقال ذلك، لأن الوكالة والسفارة بدأتا مع علي الهادي بمجرد وفاة والده محمد بن علي الجواد بحسب عقيدة الشيعة التي توجب وجود إمام للناس في كل زمان ومكان. فاقتطاع سنين من علي الهادي يخلو له فيها وكيل وسفير قول لم يقل به أحد. والمصادر الشيعية على اختلاف بينها لا تتحدث عن خلو علي الهادي من وكيل وسفير له. ومن جهة أخرى يكون علي الهادي شخصية محجوبة عن الناس إلا عن الوكيل الأول عثمان بن سعيد العمري، علما بأن الغيبة الصغرى لم تبدأ إلا في سنة: 260 هـ سنة وفاة الحسن العسكري لتستمر إلى غاية سنة: 329 هـ سنة وفاة آخر السفراء لتبدأ الغيبة الكبرى. وهذا الاستنتاج لا يؤيده قول. ولا يعضده عقل، ولا يقبله واقع. فعلي الهادي شخصية ذات علاقة بغيرها من الشخصيات الأخرى من عائلته وذويه وأصدقائه وبني مجتمعه حتى ولو كان مسجونا علما بأنه لم يقض كل حياته في السجن، الشيء الذي يجب أن يفرض زمنا للوكالة غير الذي أطلقته مصادر الشيعة وهو غير موجود، ولم يقل به أحد فتكون وكالة عثمان بن سعيد العمري لعلي الهادي بإطلاقها سفارة مخالفة للواقع. فكيف نوفق بين القول بوكالة عثمان بن سعيد العمري لعلي الهادي بشكل مطلق، ووكالته له بقيد لم تذكره لنا مصادر الشيعة؟ أي وكالته له من تاريخ كذا إلى تاريخ وفاة علي بن محمد الهادي لتنتقل الوكالة إلى ولده الحسن بن علي؛ العسكري، ثم إلى محمد بن الحسن العسكري آخر إمام للشيعة الإمامية سنة: 260 هـ لتستمر إلى غاية سنة: 329 هـ. وللعلم فإن الوكالة التي نتحدث عنها في هذا الصدد ليست وكالة في الغيبة الصغرى ذلك أن الغيبة الصغرى قد بدأت في سنة 260 هجرية سنة وفاة الحسن العسكري. وعليه فالوكالة هنا بمعنى الخدمة لأن عثمان العمري قد كان خادما لعلي الهادي في بيت والده محمد الجواد كما نصت كتب الشيعة، ويكون أيضا بتثبيت الوكالة من نوع آخر جابيا للخمس والصدقات للإمام وكأن الإمام شحاذ يعتاش على الشحاذة. وإذا انتقلنا إلى بداية الوكالة في زمن الحسن العسكري لا بد أن نفرضها في نفس السنة التي توفي فيها الإمام علي الهادي والد الحسن العسكري لأن الدنيا لا بد لها في اعتقادهم من إمام حاضر ولو أن يكون فيها عدة أئمة مثل ما حصل مع علي بن أبي طالب بوجود الإمام الحسن والإمام الحسين والإمام علي زين العابدين وكذلك غيره من ذريته. لا بد من إمام واحد يرجع إليه ولا حجة لمن يرجع إلى غيره لأنه لم يصر بعدُ إماما بسبب حياة الإمام الذي يسيِّر شؤون الشيعة ويفتي لهم. وإلى هذه النقطة نحسب لعثمان العمري سنين من بدئ وكالته لعلي الهادي فتكون 34 سنة، ثم نضيف إليها سنين إمامة الحسن العسكري. لا يمكن لإمامة الحسن العسكري أن تبدأ قبل وفاة الإمام الذي سبقه وهو والده علي الهادي المتوفى سنة: 254هـ. في هذه السن تبدأ إمامة الحسن العسكري. وبالنظر إلى تاريخ ولادته سنة: 232 هـ نجده قد تقلد إمامة الشيعة وعمره: 22 سنة، واستمر فيها إلى سنة وفاته: 260 هـ فيكون قد أمضى ست سنوات إماما للشيعة، ويكون عثمان العمري قد أمضى في السفارة أربعين سنة، وإذا أضفنا إليه سفارته لمحمد بن الحسن العسكري لأن هذا الأخير قد نص على سفارته له في مصادرهم لا بد وأن نفرض عددا من السنين تبدأ من تاريخ وفاة الحسن العسكري سنة: 260 هـ ولكي لا نشطط نكتفي بأخذ قول الإمام المهدي فقد قال متحدثا عن الوكيل الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد العمري: ((وقّاه الله، لم يزل ثقتنا في حياة الأب..). هذا القول يقضي بحياة الوكيل الأول في زمن الإمام محمد بن الحسن العسكري، فهل نقتطع له مدة معينة من حياة صاحب الزمان؟ وكم نقتطع لنضيفها إلى تاريخ تقليده الوكالة خصوصا ونحن لا نعرف بالضبط تاريخ ولادته؟ لنأخذ سنة وفاة الحسن العسكري إلى تاريخ وفاة السفير الأول سنة: 265 هـ ونضيفها إلى مدة سفارته لثلاث أئمة كما نصت بعض كتبهم، وكما في رواية عن الطوسي: "عن جماعة، عن أبى محمد هارون بن موسى، عن أبى علي محمد بن همام الاسكافي، قال: "حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا أحمد بن إسحاق بن سعد القمي، قال: دخلت على أبى الحسن علي بن محمد (صلوات الله عليه) في يوم من الأيام، فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقول من نقبل وأمر من نمتثل؟ فقال لي (صلوات الله عليه): هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعني يقوله وما أداه إليكم فعني يؤديه. هذا القول يقضي بأن يكون عثمان بن سعيد العمري ثقة لمحمد الجواد كما في بعض كتبهم، ووكيلا لعلي الهادي ولو من باب تهيئة الأجواء للغيبة الصغرى كما في بعض كتبهم أيضا، ولكن عثمان بن سعيد العمري قد كان في سن الحادية عشرة حين بدأ خدمة ولد محمد الجواد؛ علي الهادي ومعنى ذلك أن الواقعة حصلت بعد ما أمضى فترة في بيت محمد الجواد ولا بأس. فلما مضى أبو الحسن علي الهادي وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري. والأئمة الذين روى عنهم عثمان وكان ثقتهم هم: علي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري ومحمد بن الحسن العسكري. بأخذنا لتلك السنوات نجد أن عثمان بن سعيد العمري قد كان وكيلا لأئمة ثلاث مدة: 50 سنة، هذه المدة كلها عاشها دون الصبا والطفولة والشباب، فكم نفترض له من سنوات قبل تسلمه فيها الوكالة والسفارة؟ لقد قالت مصادر شيعية أنه ابتدأ خدمة الإمام الهادي في سن 11 سنة. وقال العلامة في الخلاصة: "عثمان بن سعيد العمري بفتح العين، يكنى أبا عمرو السمان، يقال له الزيات الأسدي، من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الثاني خدمه وله إحدى عشرة سنة، وله إليه عهد معروف، وهو ثقة، جليل القدر، وكيل أبي محمد. يعرف بالسمّان حيث كان يتجر ببيع السمن، وكانت الشيعة من جميع الأقطار النائية تحمل الحقوق الشرعية المتعلقة في أموالها ـ من ذهب وفضة ـ إلى الإمام أبي محمد الحسن العسكري في ظروف السمن وزقاقه وترسلها إليه بواسطة العمري بسبب ظروف التقية التي كان يعيشها الشيعة آنذاك خوفاً من السلطة العباسية الجائرة". لا نأخذ بالقول في الخلاصة (خلاصة الأقوال المعروف برجال العلاّمة الحلّي) كون خدمته للإمام قد كانت لمحمد الجواد، بل نأخذ كونها كانت لعلي الهادي ولا بأس لأننا إذا أخذنا بغيرها ومن حقنا بحسب ما تفرضه علينا اللغة العربية؛ نحاجج إلى درجة التبكيت ولكننا لا نفعل، نأخذ بخدمة علي الهادي ولكن هناك إشكال كبير في هذه الرواية وهي اعتبار عثمان بن سعيد العمري قد صاحب محمد علي الجواد، وقد يتبادر إلى الذهن القول بإمكانية ذلك ومعقوليته وهو كذلك لأن صاحب الإحدى عشرة سنة قد مكث على صلة بالإمامين ذلك أنه قد نضج في بيت الإمام محمد الجواد الذي يكبره فقط بخمس سنين أي أنه من جيله يفترض أن يكون صاحبه وراوي أخباره لأنه صار في عداد الرجال في بيته ليكون صاحبا، وهنا نضطر إلى الذهاب إلى إشكال أكبر من الكبير وهو استحالة التوفيق بين ما قيل وما وضع من تواريخ. فعثمان بن سعيد العمري قد بدأ خدمة علي الهادي حين كان عمره 11 سنة، وهو من مواليد سنة: 200 هـ يصغر محمد الجواد والد علي الهادي بـ: خمس سنين. وكان صاحب محمد الجواد ومعنى ذلك أن عثمان العمري في الوقت الذي كان عمره أحد عشر عاما سنة:211 هـ كان عمر محمد الجواد ست عشرة سنة، لأنه من مواليد سنة: 195 هـ. ولكي يخدم عثمان العمري ولد محمد الجواد علي الهادي يجب أن يكون في الوجود وهو غير موجود لأن أباه محمد الجواد كان طفلا. ولكي ينجب يجب أن ينضج حتى يبلغ الحلم ويبدأ جسمه في إنتاج النطف كي يأتي منها ولده علي الهادي فكم يكون عمر عثمان العمري؟ عمره إحدى عشرة سنة، وعمر محمد الجواد ست عشرة سنة، ودعنا نضع تاريخا لزواجه من هذا التصور فنقول أنه تزوج حين كان عمره خمس عشرة سنة حتى يكون ذلك منسجما مع افتراضنا إنجابه لعلي الهادي سنة: 212 هـ فيكون عثمان العمري قد بدأ خدمة سيده وسيده صبي بعمر عام واحد، وإذا نزلنا إلى تاريخ زواجه قبل التاريخ الذي افترضناه وليكن سنة: 210 هـ يكون العمري قد خدم غيبا ووهما لأن موضوع بدء خدمة سيده غير منسجم مع رواية خدمته حين كان عمره 11 سنة. وإذا رفعنا سن الزواج يكون التاريخ المذكور غير منسجم أيضا مع رواية بدء خدمة سيده وهو ابن أحد عشر عاما لأن علي الهادي لم يكن من أهل الدنيا بعد. إنه بأخذنا لتاريخ ولادة محمد الجواد سنة: 195 هـ، وسنة ولادة ولده علي الهادي سنة: 212 هـ نجد أن محمد الجواد قد أنجب وعمره 17 سنة وهذه السن مقبولة للإنجاب، ولكن بأخذنا لخدمة عثمان العمري لعلي الهادي حين كان عمره 11 سنة يكون ذلك في سنة:211 هـ ويكون تاريخ ولادته سنة: 200 هـ وفيها يكون محمد الجواد بعمر خمسة أعوام، أي أن عثمان العمري يصغر محمد الجواد بخمس سنين كما قلت، وحين وصل سن الحادية عشرة كان محمد الجواد بعمر ستة عشر عاما وهو عمر مقبول للإنجاب كما أنه مقبول أيضا لكون عثمان قد كان صاحبا لمحمد الجواد لأنه أكبر منه بخمس سنين فهو من جيله إذن ولكنه غير مقبول للتواريخ المذكورة أعلاه عليك حضرة القارئ المحترم أن تعمل فيها عقلك لتستنتج أن هناك يدا تضع التواريخ وهي مرتبكة لا تحسن وضعها فتقع في الخلط والتناقض وطبيعي أن ينتج الخلط والتناقض من الكذب. عثمان بن سعيد العمري الوكيل الأول للشيعة الإمامية ابتدأ في خدمة علي الهادي في سن:11 سنة كما تنص مصادر الشيعة الإمامية، ومات سنة: 265 هـ بمدينة بغداد ودفن فيها، وعلي الهادي حياته ومماته في سنة (212 هـ ــ 254 هـ) والحسن العسكري في سنة: (232 هـ ــ 260 هـ)، ومحمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر في سنة: (255 ـ ولا تاريخ لوفاته لأنه بمعتقدهم لا يزال يحيا. لقد بدأت وكالة عثمان العمري بتاريخ وفاة محمد علي الجواد سنة 220 هـ فبوفاته تبدأ إمامة إمام جديد وهو ولده علي الهادي فيكون علي الهادي إماما قد ابتدأت إمامته من تاريخ وفاة والده في السنة المذكورة، وكان عثمان العمري كما في كتب الشيعة الإمامية قد ابتدأ خدمة علي الهادي وهو ابن أحد عشر عاما، فكم نضيف إليه من سنوات حتى نقبل به وكيلا ما دام صغير السن ولا ينطبق عليه حسب معتقد الشيعة المعنيين ما ينطبق على أئمتهم المعصومين والراشدين قبل سن رشد البشر، إذ هم دائما في مستوى الإمامة مهيئون لها ولو كانوا صبيانا لأن العلم والحكمة والمعرفة يأتيهم ولا يعوزهم شيء مما يحتاجه الناس في حياتهم، وعليه لا بد لعثمان العمري أن يرشد حتى يكون وكيلا، لنضف إليه 9 سنوات حتى تكون سنه 20 سنة وهي سن مقبولة وفيها يكون قد بدأ الوكالة لعلي الهادي.. بدأ عثمان العمري السفارة لعلي الهادي وعمره 20 سنة وعمر علي الهادي 8 سنوات. لقد ابتدأ خدمة إمامه في سن 11 سنة كما في الكتب المعتبرة للشيعة الإمامية، فكم كان عمر علي الهادي حين بدأت خدمة عثمان العمري له؟ كان عمر علي الهادي سنة واحدة فقط لأنه من مواليد سنة: 212 هـ وعثمان قد بدأ خادما بعمر11 عاما، ومعلوم أن الصبي في تلك السن لا يخدمه إلا أمه، لا يخدمه إلا امرأة ونادرا ما يخدمه رجل، وعلي الهادي ليس مقطوعا من شجرة، ولم يقل أحد أنه تربى يتيما، فكيف نوفق بين قول أنه بدأ خدمة إمامه علي الهادي في سن 11 سنة؟ لقد علمنا مما منحه لنا (مؤرخوهم) و(علماؤهم) أن عثمان العمري لم يكن وكيلا لمحمد الجواد علما بأنه من جيله بينهما خمس سنوات كفرق مما يوجب أن يكون وكيلا له حتى هو، بل كان وكيلا لعلي الهادي والحسن العسكري ومحمد بن الحسن العسكري؛ المهدي المنتظر، فهل نعتبرها وكالة في الدين والمذهب؟ الجواب: كلا، لأن محمد الجواد لم يكن له وكيل وكان إماما في حياة وزمن علي الهادي، وهذا الأخير يستحيل أن يكون إماما في حياة أبيه مثله مثل علي بن أبي طالب الذي كان إماما في حياة ولده الحسن والحسين وحفيده علي زين العابدين، فماذا نفعل؟ ما نوع خدمة عثمان العمري لعلي الهادي وهما طفلين الأول بعمر أحد عشر عاما، والثاني بعمر سنة واحدة؟ هل يمكن لأمه وأبيه أن يسمحا لعثمان العمري بخدمة ولدهما والصبي يحتاج إلى خدمة لا يصلح لها الرجل فضلا عن الطفل إلا نادرا وفي حالات خاصة وفي أوقات قليلة؟ ما هذا الذي نحن بصدده من إشكال يستعصي عن الحل؟ هل نقول أن علي الهادي لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الصبيان لأنه إمام معصوم مؤيد ومحفوظ لا تجري عليه أمور الصبيان من عناية خاصة وتربية متميزة وخدمة من نوع خاص تتعلق بإزالة برازه وتنظيفه من البول والغائط لأنه صبي لا يستطيع فعل شيء لقضاء حاجته إلا في لباسه الداخلي وحيثما كان وفي أي وقت تطلبته حاجته العضوية؟ وإذا قلنا بذلك فماذا نقول في شخص رسول الله الصبي صلى الله عليه وسلم وهو عند أمه المصونة آمنة ثم عند مربيته الطيبة الحنون حليمة السعدية؟ هل قال أحد بخروجه عن طبيعة صباه وطفولته إلا من أمور لا علاقة لها بالتربية؟ هل نقول أن خدمته لم تكن خدمة من هذا النوع؟ وإذا قلنا فقولنا مخالف لما وردنا عنه صلى الله عليه وسلم، فلم يصلنا شيء من ذلك، فهل محي؟ وإذا لم يمح فهل كان أئمة الإثني عشرية أفضل منه؟ فأي نوع من الخدمات كان يقدمها عثمان العمري لعلي الهادي الصبي وكلاهما طفل صغير، بل إن سيده محمد الجواد طفل بعمر16 عاما؟ هل بدأ خدمته من سنة 212 هـ سنة ولادة علي الهادي إلى غاية سنة 223 هـ وهي السن المقررة لخدمته في مصادر الشيعة فيكون علي الهادي بهذه السن قد وصل من العمر 11 سنة؟ وإذا كان كذلك فمتى بدأت إمامته ومعتقد الشيعة الإمامية يقضي ببدء الإمامة للإمام الجديد بمجرد انتهاء إمامة الإمام الذي مات ومحمد علي الجواد قد مات سنة: 220 هـ وهذه السن هي تاريخ بدء إمامة علي الهادي، بدأ إمامته بعمر ثمان سنوات ولكن وكالة عثمان العمري تكون مبتدئة في سنة غير السنة التي يجب أن تكون قد بدأت فيها، فبهذا الاحتمال يكون الوكيل الأول قد باشر وكالته وهو بعمر سنتين، ثم ثلاث فأربع إلى أن مات الإمام محمد الجواد وفيها وصل الإمام علي الهادي من العمر 8 أعوام لأن إمامة خلفه تبدأ في نفس يوم الوفاة، ويوم الوفاة لوالد علي الهادي محمد الجواد قد كان سنة 220 هـ وعثمان العمري قد دخل في خدمة علي الهادي حين كان عمره 11 سنة واستمر فيها ولن تكون تلك السن بقابلية خدمة السيد لسيده، لأن خدمة الصبي من نوع الوكالة لا تكون من صبي مثله، ووكالة عثمان العمري لا تكون وهو صبي، بل لا بد أن ينضج فهل يعقل هذا؟ هل نقول أن عثمان العمري قد خدم سيده محمد الجواد وهما في سن متقاربة بينهما 5 سنوات كفرق؟ هل نقول أن عثمان العمري قد خدم محمد الجواد وعلي الهادي وهو صبي، ثم خدم علي الهادي بدءا من بداية إمامته يوم وفاة والده وهو بعمر 20 عاما؟ وفي مصادر الشيعة الإمامية لا يوجد تاريخ لمولد عثمان العمري، وبخبر واحد في مصادرهم الذي يقول بخدمته لعلي الهادي وهو في سن الحادية عشرة نستطيع معرفة تاريخ ميلاده بالطرح المذكور، وفيه إشكال كبير وخلط فاضح وبعد تام عن الحقيقة، وإذا تقرر رفض ما ذكرت وسوف يرفض بطبيعة الحال أسوق فرضيات أخرى وأضعها للمناقشة وكلها تنتهي إلى نفس النتيجة من الخلط والتناقض والدجل.. فلا يستقيم لكلامهم قول، ولا يؤيدهم فيه فعل، فالأمر محسوم بالعقل والشرع وكلاهما يقضي بموقف اتهامهم بتزوير التاريخ والكذب على آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. افرض ما شئت لعثمان العمري معتمدا على مصادرهم التاريخية في زعمهم خدمة العمري لعلي الهادي فستنتهي إلى الدجل، افرض له سنا مقبولة للرشد حتى يخدم فيها إمامه، افرض له ما شئت من الافتراضات معتمدا على تصريحهم بخدمة عثمان العمري لعلي الهادي وهو ابن 11 سنة وضع ما تريد من الاحتمالات فستنتهي إلى حبك غير مضبوط، وروايات غير متقنة، وزعم غير خاضع للمعقولات الشيء الذي يعطينا نتيجة هي أن إدارة دين الشيعة الإمامية من طرف الوكلاء وخصوصا الوكيل الأول إدارة فيها تدبير غير محكم لدين الشيعة الإمامية يكشف تآمرهم على الإسلام وعلى آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبهم عليهم وعلى أتباعهم بغية استغلالهم ماديا الشيء الذي أدى إلى تضليلهم ولم يكن لهم في حياتهم رغبة في الاعتراف بالحق، ولكنهم في آخر حياة الوكيل الرابع تقرر لديه أن ينهي اللعبة القذرة ولكنه لم يفلح فجاء من هم أكثر دهاء وذكاء من الوكلاء أضافوا وأولوا وزادوا فقالوا بالغيبة الكبرى، ثم خلفهم من قال بولاية الفقيه تثبيتا لعنصر الاستغلال وإمعانا في توسيع رقعة الحقد على دين الله تعالى، ومنهم من تقدم بحسن نية للإصلاح فما كان منه إلا أن هوى في الهاوية، وسقط في النار الحامية. هذه نظرة إلى الوكيل الأول من زاوية خاصة. ومن زاوية أخرى نسوق كتبا معتبرة للشيعة نصت على أن المهدي لا وجود له، وأن الحسن العسكري لم يخلف ولدا، وأن عثمان العمري بادعائه السفارة لمحمد بن الحسن العسكري يكون كذّابا، وبالتالي نصّابا لا همّ له إلا جمع المال ورفع رصيد ثرواته منه والاستمتاع به وبنساء الأتباع فيما يسمى بنكاح المتعة وإعارة الفروج. فهذا كتاب: الغيبة للطوسي صفحة: 74، وكتاب: الإرشاد للمفيد صفحة: 345، وإعلام الورى للفضل الطبرسي صفحة: 380 والمقالات والفرق للأشعري القمي صفحة: 102 يقولون أن الحسن العسكري لم يخلف ولدا، وأن أخاه جعفر صلى عليه بعد وفاته وهو الذي قام بأمره من غسل وكفن، ثم دفنه، ثم تقسيم تركته على ورثته من نسائه بعد استبرائهن وبراءة أرحامهن من الحمل وثبوت ذلك لدى القاضي والسلطان، وكان أحد الورثة له مع أمه، وفي بعض المصادر أن عثمان العمري هو الذي تكفل بغسله وكفنه ودفنه بأمر من الحسن العسكري لأنه وكيله على شيعته.. ونعلم أن أسرة الحسن العسكري لم تسمح لأحد من الاقتراب من فقيدها إلا تعزية أو إلقاء نظرة عليه قبل دفنه، فكيف يحشر العمري أنفه ويدعي غسل الرجل وكفنه، ثم دفنه والفقيد ذو عائلة من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وله نساء منهن أصهاره؟ كيف يكون ذلك والواقع يكذبه؟ يبدو أن عثمان بن سعيد العمري أول خائن في بيت الحسن العسكري لأنه كان خادما فيه كما يقولون أو كان جارا له كما هو الواقع والحقيقة. والمفروض في الجار أن يحفظ الجوار وأن يعين جاره على الخير لا أن يكذب عليه ويدعي لنفسه ما لم يكنه حتى إن آل بيت الحسن العسكري قد أنكروا ادعاء الوكالة والنيابة ووجود ولد لفقيدهم الحسن العسكري. والأمر غاية في البساطة فبعد أن ادعى محمد بن نصير النميري أنه سفير وكان قد اختلق فكرة وجود خلف للحسن العسكري خاف منه غيره ممن كانوا على ارتباط بالإمام فتنافسوا على الوهم بعد أن وجد فيهم من صدقه وهم الاثنا عشرية، وأنكرها 14 فرقة. اتصل بعثمان العمري بعض من الشيعة الطماعين واتفقوا معه على إدارة اللعبة على أن يكون هو الباب للإمام الغائب، للصبي الصغير الذي افترضوه فنجحوا وطردوا النميري ولعنوه وهكذا إلى أن وجد منافسون لولد عثمان؛ محمد العمري، ثم للحسين بن روح، ثم لعلي السمري، ثم انتهت اللعبة ليأتي بعدها فقهاء ومعممون قالوا بالغيبة الكبرى، وقالوا بالنيابة عن الإمام وما كان الإمام إلا هم أنفسهم، كما لم يكن الإمام في حياة الوكلاء الأربعة إلا نفس السفراء الأربعة مع منظرين لهم ممن نافق فخبّأ خبثه ومكره تحت عمامته. وفكرة اللعبة القذرة قد بدأت قبل هؤلاء ولكنها لم تؤت أكلها مع الواقفية حين زعموا أن الإمام الكاظم قد غاب وواجههم على ذلك ولده موسى الرضا لتظهر من جديد على يد محمد بن نصير النميري ليستلمها منه بعض ممن اختاروا الغبي عثمان العمري والخائن الأول لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم طمعا في المال والاستمتاع بالنساء فاستغبوا البسطاء من الناس وركبوا محبة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستغلين السذج فابتزوهم ونصبوا عليه واستغلوهم ولم يزل استغلالهم إلى يومنا هذا مع الضلال المبين، ليتهم استغلوهم دون أن يضلوهم، بل أضلوهم وجاءوهم بدين جديد يبرأ منه الإسلام والمسلمون.. ============= النصّاب الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد العمري (أبو جعفر) ثانيا: الشيخ الذي يكنونه أبو جعفر، وهو محمّد بن عثمان بن سعيد العمري الأسدي. لقد عيّنه الإمام المهدي وكيلا ثانياً له يقوم بالسفارة عنه، ويقوم بأعماله، عيّنه بعد وفاة أبيه الوكيل الأوّل الشيخ عثمان بن سعيد العمري، وكانت مدّة وكالته أربعين سنة، من 265 ﻫـ تاريخ وفاة والده إلى سنة 305 ﻫـ سنة وفاته هو بمدينة بغداد التي دفن فيها ومرقده في المسجد المعروف بـ "الخلاني"، أي أنه أصبح وكيلا عندما بلغ الإمام المهدي ـ محمد بن الحسن العسكري ـ 10 سنوات، طفل صغير يوكل وكيلا عنه ليدير دين الشيعة ويستمر في وكالته إلى أن يبلغ الإمام المهدي 50 سنة. وقد أعلمه الإمام المهدي بزمن وفاته فشرع يهيئ لموته وأوصى إلى خلفه الشيخ الحسين بن روح النوبختي، ووصيته للحسين بن روح كانت بأمر الإمام. قبل الحديث عن الوصية دعونا نقف على علم الغيب الذي يعلمه الإمام، فقد أعلم وكيله بزمن موته، والله تعالى ينفي بشكل مطلق أن يعلم الغيب أحد إذ يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ((قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)))، النمل، ويقول: ((أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41)))، الطور، وقال: ((أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35)))، النجم، وقال: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27))) الجن، والأئمة ليسوا أنبياء ولا رسلا ولا يمكن أن يصلوا إلى منزلة الأنبياء والرسل، وقال تعالى: ((مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179))) آل عمران، وقال: ((قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)))، الأنعام، وقال: ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)))، الأنعام، وقال: ((قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)))، الأعراف، ثم إن هذه الوصية من وكيل إلى وكيل تقدح في الوصية ذاتها، إذ كيف يطلب المهدي من وكيله أن يوصي لوكيل آخر سيخلفه وهو سيلقاه وسيباشره بالتعاليم يوصلها إلى الشيعة؟ كيف يكون ذلك ومنزلة الوكلاء (السفراء) عالية لأنهم يلتقون الأئمة ولا يشاركهم الرؤية والمجالسة للإمام الأخير أحد لأنه قد دخل الغيبة الصغرى ولكن بعد وفاة والده الحسن العسكري؟ لا أسأل كيف يتم حجب الناس عن الإمام والاستئثار به من طرف السفراء (الوكلاء) الأربعة دون غيرهم والمعروف للتاريخ أن علي الهادي والحسن العسكري لم يكونا محجوبين عن الناس بلحمهم ودمهم، لم يكونا غائبين كما يروون هم أنفسهم في كتبهم من حوادث وقعت لهم مع الحكام وفي السجون وفي الإقامة الجبرية فكيف يغيبون محمد بن الحسن العسكري؟ هل يغيبونه باسم الغيبة الصغرى حتى يظلوا مستأثرين به لوحدهم في ترتيب مدبر وفي ذلك استئثار بالأموال التي يتلقونها من الأتباع للإمام الذي لم يكن سوى هم أنفسهم؟، هل يغيبونه لأنه أصلا معدوم وأسطورة؟. يلقبون محمد بن عثمان بالخلاّني نسبة إلى بيعه الخل الذي كان يتكسب منه تسترا كما يزعمون لأداء سفارته ووكالته عن المهدي. سئل مرة: هل رأيت المهدي صاحب الأمر؟ فأجاب: نعم، وأضاف ((آخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو يقول ـ أي المهدي ـ: «اللهم أنجز لي ما وعدتني»... ورأيته ـ أي رأى المهديَّ الوكيلُ الثاني ـ متعلّقاً بأستار الكعبة وهو يقول:((اللهم انتقم لي من أعدائك))، والسؤال المطروح كيف رأى هذا الوكيل المهدي في مكة المكرمة وهو في العراق لم يغادره؟ كيف رآه وهو في بغداد تحديدا يتستر على الناس بغية تدبير أمور ترتيب أكاذيب يخرج بها على البلهاء ليصدقوه من مثل رؤيته للمهدي وأخذ تواقيع منه وتعليمات لتسيير شؤون الشيعة؟ كيف لا يصدر من فيه المهدي إلا الرغبة في الانتقام؟ ما هذا القلب الذي يحمل؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصل في التأسي والاقتداء وهو لم يكن حقودا فما بال (حفيده) المهدي حقودا إلى هذه الدرجة؟ أم أن الحقود هو الذي ينسب إليه ما لم يقله؛ هذا إذا كان قد وجد حقيقة أما الآن فما هو إلا أسطورة الأساطير؟ عن إسحاق بن يعقوب قال: سمعت الشّيخ العَمْريّ محمّد بن عثمان (سفير الإمام المهديّ عليه السّلام) يقول: صَحِبتُ رجلاً مِن أهل السّواد ومعه مالٌ للغريم عليه السّلام (أي صاحب الأمر الحجّة المهدي سلام الله عليه) فأنفذه، فردّ عليه: أخْرِجْ حقَّ وُلْد عمِّك منه، وهو أربعمائة درهم. قال: فبقيَ الرّجل باهتاً متعجّباً، فنظر في حساب المال.. وكانت في يده ضيعة لولد عمّه، قد كان ردّ عليهم بعضها، فإذا الّذي فضل له من ذلك أربعمائة درهم ـ كما قال عليه السّلام ـ فأخرجها وأنفذ الباقي، فقُبِل)) دلائل الإمامة للطبري الإمامي 286. الكافي للكليني 519:1 /ح 8ـ. هذه الحكايات تشبه حكايات جحا، فقد ارتدى جحا قناع الذئب وشرع يقتل للناس مواشيهم في قراهم، وكلما جدّوا في ملاحقته وتمكنوا منه لقتله كلّمهم بكلام الناس ففزعوا ورجعوا مشدوهين، وعندما بالغ في قتل مواشيهم قرروا مفاتحته فاقترحوا عليه أن يرعى مواشيهم فطفق يبكي، استغربوا لبكائه وقد كان الأولى أن يضحك لأن له ما يريد من أغنامهم يأكل منها على قدر حاجته بشرط ألا يقتل، فسألوه: لماذا تبكي والأولى أن تفرح وتُسرّ؟ فقال: أخشى أن تكذبوا علي؟ أي أخشى أن لا تنصبوني راعيا لمواشيكم، هذه الحكاية تشبه حكاية وكلاء المهدي وسفراء الأئمة، فهي مثل قصص ألف ليلة وليلة، مليئة بالغرائبية تصلح دخول الأدب من أوسع أبوابه، ولحسن حظ الناس أن أولئك الدجاجلة لم يكونوا علماء كيمياء ولا فيزياء ولو كانوا لكان الضلال أكبر وأوسع في إتيانهم أعمالا وفنونا تسلب عقول الجهلة، لحسن الحظ أنهم لم يكونوا على دراية بفنون الخداع والألعاب البهلوانية الممارسة في السركوس، Les Cirques أو على خشبات المسارح والسينما، فلو كانت لديهم لأضلوا أكثر مما أضلوا، ولقد مر معنا أن الغيب لا يعلمه أحد إلا الله أو من تكرم الله به عليه مثل الأنبياء والرسل والرجل الصالح المذكورة قصته في سورة الكهف وليس الأئمة الذين لم يرد عنهم شيئ ولا غيرهم لأن منزلتهم دون منزلة الأنبياء والرسل خلاف مزاعم الأبله الخميني الذي يرفعهم فوق منزلة الأنبياء والرسل والملائكة.. وفي مصادرهم أن محمد بن عثمان العمري الوكيل الثاني قد روى عن الإمام علي الهادي، والإمام الحسن العسكري، والإمام المهدي. وعن آثاره وكتبه.. فقد قال ابن نوح: أخبرني أبو نصر هبة الله ابن بنت أمّ كلثوم بنت أبي جعفر قال: كان لأبي جعفر العمريّ محمّد بن عثمان كتبٌ مصنّفة في الفقه، ممّا سَمِعها من أبي محمّد الحسن (العسكريّ) عليه السّلام، ومِن الصاحب عليه السّلام، ومِن أبيه عثمان بن سعيد عن أبي محمّد (العسكري) وعن أبيه عليّ بن محمّد (الهادي) عليه السّلام. ذكرت الكبيرة أمّ كلثوم بنت أبي جعفر (العَمريّ) رضي الله عنها أنّها وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه عند الوصيّة إليه، وكانت في يده. قال أبو نصر (هبة الله): وأظنّها قالت: وصلت بعد ذلك إلى أبي الحسن السَّمَري (علي بن محمد ـ السفير الرابع) ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ. هل نصدق أن الوكلاء للمهدي أو أحدهم أو أحدا من الأئمة بدءا من علي بن أبي طالب إلى محمد بن الحسن العسكري قد خلّف كتابا واحدا في أي مجال سواء كان ذلك في الفقه أو العقيدة أو الأحكام؟ لا يوجد كتاب واحد خلّفه الأئمة، ولا يوجد كتاب واحد خلّفه وكلاء المهدي لماذا؟ لماذا ضاع علم الأئمة وفقههم؟ هل يتهمون أهل السنة بإتلافه وقد رووا مآت الأحاديث في البخاري الذي كان معاصرا للجواد والهادي والعسكري، ورووا المآت الأخرى في مسلم وغيرهما لعلي بن أبي طالب ورووا للحسن والحسين رضي الله عنهم وعن جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين؟ فعلماء السنة والحفاظ منهم رووا آلاف الأحاديث وهي مبثوثة في كتبهم ومحفوظة فيها وإذا اتهموهم فإن علم الأئمة محفوظ في بطون نفس كتب أهل السنة، ولمن أراد أن يتعرف على علمهم وفقههم على قلته فعليه أن يذهب إلى تلاميذهم فهم الذين حفظوه لهم، انظر إلى جعفر الصادق التابعي الجليل والفقيه العالم لم يخلف كتابا واحدا خلاف غيره من فقهاء المسلمين وعلمائهم كمالك والشافعي وغيرهما ومع ذلك فقد أنصفه الذين تتلمذوا على يديه فحفظوا عنه علمه على قلته، وإذا نظرنا إلى مصائب تضييع العلم نجد أن الشيعة هم الذين ضيعوا العلم، فهم الذين ساعدوا هولاكو على غزو العراق وكانوا إلى جانبه فأتلف العلم برمي كتبه في الفرات، هم الذين راسلوه كالوزير العلقمي وأغروه على غزو العراق، ساعدوه على إحراق مكتبات إسلامية ضخمة بها الشيء الكثير من العلم ولا نقول كتب الأئمة لأنه لم يُعْرف لهم كتاب واحد، وإذا أصر غيرنا على اعتبار أن لهم كتبا فليخرجوها لنا، وإذا قالوا أنها أتلفت في الفرات فهم الذين أتلفوها، أضف إلى ذلك أن العلم ليس حكرا على أحد ما دام قد خرج إلى الناس، صحيح أن الأمانة العلمية تقضي نسبة العلم إلى أهله هذا إذا كان هناك أسلوب معين قد حفظ علما معينا فلا يصح إلا أن تنسبه إلى أهله وتضعه بين مزدوجتين، أما إذا حُفِظ العلم وعُبِّر عنه بأسوب الذي حفظه فلا حرج أن ينشره دون أن يذكر المصدر لأن العلم عالمي ما دام قد خرج من صدور الرجال، انظر إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أليسوا هم الذين نقلوا إلينا ديننا؟ فأين علمههم وفقههم؟ انظر إلى الليث بن سعد، ألم يقل عنه الشافعي أنه أفقه من مالك فأين فقهه؟ وصلنا فقه مالك ولم يصلنا إلا القليل من فقه الليث فأين هو؟ أين فقه أولئك وعلمهم؟ إن علمهم وفقههم مبثوث في كتب العلم والفقه وليس فيها ذكرهم إلا قليلا وهذا يؤكد عالمية العلم الإسلامي والفقه الإسلامي والثقافة الإسلامية وأنها مملوكة للناس ما دامت قد خرجت للناس لأن طبيعة المبدأ الإسلامي أنه للناس كافة، فلا حقوق طبع ولا حقوق نشر ولا أي شيء إلا الأمانة العلمية وهي لا تعني سوى الحفاظ على العلم ونسبته إلى أهله إذا كان مبثوثا في كتب بأسلوب صاحبها وهو ما يسمى الحقوق المعنوية وهكذا. ((وقال أبو نصر هبة الله: وجدت بخط أبي غالب الزراري رحمه الله وغفر له أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري رحمه الله مات في آخر جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمائة، وذكر أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد أن أبا جعفر العمري رحمه الله مات في سنة أربع و ثلاثمائة، وأنه كان يتولى هذا الأمر نحوا من خمسين سنة يحمل الناس إليه أموالهم ويخرج إليهم التوقيعات بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن (ع) إليهم بالمهمات في أمر الدين والدنيا وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة رضي الله عنه وأرضاه)). الغيبة للطوسي، صفحه: 367. لنقف قليلا عند العبارة التي وضع تحتها خط، فهي تشي بكذب غبيّ، ذلك أن التوقيعات التي كانت تخرج في حياة الحسن هي للحسن، والحسن لم يكن في الغيبة الصغرى ولكنه تجاوزا قد كان محجوبا عن شيعته في إقامته الجبرية ليكن ذلك، ولكن أن يخرج التوقيع في حياة محمد ابنه وهو في الغيبة الصغرى، ثم يكون نفس التوقيع فهذا أغبى، ذلك أن الحسن قد كان له خط خاص به فلا يمكن تقليده أو قل يصعب تقليده، وعليه كان هذا كذبا، ولنبحث معهم عن مخرج فنقول أن التوقيع الذي كان يخرج في حياة الحسن لم يكن خطا، بل كان عبارة عن تأثير شيء أو رسمه على صك أو ورق أو ما شابه ومعنى ذلك أنه قد كان للحسن خاتم يختم به ما يخرجه مكتوبا إلى شيعته فكذلك محمد بن الحسن ابنه المزعوم، ونفس الأثر أو الرسم أو الخاتم أو التوقيع والطابع على حد تعبيرنا اليوم تناقله السفراء فيما بينهم إلى أو وصل عند السفير الأخير، ثم اختفى نهائيا، والغريب أن لهم من نفس المهدي قول يحرم فيه إظهار توقيعه إلا للوكلاء وفي ذلك ما فيه من تدبير مكشوف يخشى عليه الفضيحة فسُيِّج بكلام منسوب إلى الأسطورة محمد المهدي المنتظر حتى لا يجرؤ أحد على المطالبة بإظهار توقيع الإمام وقد حصل. وروى عنه عبد الله بن جعفر الحميري، وإسحاق بن يعقوب.. وكانت وفاته في 30 جمادى الأُولى 305 ﻫ، ودُفن بالعاصمة بغداد، وقبره معروف يُزار في الجامع الخلّاني. =========================== النصاب الثالث: الحسين بن روح (أبو القاسم) ثالثا: الشيخ الحسين بن روح النوبختي وهو أبو القاسم ولد في القرن الثالث الهجري كما في بعض المصادر الشيعية فلا يعرف له تاريخ محدد للميلاد. ولد في إيران وتوفي سنة: 326 هـ بالعراق ودفن بمدينة بغداد، أي أنه مكث في وكالته منذ وفاة سلفه سنة 305 هـ إلى أن مات سنة: 326هـ وقد بلغ الإمام بموت وكيله 71 سنة، ودفن في محلة الشورجة وقبره معروف عليه قبة في جامع مأهول. يصفونه بالدهاء، ويلصقون به صفة الصبر والجلد والوفاء دون أن تجد تلك الصفات سبيلا إلى الواقع العملي لأنه لم يتعرض للأذى حتى يمتحن في كشف مكان (الغائب) الغيبة الصغرى، وهو من الوكلاء، ورتبته؛ الثالثة، وكانت مدة تلك الوكالة في حقه 20 سنة من تاريخ: 304 هـ أو 305 هـ تاريخ وفاة الوكيل الثاني إلى 326 تاريخ وفاته كما تقدم. وفي رواية عن أم کلثوم بنت أبي جعفر العمري أنها قالت: ((کان أبو القاسم الحسين بن روح، رضي اللّه عنه، وکيلا لأبي جعفر، رضي اللّه عنه، ينظر له في أملاکه ويلقي بأسراره الرؤساء من الشيعة، وکان خصيصا به حتى إنه کان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه، وأنسه به. قالت: وکان يدفع إليه في کل شهر ثلاثين دينارا رزقا له إلى أن قالت: ((وحل في أنفس الشيعة محلا جليلا لمعرفتهم باختصاص أبي إياه، وتوثيقه عندهم ونشر فضله ودينه وما کان يحتمله من هذا الأمر، فمهدت له الحال في طول حياة أبي إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه فلم يختلف في أمره، ولم يشک فيه أحد)). أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج ٦ – الصفحة: 21. دعونا لا نناقش ما كان يحدث به العمري من سيخلفه عن جواريه وفي الحديث ما فيه من خدش في مروءة كاشف تلك الأسرار. دعونا لا نناقش ذلك، بل نناقش ما كان يتقاضاه الرجل من أموال، دعونا نعرف كم كان يتقاضى الوكيل الثالث؛ الحسين بن روح قبل أن يكون وكيلا بعد محمد بن سعيد العمري. تحكي عنه بنت محمد العمري أنه كان لصيقا بأبيها، والأهم ما كان يتقاضاه من أجرة، إذ صرحت أن مقدار أجرته الشهرية ثلاثون دينارا، والدينار دينار بيزنطي لأنه هو الذي كان متداولا بين العرب في الجاهلية وظل كذلك في الإسلام وفي حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم إلى أن غيّر الدينار البيزنطي بالدينار الإسلامي؛ الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان وحافظ على وزنه وزاد من صفائه وجعله من العيار العالي ونقشه بنقوش مختلفة عن الدينار البيزنطي إذ جعل نقوشه إسلامية، وعليه فالدينار وصلنا ولا يزال موجودا في المتاحف وقد قاسه الخبراء ونشروا عنه مقدار ما يزن، وهو من الذهب الخالص بطبيعة الحال خلاف النقد الساساني الذي كان معتمدا هو أيضا ولكنه لم يكن ذهبا، بل كان فضة ولا يهمنا هنا. فالدينار الإسلامي الذي كان يتقاضى منه ثلاثون قطعة نقدية الحسين بن روح يزن بالغرام: 4,25، وكان يحصل على ثلاثين دينارا، أي على 4,25 غرام من الذهب مضروبة في 30 يوما تساوي: 127,5 غراما من الذهب الخالص عالي الجودة والنقاوة عن كل شهر أجرة ورزقا له، والذهب اليوم يساوي عندنا في المغرب وهو يعتمد السعر العالمي؛ 365 درهما للغرام الواحد بتاريخ كتابة هذه السطور في: 14 فبراير 2013م، وإذا ضربناها في المقدار الذي كان يأخذه الحسين بن روح شهريا يتبين أنه كان يتقاضى: ستة وأربعين ألفا وخمسمائة وسبعة وثلاثين درهما (46537)، أي ما يعادل أربعة آلاف وستمائة وثلاثة وخمسين أورو (4653) بنقد السوق الأوربي المشترك باعتبار صرف العملة الأوروبية أورو واحد بعشرة دراهم مغربية، أو بنقد الدولار الأمريكي باعتبار صرف العملة الأمريكية دولار واحد لكل عشرة دراهم مغربية، وانظر حضرة القارئ المحترم إلى هذه الأجرة وقارن بينها وبين أجور الموظفين عندنا والولاة والعمال. إذا كان هذا ما يأخذه خادم محمد العمري، فكم كان يأخذ هو؟ وكم كان يأخذ الحسين بن روح حين تولى الوكالة؟ إنها ثروة يصعب صرف النظر عن بريقها والانفلات من غرورها. إنها السحر الذي ترك النصّابين عرضة لتأثيره فلم يفيقوا منه حتى لقوا الله وهو عليهم غضبان. وقد روى محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال: ((کنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح مع جماعة فيهم: علي بن عيسي القصري، فأقبل إليه رجل فقال: إني أريد أن اسألک عن شيء.. فقال له: سل عما بدا لک. فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي (ع) أهو ولي اللّه؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن قاتله أهو عدو اللّه؟ قال: نعم. قال الرجل:فهل يجوز أن يسلط اللّه عز وجل عدوه على وليه؟ فقال له أبو القاسم بن روح: ((افهم عني ما أقول لک (انتبه حضرة القارئ الكريم إلى هذه العبارة وهي موجودة فيما نسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، العبارة مصاغة بصيغة أخرى، إن الكاتب والقائل واحد، ويكفي هذا إدراكا للكذب، وستجد أكثر، تابع بمثابرة): اعلم أن اللّه عز وجل لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان، ولا يشافههم بالکلام، ولکنه جل جلاله يبعث إليهم رسلا من أجناسهم، وأصنافهم بشرا مثلهم ولو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم، ولم يقبلوا منهم فلما جاءوهم، وکانوا من جنسهم ياکلون الطعام، ويمشون في الأسواق قالوا لهم: أنتم بشر مثلنا ولا نقبل منکم حتى تأتونا بشيء نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنکم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه، فجعل اللّه عز وجل لهم المعجزات التي نعجز عنها، منهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار فغرق جميع من طغى وتمرد، ومنهم من ألقي في النار فکانت عليه بردا وسلاما، ومنهم من فلق له البحر، وفجر له من الحجر العيون، وجعل له العصا اليابسة ثعبانا تلقف ما يافکون، ومنهم من أبرأ الأکمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن اللّه، وأنبأهم بما ياکلون وبما يدخرون في بيوتهم، ومنهم من انشق له القمر وکلمته البهائم مثل البعير والذئب، وغير ذلک. فلما أتوا بمثل ذلک، وعجز الخلق عن أمرهم وعن أن يأتوا بمثله کان من تقدير اللّه عز وجل ولطفه بعباده وحکمته أن جعل الأنبياء مع هذه القدرة والمعجزات في حال غالبين وفي أخرى مغلوبين وفي حال قاهرين وفي حال مقهورين، ولو جعلهم اللّه عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين، ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون اللّه عز وجل، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ولکنه عز وجل جعل أحوالهم في ذلک کأحوال غيرهم ليکونوا في حال المحنة والبلوى صابرين، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاکرين، ويکونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين، وليعلم العباد أن لهم إلها هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله، وتکون حجة اللّه ثابتة على من تجاوز الحد فيهم، وادعى الربوبية لهم أو عاند أو خالف وعصى، وجحد بما أتت به الأنبياء، والرسل، ((ليهلک من هلک عن بينة، ويحيا من حي عن بينة)). قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي اللّه عنه: فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح من الغد، وأنا أقول في نفسي: أتراه ذکر ما ذکر لنا يوم أمس من عند نفسه... فابتدأني فقال لي: يا محمد بن إبراهيم لأن أخر من السماء فتخطفني الطير وتهوي بي الريح في مکان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين اللّه عز وجل برأيي، ومن عند نفسي بل ذلک عن الأصل، ومسموع عن الحجة صلوات اللّه وسلامه عليه. انتبه حضرة القارئ المحترم ففي هذا الكلام كذب لأن تدبيره واضح مفضوح، فإبراهيم بن إسحاق راوي الرواية يشتمّ من روايته التدبير والقرب من ابن روح، كما يشتمّ منه التفاهم على إخراج الكذب بتقدير بينهما، فالأول يروي الرواية ويرتب لها ما هو معروف في الإسلام وخصوصا تاريخ الأنبياء وابتلاءهم وصبرهم عليهم الصلاة والسلام، ثم الإتيان بحديث النفس وهو مدبر وكذب من خلاله يريد تثبيت المصداقية لابن روح الوكيل حتى يزيد من تثبيت وكالته المشبوهة عن المهدي الأسطورة، والذي يؤكد تفاهمهما ما جاء به وهو: ((فابتدأني فقال لي: يا محمد بن إبراهيم لَأَن أخِرّ من السماء فتخطفني الطير وتهوي بي الريح في مکان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين اللّه عز وجل برأيي، ومن عند نفسي بل ذلک عن الأصل، ومسموع عن الحجة صلوات اللّه وسلامه عليه)). إن ابتداءه في الحديث لإبراهيم بن إسحاق يدل على شك، والشك بينهما المفروض فيه أن يكون مفقودا لأنهما متفاهمين فيكون ما ورد دالا على الكذب من أجل التثبيت ليس لإبراهيم بن إسحاق، بل للأغبياء من الشيعة الذي لا يستطيعون تمييز الكذب من الصدق، فالأول في روايته لم يحسن حبكها فدلت على الكذب، ودلت على التدبير الغبي، فالرواية كان يجب أن تخلوا من: "لَأَن أخرّ من السماء فتخطفني الطير وتهوي بي الريح في مکان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين اللّه عز وجل برأيي، ومن عند نفسي" من توقيعات الإمام المهدي (ع) بوساطته مما خرج عن الإمام (ع). ومن جهة أخرى دعونا ننظر في عبارة: "فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح من الغد، وأنا أقول في نفسي: أتراه ذکر ما ذکر لنا يوم أمس من عند نفسه... فابتدأني فقال لي: ...." إن ابتداء الكلام مع تقديم حديث النفس يدل على علم الغيب، فابن روح قد علم ما يدور في نفس محمد بن إبراهيم بن إسحق الطالقاني فابتدأه دون أن يبادر الطالقاني بالسؤال، فهذا يؤكد التدبير بين الاثنين، ويؤكد سخف التدبير حين نسب إلى ابن روح علم الغيب. ولا يقال أن ما حصل فراسة أو هو من باب توارد الخواطر. لا يقال ذلك لأن الفراسة لا تأتي بتدبير، بل تأتي دون تدبير لأن التأييد فيها غيب وهو توفيق من الله عز وجل، وتوارد الخواطر لا يكون إلا عفويا، وما نناقشه هنا يدل على غباء، فالتدبير بين ابن روح والطالقاني لا ينطلي إلا على من لا عقل له، والدين الشيعي لا يعتنقه عاقل، بل يعتنقه المُهَلْوَسون والحشّاشون والشهوانيون والبُلَهاء. الكلام المتقدم يدل على أن هناك كذبا مدبرا يُظنُّ أنه مقدّر تقديرا لا يُفطن له وهيهات هيهات، ولكن مجرد إثبات المصداقية تدل على نفي المصداقية لأنها كذب، فمجرد التثبيت للرواية وللحكاية الموضوعة يدل على أن هناك وهْماً يلاحق الكذابين وإن لم يسألهم أحد، فالرجلان بينهما ما يؤكد التدبير، ولكي يخرجاه إلى الناس وقعا في الغباء فأخرجا لنا ما يفضحهما وذلك بتدبير آخر ومكر آخر ولكنه من الله عز وجل هذه المرة، فهما في مرمى سهم الشاعر الذي قال: يكاد المريب يقول خذوني. وردا على الغلاة جوابا لکتاب کتب إليه على يد محمد بن علي بن هلال الکرخي التوقيع التالي: ((يا محمد بن علي: تعالى اللّه وجل عما يصفون سبحانه وبحمده (انتبه لركاكة التعبير في هذه الفقرة)، ليس نحن شرکاءه في علمه ولا في قدرته بل لا يعلم الغيب غيره کما قال في محکم کتابه تبارکت أسماؤه: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا اللّه) [النمل: 65]. وأنا وجميع آبائي من الأولين: آدم ونوح وإبراهيم وموسى (انتبه حضرة القارئ المحترم فإنه ينسب نفسه إلى موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام إذ يرد في كلامه ذكر الآباء وموسى لم يكن أبا لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أب لغيرهم، وآباء النبي وآل بيت النبي هم عرب ينتهي نسبهم إلى إسماعيل بن إبراهيم، وموسى ينتهي نسبه إلى إسحاق، وإسحاق أخ إسماعيل فهو عمه إن أردت ولا حرج، أما أن تقول أنه أحد آبائه فلا يجوز لأن إسماعيل لم يكن جدا لموسى، بل كان كذلك إسحاق، والجد من الآباء خلاف العم)، وغيرهم من النبيين، ومن الآخرين محمد رسول اللّه وعلي بن أبي طالب وغيرهم ممن مضى من الأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين إلى مبلغ أيامي ومنتهى عصري عبيد الله عز وجل. يقول اللّه عز وجل: (ومن أعرض عن ذکري فإن له معيشة ضنکا، ونحشره يوم القيامة أعمى.قال: رب لم حشرتني أعمى وقد کنت بصيرا. قال: کذلک أتتک آياتنا فنسيتها فکذلک اليوم تنسى) [طه: 124ـ26]. يا محمد بن علي: قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، ومن دينه جناح بعوضة أرجح منه. فأشهد اللّه الذي لا إله إلا هو وکفى به شهيدا (هل حقا ما يبرءون منه يبرأ منه معهم من ذكر؟) ورسوله محمدا (ص)، وملائکته وأنبياءه وأولياءه (ع) وأشهدک، وأشهد کل من سمع کتابي هذا: إني بريء إلى اللّه وإلى رسوله ممن يقول أنا نعلم الغيب ونشارکه في ملکه أو يحلنا محلا سوى المحل الذي رضيه لنا، وخلقنا له، أو يتعدى بنا عما قد فسرته لک وبينته في صدر کتابي. وأشهدکم: أن کل من نبرأ منه فإن اللّه يبرأ منه وملائکته ورسله، وأولياؤه، وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الکتاب أمانة في عنقک، وعنق من سمعه أن لا يکتمه عن أحد من موالي وشيعتي حتى يظهر على هذا التوقيع الکل من الموالي، لعل اللّه عز وجل يتلافاهم فيرجعون إلى دين اللّه الحق، وينتهون عما لا يعلمون منتهى أمره، ولا مبلغ منتهاه. فکل من فهم کتابي ولا يرجع إلى ما قد أمرته ونهيته فقد حلت عليه اللعنة من اللّه وممن ذکرت من عباده الصالحين)). انظر إلى هذه العبارة: ((وأشهدکم: أن کل من نبرأ منه فإن اللّه يبرأ منه وملائکته)) فقد جعلت براءة الله تابعة لبراءة عباده والعكس هو الصحيح، فما يبرأ الله منه يبرأ منه لبراءة الله كل مؤمن به وبكتبه ورسله.. ولولا أن علم الغيب عقلا وشرعا لا يمكن أن يعرفه بشر والحيلة في ذكره منسوبا إلى الله على خلاف ما ورد في كثير من المصادر التي زعمت الغيب لآل البيت، لولا ذلك لكانت فضيحة الكذب بحجم قرص الشمس ولكن قد أحكم عليها غطاء التدليس دون أن يتم التنبه إلى التقديم والتأخير في التعبير فكانت فضيحة أخرى جعلت الله عز وجل تابعا لهم فيكونون هم آلهة ويكون وضعهم غير مريح في الإلوهية لأنه لابد من البحث عن إله واحد يهيمن على الجميع، بل ويرفض الإلوهية لأحد سواه ولن يكون في الأول والأخير إلا الله عز وجل، ويكون ما يرد من قصص لا يأتي بها قاص مبتدأ ولا روائي في باكورته الروائية. عن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه (والد الشّيخ الصّدوق) كانت زوجته ابنة عمّه ولم يُرزَق منها ولداً، فكتب إلى الشّيخ أبي القاسم بن روح (سفير الإمام المهديّ عليه السّلام) أن يسأل الحضرة ليدعوَ الله أن يرزقه أولاداً فقهاء، فجاء الجواب: إنّك لا تُرزَق مِن هذه، وستملك جاريةً ديلميّة تُرزَق منها ولدينِ فقيهين، فرُزق محمّداً (وهو الشّيخ الصّدوق) والحسين فقيهَين ماهرين، وكان لهما أخ أوسط مشتغل بالزهد لا فقه له. (الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 790:2 / ح 113 ـ. منذ قليل قرأنا هذه العبارة "وأشهدک، وأشهد کل من سمع کتابي هذا: إني بريء إلى اللّه وإلى رسوله ممن يقول أنا نعلم الغيب" والآن نقرأ: "إنّك لا تُرزَق مِن هذه، وستملك جاريةً ديلميّة تُرزَق منها ولدينِ فقيهين، فرُزق محمّداً (وهو الشّيخ الصّدوق) والحسين فقيهَين ماهرين". ما هذه الثمالة العقلية؟ هل نحن بصدد النظر في النور أم في الظلمة؟ أخشى أن نكون نحن الثمالى والحشّاشين. ويذكر أن الحسين بن روح كان له سفير اسمه محمد بن علي الشلمغاني في بني بسطام، ثم انشق عنه وادعى الاتصال بالمهدي، ادعى النيابة لنفسه لأنه كان يفهم اللعبة فتم طرده ولعنه وخرج التوقيع كالعادة من صاحب الزمان، والسفير للوكيل لا يتصل بالمهدي، بل يجمع الخُمُس والأموال من الشيعة من أماكن لا يصلها الوكيل أو لا يريد أن يصلها لسبب ما، ثم يمنحها له فيعطيه عن عمله ما يريد، والطريف أن هذا السفير قد قال في مصدر شيعي هام: ((ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين روح في هذا الأمر إلا ونحن نعلم في ما دخلنا فيه، لقد كنا نتهارش على هذا الأمر كما تتهارش الكلاب على الجيف)). الغيبة/ الطوسي: ص 241. يُظن أن الحسين بن روح لم يستمتع بالإشراف على اللعبة إلا سنين معدودات وهذا غير صحيح لأنه كان شريكا في اللعبة عقودا من الزمن، فقد كان جابيا للأموال ولصيقا بمحمد بن سعيد العمري طيلة مدة سفارته وكانا يديران اللعبة مع بعض من الفقهاء المنظرين والمفتين سنفضحهم قريبا خصوصا وأن الحسين بن روح قد كان ذكيا يستقطب إليه المعارضين ويدفع لهم الأموال مقابل تأييدهم أو على الأقل شراء سكوتهم ومنهم الشلمغاني، فإذا اختلفوا لم يرفع في وجه المخالف البطاقة الحمراء لأنه إن فعل عاد المخالف إلى المشاركة في اللعبة وربما بقوة أكبر، بل رمى به ونبذه وطرده نهائيا ولعنه. ==================== النصّاب الرابع: علي بن محمد السَّمَري (أبو الحسن) رابعا: علي السمري: علي بن محمد السَّمَري - بفتح السين والميم معاً - أو السيمري، أو الصيمري، والمشهور المعروف هو الأول، وكنيته: أبو الحسن. الشيخ أبو الحسن علي بن محمّد السمري لم تحدّد لنا المصادر تاريخا لولادته، إلاّ أنّه ولد في القرن الثالث الهجري في إيران وكان موضع أسرار محمد بن الحسن العسكري والقائم بأعماله ووكيله بعد الوكيل الثالث الحسين بن روح، ووكالته لم تدم إلا ثلاث سنوات من 326 هـ تاريخ وفاة الحسين بن روح، إلى سنة: 329 هـ تاريخ وفاته هو بمدينة بغداد وقد دفن فيها. وله توقيع من الإمام، وقد بلغ الإمام بموته 74 سنة، وفي تلك السن غاب محمد المهدي الغيبة الكبرى. كان أولئك وكلاء للمهدي صاحب الأمر والزمان محمد بن الحسن العسكري، ولما توفي الوكيل الأول أوصى للوكيل الثاني، وهكذا حتى استقر الأمر عند الوكيل الرابع الذي لم يوص لأحد، وقد قال حين سئل وقد حضرته الوفاة: "لله الأمر هو بالغه". استمر الأربعة المذكورون في إدارة دين الشيعة حتى وفاتهم، ثم حلت الغيبة الكبرى بموت آخرهم، لا أتحدث عن كل هذا الآن، بل أتحدث عن غيبة صبيانية حصلت قبل نضج الغلام من يوم تسلمه قيادة الشيعة منذ وفاة والده الحسن العسكري مباشرة وهو صبي بعمر خمس سنين، لأن الحسن العسكري لم يوص إلا للمهدي، وهذه هي عقيدة الإمامية الإثني عشرية، ومن المفارقات العجيبة أن الإمامية الإسماعيلية يعتقدون هم أيضا في الوصية، وبالرغم من وفاة جعفر الصادق وابنه إسماعيل لم يزل في بطن أمه، فقد انتقلت الإمامة إليه من أبيه جعفر الصادق حتى تبقى في عقبه لتنتقل بعده إلى ابنه محمد المكتوم الذي هو أول الأئمة المستورين لدى الإمامية الإسماعيلية حتى ظهر جاهرا بها رأس الفاطميين عبد الله المهدي، فهل كلم جعفر الصادق ابنه إسماعيل وهو في بطن أمه فأوصى إليه واستوعب الجنين وصيته؟ هل أوصى له وهو في عالم الأجنة؟ هل أوصى إلى الاثنين لتظهر الإسماعيلية والكاظمية؟ هل إحدى الروايتين صحيحة أم أن كلتيهما كذب؟ وللإمامية الإثني عشرية وصية من نفس جعفر الصادق لابنه موسى الكاظم، وهؤلاء يعتقدون أن كل إمام يوصي لمن بعده، ويعتقدون أيضا بوجود الأئمة في كل زمان، كما يعتقدون في عصمتهم من الصغائر والكبائر في كل حياتهم، ويفرضون الرجوع إليهم عند أي اختلاف لأنهم لا يجوز عليهم الخطأ والنسيان، ولكن المنية حالت بينه وبين نضج ولده محمد، فكيف يشرف الصبي محمد على تسيير شؤون الشيعة ومنحهم الفتوى والتوجيه وهو صبي صغير لا يمكن أن يكون صاحب فضل وعلم بذلك العمر إذ لم يكن قد تأهّل بعد لحمل أي علم أو رسالة نظرا لصغره؟ ما يكون الجواب؟ هل بالرغم من صباه يمكن أن يكون الله تعالى حسب اعتقاد الإمامية قد أوحى إليه ولو إلهاما دون مَلَك كوحي السنة المطهرة التي هي وحي من الله تعالى بالمعنى وليس باللفظ، أي إلهاما ورؤيا منام لا يمكن إلا أن تكون صادقة لأنها رؤيا النبي؟ (السنة بها وحي من الملك جبريل عليه السلام كحديث: ((نفث روح القدس في روعي لن تموت نفس حتى تستوْفيَ رزقَها وأجلها وما قُدِّر لها)) أو دعمه بملَك يتكلم على لسانه فيريه أوجه الصواب من الخطأ، ويعطيه الجواب على كل مسألة؟ أيكون ذلك في حق صبي؟ نعم، هذا معتقدهم فهو فيما تعلّم كان كنبي الله يحيى عليه السلام قال تعالى: ((يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12))) مريم، وقال: ((هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39))) آل عمران؛ وقد كذبوا لأن النبي يحي نبي، وآل البيت وعلى رأسهم علي بن أبي طالب دون استثناء ليسوا بأنبياء، وبالتالي لن يكونوا بمنزلتهم، فآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم دون الأنبياء والرسل عند الله تعالى، أضف إلى ذلك غياب أي دليل عقلي أو نقلي يثبت إمكانية نضج صبي وملكه العلم والحكمة، ولا يقال لا يوجد دليل عقلي على إثبات ذلك في حق النبي يحيى، لا يقال ذلك لأن ذكر النبي يحيى ورد فيما ثبت كونه كلام الله ووحيه بالدليل العقلي وهو القرآن الكريم فيكون كل ما ورد فيه مبني على العقل أيضا خلاف زعمهم في المهدي الأسطورة، ولا في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الأبرياء من زعمهم، وليس الأمر مقتصرا على صاحب الأمر والزمان الإمام الأخير؛ الثاني عشر، بل تجاوزه إلى غيره ممن سبقوه في تولي الإمامة، فهذا محمد بن علي الجواد يتولى الإمامة وهو بعمر ثمانية أعوام، وولده علي بن محمد الهادي بثمان سنين، والحسن بن علي العسكري تولاها وهو بعمر اثنتي عشرة سنة، ولم يكن منهم الكبير في السن إلا علي بن أبي طالب إذ قد عاش ستين سنة، بينما ولداه الحسن 37 سنة، والحسين 46 سنة، وعلي زين العابدين 25 سنة، ومحمد بن علي الباقر 37 سنة، وجعفر بن محمد الصادق 23 سنة، وموسى بن جعفر الكاظم 19 سنة، وعلي بن موسى الرضا 35 سنة. ودعونا نقف قليلا مع نضج الصبية، صبية آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأئمة المعتبرين عند الإثني عشرية، أما غيرهم فلا ينطبق عليهم ما ينطبق على (المعصومين)، تصوروا معي صبيا يتكلم كلام الكبار، تصوروا معي صبيا يحاور أباه وأمه وهو بعمر 5 سنين، أو 8 سنين حوارا ناضجا، كيف يتلقى الأبوان ذلك؟ وهل ذلك خاص بالأبوين بحيث لا يطلع على نضجهم إلا الأبوان أم يتجاوز ذلك إلى غيرهم؟ أي قيمة للصبا إذا لم يكن صبا؟ أي إحساس للأبوين وللكبار حين ينظرون إلى الصبيان وهم يتكلمون كلاما عاقلا؟ لا يكون ذلك عقلا إلا إذا كان معجزة وقد كان في حق عيسى على نبينا وعليه السلام، نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على مرحلة الصبا فكان صبيا لا يعقل شيئا ولا يعلم شيئا فكيف بغيره وهو سيد الخلق وأشرف الخلق وإمام الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم؟ قال تعالى في سورة النساء: ((وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)))، وقال تعالى في سورة هود عن عدم معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغياب علمه بتاريخ بعض الأمم كنوح وعاد..: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49))). نشأت الإمامة بعد وفاة النبي وجثمانه الطاهر لم يزل في بيت السيدة الطاهرة زوجه المصونة وحبيبته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، خرج أبو بكر وعمر من بيت النبي وتركا عليا وقد أخبراه أنهما ذاهبان لمعرفة ما يفعل القوم الذين انبروا يفكرون في خلافة النبي، تركهما يذهبان ولم يعلق على ذهابهما بشيء مما أوصى له به النبي بحسب زعم الشيعة. ذهب أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح إلى سقيفة بني ساعدة لينظروا صنيعة الأنصار الذين سبقوا المهاجرين في محاولة تنصيب إمام يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في شؤون المسلمين ويكون منهم، لماذا حرصوا على ذلك لولا أنهم يعتقدون أن الأمر للمسلمين وليس فيه وصية؟ لماذا لم يتم استهدافهم من طرف الشيعة بالسب واللعن وقد كانوا السباقين؟ وهل كان منهم جابر الأنصاري الذي يرون فيه مؤيدا لعلي وغير مرتد كغيره؟ في سقيفة بني ساعدة بويع أبو بكر خليفة لرسول الله وكان قد رفع يد عمر بن الخطاب وعامر بن هلال (أبو عبيدة بن الجراح) وقال: "أيهما شئتم فبايعوا". لم ير الصحابة رضوان الله عليهم أحدا يفضل أبا بكر لخلافة النبي بما فيهم علي ابن أبي طالب حين بايع أبا بكر على الإمامة التي تعني الخلافة وإمارة المؤمنين التي لم يتسم بها علي بن أبي طالب إلا بعدما أطلقت على عمر بن الخطاب في خلافته، وقصتها أن ((إمارة المؤمنين مصطلح أجمع عليه صحابة رسول الله ، وقد كان رأيا لفرد واحد منهم هو عمر بن الخطاب، فقد استثقل على نفسه أن ينادوه خليفة خليفة رسول الله لأن في ذلك تكلف ليس من الذكاء في شيء، وليس من نتاج العقل الإسلامي المبدع إذ هو غير مستساغ إذا أتى من بعده خلفاء ونودوا بنفس اللقب حتى يصيروا بالعشرات، ثم المآت وهو بعيد جدا عن الثقافة الإسلامية الغنية باستنباطاتها والثرّة بقدرة لغتها على وضع أسماء لمسمّيات، وقد كان السبب في اللقب أحد الصحابيين عدي بن حاتم أو لبيد بن ربيعة حين دخلا المسجد وفيه عمرو بن العاص فقالا له استأذن لنا أمير المؤمنين فذهب بها عمرو إلى عمر وناداه بها.. واللافت في المصطلح ليس الاسم بل المضمون أو المدلول، وهذا قد كان مدركا بشكل مبلور في عقول الفقهاء والعلماء الذين يشتغلون بالشرع الإسلامي، فقد عرفوا نظام الحكم في الإسلام أنه يقتضي وجود حاكم للمسلمين يبايعونه على تطبيق شرع الله كما فعل رسول الله ، وكما فعل من جاء بعده إلا من خيط رفيع يتعلق بولاية العهد التي ابتدعها معاوية بن أبي سفيان والتي لم تخلّ بتطبيق شريعة الإسلام إلا في هذه الجزئية إذ قد كان معاوية، بل يزيد يطبق الإسلام ولا يطبق الاشتراكية ولا الرأسمالية كما هو حال دولنا اليوم. لقد تحدد مضمون الإمامة أو الخلافة أو إمارة المؤمنين بمعنى واحد في سنة رسول الله وإجماع الصحابة، والعبرة بالمضمون والمدلول كما قلت، فقد تسمى حكام المسلمين بأمراء المؤمنين وخلفائهم وسلاطينهم، والمسمى هو الذي كان يراعى، لأنه معنى موجود في الشرع الإسلامي)) حركة تصحيح مسار 20 فبراير، الطبعة الورقية الأولى 20 مايو سنة: 2011م طنجة. لم ير الصحابة لأحد فضلا على أبي بكر غير عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وجابر بن عبد الله وأبي ذر الغفاري وآخرون وهم كثر، ولكنهم لم يكونوا الأكثر، فلم يتغلبوا برأيهم فيمن يرون فيه الأحقية لخلافة النبي محمد ، وهذا حق مشروع قد أجمع عليه جميع الصحابة دون استثناء بحيث كانوا يرون؛ كل بحسب اختياره، حقا لأنفسهم في اختيار الخليفة، وبه وجب الاعتقاد أن الخلافة والإمامة وإمارة المؤمنين حق للأمة، وليس حقا لأحد بما فيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي لم يثبت عنه قط أنه جهر بالقول في حقه في الإمامة، لم يجهر بذلك من منطلق الوهم الذي اخترعه بعض الجهلة والمغرضين حين زعموا أن الإمامة في نسل علي فإذا خرجت عنهم كما هو الحال في التاريخ، فإن خروجها إما أن يكون غصبا لهذا الحق وبالتالي ظلم لآل البيت، وإما أن يكون تقية لصاحب الحق دفعا للشر عن نفسه وعن أتباعه ويعنون بذلك موقف علي من خلافة الصديق وعمر وعثمان، وهذا لعمري ظلم لنفس آل البيت، ولا غرابة من كثرة ظلمهم لهم، فلقد زعموا أن علي بن أبي طالب كان ينام في فراش واحد ولحاف واحد مع عائشة والنبي بينهما، فإذا قام النبي لصلاة الليل تركهما - بحارالأنوار2/40. وفي الكافي: ((أن من وُجد مع امرأة في لحاف واحد يقام عليهما حد الزنا)) 7/181، ولست أدري بم يقام الدليل على نسبة هذا الكلام للإسلام، لست أدري كيف يحد حد الزنا لمجرد وجود نائمين في لحاف واحد؟ ولست أدري كيف نسي أن اللذين كانا كذبا في لحاف واحد حسب زعمه هو نفس علي الذي لم ير في حقه تطبيق حد الزنا، ولن يرى بجهله لأنه في نظره معصوم. ودعونا نناقش هذا الأمر من جهة أخرى، فالمعروف أن علي بن أبي طالب ولد قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، وأسلم صغيرا بعمر سبع سنين، وقد رباه رسول الله حين ضمه إليه بعد وفاة أبيه عم النبي أبو طالب، فمكث في بيته، ولما توفيت الطاهرة خديجة رضي الله عنها زوجه تزوج النبي بعد موتها ولكن بعد عام الحزن، ومن ضمن من تزوجهن عائشة ولم تكن هي الأولى، بل كانت الأولى بعد وفاة خديجة وبعد عام الحزن؛ سودة بنت زمعة، وإذا أضفنا تلك السنوات إلى سنين علي بن أبي طالب نجد أنه عند زواج النبي من عائشة كان حالما مؤهلا للزواج يتجاوز السبعة عشر عاما، فكيف ينمه رسول الله في فراشه إلى جانب زوجه الطاهرة أم المؤمنين عائشة في لحاف واحد وينهض هو للصلاة؟ كيف يمكن لرسول الله أن يفعل ذلك وفعلة من يفعلها تجعل منه ديوثا وحاشى حبيبنا أن يكون ديوثا؟ هل يمكن أن يصدر عن أكرم الناس وأعظمهم قدرا وأنبلهم خُلُقا هذا الفعل؟ أي وقاحة هذه بحق رسول الله ؟ ما هذا العفن المعشش في عقول هؤلاء الزنادقة الذين يهتكون عرض رسول الله ؟، ونفس علي بن أبي طالب وكونه أجنبيا عن عائشة هل كان يقبل بذلك؟ هل يقبل جاهلي تلك الفعلة؟ لا والله، لا يقبل بها إلا مجوسي أو ديوثي أو ولد المتعة أو ولد الفرج المعار. وفي رواية أن عليا قال عن زواج عمر من ابنته أم كلثوم: ((إن ذلك فرجا غُصبناه)) المصدر السابق 5/336، وهذان المصدران من أهم الكتب المعتمدة لدى الشيعة الإمامية. وقف علي ابن أبي طالب من خلافة أبي بكر موقف المساند والمؤيد والناصح والوزير، وقف موقف الراضي المثنى عليه، ويشهد على ذلك إمام الطائفة الزيدية زيد بن علي بن الحسين، فقد أجاب على سؤال من خذلوه من أتباعه وكانوا قد بايعوه على استرداد الخلافة من هشام بن عبد الملك، قالوا له حين اشتد القتال بينه وبين قائد هشام واليه يوسف بن عمر الثقفي: ((ما تقول في أبي بكر وعمر؟ فقال زيد: أثنى عليهما جدي علي، وقال فيهما حسنا...)) التفسير والمفسرون للدكتور محمد حسين الذهبي، صفحة: 5 الجزء الثاني، الطبعة الرابعة 1989م. لم يقف علي من أبي بكر تقية ولا ربع تقية ولا نصفها، لم يرو عنه أنه طالب بحقه في الإمامة طيلة خلافة أبي بكر وهو الذي قال ما نصه في الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية وقد اتفق أهل السنة والجماعة على ما تواتر عنه رضي اللّه عنه أنه قال: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر اهـ". وهو الشهم الصادق الشجاع الذي لا يخشى في الله لومة لائم؛ الشيء الذي يقطع بكذب من يزعم أن الإمامة حق له، وحق لأبنائه من بعده سواء كانوا اثني عشر إماما كما هو الشأن في الطائفة الإمامية التي ترى الإمامة في نسل الحسين بن علي فقط ولا تراها في الحسن لأنه قد تنازل عنها وأذلّ المؤمنين كما زُعم بتنازله فصارت صفته: "مذلّ المؤمنين" عند الشيعة الإمامية علما بأن الحسن العسكري ومهديهم المزعوم في بعض مصادرهم من سلالة الحسن وليس الحسين، أو تجاوزهم إلى كل عضو من أسرة النبي بما فيهم أبناء الحسن أو أبناء أخيه من أبيه محمد بن علي المعروف بابن الحنفية. حين أحس أبو بكر بدنُوّ أجله جرّاء مرض ألمّ به؛ خرج إلى الناس في المسجد وقال لهم: "أيها الناس اختاروا لأنفسكم". اختلف الصحابة فيما بينهم على من سيتولى أمر المسلمين بعد أبي بكر وفيهم علي ابن أبي طالب الذي لم يرو عنه أنه ادعى وزعم أن الإمامة حق له وحده وقد اغتصبها منه أبو بكر، فاختلف مع الناس فيما يختلفون، وحين خرج أبو بكر مرة أخرى وقد خفّ من مرضه قائلا لهم: "أيها الناس كنت قد طالبتكم بأن تختاروا لأنفسكم، فماذا فعلتم" فردوا عليه: "اختر لنا أنت يا خليفة رسول الله". في هذا اليوم المشهود، والموقف المثير يفهم اللبيب والمستنبط أن الإمامة والخلافة ورئاسة الدولة وإمارة المؤمنين حق للأمة قد أجمع عليها الصحابة، أجمعوا على تنصيب أبي بكر، وأجمعوا أيضا على من سيخلفه بعد وفاته، وقد أشار المشهد ودل بما لا يدع مجالا للشك على أن رئاسة الدولة؛ وهي رئاسة عامة للمسلمين، تعود إلى الأمة، فهي صاحبة الحق في تنصيب من يسوسها بالإسلام، ويطبق عليها شرعته، ويسير بها وفق كتاب ربها وسنة نبيها ، وحين منح أهل الحل والعقد وهم الصحابة فيهم علي بن أبي طالب وبشكل إجماعي أمرهم إلى رجل منهم وهو أبو بكر؛ عندها انتقل الاختيار إلى رجل واحد، وكان الانتقال بوكالة جهر بها الصحابة ولم يرفضها أحد منهم بما فيهم علي بن أبي طالب والذين يرونه أهلا لها وصاحب أفضلية فيها كعمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي وغيرهم، فماذا فعل الرجل؟ شرع أبو بكر يدعو إليه الصحابة المبشرين بالجنة، يدعو إليه من يرى أن الأمة لن تتجاوزهم إلى غيرهم في الخلافة، وكانوا جميعا بالمدينة المنورة باستثناء عامر بن هلال أبو عبيدة بن الجراح، وسعد ابن أبي وقاص؛ إذ كانا في الجهاد بالعراق يقودان الجيوش ويدكون حصون المجوس. أدخل أبو بكر عليه طلحة بن عبيد الله واستشاره في عمر بن الخطاب ليكون خليفة من بعده، وجرى بينهما حديث استقر في النهاية على أن طلحة يرفض خلافة عمر، ثم أدخل عليه الزبير بن العوام فكان منه ما كان من طلحة، ثم أدخل عليه صهر عمر وهو سعيد بن زيد فاستغرب سعيد لمشورته لأنه من العائلة فرفض أبو بكر وحمله على إبداء رأيه لأنه يعلم أنه لن يميل إلا إلى الحق فأثنى على عمر واختاره لخلافة المسلمين، ثم أدخل عليه عبد الرحمن بن عوف فذهب مذهب سعيد ورضي بعمر خليفة للمسلمين، ثم أدخل عثمان بن عفان فسلك مذهب عبد الرحمن بن عوف والمؤيدين، ثم أدخل علي بن أبي طالب ودار بينهما حوار غاية في الاحترام والتبجيل والمحبة انتهى برضا علي على خلافة عمر وقد أثنى عليه خيرا وفضله على نفسه، إذ صرح أنه لا يوجد من هو خير منه لخلافة أبي بكر، ولما انتهى أبو بكر من الشورى وحزم أمره خرج على الناس في المسجد وأعلن خلافة عمر له بعد وفاته، فرفض طلحة بن عبيد الله ذلك وتكلم في المسجد والناس تسمع كلاما يحاول به استمالة الناس إلى رأيه، يخوِّفهم من عمر وشدة عمر حتى انتهى من دعوته، ولكن الناس بما فيهم الذين ذكروا لم يرضوا بديلا لاختيار أبي بكر، واختيار أغلب الصحابة المبشرين بالجنة حين أشاروا عليه بعد أن منحوه حقهم في الاختيار، فكانت بعد وفاة أبي بكر خلافة عمر وقد سعد بها علي بن أبي طالب أيما سعادة وساهم فيها بآرائه النيرة إلى درجة أن عمر كان يردد: "لولا علي لهلك عمر" وكان يقول: "لا أبقاني الله لمُعضلة ليس لها أبو الحسن". ظل علي بن أبي طالب في خلافة عمر وزيرا ومستشارا كما كان في خلافة أبي بكر، وقد أفتى في حوادث عرضت لعمر، واعترض على حوادث صحح مجراها، ولم يكن هناك حرج بينه وبين عمر إلى درجة أن صاهره ببنت لعلي هي أم كلثوم تزوجها عمر، وكان زواجا مباركا قيل عنه الكثير إلى درجة اعتبار جواب علي على ذلك الزواج بقوله: "ذاك فرج غُصبناه" وهو من الأحاديث الشاذة من مرويات الخاصة التي ثبتت في كتب الشيعة ولاكتها الألسن فاعتبروها شاذة، وهناك غيرها شذت هي الأخرى وتحرجوا بها فثبتوها في كتبهم، ولكنهم اعتبروها شاذة كروايتهم عن رسول الله كما مر معنا أنه كان ينام على فراش واحد بين زوجه الطاهرة عائشة وابن عمه المحبوب علي بن أبي طالب، وحين ينهض الرسول للصلاة يتركهما في ذلك الفراش الواحد، باللحاف الواحد يريدون إثبات أن النبي ديوثي يرضى لزوجه النوم على فراش واحد به رجل أجنبي عنها.. وحين طُعن عمر ولم يمت بطعنته فورا فسح له العمر من الوقت في التفكير في شأن المسلمين وهو من الصفات التي لا توجد في حاكم يغش رعيته كالحسين بن طلال الذي نصب أخاه وليا لعهده بالمملكة الأردنية، ثم حين أحس بدنو أجله قفز من أمريكا إلى الأردن وعزل أخاه ونصب ولده عبد الله وليا لعهده، ثم عاد إلى أمريكا ليعود بعدها إلى الأردن في تابوت خشبي، لا مقارنة بين حكام الأردن أو غيرها من البلدان بما جرى مع صحابة رسول الله ، أسوق ما أسوق لمجرد لفت النظر. انبرى عمر يطلب من الصحابة جمع أمرهم على رجل منهم يختارونه لخلافته، وجعل فيهم ولده عبد الله دون أن يكون له في الخلافة نصيب، فاختلف الصحابة وبينهم علي بن أبي طالب، وشرعوا يتشاورون حتى استقر الأمر على رجلين منهم هما: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان، وكان الصحابة والمسلمون في سعادة بالأميرين أبي بكر وعمر، طاب عيشهم بولايتيهما، وسعدوا بحكميهما وحسن سياستيهما للرعية، فاستمرئوا المناخ الذي صنعاه، ومالوا إلى الجو الذي خلّفاه، والحياة التي رسماها فظهر رأي يقول باقتدائهما أخذه عبد الرحمن بن عوف وكان من الداعين إليه، ولما وجد الرأي العام لنفس الرأي استأذن به على عثمان وخبره وأخذ رأيه وخيّره فيم يختار الناس، فكان عثمان قابلا للسير وفق سنة الشيخين أبي بكر وعمر، وذلك حقه كمسلم، وهو ليس شرطا مُلْزِما للإمام، لأن الإمام لا يلزمه إلا العمل والسير بكتاب الله وسنة رسوله، صحيح أن أبا بكر وعمر سارا هما أيضا بكتاب الله وسنة رسوله، ولكن سيرهما كان وفق اجتهاد كل منهما في ولايته، ولكل مجتهد الحق في السير والعمل باجتهاده إلى درجة أن حرم الفقهاء على المجتهد تقليد غيره. قبل عثمان بأن يسير في الناس بسنة الشيخين، وقلنا إن ذلك حق له ولا ضير فيه لأنه يكشف عن منظومة بناها الصحابة كل باجتهاده تجسدت في حياة المسلمين كدستور وقوانين يُعمل بها، ثم استأذن على علي بن أبي طالب فرفض الشرط، ورغب عن القيد، وكان ذلك حقا له، فهو مجتهد، ولا يعني ذلك أن عثمان لم يكن مجتهدا، كلا، وإنما هو تصرف فيما يحق فيه التصرف حين تكون المنظومة القانونية والدستورية قد استوعبت علاقات الناس ونظمت مصالحهم وكانت سليمة ليس فيها ما يخالف كتاب الله وسنة نبيه خصوصا أن الصحابة بإجماعهم جزء من التشريع ودليل عليه... بايع الناس عثمان بن عفان على الخلافة بعد عمر ورضي بها علي وأقرها ولم يخرج عليها، وكان نِعْم المعين للخليفة الجديد كديدنه مع من سبقاه، وللعلم فإن عليا لم يُسمح له بمغادرة المدينة كما كان حال كثير من الصحابة، إذ كان مستشارا ورجل دولة، كان مجتهدا ووزيرا لكل الخلفاء من قبله حتى جاء دوره بعد مقتل عثمان.. لم يكن علي يحرص على الخلافة، ولم يكن يراها حقا له، ولم يعمل ضد خليفة واحد ولو بالتقية، فعثمان حين حوصر في بيته أرسل إليه علي الحسن والحسين وأمرهما بحراسته، وكذلك كان، بعث بابنيه وأوصاهما بمقاتلة من يتجرأ على رئيس الدولة الإسلامية، ويعني ذلك أنه قد فداه بابنيه، والفداء لا يكون لمكروه أو ظالم مُبْغَض، والفداء في حق من نقلوا إلينا ديننا عن رسول الله بأمانة تامة لا يكون إلا لصاحب حق قد عينه الإسلام، ومكث الحسنان يحرسان خليفة المسلمين مع جمع من الصحابة وأبناء الصحابة تجاوزوا الستمائة وكان عثمان بينهم كملكة النحل لا يجرؤ أحد على الإساءة إليه إلى أن طالبهما عثمان وطالب غيرهما بالمغادرة وترْكه دون حراسة، وبعد ذلك تجرأ الخارجون عليه، ودخلوا بيته وقتلوه رضي الله عنه ظلما وعدوانا وهو يتلو القرآن ولم يكن بينهم صحابي واحد، ولقد أحصى الباحث القدير د. خالد علال في كتابه: رؤوس الفتنة في الثورة على الخليفة الشهيد عثمان بن عفان - دراسة نقدية تمحيصية وفق منهج علم الجرح والتعديل - دار المحتسب – 1429 هـ / 2008 م؛ عدد الذين شاركوا في قتل عثمان بالفعل أو بالتحريض فكانوا 22 رجلا من بينهم اليهودي اليمني عبد الله بن سبأ مؤسس الدين الشيعي وأول من بدأ بالطعن في صحابة رسول الله خصوصا عثمان بن عفان، وقد ساق الباحث جميع الروايات التي تعلقت بعبد الله بن سبأ سواء تلك التي تنفي وجوده التاريخي أو تلك التي تثبته وقارن بينها وقارب ووازن فكان موفقا إلى إثبات شخصية عبد الله بن سبأ ودورها الرئيسي في خلق دين جديد هو الدين الشيعي.. تولى عليٌّ الخلافة من بعد عثمان في جو ليس فيه منازع واحد خلاف جميع الذين مروا، فأصبح خليفة للمسلمين ورئيسا لدولتهم، وطول تلك الفترة لم يثبت عنه أنه أزال القناع ورمى بالتقية، ثم جهر بحقه الذي اغتصب منه في الإمارة والإمامة، فكان هذا كاف لإسقاط الأباطيل المزعومة والمنسوبة إليه كذبا وزورا... إن الإمامة بالطرح الشيعي استعدائية مثلها مثل المَلَكية، فالأولى تجعل حق الحكم في آل بيت رسول الله وقد ترفَّع الشارع عن ذلك فجعلها حقا من حقوق الأمة تختار لنفسها من يسوسها ويحكمها بكتاب الله وسنة رسوله. والملكية تجعل حق الحكم في ذرية الملك وفيه استعداء كبير بحيث تجعل الحكم حقا للملك وذريته ويحرم منه الناس وهم من يقيمون الحكم ويصونون بيضته فكيف يكون ذلك في أناس مخصوصين؟ هل لأن غيرهم دونهم؟ كلا. ولا يقال أن الله تعالى يؤتي ملكه من يشاء وينزعه ممن يشاء، لا يقال ذلك فقد كان الأمر كما ورد قبل نزول الشريعة الإسلامية، أما وقد نزلت وأكمل الدين فالحكم ليس وراثة بنصوص الشرع وفعل الرسول فإذا أقيم على المسلمين ملك لا يطبق شرع الله فإقامته غصب للسلطة ومخالفة للشرع وإن كانت غير مخالفة لعلم الله تعالى وجب إعادته (أي الحكم) إلى أهله لأنه حق لهم وهم المسلمون أو أمة الإسلام. ولا يقال أن إرادة الله لو قررت التوريث وسريان حق الحكم في نسل معين أو أشخاص معينين لكان الأولى أن يكون من ذرية رسول الله ، ولو كان كذلك لأبقى له أبناءه من الذكور حتى يرثوه في حكم المسلمين، أو يشرع التوريث للإناث كما شرع الذكور، لا يقال ذلك لأن إرادة الله تعالى هي التي علمناها وعرفناها في حق حكم الناس، فقد نص بوحيه سبحانه وتعالى في كتابه وفي سنة نبيه أن الحكم حق للأمة، وأنه لا فرق فيه بين نسب يعود إلى رسول الله وبين غيره من المسلمين من عرب وعجم، ولو أبقى له ربه ذريته من الذكور لما كان لهم حق الحكم بالوراثة، وما ورد عن الحاكم القرشي في الحديث الصحيح المشروط لا يعدو أن يكون شرط أفضلية بدليل الحديث الآخر الذي يجعل طاعة الأمير ولو أن يكون عبدا حبشيا أمرا واجبا على الرعية، ومن الرعية آل محمد . لقد مات الوكيل الأخير لمحمد بن الحسن العسكري، وقد عاش فترة كان يعلم فيها سنة موته لأن الإمام أخبره بها ((روى الطّبري الإمامي قال: حدّثني أبو المفضَّل قال: حدّثني محمّد بن يعقوب قال: كتب علي بن محمّد السَّمري يسأل الصّاحب عليه السّلام كفَناً يتبيّن ما يكون من عنده، فورد: إنّك تحتاج إليه سنة إحدى وثمانين. فمات في الوقت الّذي حَدّه، وبعث إليه بالكفن قبل أن يموت بشهر)) دلائل الإمامة للطّبري الإمامي 285 ـ 286)). ولكنه لم يمت في سنة إحدى وثمانين كما يقول الطبري الإمامي، بل مات سنة تسعة وعشرين وثلاثمئة هجرية، وهذا هو المتفق عليه بين معظم الشيعة الإمامية، ومسطر في كل كتبهم تقريبا، بل إن الغيبة الصغرى يتفقون جميعا على أنها 70 سنة، أو 69 سنة وبضعة أشهر ويحسبونها من وفاة الحسن العسكري سنة: 260 هـ إلى سنة: 329 هـ سنة وفاة علي بن محمد السمري الوكيل الأخير. وإذا سلمنا برواية الطبري الإمامي بصرف النظر عن علم الغيب الذي أشرنا إلى استحالة أن يعرفه أحد بما في الآحاد رسول الله وهو أفضل الأئمة وإمام الأنبياء والرسل، بصرف النظر عن ذلك نسوق رواية الطبري الإمامي لمناقشة تبعاتها وهي كالتالي: ـ وفاة الوكيل الأخير سنة: 381 هـ تقضي أن تكون الغيبة الصغرى 121 سنة وليس 70 سنة. ـ حياته تكون طويلة إذ قد عمر برواية الطبري الإمامي وتجاوز المئة سنة. ـ وكالته للمهدي تبدأ من تاريخ وفاة الوكيل الثالث ابن روح سنة: 326 هـ ليمضي في الوكالة إلى تاريخ وفاته الذي سطره الطبري الإمامي؛ 55 سنة وهي أطول فترة في الوكالة. وذكرت مصادر شيعية أن علي بن محمد السمري كان من أصحاب الإمام الحسن العسكري، وصحبته له لا بد أن تكون قبل سنة: 260 هـ سنة وفاة الإمام العسكري فمتى تكون؟ دعونا نضع لعلي بن محمد السمري وقتا للصحبة يكون معقولا ولنقل أنه قد كان في سنة: 259 هـ، أي أن صحبته للإمام قد كانت في سنة واحدة فقط، أو قل في بضعة أشهر ولا بأس، المهم قد كانت صحبته للإمام في سنة: 259 هـ وهذا لم يقل به أحد غيري لأني بهذا الصدد أبحث عن مخرج للشيعة من الورطات الكبيرة التي يقعون فيها، أو أنتهي إلى اتهامهم بالكذب وتزوير التاريخ، فإذا كان علي بن محمد السمري قد صحب الإمام الحسن العسكري في سنة: 259 هـ وبوفاته في رواية الطبري سنة: 381 هـ؛ يكون السمري قد بلغ من العمر 121 عاما، وهذا إذا صح تواترت عنه أخبار عن كبر سنه وكثرة منجزاته وغزير علمه وربما تخريفه ببلوغه أرذل العمر، أضف إلى ذلك طول مدة الغيبة الصغرى التي لم يقل بها أحد وهي: 121 عاما، فهل إلى مخرج من سبيل؟ إنه التزوير والكذب، وليت العقل يعود إلى رأس الشيعي لينتعل هذه الثقافة المنتنة وينبذ هذه الخرافات المضللة وهذا التآمر على الحق والناس. ============================ بعض الرجال المبعدين عن صناعة الدين الشيعي الرجال المبعدون عن صناعة الدين الشيعي الإمامي رجال مذمومون وشيعة ملعونون بسبب خلافهم واختلافهم على الذين كانوا يمسكون بالوكالة والذين كانوا أول الأمر يساندونهم ويؤيدونهم، وكان بعض منهم أصحاب للإمام أبي محمد الحسن العسكري وأبي الحسن علي بن محمد الهادي. وهؤلاء المبعدون كانوا سفراء للوكلاء الأربعة، ومنهم من زعم اتصاله بالمهدي وقوله بالنيابة عنه والوكالة له.. كانوا ينوبون عن الوكلاء الأربعة في جمع الأموال للجهة (أي للمهدي الذي كان هو نفسه عثمان العمري وابنه محمد العمري والحسين بن روح وعلي السمري)، وقد كان ذلك ضروريا لوجود شيعة بعيدين عن المركز، فكان أولئك يتصلون بهم ويجبون الأموال من عندهم ويوصلونها إلى الجهة، وكلما كان القابض سخيا ضمن لنفسه عدم التمرد، وكلما كان بخيلا فتح باب المنافسة على مصراعيه وكذلك كان، فتمرد هؤلاء لقربهم من خيوط اللعبة القذرة، ومعرفتهم بإدارتها من طرف النصابين الذين كانوا سفراء لهم إلى الشيعة ولكنهم لم يفلحوا إلا مع قلة قليلة ممن صاروا أتباعا لهم عبر التاريخ بفرق عديدة.. وشهد شاهد من أهلها، يقول ابن أبي العزاقر؛ الشلمغاني أحد السفراء الذين ادعوا الوكالة: ((ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين روح في هذا الأمر إلا ونحن نعلم في ما دخلنا فيه، لقد كنا نتهارش على هذا الأمر كما تتهارش الكلاب على الجيف)). إذن فالأمر مدبر، واللعبة مفبركة، فالدخول في الأمر الذي بين الشلمغاني والوكيل الثالث الحسين بن روح دخول في صفقة واتفاق عليها، فالحسين بن روح امتداد للعبة القذرة منذ الوكيل الأول، والشلمغاني جابٍ للأموال، ويعلم الاثنان أن لا مهدي هناك ولا صاحب زمان ولا قائم وإنما هو الحسين بن روح وعصابته ومن يتواطئون معه لابتزاز الناس وسرقة أموالهم، وقد كان خلفهم أناس بعيدون عن الأضواء سنتحدث عنهم؛ ينظِّرون لهم ويأخذون الأموال مقابل ذلك، أو هم بلغة العصر مفتون لهم مثل البوطي في زماننا والذي قتله بشار الأسد بتمثيلية قذرة وسط المسجد، والحسون الذي يستعمل التقية وهو شيعي خبيث الذي هو غير الحسون المغرد الجميل في سوريا.. لم يكونوا على وئام، وكيف يكونون على وئام وهم نصّابون جميعا ورجال عصابات، متواطئون على أناس يدغدغون مشاعرهم بمحبة آل بيت رسول الله ولكن موازاة مع الكذب عليهم وعلى آل بيت رسول الله ووضع أقاويل على ألسنتهم من طرف المنظِّرين للدين الشيعي كالكليني والقمي الأب مثلا. انظر إلى ما يرويه الطوسي: ((وكان لأبي جعفر غير الحسين بن روح بعض الوكلاء في بغداد يصل عددهم إلى عشرة رجال، وكان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب فإنّه ينجزه على أيديهم، ولم تكن للحسين بن روح خصوصيّة دونهم، ولمّا كان وقت مضيّ أبي جعفر العَمْري (رضي الله عنه) وقع الاختيار على الحسين بن روح، فكانت الوصيّة إليه وأوكلت السفارة إلى الحسين بن روح، فسلّم به الأصحاب، وكانوا معه وبين يديه، كما كانوا مع أبي جعفر (رضي الله عنه)) ((ولم يزل جعفر بن أحمد بن متيل من جملة أصحاب أبي القاسم بن روح وبين يديه كتصرّفه بين يدي أبي جعفر العمري، إلى أن مات (رضي الله عنه) فكلّ من طعن على أبي القاسم الحسين بن روح فقد طعن على أبي جعفر العمري، وطعن على الحجّة (عليه السلام) الغيبة للطوسي: 225. ((وروي عن جعفر بن أحمد بن متيل، وهو من متقدّمي أصحابه وأجلاّئهم، أنّه قال: لمّا حضرت أبا جعفر محمّد ابن عثمان العمري الوفاة، كنت جالساً عند رأسه أسأله وأحدثه، وأبو القاسم الحسين بن روح عند رجليه، فالتفت إليّ ثمّ قال: أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح. قال ابن متيل، فقمت من عند رأسه، وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني، وتحوّلت إلى عند رجليه)) . الغيبة للطوسي: 226. هذه الروايات تكشف استحمار الناس واستبغالهم والتآمر عليهم ولكنها بنفس الوقت تكشف مدى الاختلاف بين النصّابين ورجال العصابات، ذلك الاختلاف يقطعه الرأي الحاسم المستند على القوة والنفوذ، فإذا تم الالتزام به كان به وإلا صدر التوقيع بالطرد واللعن من موقف قوة، انظر إلى قوله: "فالتفت إليّ ثمّ قال: أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح". ابن روح يلتفت إلى أحمد بن متيل وكأنه يحذره من عدم القبول والانصياع لرأيه الذي اختار به الحسين بن روح للسفارة، فالحسين بن روح قديم في اللعبة، وهو مقبول لدى محمد بن سعيد العمري ويبدو أنه اصطفاه لثقته به في رعاية أهله وبنيه بعد وفاته، وأن أحمد بن متيل لم يكن يحظى بتلك المنزلة وقد زكتها الكبيرة أم كلثوم، وانظر إلى التمثيلية المراد بها حمل الناس على القبول بالحسين بن روح لأنه قد رضي بالأموال ولو أن أحمد له عشرة رجال الشيء الذي يعني ضرورة التمرد على محمد بن سعيد العمري وعدم القبول بخليفته وبما أنه لم يفعل وقبل بالوصية دل ذلك على أن أحمد بن متيل لا يملك من الرجال ما يملكه محمد بن سعيد العمري حتى يؤثر على اللعبة ويتصدر لها فقبل بها مخافة أن تذهب عنه الأموال خصوصا وأنه رئيس عصابته في بغداد يجبون له الأموال فيدفعها للجهة التي لم تكن سوى محمد بن سعيد العمري ويأخذ حصته منها وستصير للحسين بن روح وسيأخذ حصته منها أيضا ويبدو أنه طمع في حصة أكثر من خلال تمثيليته على مرأى ومسمع من الأتباع فقد أخذ بيد الحسين بن روح وكان جالسا عند رِجْل محمد بن سعيد وأجلسه مكانه عند رأس النصاب المحتضر ليبرهن للحضور عن مكانته لدى القائم ودونيته هو ولا بأس لأن الإمام هو الذي اختاره والوصية تقول بالاختيار وكل ذلك فقط من أجل رفع سقف أعطياته من الأموال التي ستجبى إلى الحسين بن روح وقد مضى في صمت راضيا مرضيا قد استوفى غرضه من اللعبة واستحق اللعنات على خداعه الناس وتآمره عليهم مع النصابين مقابل حفنة من الدنانير الذهبية أو الدراهم الفضية. =========================== الشريعي ذكر الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة المذمومين والملعونين الذين ادعوا البابية أولهم: أبو محمد السريعي أو الشريعي.. ((أخبرنا جماعة، عن أبي محمّد التلعكبري (هارون بن موسى)، عن أبي علي محمّد بن همام، (قال): كان الشريعي أو السريعي يكنّى بأبي محمّد. (قال) هارون: وأظنُّ اسمه كان الحسن وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمّد (الهادي)، ثمّ الحسن بن علي بعده عليهما السلام وهو أوّل من ادّعى مقاماً لم يجعله الله فيه، ولم يكن أهلاً له، وكذب على الله وعلى حججه عليهم السلام ونسب إليهم ما لا يليق بهم، وما هم منه براء، فلعنته الشيعة، وتبرّأت منه وخرج توقيع الإمام بلعنه والبراءة منه. (قال هارون): ثمّ ظهر منه القول بالكفر والإلحاد، (قال): وكل هؤلاء المدّعين إنما يكون كذبهم أوّلاً على الإمام وأنهم وكلاؤه فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم، ثمّ يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجية (وهو القول بالحلول أي حلول الله عز وجل والعياذ بالله فيهم) كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعاً لعائن الله تترى. خرج كما علمنا توقيع من صاحب الزمان المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري يلعن فيه الشريعي أو السريعي أبو محمد الحسن، وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد الهادي، ثم الحسن بن علي العسكري، ادعى الوكالة لنفسه منافسا بها الوكيل الذي لم ير فيه وكيلا فتم لعنه والتبرؤ منه، واللافت في هذه الحكاية أنها تدور حول المنافسة في إدارة دين الشيعة والهيمنة على الأتباع والاستئثار بالمال الذي يجمعونه منهم لصاحب الأمر والزمان، فإذا رأى أحد منهم من غيره ما لا يرضيه حاول إزاحته عن الإدارة، فإذا قدر كانت له الريادة والهيمنة، وإذا لم يقدر تم إبعاده بتأليب الشيعة عليه وربما تهديده ليتوقف عن المنافسة، وإذا كان له شيء من المال مما كلف به من طرف الوكيل أن يجمعه ولم يسلمه تغاضى عنه الوكيل وتم نعته بأبشع النعوت، والأهم في كل ذلك أن يخرج توقيع منسوب للمهدي يلعنه فيه فتنقضي اللعبة وتتوقف معه، ثم تنتقل إلى غيره وهكذا. والغريب أنه يكون من أصحاب الأئمة مثله مثل الذين نصبوا أنفسهم وكلاء عنهم، وفي ذلك كشف للحيل الممارسة بينهم على أتباعهم، يتصارعون فيما بينهم على الأموال التي تجمع من الأغبياء الشيعة لتعطى لصاحب الزمان الذي هو نفسه الوكيل وهكذا علما بأن التوقيع لم يره أحد ولهم في ذلك رواية عن المهدي المنتظر بأن لا يطلع الوكيل أحدا على التوقيع، عن اسحق بن يعقوب عن العمري يقول: ((ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه أحدا)) الطبرسي في الاحتجاج، وهذا زيادة في التحوُّط حتى لا يُفْتضح أمر اللعبة التي بينهم، كما أنه دليل قاطع على قذارتها يمارسها آكلوا أموال الناس بالباطل. وهذا الشريعي أو السريعي لم يدّع البابية إلا بسبب استخفافه بالعمري الذي لم يكن له وزن فقهي ولا علمي، ولم يكن وجيها في الحياة فتجرأ وطبيعي أن يتجرأ عليه لأنهما في اللعبة سواء ولكن العمري محاط بمجموعة من الدجالين الأقوياء صنعوا منه بابا للإمام الموهوم وكان الشريعي يفهم اللعبة ويريد أن يكون رأسا فيها فرُفض وتم لعنه على وزنه الذي غرّه وقربه من الإمامين الهادي والعسكري. يظهر من خلال ما تقدم أن الحسن العسكري كان برزخا بين العلم والجهل، وبين الإيمان والكفر.. فقد كان الرجل متبعا وليس مبتدعا، كان من أهل السنة يفعل نفس ما فعله آباؤه وأجداده والصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وكان من ضمن صحبته صحبة كاذبة، كان معه منافقون لا يقبلون بالإسلام الذي كان عليه السلف الصالح، ولكنهم لم يفلحوا في حياته بسبب تصديه لهم، وإنكار خرافاتهم ومزاعمهم عن آل بيت النبي في معرفتهم الغيب مثلا وأحقيتهم في الحكم دون سائر المسلمين، والسريعي منهم، والنميري منهم، والعمري الأب منهم، صحيح أن عثمان العمري رجل بسيط خديم الحسن العسكري كان يعتاش على بيع السمن والزيت وليس له في أمر السريعي والنميري وغيرهما شيء لأنه دونهما مكانة في المجتمع وعلما في الدين وفقها في الأحكام، وحين توفي الحسن العسكري طمع السريعي كما طمع النميري وغيرهما في الدخول في اللعبة القذرة التي اختلقوها وهي وجود خلف للحسن العسكري الذي لم يخلف ولدا وزعم غيابه فتنافسوا فيما بينهم، فقصدت جماعة من بينهم إبراهيم بن محمد الهمداني، وأحمد بن اليسع، ومحمد بن إبراهيم بن مهياز وقد زكى هذا الأخير عثمان بقصته التي رواها الطوسي على لسانه قال: ((شككت عند مضيّ أبي محمّد العسكري (عليه السلام)، وكان قد اجتمع عند أبي مال كثير، فحمله وركب السفينة، وخرجت معه مشيّعاً، فوعك وعكاً شديداً، فقال: ردّني فهو الموت، واتّقِ الله في هذا المال، وأوصى إليّ ومات. ومضى يقول: فحملت المال بعد الفراغ من أمره، وقدمت العراق، واكتريت داراً على الشطّ، وبقيت أياماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: يا محمّد، معك كذا وكذا من المال، وقصّ عليّ جميع ما تركه أبي من المال، ولم أكن أعرفه على حقيقته، فسلّمت المال إلى الرسول، وبقيت أياماً، فخرج إليّ التوقيع يقول (عليه السلام) فيه: قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله)) بحار الأنوار 51 : 364 / 12. ومن بينهم أيضا أحمد بن إسحاق بن سعد مالك الأشعري: ((وكان واسطة بين القمّيين والأئمة: الجواد، والهادي، والعسكري (عليهم السلام)، وأدرك شطراً من غيبة الإمام المهدي (عليه السلام)، وهو الذي عرض عليه الإمام العسكري (عليه السلام) ولده المهدي (عليه السلام) حينما سأله عن خليفته، وأراه إيّاه، وحدّثه ببعض ما يكون من أمره خلال غيبته الصغرى والكبرى. وقد خرج التوقيع في مدحه مع جماعة منهم: إبراهيم بن محمّد الهمداني، وأحمد بن اليسع)) بحار الأنوار 51: 363. اتفقوا مع عثمان العمري على إدارة اللعبة، وما عليه هو إلا أن يقول بقولهم فقالوا له قل بالغيبة، فقال بالغيبة، وقالوا له قل بالنيابة والوكالة عن المهدي فقال بالنيابة والوكالة عن المهدي.. وهكذا فانتشر خبره وعقد له الأمر وأحيط بنصّابين وعصابات وكان أسيرا في أيديهم أول الأمر لأنهم هم أصحاب الفضل عليه، وليس له هو فيه شيء إلا المشاركة والاتفاق على إضلال الناس وأكل أموالهم بالباطل، وفي فترة نيابته عن المهدي والتي لم تدم إلا خمس سنوات لم يستطيعوا جمع أمرهم كله بسبب وجود منافسين لهم أكثر شأنا وعلما من النصّاب الأول عثمان بن سعيد العمري فظهر السريعي وهو صاحب لعلي الهادي والحسن العسكري فادعى لنفسه ما ادعى فلعنوه، وحاول وحاول دون جدوى بسبب تحلُّق العصابة حول الباب عثمان الغبي الضال المضل واستحكام الحلقة. رجل كان بسيطا يحيا حياة طيبة أعجبته اللعبة واستفاد منها وكفته الدخل البسيط من تجارته في الزيت والسمن. استمرت المنافسة على أشدها بين السريعي فكانت الغلبة للعمري ورجال عصابته وأقصي الرجل عن اللعبة وهو حنق لا يقدر على فعل شيء بالرغم من طعنه في الغيبة والقول بتكذيبها. ==================== محمد بن نصير النميري (قال ابن نوح): أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمّد، (قال): كان محمّد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام فلمّا توفي أبو محمّد ادعى مقام أبي جعفر محمّد بن عثمان أنه صاحب إمام الزمان وادعى البابية، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، ولعن أبي جعفر محمّد بن عثمان له وتبريه منه واحتجابه عنه وادعى ذلك الأمر بعد الشريعي. (قال أبو طالب الأنباري): لما ظهر محمّد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر (النائب الثاني أبو جعفر العمري) رضي الله عنه _ وتبرأ منه فبلغه ذلك فقصد أبا جعفر _ ليعطف بقلبه عليه أو يعتذر إليه فلم يأذن له وحجبه وردّه خائبا. انتبه حضرة القارئ المحترم إلى تدبير الوكيل الثاني وحصره الاستئثار بلقاء الإمام، فلا أحد في الغيبة الصغرى يلتقي بالإمام غير الوكيل، ومحمد بن نصير النميري قد فطن للعبة وكيف لا وهو من المؤسسين لوجود خلف للحسن العسكري والقائلين بالغيبة فأراد أن يكون جزءا منها في حياة أبيه (أي أبي جعفر) ولكنه لم يفلح فتم لعنه والتبرؤ منه مخافة تأثيره في أتباعه وكان قد اعتزل الناس في حياة أبي جعفر عندما تم إقصاؤه حتى يبقى الوكيل الأول، ثم الوكيل الثاني ممسكا بإدارة دين الشيعة، ثم يخلفه من يرضى عنه، هذه هي سنة الذين خلقوا لعبة الغيبة الصغرى حتى لا تضيع منهم الأموال التي يجبونها من الأغبياء لصاحب الزمان الذي ما كان سوى الوكيل وعصابته من النصّابين الذين مع الوكيل، والغريب أن محمد بن نصير النميري (النصيرية هي التي ينتمي إليها سفاح الشام بشار الأسد، والذي أطلق عليهم الطائفة العلوية هو الاستعمار الفرنسي فهو الذي سماهم العلويين إخفاء لحقيقة انتسابهم لمحمد بن نصير النميري الزنديق ولحاجته إليهم في ضرب الإسلام) قد كان ممن وضع فكرة وجود خلف للحسن العسكري وغيابه أملا في جعل نفسه وكيلا عنه لإدارة شبكة النصب والاحتيال ولكنه لم يفلح نظرا لقسوته وغلظته اللتين خافا منهما منافسوه فاختلقوا جارا للحسن العسكري وكان زياتا وسمانا فاتفقوا معه على إدارة دين الشيعة، وعندما اتفقوا لعنوا محمد بن نصير النميري فما كان من هذا الأخير إلا أن تراجع عن فكرة وجود خلف للحسن العسكري والغيبة وكان ممن اختلقوها واخترعوها فلم يفلح نظرا لتمكن اللعبة القذرة من قلوب وأفئدة الأغبياء الذين صدقوها فتبعه جماعة وجاء بخرافات وأمر بمنكرات منها أمره لأتباعه بعبادة فرج المرأة وكان يحل الزنا ويقول بالتناسخ ويأمر بنكاح الرجال بعضهم بعضا وزعم أنه نبي رسول أرسله عليّ بن محمد الهادي وادعى له الألوهية وهكذا إلى أن وجد له مناصرون في القرن السابع والثامن والتاسع الهجري ولم يزل إلى يومنا هذا كأسرة بشار الأسد ومن كان على شاكلتها في الدين والمذهب. ولعبة الغيبة لم تكن وليدة جيل الحسن العسكري، بل كانت وليدة جيل موسى بن جعفر ممثلة في خدامه وهم: علي بن حمزة البطائني، وزياد القندي، وعثمان بن عيسى، وهؤلاء زعموا غيبة موسى بن جعفر حتى لا يدفعوا أمواله إلى ورثته فأوقفوا الإمامة على سيدهم موسى بن جعفر وأنكروا إمامة جميع من جاء بعده وسموا لذلك بالواقفية.. (وقال) سعد بن عبد الله: كان محمّد بن نصير النميري يدعي أنه رسول نبي وأن علي بن محمّد (الهادي) عليه السلام أرسله، وكان يقول بالتناسخ (أي أن أرواح الأموات تحلُّ في أجسام الأحياء) ويغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية، ويقول بالإباحة للمحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم، ويزعم أن ذلك من التواضع والإخبات والتذلل في المفعول به وأنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات وأن الله عز وجل (تعالى الله) لا يحرِّم شيئاً من ذلك، وكان محمّد بن موسى بن الحسن بن الفرات يقوي أسبابه ويعضده (أي كان داعية له وناشراً لأكذوبته). (أخبرني) بذلك عن محمّد بن نصير أبو زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان أنه رآه عياناً وغلام له على ظهره، (قال): فلقيته فعاتبته على ذلك، فقال: إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك التجبر. قال سعد: فلمّا اعتل محمّد بن نصير العلّة التي توفي فيها، قيل له وهو مثقل اللسان: لمن هذا الأمر من بعدك؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج: أحمد، فلم يدر من هو؟ فافترقوا بعده ثلاث فرق: قالت فرقة: إنه أحمد ابنه، وفرقة قالت: هو أحمد بن محمّد بن موسى بن الفرات، وفرقة قالت: إنه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن يزيد فتفرقوا فلا يرجعون إلى شيء. وخرج توقيع من صاحب الزمان يلعن فيه محمد بن نصر النميري، والسبب أنه قد نافس الوكيل الثاني محمد بن سعيد العمري على وكالة صاحب الزمان وادعاها لنفسه ظنا منه أنه قد ينجح مرة أخرى في ادعاء الوكالة بعد وفاة عثمان بن سعيد العمري فتم استصدار أمر من صاحب الزمان بلعنه، والوكيل الثاني محمد بن سعيد العمري قد خلف أباه مباشرة في إدارة دين الشيعة، وكان من بينهم من هم رافضون لوكالته لأنها وكالة يعرفون حقيقتها، إنها وكالة عن وهْمٍ خلقوه وطفقوا يديرونه بينهم ويستفيدون منه، فإذا اختلفوا أو لم يرضوا عن بعضهم البعض قاموا محاولين الاستئثار باللعبة، فإذا نجحوا كانوا بها، وإذا لم ينجحوا خرجوا ملعونين من اللعبة وبقي فيها الأذكياء. استمر محمد بن سعيد العمري وكيلا للمهدي المنتظر من وفاة والده حتى وفاته هو، أي من سنة: 265 هـ تاريخ وفاة الوكيل الأول عثمان بن سعيد العمري إلى سنة وفاته هو سنة: 305 هـ ليخلفه في اللعبة رجل من داخلها وهو الوكيل الثالث الحسين بن روح ليحافظ على أسرارها. ===================== أحمد بن هلال الكرخي العبرتائي ولد أحمد بن هلال الكرخي العبرتائي عام 180 هـ ، وتوفّي عام 267 ه. عاصر علي الهادي والحسن العسكري وطرفا من حياة المهدي الأسطورة. قال أبو علي بن همام: كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمّد (العسكري) عليه السلام فاجتمعت الشيعة على وكالة أبي جعفر محمّد بن عثمان رحمه الله بنصّ الحسن عليه السلام في حياته، ولمّا مضى الحسن عليه السلام قالت جماعة الشيعة له: ألا تقبل أمر أبي جعفر محمّد بن عثمان وترجع إليه وقد نصَّ عليه الإمام المفترض الطاعة (أي الإمام العسكري عليه السلام)؟ فقال لهم: لم أسمعه ينصُّ عليه بالوكالة، وليس أنكر أباه _ يعني عثمان بن سعيد _ فأمّا أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه، فقالوا: قد سمعه غيرك. فقال: أنتم وما سمعتم، ووقف على أبي جعفر فلعنوه وتبرؤوا منه، ثمّ ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن روح رحمه الله بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن. انتبه حضرة القارئ المحترم إلى التفاهم بين الوكلاء في إدارة دين الشيعة، فقصة الوكلاء مع الذين ينافسونهم تنحو دائما نحوا واحدا دالا على غباء، ولكن الموجهة إليهم أغبى، ولذلك ينجحون في الإبقاء على إدارتهم رغم كثرة المنافسين. فالمنهج في الطرد والتبرؤ واللعن واحد لا يختلف من وكيل إلى آخر، ويبقى الأقوياء الذين ينجحون في استقطاب الناس وتمحورهم حول خزعبلاتهم بينما منافسوهم يخفقون معهم في مزاحمتهم على الشراكة ولكنهم ناجحون إلى حد ما مع أتباعهم إذ لكلٍّ أتباعٌ ولو قلّوا فهم جميعا في خضم منظومة فكرية لا قرار لها، وهم في خضم روايات عن التاريخ لا أساس لها، وهم في خضم الانشقاقات وخلق الفرق الجديدة التي تمتح من الخرافة والأسطورة والعقول المريضة لا حد لهم، ومع ذلك فقد أوجدوا متحلّقين حولهم ممن غابت عقولهم وتورَّم رشدهم. وخرج توقيع من المهدي المنتظر يلعن فيه أحمد بن هلال الكرخي بسبب رفضه وكالة محمد بن عثمان. وقد كان أحمد الكرخي من أصحاب الحسن العسكري كما هو ديدنهم مع الملعونين الذين ينسبون إليهم عِشرة وصحبة إمام أو إمامين أو أكثر، ثم يتم لعنهم وطردهم. يظهر أن ابن هلال مال إلى صف عثمان بن سعيد العمري ورضي به نصابا تأتيه حصته منه من الأموال المسروقة من أموال الناس والتي يجبونها من الشيعة. وكان رجلا ذا مكانة اجتماعية مرموقة. كان متصوفا وكاتبا له كتب ذكرها النجاشي مثل: يوم وليلة، ونوادر.. وذكر أيضا أنه حجّ أربعاً وخمسين حجّة، عشرون منها على قدميه خلاف العمري الذي لم يكن له فضل في العلم والدين والفقه غير خدمة الحسن العسكري. حاول أن يكون الباب إلى المهدي الأسطورة، فلم يفلح فرضي وسلم وغنم في وكالة العمري الأب، وكان ممدوحا عندهم، صالحا فاضلا طيلة وكالة عثمان بن سعيد العمري، له مريدون ولكن حين مات العمري الأب وحُوِّل الأمر لابنه رفضه ابن هلال فصار يشكك في الوكالة، وصار يطعن في محمد بن عثمان العمري وينكر النص عليه من الإمام وهو صادق لأنه لا إمام ولا نص وإنما هي لعبة قذرة يتنافسون فيها ويتصارعون عليها كالضباع وعندها امتنع قوم عن دفع الأموال للجهة التي يعرفها ابن هلال والتي تأتيه منها حصته فلعنوا بعضهم بعضا واستصدر الأقوياء أمرا بابيا كعادتهم فأخرجوه من اللعبة ولم يقو على البقاء فيها نظرا لاستحكام أمر العمري وعصابته فصار فاجرا بعد أن كان صالحا، وصار فاسقا بعد أن كان مستقيما فبقي دون غنيمة إلى أن مات كجيفة مثلهم مع خلاف في مشهد النصب ولكن مع وحدة في المصير المظلم. ============================= محمد بن علي بن بلال (أبو طاهر) محمد بن علي بن بلال المكنى أبو طاهر الثقة المأمون كما ورد في بعض التوقيعات للمهدي المنتظر، وقد انحرف وزلّت قدمه، ثم لُعن وطرد. وللعلم فإن المهدي بالرغم من معرفته الغيب كما في كتبهم لم يعرف مصير ابن بلال، ولا ندري كيف نوفق بين قولهم أن الإمام يعلم الغيب، ثم يأتي منه ما يدل على جهله بالغيب، أم أن الأمر محصور في الدجالين الذي يتفقون على المغانم، ثم يختلفون عليها ويتنازعون فتحصل حروب كلامية بينهم، واتهامات يرمون بها بعضهم بعضا والغلبة في النهاية دائما لأصحاب النفوذ والأموال. وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام وامتناعه من تسليمها وادّعاؤه أنه الوكيل حتّى تبرأت الجماعة منه ولعنوه وخرج من صاحب الزمان عليه السلام ما هو معروف. (وحكى أبو غالب الزراري)، قال: حدّثني أبو الحسن محمّد بن محمّد بن يحيى المعاذي، (قال): كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي طاهر بن بلال بعدما وقعت الفرقة، ثمّ إنه رجع عن ذلك وصار في جملتنا، فسألناه عن السبب؟ (قال): كنت عند أبي طاهر يوماً وعنده أخوه أبو الطيب وابن خزر وجماعة من أصحابه إذ دخل الغلام فقال: أبو جعفر العمري على الباب، ففزعت الجماعة لذلك وأنكرته للحال التي كانت جرت وقال: يدخل، فدخل أبو جعفر رضي الله عنه فقام له أبو طاهر والجماعة وجلس في صدر المجلس وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه فأمهلهم إلى أن سكتوا. (ثمّ قال): يا أبا طاهر نشدتك الله أو نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان عليه السلام بحمل ما عندك من المال إليَّ؟ فقال: اللهم نعم، فنهض أبو جعفر رضي الله عنه منصرفاً ووقعت على القوم سكتة، فلمّا تجلَّت عنهم قال له أخوه أبو الطيب: من أين رأيت صاحب الزمان؟ فقال أبو طاهر: أدخلني أبو جعفر رضي الله عنه إلى بعض دوره فأشرف علي من علو داره فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه، فقال له أبو الطيب: ومن أين علمت أنه صاحب الزمان عليه السلام؟ قال: وقع علي (3) من الهيبة له، ودخلني من الرعب منه ما علمت أنه صاحب الزمان عليه السلام فكان هذا سبب انقطاعي عنه)). وخرج توقيع بلعن محمد بن علي بن بلال (أبو طاهر) ولم يكن منافسا للوكيل الذي كان في زمانه، بل كان من الجباة لأموال الخمس، يجبيها من الشيعة ليدفعها إلى إمام الزمان عبر وسيط هو الوكيل لأن الإمام كان قد دخل في الغيبة الصغرى ولا حق لأحد أن يلقاه إلا الوكلاء الأربعة بالترتيب، تم لعنه بسبب امتناعه عن دفع الأموال لمحمد بن سعيد العمري الوكيل الثاني ليدفعها بدوره للمهدي المنتظر. والطريف في قصة محمد بن علي بن بلال ما جرى بينه وبين محمد بن سعيد العمري في حضرة الأتباع كما فات معنا، والغريب أن محمد بن سعيد العمري لم ينتبه للتناقض الذي ظهر على يديه حين صرح لمحمد بن علي بن بلال قائلا: ((يا أبا طاهر نشدتك الله أو نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان عليه السلام بحمل ما عندك من المال إليَّ؟ فقال: اللهم نعم، فنهض أبو جعفر رضي الله عنه منصرفاً ووقعت على القوم سكتة، فلمّا تجلَّت عنهم قال له أخوه أبو الطيب: من أين رأيت صاحب الزمان؟ فقال أبو طاهر: أدخلني أبو جعفر رضي الله عنه إلى بعض دوره فأشرف علي من علو داره فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه، فقال له أبو الطيب: ومن أين علمت أنه صاحب الزمان عليه السلام؟ قال: وقع علي من الهيبة له، ودخلني من الرعب منه ما علمت أنه صاحب الزمان عليه السلام)) المصدر السابق. تناقض مع دينه ومذهبه الذي يقضي بمنع اللقاء بصاحب الأمر والزمان المهدي المنتظر إلا من طرف الوكلاء بالترتيب أو دون ترتيب إذ قد يجتمع الإمام مع الجميع لإدارة دين الشيعة، قد يجتمع طيف الإمام وأسطورة الإمام وشبح الإمام ولفظ الإمام؛ قد يجتمعون معا لتدبير شؤون الشيعة للنصب عليهم واستغبائهم، بينما هو هنا يقر بلقاء أبي طاهر بالمهدي المنتظر وهو ممتنع بحسب ما جاءوا به من معتقدات، وهناك من لا يمانع من لقاء الإمام ولذلك ادعى كثيرون عبر التاريخ أنهم رأوه واتصلوا به وأفتى لهم. أما الحيلة فمكشوفة والأمر كله منحصر في الدعاية ضد ابن بلال حتى لا يفتضح أمرهم مع أتباعهم، أما المال المفروض دفعه للجهة التي هي الوكيل فلا قيمة له مادام التنازل عنه والسماح فيه يضمن استمرار استغلال الناس وابتزازهم بجلب أموال أخرى منهم لصاحب الأمر والزمان عن طريق وسيط والذي هو دائما وأبدا الوكيل ومن ينوب عن الوكيل كابن بلال الذي عرف اللعبة وشارك فيها، ثم صار خائنا في نظر محمد بن سعيد والشيعة الذين كذب عليهم بخروج توقيع من الإمام بلعن ابن بلال، ثم فيما بعد عند حلول الغيبة الكبرى صار الفقيه والعالم هو الذي يجمع الأموال والخمس ولكن لنفسه، وفي وقتنا هذا وليّ الفقيه وقد وضع ولاية الفقيه موضع التنفيذ؛ الخميني بعد أن مهد له وأنجح ثورته رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق جيمي كارتر فأنشأ الأول رتبا في دين الشيعة كما هي في الدين اليهودي والمسيحي المكذوبين على الله ورسله، أما زعمه الخوف والرعب الذي وقع عليه من صاحب الأمر فإنه خوف ورعب حقيقي وهو من صاحب الزمان حقيقة ولكنه ليس من صاحب الزمان المهدي المنتظر، بل من محمد بن سعيد العمري الذي له أتباع قد يأمرهم بإيذائه وربما قتله إذا كان في المتناول وهو في المتناول لورود عبارة: ((وقع علي من الهيبة له ودخلني من الرعب منه ما علمت أنه صاحب الزمان)) أي من محمد بن سعيد العمري لأنه وابن بلال سواء في اللعبة القذرة ولا بد أن يخرج منها الضعيف وقد كان ابن بلال، ولا ننسى أن علي بن بلال لم يكن وضيع الشأن فقد كان له أتباع وأنصار ومؤيدون ومؤتمرون بأمره ولكنهم في كل الأحوال دون قوة محمد بن سعيد العمري، وعليه فالدخول في معارك غير دعائية لا ضمان له نظرا لمطاردة الدولة العباسية للنصّابين لأنها تعلم عنهم الكثير، وتأتي شكاوى الناس من ابتزازهم لهم والكذب عليهم في موضوع النيابة والوكالة لوهم وأسطورة المهدي فكانت تلاحقهم وتعاقبهم إذا وقعوا في قبضتها وقد شهد التاريخ بعضا من تلك العقوبات. قد يتساءل المرء عن علة اعتراف ابن بلال بأكذوبة محمد بن عثمان حين ناشده الله في حضرة الناس ليشهد على نفسه بالكذب في رؤية المهدي، قد يتساءل المرء عن علة ذلك والأصل أن يتم تكذيبه في حضرة الناس، والجواب على ذلك بسيط للغاية وهو أن كلا الرجلين شريكين في أكذوبة المهدي، ويعرفان بعضهما البعض جيدا ولكن حضور المال والرغبة في تملكه وغض الطرف عنه من طرف محمد بن سعيد هو الذي سمح لابن بلال أن يؤيده في قوله ويكذب نفسه شرط أن يبقى محتفظا بالمال وقد كان، وهناك احتمال آخر قد تضيفه حضرة القارئ المحترم وهو التهديد كما أشرنا آنفا إن لم يساير ابن بلال محمد بن سعيد في ادعائه وزعمه وهم معروفون في التاريخ وإلى يومنا هذا بالحقد والكراهية والاستهانة بدماء بعضهم بعضا. ===================== الحسين بن منصور الحلاج (أخبرنا) الحسين بن إبراهيم، عن أبي العبّاس أحمد بن علي بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمّد الكاتب ابن بنت أمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمري (قال): لمّا أراد الله تعالى أن يكشف أمر ابن منصور الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه، وقع له (أي اعتقد) أن أبا سهل ابن إسماعيل بن علي النوبختي رضي الله عنه ممن تجوز عليه مخرقته (أي ممن تنطلي عليه أكذوبته)، وتتم عليه حيلته، فوجّه إليه يستدعيه، وظنَّ أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله، وقدر (أي ظن) أن يستجره إليه فيتمخرق ويتصوف بانقياده على غيره (أي ظن أن يجره إليه فيتخذه عضداً وشاهداً على ادّعائه)، فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة لقدر (أي لمكانة) أبي سهل في أنفس الناس ومحلّه من العلم والأدب أيضاً عندهم، ويقول له في مراسلته إيّاه: إنّي وكيل صاحب الزمان عليه السلام _ وبهذا أوّلاً كان يستجر الجهّال ثمّ يعلو منه إلى غيره _ وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك، لتقوى نفسك، ولا ترتاب بهذا الأمر. فأرسل إليه أبو سهل رضي الله عنه يقول له: إني أسألك أمراً يسيراً يخف مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أنّي رجل أحب الجواري وأصبو إليهن ولي منهن عدة أتخطاهن والشيب يبعدني عنهن وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك وإلاّ انكشف أمري عندهن، فصار القرب بعداً والوصال هجراً، وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفينى مؤنته، وتجعل لحيتي سوداء، فإنني طوع يديك وصائر إليك، وقائل بقولك، وداع إلى مذهبك، مع ما لي في ذلك من البصيرة، ولك من المعونة. فلمّا سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه وأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً ولم يرسل إليه رسولاً، وصيّره أبو سهل رضي الله عنه أحدوثة وضحكة ويطنز به عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه. (وأخبرني) جماعة عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أن ابن الحلاج صار إلى قم وكاتب قرابة أبي الحسن (أخي الصدوق) يستدعيه ويستدعي أبا الحسن أيضاً ويقول: أنا رسول الإمام ووكيله، (قال): فلمّا وقعت المكاتبة في يد أبي رضي الله عنه (أي أبي الحسن بن علي بن بابويه القمي والذي كان وكيلاً للعسكري عليه السلام) خرقها وقال لموصلها إليه: ما أفرغك للجهالات؟ فقال له الرجل _ وأظن أنه قال: إنه ابن عمّته أو ابن عمّه _ فإن الرجل قد استدعانا فلِمَ خرقت مكاتبته؟ وضحكوا منه وهزؤوا به، ثمّ نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه. (قال): فلمّا دخل إلى الدار التي كان فيها دكّانه نهض له من كان هناك جالساً غير رجل رآه جالساً في الموضع فلم ينهض له ولم يعرفه أبي فلمّا جلس وأخرج حسابه ودواته كما تكون التجّار أقبل على بعض من كان حاضراً فسأله عنه فأخبره فسمعه الرجل يسأل عنه فأقبل عليه وقال له: تسأل عنّي وأنا حاضر؟ فقال له أبي: أكبرتك أيها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك. فقال له: تخرق رقعتي وأنا أشاهدك تخرقها؟ فقال له أبي: فأنت الرجل إذاً. (ثمّ قال): يا غلام برجله وبقفاه، فخرج من الدار العدو لله ولرسوله، ثمّ قال له: أتدعي المعجزات؟ عليك لعنة الله، (أو كما قال)، أخرج بقفاه فما رأيناه بعدها بقم. الحسين بن منصور الحلاج ملعون في دين الشيعة، وقد خرج توقيع من الإمام المهدي بلعنه. لقد تطلع الرجل إلى منافسة وكيل المهدي ومنازعته في الوكالة عن صاحب الزمان لعلمه باللعبة القذرة التي يلعبها الوكلاء منذ اختراعهم فكرة الغيبة الصغرى ونجحوا في جمع الشيعة عليهم وطرد مخالفيهم بالدعاية عليهم خصوصا باستعمال التوقيع. وقد كان في عصر الحسين بن منصور الحلاج (عالم) شيعي هو إسماعيل بن علي النوبختي صاحب كتاب: فرق الشيعة الذي صرح فيه أن الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري اختلفوا إلى 14 فرقة، وقد كان مرضيا عنه يؤيد فكرة الغيبة الصغرى ويصله بتأييده لها ولفكرة مشروعية الوكالة عن إمام الزمان؛ نصيبه من الأموال المجباة من الشيعة للوكيل ليمنحها هذا الأخير إلى المهدي الذي ليس هو إلا الوكيل نفسه. والحسين بن منصور الحلاج إما أنه لم يكن يعلم بحصول إسماعيل النوبختي على الأموال وبالتالي يكون مستأجرا في يد الوكيل يدفع له مقابل تأييده ووضع ما يؤيد ذلك على لسان الأئمة أو تفسير ما ورد عن غيره بما يناسب واقع الحال فأراد تأليبه على الوكيل بادعاء الوكالة له يكون الحسين بن منصور الحلاج صاحب الفكرة ومخترعها ما يبقيها حية في الناس من أجل استغلالهم كالوكلاء ويكون إسماعيل هو عالمها وواضع ما يناسبها في الفقه والأحكام ثم يديران على مهل دين الشيعة وما يكون بعد ذلك إذا نجحا في استمالة الشيعة إليهما، وإما أنه على علمه أراد منح إسماعيل أضعاف ما يمنحه وكيل المهدي غير أنه فشل لأن إسماعيل بن علي النوبختي كان راضيا بوضعه وكان الحسين بن منصور الحلاج واقعا في الاحتمال الأول ذلك أنه مفضوح بسؤاله لابن منصور عن طريق رسول، يسأله عن أشياء معينة وفيها تكشُّف للحيلة الممارسة في حق المضبوعين بالدين الشيعي الشيء الذي يؤكد دونية إسماعيل وحقارته وجرمه الكبير في خداع الناس والتقدير لهم من الترهات والخرافات والأساطير ما يجعلهم مكبلين بحيلهم غائبة عنهم عقولهم. انظر التدبير والبهيمية في قوله: ((إني أسألك أمراً يسيراً يخف مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أنّي رجل أحب الجواري وأصبو إليهن ولي منهن عدة أتخطاهن والشيب يبعدني عنهن وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك وإلاّ انكشف أمري عندهن، فصار القرب بعداً والوصال هجراً، وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفينى مؤنته، وتجعل لحيتي سوداء، فإنني طوع يديك وصائر إليك، وقائل بقولك، وداع إلى مذهبك، مع ما لي في ذلك من البصيرة، ولك من المعونة)). فالرجل يبدو مغرما بالنساء مولعا بغشيانهن من جواريه ومن نساء المتعة، وهي متعة تحتاج إلى مصاريف ولا سبيل للشيخ إليها إلا عن طريق الأموال التي تأتيه من الوكيل، وهو يتنقل بين الجاريات وغير الجاريات ويجد منهن بعض النفور لكبره في السن وفي الوقاحة والصغار أيضا، فطالبه على سبيل العلم بالعجز الذي يكشف رغبته في البقاء حيث هو من منزلة تؤهله للعب دور الكذب من أجل شهوة المال والجنس نتيجتها إضلال الناس واللعب بعقولهم. ولا يخفى عليك حضرة القارئ المحترم ما اشتهر به الحلاج من ادعاء للألوهية وكثير من المنكرات التي صدرت عنه ولم يرتح الشيعة منه لأنه قد فضحهم إلا بعد مقتله من طرف الخليفة العباسي المقتدر بالله. ============================== ابن أبي العزاقر (وهو محمّد بن علي الشلمغاني يكنّى بأبي جعفر) أخبرني الحسين بن إبراهيم، عن أحمد بن علي العباس بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمّد بن أحمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه، قال: حدّثتني الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه. (قال): كان أبو جعفر ابن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام، وذاك أن الشيخ أبا القاسم رضي الله عنه وأرضاه كان قد جعل له عند الناس منزلةً وجاهاً فكان عند ارتداده يحكي كل كذب وبلاء وكفر لبني بسطام ويسنده عن الشيخ أبي القاسم فيقبلونه منه ويأخذونه عنه، حتّى انكشف ذلك لأبي القاسم فأنكره وأعظمه ونهى بني بسطام عن كلامه وأمرهم بلعنه والبراءة منه، فلم ينتهوا وأقاموا على توليه، وذاك أنه كان يقول لهم: إنني أذعت السر وقد أخذ علي الكتمان فعوقبت بالإبعاد بعد الاختصاص، لأن الأمر عظيم لا يحتمله إلاّ ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن، فيؤكّد في نفوسهم عظم الأمر وجلالته، فبلغ ذلك أبا القاسم رضي الله عنه فكتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه وممن تابعه على قوله، وأقام على توليه، فلمّا وصل إليهم أظهروه عليه فبكى بكاءً عظيماً. ثمّ قال: إن لهذا القول باطناً عظيماً، وهو أن اللعنة الإبعاد، فمعنى قوله: لعنه الله، أي باعده الله عن العذاب والنار، والآن قد عرفت منزلتي، ومرّغ خديه على التراب وقال: عليكم بالكتمان لهذا الأمر. قالت الكبيرة رضي الله عنها: وقد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر بن بسطام قالت لي يوما وقد دخلنا إليها فاستقبلتني وأعظمتني وزادت في إعظامي حتّى انكبّت على رجلي تقبلها، فأنكرت ذلك وقلت لها: مهلاً يا ستّي فإن هذا أمر عظيم، وانكببت على يدها فبكت. ثمّ قالت: كيف لا أفعل بك هذا وأنت مولاتي فاطمة؟ فقلت لها: وكيف ذاك يا ستي؟ فقالت لي: إن الشيخ يعني أبا جعفر محمّد بن علي خرج إلينا بالسر، قالت: فقلت لها: وما السر؟ قالت: قد أخذ علينا كتمانه وأفزع إن أنا أذعته عوقبت، قالت: وأعطيتها موثقاً أني لا أكشفه لأحد واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ رضي الله عنه يعني أبا القاسم الحسين بن روح. قالت: إن الشيخ أبا جعفر (ابن أبي العزاقر) قال لنا: إن روح رسول الله انتقلت إلى أبيك _ تعني أبا جعفر محمّد بن عثمان رضي الله عنه _، وروح أمير المؤمنين علي عليه السلام انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، وروح مولاتنا فاطمة عليها السلام انتقلت إليك، فكيف لا أعظمك يا ستّنا! فقلت لها: مهلاً لا تفعلي، فإن هذا كذب يا ستنا. فقالت لي: سر عظيم، وقد أخذ علينا أن لا نكشف هذا لأحد، فالله الله فيَّ، لا يحل بي العذاب، ويا ستّي لولا أنك حملتني على كشفه ما كشفته لك ولا لأحد غيرك. قالت الكبيرة أمّ كلثوم رضي الله عنها: فلمّا انصرفت من عندها دخلت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح رضي الله عنه فأخبرته بالقصة وكان يثق بي ويركن إلى قولي، فقال لي: يا بنية إيّاك أن تمضي إلى هذه المرأة بعدما جرى منها، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك، ولا رسولاً إن أنفذته إليك، ولا تلقيها بعد قولها، فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن الله تعالى اتحد به، وحلَّ فيه، كما تقول النصارى في المسيح عليه السلام ويعدو إلى قول الحلاج (لعنه الله). قالت: فهجرت بني بسطام، وتركت المضي إليهم ولم أقبل لهم عذراً ولا لقيت أمّهم بعدها، وشاع في بني نوبخت الحديث فلم يبقَ أحد إلاّ وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه ومن يتولاه ورضي بقوله أو كلّمه فضلاً عن موالاته. ثمّ ظهر التوقيع من صاحب الزمان عليه السلام بلعن أبي جعفر محمّد بن علي والبراءة منه وممن تابعه وشايعه ورضي بقوله، وأقام على توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع. وله حكايات قبيحة وأمور فظيعة ننزّه كتابنا عن ذكرها، ذكرها ابن نوح وغيره. (وكان) سبب قتله أنه لما أظهر لعنه أبو القاسم بن روح واشتهر أمره وتبرأ منه وأمر جميع الشيعة بذلك، لم يمكنه التلبيس، فقال في مجلس حافل فيه رؤساء الشيعة وكل يحكي عن الشيخ أبي القاسم لعنه والبراءة منه: أجمعوا بيني وبينه حتّى آخذ يده ويأخذ بيدي، فإن لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه وإلاّ فجميع ما قاله فيَّ حق، ورقي ذلك إلى الراضي لأنه كان ذلك في دار ابن مقلة فأمر بالقبض عليه وقتله، فقتل واستراحت الشيعة منه. (وقال) أبو الحسن محمّد بن أحمد بن داود: كان محمّد بن الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر (لعنه الله) يعتقد القول بحمل الضد، ومعناه أنه لا يتهيأ إظهار فضيلة للولي إلاّ بطعن الضد فيه، لأنه يحمل السامع طعنه على طلب فضيلته فإذن هو أفضل من الولي إذ لا يتهيأ إظهار الفضل إلاّ به، وساقوا المذهب من وقت آدم الأوّل إلى آدم السابع، لأنهم قالوا: (سبع عوالم وسبع أوادم، ونزلوا إلى موسى وفرعون ومحمّد وعلي مع أبي بكر ومعاوية). وأما في الضد فقال بعضهم: الولي ينصب الضد ويحمله على ذلك كما قال قوم من أصحاب الظاهر: إن علي بن أبي طالب نصب أبا بكر في ذلك المقام، وقال بعضهم: لا، ولكن هو قديم معه لم يزل، قالوا: والقائم الذي ذكروا أصحاب الظاهر أنه من ولد الحادي عشر فإنه يقوم، معناه إبليس، لأنه قال: ((فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) الحجر، (4)، ثمّ قال: ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16))) الأعراف،(5) فدلَّ على أنه كان قائماً في وقت ما أمر بالسجود ثمّ قعد بعد ذلك، وقوله: يقوم القائم إنما هو ذلك القائم الذي أمر (وقال الصفواني): سمعت أبا علي بن همام يقول: سمعت محمّد بن علي العزاقري الشلمغاني يقول: الحق واحد وإنما تختلف قمصه فيوم يكون في أبيض ويوم يكون في أحمر، ويوم يكون في أزرق، (قال ابن همام): فهذا أوّل ما أنكرته من قوله لأنه قول أصحاب الحلول. (وأخبرنا) جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى، عن أبي علي محمّد بن همام، أن محمّد بن علي الشلمغاني لم يكن قط باباً إلى أبي القاسم، ولا طريقاً له ولا نصبه أبو القاسم بشيء من ذلك على وجه ولا سبب ومن قال بذلك فقد أبطل وإنما كان فقيهاً من فقهائنا فخلط وظهر عنه ما ظهر، وانتشر الكفر والإلحاد عنه، فخرج فيه التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه والبراءة منه وممن تابعه وشايعه وقال بقوله. وكان فقيها في دينهم، محترما بين الشيعة وصاحب خرافات، كتبه كانت مقبولة لدى الشيعة وحميمية لدى الوكيل «الحسين بن روح» فكيف تم طرده وهو بهذه المنزلة؟ كيف اختلف معه في تسييج الأغبياء بسياج الخرافة والأسطورة والكفر حتى يزيد من استغلالهم، ثم يتم طرده؟ (وأخبرني) الحسين بن إبراهيم، عن أحمد بن علي بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمّد بن أحمد، قال: حدّثني أبو عبد الله الحسين بن أحمد الحامدي البزاز المعروف بغلام أبي علي بن جعفر المعروف بابن رهومة النوبختي _ وكان شيخاً مستوراً _ قال: سمعت روح بن أبي القاسم بن روح يقول: لما عمل محمّد بن علي الشلمغاني كتاب التكليف قال الشيخ _ يعني أبا القاسم رضي الله عنه _: اطلبوه إليَّ لأنظره، فجاءوا به فقرأه من أوّله إلى آخره فقال: ما فيه شيء إلاّ وقد روي عن الأئمّة إلاّ موضعين أو ثلاثة فإنه كذب عليهم في روايتها (لعنه الله). (وأخبرني) جماعة عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داود، وأبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أنهما قالا: مما أخطأ محمّد بن علي في المذهب في باب الشهادة أنه روى عن العالم (الكاظم) عليه السلام أنه قال: إذا كان لأخيك المؤمن على رجل حق فدفعه عنه، ولم يكن له من البيّنة عليه إلاّ شاهد واحد وكان الشاهد ثقة رجعت إلى الشاهد فسألته عن شهادته فإذا أقامها عندك شهدت معه عند الحاكم على مثل ما يشهد عنده لئلاّ يتوى (يهلك) حق امرئ مسلم، (واللفظ لابن بابويه) وقال: هذا كذب منه ولسنا نعرف ذلك، وقال في موضع آخر: كذب فيه.. بالسجود فأبى وهو إبليس لعنه الله)) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي. أقول: وهذا المسير بعينه سار فيه الملعون مدّعي البابية في إيران في القرن الثالث الهجري فادّعى أوّلاً الوكالة ثمّ المهدوية ثمّ إلى الأباطيل الأخرى التي سنوافيك بها في فصل لاحق. (3) أقول: فليتنبه المؤمنون (رعاهم الله) إلى العبرة من حال المبطل أبي طاهر ابن بلال فإنه مع رؤيته للصاحب عليه السلام فلم يرتدع عن كذبه وباطله. (انتبه حضرة القارئ المحترم إلى تدبيرهم وصراعهم حتى يخلو لهم الجو لإدارة دين الشيعة، فالرواية التي تقول باستحالة رؤية صاحب الزمان يعرفونها ويروونها، ولكنهم يسقطون في تكذيبها بين الحين والآخر وكأنهم يتعاطون الأقراص المُهَلْوِسة).. وهكذا الخوارج فإنهم شاهدوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وعاشوا في عصره ومع ذلك لم يتبعوه ويطيعوه عليه السلام فالعبرة بالإيمان لا بالرؤية لهم عليهم السلام، ولذا تلهّف الرسول صلى الله عليه وآله على إخوانه في الخطبة المعروفة فسأل أصحابه أوَلسنا إخوانك؟ فقال: لا، بل هم قوم يأتون في آخر الزمان يؤمنون بسواد على ورق. اعرف أطال الله بقاك؛ وعرّفك الله الخير كلّه، وختم به عملك. من تثق بدينه وتسكن إلى نيّته من إخواننا أدام الله سعادتهم: بأن (محمد بن علي المعروف بالشلمغاني) عجّل الله له النقمة ولا أمهله، قد ارتدّ عن الإسلام وفارقه، وألحد في دين الله، وادّعى ما كفر معه بالخالق جلّ وتعالى، وافترى كذباً وزوراً، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، كذب العادلون بالله وضلّوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً. وإنّا برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته منه، ولعنّاه، عليه لعاين الله تترى، في الظاهر منّا والباطن، في السرّ والجهر، وفي كلّ وقت، وعلى كلّ حال، وعلى كلّ من شايعه وبلغه هذا القول منّا فأقام على تولاّه (توليه) بعده. أعلمهم تولاّك الله؛ أنّنا في التوقّي والمحاذرة منه على مثل ما كنّا عليه ممّن تقدّمه من نظرائه، من: (السريعي، والنّميري، والهلالي، والبلالي) وغيرهم، وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة، وبه نثق وإيّاه نستعين، وهو حسبنا في كلّ أمورنا ونعم الوكيل.. قول محمد بن علي الشلمغاني الذي كان وكيلا عن الحسين بن روح النوبختي (النائب الثالث) في بني بسطام ثم إنشق عنه وإدعى النيابة لنفسه... يقول ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين روح في هذا الأمر إلا ونحن نعلم في ما دخلنا فيه، لقد كنا نتهارش على هذا الأمر كما تتهارش الكلاب على الجيف. الغيبة/ الطوسي: ص 241. هذا هو الشيخ محمّد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر أو العزاقري، أبو جعفر، المنتسب إلى شلمغان، القرية بنواحي واسط، كان شيخاً جليلا لدى الشيعة، مستقيما حسن السيرة بينهم، نصبه الحسين بن روح وكيلا عنه حين تستر من المقتدر؛ الخليفة العباسي، وكان تستره مبرَّرا لأنه كان ممارِسا للنصب كسابقيه على الناس باسم آل البيت وباسم الغيبة الصغرى للإمام الأسطورة، فلاحقته الدولة العباسية كما لا حقت غيره من النصابين، ومع ذلك لم يُقطع دابر الأسطورة والخرافة التين عششتا في قلوب الشيعة وأفئدة الشيعة وتمكنت من أهوائهم فباتوا يعيشون لها. هذا الرجل زُعم أنه كانت تخرج على يديه التوقيعات، ومعلوم أن التوقيعات لا تخرج إلا على يد الوكلاء الشرعيين آخرهم محمد بن علي السمري الشيء الذي جعل ثقافة النصب مليئة بالتناقض، ومليئة بالثغرات لولا أن الشيعة صم بكم عمي، صحيح أنهم قد عدلوا الكثير من التناقضات محاولين إزالة التناقضات عن التناقضات دون جدوى، منها قولهم أن الشلمغاني كان يخرج إلى الشيعة بتوقيعات المهدي الأسطورة ولكن على يد الحسين بن روح الذي كان يلتقي به وهو متستر عن أعين السلطة العباسية، أضافوا إلى الغيبة الصغرى غيبة أصغر لوكلاء المهدي الأسطورة، كانوا يتصارعون كالكلاب، وكانوا يتنافسون على أكل أموال الناس بالباطل باسم جمع الخمس والصدقات لآل بيت رسول الله صلى لله عليه وسلم ولم يكن آل البيت إلا هم أنفسهم. وكانت وفاة ابن هلال عام 267 هـ الغيبة للطوسي 245. ..((ثمّ قالت: كيف لا أفعل بك هذا وأنت مولاتي فاطمة؟ فقلت لها: وكيف ذاك يا ستي؟ فقالت لي: إن الشيخ يعني أبا جعفر محمّد بن علي خرج إلينا بالسر، قالت: فقلت لها: وما السر؟ قالت: قد أخذ علينا كتمانه وأفزع إن أنا أذعته عوقبت، قالت: وأعطيتها موثقاً أني لا أكشفه لأحد واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ رضي الله عنه يعني أبا القاسم الحسين بن روح)). انتبه حضرة القارئ المحترم للعبارات التي تحتها سطر فقد دلت على عدم الوفاء، دلت على الكذب وليس غريبا على الصغيرة عدم الوفاء والكذب فمن هم فوقها أكذب كأبيها وجدها وغيرهما، هذا إن كانت فعلا من صلبهما ولكنها ليست كذلك إذ هي نكرة مجهولة عند العلماء والمؤرخين. هذا الرجل كان مُخمِّسا للنصّاب الحسين بن روح وقد كان عارفا باللعبة القذرة التي كان يلعبها النصابون الأربعة ومن سايرهم من المستفيدين من الأموال، وحين تمرد وأراد الاستئثار باللعبة ظنا من أنه سينجح أخفق ولكنه كان مهما في اللعبة له تأثير كبير على الشيعة فهو صاحب كتاب التكليف، ومعنى ذلك أنه أحد علمائهم ومنظريهم، فما كان من عالمهم النوبختي صاحب كتاب الشيعة الذي سطر فيه أن الشيعة افترقوا إلى 14 فرقة بعد وفاة الحسن العسكري، ما كان منه إلا أن يتردد على قم لجلب الفتوى منها ففيها المنظرون للدين الشيعي، فيها الحسين ابن روح ومنها يخرج التوقيع من الأسطورة؛ المهدي المنتظر. ================================= محمد بن أحمد بن عثمان (أبو بكر البغدادي) أبو بكر البغدادي ابن أخ الوكيل الثاني للإمام المهدي المنتظر، ابن أخ محمد بن عثمان العمري وحفيد الوكيل الأول، نافس عمه ظنا منه كغيره ممن سبقوه أن يصل إلى إقصاء عمه عن الوكالة ليحل هو محله فأخفق وتم لعنه وطرده وقد كان ذا حصة من الأموال مقابل معرفته لسر ابتزاز الناس والنصب عليهم، وهكذا نتائج كل طمّاع فلا بد أن يقع ضحية طمعه، لا بد أن يتلوّى الحبل على عنقه وقد جلبه لغيره.. كان الرجل مخمِّسا لعمه، وكان يعرف اللعبة لأنه من وسطها نشأت في بيت جده، ثم انتقلت إلى بيت عمه، ادعى الوكالة والبابية فلم يجن منها شيئا، ثم نكرها، وكان له مدافعون كأبي دلف الكاتب وهو محمّد بن المظفّر الذي كان يعلن تفضيله على الحسين بن روح الوكيل الثالث والذي تولى بعد صديقه النيابة الكاذبة كما تصرح كتب الشيعة المعتمدة علما بأن النيابة سواء كانت للنصابين الأربعة أو لغيرهم كلها كاذبة وأصحابها دجّالون، ولكن لم يفلح في ملك الأمر واستمالة الناس إليه، ولم يبق على منزلته في جمع الخُمُس.. ويروى عن أبي بكر البغدادي أنه ادعى الوكالة لليزيدي الذي كان في البصرة وبقي ينوب عنه طويلا وجمع من ذلك مالا كثيرا فوصل خبره إلى اليزيدي فحُمل إليه وضربه على أم رأسه ضربة قوية نزل بها الماء من عينيه فتسببت له في العمى فمات ضريرا. هذا هو المشهد المألوف في وسط النصّابين، كلهم يعرف صاحبه، وكلهم يسعى للاستئثار بالمال والنفوذ، وكلهم يسعى لاستغفال الناس وابتزازهم، وكلهم يركب في ذلك مراكب (الفقه) المزعوم، و(العلم) الموهوم اللذين ينتجهما من تأتيهم حصصهم من الأموال، ينظِّرون للدين الشيعي، ويضعون ما يريده النصّابون حتى يبقى السياج سياجا أدق من شباك الصيد للكائنات الدقيقة يجمع المغفلين فلا ينفلتوا من إحكامه، وتستمر اللعبة وتدوم وتتطور على أيد فقهاء وعلماء شيعة يشرِّعون أخذ الخُمُس من الناس في الغيبة الكبرى ويزعمون أنها حصة القائم، ولديهم في كتبهم المعتبرة أن القائم لا يتصل به أحد في الغيبة الكبرى، ولديهم أيضا في نفس الكتب أن القائم يمكن أن يتم الاتصال به في الغيبة الكبرى ولكن المال مال القائم المجموع له جباية باسمه لا يعرف سبيلا إلى القائم لأنه لا توجد طريق تؤدي إليه نظرا لكونه وهما مجرد وهم اختلقه النصّابون الأوائل فلا يبقى إلا أن يُجمع المال للمُعمَّمين الأنجاس وأصحاب الحوزات الشوّاذ بقم وطهران وكربلاء وغيرها إلى يومنا هذا وقد أحكموا السياج بثقافة صادرت للناس عقولهم وغيَّبت رشدهم فلم يعودوا يفكرون مثل الناس، ولم يعودوا ينتمون لفصيلة البشر، صاروا دون البهائم لا عقل لهم، وأضحوا كالضفدع المنزوع المخ. ========================= فرية كسر ضلع بنت النبي محمد ؛ فاطمة الزهراء رضي الله عنها توفيت الطاهرة وسيدة نساء قريش كما كانت تسمى في الجاهلية خديجة أم المؤمنين زوج النبي رضي الله عنها بعد النبوة بـ 10 سنوات، وولدت من سيد الخلق محمد بنين هم القاسم وعبد الله، وبنات هن زينب ورقية وأم كلثوم وأصغر بناتها على الأرجح في كثير من الروايات؛ فاطمة الزهراء رضي الله عنهم جميعا، أنجبتها قبل النبوة بـ 5 سنوات. وأم فاطمة خديجة الحنيفية عظيمة عظمة الجبال الشامخات، فهي زوج النبي التي ابتدأت معه حياته النبوية، ابتدأت معه حياته الزوجية والدعوية، فقبل أن يُنَبَّئ كان زوجا لها ونعم الزوج، وكانت زوجا له ونعم الزوج، وحين نُبِّئ وجدها ذلك المعين الأمين، والحبل المتين، أسكنته قلبها فكان له الركن الشديد، والعضد الحديد، وجدها ذلك السياج المنيع الذي يمنع عنه المكاره، وذلك العقل الحصيف الذي يشير عليه بالرأي السديد، فقد خاف من الوحي وشكا لها ما يجد، فكانت شكواه تُلقى لعقل راشد راجح، وقد كان في بدايات الوحي، فحين جاءها خائفا يقول: ((زمِّلوني زملوني دثِّروني دثروني)) عرفت منه ما سيلقى من ثقل المسؤولية فوقفت إلى جانبه تؤازره وتسانده وتشرح له وتشير عليه ما يطمئن له قلبه، فقد قالت كلمات لا يقولها إلا خديجة رضي الله عنها، قالت بعد أن قال لها رسول الله : ((لقد خشيت على نفسي)): ((كلا والله لن يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق، أبشر يا ابن عم واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة)) موسوعة السيرة النبوية، موقع: روح الإسلام. وازدادت تألقا وجُمع لها من التعقل ما كانت به أعقل العاقلات رضي الله عنها وأرضاها، فقد تصرفت بشكل يقطع بنباهتها ورجاحة عقلها، وانظر إليها حين أخبرها النبي أنه يأتيه آت وقد كان الملك الأمين جبريل على نبينا وعليه السلام، قال لها: ((يا خديجة إنه يأتيني آت)) آملا أن يجد عندها الرأي وقد كان كذلك، رجل يُسِرُّ بسره إلى زوجه لمحبته لها ومحبتها له، فقالت له: ((إذا جاءك أخبرني))، وجاء جبريل في يوم من الأيام والنبي في بيته مع زوجه فأخبرها بحضوره فقالت له: ((اجلس على شقي الأيمن فجلس على شقها الأيمن فقالت له: هل تراه، قال: نعم، قالت رضي الله عنها: اجلس على شقي الأيسر فجلس على شقها الأيسر، فقالت له: هل تراه الآن، قال: نعم، فقالت له: اجلس في حجري فتحول وجلس في حجرها فقالت له: أتراه الآن قال: نعم، فرفعت خمارها عن رأسها وبقيت حاسرة الرأس وقالت له: هل تراه الآن قال: لا، فقالت قولتها المشهورة: ((يا محمد ما هذا بشيطان هذا ملك من ملائكة الرحمن)). هذه هي الطاهرة معدن الطهر ومصنع النبل التي ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل لتزيد من تثبتها فيقول لها بعد حوار جميل: ((هذا الناموس الذي أنزله الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك. فقال له النبي «أو مخرجي هم»؟ قال نعم لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً)) المصدر السابق. هذه الطاهرة هي التي كانت تأتيه بالطعام والشراب وهو في غار حراء يتحنث وبين بيتها وبين الغار ما يزيد عن خمسة كيلومترات تقطعها راجلة ذهابا وإيابا، هذه المرأة العظيمة هي التي أنجبت من سيد الخلق بنين وبنات ورثوا الطهر والنبل من معدنه الأصيل، امرأة حنيفية هي خديجة، ورجل أَكْرِمْ به من رجل هو سيد الخلق محمد رسول الله ، امرأة تريد أن تطمئن على ما يكون من أمر زوجها المحبوب مما يجده، فإذا كان شيطانا حاربته وحصنت زوجها من وساوسه وتهيّؤاته، وإذا كان مَلَكاً ساندت زوجها ووقفت إلى جانبه تؤازره وتشاركه الدعوة إلى الله. هذه العظيمة هي التي أنجبت لنا فاطمة المحبوبة، قرة عين رسول الله ، محبوبة المسلمين هي وذريتها جميعا في الدنيا والآخرة. فاطمة الزهراء أصغر بنات رسول الله بعد زينب ورقية وأم كلثوم، دعونا نأخذ بالرواية التي تقول أن فاطمة أصغر بنات النبي ، فإذا أخذنا بغيرها بطل النقاش حول فرية كسر ضلع بنت النبي لأن فاطمة ستكون غير ما هي عليه في رواية كونها أصغر بنات النبي ، صحيح أن هناك رواية تقول بالترتيب أن أبناء النبي هم: القاسم، وزينب، ورقية، وفاطمة، وأم كلثوم، وأخيرا عبد الله. تيتمت الزهراء رضي الله عنها من جهة أمها وهي صغيرة السن فقامت مقام أمها بشؤون بيت رسول الله وعياله؛ إخوتها، ولم تخل مواقفها من نبل وشجاعة في سبيل الدعوة التي جاء بها رسول الله وكانت نعم البُنيّة والطفلة الصبيّة البهيّة، بهيّة القلب والعقل تخفِّف عن أبيها وتردّ عنه أذى المشركين، فقد أخرج البخاري في صحيحه: ((أن عقبة بن أبى معيط جاء بسلا جزور (السلى جلدة يكون ضمنها ولد الناقة أو النعجة) فوضعه على ظهر رسول الله فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ فرفعته ودعت على من صنع ذلك عند ذلك رفع النبي رأسه وقال: "اللهم عليك بأبى جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبى معيط وأبىّ بن خلف)). وحين نضجت وصارت عروسا زوّجها رسول الله بوحي من الله لابن عمه علي بن أبي طالب، فقد روى عبد الملك بن محمد النيسابوري بسنده عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما تزوجت شيئا من نسائي ولا زوجت شيئا من بناتي إلا بوحي جاءني به جبريل عن ربي عز وجل))، وقد كان يرغب فيها زوجا كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وقد أفصحا عن ذلك لرسول الله فقال لهما كل على حدة: ((إنها صغيرة السن))، عندها علم عمر أنها لن تكون له ولا لأبي بكر فذهب إلى علي وقال له: أنت لها يا علي، فكلم علي فيها رسول الله فبشّ له، ثم زفّها إليه، وقبل حفل الزفاف بالعروس فاطمة دعا رسول الله كبار الصحابة فقام خطيبا فيهم وقال: ((الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المهروب إليه من عذابه النافذ أمره في أرضه وسمائه الذي خلق الخلق بقدرته"... إلى أن قال: "إن الله عز وجل جعل المصاهرة نسبًا حقا وأمرًا مفترضا وحكمًا عادلا وخيرًا جامعًا.. فقال الله عز وجل: "وَهُوَ الذي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا"، ثم إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من عليّ وأشهدكم أنى زوجت فاطمة من علي على أربعمائة مثقال فضة إن رضي بذلك على السنة القائمة والفريضة الواجبة فجمع الله شملهما وبارك لهما وأطاب نسلهما وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الأمة أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم)) المصدر السابق. زوّج رسول الله ابنته المصونة فاطمة الزهراء لابن عمه علي بن أبي طالب كما مر معنا سنة 2 هـ، وتوفيت سنة 11 هـ في نفس السنة التي توفي فيها رسول الله عن عمر 28 سنة ونصف. ولدت الحسن سنة: 3 هـ لأن أمه تزوجت سنة: 2 هـ وحملها يحتاج إلى وقت معلوم إلا أن تكون قد تزوجت في بداية السنة الثانية للهجرة وهو محال لتلد في نفس السنة عن أشهر هي تسعة أو أقل إلى حدود الستة أشهر كما هو معروف للحمل، محال أن تكون فاطمة قد أنجبت في بداية السنة الثانية للهجرة لأنها تزوجت في آخرها، فغزوة بدر الكبرى قد كانت في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة، وفاطمة بنى بها علي بن أبي طالب بعد رجوع النبي من الغزوة إلى المدينة المنورة، ولنقل أنها تزوجت في شوال من نفس السنة ولا بأس، فمتى كانت ولادة بكر السيدة فاطمة؛ الحسن؟ لا بد أن يكون في حدود ستة أشهر أي في شهر ربيع الأول من السنة الثالثة للهجرة، وإذا أضفنا للحمل وقتا آخر كأن نفرض للسيدة الطاهرة وضعا سليما لجنينها لا بد أن يكون وضعها في شهر جمادى الثانية من السنة الثالثة للهجرة، وإذا لم نوصل الزمن إلى تسعة أشهر فسنقف عند الستة أشهر علما بأنه لا يوجد مصدر سني ولا شيعي حسب علمي ينص على وضع السيدة فاطمة بشكل غير طبيعي أو قل بشكل لم يصل فيه نمو جنينها في رحمها إلى تسعة أشهر ولا بأس أيضا، فمتى تكون قد وضعت؟ إنه باعتمادنا ستة أشهر من بداية شهر شوال يكون وضع فاطمة في آخر ربيع الأول، ثم يلي الحسن؛ الحسين في سنة: 4 هـ، وإذا فرضنا مولده في نفس السنة التي ولد فيها أخوه فيتحتم أن تكون أمه قد حملت به بعد وضع الحسن، ولنقل أنه بعد النفاس الأول مباشرة لأن مبيض المرأة يبدأ في العمل مباشرة بعد الولادة وهو ما يعني أن فرصة حدوث الحمل قائمة بعد الولادة الحديثة ومع الرضاع وهو معروف ومع ذلك لا بد أن يولد الحسين في السنة المقبلة سنة: 3 هـ ولكن يتحتم أن تكون ولادته بشكل ولادة أخيه وهذا لم يقل به أحد، فلا الحسن ولد بحمل ستة أشهر، ولا الحسين ولد بحمل ستة أشهر، فعندنا زواج السيدة فاطمة في شوال من سنة: 2 هـ، وعندنا مولودين في سنة: 3 هـ، والأشهر في كل ذلك هي: 16 شهرا وهي أشهر معقولة للإنجاب ولكن لم يقل بذلك أحد، فلا مصدر على حد علمي قد نص على ذلك فكيف نوفق بين الولادتين؟ صحيح أنه لا بد لكل حمل من وقت افرضه أنت حضرة القارئ المحترم ودعني أنا أرجح ولادة الحسين في بداية السنة الرابعة للهجرة، وبحسب تقديري في ربيع الأول سنة: 4 هـ باعتماد زواج فاطمة سنة: 2 هـ في شوال، وباعتماد الحمل الطبيعي، ثم يأتي المحسن في الحمل الثالث للسيدة الفاضلة فاطمة الزهراء رضي الله عنها في نفس السنة التي ولد فيها أخوه الحسين وبذاك ينطبق عليه السقط، ثم بعده تأتي زينب، ثم الأخيرة أم كلثوم، وإذا أريد له أن يكون حمل السيدة فاطمة الزهراء في السنة الثالثة فلا بد من وضع احتمالات تنسجم مع طبيعة الولادة وطبيعة حمل المرأة، فماذا نقول؟ إذا قلنا أن محسنا قد ولد في السنة الرابعة أو بعدها في الخامسة أو السادسة إلى حدود السنة العاشرة للهجرة وهو في روايات أهل السنة مولود بعد الحسين وعند الشيعة هو آخر أبناء فاطمة؛ يكون الواقع الحتمي أنه ولد في حياة النبي ، وبالتالي يكون قتله من طرف عمر في حياة النبي مستحيلا وتكون رواية قتله بسبب البيعة بحيث عُصرت أمه مع حائط بيتها أكذوبة غبية، وعليه يتحتم أن يولد المحسن بعد وفاة النبي ، وهذه الفرضية هي المنسجمة مع رواية العصر وإسقاط المحسن فيكون ذلك في حياة أبي بكر وعمر وكل الصحابة تقريبا، في حياة أبي بكر لأن فاطمة (رفضت) البيعة، وعلي (رفضها) أيضا وكانت البيعة لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة والجثمان الطاهر للنبي لم يوار التراب بعد، وفي ذلك ما يوجب حملهما على البيعة بالإكراه فيكون أبو بكر قاتلا للمحسن وكذلك عمر وسائر الصحابة الذين كانوا في المدينة المنورة لأنهم رأوا منكرا أو سمعوا به فلم يغيروه، وهذا ينسجم مع رواية يقول بها أكثر الشيعة الإمامية أن محسنا سقط من رحم أمه في البيعة ولكنها بالتأكيد ليست بيعة السقيفة بل بيعة المسجد بعد دفن النبي صلى الله عليه وسلم وهي بيعة الطاعة لأن بيعة الانعقاد قد تمت في سقيفة بني ساعدة، ومعنى ذلك أن أمه قد حملت به في آخر حياة النبي لأنها توفيت بعد وفاته بستة أشهر ويكون إجماع الصحابة مجرد صيحة في واد فلا هم معصومون من الخطأ في إجماعهم الذي ثبت بالدليل القطعي الثبوت القطعي الدلالة، ولا غير ذلك، وهذا يقوِّض الدين كله فيكون الإسلام الذي وصلنا ليس هو ما كان عليه رسول الله وهذا مستحيل لأن الأدلة القطعية دلت على استحالة ذلك، دلت على استحالة أن يُجْمع الصحابة على معصية أو إثم أو موقف غير شرعي خصوصا موضوع البيعة التي لا يُكره أحد عليها ما دام الرافض لها لا يشقّ عصى الطاعة، ولا يؤلّب على الإمام، وقد كان كذلك علي وفاطمة وسائر أهل البيت من ذرية علي والعباس وغيرهما، وفي النهاية يكون موضوع الإسقاط فرية كبيرة. والمدقق في هذه الرواية يجد أنها قد بلغت من الوقاحة مدى ما بعده مدى، فمن جهة لا يوجد أحد يقول أن المحسن آخر أبناء فاطمة، وإذا كان كذلك وهو الصواب فمتى ولد المحسن؟ والجواب أنه ولد في حياة النبي فأين إسقاطه في البيعة والبيعة لم تحصل بعد لأن النبي حي يرزق؟ ومن جهة أخرى نقول: أن البيعة بيعتان، بيعة الانعقاد، وبيعة الطاعة، فالبيعة المطلوبة من علي وفاطمة ما لم يخرجا على الخليفة الذي انعقدت له البيعة؛ غير ملزِمة لهما ولكل من يرفض بيعة أبي بكر أو غيره من الخلفاء، ذلك أن البيعة بيعتان، بيعة الانعقاد، وبيعة الطاعة كما قلت، أما بيعة الانعقاد فهي الملزِمة وقد التزم بها علي فلم يخرج على أبي بكر ولا على عمر ولا على عثمان، وهذا بشهادة الشيعة الذين يلتزمون بالتقية، وليكن، ولكن تقيتهم كانت ضدهم بحيث إن انتفت أهمية بيعة علي وفاطمة لأبي بكر فلا حاجة للقدوم إلى بيتهما وحملهما على البيعة إكراها ليسقط بسبب البيعة المحسن في عصر أمه عند باب بيتها، ولا نريد مناقشة كيفية إعصار السيدة الفاضلة فاطمة رضي الله عنها واقتحام البيت الذي له حرمة وكأن أخلاق عمر دون أخلاق أبي جهل الذي ما فعل مثلها قط ولا يمكن أن يفعلها لأن فيها إنقاص من مروءته، لم نرد تصور إعصارها عند باب بيتها حتى نستنتج أن عمر قد عصرها بيديه أو صدره في تماس تام عند منطقة صدرها من جنبها أو صدرها أو ظهرها لتظهر نتيجة كسر الضلع، لم نرد مناقشة ذلك والعربي يترفع عن فعل ذلك مع امرأة حتى لا يُعيَّر به وهو عار كبير، ويتورع حتى لا يُشْعل حربا بسبب ظلمه لامرأة يشهد بضعفها عن الرجل فلا يواجهها وكان في معاركه إذا سقط السيف من يد خصمه المقاتل لا يقتله بل يطلب منه استلام سيفه ليستأنف الاقتتال معه حتى الاستسلام أو القتل، يتورع عن إقحام قومه وعشيرته في حرب ضروس بغية الانتقام وهو خُلُقٌ عربي لا يزال موجودا في العرب، ولم نرد مناقشة صورة الاقتحام بمكانها وزمانها ذلك أن الاقتحام إما أن يكون قد حصل زمانيا في البيعة الأولى بيعة الانعقاد أي بمجرد الانتهاء من تنصيب أبي بكر من طرف مهاجرين اثنين هما عامر بن هلال أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح، والفاروق عمر بن الخطاب، ورؤساء الأنصار في سقيفة بني ساعدة وهذا مستحيل لأن الجثمان الطاهر لسيد الخلق لم يكن قد ووري الثرى بعد وآل بيته منشغلون بتجهيزه بأبي هو وأمي ، وإما أن يكون قد حصل في البيعة الثانية بيعة الطاعة وهي بيعة قد كانت في المسجد بعد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومكانيا لبيت السيدة فاطمة وبيتها محاذ لبيت رسول الله ليس بين بيتيهما سوى حاجز وفيه نافذة صغيرة كانت تستعمل لتبادل الطعام والشراب بين رسول الله وبين ابنته المحبوبة، وفيه (أي في بيت عائشة رضي الله عنها) على بعد بضعة أمتار من بيت فاطمة الزهراء رضي الله عنها جثمان رسول الله وقد ووري الثرى منذ يومين أو ثلاثة الشيء الذي يقطع ببغض أبي بكر وعمر لرسول الله ، أو بسقوط الرواية من أصلها لأنها كذب رخيص، فالواضع لرواية كسر الضلع غبي إلى أقصى حد ولسنا ملزمين بمناقشة غبائه في علم المقارنات وفن المقارنات فتكون النتيجة أن ما ورد بشأن كسر ضلع الزهراء الطاهرة كذب مفضوح لا ينطلي على طفل جحا. وهناك رواية تقول أن النبي سمى محسنا، وكيف يسميه وهو لم يعرف بعد بحمله، ولم تعرف أمه بحمله أيضا إلا أن تكون الدورة الشهرية قد توقفت لنحكم من خلالها على الحمل لأن ستة أشهر التي حملت به وأسقطته هي البقية الباقية من عمرها رضي الله عنها لأنها توفيت بعد أبيها رسول الله بستة أشهر؟ أم أنها لا تخضع لما تخضع له نساء العالمين؟ لقد ورد في كتاب: الكافي: ((وبهذا الإسناد، عن صالح بن عقبة، عن يزيد بن عبد الملك، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما ولدت فاطمة عليها السلام أوحى الله إلى ملك فأنطلق به لسان محمد صلى الله عليه وآله فسماها فاطمة، ثم قال: إني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: والله لقد فطمها الله بالعلم وعن الطمث في الميثاق)). الكافي للكليني، الجزء الأول صفحة: 461. وإذا أخذنا رواية أخرى في الكافي أيضا عن مولد الزهراء وموتها لا نسلم من السقوط في الانحراف، يقول الكليني في كافيه: ((ولدت فاطمة عليها وعلى بعلها السلام بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله بخمس سنين وتوفيت عليها السلام ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما وبقيت بعد أبيها صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوما)). الجزء الأول، صفحة: 459. إذا أخذنا بهاتين الروايتين نجد أن فاطمة الزهراء رضي الله عنها قد لحقت بأبيها بعد 75 يوما، لحقت به وقد أسقط جنينها ولكن يجب أن تكون البيعة قريبة جدا من يوم وفاتها، فكم نعطيها؟ هل نقول أن البيعة قد كانت قبل موتها بثلاثة أيام؟ بخمسة أيام؟ وإذا كان كذلك فالبيعة قد كانت بعد وفاة النبي والنبي مسجى في بيته والصحابة يعملون على اختيار خليفة له، وهذا لا خلاف عليه بين السنة والشيعة وعليه يكون موضوع الإسقاط، إسقاط جنين السيدة فاطمة في بيعة الانعقاد التي حصلت في سقيفة بني ساعدة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وهي في الأيام الأولى بعد وفاة النبي بثلاثة أيام وفي الأيام الثلاثة حديث في الموضوع قد طبقه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ولا يمكن أن تكون أكثر إلا في بيعة الطاعة، وبيعة الطاعة قد كانت في المسجد النبوي حضره كثير من الصحابة وطفقوا يبايعون أبا بكر، ثم لحقه بعد ذلك من تأخر عن البيعة، ولنقل أن عليا قد تخلف عن البيعة ولكن تخلُّفه لم يكن أكثر من أسبوع على أكثر تقدير وبسببها ذهب أبو بكر وعمر إلى بيته لإرغامه على البيعة وعندها حصل إسقاط جنين السيدة فاطمة، إذا أخذنا بهذه الحادثة المفترضة نجد أن فاطمة لا يمكن أن تكون حاملا، وإذا كانت كذلك فسيكون حملها في بدايته، في الأسبوع الأول والأسبوع الأول للحمل لا يكون فيه إنسي، يكون الحمل في مراحله الأولى لم يصل بعد حتى إلى العلقة، لم يصل إلى المضغة، لم يصل إلى كساء العظام لحما، ولم يصل إلى أن ينشأ خلقا آخر، فهل يعقل هذا؟ وإذا كان النبي قد سماه غيبا فهو النبي لا شك، والصادق لا شك، والموحى إليه لا شك، ولكن أين الرواية في تسمية المحسن في الغيب سواء عند أهل السنة أو الشيعة؟ إن تسمية النبي لمحسن يجب أن تكون عند ولادته أو عند حمل أمه به، ولنقل أن أمه قد حملت به دون أن يظهر حملها للنبي ولكن الله أوحى إليه بعلم ذلك فسمى محسنا كما أوحى من قبل إلى أم عيسى: ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)) مريم، وإلى نبي الله زكريا وسمى له يحيى في الغيب: ((هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)) آل عمران، وإلى نبي الله إبراهيم: ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)) الذاريات، ليكن هذا الاحتمال الذي ليس لدينا عليه دليل فنقول لو كان الأمر كذلك لتحتم أن تموت فاطمة الزهراء رضي الله عنها وهي حامل وحملها ظاهر لا يمكن أن يخفى على أحد، فهل قال بذلك أحد من السنة أو الشيعة؟ كلا، علما بأن أبا جهل لو حضر ورأى حمل امرأة عربية لما تجرأ على مسها مروءة وشهامة فكيف بعمر أو أبي بكر؟ وكيف بقاتل المحسن عمر بن الخطاب أن يُقْبَلَ زوجا لبنت علي أم كلثوم وهي أصغر بناتها جاءت بعد المحسن؟ كيف يرضى أهل القتيل بتزويج قاتل المحسن زوجا لأم كلثوم؟ كيف يستسيغون مصاهرة القاتل وهو حي بين أظهرهم؟ ولا يقال إن المحسن قد أسقط في البيعة وكان الحاضر على الإسقاط أربعة أشخاص فقط هم أبو بكر وعمر وعلي وفاطمة علما بأن هناك من زعم أن أبا بكر وعمر قد قدما لإرغام علي وفاطمة على البيعة في مائتي فارس، لقد قيل هذا وكأن عليا جيش وحده وهو كذلك وأكثر كالقعقاع ولكن مع الكفار وليس مع أحبائه صحابة رسول الله ، أبو بكر وعمر قدما إلى بيت النبي لإكراه علي وفاطمة على البيعة ولانتزاعها منهما بالقوة وهما وغيرهما كعلي بن أبي طالب ممن نقلوا إلينا ديننا، علمونا أن الخليفة إنما ينوب عن الأمة في السلطان وينوب عنها في تنفيذ شرع الله، وعلمونا أن الخلافة عقد مراضاة بحيث لا يرغم أحد على قبولها، ولا يرغم أحد على اختيار من يتولاها، فكل مسلم بالغ عاقل له الحق في توليها وانتخاب خليفة يبايعه، وإذا تمت بيعة أحد من المسلمين بمبايعة من يتم انعقاد البيعة بهم انعقدت البيعة له وكانت بيعة انعقاد، وأما بيعة الطاعة فلا يجبر عليها أحد ولكنه يجبر إذا لمح منه إمكانية التمرد وهذا لم يحصل مع علي رضي الله عنه، لا يقال أن المحسن قد أسقط من رحم أمه في بيعة الطاعة فبيعة الانعقاد قد انعقدت في سقيفة بني ساعدة لأبي بكر، وأما بيعة الطاعة فلا تلزم أحدا من المسلمين ما دام لا يلمح منه تمرد على بيعة الانعقاد، بل إن بيعة الطاعة غير ملزمة وإذا صرح أحد من المسلمين بعدم بيعته بيعة الطاعة للخليفة فلا يعاقب ولكن بشرط ألا يضرب وحدة المسلمين وأن لا يشق عصا الطاعة.. لا يقال أن أبا بكر وعمر قدما إلى بيت علي لانتزاع البيعة منه بالقوة، لا يقال ذلك لما سلف ذكره من وعي الصحابة على شروط البيعة والحكم، ولا يقال أيضا أن فاطمة قد أسقطت جنينها بسبب بيعة الطاعة لأنها غير واقع فهي وهم وكذب، ومن جهة أخرى يظهر لنا علميا حمل السيدة الفاضلة فاطمة في حياة النبي على الأقل بأربعين يوما وهذا لم يقل به أحد لأن فرضية أن تكون قد حملت وأن حملها هو أربعون يوما موضوع الحمل ذاته، فالمعلوم أن الجنين لا بد أن يمر بمرحلة النشأة ولا يكون إنسانا بروح إلا عند مرور أربعين يوما، يبدأ من النطفة التي تلقح بويضة المرأة فيصير الاختلاق وهو ما يسمى الأمشاج ويستغرق ذلك ستة أيام ليظهر تحول جديد وطور جديد ينتقل إلى العلقة في اليوم الرابع عشر من الحمل وفي اليوم الحادي والعشرين يأخذ الجنين شكل العلقة وهي طور آخر ويأتي طور يصير التحول إلى مضغة في اليوم الرابع والعشرين أو الخامس والعشرين ويستمر إلى الأيام الأربعين الأولى، ثم يأخذ الجنين شكل الإنسان في الأسبوع السابع بحيث تظهر صورة الإنسان بشكل واضح نظرا لانتشار الهيكل العظمي وذلك الأسبوع هو ما بين 40 و45 يوما وهو الحد الفاصل بين المضغة والشكل الإنساني، ثم يأتي الأسبوع الثامن وهو آخر مرحلة للتخلق بحيث تظهر العظام مكسوة باللحم وفي الأسبوع التاسع يكون الخلق الآخر، يكون الإنسان، يكون الجنين وفي نفس الأسبوع يتم نفخ الروح فيه ويمكن عندها تمييز الجنين في رحم أمه وهي علامة على الحياة، وبهذه المعلومات القرآنية والتي يوافقها علم الأجنة الحديث نستطيع القول أن المحسن حين تم إسقاطه ليكون جنينا وتنطبق عليه صفة الجنين وجب أن يكون في الأسبوع التاسع وهو شهران و10 أيام تقريبا من حمل فاطمة الزهراء بالمحسن، وهي مدة حمل لا بد أن يتم تصورها حتى تنسجم مع ادعاء كسر ضلع الزهراء، وعليه يكون كسر ضلعها في حمل بلغ الأسبوع التاسع لأنه بدون ذلك الأسبوع لا يطلق على ما بالرحم أنه جنين، فهل نأخذ بهذه الفرضية؟ وإذا أخذنا بها فهل نسلم من التناقض والغوص أكثر في الكذب على فاطمة الزهراء؟ هل ما يجوز على فاطمة الزهراء لا يجوز على نساء العالمين كما ورد عن أبي الحسن قال: ((إن بنات الأنبياء لا يطمثن)) الكافي 1ـ381 كتاب الحجة: باب مولد الزهراء فاطمة عليها السلام. وعليه نقول مرة أخرى وأخرى إنها أكذوبة غبية، فالقول بوفاة المحسن بسبب بيعة أبي بكر في حادثة كسر ضلع أمه عند عصرها في باب بيتها قول ساقط، فلا يبقى إلا القول برواية أهل السنة التي تنكر رواية الشيعة الموضوعة لأن محسنا قد مات في حياة النبي صغيرا ولم يكن آخر أبناء فاطمة الشيء الذي يبعد قطعا احتمال حمل أمه به لأنها ماتت بعد النبي بستة أشهر أو يزيد قليلا، ولكي تحمل بأم كلثوم وهي الأخيرة تحتاج إلى أشهر لم تكن تحياها رضي الله عنها، وهذا هو المنسجم مع الحقيقة، وهو القول الداحض للتبرؤ من قول الذي يقول بالإسقاط في البيعة. لقد روى ابن حجر العسقلاني والسخاوي وسبقه في ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء، وابن كثير في البداية والنهاية، والبيهقي في سننه؛ أن محسنا مات صغيرا في حياة النبي سير أعلام النبلاء، وابن كثير في البداية والنهاية، والبيهقي في سننه؛ أن محسنا مات صغيرا في حياة النبي . ولدي سؤال: إذا كان المحسن ثالث أبناء فاطمة الزهراء رضي الله عنها جاء بعد الحسين فأين البنات؟ هل ولدن قبله؟ هل ولدن بعد إسقاطه؟ وإذا كان كذلك فمدة الحمل على الأقل 12 شهرا ستة أشهر لكل واحدة منهما ولكن فاطمة توفيت بعد بضعة أشهر على وفاة رسول الله لا تتجاوز الستة فما هذا الاستنتاج؟ أليس هذا تخريفا؟ إن الذين قاءوا كذبهم وكذبوا على الله وعلى رسوله وعلى آل البيت وعلى العلم قد ولغوا في قيئهم وغرقوا فيه، ولا يهمنا منهم من يسكن بيتا سقفه كذب، وجدرانه كذب، وأرضيته كذب، وبابه كذب، ونوافذه كذب، وساكنه مصنع للكذب، ثم يوافقنا في جزئية من الجزئيات فيقر بالحق وينطق به، لا يهمنا منه ذلك إلا بشرط أن يتبرأ من التشيع أصلا لأنه دين خبيث قد أسسه خبثاء ومنافقون أرادوا هدم الإسلام ولكنهم لم يفلحوا ولن يفلحوا أبدا، فلا (عالمهم) حسين فضل الله الذي أنكر قصة اقتحام الدار وكسر ضلع بنت النبي محمد ورضي عنها مستندا إلى علم المقارنات ليستنتج أن ذلك انتقاص من شجاعة علي، ولا غيره من المتقولين. ============================ إرث المتاع والنبوة عند الشيعة الإمامية ذات ليلة دعاني أحد (الأصدقاء) بالتلفون إلى التحول إلى قناة "الأنوار" الفضائية للاستماع إلى حوار مع (عالم) دين شيعي، وكان الحديث حول التوريث، توريث النبوة والعلم كما يشرحه علماء السنة في الحديث المروي عن أبي بكر في رواية عند الترمذي بإسناد صحيح: "نحن معشر الأنبياء لا نورث". أنكر الرجل الحديث بجهل مركَّب لعلم الدراية ورده على صاحبه أبي بكر بشكل يبدو فيه الحقد والكراهية، ولا أقول عدم الاحترام، ولما تناول الحديث بالتفنيد تناوله بآيات من القرآن تناقضه ليذهب في الأخير إلى تثبيت الظلم في حق فاطمة الزهراء رضي الله عنها حين رفض الصديق منعها أرضا كإرث خلفها رسول الله . تناول الرجل التوريث لغة وأطال فيه، ثم أثبت أن الإرث المقصود في جميع آيات القرآن الكريم لا علاقة له بالنبوة والعلم وما شابه، وإنما هو توريث للمال حصرا وما يقع تحت طائلة المال. حام حول قول الله تعالى في سورة مريم: ((كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7))). نفى بها أي شيء غير المال وما يقع تحت طائلته مما يتوارثه الناس، وحين انتقل إلى إرث آل يعقوب جعله إرثا لزوجين من آل يعقوب كانتا موجودتين في زمنه، ولكنه لم يطل الحديث فيه نظرا لحساسيته. المهم أن الرجل أثبت أن المرأة كانت تورث على عهد زكرياء، وهذا قول لا يثبته إلا التاريخ والكتب السماوية غير المحرفة، فقد كان زكرياء نبيا من أنبياء بني إسرائيل يعمل بالتوراة، والتوراة الصحيحة ليس فيها ما يجعل المرأة متاعا يورث، صحيح أن المرأة قد كانت من سقط المتاع عند الهنود مثلا، وكانت تورث بعد وفاة زوجها عند العرب، وكانت على حال في جميع الدنيا يجعل منها دونية عن الرجل، ولكنها في الشرائع السماوية لم تكن كذلك.. وأما إرث زكرياء وتوريثه لابنه يحيا فلم يتحقق لأن يحيى على نبينا وعليه السلام توفي في حياة والده، والإرث لا يتحقق بحياة المورث، بل يتحقق بوفاته، أضف إلى ذلك أن زكرياء كان نجارا يأكل من عمل يده، ومن كانت هذه حاله مع انشغالات النبوة والعبادة وانشغالات أخرى تتعلق بالدعوة وهداية الناس وتوجيههم والعمل فيهم بشريعة موسى لا يمكن أن يكدس ثروة حتى تورث، فلم يكن صاحب مقاولة كبرى في النجارة كحال الناس اليوم، ومن هنا يكون دعاء زكرياء غير مستجاب وهو الذي أقام شهادة على نفسه بحيث صرح أنه لم يخب ولو مرة واحدة بدعاء ربه، لقد كان مجاب الدعاء، ولكنه في هذه المرة لم يكن كذلك لأنه لم يمت ليرثه ولده يحيى بيد أنه شاركه النبوة فكان نبيا مثله والنبوة أعظم من إرث علم الأنبياء وهي عطاء رباني لنبيه زكرياء فوق ما طلب ومن أكرم من الله؟.. ومن جانب آخر من حيث تحكيم العقل نجد أن زكرياء نبي، والأنبياء أكثر الناس عزوفا عن الدنيا فلا يأخذون منها إلا ما يحتاجونه، وزكرياء دعا ربه، ودعاؤه ربه إذا انحصر في توريث المال والمتاع يجعل من زكرياء رجلا دون مستوى النبوة وهو نبي لا يمكن أن ينزل إلى ذلك المستوى الذي يضرب قيمة تأسي الناس به واتباع تعاليمه التي يأخذها من شرع من قبله، أو يأخذها من وحي الله، انظر تصرف نبي مع قومه قد سجلها القرآن الكريم في سورة البقرة: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)))، هذا يجعله جشعا أنانيا حريصا على المال يخشى عليه حرص الشحيح والبخيل، إذ كيف يدعو نبي ربه أن يورث ولده ماله وكان ذلك بسبب ما رآه من كرم رباني للطاهرة مريم، وهو في نفس الاتجاه عبد شكور؟.. ومن جهة أخرى نعلم أن زكرياء نبي من بني إسرائيل والنبي غير الرسول، فلم تكن هناك شريعة في عهده إلا شريعة موسى. والأنبياء الذين جاءوا بعد موسى عملوا بشريعته فيكون زكرياء ويحيى، بل وعيسى يعملون بشريعة موسى علما بأن عيسى رسول، ولكن ليست لديه شريعة، فالإنجيل مزاجر وزواجر ومواعظ.. كان عيسى يعمل بشريعة موسى؛ التوراة، فشريعة موسى كانت موجودة وزكرياء يعمل بها في الحياة العامة، فكيف يخطر ببال أحد أن يدعو زكرياء ربه أن يمنحه ولدا يرثه وأحكام الإرث موجودة لا خوف عليها؟ وهو نفسه وارث إذ قد ورث شريعة موسى وهي العلم الموروث الذي يريد زكرياء أن يورثه ولده المأمول خليفته من بعده، وإذا كان يرى أن هناك تغييرات ستحصل الشيء الذي جعله يدعو ربه ليحفظ على ولده أمواله ومتاعه يكون الرجل ليس من أصناف الأنبياء، إذ لا يمكن لنبي يثق بربه أن يدعو بهذا الدعاء الذي ينحدر بصاحبه ويجعله حريصا على الدنيا وهو موقن برزق الله له، لا يمكن أن يكون الدعاء إلا لشيء أرقى وأعظم من الدنيا كلها، ولن يكون إلا كرم الله له لابنه بالنبوة أو العلم لأنهما الأعلى، وليس المال لأنه الأدنى.. ومن جهة رابعة نجد أن إرث آل يعقوب غير موجود كمالٍ ومتاع، موجود بامرأتين اثنتين من آل يعقوب، فكيف يدعو زكرياء ربه أن يورث ابنه امرأتين والإرث حق واتخاذ المرأة أو المرأتين زوجين ليس حقا لأن للمرأة حق القبول والرفض وليس في شرائع الله شيء اسمه توريث النساء؟ فهل خشي على النسل لانقطاع الإناث؟ هل للتبرك بذرية آل يعقوب واتخاذ نسل منها؟ فإذا كان كذلك فالطريق إليه ليس التوريث، بل التزويج، والتزويج له شروطه، وهو ليس إرثا، وكيف يدعو زكرياء ربه أن يورثه متاعا غير موجود؟ لا يمكن أن يكون الإرث إلا النبوة أو العلم أو هما معا، وهو هنا العلم، ولكن الله تعالى جعل ابن زكرياء مثله نبيا ورث علم موسى أي شريعة موسى وهي علم بطبيعة الحال وينطبق عليها طلب التوريث، ومنحه النبوة مثله أيضا وهي عطاء رباني واصطفاء إلهي لا دخل لأحد فيه، فقول الله تعالى على لسان زكرياء: ((رب هب لي من لدنك وليا يرثني..)) يرثه لأنه فرد وزوجه مسنة وعاقر، وحرصه على خدمة رسالات الله، وخشيته من انقطاع من يعمل في الناس بشريعة الله دفعه أن يدعو ربه ليورث ابنه علم الشريعة وليس النبوة لأن النبوة لا تورث فهي عطاء من الله تعالى، ولكن زكرياء لم يحد عن الخط، أو يشذ في الطلب، فقد دعا ربه، دعا كريما مجيبا، والدعاء مشروع، فإن اصطفى الله من ولده نبيا، فهو وما اصطفى سبحانه وتعالى وكان ذلك إكراما لعبده الذي استجاب له مثل موسى الذي دعا ربه أن يشرك أخاه في رسالته فأجيبت دعوته، وإبراهيم الذي دعا أن يبعث في ولد إسماعيل رسولا منهم فأجيبت دعوته بمحمد بن عبد الله وكان الرسول الخاتم سيد الخلق وإمام الأنبياء وحبيب المؤمنين صلى الله عليه وسلم، وإن لم يصطف الله تعالى فلانا فلا يسؤل سبحانه وتعالى عما يفعل، وزكرياء يعرف هذا، كما عرفه إبراهيم من قبل حين دعا ربه قائلا: ((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) البقرة، الآية: 129. ولذلك دعا زكرياء ربه ولم يكن بدعاء ربه شقيا، إذ وهب له ولدا وجعله نبيا، فقد شاركه النبوة في حياته، كانا معا نبيين من أنبياء بني إسرائيل، وهذا عطاء رباني، ولو لم يكن بدعاء ربه إلا شقيا لكان تأويل ذلك الخاوي من (علماء) الشيعة الإمامية حجة عليه.. وكون ذلك علما فقد يكون، لأن العلم حين يخرج من أفواه الرجال وأفواه الأنبياء فالطبيعي أن يتلقفه الناس ويتعلمه من يتعلمه ويسعى إليه من يحفظه ويدعو له، فمن كانت هذه صفته وواقعه تحقق فيه أنه يرث شيئا يعود لأنبياء الله، فأي غرابة؟ علما بأن الآيات وسياقها وما تحدثت عنه وما عرف من التاريخ بشأن من ذكرتهم الآيات يجعل منها آيات تتحدث عن إرث العلم والنبوة فقط، وليس أي إرث آخر لامتناع أن ينصرف الذهن إلى غير ذلك، وحتى العلم وإن قصد في الإرث، فإنه ليس منعا إلا أن يكون كتابا حفظت حقوقه يمكن لورثة المتوفى أن يبيعوه علما بأن العلم ما دام في صدور الرجال فهو لهم، أما إذا خرج من صدورهم فليس لهم، ولا حق لأحد أن يمنعه عن أحد، ولا يحق منع الناس من نشره إلا ما كان متعلقا بالحقوق المعنوية التي يجب أن تحفظ العلم والفكر والأدب كما هو، كما تحفظ الكتاب كما هو أيضا، وهو ما يسمى بالحقوق المعنوية، صحيح أن العلم شأن عام في الإسلام لا يحق إخفاءه، ولكن الأصح أن الذين يعتنون به ويرثونه بالدرس والحفظ والتحصيل؛ هم العلماء، ومعلوم أن العلماء ورثة الأنبياء.. وفي المصادر الصحيحة لأهل السنة والقائمة على علم مصطلح الحديث ما يلي: روى مسلم في صحيحه: 7|122 قال: عن يزيد ابن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم، إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، رأيت رسول الله ، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا. حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله . قال: يا ابن أخي، والله لقد كبرت سني وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله ، فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا، فلا تكلفونيه. ثم قال: قام رسول الله يوماً فينا خطيباً، بماء يدعى خمّاً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة قال: نعم. انتهى. ورواه أحمد في مسنده: 2|366، وغيره)). وقال الحاكم في المستدرك 3|148 عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض. هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. انتهى. هذه الروايات عند أهل السنة وفقهاء اللغة وعلماء الحديث لا يستفاد منها أي شيء عن الإرث والوصية لعلي واستخلافه من طرف رسول الله ، فقط فيها إخبار منه بكونه يوشك أن يغادر الحياة، ومن يكون متيقنا من حاله كالنبي الذي يوحى إليه يحرص أن يوصي وقد فعل ، فأوصى المسلمين بالتمسك بكتاب الله عز وجل، ولا يقال أين القول بالتمسك بسنة النبي لأن الكتاب يتضمنها كما سبق القول، فالقول بالتمسك بكتاب الله يعني الأمر بالتمسك بسنة النبي لأن الكتاب أرشد إلى السنة وأمر بها والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله تعالى: ((مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7))) الحشر، وقوله تعالى: ((لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)) النور. وأوصى أيضا بأهل بيته وذكّر المسلمين بذلك، وكرّر القول لأهمية الوصية، ولن تكون أهم من وصيته بكتاب الله عز وجل ولو أنه لم يكرر ذلك لأن الكتاب محفوظ من طرف الله عز وجل وهو الحبل الممدود للعقلاء إذا أرادوا الهداية، هذا الحث من نبي الهدى ووصيته للمسلمين بأهل بيته لا تفيد تمليكهم أمور المسلمين من بعده لأنه لم يكن مَلِكاً، ولا تفيد حصرا قيادتهم للمسلمين وراثة من بعده، لهم الحق في القيادة كسائر المسلمين، فلو كان الأمر كذلك لكان من الأولى أن يبقي له ذكرا يجعله وريثه ويجعل ذريته قائمة بأمر المسلمين ولكن يجب أن يكون ذلك موازاة مع محو آيات من القرآن الكريم التي تفيد البيعة وهي تتناقض مع التوريث وهذا محال فالله تعالى لا يعود في حكمه ((مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) سورة: ق))، لأنه الكمال المطلق لا يمكن أن يخطئ، وننصح بالعودة إلى كتابنا: الجهاز المناعي للقرآن الكريم (دراسة أسلوبية) ففيه ما يغني في هذا الأمر. وقد فهم المسلمون وصيته فعملوا بها، فكان الخليفة الأول يصل أهل بيت النبي ممن حرموا الصدقة ومن زوجاته، وجاء بعده عمر فانتهج نهجه وحج بهن إلا أم سلمة فقد رأت غير ما رأى أخواتها من نساء النبي عملا بقوله تعالى: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33))) الأحزاب، وكذلك عثمان، ثم بنو أمية وبنو العباس فكانوا جميعا يعملون بوصية رسول الله ، وكل ذلك داخل في حفظهم وإكرامهم خصوصا وأنهم محرومون من الزكاة أي من الصدقة، وأنهم ذرية النبي تركهم أمانة في أعناق المسلمين وقد منعهم الإرث ومنع فاطمة الأعطيات وقد جاءته تشكوا الفاقة والتعب والنصب فما كان منه إلا أن أعطاها وِرْدا تقوله ولم يعطها من المال شيئا وأعطاه لأهل الصُّفة، هذه هي التي كان النبي يذكِّر بها المسلمين ويكرِّر ذلك ثلاث مرات حتى يحفظ المسلمون لرسول الله وصيته الغالية في أزواجه فلا يتخذهم غرضا، ويعامل أبناءه وأحفاده بالتكريم والتوقير إلى يوم القيامة، ومن من المسلمين لا يحفظ لرسول الله ما وصّى به إلا الشيعة؟. ومن المصادر الشيعية القائمة على غير سند (ليس لهم سند واحد يصل إلى رسول الله ، كل ما يروونه موضوع على لسان آل بيت النبي كذبا، وما فيه من حق يتوافق مع الحديث عند أهل السنة مأخوذ عنهم) موصل إلى النبي محمد ما قيل في موضوع الوصية والاستخلاف لعلي ما يلي: ((قال صلى الله عليه وآله للناس: أنيخوا ناقتي فوالله ما أبرح من هذا المكان حتى أبلغ رسالة ربي.. وأمرهم أن يردوا من تقدم من المسلمين إليه، ويوقفوا من تأخر منهم حين يصلون إليه.. ونزل صلى الله عليه وآله عن ناقته، وكان جبرئيل إلى جانبه، ينظر إليه نظرة الرضا، وهو يراه يرتجف من خشية ربه، وعيناه تدمعان خشوعاً وهو يقول: تهديدٌ.. ووعدٌ ووعيدٌ.. لأمضين في أمر الله، فإن يتهموني ويكذبوني فهو أهون علي من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة! وقبل أن يفارقه جبرئيل أشار إليه فنظر النبي صلى الله عليه وآله فإذا على يمينه دوحة أشجار، فودع جبرئيل ومال إليها، وحطَّ رحال النبوة عند غدير خُمّ. قال بعض المسلمين: فبينا نحن كذلك، إذ سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ينادي: أيها الناس أجيبوا داعي الله.. فأتيناه مسرعين في شدة الحر، فإذا هو واضعٌ بعض ثوبه على رأسه. ونادى منادي النبي صلى الله عليه وآله في الناس بالصلاة جامعة، ووقت الصلاة لم يحن بعد ولكن حانت قبلها (صلاة) أخرى لا بد من أدائها قبل صلاة الظهر. إنها فريضة ولاية عترته الطاهرة، ولا بد أن يبلغها عن ربه إلى المسلمين مهما قال فيه قائلون، وقال فيهم قائلون.. فقد شدد عليه ربه في ذلك: وأفهمه أن مسألة عترته ليست مسألةً شخصيةً تخصه.. وأنك إن كنت تخشى الناس، فالله أحق أن تخشاه وسيعصمك منهم، فاصدع بما تؤمر!! ونزل المسلمون حول نبيهم صلى الله عليه وآله، وكان ذلك اليوم قائظاً شديد الحر، فأمرهم أن يكسحوا تحت الأشجار لتكون مكاناً لخطبة الولاية، ثم للصلاة في ذلك الهجير، وأمرهم أن ينصبوا له أحجاراً كهيئة المنبر، ليشرف على الناس.. ورتب المسلمون المكان والمنبر، ووضعوا على أحجاره حدائج الإبل، فصار منصةً أكثر ارتفاعاً، وحسناً. ص: 226. وورد المسلمون ماء الغدير فشربوا منه، واستقوا، وتوضؤوا.. وتجمعوا لاستماع الخطبة قبل الصلاة، ولم يتسع لهم المكان تحت دوحة الغدير، وكانت ستَّ أشجارٍ كبيرة، فجلس كثير منهم في الشمس، أو استظل بظل ناقته.. عرف الجميع أن أمراً قد حدث، وأن النبي صلى الله عليه وآله سيخطب.. فقد نزل عليه وحيٌ أو حدث أمرٌ مهمٌ أوجب أن يوقفهم في هذا الهجير، ولا يصبر عليهم حتى يصلوا إلى مدينة الجحفة العامرة، التي تبعد عنهم ميلين فقط! كان مجموع المشاركين في حجة الوداع من مئة ألف إلى مئة وعشرين ألفاً كما ذكرت الروايات، ولكن هذا العدد كان في عرفات ومنى.. أما بعد تمام الحج فقد توزعوا، فمنهم من أهل مكة وقد رجعوا إليها، ومنهم بلادهم عن طريق الطائف فسلكوا طريقها، وآخرون بلادهم عن طريق جدة وما إليها.. والذين هم مع الرسول صلى الله عليه وآله عن طريق الجحفة والمدينة ألوفٌ كثيرةٌ أيضاً.. نحو عشرة آلاف.. فقد قال الإمام الصادق عليه السلام مؤرخاً تضييع قريش لحادثة الغدير: العجب مما لقي علي بن أبي طالب! إنه كان له عشرةُ آلافِ شاهدٍ ولم يقدر على أخذ حقه، والرجل يأخذ حقه بشاهدين!! الوسائل: 18|174. لم يدم طويلاً تطلع المسلمين إلى ما سيفعله النبي صلى الله عليه وآله وما سيقوله.. فقد رأوه صعد على منبر الأحجار والأحداج، وبدأ باسم الله تعالى، وأخذ يرتل قصيدةً نبويةً في حمد الله تعالى، والثناء عليه.. ويشهد الله والناس على عبوديته المطلقة لربه. ثم قدم لهم عذره، لأنه اضطر أن ينزلهم في مكان قليل الماء والشجر، وما أمهلهم حتى يصلوا إلى بلدة الجحفة المناسبة لنزول مثل هذه القافلة الكبيرة، المتوفر فيها ما يحتاج إليه المسافر.. ولا انتظر بهم وقت الصلاة، بل ناداهم قبل وقتها، وكلفهم الاستماع إليه في حر الظهيرة.. ص: 227. وأخبرهم أنه نزل عليه جبرئيل عليه السلام في مسجد الخيف، وأمره أن يقيم علياً للناس.. ثم قال لهم: إن الله عز وجل بعثني برسالةٍ فضقت بها ذرعاً، وخفت الناس أن يكذبوني، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني: أمتي حديثو عهد بالجاهلية، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي، يقول قائل، ويقول قائل! فأتتني عزيمة من الله بتلة (قاطعة) في هذا المكان، وتواعدني إن لم أبلغها ليعذبني. وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة من الناس، وهو الكافي الكريم، فأوحى إلي: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس، إن الله لا يهدي القوم الكافرين". ثم قال صلى الله عليه وآله: لا إلَه إلا هو، لا يؤمن مكره، ولا يخاف جوره، أقرُّ له على نفسي بالعبودية، وأشهد له بالربوبية، وأؤدي ما أوحى إلي، حذراً من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعةٌ، لا يدفعها عني أحدٌ، وإن عظمت حيلته. أيها الناس: إني أوشك أن أدعى فأجيب، فما أنتم قائلون؟ فقالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت. فقال: أليس تشهدون أن لا إلَه إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الجنة حقٌ وأن النار حقٌ وأن البعث حق؟ قالوا: يا رسول الله بلى. فأومأ رسول الله إلى صدره وقال: وأنا معكم. ثم قال رسول الله: أنا لكم فرط، وأنتم واردون عليَّ الحوض، وسعته مابين صنعاء إلى بصرى، فيه عدد الكواكب قدحان، ماؤه أشد بياضاً من الفضة.. فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين. فقام رجل فقال: يا رسول الله وما الثقلان؟ قال: الأكبر: كتاب الله، طرفه بيد الله، وسبب طرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تزلوا ولا تضلوا. ص:228. والأصغر: عترتي أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض.. سألت ربي ذلك لهما فلا تقدموهم فتهلكوا ولا تتخلفوا عنهم فتضلوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم. أيها الناس: ألستم تعلمون أن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: قم يا علي. فقام علي، وأقامه النبي صلى الله عليه وآله عن يمينه، وأخذ بيده ورفعها حتى بان بياض إبطيهما، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار. فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً مفترضاً طاعته على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر، وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، والصغير والكبير. فقام أحدهم فسأله وقال: يا رسول الله ولاؤه كماذا؟ فقال صلى الله عليه وآله: ولاؤه كولائي، من كنت أولى به من نفسه فعليٌّ أولى به من نفسه! وأفاض النبي صلى الله عليه وآله في بيان مكانة علي والعترة الطاهرة والأئمة الإثني عشر من بعده: علي والحسن والحسين، وتسعة من ذرية الحسين، واحدٌ بعد واحد، مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم، حتى يردوا عليَّ حوضي، ثم أشهد المسلمين مراتٍ أنه قد بلغ عن ربه.. فشهدوا له.. وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب.. فوعدوه وقالوا: نعم.. وقام إليه آخرون فسألوه... فأجابهم.. ص: 229 وما أن أتم خطبته، حتى نزل جبرئيل بقوله تعالى: ((...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا...)) جزء من الآية: 3 من سورة المائدة. فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: ألله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضي الرب برسالتي، وولاية علي بعدي... ونزل عن المنبر، وأمر أن تنصب لعلي خيمة، وأن يهنئه المسلمون بولايته عليهم.. حتى أنه أمر نساءه بتهنئته، فجئن إلى باب خيمته وهنأنه! وكان من أوائل المهنئين عمر بن الخطاب فقال له: بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة! أخذنا هذا التسلسل في قصة الغدير من مصادرنا المتعددة مثل: كمال الدين وتمام النعمة للصدوق|276، والإحتجاج للطبرسي: 1|70، وروضة الواعظين للنيسابوري|89، والمسترشد|117، وغيرها)). كتاب: آياتُ الغَدِير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير تأليف: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية. تأمل معي حضرة القارئ المحترم هذا القول: "وكان جبرئيل إلى جانبه"، ليس هناك ما يؤكد مشاهدة جبريل من طرف الراوي، وليس هناك من يؤكد الرواية عن رسول الله إذ لا سند لها، ويضيف: "تهديدٌ.. ووعدٌ ووعيدٌ.. لأمضين في أمر الله، فإن يتهموني ويكذبوني فهو أهون علي من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة" هذه الإضافة يظهر عليها الإقحام الفاسد، حتى الإقحام المسبوق بالتفكر والتدبر وحسن وضع الكلمات لا يظهر عليها، ثم إن التهديد والوعد والوعيد في حق خليل الرحمن وحبيبه من الرحمن جل وعلا أمر لا يليق بالمحب لمحبوبه، فالله تعالى أكرم من أن يهدد رسوله ويتوعده وكأنه متلقب المزاج مضطرب السلوك لا يثبت على طريق الله ولا يأخذ الوحي والكتاب بقوة وبكل جوارحه، صحيح أن الله تعالى قد عاتب حبيبه محمدا وانظر إلى ذلك العتاب الرباني الجميل وانظر إلى رسول الله كيف استجاب للعتاب وقد كان فعله المطلوب من الله في اختياره، وفعله الآخر كذلك ففعل خلاف الأولى، وخلاف الأولى معناه أن يكون الحكم الشرعي قد ورد “مباحاً”، وقد عرف بحاله وعلى حاله كذلك ولكن بعض أعماله أولى من بعضها، أو أن يكون الحكم الشرعي قد ورد “مندوباً” ولكن بعض أعماله أولى من بعضها. ومثال ذلك أن من يمارس الحكم لا يحق له أن يسكن بعيدا عن مركز الحكم إلا إذا كان حضوره يشبه حضور من يسكن عند مركز الحكم أو قريبا منه، أما إذا تطلب حضوره ساعات طويلة كأن يسكن مكة مثلا ويعاني الحكم في المغرب على الرغم من إباحة السكنى له بمكة وعلى الرغم من وسائل الاتصال السريعة؛ لا يسكن مكة، وإذا سكن مكة فقد فعل خلاف الأولى، وفِعْلُ الصدقة مندوب وإعطاؤها سرا وجهرا مندوب ولكن إعطاءها سرا أولى من إعطائها جهرا، قال تعالى: ((273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) البقرة، وفي الحديث الصحيح عن الصدقة إشارة إلى فعل الأولى وهو أن لا تعلم شِمال المتصدق ما أنفقت يمينه، فإذا تصدق الإنسان جهرا فَعَلَ خِلافَ الأولى، وخِلافُ الأولى هو من ضمن ما منح الله من اختيارٍ لرسوله الكريم ولم يكن يعرف بأبي هو وأمي أن الله تعالى يريد الأوْلى ومن من البشر والمخلوقات يستطيع معرفة إرادة الله تعالى؟ لا أحد، والرسول يجوز عليه أن يقوم بما هو خلاف الأولى، وقد فعل خلاف الأولى فعاتبه الله عليه، لم يعاتبه على اجتهاد منه في أية مسألة أو حادثة لأنه ليس مجتهدا ويستحيل أن يكون مجتهدا لأن الاجتهاد يتنافى مع الوحي وقد كان ينتظر الوحي حتى يحكم للناس، عاتبه الله تعالى على فعله الذي فعله خلاف الأولى فقال سبحانه وتعالى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ فإن هذ الآية الكريمة لا تدل على اجتهاد أبدا، لأنّ الحكم فيها أنه يجوز للرسول ﷺ أن يأذن لمن يشاء، قال تعالى: ﴿فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ﴾ وقد نزلت هذه السورة بعد سورة الحشر في معركة الخندق، وآية: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ﴾ جاءت في سورة التوبة، ونزلت في شأن غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة، فالحكم كان معروفاً وآية النور صريحة تدل على أنه يجوز للرسول ﷺ أن يأذن لهم. ما جاء بعد التهديد والوعد والوعيد في الكلام التافه الذي ورد قبل مناقشة خلاف الأولى يدل بوضوح على تدبير أمر آت بعد تلك الجملة ولو كان الذي يريد ذلك من أهل اللغة، لو كان من أهلها لما سقط في التدبير الإنشائي للمبتدئين في تعلم اللغة العربية، ثم متى كان رسول الله غير ماض في أمر الله؟ متى كان متقاعسا حتى يقول بالمُضِيِّ في أمر الله، حاشاك يا رسول الله من هذه الاتهامات المقيتة من أناس يريدون تثبيت شيء لم يثبت عنك فيكذبون عليك ويقوِّلونك ما لم تقل وهم أفضح حين الاختباء من الفضيحة من النعامة. ويستمر الكذّاب فيقول: "ونادى منادي النبي صلى الله عليه وآله في الناس بالصلاة جامعة، ووقت الصلاة لم يحن بعد ولكن حانت قبلها (صلاة) أخرى لا بد من أدائها قبل صلاة الظهر، إنها فريضة ولاية عترته الطاهرة، ولا بد أن يبلغها عن ربه إلى المسلمين مهما قال فيه قائلون، وقال فيهم قائلون..". يضع الولاية في حسابه أولا، ثم يدبر لها من وضع الأحاديث ما يدبر ولكنه مفضوح بسبب ضعفه اللغوي، وسفاهة عقله، فالرواية بوقوفها على "أذكركم الله..." رواية سليمة بها إخبار يجب أن يأتي بعدها ما لا يناقضها فجاء ما يناقضها بقوله: " فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً مفترضاً طاعته على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر، وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، والصغير والكبير".فكان ما جاء كقوله: "وإماما.." و"على الأعجمي.." كلام فاسد يناقض ما سبقه ويطبع صاحبه بالضعف اللغوي الشديد ذلك أن المبتدئ لا يلام إذا كان في كرسي التعليم، ولكن أن يأتي ما يناقض ما فات من فقرات فذلك سفه لغوي وشطح ذهني مقيت، كيف يكون علي إماما للناس والقرآن ينص على البيعة؟ كيف يكون علي إماما للأعاجم وهم اليهود والنصارى وغيرهم؟ هل علي إمام لليهود والنصارى والمجوس؟ كلا، لقد كان إماما للمسلمين وأميرا للمؤمنين في فترة حكمه إلى أن استشهد فخلفه في الإمامة ولده الحسن، ثم تنازل عنها لتصير الإمامة في يد معاوية. واستمر يأتي بالشواهد فقال: "وما أن أتم خطبته، حتى نزل جبرئيل بقوله تعالى: ((...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا...)) هذا جزء من الآية: 3 من سورة المائدة وليس هو بالآية الكاملة. فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضي الرب برسالتي، وولاية علي بعدي..." إن المتأمل في سورة المائدة بصرف النظر عن توقيت نزولها والخلاف عليها يجد أنها قد أوردت إكمال الدين وتمام النعمة، وعند بعض الحمقى من الشيعة أن الله تعالى لا يمكن أن يأتي بآية بها إكمال الدين وتمام النعمة، ثم يأتي بأحكام أخرى بعدها وهي هنا موجودة مباشرة في نفس الآية لأن الآية هي: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5))) المائدة. انظر حضرة القارئ المحترم لهذه الجملة: ((ولا تعلِّموهم فإنهم أعلم منكم)) فإذا كان الخطاب لصحابة النبي ففيهم من هم أعلم من الحسن والحسين وغيرهما، بل فيهم من هو أعلم من علي ذاته فقد قال النبي ﷺ: ((أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل)) ولا يعني ذلك أن عليا وغيره لم يكونوا يعرفون الحلال والحرام كلا ولكن معاذا أعلمهم بالحلال والحرام بشهادة رسول الله ومنهم من هم أعلم من معاذ في مسائل أخرى لإنهم تلقوا العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كبار في السن والحسنان صغيران قد سبقوهما إلى حفظ ما صدر عن النبي، ولا أقارن هنا بين علي وغيره من الصحابة فإن أريد التفاضل بينهم فلا بأس ولكن التفاضل بينهم وبين الحسن والحسين في العلم فغير مطروح في حياة النبي، وإذا أريد بالقول من سيأتي بعد الصحابة فكم من آل بيت النبي جاهل، وكم من آل بيت النبي عاص، وكم من آل بيت النبي أمي، وكم من آل بيت النبي متعلم.. ولكن بحسب علمي ومتابعتي لم أجد فيهم واحدا مات على ضلالة، أي على الكفر والشرك، وإذا زعم أن من الشيعة حملة جينات النبي فهو افتراء لأن الشيعة ضُلاّل والنبي في حديثه ينفي عن آل بيت النبي الضلال والإضلال وإن لم ينف عنهم الخطأ والفسوق ولكنهم في نهاية حياتهم يموتون على لا إله إلا الله محمد رسول الله. فالناظر إلى الآية بعد إكمال الدين وتمام النعمة يجد بها أحكاما أخرى منها الاضطرار في المخمصة ليأتي الإنسان ترخيصا له ما حرم الله عليه كأن يأكل الميتة أو لحم الخنزير مثلا وهو داخل في نفس الآية 3 من سورة المائدة التي جاءت بعد: " اليوم أكملت لكم دينكم"..، ويأتي بعدها مباشرة حكمان اثنان بإباحة طعام الذين أوتوا الكتاب، وإباحة الزواج من نسائهم، وهذا يتنافى مع إكمال الدين إذ لو كان إكمال الدين بالآية المذكورة لكان إكمال الأحكام، وهذا القول متورم عقل صاحبه ذلك أن الله تعالى قد أكمل لنا ديننا فعلا بشيئين اثنين لا ثالث لهما هما: أولا: توقف الوحي بالقرآن متقدما على السنة. ثانيا: توقف الوحي بوفاة الرسول الأعظم ، فلا يقف الوحي الثاني الذي هو السنة والنبي حي، بل لا بد أن يلتحق بالرفيق الأعلى ليقف الوحي الثاني الذي هو السنة بنهاية حياته ، بينما القرآن قد ثبت أنه قد توقف في أواخر حياة النبي، وبذلك يكون إكمال الدين وتمام النعمة بوفاة النبي وانقضاء الوحي الأول الذي هو القرآن الكريم، ثم الثاني الذي هو السنة المطهرة. ومسأة أمر النبي نساءه بتهنئة علي بن أبي طالب بالولاية تهنئة متوهمة مكذوبة على النبي وعلى علي وعلى نساء النبي ذلك أن النبي ﷺلم يكن يصطحب معه في سفرياته وحجه وغزواته نساءه جميعا، بل كان يصطحب معه واحدة أو بعضا منهن، فقد اصطحب معه واحدة كما حصل في الحديبية إذ اصطحب معه أم سلمة وقد وقفت موقفا عظيما من صحابة النبي إذ أشارت على النبي بأن يفعل ما أوحى له به الله ثم يخرج إلى الناس ليتبعوه وقد أخذوا على ما في المعاهدة ووجدوا لها في أنفسهم، واصطحب معه بعضا من أزواجه كما حصل في حجة الوداع إذ اصطحب معه عائشة وسودة بنت زمعة وأم حبيبة، فأين حفصة؟ وأين زينب؟ وأين جويرية؟ وأين أم سلمة..؟ لقد ترك أزواجه غير اللائي اصطحبنه في المدينة المنورة، فانظر إلى التدبير الغبي في وضع الأكاذيب.. أقول عن وجود حكم أو حكمين بعد قوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" أنه يوجد من الشيعة من يقول العكس، أي ينفي وجود حكم أو أكثر بعد ذلك الجزء المذكور من الآية الكريمة، إذ يقول أنه لا يمكن أن تكون آية إكمال الدين بعدها حكم آخر، وهذا قول رَغِمَ أنْفُ قائله لأنه قد جاءت أحكام أخرى بعده، وهناك من فتح الباب على مصراعيه ليزيد في الطعن في الإسلام، ولا أعرف إن كان قد تنبه لهذا أم لا، ثم إنه إن تنبه فإن عقله المريض لن يمكنه من فتح باب الهداية والتوبة إلى الله عز وجل إلا إذا أرادها الله له، بل سيسوقه عقله لقول أن القرآن الكريم غير مرتب الترتيب الذي نزل به جبريل، بل رتبه الصحابة وهو عند علي غير ذلك، هو في مصحف فاطمة في آخره بآية: ((... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا...)) فليس بعدها آية غيرها سواء في الحكم أو العقيدة، هذا هو منطق الذين يفرضون رؤاهم وتصوراتهم على الله تعالى وعلى النبي ﷺوعلى آل بيته الأطهار، وإن أنت وجدت شرخا وفسادا في ترتيبهم وستجده حتما لا تفرح لهدايتهم والعياذ بالله وكأن الله تعالى قد طبع على قلوبهم، بل سيأتونك بما يمكِّنهم من التملص مما قالوا بتأويلات رأسها قاعها وقاعها رأسها. ==================== أصح الكتب والوثائق التاريخية التاريخ أحداث مضت. التاريخ أقوال قيلت وأفعال فُعلت. التاريخ وقائع وقعت في زمن مضى قرب أو بعد، ومعرفتها معرفة تأخذ مناحي معينة، ونتائجها إما أن تكون قطعية من حيث الثبوت، أو ظنية. وإثباتها يكون عن طريق الرواية أو الكتاب أو الأثر، وتلك هي مناحيها. ولنبدأ بالأثر، فعند النظر إلى الأثر نجد أن هناك آثارا على الصخور والحجارة في الجبال والكهوف من رسوم ونقوش وكتابات تدل على تاريخ مدني وحضاري وثقافي للإنسان، ونحن في بحثنا هذا لا نذهب إليها، بل نذهب إلى تلك التي تعكس نفس الحضارة والثقافة والمدنية ولكنها وثائق مكتوبة بين دفتي كتاب، بين دفتي كتب نقلت إلينا من عهد بعيد ولم تزل كما نقلت إلى يومنا هذا لم يطرأ عليها تحريف أو تبديل، وتلك الوثائق ثبت قطعا ويقينا أنها قديمة، ولكن قدامتها من حيث التأريخ لها لا تنتهي إلى القطع واليقين، ومع ذلك تصل إلى مستوى مقبول ومعقول، بل حتى تلك التي يؤرخ لها من خلال فحص الكربون لا تنتهي إلى التحديد التام والدقة الكاملة، ولكن ومع ذلك فهي معقولة ومقبولة وإن لم توصل إلى الطمأنينة التامة ولا بأس. ونجد أيضا الكتب، فالكتب تؤرِّخ للتاريخ، وتُسجَّل فيها حوادثه، وهي إما أن تكون مكتوبة اعتمادا على كتب غيرها، أو تكون مكتوبة بطريق الرواية. فالكتب التي تعتمد على غيرها من الكتب تنتهي إلى نتائج أقل مما تنتهي إليه الوثائق التاريخية والآثار لأنها (أي الكتب) تقوم بغيرها وتستند إلى غيرها ومع ذلك تُعتمد بشرط هذه الرؤية، وبشرط قانون الجرح والتعديل فيمن كتبها، وبشرط مصداقية ما اعْتُمد عليه من كتب قبلها. وتجد الرواية، وهي أصح الطرق لمعرفة التاريخ، وهي إما أن تكون رواية قطعية، وإما أن تكون رواية ظنية. ولكي تكون الرواية قطعية تحتاج إلى أن تكون متواترة بشروط مقبولة ومعقولة للعدد الذي يحصل به التواتر ولغير ذلك مما هو داخل في إتمام شروط التواتر، وللحالة التي تحقق التواتر الفعلي. ولكي تكون الرواية ظنية تعتمد خبر الواحد ضمن شروط مقبولة ومعقولة للثبوت، ومع ذلك تظل في نطاق الظن لا ترتقي إلى مستوى القطع حتى تكون يقينية وحتى تكون عقيدة ولكنها مع ذلك ترجح جانب الصدق فيها على جانب الكذب لتكون صحيحة. هذه رؤية مختصرة لا بد منها لطرق باب البحث في أصح الكتب التاريخية وأصح الوثائق التاريخية خصوصا كتب الحديث عند المسلمين وهي التي نريد بحثها تحديدا. وحتى لا نشتت جهد القارئ المحترم، ولكي نضع بين يديه منهاجا للمقارنات يستعمله معنا للوصول إلى الحقيقة؛ لا بد من تحديد البحث في أهم الكتب التاريخية وأعلاها مرتبة، فكانت الكتب المقصودة لا تتضمن القرآن الكريم لأن البحث في شأنه قد انتهى منذ زمن بعيد من جهتين، جهة الثبوت التواتري له القطعي واليقيني، وجهة قيمته الحمولية مبنى ومعنى اللتين أوصلتاه إلى الإعجاز في أن يأتي أحد بسورة مثله، فلا يبقى إلا غيره من الكتب وهي كتب الحديث الشريف، كتب الإمام البخاري ومسلم وغيرهما مما يصطلح عليها بالكتب الصحاح عند المسلمين. إذا أخذنا كتاب صحيح الإمام البخاري (194 هـ ـ 256 هـ) أو مسلم ( 204 هـ ـ 261 هـ) أو أحمد بن حنبل (164 هـ 241 هـ) أو ابن ماجة ( 209 هـ ـ 273 هـ) أو الترمذي (209 هـ ـ 279 هـ) أو النسائي (215 - 303) أو أبي داود (202 – 275) سنن أبي داود، أو ابن ماجة (209 ـ 207) سنن ابن ماجة، أو عثمان الدارمي (197 هـ ـ 280 هـ) المسند أو غيره نجد أنها أولا: كتب قد كتبت بطريق الرواية، والرواية هي أصح طريق لمعرفة التاريخ، وثانيا: نجد فيها أخبارا قطعية وأخبارا ظنية وأخبارا عن التاريخ الذي نتفق عليه ونختلف. فما نتفق عليه يدخل المتواتر لفظا ومعنى، ومنزلته منزلة القرآن من حيث الثبوت القطعي واليقيني، وما نختلف عليه يدخل الظني بشعبه المختلفة حسب مصطلح العلماء المسلمين وتقسيماتهم، وبحسب أقسام الخبر الذي هو حديث قطعي من حيث الثبوت، أي متواتر يأخذ الخبر الذي ينتهي إلى رسول الله ينقله من يحصل العلم بصدقهم ضرورة، ويجمع أمورا أربعة هي: (( 1 ـ أن يكون الرواة عددا كثيرا. 2 ـ أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب. 3 ـ أن يرووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء والمراد مثلهم في كون العادة تحيل تواطؤهم على الكذب وإن لم يبلغوا عددهم. 4 ـ أن يكون مسند اتفاقهم الحس، بمعنى أن يكون مضمون الخبر مما يدرك بحاسة من الحواس: من سماع وغيره لا ما يثبت بالعقل الصرف كوجود الصانع وقدمه، وحدوث العالم، لأن العقل الصرف يمكن أن يخطئ فلا يفيد اليقين، ألا ترى أن الفلاسفة كثيرون ويقولون بقدم العالم مع أنه باطل)). الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة للإمام جلال الدين السيوطي تقديم: الشيخ: أحمد حسين جابر رجب، صفحة: 9)). والحديث الظني الثبوت أو الآحاد، والآحاد جمع أحد؛ هو خبر واحد مروي عن واحد، ومنه الحديث الصحيح والحديث القدسي والحديث الغريب والعزيز والمشهور. والناظر إلى الكتب الصحاح التي لدى المسلمين يجد أنها جميعها قد كتبت بطريق الرواية وهي أصح الطرق كما أسلفنا، ولكنها تنتهي إلى نتيجة مختلفة، فما كانت أخبارها في المتواتر انتهت إلى القطعي واليقيني في الثبوت وإن ظهر فيها ما هو ظني الدلالة، وما كانت غير ذلك لم تنته إلى نفس النتيجة ولكنها تظل صحيحة في طريقة ثبوت مضمونها، وفرق بين الظرف وما يأتي به الظرف أو يأتي عنه الظرف كرسول أو ساعي بريد. إنك إن تتبعت سير سفر رسالة مبعوثة إليك من أمريكا مثلا بالتلفون أو بالأقمار الصناعية تستطيع متابعتها وهي في طريقها إليك ولكنك ما لم يطلعك صاحبها على مضمونها؛ لا تستطيع معرفة المضمون إلا إذا تجسست عليها أو سلطت عليها إشعاعا يمكِّنك من قراءة مضمونها وهي في ظرفها، فكذلك الكتب الصحاح عند المسلمين؛ لا تستطيع إنكار صحتها وبالتالي يستحيل تقزيمها من حيث قيمتها العلمية والمعرفية، ولا تستطيع الطعن في صحة ثبوتها بأصح الطرق لما لها من حصانة في كيفية وصولها إلينا، فما في الكتب من مضمون شيء، وكيف وصلت إلينا شيء آخر. لقد وصلتنا الكتب الصحاح المتضمنة لأحاديث الرسول الأكرم محمد بأمانة تامة، فلا يوجد في الكتب غيرها يرقى عنها، وعن مستوى قيمتها العلمية والمعرفية ولو كانت تلك التي تسمى كتبا مقدسة كالأناجيل المكذوبة والمزورة، أما إذا أردت الحديث عما تحويه، عن مضمونها مثلا فذلك ما كنا نبغي مناقشته معك حضرة القارئ المحترم من جهتين، جهة مصداقية من رووها، وجهة حقيقتها التاريخية. إن من روى الحديث النبوي الشريف يقع حلقة في سلسلة تنتهي إلى رسول الله ، أو هم طبقة من الطبقات كما صنفهم الإمام ابن الجوزي (510 هـ 597 هـ) في كتابه: صفة الصفوة، وأول حلقات السلسة؛ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم من الأولين والآخرين ممن تحققت فيهم صفة الصحابي وهي في ثقافتنا التي تبنيناها ويقول بها التابعي الجليل سعيد بن المسيب؛ أن يكون قد صاحب النبي سنة أو سنتين أو غزا معه غزوة أو غزوتين، وفي ذلك خروج بعض ممن اعتبروا من الصحابة عند بعض العلماء خلاف معاوية بن أبي سفيان فقد تتحققت فيه شروط الصحبة المذكورة وكان من كَتَبَة الوحي وراوي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبتت في حق أبيه سفيان بن حرب الصحبة، فقد غزا مع النبي في حنين كما في عيون الآثار وفي الإصابة في معرفة الصحابة، وغزا معه في الطائف وغزا في اليرموك، وفي الطائف فقئت عينه كما ذكر ابن سعد ووضعها في يده وجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي: ((أيهما أحب إليك، عين في الجنة أو أدعو الله أن يردها عليك؟ قال: عين في الجنة ورمى بها، ذكره الحافظ زيد الدين العراقي والرواية دالة على استحالة أن يكون من المنافقين كما يزعم الشيعة المنافقون، ودالة أيضا على أنه من أهل الجنة فهو من المرضيين رغم سابقته القبيحة في الإسلام الذي يجبُّ ما قبله، ولا يعني ذلك أن من لم تثبت في حقه الصحبة بالشروط المذكورة غير معنيين بالرواية عن رسول الله ، كلا، ولكنهم ليسوا صحابة ولا نعيب على من يعتبرهم من الصحابة، كما أنهم ليسوا من التابعين، ولهم منزلة غير التي للصحابة إذ هم دونهم، ولكن لهم منزلة غير التي للتابعين إذ هم فوقهم، ونحن لم نرد أن نصنف لهم لأنهم قد وجدوا في عهد النبي رأوه وآمنوا به وصدقوه وماتوا على الإيمان والإسلام وتلك شروط الصحبة عند من اعتبروهم صحابة كالإمام أحمد والبخاري وبعض الشافعية مما يقطع بسلامة رواياتهم التي يشهد عليها الصحابة العدول المثنى عليهم من الله ورسوله وهم المرضيون عندهما، ثم يأتي بعدهم التابعون من سائر الأمصار. وعن غزوة حنين ((روي أن أبا سفيان بن حرب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم والأموال من نقود وغيره مجموعة عنده فقال: يا رسول الله أنت اليوم أغنى قريش، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو سفيان: حظنا من هذه الأموال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأعطاه مائة من الإبل وأربعين أوقية من الفضة، فقال: حظ ابني يزيد، فأعطاه مائة من الإبل وأربعين أوقية. فقال أبو سفيان: فأين حظ ابني معاوية، فأمر له أيضا بمائة من الإبل وأربعين أوقية حتى أخذ أبو سفيان يومئذ ثلاثمائة من الإبل ومائة وعشرين أوقية من الفضة. فقال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لأنت كريم في الحرب والسلم، هذا غاية الكرم جزاك الله خيرا)). 1 / 405 ـ 1 / 406، مختصر سيرة الرسول لعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. في هذه الرواية يستفاد أن معاوية بن أبي سفيان قد كان من شهود حنين وقد كان كذلك في روايات أخرى، وشهد حصار الطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه فهو من الصحابة ولو أنه كأبيه وغيره من المؤلفة قلوبهم فذلك لا يطعن في صحبتهم. ومن المشكِّلين للحلقة الأولى؛ (الطبقة الأولى) الصحابة الكرام رضوان الله عليهم بالشروط المذكورة بصرف النظر عن السبق في الإسلام، ومن المشكلين للحلقة الثانية (الطبقة الأولى) من التابعين الموصولة بالحلقة الأولى من أهل المدينة؛ محمد بن علي بن أبي طالب (محمد بن الحنفية) وسليمان بن يسار وسعيد بن المسيب.. ومن أهل مكة عبيد بن عمير بن قتادة الليثي.. ومن الطبقة الثانية من الحلقة الثانية من أهل المدينة عروة بن الزبير والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (زين العابدين) وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وبسر بن سعيد مولى الحضرميين وعكرمة مولى عبد الله بن عباس وزياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة القرشي.. ومن أهل مكة من نفس طبقتهم مجاهد بن جبر يكنى أبا الحجاج وعطاء بن أبي رباح وعبد الله بن عبيد بن عمير.. ومن اليمن طاوس بن كيسان ووهب بن منبه والمغيرة بن حكيم الصنعاني والحكم بن أبان العدني أبو عيسى وضرغام بن وائل الحضرمي.. ومن الطبقة الثالثة (الحلقة الثانية) من أهل المدينة علي بن عبد الله بن عباس وأبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز.. ومن أهل مكة من نفس طبقتهم عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ومحمد بن طارق المكي وعثمان بن أبي دهرش المكي ووهيب بن الورد بن أبي الورد.. ومن الطبقة الرابعة (الحلقة الثانية) من أهل المدينة محمد بن مسلم بن شهاب الزهري المكنى أبا بكر ومحمد بن المكندر وعمر بن المكندر وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وعبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان وأبو حازم سليم بن دينار الأعرج.. ومن أهل مكة من نفس طبقتهم عبد العزيز بن أبي رواد مولى المغيرة بن المهلب وزمعة بن صالح المكي ومن الطبقة الخامسة (الحلقة الثانية) من أهل المدينة جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ومحمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب ومصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير أبو عبد الله القرشي.. ومن أهل مكة من نفس طبقتهم سفيان بن عيينة بن أبي عمران يكنى أبا محمد والفضيل بن عياض التميمي وعلي بن الفضيل بن عياض ومحمد بن إدريس الإمام الشافعي.. ومن الطبقة السادسة (الحلقة الثانية) من أهل المدينة مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي الإمام رحمه الله ويستثنى منهم هذا الإمام لأن جيله توقف بتأليفه للموطأ فلا نحسبه إلا حلقة قد انقطعت بانقطاع الصلة بالرواية لأنه قد كتب موطأه بطريق الرواية ولم يكتبه متأخرا كما هو الشأن عند البخاري ومسلم وغيرهما، وبذلك استثنيناه، ولا يعني ذلك أن مؤطأه غير صحيح، كلا، ولا يعني أن كتابه من غير الصحاح، كلا، فكتابه أيضا من الصحاح، ولكن للأمر بعد لا بد من متابعته حتى الوقوف عند تاريخ كتابة الحديث الشريف وتدوينه من طرف أئمة الحديث رحمة الله عليهم، ومن الطبقة السابعة (الحلقة الثانية) من أهل المدينة عبد الله بن عبد العزيز العمري ويكنى أبا عبد الرحمن وموسى الكاظم بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.. ومن تابعي التابعين من الحلقة الثالثة (الطبقة الثامنة) ممن جاء بعد هذه الطبقات حسب تصنيف ابن الجوزي: أبو غياث المكي مولى جعفر بن محمد وأبو جعفر المزين الكبير وأبو الحسن علي بن محمد المزين الصغير وأبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني وأبو ساسان حصين بن المنذر وقيس بن أبي حازم وقيس بن عباد وغيرهم، وهكذا إلى أن كتبت الكتب المذكورة في عهد من كتبوها ممن تنسب إليهم، ويجدر بنا التوقف عند مالك بن أنس، فمالك قد كان من التابعين وكتب كتابه في الحديث بطريق الرواية وهو موطأ الإمام مالك. وإذا أردنا تفصيل الأجيال التي نقلت إلينا الحديث بشكل متصل غير منقطع كحلقات في سلسلة يمكن تقسيم ذلك إلى أجيال، فجيل الصحابة؛ الجيل الأول، حلقة غير جيل التابعين؛ الحلقة الثانية، لأن الصحابة هم من رووا عن رسول الله ، بينما التابعون لم يرَوْا النبي ولم يصاحبوه حتى يكونوا منهم وحتى يرووا عنه، فمن روى عن الصحابي هو التابعي، وجيلهم حلقة لا تنتهي إلا عند وفاة الصحابة كلهم وقد عمَّر الصحابي الجليل أنس بن مالك وتوفي عام 93 هـ بمدينة البصرة، ولكن آخرهم كان الطفيل بن وائلة الليثي وقد عمّر إلى بداية القرن الثاني الهجري بحيث توفي سنة 100 هـ وقيل سنة: 110 هـ بمكة المكرمة. يروي التابعي الحديث سماعا من الصحابي حتى غيابه من حياته، وحين أقول أن جيل التابعي لا ينتهي إلا عند وفاة آخر صحابي لا يعني ذلك عدم انقطاع الأجيال ولكن بحسب الزمان والمكان الذي يحكم ذوات الرواة، فمن لم يكن حاضرا بلد آخر الصحابة أو بعض من أواخر الصحابة فإنه سيروي الحديث لا شك ولكن من غير الصحابي، بل من التابعي وذلك مشروع لأن ديناميكية الحياة قضت بتقسيم ذلك إلى ما انتهينا إليه وهو طبيعي يجب الوعي عليه، وجيل تابعي التابعين جيل في حلقة ثالثة لا تنقطع فيه الصلة بالتابعين ولكنها منقطعة قطعا بجيل الصحابة، ويستمر جيلهم ما دام هناك تابعي، أي ما دام هناك من روى عن صحابيي رسول الله من التابعين إلى وفاة آخر من رأى الصحابي وروى عنه وينطبق ما ذهبنا إليه على هذا الجيل، وعلى الذي يليه أيضا، فيكون من أتى بعد الجيل الثالث، بعد تابعي التابعين جيل آخر وهو حلقة يأخذ نفس المواصفات التي أخذتها جميع الأجيال قبله بشرط الأخذ الذي هو الارتباط بمن يروي عنه حتى انقضاء جيلهم، وهكذا حتى الوقوف عند تدوين الحديث، وإذا كان منهم من كتب الحديث في عصره نسقطه من الجيل لأن جيل الكتبة جيل رابع لم يتتبع الحديث إلا من أجل كتابته وتدوينه، بينما غيرهم رووا للحفظ من أجل أن يهيئ الله للسنة من يكتبها كما كتب بعض منها في حياة النبي ، ويجدر القول أن العرب قد كانوا قبل البعثة بمائة وخمسين سنة، وبعدها حتى عصر تدوين الحديث من أذكى الأمم من حيث الحفظ، فلم يثبت في التاريخ أن قوما أو شعبا أو أمّة بزّتهم ملكة الحفظ قبلهم ولا بعدهم حتى إن تاريخهم وحضارتهم التي هي مفاهيمهم عن الحياة من مثل كرمهم وأنَفَتهم وإيجارهم ونجدتهم واستقلالهم وحريتهم وشجاعتهم وقَبَليتهم.. قد كانت محمولة في صدورهم، يتناقلون أخبارها رواية، فقد كانوا أكثر من أشرطة بحق، وأكثر من حواسيب بصدق ولا غرابة ففيهم ظهر الحُفّاظ وهم أعجوبة الزمان، حتى إن الشاعر منهم كان يتخذ لنفسه راوية يحفظ عنه الشعر ليرويه، فقد أراد الله تعالى أن يبعث رسولا أميا في وسط الأميين ينذر فيهم الكَتَبَة وفي الصحراء وهم شبه معزولين عن الشعوب والأمم الأخرى لم تفسد عقولهم فلسفات سخيفة، ولا عقائد تافهة إلا ما كان من الشرك الوثني منهم الذي استورده أحد زعمائهم من الشام، فقد كانوا حنفيين على دين إبراهيم، ومع وثنيتهم تلك كانوا يوقنون بالله تعالى ولكن يجعلون معه شريكا، فجاءت البعثة وتم حفظ الوحي في الصدور دون أدنى حرج، بل وبفخر لأنهم أهل حفظ ورواية. وللعلم فإن الحديث كُتب ودُوِّن في عهد رسول الله وبأمر منه، وحين أقول كُتب ودُوِّن لا يعني أنه قد كتب ودُوِّن جميعه، لا، وإنما كتب بعض منه ودُوِّن في حياة رسول الله ، ولكن نظرا لاطمئنان الصحابة على حفظهم لسنة النبي لم يخشوا على ضياعها، وكانوا قد نهوا من النبي عن كتابة الحديث كما عند مسلم عن أبي سعيد الخدري: ((لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فيلمحه)) خشية أن يختلط بالقرآن كما قال ابن حجر العسقلاني: ((اعلم علمني الله وإياك أن آثار النبي لم تكن في عصر أصحابه مدوّنة في الجوامع ولا مرتبة لأمرين: أحدهما إنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم. وثانيهما: لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة)). ولم ينه النبي عبد الله بن عمرو بن العاص عن كتابة حديثه، بل أمره بالكتابة وفي ذلك تعارض بين أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم وهو معروف في بحوث أصول الفقه في باب التعارض الذي عند فقهه لا يظهر أنه تعارض، بل هو توافق وسنتطرق إليه بإذن الله تعالى، كما أن التدوين الحقيقي بقواعده لم يبدأ إلا في الطبقات الأخيرة للتابعين، وأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهما، وأما التدوين الخالي إلا من حديث النبي فلم يبدأ إلا على رأس المائتين من السنة الهجرية، وما سبقها كان لا يخلوا من أقوال للصحابة وللتابعين ولتابعي التابعين كما فعل الإمام مالك في موطئه بحيث جمع فيه أحكاما وأقوالا للصحابة وللتابعين، وتبع نفس طريقة التصنيف أبو عمر وعبد الرحمن بن عمر الأوزاعي بالشام وأبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بمكة، وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة، وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة، ثم تلاهم من أهل عصرهم كثير ونسجوا على منوالهم، وهكذا استمر الأمر إلى رأس المائتين من السنة الهجرية فبدأ تصنيف من نوع جديد صفا لحديث رسول الله بحيث أفردوه فلم يدخل معه قول لصحابي ولا آخر لتابعي أو تابعي التابعي فجاءت مصنفات غاية في الدقة، مستقيمة على طريقة الثبوت الوحيدة في صحتها ومصداقيتها وهي الرواية، فكان منها مسند عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي، ومسند مسدد بن مسرهد البصري، ومسند أسد بن موسى الأموي، ومسند نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر، ثم اقتفى أثرهم الأئمة فقلّ إمام من الحُفّاظ إلا وصنَّف حديثه على المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل الذي كان يحفظ مليون حديث لرسول الله وإسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم. ولكنهم عند انتشار الكذب وشيوع الفتنة وظهور البدعة شرعوا يطلبون ممن يروي عن رسول الله أن يسمي رجاله، أي سنده في روايته عن رسول الله ، وقد أخرج الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين قال ((لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سمّوا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم)).. والكتابة والتدوين لعلم الحديث روايةً حصل في حياة النبي كما تقدم، ويعنون بعلم الحديث روايةً؛ نقل أقوال النبي وأفعاله وتقاريره وصفاته وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها وحفظ الحديث سندا ومتنا، فقها واعتقادا، ودرايةً بعد وفاته بفترة وجيزة جدا لا تتجاوز 30 سنة، ويعنون بعلم الحديث درايةً؛ حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وأحكامها وأصناف المرويات وما يتعلق بها وحال الرواة وشروطهم والتمييز بين الصحيح والضعيف وتقييم رجال الإسناد جرحا وتعديلا وتمييز ما به من علل أو شذوذ في المتن. فقد روى الإمام أحمد في مسنده من أحاديث المصطفى (6474) حديثا، وأبو داود في سننه (3646) حديثا، والدارمي في سننه (484) حديثا. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ((كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول الله فقال: اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق))، وهذا مصداق قوله تعالى: ((وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4))) النجم. إن التعارض بين أقوال النبي لا يقع إلا في حالات النسخ وما عداها لا يكون إلا كما يلي: ـ إما أن يكون التعارض في باب التعادل والتراجيح. ـ وإما أن يكون في باب التوفيق. ومعنى ذلك أنه لا تعارض بين أقواله ، وإنما هو اشتباه يجب إزالته بخوض البحث على أتم وجه حتى يتبين التوفيق وذلك من خلال التدقيق في القولين لبيان ظروفهما وأحوالهما ليرفع الاشتباه فيظهر عدم التعارض، فالناظر في نهي النبي عن كتابة حديثه يجد أن أمره واقع في النهي، والنهي ما لم تكن هناك قرينة تصرفه إلى الحرام يحمل على الكراهة، وهناك رأي فقهي يعتبر مجرد النهي واقعا في الحرام ولا يصرفه عن الحرام إلى الكراهة إلا القرينة، ونحن نتبنى الرأي الأول في الأمر والنهي، والأمر ما لم تكن هناك قرينة تصرفه إلى الواجب يحمل على الندب، ونهي النبي عن كتابة حديثه كما بيّن العلماء كان في ظروف وأحوال يخشى معها خلط القرآن بالسنة، وأمره بالكتابة كان في نفس ظروف وأحوال الخشية من الخلط ولكن مع ذلك أمر بكتابة حديثه، وعند النظر إلى أمره بالكتابة نجد أنه قد كان لرجل حافظ راجح العقل لا يخشى عليه عند كتابته للاثنين معا للقرآن والسنة؛ أن يخلط بينهما، ولا يقال أن ذلك خاص بالصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص، لا يقال ذلك، بل هو لكل من كانت أحواله وظروفه مانعة للخلط بين القرآن والسنة. وأما التعديل فيقال إذا كان هناك تعارض بين الأدلة دون أن يظهر لدليل مزية على آخر. وأما الترجيح فيقال إذا كان هناك تعارض بين الأدلة وكان لدليل مزية على آخر. وباختصار فإن التعادل لا يقع بين الدليلين القطعيين، ولا يقع بين الدليلين القطعي والظني، ولا يقع بين الدليلين الظنيين، والنتيجة أنه لا تعادل بين جميع الأدلة سواء كانت ظنية أو قطعية، وما يظهر من إمكانية حصول التعادل بين الأدلة الظنية يظهر من خلال القياس المنطقي، أي لا يمتنع مثلا أن يخبر عدل عن وجود شيء ويخبر عدل آخر عن عدم وجود ذلك الشيء، هذا ممكن ولكنه لم يحصل في تشريعنا الراقي لأنه إن حصل دل على تساوي خبر الوجود وخبر العدم في جميع الأحوال والظروف والأوضاع وهذا محال إلا في النسخ، والنسخ ليس تعادلا، بل هو إبطال حكم بحكم آخر، وإذا تعادل الدليلان لزم للمجتهد العمل بهما معا لأنهما دليلين شرعيين ثابتين، أو لزمه تركهما معا، أو لزمه العمل بأحدهما ولا يوجد غير هذا، فإذا عمل المجتهد بكلا الدليلين عمل بمتناقضين ومتنافيين وهذا لا يستقيم أبدا، وإذا عمل بأحدهما وعيّناه له كان ذلك تحكما وقولا في الدين بالتشهّي، وإذا نحن خيّرناه كان ذلك ترجيحا لأمارة على أخرى، أي ترجيح أمارة الإباحة على أمارة الحرمة وهذا باطل، وإذا لم يعمل بواحد من الأدلة لم يكن للشرع معنى، إذ كيف ينصِّب الشرع دليلا لا يعمل به؟ لا يكون ذلك أبدا لأنه يجعل من نصب الشرع للأدلة نصبا عبثيا وهذا محال على الله تعالى. والنتيحة أنه لا تعارض بين الأدلة مطلقا، ويبقى الترجيح. والترجيح هو التمييل لغة، وعند الأصوليين تقوية دليل على آخر وهذا جائز في الأدلة الظنية ولا يجوز في الأدلة القطعية، وبحثه واسع والأمثلة عليه كثيرة آخد منها مثالا واحدا جاء عند أحمد عن سعيد الخدري: ((إنما الماء من الماء)) وعنده أيضا عن عائشة: ((إذا التقى الختانان وجب الغسل))، فكان هذا الأخير مرجح على المتقدم لكون السيدة عائشة رضي الله عنها أولى من سعيد الخدري لأنها زوج النبي وأدرى منه بمثل هذه الأحوال وقد رجح الصحابة رضي الله عنهم قولها، وليس من التمييل أو الترجيح وجود حديث يذكر مثلا قتل أبا جهل في غزوة بدر من طرف شابين اثنين كما في البخاري، ووجود حديث آخر يذكر قتله من طرف غيرهما في مسلم، هذا ليس من قبيل الترجيح، وليس هو من قبيل التعارض غير الكائن مطلقا في القرآن والسنة الشريفة، بل هو من قبيل التحقيق فالحديث الأول صحيح، والحديث الثاني صحيح ولا تناقض بينهما ولا تعارض يبقى عند التحقيق الوصول إلى أن الحديث الأول يصور واقع قتل الطاغية أبا جهل في حال ولكن عند وصول الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله قال إنه لم يمت بعد إنه لا يزال يحتضر فنهض أحد الصحابة ولعله ابن مسعود وحمل سيفه وذهب إلى مكان المعركة وشرع يبحث عنه بين القتلى إلى أن وجده على نفس الحال التي قالها النبي عند توصله بخبر موته فأجهز عليه، وهذا حال آخر، وشأن تحقيقي لمعرفة المتقدم من المتأخر، وحال هذا مع حال غيره يحتاج إلى أهل الحديث، فلِمَ يتسرع المغرضون والمنافقون من الشيعة ومن غير الشيعة في التقَوُّل على سنة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم للنيل منها وهيهات هيهات؟.. بهذا المنهاج نسلك إلى دراسة الحديث من حيث مضمونه وليس من حيث ثبوته المتواتر أو الآحاد، نسلك إلى الحديث بغير علم الرواية، بل بعلم الدراية وبجزء منها هو المضمون، ومضمون الحديث هو معناه ويقع في علم الدراية وحرصنا نحن في دراستنا هذه فقط على ما يتضمن التعارض مع النص القطعي، وتعارض النص الظني مع الظني. وعند وقوفنا على رواية أو أكثر تتضمن معنى يتناقض (يتعارض) مع النص القطعي يضطرنا نفس النص القطعي من القرآن الكريم خاصة إلى اللجوء إلى قانون له موجود فيه قد وضعه للتعامل مع نص ظني يتناقض مع نص قطعي، فكان القانون الأساسي للتعامل مع النص الظني؛ الارتكاز على النص القطعي بخصوصه، فمن جهة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم قد ورد في حقهم نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة تنص على عدالتهم وضبطهم وتصرفهم في إجماعهم وتصرفهم فرادى، فكان الدليل على عدالتهم وضبطهم قانونا يضطرنا لاستعماله للتعامل مع نص منسوب إليهم أو إلى أحد منهم وهو يتناقض مع القرآن. معلوم أن الحديث الظني قد تم تجويز العمل بمضمونه، وتم تحريم الاعتقاد به في العقيدة لأن الله تعالى في القرآن الكريم نهى عن الاعتقاد في الظن، ولكن منزلته في التصديق أعلى من منزلة التكذيب فهو أرقى في سلم الصدق غير أنه لم يصل إلى العقيدة، لم يصل إلى القطع واليقين في الثبوت، أضف إلى ذلك اختلاف اللفظ وتجويز ذلك من طرف الصحابة في عصرهم والعلماء على مر العصور فكان جيل الصحابة أرقى من جيل التابعين وتابعي التابعين، بل هو الجيل الذي يجب أن نتقيد به عقلا وشرعا فيما نقل إلينا عن رسول الله ، فهم الذين صاحبوه في جميع المواطن، فمن لم يصاحبه في غزوة مثلا كعلي بن أبي طالب في غزوة تبوك انعدمت روايته عنه في تلك الأيام والليالي والأسابيع، وإذا روى عن غزة تبوك روى نقلا عمن كان مع رسول الله في الموطن الذي غاب عنه هو وهذا يحتم الأخذ من جميع الصحابة دون استثناء حتى النساء منهم نقلن إلينا ما يتعذر إن لم يستحل نقله إلا منهن عن حياة النبي الخاصة، وكان جيل التابعين أرقى من جيل تابعي التابعين إلى أن دُوِّن الحديث، وهذا لوحده كاف لوضع إصبعنا على القانون الذي يجب أن نتعامل به مع الحديث الظني الذي يتناقض مع الآية القطعية بحيث لا نلتفت إلا إلى التابعين وتابعي التابعين في الجرح والتعديل والتصديق والتكذيب ونترك الصحابي ليس لأنه معصوم، كلا، ولكن لأن القرآن الكريم قد حصّنهم من الجرح ونزّههم عن الكذب فكان الخطأ من أحدهم خطأ لا نستطيع إثباته إلا بالرواية المتواترة، أما بالرواية غير المتواترة فلا نستطيع وذلك لعمري منتهى التبجيل لمن نقلوا إلينا ديننا، فالصحابي رجل يخطئ فعلا ولكننا لا نعرف خطأه إلا ظنا، أما قطعا فلا يتأتّى إلا بنص قطعي من القرآن الكريم أو السنة المتواترة، ويبقى غيره من التابعين وتابعي التابعين وهم من يتوجه إليهم بالجرح والتعديل مع الاحترام التام لهم والتبجيل لعظمة عملهم في خدمة الحديث، ومن هنا، هنا بالذات وجب ترك الصحابة في منزلتهم التي منحها لهم الله تعالى، ووجب عدم تجريحهم والطعن فيهم، ووجب الإقرار بكونهم دليلا شرعيا في إجماعهم رضي الله عنهم وقد قام الدليل القطعي من القرآن الكريم على كون إجماعهم دليلا شرعيا، وفي ثقافة الإسلام شيئ اسمه مذهب الصحابي وهو مذهب معتبر جدا لعلاقة الصحابي بالنبي . صحيح أن الصحابي بمفرده والصحابي بجماعته يجوز عليهم الخطأ، فهم عقلا غير معصومين فكذلك إجماعهم بادي الرأي (أي اتفاقهم)، هذا واضح ولكن رويدك حضرة القارئ المحترم، فإجماع الصحابة معصوم عن الخطأ، لأن إجماعهم قد قام الدليل الشرعي عليه وقام الدليل العقلي عليه أيضا، فالدليل الشرعي كثرة الآيات القطعية الدلالة التي تثني عليهم وتمدحهم وتشهد على عدم تبديلهم لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعظمها آية حفظ القرآن من قبل الله عز وجل، فهي تفيد أن القرآن محفوظ من الله تعالى ولكن الذين نقلوه إلينا هم الذين سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الذين كتبوه له بين يديه وهم الذين نقلوه إلينا كما أنزل فكانت الآية دالة على حفظ القرآن بأيديهم لأن الله تعالى سخرهم لحفظ كتابه ونقله بأمانة تامة، وهذا الذي حفظوه ونقلوه إلينا هو هو الذي كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم دون زيادة أو نقصان فكان ذلك دليلا شرعيا لأن إجماع الصحابة على أن الذي بين أيدينا هو كتاب الله يقطع بأنه هو هو، فكان إجماعهم (اتفاقهم) دليلا شرعيا لا يجوز عليه الخطأ وإن كان يجوز عليهم الخطأ عقلا كما أسلفنا، يجوز عليهم فرادى وجماعات ومجمعين على أمر غير أن الأمر ليس كذلك، ذلك أن إجماعهم عقلا لا يجوز عليه الخطأ فكيف ذلك؟ إن العقل البشري ناقص عاجز محتاج مما يوقعه في الخطأ سواء كان العقل في رأس فرد أو قلبه وهو بطبيعة الحال في قلبه بنص القرآن الكريم، أو كان في رأس المجمعين على أمر ما ولكن بالنظر إلى هذا الذي بين أيدينا والذي يراد دراسته لمعرفة يقينيته والذي هو كتاب الله تعالى يتضمن اللفظ والمعنى، فكان اللفظ والمعنى هو القرآن وغيره من غير اللفظ العربي ليس قرآنا، واللفظ والمعنى مجتمعين يعطينا مبنى خاصا ومعنى خاصا، يعطينا مبنى معجزا، ومعنى معجزا، والعقل البشري يستحيل أن ينقل إلينا كتاب الله تعالى دون أن ينقص منه أو يزد عليه ولكن وبالرغم من هذه التهمة الرخيصة التي يذهب إليها الشيعة المنافقون يتبين بما يقطع باليقين أن هذا الكتاب من حيث بناءه الأسلوبي في تأليفه ونظمه يستحيل أن تزيد فيه أو تنقص منه حرفا واحدا، فمبناه معجز كما قلت، وأن معناه ليس بشريا ويستحيل أن يكون بشريا، وأن ما فيه من أخبار غيبية عن نشأة الكون مثلا وعن مراحل تطور الجنين في رحم أمه وغيرهما لا يمكن للناس أن يأتوا بها قبل اكتشاف وسائل الرصد بالأشعة، وما فيه من إشراقات علمية ظهرت لنا نحن في عصر العلم التجريبي تقطع باستحالة أن يعرف أحد ذلك بما في الآحاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان هذا الكتاب بهذه الحمولة التي تأبى النقص والزيادة دالة على أن من نقلوه إلينا أمناء والأمين لهذا الكتاب الحافظ له من فيه رسول الله والكاتب له من فيه رسول الله رسول في النقل والحفظ فدل ما بين أيدينا عقلا على أن إجماعهم دليل شرعي فكان إجماع الصحابة دليل شرعي عقلا وشرعا، وكان تجويز الخطأ على إجماع الصحابة يعني تجويز الخطأ على ما نقلوه إلينا والحديث هنا عن كتاب الله تعالى وهذا يتناقض مع قوله تعالى في حفظ كتابه، ويتناقض مع واقع هذا الكتاب المعجز الذي يتحدى منذ نزل على قلب النبي الأمين ولم يزل، فكيف حصل ذلك لولا أن إجماعهم معصوم عن الخطأ عقلا؟ كيف حصل ذلك لولا أن إجماعهم معصوم عن الخطأ شرعا؟ ولا بأس من الخوض في نماذج من تلك الأحاديث على لسان نفس الكتب الصحاح التي لا يوجد غيرها أصح منها غير كتاب الله تعالى، وكونها كذلك؛ يشفع لها لأنها الأرقى، ولأنها الحاضنة لعلم الحديث، يبقى فقهه ومعرفته ومدارسته وإزالة الأفهام الخاطئة عنه. نبدأ بحديث متواتر قطعي الثبوت ولكنه في دلالته ظني الدلالة، فقد ورد في الأزهار المتناثرة من الأحاديث المتواترة قوله: ((وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أن رسول الله قال قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء)). القدر يحدده اللفظ الذي يليه فيكون المقصود بالقدر المسافة، والمسافة بين أيلة من فلسطين، وصنعاء من اليمن تقدر وتحسب بالأمتار والكيلومترات والأميال وهي قريبة نسبيا على شساعتها فالجزيرة العربية بلاد شاسعة واسعة وصنعاء منها تطل على خليج عدن، فيكون قدر حوض النبي في الجنة هو نفس قدر المسافة بين أيلة وصنعاء، وبالنظر إلى مائه لا يناقش موضوع حجم المياه المباركة من الأمتار المكعبة، فللحوض قاع ولا يمكن تصور قاعه، كما أنه يمكن أن لا يكون له قاع ومع ذلك يسع المياه الكافية، كما يمكن القول أن المياه لا تخضع لما تخضع له المياه في دنيانا، فقد يغترف منها، ثم تعود كما كانت، لا أبغي مناقشة مثل هذه الأمور لأنها غيبية لا يقع عليها الحس أو يقع على أثرها حتى تتم بواسطته العملية العقلية التي تنتج الفكر وتعطي الحكم، بل أناقش شيئا آخر أخضعه للمقارنة المعقولة في غياب المقارَن، في غياب مقارنة ذلك في الواقع، نكتفي برؤيته من الممكن، ثم إدخاله علم المقارنات وفن المقارنات. يأتي بعد قوله : ((قدر حوضي.. وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء)). ((إن فيه من الأباريق))، فيه ضمير يعود على الحوض، والحوض مجتمع المياه، والأباريق التي فيه تحتاج إلى تصور سليم لغة بحرف "في"، فأين تقع الأباريق؟ هل تقع فوق الحوض ليكون حرف "في" بمعنى على وهو جائز لغة؟ هل توجد في الحوض بحيث يتناولها النبي بيده الشريفة ويناولها أصحابها وهو جائز أيضا؟ لنتجاوز ذلك إلى عدد الأباريق التي قدرها النبي بعدد نجوم السماء. إن عدد نجوم السماء يقدر مع اختلاف العلماء في التقدير، ولكن اليقين أن أعدادها بالبلايين في الكون المرئي لنا، وأن الكون غير المرئي يحوي نجوما أيضا وكل ذلك يقع في سماء واحدة هي السماء الدنيا لأنها هي التي تضيء بالمصابيح التي هي النجوم، وإذا أخذنا المسافة من أيلة إلى صنعاء وحسبناها بعدد كل حبة رمل أو هباءة فهل نصل إلى عدد نجوم السماء أم لن نصل؟، فهل نعتبر الحديث مخالفا للعقل والواقع، ثم نتنكر له؟ كلا، وإذا كانت حبيبات الرمل من أيلة إلى صنعاء هي عدد نجوم السماء كان الحديث معجزة علمية، فالحديث قطعي الثبوت ظني الدلالة علينا أن نبحث عن عدة دلالات لعلنا نصل إلى إحداها تكون مقنعة للعقل. ومن الدلالات الظنية التي للحديث دلالة أن عدد الأباريق بعدد نجوم السماء يقضي أن يكون عدد البشر فوق عدد النجوم لأن الشرب من الحوض هو للمحظوظين فقط من المؤمنين وهم عدد وغيرهم من الأشقياء عدد فيكون عدد البشر أكبر وأكثر من عدد نجوم السماء، وفي ذلك إشارة إلى أن حياة البشر على كوكب الأرض أو في هذا الكون ستطول ببلايين السنوات لتوافق العدد المذكور هذا إذا قدرنا أن لكل واحد إبريقا خاصا به، وقد يفهم أنه عدد يستعمل ويستعمل إلى أن ينقضي، ثم يكون غيرها من الأباريق.. ومن الدلات الظنية أيضا أن النبي سيسقي بيده الشريفة أهل الحوض والحديث به عدد من الأباريق والسقاية لا تكون إلا بإبريق واحد وحتى إن تعددت الأباريق فلن تتجاوز الاثنين لأن النبي صاحب يدين لأنه بشر فيكون معنى الحديث أن الناس ستستقي من حوض النبي وهذا هو المنسجم مع الحديث لغة ومعنى ولكن غيرهم من الأشقياء كما مر معنا يكثِّر أعداد البشر فتصور معي حضرة القارئ المحترم هذا الاختلاف في التصور، فهل نناقش مثل هذه الأمور؟ وإذا ناقشناها فأي نتيجة سنصل إليها؟ هل نصل إلى نتيجة قطعية؟ الجواب كلا، وعليه فما كانت دلالته ظنية هو لنا عند فهمه، وإذا لم نفهمه يكون لغيرنا ممن يأتون بعدنا، وإذا لم يفهموه إلى أن تقوم الساعة يكون ذلك غيب وهو غيب بطبيعة الحال مناقشته مضيعة للوقت، وقد تؤدي إلى الانحراف وربما الضلال. لنذهب إلى اعتبار المسافة وحسابها بالمكرومتر المربع فلن نصل إلى العدد المطمئن لأن عدد نجوم السماء أكثر بكثير من المسافة بين أيلة وصنعاء بالحساب المكروميتري، فهل نشكك في الحديث؟ كلا، لأن الحديث قطعي الثبوت فهو عقيدة ولكنه ظني الدلالة، ودلالته إما أن تكون مدركة من قبلنا، أو تكون مدركة من قبل غيرنا ممن سيأتون بعدنا. لنذهب إلى دلالة أخرى وهي حساب المسافة حسابا ذريا بعدد ثرى الأرض من أيلة إلى صنعاء، والحساب التكثيري هو الحساب بالمتر المربع والمكرومتر المربع ونقول بالميكروذري المربع.. فهل نصل إلى عدد نجوم السماء علما بأن الأمر بات صوابا أو يكاد، بات تقريبيا أكثر أو يكاد. هل بقيت دلالاة أخرى نذهب إليها؟ لنرى. الدلالات المذكورة لم نحسم بعد في شأنها، وعليه لا مجال للطعن في الحديث لأنه كما قلت قطعي الثبوت ظني الدلالة، والدلالة الظنية مجال مفتوح لعدة احتمالات، كما أنها من حيث التفكير منشطة للذهن تفتح له آفاقا كثيرة، كيف لنا أن نحسب الحساب الذري لنصل إلى المقارنة دلاليا بينها وبين عدد نجوم السماء؟ بل كيف يمكننا أن نحدد عدد نجوم السماء لنقارن بها المسافة ذريا بين أيلة وصنعاء؟ وهل في حساب المسافة بين أيلة وصنعاء بحساب ذري يعطينا رقما صحيحا عن عدد نجوم السماء ليكون بذلك إعجازا علميا؟ ربما. المجال لا يزال مفتوحا لاستنباط دلالات أخرى، وقد يقول قائل بأن المسافة يجب أن تؤخذ من أيلة إلى صنعاء بطولها وعرضها وعمقها لأن الحوض لا بد له من طول وعرض، ولا بد له من قاع وسطح لأنه مجتمع المياه وقاعه لم لا يكون قدر سمك الأرض إلى نهايتها من الجهة الأخرى وعندها يتم الحساب؟ لا يزال في جعبتي كثير من الاحتمالات أكتفي بما ذكر لنعلم أن الحديث الظني الدلالة حديث موجه لعقل الإنسان حتى يفكر فيما يقع عليه الحس، وفيما لا يفسد عقيدته السليمة والسمحة. لنأخذ حديثا آخر من المتواتر وهو قوله : ((الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء)). هذا الحديث يتحدث عن الحمى ويعتبرها فيحا من فيح جهنم ويطالب بإبرادها بالماء. الحمى حال عرضية تصيب جسم الإنسان جرّاء مرض ألم به، أو هي حالة من حالات الجسم تدل على التهاب حاصل فيه، ترتفع درجة حرارة الجسم كردة فعل لتدرّ العرق إذا كان الجسم سليما، فهي ترموستات للجسم، وتأتي أيضا دالة على المرض، ولكن درجة الحرارة لكي تكون مرضية يجب أن تتعدى 38 درجة مئوية كأن تصل إلى 39 أو 40 أو 41 درجة مئوية، فإذا وصلت إلى ذلك دخل الإنسان في الحمى، ثم الهذيان والإغماء الحراري، وإذا زادت فقد وعيه وشُلّ، وزيادتها لكي يفقد وعيه لا تصل إلى 50 درجة مثلا لأنها مستحيلة في جسم الإنسان والسبب أن الحرارة كلما ارتفعت أثرت على الجسم إلى درجة القضاء على الحياة فيه دون الخمسين درجة، وفوق41 درجة مئوية، صحيح أن جسمه قادر على تحمل ما فوق الخمسين درجة مئوية ولكن في الجو المحيط به وليس داخل جسمه وقد سجلت قدرة تحمل الحرارة في الحمامات البخارية فكانت 111 درجة مئوية، ووصل أحدهم إلى 112 درجة مئوية، والسؤال هو: إذا كانت الحمى فيحا من فيح جهنم فهي بسيطة للغاية، بل إن فيح الشمس وأي نجم في السماء يفوقها، فهل نار جهنم أشد حرا من الشمس والنجوم أم لا؟ بالطبع نعم، ولكن الحديث لا يدل على ذلك، فما موقفنا من الحديث القطعي الثبوت؟ موقفنا منه أنه ظني الدلالة، ودلالته قد تكون مدركة وربما لا تكون، وعليه يجب الوقوف عند حدود الإدراك مع عدم التحجير على العقل أو منعه من البحث ولكن شرط أن يبحث العقل فيما يقع عليه الحس أو يقع على أثره حتى ينتج فكرا ورأيا وموقفا.. وإذا لم يكن كذلك أنتج الترهات. هذان نموذجان من البحث والمقارنة لا إشكال فيهما لأن الثبوت مانع للإشكال، ولكن هناك أحاديث ظنية الثبوت بصرف النظر عن دلالة بعضها القطعية، نناقش الحديث القطعي الدلالة وهو ظني الثبوت فيما ورد في الأحاديث الصحيحة وخصوصا عند المغرضين الذين ينفذون منها إلى عقول المسلمين ليفسدوها ويقولوا عنها أن رواياتها محرفة لا ليبدوا لهم الصواب من الخطأ وليبذلوا لهم النصيحة. لنأخذ حديثا مرويا عن المصونة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ((أنّ سورة الأحزاب كانت تقرأ في زمان النبي في مائتي آية، فلم نقدر منها إلاّ على ما هو الآن)) (الإتقان 3 : 82، تفسير القرطبي 14 : 113، مناهل العرفان 1 : 273، الدرّ المنثور 6 : 56 ـ وفي لفظ الراغب: مائة آية ـ محاضرات الراغب 2 : 4 / 434)). كيف نخوض في هذا الحديث؟ كيف ننصح المسلمين الذين يتقبلون النصيحة رغم بُعْد الشُّقّة بين كثير منهم وبين ذوي الاختصاص في علم الحديث من غير المُغْرضين؟ لم يلتحق الرسول الأكرم بالرفيق الأعلى إلا والقرآن الكريم محفوظ في صدور الرجال مكتوب قد كتبه له كله كَتَبَة الوحي بين يديه في عسب النخل واللخاف والحجارة الرقيقة والأكتاف والعظام والرقاع، وما كتبه الكَتَبَة لرسول الله قد تم جمعه في صحف، جمع أبو بكر نفس ما كتب بين يدي رسول الله لأنه كان متفرقا في عدة أمكنة وكونه كذلك لأن النبي كان يوحى إليه حيث ما وجد، يوحى إليه في السفر والإقامة، يوحى إليه في الحرب والسلم.. وما جمْعُ أبي بكر إلا جمعا للرقاع والعظام والأكتاف وغيرها مما كتب فيه الوحي بين يدي رسول الله، جمعها أبو بكر في مكان واحد، وكان زيد المكلف بجمعه لا يجمعه من الحفاظ، بل كان جمعه له جمعا لما كتب بين يدي رسول الله ، وكان لا يضع صحيفة (أي رقعة أو عظما أو حجارة رقيقة أو عسبا للنخل مكتوب عليها قرآن) في مكان واحد مع صحيفة أخرى ليجمعها إلا بعد أن يشهد على الصحيفة التي تعرض عليه شاهدان علما بأن القرآن الذي كتب بين يدي الرسول الأكرم قد كان معه كله وهو الذي كان يَعْرض عليه ما يأتي به الصحابة إمعانا في التحوُّط، وزيادة في التوثيق ويُشْهِد على ذلك شاهدان علما بأنه قد كان حافظا للقرآن كله، والشاهدان يقدمان ما لديهما مما كتباه من غير الذي كتب بين يدي رسول الله ويشهدان بحفظهما له وبما كتب من قبلهما لأن القرآن كان يكتب بين يدي رسول الله وكان لا يمانع غير كتبته من كتابته، وكل ذلك زيادة في التحوّط، فجمع أبو بكر جميع ما كُتب بين يدي النبي في الألواح والعسب واللخاف والأكتاف والعظام في مكان واحد، وكلف زيدا بجمعها بين دفتي كتاب؛ بجمعها في مصحف، وحين توفي انتقلت الصحف إلى يد عمر عند ولايته، ثم إلى حفصة أم المؤمنين بعد استشهاده، ثم استنسخه في سبعة مصاحف عثمان بن عفان أرسلها إلى مكة والشام واليمن والبحرين والبصرة والكوفة وحبس في مدينة الرسول واحدا وأمر بجميع الصحف غير التي كانت عند حفصة؛ أن تحرق لأن التي بعث بها هي عينها التي كانت عند رسول الله كتبت بين يديه وبإشرافه استنسخها درءا للفتنة ونزولا إلى الصحف التي كانت محفوظة عند النبي، ثم عند أبي بكر، ثم عمر، ثم حفصة ولم يختلف عليها اثنان وهي ثابتة بالتواتر القطعي، ما كان من الاختلاف الذي سنناقشه كان من الظني، كان من ضمن الصحف التي لم تكتب بين يدي النبي، ولم تجمع عند الجمع لأنها ليست أصلية ولا يمكن أن تكون لأن النبي هو الذي عين القرآن من غير القرآن، بل إن أصحاب الزعم لم يدلوا بصحف مكتوبة، وإنما قرروا وفق حفظهم، وتقريرهم، وحفظهم لا يرقى إليهم يقينا، وعليه من المحتمل أن يكون ذلك من غيرهم، من مجرد وهم توهمه صاحبه ونسبه إلى صحابي من الصحابة، صنع بالقرآن عثمان بن عفان ما نصنع نحن بصحفنا حين نصورها تصويرا شمسيا أو غيره كالفوطوكوبي، وكان المجموع من الصحف بين دفتي كتاب هو القرآن، وهو هو الذي نزل على قلب النبي الأمين، وفيه من السور 114 سورة، ومن الآي: 6263 آية، في سورة الأحزاب 73 آية ليس أقل ولا أكثر، فكيف كانت تقرئ سورة الأحزاب على عهد النبي في مائتي آية وهي عندنا في 73 آية؟ كيف نقص القرآن من عهد النبي إلى عهد استنساخه بعده ؟ هل كان يقرأ أكثر مما بأيدينا من آيات سورة الأحزاب؟ ولنأخذ أيضا حديثا مرويا عن عمر وأبي بن كعب وعكرمة مولى ابن عباس: ((أنّ سورة الأحزاب كانت تقارب سورة البقرة، أو هي أطول منها، وفيها كانت آية الرجم)) (الإتقان 3 : 82 مسند أحمد 5 : 132، المستدرك 4 : 359، السنن الكبرى 8 : 211، تفسير القرطبي 14 : 113، الكشاف 3 : 518، مناهل العرفان 2 : 111، الدر المنثور 6 : 559). ولنأخذ كذلك حديثا مرويا عن حذيفة: ((قرأت سورة الأحزاب على النبي (ص) فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها)) (الدر المنثور 6 : 559). القرآن الكريم الذي كان يتلوه رسول الله والذي انتقل إلينا بالتواتر وهو الذي بين أيدينا ليس فيه ما ذكر، ففيه في سورة الأحزاب: 73 آية، فهل كان يقرأ رسول الله أكثر مما نقرأ نحن بحسب الروايات المذكورة؟ هل نقصت أيضا سورة الأحزاب عن سورة البقرة التي تبلغ 286 آية؟ ألم ينقل إلينا ديننا وقرآننا أولئك الصحابة الكرام نساء ورجالا؟ ألم يصلنا القرآن بالطريق المتواتر يقينا؟ وروي عن أبي موسى الأشعري أنّه قال لقرّاء البصرة: ((كنّا نقرأ سورة نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها، غير أنّي حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال، لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب)) صحيح مسلم 2 : 726 / 1050). يظهر أن الحديث المروي عن أبي موسى الأشعري يوجد معناه في أحاديث أخرى: ((إنا أنزلنا المال لإيقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له ثان ولو كان له واديان لأحب أن يكون لهما ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب)) رواه أحمد والطبراني في الكبير عن أبي واقد الليثي، وبالتالي فهو من كلام النبي ، ولكن أن يقال عنه أنه آية فهذا باطل ذلك أن القرآن كما مر معنا قد ثبت بالتواتر عن رسول الله ، والحديث ظني، كما أن طريقة النظم والتأليف فيه بعيدة كل البعد عن نظم القرآن وتأليف القرآن ولذلك لا داعي لمناقشته لوضوح كونه من غير القرآن ولا يمكن أن يكون من القرآن، وكذلك بالنسبة للنسبة فهو منسوب إلى الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري والصحابي ليس معصوما فيجوز عليه الخطأ والنسيان ولكننا لا نملك اليقين في نسبته إليه فيكون الحديث صحيحا من حيث طريقة ثبوته ترجيحا بينما مضمونه ليس كذلك ونكتفي بالوقوف على هذه المحطة وبإذن من القرآن الكريم الذي وضع لنا منظومة خاصة للتعامل مع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعا. وروي أنّ سورتي الخلع والحفد كانتا في مصحف ابن عباس وأبيّ بن كعب وابن مسعود، وأنّ عمر بن الخطاب قنت بهما في الصلاة، وأنّ أبا موسى الأشعري كان يقرأهما.. وهما: (اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك)، (اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق) (مناهل العرفان 1: 257، روح المعاني 1: 25). وهذا أيضا ليس من القرآن ولا يمكن أن يكون من القرآن للسببين المذكورين آنفا، ويوجد دعاء القنوت في عدة أحاديث والنتيجة أن هذا حديث ولا يمكن أن يكون آية ومسلك التمحيص هو نفسه الذي ذكرناه سابقا. وللعلم فإن ما يذكر أنه قد كان في مصحف ابن مسعود أو غيره فهو مما لم يعرض على زيد حين كان يجمع القرآن لينظر مطابقته لما بين يديه مما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإشراف منه، ولم يشهد عليه شاهدان، وقد أخرج ابن أشته في (المصاحف) عن الليث بن سعد، قال: ((إنّ عمر أتى إلى زيد بآية الرجم، فلم يكتبها زيد لأنّه كان وحده)) (الإتقان 3 : 206). وأكرر جَمْعُ زيد للقرآن ليس إلا جمعا لما كتب بين يدي رسول الله في الرقاع واللخاف والأكتاف والعظام التي كانت محفوظة عنده ومكتوبة بين يديه ، جمعها في مصحف واحد انتقل من أبي بكر إلى عمر، ثم حفصة، ثم استُنْسخ هو هو من طرف عثمان بن عفان، فلا مجال لمناقشة الوهم. وروي أنّ عمر قال لعبد الرحمن بن عوف: ((ألم تجد فيما أنزل علينا: أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة، فأنا لا أجدها؟ قال: أسقطت فيما أسقط من القرآن)) (الإتقان 3 : 84، كنز العمال 2 ح / 4741). وروي عن حميدة بنت أبي يونس، قالت: ((قرأ عليّ أبي، وهو ابن ثمانين سنة، في مصحف عائشة: إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً وعلى الذين يصلون في الصفوف الأولى. قالت: قبل أن يغيّر عثمان المصاحف)) (الإتقان 82:3). وأخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب، قال: ((القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف)) (الإتقان 1 : 242). قالت: قبل أن يغيّر عثمان المصاحف)) (الإتقان 82:3). وروي عن عائشة أنّها قالت: ((كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله (ص) وهنّ ممّا يقرأ من القرآن)) (صحيح مسلم 2 : 1075 / 1452، سنن الترمذي 3: 456، المصنف للصنعاني 7: 467 و470. وروي عن عائشة أنَّها قالت: ((نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله (ص) وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها)) (مسند أحمد 6: 269، المحلّى 11: 235، سنن ابن ماجة 1 : 625، الجامع لأحكام القرآن 113:14). جميع ما ورد من مزاعم بشأن نقص في القرآن الكريم يسلك معه المسلك الفائت حتى يتبين الحق ويظهر بالمنهاج الذي رسمناه، وبالمقارنات التي اعتمدناها يسهل تماما رؤية الحق من الباطل مع مراعاة حق الصحابة واعتبارهم في القرآن الكريم والإقرار بالظنيات فيما روي عنهم مما نتذاكره من الثوابت الظنية، أقول هذا حتى لا نصيب أعراضهم المصونة من الله ورسوله. ========================== موقع علماء الشيعة وكتب دينهم من صحاح الكتب عند المسلمين وعلمائهم لدى الشيعة الإمامية (علماء) مُبَجَّلون يتأسّون بهم، وكتب دينهم المعتمدة يرجعون إليها أهمها: 1 ـ الكافي لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكُلَيني الرازي هو محمد بن يعقوب الكليني، ولد في كُلين وهي مدينة بإيران، يقال له الكُليني ويقال له الرازي أيضا، ويُعرف بالسلسلي البغدادي كذلك، هو أبو جعفر الأعور شيخ الشيعة في زمانه بالري ووجه دينهم عبرالعصور. نظّر للدين الشيعي في كتابه: الكافي وقاد حملة التشيُّع في القرن الرابع الهجري إلى جانب كثير من الأعاجم خصوصا زمن الدولة البويهية. كتابه الكافي أصح كتاب عندهم ولا خلاف على ذلك بينهم، صحيح أن بعضا منهم لتفادي كثير من المؤاخذات على الكتاب، والخرافات والأساطير والحماقات التي فيه قال بعدم صحته كله، بمعنى أن فيه الصحيح وفيه الضعيف حتى ينجو من ملاحقة العقلاء الذين يرفضون استغباءهم بخزعبلات، وكان ذلك في غالبه من أجل أهل السنة الذين ينسفون دينهم من القواعد، ومنهم من قال بأن بعض ما كُتِب فيه كُتِب تقية. ففيه ستّة عشر ألفا ومائة وتسعة وتسعين حديثا فالصحيح منها بالاصطلاح الجديد: خمسة آلاف واثنان وسبعون. والحسن: مائة وأربعة وأربعون. والموثّق: ألف ومائة وثمانية عشر. والقويّ: ثلاثمائة واثنان. والضعيف: تسعة آلآف وأربعمائة وخمسة وثمانون. والذي يعاب عليه، أي على الكتاب أنه لا سند له إلى جعفر الصادق ولا إلى والده محمد الباقر ولا إلى أي كان من آل بيت النبي ، فلا علي بن أبي طالب ولا الحسن ولا الحسين ولا غيره حتى عصر الكليني مؤلف الكتاب يتصل بهم سند واحد، وهذا من الناحية العلمية يقدح في الكتاب فلا يُعْتّد به، بل يتهمه في شكل بنائه، أما مضمونه فمرفوض، لأن ما بُنِي من غير لبنات لا يقام له صرح.. وقد أثنى عليه كل من النوري الطبرسي صاحب المستدرك فقال: ((الكافي بين الكتب الأربعة (أي الكافي، والاستبصار، والتهذيب، ومن لا يحضره الفقيه، وهي مُعتمد الشيعة في دينهم) كالشمس بين النجوم، وإذا تأمل المنصف استغنى عن ملاحظة حال آحاد رجال السند المودعة فيه، وتورثه الوثوق، ويحصل له الاطمئنان بصدورها وثبوتها وصحتها)). مستدرك الوسائل للطبرسي ج 3 ص 532. وقال عنه الحر العاملي: ((أصحاب الكتب الأربعة وأمثالهم قد شهدوا بصحة أحاديث كتبهم وثبوتها ونقلها من الأصول المجمع عليها، فإن كانوا ثقات تعين قبول قولهم وروايتهم ونقلهم)). وسائل الشيعة ج 20 ص 104. وقال عنه صاحب المراجعات عبد الحسين شرف الدين الموسوي: ((الكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه متواترة مقطوع بصحة مضامينها، والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها)). المراجعات للموسوي مراجعة رقم 110. وقال عنه محمد صادق الصدر: ((والذي يجدر بالمطالعة أن يقف عليه هو أن الشيعة وإن كانت مجمعة على اعتبار الكتب الأربعة، وقائلة بصحة كل ما فيها من روايات غير أنها لا تطلق عليها اسم الصحاح كما فعل ذلك إخوانهم من أهل السنة)). كتاب الشيعة ص 127. وقال عنه المحقق النائيني: ((إن المناقشة في إسناد روايات الكافي حِرفة العاجز)).كتاب الإنتصار للمحقق النائيني في صحة الكافي ص 8 لعلي أبو الحسن. وقال عنه المحقق علي أكبر الغفاري: ((اتفق أهل الإمامة، وجمهور الشيعة على تفضيل هذا الكتاب والأخذ به والثقة بخبره والاكتفاء بأحكامه، وهم مجمعون على الإقرار بارتفاع درجته وعلو قدره على أنه القطب الذي عليه مدار روايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، إلى اليوم، وهو عندهم أجمل وأفضل من سائر أصول الحديث)). مقدمة الكافي ص: 26. وهناك غير هؤلاء من علماء الشيعة ممن أثنوا على الكتاب وأعلوا مكانته وحثوا على الأخذ به. كتاب الكافي ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأصول وهما الجزء الأول والثاني، والفروع في الأجزاء من الثالث إلى السابع، والروضة وهي الجزء الثامن. قول المحقق النائيني ((إن المناقشة في إسناد روايات الكافي حِرفة العاجز)) يقضي أن يكون إسناد روايات الكافي إلى النبي وإلى الصحابة أمر محسوم فيه وموجود في بطون كتب الشيعة، ولكن الحقيقة غير ذلك، فلا سند واحد لهم إلى رسول الله ولا إلى علي ولا إلى الحسن ولا إلى الحسين ولا إلى أي صحابي بما فيهم أولئك الذين يقبلون رواياتهم كالمقداد وجابر وأبي ذر رضي الله عنهم جميعا.. وعليه يكون قول النائيني قول عاجز يتخفى في اتهام الناس بالعجز وهو وغيره من (علماء) الشيعة أعجز عن الإتيان بسند واحد إلى من ذكرتهم، فيكون من يُظهر الإسناد إلى من صدر عنهم ما صدر؛ هو العالم الحقيقي والمحقق الفذ الذي لا نظير له في البشرية جمعاء بخصوص إثبات الدين الإسلامي من قرآن وسنة بطريق الرواية القطعية والرواية الصحيحة.. وفي - وسائل الشيعة ج 20/100 يقول: (والفائدة في ذكره - أي السند - دفع تعيير العامة - السنة - الشيعة بأن أحاديثهم غير معنعنة، بل منقولة من أصول قدمائهم)). يكفي هذا الاعتراف برمي الزبالة الشيعية في مطرح النفايات، هل سمعتم بفضلات الألسن؟ إنها ثقافة فضلات الألسن الخبيثة، كيف يطمئن قلب الإنسان إلى كلام ليس له سند إلى من روي عنه أو نُسب إليه؟ كيف يطمئن قلب الإنسان إلى روايات هو أنفسهم يتناقضون فيها؟ كيف يطمئن قلب الإنسان والأئمة فيما نقلوه هم أنفسهم في كتبهم المعتمدة ينفون صحة ما يروون ويردون عليم كذبم؟ هل يظنوننا دون عقل؟ يكفي أنهم حمقى ويكفي أننا عقلاء بإذن الله تعالى. الكليني ثقة الإسلام وقدوة الأعلام الكليني كما يلقبونه؛ توفي سنة 328 هـ أو 329 هـ ولا أعرف تاريخا لإظهار ميلاده، وسنصل إلى معرفته بتوفيق من الله تعالى وبعلم المقارنات وفن المقارنات أو نقترب منها كثيرا، وكتابه مقسم إلى أصول الكافي ويشمل العقائد، وفروع الكافي ويشمل الفقه، وقد جمعه في ظرف عشرين سنة، ثم عرضه على محمد بن الحسن العسكري (أبو القاسم المهدي المنتظر) فقال في الكتاب: ((هذا كاف لشيعتنا))، رواياته لا تنزل عن ستة عشر ألف رواية على اختلاف بين علمائهم، وقد شرحه محمد باقر المجلسي المتوفى سنة: 1111 هـ ووضع له عنوان: مرآة العقول، وشرحه أيضا المازندراني تحت عنوان: الشافي في شرح أصول الكافي.. بأخذنا قولهم أن الكليني قد عرض كتاب الكافي على محمد بن الحسن العسكري بصرف النظر عن روايات موثقة عندهم تقول باستحالة رؤية الإمام في الغيبة الصغرى إلا من طرف الوكلاء، بصرف النظر عن ذلك نأخذ بالاعتبار أن كتاب الكافي قد عرض على المهدي بواسطة أحد الوكلاء الأربعة في الغيبة الصغرى، وثناء المهدي عليه قد جاء من توقيع المهدي بواسطة الوكيل أيضا، نأخذ بهذا حتى لا نناقش ما فيه مضيعة للوقت، فالسؤال المطروح هو أن الكليني قد توفي سنة: 328 هـ أو سنة: 329 هـ، ووُلد المهدي وَلَد الحسن العسكري سنة: 255 هـ والفرق بين وفاة الأول وازدياد الثاني هو: 74 سنة باعتماد سنة الوفاة 329 أو 73 باعتماد الأولى، أي أن الكليني قد طوى من عمره يوم ولد المهدي 74 سنة، ومعنى ذلك أنه لا بد من زيادة سنوات من عمره حتى يتم التوافق بين التناقض في الروايات، ثم التوفيق بينها والذي وجدناه مستحيلا، ونقول بزيادة 20 سنة التي قضاها الكليني في تأليف كتابه الكافي كما في رواياتهم ليقول فيه محمد بن الحسن العسكري: ((هذا كاف لشيعتنا))، نقول بذلك حتى يكون الكليني قد وصل من العمر 94 ويكون الكتاب جاهزا عند ولادة المهدي، أو نقول أن الكتاب قد كان جاهزا يوم ولد المهدي المنتظر يبقى أن يعرض عليه ليقول فيه: ((هذا كاف لشيعتنا))، والسؤال المطروح هو: كيف يعرض كتاب في الفقه والعلم والأحكام والعقائد على صبي عمره شهر واحد أو بضعة أشهر؟ فلا بد إذن من زيادة السنوات للمهدي حتى ينضج ويتعلم اللغة والفقه والعقائد والأحكام والعبادات، ثم يقرأ كتاب الكافي ثم يقيِّمه، ثم يحكم عليه ويثني على كاتبه، فكم نزيده من السنوات؟ وإذا زدناه فلا بد أن نزيد أيضا من عمر الكليني فزيادة 5 سنوات للمهدي تعني زيادة 5 سنوات للكليني، أي أن المهدي بخمس سنوات يكون عمره: 5 سنوات بعد ولادته سنة: 255 هـ، والكليني 99 سنة، ولنزد للمهدي 15 سنة ونضيفها أيضا للكليني فيكون عمره: 115 سنة، وإذا قلنا بقولهم أن الأئمة ناضجون خلاف نضج البشر فسنعرض كتاب الكافي على المهدي في السن الأولى من عمره وهو بذلك لافت جدا، فالصبي ناضج نضج الكبار وعالم علم الكبار وفقيه فقه الكبار فكيف كان يقرأ كتاب الكافي وهو صبي رخو لا يستطيع تقليب ذاته ولا الاستقامة في تلك السن؟ بل إن دماغه يكون غير ناضج ولكي ينضج يحتاج إلى أكثر من سنة، فعند العلماء أن خلايا الدماغ تظل تنمو ولا تتوقف عن النمر إلا بعد ثمانية عشر شهرا من الولادة، بعدها لا تعطي خلايا جديدة، وهذا نقص يؤثر على العقل، ثم يكون النمو من نوع آخر، يكون النمو في وزن الدماغ بعد 18 شهرا ليعطي نتائج تعكس تغيرات في الخلايا في البروتين، في حامض الريبونكليكيRNA ، في الدهنيات، وفي الماء.. تزداد تلك المواد نتيجة نمو الخلايا، ويتمثل ذلك في ازدياد التفرعات في المحاور العصبية، في الشعيرات الهيولية Dendrite، وكذلك في المادة العازلة وهي مادة تنمو على محاور عصبية ويطلق عليها الغمد النخاعي Myelin Sheath، مثل هذا النمو (الغمد النخاعي) يزيد من فاعلية نقل الرسائل، الرسائل العصبية، بينما تزيد المخ وتفرعات الخلايا من تغيير التعقيدات الشبكية العصبية لتساعد على زيادة تعقيد المهارات والوظائف العقلية، كل هذا يؤثر على العقل، ومنه كان الصبا وكانت الطفولة، منه كان عدم الإدراك إلا بعد فترة معينة يقطعها الإنسان بما في الإنسان النبي والرسول والإمام، وإذا قلنا أن ذلك لا يجري على الأنبياء والرسل والأئمة بحيث يخلقوا ناضجين لا تحتاج أجسامهم إلى هذا التطور، قلنا بما لا يكون ولا يمكن أن يكون، وإذا قلنا بعرض كتاب الكافي على الإمام المهدي (الأسطورة) بعد أن استقام على قدميه في السن الأولى بثمانية أشهر أو عند تمام العام الأول أو في السن الثانية فسيكون ذلك معجزة لم نسمعهم يتحدثون عنها أو يكتبون عنها فالأمر جلل، والحدث غريب غرابة المعجزة، فخذ حضرة القارئ المحترم ما تشاء من الاحتمالات ورتب السنوات بحسب كل احتمال فستخرج إلى الحسم المبني على الحيرة، ولكي لا تبقى حائرا اترك الحيرة لبلهاء الشيعة، وانج بنفسك من الهاوية، واترك المجانين لجنونهم فلا دواء للجنون، ففكرهم فكر مسيخ، ومهديهم هو عينه المسيخ الدجال الذي سيتبعه سبعون ألفا من يهود أصفهان، وهي إيران حاليا. وإذا قيل أن الكليني قد ألف كتابه قبل ولادة المهدي فمن الصواب أن يعرضه على الإمام وهو والد المهدي؛ الحسن العسكري وهو لم يحدث ولم يقل به أحد من (علماء الشيعة) فتكون النتيجة التي انتهينا إليها صحيحة وهي أنه قد عرضه على المهدي وعرضه عليه يتطلب ما انتهينا إليه من زيادات في عمر الاثنين، وإذا لم نزد في عمر الكليني شيئا بحيث أبقينا عمره 74 سنة وهي الفرق بين وفاته ومولد المهدي، واعتبرنا تأليفه للكتاب قد كان قبل ازدياد المهدي نجد أن الكتاب لكي يعرض في السن المذكورة للكليني يجب أن يكون المهدي صبيا، فكيف يعرض الكتاب على المهدي والمهدي لم يفطم بعد، المهدي رضيع فهل يعقل هذا؟ أدعك حضرة القارئ المحترم لتضع احتمالات أخرى وما أكثرها ولكنك لن تنتهي إلا إلى الدجل الأسود وعندها انصحْ الشيعة البلهاء بانتعال دين الكَذَبَة والدجّالين واطلب منهم اعتناق دين الإسلام وأخذه من أصدق الصادقين رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الميامين الأمناء رضوان الله عليهم أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. والكليني قد عاصر ثلاث أئمة كما تنص على ذلك رواياتهم، عاصر علي الهادي الإمام العاشر، والحسن العسكري الإمام الحادي عشر، والإمام محمد بن الحسن المهدي المنتظر الإمام الثاني عشر، وبالنظر المقارن بين تواريخ حياة وممات من ذكروا يتبين أن علي الهادي قد توفي سنة: 254 هـ، والكليني الذي عاصره متوفى سنة: 329 هـ أي أن فرقا بين وفاة الأول ووفاة الثاني هو: 75 سنة، فكيف عاصره؟ وهل كان الرجل معمرا؟ وإذا كان كذلك فأين الإشارة إلى ذلك في كتب الشيعة؟ لا يحسنون وضع الأكاذيب، ولا يتقنون فن التدليس على الناس، ومن يروي عن حمار في حياة النبي محمد الذي يروي عن الحمير إلى أن انتهى إلى حمار نوح الذي ركب السفينة؛ لا عقل له. والكليني تلميذ ابن بابويه القمي المتوفى سنة: 381 هـ ، وتلميذه الكليني متوفي قبله بـ: 52 سنة، توفي سنة: 329 هـ، والكليني عاصر السفراء الأربعة. فإذا كان أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي قد عاصر السفراء الأربعة، فمعنى ذلك أنه قد روى عنهم علم صاحب الزمان (المهدي المنتظر) لأنهم واسطة بينه وبين شيعته ولكن وفاته التي كانت سنة: 329 هـ (لا يعرف له تاريخ ميلاد غير أنه باعتماد الرواية التي تقول بأنه قد تتلمذ علي يد شيخ المحدثين أبو جعفر محمد بن بابويه القمي يمكن فهم جزء من حياته) تهدينا إلى شيء هام جدا في التواريخ الموضوعة، فالقمي الابن من مواليد 306 هـ ووفاته كانت سنة: 381 هـ والكليني قد تتلمذ على يده، والتلمذة يجب أن تحصر في سنوات هي: 23 سنة بلا زيادة ولا نقصان لأن القمي ولد سنة: 306 هـ والكليني توفي سنة: 329 هـ والفرق بين سنة ولادة الأول ووفاة الثاني 23 سنة فقط، وهي الفترة التي تعلم فيها الكليني من شيخه الذي يصغره سنا، وإذا نظرنا إلى تلك السنوات فلا بد أن نقتطع منها سنوات لتتلمذ نفس الشيخ ونفس الأستاذ حتى يتأهل لتعليم غيره كالكليني، فكم نعطيه من سنوات يتعلم فيها حتى يشرع في تعليم الكليني؟ المهم ليس هو أن التلميذ أكبر سنا من الأستاذ، فهذا مطروق فيما مضى من الكتاب، بل المهم هو قولهم في روايات أن الكليني قد عاصر السفراء الأربعة، فكيف عاصرهم وهو تلميذ للقمي، والقمي من مواليد سنة: 306 هـ الشيء الذي لا يعني سوى شيئين اثنين هما: إما أنه قد عاصر السفراء الأربعة فعلا وقد تجاوز 64 سنة ليكون قد التقى وعاصر السفير الأول المتوفى سنة: 265 هـ وعاش حتى وفاة السفير الأخير لصاحب الزمان في نفس السنة التي توفي فيها هو وهي سنة: 329 هـ وهي سنة الغيبة الكبرى لصاحب الزمان، وبالتالي لم يتتلمذ على يد شيخه محمد بن بابويه القمي، وإما أنه تتلمذ على يد القمي ولكنه لم يعاصر جميع السفراء لأن السفير الأول توفي سنة: 265 هـ والسفير الثاني توفي سنة: 306 هـ وهي نفس السنة التي ولد فيها أبو جعفر محمد بن بابويه القمي، فأيهما نأخذ بها؟ ومن هو الكذاب؟ لا شك أن تقدير الوفيات والولادات وتواريخ التوقيعات متناقضة لا يمكن التوفيق بينها. وإذا كان القمي قد ولد سنة: 306 هـ والكليني تلميذه فلا بد أن يتعلم منه ويشترط أن يكون الأستاذ ناضجا حتى يكون عالما، ولنقل أنه قد تعلم من عبقري ونابغة قد بز العالمين في العلم والمعرفة إذ حصل عليها وهو صغير السن ولا بأس، يبقى أن يتعلم منه الكليني ولنقل أن بداية تعلم الكليني من أستاذه قد كانت سنة: 319 هـ عندما كان الأستاذ القمي بعمر 13 عاما ولكن من سنة: 319 إلى سنة: 329 هـ سنة وفاة الكليني يتضح أن فرقا بسيطا بين تعلمه ووفاته وهو عشر سنوات فأين العشرين سنة من تأليفه للكتاب؟ وأين بضع سنين من الدرس والتحصيل حتى ينضج ويتأهل لتأليف كتابه؟ ثم إن عرض كتاب الكافي على المهدي الأسطورة لا بد أن يكون في حياة المهدي والمهدي من مواليد سنة: 255 هـ والكليني شرع في التعلم من القمي سنة: 319 هـ بافتراضنا له عمرا صغيرا تجاوزا حتى نسهل على العاقل من الشيعة أن يذهب إلى الاحتمالات الأخرى فيرمي بالدين الشيعي؛ الزبالة في مطرح النفايات، ولكن بداية التعلم سنة: 319 هـ وولادة المهدي سنة: 255هـ تعطينا فرقا هو: 64 سنة، أي أن المهدي قد بلغ من العمر 64 سنة، ولكن تأليف الكتاب قد كان في ظرف عشرين سنة وعشرون سنة لا بد أن تكون بعد التلمذة وهذا هو الطبيعي والتلمذة انحسرت بعشر سنين لأن الكليني توفي سنة: 329 هـ فأين العشرون سنة؟ وأين سنوات الدرس والتحصيل؟ وإذا زدنا من السنوات تجاوزنا سنة وفاة الكليني، فعشرون سنة من التأليف تجعله متوفى سنة: 349 هـ وهذا لم يقل به أحد، وزيادة سنوات الدرس والتحصيل كأن تكون عشرين سنة مثلا تجعل وفاته سنة: 369 هـ وعرض كتابه على المهدي لا بد أن يكون بعد السنوات التي سقناها ولكننا لم نعثر عليه. وخلاصة القول استنادا إلى علم المقارنات وفن المقارنات يتبين أن الكليني أحد أطراف اللعبة القذرة التي لعبها الوكلاء للمهدي الأسطورة، للمهدي الموهوم، فقد كان الرجل في زاوية أخرى غير الزاوية التي يباشَر من خلالها النّصب على الناس وابتزازهم والاحتيال على أموالهم، فقد كان الكليني في زاوية التنظير للعبة القذرة والتسييج لها بأساليب تبقيها في دائرة النصب والاحتيال، ولكن الذي حصل هو أن الأمر لم يبق كما تصوره النصّابون، بل تعداه إلى خلق دين جديد هو الدين الشيعي الاثني عشري.. ولكي يخفي الكليني الشبهة عنه ويبعد نفسه عن دائرة الوكلاء والاتصال بهم والتنسيق معهم اشتغل بالفقه وكان اشتغاله غاية في الإخفاء، فقد أبعد نفسه عن رواية الأخبار المكذوبة مباشرة من أفواه الأئمة والوكلاء لإبقائه بعيدا عن دائرتهم، ولكنه وقع في الشَّرَك الذي نصبه للناس حين عمد إلى رواية أخبار من أناس غير معصومين فقط لإبعاد الشبهة عنه، فكان بذلك ممعنا في تطويل الأسانيد ووضع رجال لها من خياله علما بأنه قد كان معاصرا لعلي الهادي والحسن العسكري والمهدي والوكلاء الأربعة الشيء الذي كان يجب أن يقصِّر الأسانيد، بل يلغيها نظرا لمباشرته للأئمة وللوكلاء إلا الإمام الثاني عشر الذي كان في الغيبة الصغرى وليكن، وبه يتبين أن الرجل قد كان شاغلا نفسه بوضع أكاذيب على لسان الأئمة وعلى لسان الوكلاء الذين ينسق معهم على ما يبدو لخلق دين جديد يتناسب مع رغبة الاستغلال وإطلاق العنان للشهوات حتى لا يبقى هناك دين وكأنه مؤسس للماسونية.. ونفس السنة التي توفي فيها السفير الرابع في الغيبة الصغرى هي نفس السنة التي توفي فيها الكليني، وهذه مصادفة عجيبة، ولعل الكليني توفي بعد السفير الرابع بأشهر أو أسابيع أو أيام أو ساعات مما فسح له المجال لتسطير كذبة عنه تقول: ((الأمر لله يضعه حيث يشاء)) وهي العبارة هي التي تفوه بها السفير الرابع عند احتضاره كما يروي الكليني، وهناك رواية تقول أن الكليني توفي سنة: 328 هـ وهي رواية تقيم كيان احتمال أن يكون محمد بن علي السمري؛ الوكيل الرابع قد أُسقط في يده بحيث غاب عنه منظر الدين الشيعي وعليه بنى قولته: ((الأمر لله يضعه حيث يشاء))، وتقيم كيان احتمال آخر يقول أن كتاب الكافي لم يكن للكليني، بل كان له، وتقيم كيان احتمال آخر يقول أن محمد السمري هو الذي وضع في كتاب الكافي تلك العبارة وقد كان الكتاب مخطوطا بين يديه لم يطلع عليه أحد بعد. وللعلم فإن محمد بن إبراهيم النعماني كما في بعض مراجعهم قد كان في عصر السفراء الأربعة للمهدي الأسطورة، وهو من تلامذة الكليني، وقالوا عنه أنه هو الذي كتب الكافي وساعد الكليني في تأليفه، انظر رجال النجاشي: ص298، أمل الآمل: ص232، رجال الحلي: ص162. وبالنظر إلى التواريخ تتكشف خيوط اللعبة القذرة التي لعبها النصّابون الأربعة للمهدي الأسطورة والنصّابون من (العلماء) الدجالين الذي نظّروا للعبة. 2 ـ الاستبصار لمحمد الطوسي 3 ـ تهذيب الأحكام للطوسي الاستبصار: ثلاثة أجزاء: فالجزء الأوّل: يشتمل على ثلاثمائة باب، يحتوي جميعُها على ألف وثمانمائة وتسعة وسبعين حديثا. والثاني: على مائتين وسبعة عشر بابا، ينطوي جَميعُها على ألف ومائة وسبعة وسبعين حديثا. والثالث: يشتمل على ثلاثمائة وثمانية وتسعين بابا، يحتوي جَميعُها على ألفين وأربعمائة وخمسة وخمسين حديثا. وهو يتعلّق بالمعاملات وغيرها من أبواب الفقه. فالأبواب: تسعمائة وخمسة وعشرون بابا، ينطوي جَميعُها على خمسة آلاف وخمسمائة وأحد عشر حديثاً. كذا حصرها الشيخ في أواخر الاستبصار. والتهذيب لا يقل عن الكافي من حيث عدد الأحاديث كما ينص مهذّب الدين أحمدبن عبد الرضا البصري (1020 هـ ـ 1085 هـ ) من تلاميذ الحرّ العاملي في كتابه: فائق المقال في الحديث والرجال. وفي نفس الكتاب ((قد ذكر الشيخ الجليل، الفاضل النبيل، أبو جعفر محمّدبن الحسن الطوسي- قدّس اللّه روحه، ونوّر ضريحه - أحاديث كثيرة. وأخبارا خطيرة في كتاب التهذيب والاستبصار عن رجال لم يلق زمانهم وإنّما روى عنهم بوسائط وحذفها في الكتابين المذكُورين ثمّ ذكر في آخرهما طُرقَهُ إلى كلّ رجلٍ ممّا ذكره فيهما، ثمّ قال: «وقد أوردتُ جُمَلاً من الطرق إلى هذه المصنّفات والاُصول، وقد ذكرنا نحن مُستوفى في كتاب فهرست الشيعة)) (395). وفاة شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي، تتناقض في كتب الشيعة المعتمدة، فقد قيل أن تاريخ وفاته كان سنة 350 هـ وقيل 360 هـ وقيل 458 هـ وقيل 460 هـ. ودفن في داره بالمشهد الغرويّ، أما تاريخ ازدياده فقد ذكر في الطبعة الأولى لعدة الأصول مؤسسة آل البيت لإحياء التراث قم المقدسة، والغَيبَة طبعة طهران مكتبة نينوى الحديثة أن تاريخ ازدياده هو: 385 هـ، (385 ـ 460). ولمّا قدم العراق كان عمره ثلاثة وعشرون عاما، وسنّ السيّد المرتضى إذ ذاك ثلاث وخمسون سنة، فكانا معاصرين في العراق مدّة ثمان وعشرين سنة. وبقي الشيخ بعد السيّد أربعا وعشرين سنة. 4 ـ من لا يحضره الفقيه للقمي الملقب بالصدوق يشتمل على أربع مجلّدات، تحتوى على ستمائة وستّة وستّين بابا الأوّل منها ينطوي على سبعة وثمانين بابا، والثاني على مائتين وثمانية وعشرين بابا، والثالث على ثمانية وسبعين بابا، والرابع على مائة وثلاثة وسبعين بابا. وجميع ما في المجلّد الأوّل: ألف وستمائة وثمانية عشر حديثا. وما في الثاني: ألف وستمائة وسبعة وثلاثون حديثا. وما في الثالث: ألف وثمانمائة وخمسة أحاديث. وما في الرابع: تسعمائة وثلاثة أحاديث. وجميع مسانيد الأوّل: سبعمائة وسبعة وسبعون. ومراسيله: واحدٌ وأربعون وثمانمائة. ومسانيد الثاني: ألف وأربعة وستّون. ومراسيله: ثلاثة وسبعون وخمسمائة. ومسانيد الثالث: ألف ومائتان وخمسة وتسعون. ومراسيله: خمسمائة وعشرة. ومسانيد الرابع: سبعة وسبعون وسبعمائة. ومراسيله: مائة وستّة وعشرون. فالمسندة: ثلاثة آلاف وتسعمائة وثلاثة عشر. والمراسلة: ألفان وخمسُون. ولد الشيخ الصدوق في محتد طيب البلدة العريقة في مدينة قم بدعوة من الإمام حيث يقول: ((أنا ولدت بدعوة صاحب الأمر)). ويحدثنا شيخنا المترجم بنفسه عن قصة ولادته فيقول: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود قال: سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (والد الصدوق الثاني) بعد موت محمد بن عثمان العمري أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان أن يدعو الله عز وجل أن يرزقه ولدا ذكرا. قال فسألته فأنهي ذلك فاخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين، وانه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به، وبعده أولاد. أخذ العلم على يد والده الفقيه علي بن الحسين بن موسى بن بابويه المعروف بالصدوق الأول، وذلك خلال مدة طويلة، ثم اختلف من بعد أبيه إلى أكابر المشايخ بقم يسمع منهم على حداثة سنه، فحاز إجازة الحديث والرواية عنهم. سافر من ألام بقم إلى الري محطته الأولى في سلسلة أسفاره، ثم إلى بلدان كثيرة ليعود بعدها إلى الري المدينة التي كان السواد الأعظم فيها من الشيعة. الصدوق أبو جعفر محمد بن بابويه القمي رئيس المحدثين عند الشيعة الإمامية، توفي بالري سنة: 381 هـ وميلاده كان سنة: 306 هـ، وقد عاصر السفراء الأربعة الذين كانوا جميعهم في بغداد في روايات، وازداد بعد وفاة محمد بن عثمان (... ــ 306) في روايات أخرى، وله من الإمام الحسن العسكري المتوفى سنة: 260 هـ أو 266 هـ والمزداد سنة: 202 أو 231 أو 232 هـ توقيع بخاتمه، وقد التقى كما زعم بالمهدي المنتظر. الصدوق الثاني (الصدوق الأول والد الصدوق الثاني وهو الفقيه علي بن الحسين بن موسى بن بابويه) أبو جعفر محمد بن بابويه القمي رئيس المحدثين عند الشيعة الإمامية يروي قصة ولادته ويقول أنه قد ولد بدعوة من صاحب الزمان الإمام محمد بن الحسن العسكري، وقد طلب أبوه من السفير الثالث الحسين بن روح أن يطلب من صاحب الزمان أن يدعو الله أن يرزقه ولدا، فدعا له واستجاب الله دعوته فجاء رئيس المحدثين هذا. حدث ذلك في الرواية التي ساقها محمد بن بابويه القمي بعد وفاة السفير الثاني محمد بن سعيد العمري، وقد كانت وفاة محمد بن سعيد العمري سنة: 304 أو 305 أو 306 هـ على الأرجح، ومعنى ذلك أن محمد القمي ازداد في نفس السنة التي توفي فيها السفير الثاني أو قبله بسنة واحدة أو سنتين، هذا ما نستنتجه طبيعيا من رواية القمي ونؤكد على ضرورة إعمال العقل في رواية الشيخ الصدوق الثاني في زعمه أنه ولد بدعوة الإمام، فقد صرح أن أباه وجه سؤالا عبر وسيط هو الوكيل الثالث للمهدي الأسطورة؛ ابن روح إلى الإمام ليرزقه الله ولدا فقيها فاضلا عالما.. وابن روح لم يتول الوكالة في حياة محمد بن سعيد العمري بل بعد وفاته، فإذا كانت وفاته (أي محمد بن سعيد العمري) سنة 304 هـ فقد سأل والده (أي الصدوق الأول) ابن روح في نفس السنة التي تولى فيها هو الوكالة، وإذا كانت وفاته سنة: 305 هـ فقد سأل والده الولد بواسطة ابن روح بعد سنتين من توليه الوكالة، وإذا كانت وفاته سنة: 306 هـ وهو المرجح في كتب الشيعة فقد كذب في سؤاله لأن ابن روح لم يكن وكيلا للمهدي لأن الصدوق الثاني ولد في نفس السنة التي توفي فيها الوكيل الثاني للمهدي، ولكن اللافت هو أنه يصرح بمعاصرته للسفراء الأربعة بصرف النظر عن نوع المعاصرة هل هي مجرد معاصرة أم هي احتكاك وتعلم ورواية عن السفراء الذين يلتقون بالمهدي المنتظر؟ واللافت أيضا أن الحسين بن روح الوكيل الثالث قد كان يتردد على قم بإيران ويلتقي بعلماء شيعة منهم القمي؛ الصدوق الأول، ويبدو أنه قد كان هناك تنسيقا بينهما في إمداد النصابين بما يبرر نصبهم على الناس وذلك بوضع أكاذيب على لسان آل بيت رسول الله حتى يضمنوا بقاء السياج محكما على الأغبياء من الشيعة بغية استغلالهم.. لا يهمنا في هذه العجالة الوقوف على نوع المعاصرة، ما يهمنا هو لفت النظر إلى تاريخ وفاة محمد بن سعيد العمري، فإذا كان قد توفي في نفس السنة التي ولد فيها محمد القمي فلا معاصرة إذن، وإذا لم يكن فالسنتان للصبي محمد القمي قبل وفاة السفير الثاني معاصرة بسنة واحدة أو سنتين ولا بأس غير أن الإشكال الكبير في استحالة أن يكون قد عاصر السفير الأول عثمان بن سعيد العمري المتوفى سنة: 265 هـ ذلك أن محمد القمي لم يزدد إلا بعد وفاة السفير الأول بـ 41 سنة، فكيف عاصر السفراء الأربعة فيما يرويه نفس القمي عن نفسه؟ إنها أكذوبة غبية أليس كذلك؟ إنها أكذوبة لم يحسن الشريك في النصب حبك خيوطها حتى تقبل. وله من الإمام الحسن العسكري توقيع باسمه الشيء الذي يفرض فرضيتين اثنتين لا ثالث لهما، فإما أن يكون أبو جعفر محمد بن بابويه القمي قد التقى بالحسن العسكري بعد رجوعه من موته وهناك من الشيعة من يزعم ذلك وهم أولئك الذين نفوا الإمامة في عقبه لأنه لم يخلف ولدا كما يقرون، فقالوا بموته ورجعته فتكون له حياتان، حياة عاشها ومات، وحياة رجع إليها ولا يزال يحياها إلى الآن وهو المهدي المنتظر وليس ولده المزعوم مما يترتب عنه القول بأحد عشر إماما وليس اثنا عشر، وإما أن يكون الحسن العسكري قد مات فعلا ولم يعد إلى الحياة وفي حياته كتب كتابا وتركه لابن بابويه القمي قبل أن يزداد ابن بابويه هذا لأنه (أي الإمام العسكري) يعلم الغيب كما يزعمون. وكتب له (لابن بابويه القمي أبو جعفر) أن ينشط بحرية بسبب بسط الدولة البويهية سيطرتها على الري وأصفهان وهمدان وسائر بلاد العراق العجمي في عهد الحاكم الحسن بن أبى شجاع بويه الملقب بركن الدولة، وكانت أيام ملكه التي دامت أربعاً وأربعين عاما حتى وفاته سنه (366 هـ). وهذه الكتب الأربعة بمثابة البخاري ومسلم علما بأن كتاب البخاري ومسلم لا يرقى إليهما غيرهما سواء من كتب الدجل الشيعية أو كتب التحقيق السنية. 5 ـ الإختصاص، والإرشاد. كتابان منسوبان لمحمّد بن محمّد بن نعمان المفيد البغدادي ( 336 هـ - 413 هـ)، قم المقدّسة مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الإرشاد مجلدان. 6 ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار للمجلسي. مؤلفه هو محمد باقر المجلسي (1037 هـ 1111 هـ)، وهو مليء بروايات الطعن في القرآن الكريم والصحابة الكرام رضوان الله عليهم والغلو في أهل البيت الكرام ويبلغ مائة مجلد. 7 ـ وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة للحر العاملي مؤلفه محمد بن الحسن الحر العاملي توفي سنة 1104 هـ. 8 ـ مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي مؤلفه حسين النوري الطبرسي المتوفى سنة: 1320 هـ. هذا المؤلف هو الذي عليه مدار الفكر الشيعي الحديث، فهو الكتاب المتبنى من طرف أغلب الشيعة الإمامية اليوم، وقد كتبه صاحبه من دون سند، وقد كان يشتري كتبا من السوق وهي مخطوطات لا يعرف أصحابها ويجمعها في كتابه معدلا فيها مزيلا ما يريد ومضيفا ما يريد تشهِّيا منه، وكان يبعث غيره ليشتري له كتبا ويعدل فيها ويجمعها في كتابه المذكور، وكتابه هذا مليئ بالخرافات والأساطير والغلو في آل بيت النبي والطعن في القرآن الكريم وعِرْض من نزل على قلبه النبي الكريم ، ويتخذون التقية مطية لهم حتى يصلوا إلى المسلمين فيضلوهم، ففكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية أو فكرة التقريب بين الشيعة والسنة يتنبناها من يتبنى كتاب مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي ويكفي هذا دليلا قاطعا على نفاق القوم، فهم لا يريدون التقريب وإنما يريدون التبديل والتضليل، يريدون إضلال أهل الحق وصرفهم عن دينهم وقرآنهم وسنة نبيهم ولكن باعتماد التقية، فإذا حاججتهم بما في كتاب مستدرك الوسائل فإنهم مستعدون دائما للتبرء منه ولكن نفاقا (أي تقية) حتى يتمكنوا منك إن كنت ضعيف العقل خاوي الثقافة عديم المعرفة غريرا في العلم.. وإذا وجدوا غير ذلك انصرفوا عنك وحذروا من خدعوهم منك حتى لا يقربوك لكي لا تهديهم إلى سبيل محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه، وإذا قدروا على اغتيالك اغتالوك خصوصا إذا كنت صاحب علم ينسف أباطيلهم. 8 ـ والوافي للفيض الكاشي هو محمد بن الحسن فيض الكاشاني المعروف بملا محسن توفي سنة: 1091 هـ ولهم كتب في التفسير أهمها: ـ تفسير الحسن العسكري المتوفى سنة: 260 هـ لم يتم، وهو مطبوع في مجلد واحد، ومنه نسخة بدار الكتب المصرية، وللعلم فإن الحسن العسكري لم يخلف كتابا واحدا وهذا المذكور بين يديك حضرة القارئ المحترم ليس له، بل هو منسوب إليه. ـ تفسير محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي الكوفي المعروف بالعياشي من علماء القرن الثالث الهجري، وهو من أمهات كتب التفسير عند الشيعة، وعليه يعوِّلون كثيرا. ـ تفسير علي بن إبراهيم القمي في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجري، وهو تفسير مختصر يعتمد عليه أرباب هذا المذهب كثيرا، وهو مطبوع في مجلد واحد كبير، ومنه نسخة بدار الكتب المصرية. ـ التبيان للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي المتوفى سنة: 460 هـ وهو الذي استمد منه الطبرسي تفسيره، وقد ذكر صاحب أعيان الشيعة أنه يقع في عشرين مجلدا. ـ مجمع البيان لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي المتوفى سنة: 538 هـ وهو مطبوع في مجلدين كبيرين وموجود بدار الكتب المصرية وبالمكتبة الأزهرية. ـ الصافي لمحمد بن مرتضى الشهير بـ: ملا محسن الكاشي من علماء القرن الحادي عشر الهجري، وهو مطبوع في مجلد واحد كبير ومنه نسخة بدار الكتب المصرية. ـ الأصفى وهو مختصر من الصافي لنفس مؤلف الصافي. ـ البرهان لهاشم بن سليمان بن إسماعيل الحسيني البحراني المتوفى سنة: 1107 هـ وهو مطبوع في مجلدين وموجود بدار الكتب المصرية. ـ مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار للمولى عبد اللطيف الكازراني، هذا التفسير توجد منه مقدمته فقط وهي مطبوعة في مجلد كبير وموجودة بدار الكتب المصرية. ـ المؤلف لمحمد مرتضى الحسيني المعروف بنور الدين من علماء القرن الثاني الهجري وهو مخطوط في مجلد واحد صغير وموجود بدار الكتب المصرية. ـ تفسير القرآن للمولى السيد عبد الله بن محمد رضا العلوي المتوفى سنة: 1242 هـ وهو مطبوع في مجلد كبير وموجود بدار الكتب المصرية. ـ بيان السعادة في مقامات العبادة لسلطان بن محمد بن حيدر الخراساني من علماء القرن الرابع عشر الهجري وهو مطبوع في مجلد كبير وموجود بدار الكتب المصرية. ـ آلاء الرحمن في تفسير القرآن لمحمد جواد بن حسن النجفي المتوفى سنة: 1352 هـ لم يتم والموجود بدار الكتب المصرية الجزء الأول وهو كل ما كتبه المؤلف ثم عاجلته المنية قبل إتمامه وهو يبدأ بسورة الفاتحة وينتهي عند قوله تعالى في الآية 56 من سورة النساء: (( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا )). ========================== تواريخ استلام (المعصومين) الإمامة وأسلوبهم فيما نسب إليهم تاريخ استلام الإمامة من طرف كل (معصوم) يأتي مباشرة عند موت الإمام الذي سبقه، والإمام الذي سبقه يجب أن يكون مُعَيَّنا بحيث قد تجد إمامين أو ثلاثة في وقت واحد، ولكن لا حقّ إلا لواحد منهم في إمامتهم وإمامة الجميع حتى يموت، وإذا مات يجب أن يخلفه الذي يليه في التعيين، وهذا النهج في إدارة الإمامة قد يسقط منها إماما بموت قبل أن يُتَوَّج إماما لأن وجود اثنين فما فوق قد يحرم أحدهم الإمامة وهو لم يحصل لحسن حظ الذين وضعوا نظام الإمامة، وخططوا لإدارتها.. فالإمام علي بن أبي طالب مثلا قد كان يحيا وإلى جانبه أبناء كثيرون من أعياف (الأعياف من كانوا لأب واحد) وعلات (العلات من كانوا من أب واحد وأمهات شتى) لم يحظوا بالإمامة بسبب كون بعض منهم من أمهات لسن من إحدى بنات رسول الله وتحديدا ليسوا من أبناء فاطمة الزهراء رضي الله عنها، منهم العباس وجعفر وعبد الله وعثمان، وقد استشهدوا جميعا بكربلاء مع أخيهم الحسين ولم يخلفوا ذرية سوى العباس وكانوا جميعا من أم البنين بنت حزام، وعبيد الله وأبا بكر من ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك من بني تميم وقد استشهدا بكربلاء، ويحيى ومحمد الأصغر من أسماء بنت عميس الخثعمية قاله الكلبي، ويحيى وعون قاله الواقدي، - أم حبيبة بنت زمعة بن بحر بن العبد بن علقمة، ورقية وعمر، وقد عمّر خمسا وثمانين سنة من بنت زمعة بن بحر بن العبد بن علقمة، وأم الحسن ورملة الكبرى من أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن مغيث بن مالك الثقفي، وولدت له جارية من ابنة امرئ القيس بن عدي بن أوس الكلبية، وكان رضي الله عنه يصطحبها معه إلى المسجد، وكان يداعبها الناس بقولهم لها: من أخوالك؟ فتقول: وَهْ وَهْ تعني بني كلب، ومحمد الأوسط من أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وأمها زينب بنت رسول الله ، وهي التي كان رسول الله يحملها وهو في الصلاة إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها وهي التي لم تتردد لحظة واحدة حين جمعتهم أمنا خديجة رضي الله عنها وأخبرتهم بنزول الوحي على والدهن الطيب الكريم في إعلان إسلامها مع أخواتها أم كلثوم ورقية وفاطمة رضي الله عنهن جميعا، ومحمد بن الحنفية من خولة بنت جعفر بن قيس من بني حنيفة، ومن الشيعة من يدّعي فيه الإمامة والعصمة. لقد مات علي عن أربع نسوة، وكان له أولاد آخرون لا تعرف أسماء أمهاتهم منهم: أم هانئ وميمونة وزينب الصغرى وأم كلثوم الصغرى وفاطمة وأمامة وخديجة وأم الكرام وأم جعفر وأم سلمة وجمانة. وأنجب من بنت رسول الله فاطمة الزهراء رضي الله عنها الحسن والحسين ومحسنا، وهذا الأخير توفي صغيرا كما في بعض الروايات، وكان له أحفاد من ولديه الحسن والحسين، ولكن الشيعة الإمامية أسقطوا ذرية الحسن وقالوا بذرية الحسين حصرا في الإمامة لأن الحسن تخلى عنها لمعاوية بن أبي سفيان وغضبوا عليه بسبب ذلك ودل ذلك منهم عى أنه غير معصوم وهو قول حق ودل أيضا على أنهم كَذَبَة يأخذون الدين بالتشهّي يلبسون العصمة للحسن رضي الله عنه، ثم ينزعونها عنه بتخطيئه والغضب عليه، ولقبوه بمذل المؤمنين والمسلم عنده أغلى مما تخلى عنه وهي الخلافة، وهو الذي حقن دماء المسلمين بفعله العظيم وترفع عن الخلافة لأنه فوقها ودم المسلم عنده أغلى منها، كما دل ذلك على أنها ليست حقا إلهيا له. كان لعلي حفيده من ولده الحسين؛ علي الملقب بزين العابدين وهو إمام معصوم في دينهم، فقد توفي علي رضي الله عنه في سنة 40 هجرية والحسن يبلغ من العمر 37 سنة، والحسين 36 سنة أيضا يصغر أخاه الحسن ببضعة أشهر فقط، وعلي زين العابدين يبلغ من العمر 4 سنوات وكل منهم إمام، ولكن بالترتيب حسب السن، هذا دون ذكر حفيد علي الآخر من الحسن؛ القاسم ولا غيره من الأحفاد لأن الشيعة الإمامية قد نحّوهم عن الإمامة واخترعوا حديثا ينسبونه للرسول كذبا ينص على الأئمة كلهم بالصفة وليس بالاسم مما أحدث خلافا بينهم خرج بسببه غير الإمامية لينشئوا فرقا أخرى كالزيدية والإسماعيلية.. واخترع الإمامية حديثا عن الخضر الرجل الصالح الذي ذُكرت قصته مع موسى على نبينا وعليه السلام في سورة الكهف منذ آلاف السنين يذكرهم بالاسم استقدموه من الغيب وجاءوا به من التاريخ البعيد إلى علي بن أبي طالب في الحرم المكي ليذكر أئمتهم بأسمائهم واحديا بعد واحد بالترتيب.. ================================ علي بن أبي طالب تولى الإمامة علي بن أبي طالب مباشرة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة: 11 للهجرة النبوية بحسب معتقد الشيعة الإمامية الذين يرون أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب؛ صهر علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان؛ صهر النبي ببنتين له مغتصبين للإمامة من علي، فلو لم يفعلوا لكان قائدا سياسيا منذ السنة الحادية عشرة للهجرة، ولكن عليا ذاته لم يثبت عنه إنكاره على أبي بكر وعمر وعثمان اغتصابهم الإمامة، ولم يزعم قط أن له في الإمامة وصية من رسول الله كما لم يصرح بذلك زمن استلام الإمامة والخلافة، وقد عين النبي أن عليا ليس معصوما وليس خليفة من بعده من خلال جعل أمير له عليه في المدينة المنورة مدة تقرب من ثلاثة أشهر عند خروجه لغزوة تبوك، فلو كان علي معصوما لما خلف عليه غير المعصوم، يفعل ذلك في كل مرة يخرج للغزو فيخلف خلافة سياسية صحابته على عاصمة الدولة الإسلامية؛ المدينة المنورة، وقد وصلت غزواته التي خرج فيها بنفسه صلى الله عليه وسلم 27 غزوة قاتل في 9 منها، وبعث 56 سرية يقودها صحابته بما فيهم علي ابن أبي طالب وقد قاد بعضا منها كسريته إلى طَيْئ ليهدم صنم الفُلْس وسريته إلى اليمن.. ومكث علي في المدينة دون خروج، فقد خلفه رسول الله في غزوة تبوك كما قلت على أهله وأهله وجعل عليه أميرا سياسيا هو محمد بن مسلمة، ويكفي ذلك وضوحا في أنه ليس خليفة له من بعده إذ لو كان كذلك لما جاء بهذه الفعلة التي ستكون شبهة من خلالها يدافع علي أو غيره عن حقه في الاستخلاف. وقد فهم علي رضي الله ذلك والتزم حده وترك الأمور للأمة تنصب عليها من تشاء ممن يطبقون عليها شرع الله فثبت بالطرق الصحيحة انتخاب أهل الحل والعقد في سقيفة بني ساعدة لأبي بكر، ثم اختيار الأمة له، ثم عمر وكان ممن اختارهم هو بنفسه حين أدخله عليه أبو بكر ليستشيره في عمر فأثنى عليه ورضيه، ثم عثمان، ثم علي.. ظل علي بن أبي طالب إماما للناس حتى وفاته سنة 40 للهجرة، وعاش 63 سنة من عره المبارك. ويذكر أن عليا قد تصاهر مع عمر بن الخطاب حين تزوج عمر من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وقد أنجبت له رقية بنت عمر بن الخطاب حفيدة علي، وزيد بن عمر بن الخطاب حفيده أيضا. الإمام علي بن أبي طالب أبو البكرين، أبو بكر الأصغر وأبو بكر الأكبر، سماهما باسم عدوه اللدود كما تزعم الشيعة أبو بكر الصديق رضي الله عنه.. الإمام علي بن أبي طالب أبو العمرين، عمر الأصغر وعمر الأكبر، سماهما باسم عدوه اللدود كما تزعم الشيعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن طرائف الود وطرائقه الروحية من عمر لعلي، ومن علي لعمر أن عليا اشتاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لا يشتاق للرسول للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم خصوصا من عاشره وصاحبه وتصاهر معه؟ رآه في المنام بيده طبقا من تمر فأخذ الحبيب المصطفى تمرة ووضعها في فم علي، ثم أخذ الثانية ووضعها في فم علي فاستفاق علي وهو يجد حلاوة التمرتين وفرح فرحا شديدا برؤية النبي ورؤيته حق لأن الشيطان لا يتمثل به صلى الله عليه وسلم، تقرر لعلي بعد ذلك أن يبشر أحدا برؤياه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وما فعل به فاختار عمر، واختيار عمر اختيار مقصود فهو اختيار ود ومحبة، اختيار لمن ألفه وألفه، فقصد المسجد وإذا بعمر فيه فدخلت صبية وبيدها طبق من تمر قدمته لعمر فأخد عمر الطبق وأخذ تمرة ووضعها في فم علي مقدما إياه على غيره وفي ذلك عربون محبة وإيثار، ثم أخذ الثانية ووضعها في فم علي، ثم تحول عنه وشرع يناول التمر من في المسجد وكان علي يجد حلاوة تلك التمرتين كما وجد حلاوة تمرتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فشرع يتطلع إلى الثالثة وربما الرابعة أو أكثر ففطن له عمر وتقدم إليه وقال له: لو زادك رسول الله صلى الله عليه وسلم لزدناك" يا لها من كرامة للرجلين، رسول الله يُرى لعلي وعمر يعلم بما فعل مع علي ومعنى ذلك أن عمر قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ورأى فعلته مع علي بن أبي طالب، رسول الله يُرى لعلي ويرى لعمر في المنام، يرى لعلي وهو يقدم له التمرتين، ويرى لعمر وهو يقدم لعمر التمرتين، هذه هي المودة، وصدق الله في حقهم حين ألف بين قلوب الصحابة. الإمام علي بن أبي طالب أبو العثمانين، عثمان الأكبر وعثمان الأصغر، سماهما باسم أعدائه كما يروج الشيعة الإمامية، كيف يكون ذلك؟ وإذا قيل أن عليا سمى أبناءه قبل أن تظهر عداوة أبي بكر وعمر وعثمان يرد عليه أن عليا لم يتزوج إلا بعد وفاة السيدة فاطمة بنت النبي وقد كان ذلك بعد وفاتها في نفس السنة التي توفي فيها رسول الله ، بعد أن توفيت تزوج علي، ومن المفروض أن يكون زواجه طبيعيا، ليكن في نفس السنة سنة: 11 هـ في الشهر السابع من السنة الهجرية الحادية عشرة لأنها بقيت بعد أبيها رسول الله ستة أشهر، ليكن زواج علي بشهر واحد أو أسبوع واحد أو يوم واحد بعد وفاة فاطمة الزهراء، ذلك الزواج لكي يأتي منه الولد يحتاج إلى تسعة أشهر أو ثمانية أو سبعة أو ستة فيكون المولود الجديد له في سنة 12 هـ لأن أبا بكر تولى الخلافة في سنة: 11 هـ بعد وفاة النبي سنة: 11 هـ بثلاثة أيام وفاطمة الزهراء في ذلك الحين لا تزال تحيا، فإذا كان أبو بكر قد انتزع من علي حقه في الخلافة أو الإمامة وهي بمعنى واحد فلماذا يسمي علي ابنه باسم عدوه أبي بكر؟ ولماذا يزيد فيسمي الثاني باسم عدوه أبي بكر؟ ولماذا يعاديه عمر بعد ثلاث سنوات من حكم الصديق وينتزع منه حقه في الخلافة والإمامة، ثم يسمي ابنه باسم عمر الأكبر وعمر الأصغر؟ هل يمكن أن تستقيم أقوال الشيعة عن عداوة أبي بكر وعمر وعثمان لعلي والواقع والتاريخ والشواهد ينكرونها وهي تحاجج في الطرف المقابل فيكون علي وأبو بكر وعمر وعثمان أحباب حقا وصدقا ومنهما صهري النبي بعائشة وحفصة رضي الله عنهم جميعا، ومنهم صهر النبي بابنتيه أم كلثوم ورقية وهو ذو النورين عثمان بن عفان؟ أسلوبه: أسلوب علي بن أبي طالب في الكلام والتعبير أسلوب متميز متفرد، تستطيع معرفته بمجرد إلمامك بما ثبت عنه ونسب إليه، فقد جاء في نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، منها الخطب والأوامر والكتب والرسائل والحكم والمواعظ، منها قوله رضي الله عنه: ((والذي فلق الحبة، وبرأ النَّسَمَة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليّ أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق)) رواه مسلم. وقال محمد بن الحنفية (ولَدُ علي من أمه من بني حنيفة) قلت لأبي: ((أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت أن يقول عثمان. قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين. رواه البخاري. وقال رضي الله عنه: يهلك فيّ اثنان؛ محب يُقرّظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا إني لست بنبي ولا يوحى إليّ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحقّ عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم. وقد قيل لعلي رضي الله عنه: إن هنا قوماً على باب المسجد يدّعون أنك ربهم، فدعاهم، فقال لهم: ويلكم ما تقولون؟ قالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا! فقال: ويلكم إنما أنا عبدٌ مثلكم؛ آكل الطعام كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء، وإن عصيته خشيت أن يعذبني، فاتقوا الله وارجعوا، فأبوا، فلما كان الغد غدوا عليه، فجاء قنبر فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام، فقال: أدخلهم، فقالوا: كذلك، فلما كان الثالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة، فأبوا إلا ذلك، فقال: يا قنبر ائتني بفعلة معهم، فخدّ لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر. وقال: احفروا فابعدوا في الأرض، وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال: إني طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا، فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال رضي الله عنه: لما رأيت الأمر أمراً منكراً *** أوقدت ناري ودعوت قنبرا قال الحافظ في الفتح: وهذا سند حسن. وقال رضي الله عنه في أهل الكوفة: ((اللهم إني قد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني على غير طبيعتي وخلقي، وأخلاق لم تكن تعرف لي. اللهم فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شراً مني. اللهم أمِتْ قلوبهم موت الملح في الماء)).مكتبة مشكاة الإسلامية. دعاؤه رضي الله عنه يدل على أذى لحقه من أهل الكوفة، ولذلك دعا عليهم، ولو كان رسول الله قد آذوه بأكثر مما آذوا عليا لما دعا عليهم إلا بخير نظرا لصفته التي لا يمكن أن تكون لعلي ولو أن له شيئا منها، وهي الرأفة والرحمة، فرسول الله عزيز عليه ما عنتنا حريص علينا ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128))) التوبة، وليس دعاؤه على القوم مخالفة لرسول الله لأنه واقع في المباح كما أنه لا يمكن أن يكون في منزلة النبي وقد دعا الرسول على أشخاص آذوه بأبي هو وأمي كعقبة بن أبي مُعَيْط وأبي جهل وعبد الله بن أُبَيّ بن سلول.. وقوله: ((الحمد لله الذي لا يبلغ مِدْحَته القائلون. ولا يحصي نَعماءه العادّون. ولا يؤدي حقه المجتهدون. الذي لا يدركه بُعْدُ الهِمم ولا يناله غَوْص الفِطن. الذي ليس لصفته حدّ محدود ولا نعت موجود. ولا وقت معدود ولا أجل ممدود. فطر الخلائق بقدرته. ونشر الرياح برحمته. ووتَّد بالصخور مَيَدانَ أرضه. أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به. وكمال التصديق به توحيده. وكمال توحيده الإخلاص له. وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة. فمَن وَصَفَ الله سبحانه فقد قرنه. ومن قرنه فقد ثَنَّاه ومن ثنّاه فقد جزَّأه، ومن جزأه فقد جهله. ومن جهله فقد أشار إليه. ومن أشار إليه فقد حدَّه. ومن حده فقد عده ومن قال فيْم فقد ضمنه. ومن قال علام فقد أخلى منه. كائن لا عن حدث موجودٌ لا عن عدم.. مع كل شيء لا بمقارنة. وغير كل شيء لا بمزايلة. فاعل لا بمعنى الحركات والآلة. بصير إذ لا منظور إليه من خلقه. متوحِّدٌ إذ لا سَكَنَ يستأنس به ولا يستوحش لفقده. أنشأ الخلق إنشاء. وابتدأه ابتداء. بلا روية أجالها. ولا تجربة استفادها. ولا حركة أحدثها. ولا همامة نفس اضطرب فيها. أحال الأشياء لأوقاتها. ولام بين مختلفاتها. وغرَّز غرائزها وألزمها أشباحها عالما بها قبل ابتدائها محيطا بحدودها وانتهائها. عارفا بقرائنها وأحنائها.. ((نهج البلاغة، من خطبة علي بن أبي طالب، شرح الشيخ محمد عبده، طبعة دار الحديث بمصر سنة: 2004 صفحة: 17ـ19)). دعونا لا نقف عند التحقيق في كتاب نهج البلاغة، فالكتاب لا سند له إلى علي بن أبي طالب، بل هو منسوب إليه فقط، الأمر معلوم مثله مثل جميع الأحاديث المروية في كتب الشيعة عن آل بيت النبي وعن علي وعن رسول الله فكلها لا سند لها، فهم لا يهتمون بالسند لأنهم كَذَبَة، فلا فائدة في السند كما زعموا لأنهم أكذب من إبليس ولكن جاء من يحاكي أهل الحق من السنة فوضعوا الأسانيد متأخرين وفيها أيضا كذب ووضع وقد قال الحر العاملي بأن السند ما وضع إلا لدفع تعيير أهل السنة، انظر كتاب: وسائل الشيعة ج 20 / 100. لنتجاوز التحقيق في كتاب نهج البلاغة ونناقش ما ورد فيه. هذه النصوص كلام يجمع بين الفلسفة والحكمة والفقه واللغة.. كل كلامه فيها غاية في السمو، ينم عن غزارة في العلم، وسموق في البيان، وارتفاع في اللغة، كل كلامه يتركب من ألفاظ وكلمات منتقاة بحسب ما تؤديه من معاني، يُركِّبها صاحبها بارتجال يدل على عبقرية فذة، وقدرة لغوية فائقة، يتأكد ذلك في تركيبه للكلام وتسجيعه له (جعله سجعا) دون كثير تكلف مع الأداء المناسب للمعاني المختارة، وهو به متفرد، وبقدرته تلك على التعبير بذلك الارتفاع عصي عن التقليد والمحاكاة، وهناك من جعل كلامه (أسلوبه) مباشرة بعد سنة النبي محمد . يجمع أسلوبه في هذا الكتاب بين الأداء الحسن للمعاني، والترتيب الموفق للألفاظ، ولا يعني هذا أن كلامه وحي لا يصيبه نقص، ولا يعتريه خطأ، كلا، ولكنه كلام رب من أرباب البيان، وتركيب عقل عربي كأنه واضع اللغة، أو كأنه منهل الفصاحة والبلاغة.. تغوص في تراكيبه فتجد فيها فلسفة، تجد فيها حكمة، تجد فيها أدبا، تجد فيها سياسة، تجد فيها ألوانا وألوانا من التعابير تدل على حصافة عقل صاحبها، لا يستطيع غيره فيما جاء به أن يسلك مسلكه، وبالتالي تتميز بأسلوب يرقى إلى مستوى يصعب تقليده من أرباب البيان، وفحول اللغويين من البلغاء والفصحاء.. جاء فيما ذكر قوله: "ووتَّد بالصخور مَيَدان أرضه"، أي أثبت بالصخور ميلان الأرض وحركتها، والناظر في هذه العبارة يجد أنها لا تدل على واقع، ولا تعبر عن حقيقة، ولكنها مع ذلك تدل على قوة سبر، ونباهة عقل، ولو قدر لصاحب الكتاب أن يكون في عصرنا هذا لصدر عنه العجب العجاب مستفيدا مما انفتح للبشرية من علوم ومعارف في شتى الميادين، صحيح أن الصخور (الصخور الضخمة أو الجبال) أوتاد للأرض تغوص فيها متجاوزة 50 كيلومترا في باطن الأرض، وهي إشارة إلى قوله تعالى في القرآن الكريم سورة النبأ: ((أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7))) النبأ، "أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا" أي: ممهدة للخلائق ذَلُولا لهم، قارّةً ساكنة ثابتة، {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} أي: جعل لها أوتادًا أرساها بها وثبتها وقرّرها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها كما في تفسير ابن كثير، وتدل على عقلية تربت على معارف القرآن وصوره، وتلك ثقافة إسلامية نبتت عنده من تربية النبوة التي تربى فيها إذا صحت نسبة الكتاب إليه، ولكنه بقوله أن بالصخور وتَدَتْ مَيَدان الأرض لم يكن موفقا لعدم علمه بما نعلم نحن بسبب الاكتشافات العلمية والتقدم الكبير في علوم الأرض الذي تراكم عندنا، وليس هذا تنقيصا من قيمة صاحب الكتاب أو قيمة علي إذا كان الكتاب له، بل هو شهادة على أنه لا يعلم الغيب، وكما قلت لو كان عندنا ومعنا لشق عقله عن أفهام تتماشى متماهية مع القرآن الذي لا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد... إن الأرض لم تسكن من اضطراب بسبب الصخور، بل هي مضطربة بالصخور وبما فيها إلى يومنا هذا، مضطربة بصفائح قاراتها، مضطربة بصهارتها، مضطربة بما يحدث في بطنها من تفاعل وانصهار يظهر أثره على ظهرها من براكين وزلازل واهتزازات، ولم تجمد بتلك الصخور أيضا، بل هي متحركة لم تزل، ومائرة لم تزل، تسرع بنا في دوران حول ذاتها لإحداث اليل والنهار، وحول الشمس لإحداث الفصول الأربعة ولكن الرجل لم يكن يعلم ذلك بسبب غياب أدوات الرصد والسبر في وقته، بل إن ذكر القرآن لسير الجبال، وعدم جمودها بحيث تمر مر السحاب كما في سورة النمل في قوله تعالى: ((وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)))؛ يضع كلام الرجل في هذه الفقرة موضع المخطئ الذي لا ينقص خطأه من اجتهاده وفضله شيء، وهذه طبيعة بشرية، إذ لو كان رسولا لما وقع في هذا الخطأ، ولو كان معصوما حقا لما وقع فيه أيضا، وأرجح أن عليا لم يسمع حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الذي قال فيه: قال رسول الله : "لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غازٍ في سبيل الله، فإن تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً". أخرجه أبو داود في سننه، ولكنه من حيث بناء الكلام وتركيب الجمل في فقرات ونصوص إنما أتقن عن غير كثير تكلف، وأبان من غير تعسف. صحيح أن الصخور إذا قصد بها الجبال فهي مانعة لميدان الأرض، انظر قوله تعالى: ((أن تميد بكم)). إن حديث بن عمر لو توصل به علي بن أبي طالب لغير رأيه ولأدرك أن الأرض مضطربة وغير ثابتة بالنار التي في قلبها، والصفائح القارية التي تحمل القرات، أي تحمل الأرض بما فيها ومن فيها، والنار المعبر بها تحتاج إلى أوكسجين لكي تشتعل ولكنها غير ذلك، فتكون النار مضغوطة في باطن الأرض على شكل صهارة هي الماكما، وهي التي تفرز لنا البراكين، والألواح بحركتها هي التي تصيبنا بالزلازل، وقد دل ما سقناه على قلة علم علي أو صاحب الكتاب ولا غرابة، فما من أحد من البشر إلا وهو ناقص، فتكون النتيجة أن عليا ليس معصوما إذ لو كان معصوما لما وقع في الخطأ. وقد ((قام علماء من ألمانيا منذ أيام باكتشاف جديد في مجال حركة الجبال!!! فقد تبين لهم أن قارة أوربا وقارة أمريكا الشمالية تبتعدان عن بعضهما بمعدل 18 ميليمتر كل عام، وقد وجدوا أيضاً أن هذه المسافة دقيقة جداً، لأنهم يستخدمون المراصد الفلكية لرصد حركة النجوم، وهناك مراصد تتوضع في أوروبا وأخرى تتوضع في أمريكا، وعندما تتلقى هذه المراصد الإشارات الراديوية من النجوم النيوترونية مثلاً (وهي التي سماها القرآن بالطارق)، وهذه الإشارات دقيقة جداً وهي أفضل من أي ساعة أرضية، أي أنها منتظمة، ولذلك يجب أن تتلقى المراصد الفلكية على الأرض هذه الإشارات في نفس الوقت مع فارق ضئيل جداً يتناسب مع بعد كل من المرصدين. وعندما قاس العلماء هذه الفوارق بدقة متناهية وجدوا أن هناك حركة للوح الذي يحمل قارة أوربا وحركة أخرى للوح الذي يحمل قارة أمريكا وأن هذين اللوحين يتحركان بسرعة تصل إلى 18 مليمتر في السنة، أي أن الجبال التي تحملها هذه الألواح تتحرك أيضاً. إن الذي يتأمل هذه الاكتشافات العلمية، وجميعها تؤكد على حركة الجبال فهي تتحرك ولا نشعر بها أبداً، ومن هنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) النمل: 88]. هذه الآية العظيمة هي دليل عظيم على صدق القرآن وأنه كتاب الحقائق، فلا يمكن لأحد زمن نزول القرآن أن يتنبأ بحركة الجبال ويصفها بأنها تشبه مرور الغيوم، وهذا التشبيه صحيح علمياً. فالغيوم تُدفع بالتيارات الهوائية الناتجة عن فروق درجات الحرارة، وكذلك الجبال تُدفع بالتيارات الحرارية الناتجة عن فروق درجات الحرارة على عمق مئات الكيلومترات. كذلك فإن حركة الغيوم تكون عادة انسيابية وبطيئة وكذلك حركة الجبال انسيابية وبطيئة ولا نكاد نحس بها)). عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com تحسس العبير الذي تحتجب له جميع أنواع العطر، وانظر إليها وقد أضحت بلورات من للآلئ خرجت من فيه رسول الله ، لا يقول النبي إلا صدقا، ولا يقصد إلا حقا، فكل كلامه حق وصدق لأنه وحي من العالم الحق الذي لا يخطئ، تأمل في الحديث الوارد معنا فستجد فيه إعجازا علميا. هذا الحديث به إعجاز علمي. فالنبي يخبر بوجود نار تحت البحر. ومعلوم أن البحر هو كل الأرض تقريبا إذ يغطي الماء 7 / 10 من سطح الأرض، وقوله: وتحت النار بحرا لا يعني سوى نفس البحر، ولكن من الجهة الأخرى وهو إشارة إلى كروية الأرض، وإذا أخذت الأرض من أي جهة فلن تحصل إلا على ما ستحصل عليه من الجهة الأخرى، خذها من القطب الشمالي أو من القطب الجنوبي، خذها من الغرب أو من الشرق، خذها من جميع أطرافها وغص فيها ودائما نحو مركز الدائرة فستخرج إلى الجهة الأخرى، ومعنى ذلك أنك ستخوض في البحر مرة ثانية إن أنت خرقتها؛ والبحر يقع فوق النار دائما. إن الرجل من حيث بناء الكلام وتركيب الجمل في فقرات ونصوص إنما أتقن عن غير كثير تكلف، وأبان من غير تعسف كما قلت، صحيح أن الصخور أو الجبال بمثابة الأعمدة أو الأوتاد بتعبير القرآن الكريم، وهي التي تشد إليها أجزاء البناء، فكذلك الجبال والصخور تشد إليها أطراف الأرض فتجمعها في وحدة واحدة هي كوكب الأرض ذاته ولكنها ليست قارة بما فيها ومن فيها، ليست قارة بما عليها ومن عليها، تتحرك بهم دون أن يشعروا بحركتها الدائمة، يتحسسون الحركة عند الزلازل وهي متحركة بالزلازل وبغير الزلازل، ولم يخطئ المفسرون حين قالوا أن ذلك يكون يوم القيامة لأنها ستكون كذلك مع إحساس الناس بها ورؤيتهم لحركتها المرعبة، فستشاهد وهي كالطائرة في الفضاء قد فقدت توازنها، أو هي كالمستلقين من الطائرات بالمظلات قبل فتح مظلاتهم، كما هي متحركة في علمنا نحن ويغيب هذا العلم عن الأقدمين علما بأن سير الجبال سير للأرض لأن الجبال منها لا يمكنها أن تتحرك دون حمولتها مما تشده إليها وتمنعه من الانفلات والتشظي، وهي تنقص من الأعلى وتهبط في الأسفل، وهي تخلق من الأسفل عن طريق الألواح التي تدفعها إلى البروز فتتكون في الأعلى، ثم تنقص وتهبط من جديد وهكذا.. فسير الجبال كائن منذ وجدت الجبال على الأرض لأنها محكومة بقانون الحركة والجاذبية والدوران في فلكها، وسرعتها معروفة إذ هي: 15 كيلومتر في الثانية. في خطبه رضي الله عنه يأتي بسجع قليل التكلّف يعجز عن الإتيان بمثله الكثيرون إن لم نقل الكل، ولا حرج، والأمر للمزايدة، والأمر للمحاججة والمنافسة سواء الآن أو غدا، المهم أن سجع علي بن أبي طالب كبنّاء لغوي، وكحرفيّ قدير في اللغة لا يتكلّف النظم إلا قليلا، إذ يأتيه عن سليقة، ويبدعه عن عبقرية نادرة مع معاني راقية مستنيرة، وقمة في الإنسانية صحبة علم جمّ، وفضل كبير ولكن صحبة طبيعة عجزه المحتم عن الإحاطة بكل شيء.. ومن هنا يمكننا معرفة أسلوبه المتميز في خطبه وحكمه ومواعظه وأوامره ووصاياه وفتاواه.. كما يمكننا أيضا معرفة نوعية الألفاظ التي يستعملها في تناسق محكم دال على صنعة بديعة حُقّ للعربية أن تضعها في سلّم يلي أسلوب النبي محمد لولا فصل بينهما، فأسلوب النبي الذي يقف في قمة جوامع الكلم الذي أوتيه ليقتعد موقعا له في المقدمة لا يتقدمه أحد، فروعة فصاحته ، وعذوبة منطقه، وسلاسة نظمه وجميع ما اجتمع له صفات لم تصف لأحد قبله، ولن تصفو لأحد بعده، وقد شهد له رجل يستحيل أن يكون قد عرف فصيحا ولم يطّلع على فصاحته وهو أبو بكر الصديق، فقد قال للنبي : ((لقد طفت في العرب وسمعت فصحاءهم فما سمعت أفصح منك، فمن أدّبك؟ (أي من علمك) فقال عليه الصلاة والسلام: ((أدّبني ربي فأحسن تأديبي)) إعجاز القرآن والفصاحة النبوية صفحة: 201 لمصطفى صادق الرافعي طبعة: 2005م لدار الكتاب العربي بيروت. لن تصفو الفصاحة لأحد بعد النبي كما تقدم لأن النبي مؤيد بالوحي الشيء الذي لن يتحقق لأحد بعده فيكون الأوحد في التعبير، والفريد المتفرد في الأسلوب بأبي هو وأمي . وأسلوب علي يجعل عليا في الرتبة الثانية مع مسافة كبيرة يستحيل المقارنة بينها وبين مقعد النبي في التعبير، فشتان بين من يعبر وهو مؤيد بالوحي ويلبس جلال النبوة، وبين متعلم غير معصوم لا يوحى إليه. نجعل عليا في الرتبة الثانية ليس من باب المقارنة، ولكن من باب وصف الواقع، ووضع الإصبع على الحقيقة. ويزيدنا طمأنينة ما استعمل من ألفاظ وما ساق من كلمات لو أن غيره استعملها قريبا مما يستعملها هو لم تشر إليه بسبب النقص في بنائها على وجهها الذي أخرجت عليه، ولم لا ونحن مع رب من أرباب البيان وفحل من فحول اللغة؟ فما استعمل من أسلوب بنى به نصوصه طبع بطابع قلة استعمال لفظ القرآن الكريم، ولا أقول الاقتباس، لأن الاقتباس ثابت لكل الصحابة، وثابت أيضا لمعظم الكَتَبَة ممن يؤمنون بالقرآن، بل حتى الذين لا يؤمنون به اقتبسوا منه، وهذا ليس موضوعنا، أقول: إن القرآن العظيم لم يكن قد تمكّن من حياة الناس والمجتمع رغم تطبيقه عليهم، وسيادة شريعته في علاقاتهم، واعتبارهم به عمليا في مصالحهم بحيث عملوا بحلاله وتجنبوا حرامه، نهضوا مأجورين لمندوبه ومكروهه وتساوى عندهم الفعل والترك بمباحه، فرغم كل ذلك مكثوا ينطقون فترة حياتهم (أعني الصحابة وعليا خاصة) بلغة ألفاظها غير ألفاظ القرآن الكريم، صحيح أن القرآن استعمل اللغة العربية ووظف لفظها لأداء وحي الله تعالى، ولكنه اختار أحسنها، واصطفى أنسبها للسياق، منها ما رقي به برقي الوحي حتى صار جزءا من الإعجاز ولغة قرآنية، وسيّجها بجوامع لا جوامع لها فبات الشأن اللغوي منه وإليه. لقد ظل الصحابة بمن فيهم علي ينطقون ويكتبون بلغة وظفت ألفاظا لم تكن هي ألفاظ القرآن الكريم إلا قليلا جدا، ويظهر هذا في أسلوب من أتى بعدهم إلى حين، فصار بعدهم لفظ القرآن الكريم هو المستعمل، وهو الموظف حتى في اللهجات المحلية، فصارت أساليب الناس مطبوعة بلفظ القرآن حتى لدى من يعادونه سفها، ويحاربونه جهلا، ولذلك نجد الرجل في نهج البلاغة لا يوظف ألفاظ القرآن إلا قليلا شأنه شأن إخوانه من الصحابة والمسلمين في حياته هذا إذا كان صاحب الكتاب عليا، يفعل ذلك بسبب كونه شب على لغة مطروقة لا عهد لها بلغة القرآن وهي عربية، وعلى صغر سنه في اعتناق الإسلام احتفظ طول حياته بأسلوبه، ولكنه بناه بلغة غير لغة القرآن، بناه بلغة ألفاظها مستعملة بين العرب لم تتزحزح بعد لتخلي مكانها للفظ القرآن كما هو الحال بعد ذهاب الصحابة، ولا يعني هذا أننا أكثر منهم استعمالا للفظ القرآن، بل يعني أننا فقط أكثر منهم حصرا للغة في كتاب الله بألفاظه العربية، ولقد يسّر لنا ذلك معرفة أساليب العرب الذين لم توثق كتاباتهم في عهدهم، ويسّر لنا أيضا معرفة ما هو من ضمن أسلوب النبي محمد من غيره، فسح لنا المجال لمعرفة ما نسب إليه وهو ليس له، وهذا إضافة جديدة في بحث الصحيح من غير الصحيح من حديثه ، وقد تطرقنا إليه في بحث أسلوب النبي في كتابنا: المقارنات علم وفن (فساد الفكر الشيعي أنموذجا)، وسهل لنا معرفة أسلوب علي من غيره خصوصا وأن الرجل كثر في حقه الوضّاعون؛ وقد أخفقوا لجهلهم وحكمهم علينا في الغيب بجهالتهم، إذ لو عقلوا؛ ما فعلوا، إذ حتما سيأتي من يكشف الدّسّ والكذب في النسبة ولو أن يكون الواضع والكذاب فارسا في البيان، جهبيذا في اللغة، عبقريا في البلاغة والفصاحة، مجيدا حدّ الإبهار في النظم والحبك.. انظر حضرة القارئ المحترم إلى الفقرات التي ستأتي منسوبة لعلي رضي الله عنه، ففيها التباس أن يكون آخر الكلام ليس لعلي، تثبت منه بمعرفة الألفاظ التي يستعملها علي، وأسلوب بنائه للمعاني، وتكثيفه لها في الجملة والفقرة، والاختصار والإطناب، وكيف يشير حين يريد أن يشير مثال ذلك: ((وإنما هو تعلُّم من ذي علم))يعني الرسول ، فمنه تعلم، وهذه إشارة لبيبة، ولكنه في الأخير يصرح قائلا: ((فَعِلْمٌ علمه الله نبيه فعلمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري، وتضطمّ عليه جوارحي)) لماذا أشار في الأولى وصرح في الأخيرة؟ هل كان يخشى الالتباس؟ أما يعلم الناس أن عليا تلميذ محمد يتعلم منه العلم والحكمة وهو معلمه الأوحد؟ لقد كان كذلك، ومعنى هذا أن الكلام جاء من معجب به وهو من أصحابه وكان حاضرا يستمع جوابا على الذي قال: ((لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فضحك عليه السلام، وقال للرجل وكان كَلْبيا: يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب...)) هذا الكلام يتهم عليا بالسكوت عن الباطل ويظهره ضاحكا والأولى أن يعبس ويغضب وهو يحفظ قوله تعالى في سورة النمل: ((قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)))، وقوله أيضا في سورة الجن: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27))) ولم يكن علي رسولا، كلام علي المنسوب إليه لم يبن من متمكن من اللغة، هذا الكلام لم يبن من متمكن من اللغة، صحيح قد بني بناء صحيحا لغة، ولكنه بناء يدل على ضعف ولا بأس إلا من جهة معرفة نوعية الحضور مع علي، وطرح السؤال بحقهم: "هل كانوا دون مستوى فهم علي والناطق كلبيا؟" المهم أن الجواب هو الذي يكشف وجود أسلوبين اثنين في أسلوب واحد، أسلوب علي أدمج فيه أسلوب غيره وحرص صاحبه على أن يحاكيه دون أن يوفق لذلك، فالأولى أن يقول علي من باب المحاكاة إن نحن أحسنا تقليده: "... وما عدد الله سبحانه بقوله: ((إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)) لقمان، هذا هو المطلوب لذلك الأسلوب، المطلوب بناءه البناء الذي يتماشى مع عقلية علي وثقافة علي وأسلوب علي، فهو من مدرسة محمد ، ويوجد خارج المدينة، ويحمل علم النبي الذي هو الإسلام ويحفظ القرآن، وهو بالإضافة إلى إمارته للمؤمنين معلم الناس، وحين يرد ما يلزم من معنى للورود لا يكتمه أو يفضل عليه غيره، وإذا فعل سبّقه، ثم جاء بما عنده وهو لم يحصل معه، فكان فيما لم يورد الآيات كلها قد قدم عليها كلامه، وهذا مرفوض عند علي نفسه، وهو ليس حراما، ولا يتهم به صاحبه، ولكننا بصدد معرفة رجل يحرص على نشر القرآن وليس على نشر كلامه وإن حوى كلامه كثقافة؛ معاني القرآن، ثم إننا لو سلمنا بصحة بنائه رغم اختلاف أسلوبه هذا عن الأسلوب الأول؛ ندرك أنما ساقه مباشرة بعد ذكر علم الله لما في الأرحام لا يتماشى في السياق، ولا ينتظم في الجمل والفقرات مثل سابقه، وهذا خلل في الأسلوب، وإن لم يكن خللا؛ وليكن، فإنه نزول بالأسلوب ممن لا يقبل نزوله، وتلك ثغرة فيه، ثم إن تغييب ما يلي الآية التي تتحدث عن علم ما في الأرحام وهي الآية التي تتحدث عن إنزال الغيث وقبل الحديث عن الأرحام كان يتحدث عن علم الساعة، ثم الاستمرار بالحديث عن القبيح والجميل والسخي والبخيل والشقي والسعيد ومن يكون في النار حطبا وللنبيين مرافقا، كل ذلك يدل على تكلف، ويدل قبل هذا وذاك على سوء نظم، وغرارة سبك فضلا عن اضطراب المعاني في قوالبها وبعدها عن الارتباط ببعضها البعض حسب سياق القرآن الترتيبي وسياق الأسلوب الذي يتماشى مع ما يحمل من معاني، ثم إننا إن اقتصرنا على ما ذكر من أن علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله تعالى هو ما سبق ذكره من علم ما في الأرحام من ذكر أو أنثى وعلم القبيح من الجميل والسخي من البخيل والشقي من السعيد ومن في النار ممن في الجنة مع النبيين وعلم الساعة دون غيرها يكون مما يعلمه علي، لأن النبي علمه إياه من الله تعالى، وهو قد علمه عليا ودعا له بالوعي وانضمام جوارحه عليه، هذا الكلام إذا قيل يكون قائله واقعا في تناقض، إذ كيف يأتي الكلام بقوله: "...وإنما علم الغيب علم الساعة وما عدد الله سبحانه بقوله: ((إن الله عنده علم الساعة)) أي وعلم نزول الغيث وعلم أمكنة الموت وعلم الكسب في الغد، لأنها داخلة في العد، ثم يأتي سوى علم الأرحام والساعة فيكون معلوما لعلي من باب تعليم النبي له علما بأن النبي محمد لا يعلمه؟ يبدو أن المفكر في بناء هذه النصوص قد تسرع في بناء كلامه، ولو لم يتسرع لظهر الخلل في غير ما ظهر، إذ يستحيل على الغشاش أن ينفلت من المتربص به وبغشه.. هذه الفقرات تأتي لتؤكد ما لا ينبغي أن يكون، لتقول ما لا يقبله العقل، وما ترفضه الفطرة أضف إلى ذلك عنصر العنصرية في الإمامة. فقد ((روى ثقة الإسلام وحجّة الأنام - قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه - في الكافي ـ أصول الكافي للكليني ـ في باب اختلاف الحديث ما هذا لفظه: عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليمانى، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي وهو من خواص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والإمام الحسن والإمام الحسين والإمام زين العابدين عليهم السلام، وقد أدرك الإمام الباقر عليه السلام أيضا ذكر ذلك البرقي والطوسي وابن النديم قال، قُلتُ (أي سليم بن قيس الهلالي) لأمير المؤمنين (ع): إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن النبيّ غير ما في أيدي الناس، ثمّ سَمعْتُ منك تصديق ما سَمعْتُ منهم. ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبيّ اللّه أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل. أفَتَرى الناس يكذبون على رسول الله متعمّدين، ويفسّرون القرآن بآرائهم؟ قال: فأقبل عليّ (ع) فقال: قد سألتَ فافهم الجواب: إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسُوخاً، وعامّاً وخاصّاً، ومُحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسول اللّه في عهده حتّى قام خطيباً فقال: أيّها الناس قد كثرت عليّ الكذّابةُ فمن كذب عليّ متعمّداً فليتبوأ مقعده من النار، ثمّ كُذب عليه من بعده. وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس: رَجُل منافقٌ يظهر الإيمان، متصنّع بالإسلام، لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسُول اللّه متعمّداً، فلو علم الناس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه، ولكنّهم قالوا: هذا قد صحب رَسول اللّه وروى عنه (90) وسمع منه، فأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله. وقد أخبره اللّه تعالى عن المنافقين بما أخبره، ووصفَهُم بما وصفهم. فقال عزّ وجلّ: ((وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)) المنافقون، الآية: 4. (91) ثمّ بقوا بعده فتقرّبُوا إلى أئمّة الضلالة والدُعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولّوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا. وإنّما النّاس مع الملوك والدنيا إلّا من عصمه اللّه سُبْحانه. فهذا أحد الأربعة. ورَجُل سمع من رَسُول اللّه شيئاً لم يحمله على وجهه ووَهَم فيه، فلم يتعمّد كذباً فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه، ويقول: أنا سمعته من رسُولاللّه ، فلو علم المُسْلمُون أنّه وَهَم لم يقبلوه، ولو علم هو أنّه وَهَم لَرَفضه. ورجل ثالث سمع من رسُول اللّه شيئاً أمَرَ به ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيءٍ ثمّ أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنّه منسوخ لَرَفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لَرفضوه. ورَجُل رابع لم يكذب على رسُول اللّه مبغض للكذِب خوفاً من اللّه وتعظيماً لرسُول اللّه لم ينس، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع، لم يزد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ. فإنّ أمر النبيّ مثل القرآن، ناسخ ومنسوخ، وخاصّ وعامّ، ومحكم ومتشابه، وقد كان يكون من رسُول اللّه الكلام له وجهان: كلام عامّ وكلام خاصّ، مثل القرآن، وقال اللّه عزّ وجلّ في كتابه: ((مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) الحشر، الآية: 7، (92) فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى اللّه به ورسُوله وليس كُلّ أصْحاب رسُول اللّه كان يسأله عن شيء فيفهم. وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي (و) الطاري فيسأل رسُول اللّه حتّى يسمعوا. وقد كُنْتُ أدخل على رسُول اللّه كلّ يوم دخلةً وكل ليلة دخلةً فيخلينى أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسُول اللّه أنّه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري. وربّما كان يأتيني رسُول اللّه أكثر من ذلك في بيتي. وكنت إذا دخلتُ عليه ببعض منازله أخلاني وأقام عنّي نِساءَهُ فلا يبقى عنده غيري. وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم يقم عنّي فاطمة (ع) ولا أحداً من بنيّ. وكُنْتُ إذا سألته أجابني وإذا سكتّ عنه وفنيت مسائلي ابتدأني. فما نَزَلتْ على رسُول اللّه آية من القرآن إلّا أقرأنيها وأملأها عليّ فكتبتها بخطّي، وعلّمني تأويلها وتَفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصّها وعامّها، ودعا اللّه أن يعطيني فَهْمَها وحفظها فما نسيتُ آيةً من كتاب اللّه، ولا علماً أملأ عليّ وكتبته منذ دعا لى بما دعا. وما ترك شيئاً علّمه اللّه من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي، أو شيء كان أو يكون، ولا كتاباً منزلاً على أحد قبله من طاعة أو معصية إلّا علّمنيه وحفظته فلم أنس حرفاً واحداً، ثمّ وضع يده على صدري ودعا اللّه لي أن يملأ قلبي علماً وحُكماً ونوراً، فقلت: يا نبيّ اللّه بأبي أنت وأمّي منذ دعوت اللّه بما دعوت لم أنس شيئاً، ولم يفتني شيءٌ لم أكتبه أفتتخوّف عليّ النسيان والجهل فيما بعد؟؟ (هذا الكلام في سياقه يطلب نفس الجواب وهو مقدر في السياق ولا يحتاج إلى غير الذي جاء بالسياق في السؤال حتى يطلب نفس الجواب، إنه كلام تعرف ما بعده من السياق) فقال: لستُ أتخوّف عليك النسيان والجهل» (93). ولا يخفى على ذوي الحال ما في هذا الحديث الشريف من مجامع الكمال، ومن الدلالة على عدم الإقدام على العمل بظواهر الأحاديث الواردة عنه ما لم يعلم حالها من كونها ناسخةً أو منسوخةً، مقيّدةً أم مطلقةً، ظاهرةً أم مؤوّلةً، مكذوبة عليه أم غير مكذوبة، إلى غير ذلك. بخلاف الأحاديث المرويّة عن الأئمّة صلوات اللّه عليهم أجمعين، فإنّها لا نسخ فيها؛ لكونها حاكيةً ومبيّنة وكاشفةً عمّا أخبر به من الأحكام الشرعية، والاُمور الإلهيّة، وقد أمروا - صلوات اللّه عليهم- بالأخذ بها، والتحديث فيها، والكتابة لها إلى غير ذلك. وأمّا ما خالطها ممّا لا يوثق بوروده عنهم صلوات اللّه عليهم، فبالعلامات والقرائن المجوّزة عند الأكابر والأبرار، والأعيان والأخيار، المرضيّة المقرّرة المضبوطة المحرّرة، يمكن التوصّل إلى التقصي منه بصدقه وكذبه، وصحيحه وعليله، فيؤخذ الصواب المحمود، ويترك ما عداه المردود)). في هذه الرواية التي وردت عند الكافي نعتمد فيها كلامه فنأخذ المحمود وليتنا نوفق في حمل الشيعة على حمله أيضا تقليدا لشيخهم الكافي، ونترك المردود تقليدا أيضا لشيخهم والتزاما بمنهجه. أبدأ باللغة المستعلمة من طرف السائل سليم بن قيس الهلالي الذي قالوا عنه أنه عربي والتي ورد فيها قلة أدب في حضرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فعلي شخصية محترمة، بل ومقدسة لدى الشيعة، والرجل الذي يحاور عليا ويسأله من شيعته، واستعمل كلمة (تزعمون)، وتزعمون لا آخذها من حيث الجمع فهي سليمة بجمع التشريف وليس بجمع التكثير ولكن اللفظة في حد ذاها تعني القول الحق والقول الباطل، فمن يزعم يحتمل أن يقول كذبا ويحتمل أن يقول صدقا، واستعماله في الغالب للشك وما يعتقد كذبه، واللفظ مشترك ولا مكان له في معرض التعلم والسؤال لأن المتعلم والسائل لا يشك في معلمه، وإذا شك تركه وترك علمه، فكيف يقول: (تزعمون)، هذه اللفظة تدل على أن الرجل بعيد عن لغة علي وهو يسعى لتعلم الإسلام وقد جاء الإسلام بلسان عربي مبين وصاحب رسول الله ؛ علي لا يعلِّم بغير اللغة العربية، ولا يعلم إلا بمستوى راق ولا يفوته تصحيح الخطأ والرد عليه.. في هذه الرواية يتحدث فيها عن حديث منسوب لعلي بن أبي طالب رواه سليم بن قيس الهلالي الذي كان مطاردا من طرف الحجاج بن يوسف الثقافي ولم يطمئن إلا بعد أن آواه أبان بن تغلب الذي روى عنه حديثا من فقرة، ثم تنوسي الرجل الذي مات سنة 90 هـ ليحيا من جديد عن طريق رواة كذبوا عليه، لا أحب الخوض في أحاديث سليم المكذوبة عنه يتحدث فيها عن أمور كثيرة إلا في عجالة. إن الفرق بين وفاة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ووفاة سُلَيْم بن قيس الهلالي هو خمسون سنة، فعلي بن أبي طالب توفي سنة أربعين هـ وسليم بن قيس توفي سنة تسعين هـ. وقد ازداد سليم في مصادر الشيعة الإمامية قبل الهجرة النبوية بسنتين، ومات سنة تسعين هجرية كما ذكر، فكان عمره اثنتان وتسعون سنة، وقد وفد إلى المدينة المنورة صبيا في روايات، وورد إليها وهو شاب في خلافة عمر بن الخطاب في روايات أخرى، وهو في صحبته لعلي بن أبي طالب كما يزعمون يفترض أن يكون قد سمع منه وروى عنه، كما يفترض أن يكون ابن صحابي أنصاري أو على الأقل من جيل أبناء الصحابة حتى وإن لم يكن أباه صحابيا، من جيل الحسن والحسين مثلا والعبادلة عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص.. ولكننا لا نجد لهذا الاسم ذكرا لدى أهل السنة والجماعة في كتبهم وتواريخهم وتراجمهم مثل تاريخ ابن الأثير والطبري وشذرات الذهب لابن العماد، ولا في طبقات ابن سعد ولا في البداية والنهاية لابن كثير، ولا في مجموعة من كتب الرجال مثل: التاريخ الكبير والصغير للبخاري، أو لسان الميزان أو تهذيب الكمال للمزي باستثناء ما نقله عن مصادر الشيعة في الأعلام؛ الزّركلي.. ولا نجد لهذا الاسم ذكرا معتبرا حتى لدى الشيعة الإمامية باستثناء الرواية الوحيدة المشهورة عن المتروك حديثه لكثرة كذبه؛ أبان بن أبي عياش فيروز أبو إسماعيل والذي تفرد بها (62 هـ ـ 138 هـ مفتتح كتاب سليم. أعيان الشيعة: ج 5 ص 48. ميزان الاعتدال: ج 1 ص 14.) الشيء الذي يفتح بابا واسعا للطعن لا يسد أبدا، فقد أعطاه سليم بن قيس الهلالي الملقب بأبي صادق كتابا، وكان قد لجأ إلى أبان وهو فار من الحجاج بن يوسف الثقفي (41 هـ 96 هـ) الذي كان يطلبه لقتله كما يروى فآواه، ولما حضرته الوفاة (أي حضرت الوفاة سليما) سنة 90 هـ أعطاه الكتاب المذكور وهو المعروف بكتاب: سليم بن قيس، وقد قيل عن كتابه ذاك كما يروون في كتبهم عن أبي عبد الله أنه قال فيه: "من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم ابن قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شيء ولا يعلم من أسبابنا شيئاً، وهو أبجد الشيعة وهو سر من أسرار آل محمد ". مقدمة كتاب سليم بن قيس ص: 4، أغا بزرك الطهراني/ الذريعة: 2/152، وانظر: هامش وسائل الشيعة: 2/42 رقم (4). وإذا تناولنا حياة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه نجده قد ولد قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، وتوفي سنة 40 للهجرة، وعاش 63 سنة من عمره المبارك قضى طرفا منها مع رسول الله وهي ليست موضوعنا لأنه فيها قد شارك النبي غزواته وسفرياته إلا قليلا كغزوة تبوك التي خلفه فيها على أهله وآل بيته، وحين توفي النبي سنة 11 هـ لم يغادر المدينة المنورة، غادرها في حياة النبي ولكن بأمر منه مثل إرساله من طرفه إلى اليمن قاضيا، لم يغادر المدينة إلا بعد أن صار خليفة، أما في حياة أبي بكر وعمر وعثمان فلم يغادرها مريدا وجهة بإرادته الخاصة، صحيح قد غادرها إلى مكة حاجا ولكن مع عمر ونساء النبي وبدعوة من عمر، وهذه السنين مهمة جدا تحسب حسابا للمقارنة بين أحداثها وأحداث زعم أنها حصلت فيها، فسنتان وثلاثة أشهر من الحكم لأبي بكر، وعشر سنوات وستة أشهر لعمر بن الخطاب، واثنتا عشرة سنة لعثمان بن عفان تكون حصيلة هذه الأزمنة أربعا وعشرين سنة وتسعة أشهر، وهذه السنوات بالنظر إلى حياة علي وسليم تجعل من سليم يعاشر عليا بدءا من عمر ستختاره أنت حضرة القارئ المحترم، فولادة علي كانت قبل الهجرة بـ 23 سنة، وسليم ولد هو أيضا قبل الهجرة ولكن بسنتين، أي إن عليا كان عمره يوم ولد سليم 21 سنة، وحين كبر سليم ووصل من العمر 10 سنوات كان علي قد وصل 33 سنة، وهذا العمر لسليم لا يخوله أن يصاحب عليا فيسمع منه ويروي عنه لأنه طفل صغير فيفترض أن يكبر وينضج، فإذا وصل إلى الخامسة عشرة من عمره يكون علي قد وصل 38 سنة، وهل نقف هنا لنحمل سليما على النضج والكفاءة والوعي والحفظ فنسمح له في سنتين من الخامسة عشرة إلى الثامنة عشرة من عمره أن يسمع من علي ويروي عنه، أم لا بد أن نزيد في عمره ليقف في مصاف الرجال حتى نسمح له بالرواية عن علي ونسمح له أيضا بأن يكون مؤتمنا على كتاب علي الذي سلمه إياه؟ إن سليما بالعمر المذكور يكون قد عرف الحسن والحسين، وما دام أنه قد كان من خواص أمير المؤمنين كما يزعمون فلا بد أن يكون قد روى عن الحسن والحسين، ولا بد أن يكون قد عاشر الصحابة لمدة تزيد عن 20 سنة، بل عاصر النبي وعاش بين الصحابة وأبناء الصحابة كل عمره لأن آخر صحابي توفي بعد انتهاء القرن الأول الهجري وسليم لم يتخطّ القرن الأول فيكون عمره كله كما قلت بين الصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعا، أي أنه ولد في حياة النبي وعاش 90 سنة طوى فيها أعمارا كثيرة لكثير من الصحابة، وهذه المدة كافية لكي تجعل منه أحد المرموقين في الرواية عنهم، أو على الأقل في الرواية عن واحد منهم، ولكن نجده مغمورا لا يعرفه أحد (إلا) علي بن أبي طالب الذي روى عنه رواية واحدة أو روايتين على الأكثر، فكيف يروي رجل روايتين اثنتين عن علي بن أبي طالب وهم يزعمون صحبته لعلي وعلي عالم كبير؟ كيف تشحّ رواياته وهو رجل ناضج يعيش في المدينة المنورة وهي زاخرة بالصحابة بمن فيهم علي؟ كيف لا يروي عن علي إلا روايتين اثنتين وهو ممن (عاشوا) معه وصحبوه وعلي لافت في علمه، وفي مواقفه في حكم أبي بكر وعمر وعثمان؟ والنتيجة أن سليما لم يسمع من علي شيئا، ولا روى عنه شيئا وما صحبه قط، إنها أكذوبة غبية لا مجال للبحث عن وجه يقيمها.. فما عرف سليم بن قيس عليا وما خالطه وما سمع منه وما ناوله كتابا أو أمنه على سر، وما روى عن المقداد وسلمان وأبي ذر وعمار أبدا كما يزعمون في وضعهم الأكاذيب عنهم رضي الله عنهم ورضوا عنه.. وإذا نحن جاهدنا أنفسنا للخروج برؤية غير متناقضة، برؤية معقولة ومقبولة أخفقنا لأننا سنصطدم بغياب سليم من حياة علي، وغياب علي من حياة سليم فتكون النتيجة أننا أمام كذب أسود لا ينطلي على طفل جحا، وأمام أسطورة لم يحبك القاص حبكتها حتى تستقيم في السرد وتلاءم نسيجها في القصة.. ومن جهة أخرى كدت أغفلها لولا توفيق الله تعالى بتنبيهي إليها وأنا أقرأ من جديد في كتابي هذا لأن قراءاتي لكل كتبي كثيرة قبل نشرها؛ يمكن القول بشكل واضح يحسم الخلاف ويبهت المنافقين وهو كالتالي: لقد علمنا أن عليا كرم الله وجهه قد ولد قبل الهجرة النبوية بثلاث وعشرين سنة، وولد سليم قبل الهجرة أيضا ولكن بسنتين (أو أقل أو أكثر، لا يهم فمهما زدت أو أنقصت للتوفيق فلن توفق) والفرق بين ولادتهما باعتبار السنتين اللتين لسليم هو: 21 سنة، ومعنى ذلك أن عليا قد كان شابا يافعا عند ولادة سليم وفيها احتمال وحيد شرط أن نلغي حياة علي في مكة وهو أن عليا يمكن أن يكون قد حضر عقيقة سليم في المدينة المنورة لأن سليما كما يزعمون ولد في المدينة، وفي روايات أخرى قدم إلى المدينة وهو صغير السن، وفي أخرى أنه قدم المدينة في خلافة عمر. هذا الرجل كان من خواص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (23 ق هـ ــ 40 هــ)، وكان من خواص الحسن بن علي (3 هـ ــ 49 هـ) وكان من خواص الحسين بن علي (4 هـ ــ 61 هـ) وكان من خواص علي بن الحسين زين العابدين (/37/38 هـ ــ 94/95 هـ) وأدرك محمد الباقر (57 ــ 114/116 هـ)، هذه الخصوصية التي يزعم الكليني أنها كانت له لم يعرفها تاريخ علي بن أبي طالب ولا تاريخ الحسن ولا تاريخ الحسين ولا تاريخ زين العابدين ولا تاريخ محمد الباقر فكيف نقبل بهذا الزعم؟ كيف لم يرو سليم وهو من خواص من ذكروا إلا رواية واحدة أو اثنتين على الأكثر لعلي فقط ولم يرو لأبنائه ممن ذكروا؟ لا مجال للاستزادة فستعجز الشيعة الحيلة لإثبات ذلك لأنه لكي تثبت لا بد من إعادة كتابة جميع كتب الشيعة التاريخية مع مراعاة التوفيق بينها، وهل من سبيل إلى ذلك؟ لا أبدا. لقد ورد في كتيب الكلام الذهبي صفحة: 09 (( ـ من الناس من يتقن الكذب ويخترعه بعبقرية ولكنه لا يستطيع ترتيب أكاذيبه في كل مرة. ـ الغباء في الكذب أن ينسى الكذاب كذبته، ثم يناقضها بكذبة أخرى. ـ يعتقد الكثيرون أن الكذب حرز يقي صاحبه حين يدفع به ضررا ما ولكن الحقيقة أنه فاضح معرّ ولو بعد حين)). الطبعة الثانية 1999، منشورات الجيرة. يستحيل التوفيق بين هذه التناقضات ليتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن الأمر كذب في كذب، وأن الذين خططوا للروايات كانوا أغبياء جدا، وأن سليم بن قيس الهلالي هو نفسه أبان بن أبي عياش، وأنه هو المبدع لهذه القصة الخيالية، وأن أبان بن أبي عياش كان حقيقة تارخية خلاف سليم بن قيس الهلالي، وأبان بن أبي عياش الكذّاب وضّاع للأحاديث معروف عند المحققين، وقد قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: متروك الحديث ترك الناس حديثه منذ زمن، وقال عنه ابن معين: ليس حديثه بشيء، وقال عنه ابن المديني: كان ضعيفا، وقال عنه شعبة: كان يكذب في الحديث.. والقصة الخرافية عن كتاب سليم بن قيس الهلالي الذي أعطاه لأبان بن أبي عياش ذكرها جهال الشعية غير المحققين كالبرقي/ الرجال: ص 3-4، والطوسي/ الفهرست: ص 111، والأردبيلي/ جامع الرواة: 1/374، ورجال الكشي: ص 167، ورجال الحلي: ص 82، 83).]، ومهما يكن من أمرهم أو أمر غيرهم من الأذكياء فلن يفلتوا من الانكشاف لكل عقل متدبر متفحص كاشف. لا أحب الخوض في كل ذلك احتراما لعقل القارئ المحترم، فلن أتحدث عن صحابة رسول الله ممن كانوا يسمعون من رسول الله ولا يفهمون وكأنهم عجم علما بأن النبي تحدث إلى بعض العرب بلهجاتهم لم يفهم علي بعضها فانبرى يسأل النبي عنها ولكنها في الأول والأخير لهجات عربية فإذا لم يفهمها علي فهمها غيره ممن كان يتصل بتلك القبائل التي كانت لهجاتها تختلف قليلا عن لهجة قريش، والقرآن الكريم أنزل بسبعة أحرف أي بسبع لهجات، واللهجة التي كان أكثر القرآن الكريم منها هي لهجة قريش (راجع كتاب: تحت راية القرآن لأديب الأدباء مصطفى صادق الرافعي ففيه ما يغني) ولن أتحدث عن قوله المنسوب لعلي: ((وقد كُنْتُ أدخل على رسول اللّه كلّ يوم دخلةً وكل ليلة دخلةً فيخليني أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول اللّه أنّه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري)) المصدر السابق، وقد تحدثوا عن أحداث قطع فيها الواقع بأدلة قطعية بأمر غياب علي بن أبي طالب عن رسول الله ليالي وأياما وبضعة أسابيع وأشهرا، واسم "كلّ" في العبارة يدل لغة على الاستغراق، أي استغراق أفراد المتعدد وهي جميع الأيام وجميع الليالي وكأن عليا ظِل النبي، بل لو كان علي ظل النبي لغاب عنه لأن الظل لا يكون إلا بالشمس والضوء والنور، وإن أزواج النبي لم يعشن معه كل أيامه وكل لياليه بأبي هو وأمي ، وإن التعبير بالأيام والليالي لا يكون إلا من سطحي أو من متعلم شرع يتهجّى ويركِّب أوائل جمله، ولا أدري كم وقتٍ لزم عليا حين بعثه النبي في سرية من المدينة المنورة إلى اليمن الشيء الذي يظهر التناقض بين قوله: "((وقد كُنْتُ أدخل على رسول اللّه كلّ يوم دخلةً وكل ليلة دخلةً فيخليني أدور معه حيث دار.."، لن أتحدث عن ذلك، بل سأتجاوز هذا الكذب على علي وعلى التاريخ والتناقض الوارد في كتب الشيعة والتي تقضي جميعها بقطعية غياب شخص علي عن رسول الله أياما وليالي وأسابيع وأشهرا، سأتجاوز ذلك، ثم أعود إليه بعد حين إلى ما يلي: "فما نَزَلتْ على رسولاللّه آية من القرآن إلّا أقرأنيها وأملأها عليّ فكتبتها بخطّي، وعلّمني تأويلها وتَفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصّها وعامّها..". ينسب في هذا (الحديث) إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قد تلقّى عن رسول الله القرآن آية آية، فقد أقرأه النبي كل القرآن آية آية، وأملأها عليه آية آية فكتبها بخطه، وهذا حق وصدق لأن عليا قد كان كاتبا وحافظا للقرآن، وقد حفظه من فيه رسول الله ، حفظ منه ما أنزل عليه حيث كان يرافقه، أو كان في مكة والمدينة والمواطن التي صحبه فيها، كما حفظ من غيره من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعا، حفظ من النبي ما لم يحضر نزوله؛ ولكن بعد أن قدم النبي من بعض شأنه كغزوة تبوك حيث خلفه في المدينة على أهله وهي خلافة غير سياسية لأنه قد استخلف على الناس خلافة سياسية لإدارة شؤون الحكم محمد بن مسلمة، فقد أرجف بعلي المنافقون وقالوا ما خلّفه إلا استثقالا له وتخفُّفا منه فلما قال ذلك المنافقون أخذ عليّ سلاحه وانطلق يطلب رسول الله حتى أتاه وهو نازل الجرف، فقال يا نبي الله: زعم المنافقون أنك إنما استثقلتني وتخففت مني فقال : ((كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) ومضى رسول الله إلى شأنه يطلب تبوك جنوب الأردن اليوم، أسوق هذا لتثبيت القصة التي لم يختلف عليها شيعي مع سني وهي التي تثبت صدقنا وحكمنا أن عليا لم يدخل على رسول الله في كل ليلة دخلة، ولم يدخل عليه في كل يوم دخلة، ويزيدنا تأكيدا السرايا التي قادها بأمر من رسول الله منها سَرِيّة إلَى بَنِى سَعْدٍ بِفَدَكٍ فِى شَعْبَانَ سَنَةَ سِتّ هجرية، كان يسير الليل ويكمن النهار حتى انتهى إلى الهمج فأصاب عينا (أي جاسوسا)، ثُمّ سَرِيّة إلَى الْفُلْسِ، فِى رَبِيعٍ الآخَرِ سَنَةَ تِسْعٍ وَهَدَمُوا الْفُلْسَ وَخَرّبُوهُ، وَكَانَ صَنَمًا لِطَيّئٍ، وبعثه النبي في سَرِيّة إلَى الْيَمَنِ فِى رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ هجرية. إن المتأمل في قوله: "..وعلّمني تأويلها وتَفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصّها وعامّها.." يقف على كلام متناقض يدل على جهل صاحبه، إذ يقضي أن تكون لكل آية حسب تأليف الكلام ونظم جمله وفقراته ونصوصه وجريانه في سياقه؛ ناسخا ومنسوخا خاصا وعاما محكما ومتشابها، فهل كان علي جاهلا إلى هذه الدرجة؟ الناظر في القرآن الكريم لا يجد الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والخاص والعام في جميع آيات القرآن، بل يجد شيئا من ذلك في آيات ويفتقد إلى ذلك في آيات، فكيف يقال بالناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والخاص والعام في جميع آيات القرآن؟ إن الذي يبحث عن الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم يكاد لا يجده، ففيه بعض آيات تحدثت عن الناسخ والمنسوخ وقد قتلها العلماء بحثا، وننصح بالعودة إلى موضوع: الجهاز المناعي للقرآن الكريم (دراسة أسلوبية) ففيه ما يغني عن الناسخ والمنسوخ. والذي يبحث عن الخاص والعام في جميع آيات القرآن الكريم يكاد لا يجده، وكذلك المحكم والمتشابه. إذا تناولنا العام وجدناه لفظا دالا على معنيين فأكثر. وعند العلماء أن العام ينقسم إلى عام لا أعم منه، ولفظ العام والعموم يستغرق كل ما يصلح له بلفظ واحد، مثال ذلك: الرجال، والقوم.. فقد وضع العرب ألفاظا للدلالة على العموم مثل ما مر معنا، ووضعوا حروفا للدلالة على العموم، منها: (أي)، للعاقل ولغير العاقل، وأسماء الجموع المعرفة شرط ألا تكون عهودا وبجمع سواء كان به جمع تكسير أو جمع سلامة كالرجال والمسلمين..، وأسماء الجموع المنكرة كمسلمين ورجال.. وكذلك الأسماء التي من غير عهد كالدينار والرجل.. والنكرة المنفية مثل: لا خبز في البيت، وما في البيت من رغيف.. والإضافة كقوله تعالى: ((يوصيكم الله في أولادكم..))، وقولك: عجمت عيداني، ونظمت أجنادي..، ومنها (من) للعاقل دونما سواه في الإفهام والجزاء كقولك: من عندكم في البيت؟ ومن تفوَّق أُكرمه، وحرف (ما) في الجزاء والاستفهام فإنها عامة فيما لا يعقل مطلقا من دون اختصاص بجنس، فقول النبي : "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" أخرجه أحمد. في الجزاء، وماذا صنعت؟ في الاستفهام، و(حتى) في الزمان جزاء واستفهاما، ومنها (أين) و (حيث) عن المكان.. ومن أمثلة العموم في القرآن الكريم حسب الوضع قوله تعالى: ((إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)) الأنبياء، الآية: 98. وقوله عز وجل: ((وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِين (32))) العنكبوت، الآية: 31 ــ 32. وبحسب ما يفيد الإثبات بقرينة؛ قوله تعالى: ((لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) النور، الآية: 63. وقوله عز من قائل: ((وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)) الإسراء، الآية: 32. والعموم المستفاد عرفا وهو من أهل اللغة في قوله تعالى: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)) النساء، الآية: 23. وقوله سبحانه وتعالى: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) المائدة، الآية: 3. وقوله تبارك وتعالى: ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) المائدة، الآية: 38. والتخصيص بيان وهو تشريع، ويكون بالاستثناء والشرط والصفة والغاية.. والخاص والخصوص معناه إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، ويقع في الخطاب الذي يتصور فيه الشمول، أي يقع في العموم، وقد عبروا بقولهم تخصيص العموم، ومنه قوله تعالى: ((وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)) الطلاق، الآية: 4. فقد خصصت قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) البقرة، الآية: 234. ومن التخصيص قوله تعالى: ((الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) المائدة، الآية: 5. فقد خصصت قوله تعالى: ((ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن))، وهذا قد ورد في تخصيص الكتاب بالكتاب، ومن التخصيص أيضا تخصيص الكتاب بالسنة وذلك مثل قوله : ((القاتل لا يرث)) وذلك تخصيصا لقوله تعالى: ((يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)) النساء، الآية: 11. هذا تخصيص الكتاب بالسنة، ويرد تخصيص الكتاب بإجماع الصحابة رضوان الله عليهم والقياس الشرعي المبني على علة شرعية، وهو لم يرد مطلقا؛ ولا يجوز تخصيص الكتاب بالعقل. وأما المحكم والمتشابه فالمحكم ما ظهر معناه وبان بيانا يرفع الاحتمال من ذلك قوله تعالى: ((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) البقرة، الآية: 275. وأما المتشابه فهو الذي يحتمل عدة معاني ولو بمعنيين فقط، وهو يقع متساويا في المعنى كقوله تعالى: ((وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) البقرة، الآية: 228. فإن المراد به الحيض أو الطهر ولا ثالث لهما، وقوله تعالى: ((وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) البقرة، الآية: 237. فالذي بيده عقدة النكاح هو الولي أو الزوج ولا ثالث بينهما أيضا، وقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا)) النساء، الآية: 43. فالملامسة إما أن تكون لمسا مجرد لمس، أو هي الوطء. وأما من جهة غير التساوي كقوله تعالى: ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)) الرحمن، الآية: 27. وقوله تعالى في سورة ص: ((إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ))72. وقوله تبارك وتعالى: ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) الزمر، الآية: 67. ولا يعني المتشابه والمشتبه أنه غير مفهوم، بل يعني أن الإنسان يشتبه فيه لأن له عدة معاني تنتخب منها ما يصله الفهم كل بحسب قدرته وطاقة استنباطه وسعة علمه، فلو تم نعت المشتبه بما لا يمكن فهمه أبطل قوله تعالى: ((هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)) آل عمران، الآية: 138. وقوله أيضا: ((إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19))) القيامة، وعليه فالقرآن ليس فيه شيء غير مفهوم إلا أن الناس وأزمنة الناس هي التي قد تكون في مستوى فهمه وربما لا تكون، وكونها لا تكون لا يعني امتناعها عن الكينونة، لا أبدا، فهي كائنة في زمن ما قد يكون زمننا هذا وقد يكون الذي يلينا أو الذي يليه وهكذا. من خلال ما تقدم بعد أن نشير إلى أن القرآن مجموعة آيات قد عناها كلام (علي) تنقسم إلى آيات أحكام وهي التي يقع فيها ما مر معنا من خاص وعام ومحكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ، وفيها آيات عقائد ليس لها علاقة بالتشريع وإن دخل بعضها المشتبه، فكيف نجمع بين قول علي: "فما نَزَلتْ على رسُولاللّه آية من القرآن إلّا أقرأنيها وأملأها عليّ فكتبتها بخطّي، وعلّمني تأويلها وتَفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصّها وعامّها..". أين يقع تأويل آيات العقائد، وأين خاصها من عامها ومحكمها من متشابهها؟ إذا أقررنا بصحة ما ورد على لسان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه نكون قد أقررنا بما ينسب إليه من جهة السند فنجعله جاهلا بالقرآن، وإذا أقررنا بكذب ما ورد على لسان علي نكون قد أنصفناه وأخرجناه من الجهالة وهو أهل للخروج منها لرقيه في اللغة والعلم الذي تلقاه من رسول الله . كيف يسلم القول بأن رسول الله قد أقرأ عليا رضي الله عنه الآيات، آية آية، وأملاها عليه وعلّمه تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامها ومحكمها ومتشابهها، كيف تجمع آية واحدة الخاص والعام والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه؟ وكيف يكون ذلك في القرآن كله؟ كيف يكون القرآن الكريم في جانب منه عقائد وعبادات قد جاءت آيات كثيرة بها ويدخل فيها ما له علاقة بالأحكام كحكم الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والخاص والعام؟ هذا لا يكون إلا من عمِهٍ عميٍّ لا يبرح جهله المُركَّب. ودعوني أشير إلى غياب الدقة في كلام علي، غياب ترتيب المعاني وهو اللبيب المعروف بالنظم الدقيق والتأليف البديع، دعوني ألفت نظركم إلى أن عليا هنا لا يعرف ما يقول، وإذا عرف ما يقول فإنه يقول الركاكة ويأتي بمعاني فاسدة إذ لو عرف ما يقول لما جاء بكلام يدل على جهل مطبق، فالقرآن ليس فيه ما أشار إليه من العام والخاص والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ فقط، بل فيه أشياء أخرى لا علاقة لها بالتشريع من عقائد وعبادات وغيبيات وهي جميعها ليست معنية بالخاص والعام والناسخ والمنسوخ وإن كان بعضها معنيا بالمحكم والمتشابه. يعجب الراوي بهذا الكلام وقد استغبى هو أيضا كما استغبى واضعه ونسبه إلى علي زورا وبهتانا، فقد صرح بأن ((ما خالطها (أي خالط أحاديث المعصومين) ممّا لا يوثق بوروده عنهم صلوات اللّه عليهم، فبالعلامات والقرائن المجوّزة عند الأكابر والأبرار، والأعيان والأخيار، المرضيّة المقرّرة المضبوطة المحرّرة، يمكن التوصّل إلى التقصي منه بصدقه وكذبه، وصحيحه وعليله، فيؤخذ الصواب المحمود، ويترك ما عداه المردود)) المصدر السابق. أرجو من هذا المعجب أن يطبق على نفسه ما فرضه على الناس ليدرك أنه واقع في جهالة، وأنه يسطِّح الكلام تسطيحا مع ذوي العمق والاستنارة، فحبذا لو طبّق نظريته على إعجابه البلِه ليدرك كذب الراوي على علي بن أبي طالب رضي الله عنه. دعوني أقف على كلام سُلَيْم بعقلية المتفحص الذي لا ينخدع لدقة ملاحظته وبعد سبره، فقد قال سليم: ((قلت لأمير المؤمنين)) والقول يقضي إخراج صورة عن هيئة القول، فيمكن أن يكون السائل واقفا أو قاعدا، ويمكن أن يكون المجيب قائما أو قاعدا، وحين نتقدم في القول نجده يقول: ((فأقبل عليّ)) وأقبل يمكن أن تكون فعلا وفاعلا بحيث يكون عليٌّ رضي الله عنه هو الذي أقبل على سليم فتكون منزلة سليم منزلة العالم الذي يقدم العلم وهو بحسب تصريحه يطلب العلم وأدب طلب العلم يقضي أن يقبل التلميذ على معلمه لا أن يقبل الأستاذ على معلمه لأن عليا يحمل ثقافة الإسلام ويتصرف وفق قيمها ومُثُلها فالعلم يُؤْتى ولا يأتي، ويمكن أن تكون فعلا وفاعلا ومفعولا به، وكلا الصورتين النحويتين تحدد أن عليا هو الصغير وسليم هو الكبير، أي أن عليا بعلمه الذي يعلمه يقبل على سليم ليعلمه، أو يقبل عليٌّ رضي الله عنه ونتصور هيئة الإقبال وهي معروفة لأن هناك سؤال وضع وهناك استهلال أو تقديم قبل الجواب يعين أمر الاستعداد للفهم بقوله: ((سألت فافهم))، والنتيجة أن سليما قليل الأدب، وأن عليا ذليل مع سليم وتذلُّل علي هنا ليس من التواضع في شيء، وقوله: ((سألت فافهم)) لا تليق بعلي الذي يعي أن الفهم لا يأتي قبل الإصغاء، فالأولى أن يقول له: ((سألت فاسمع أو فاصغ أو فَعِ أو غير ذلك إلا كلمة: ((فافهم الجواب)) لأنه لم يقل بعد حتى يفهم الرجل، ولا يقال أن معناها افهم عني، أي افهم عني ما سأقول، لا يقال ذلك لأن عليا رضي الله عنه فيما ثبت من أسلوب كلامه وبنائه للجمل والفقرات والنصوص يشذ عن هذا البناء، وهو بذلك ليس له وليس من تأليفه، وإذا رُفض هذا فلا بد أن يُرفض ما جاء عن علي في كتب معتبرة عند الشيعة منها نهج البلاغة.. وحتى أجد لهم مخرجا دعوني أفهم الإقبال من علي بوجهه وليس بغير الوجه. وقوله: ((...ودعا اللّه أن يعطيني فَهْمَها وحفظها فما نسيتُ آيةً من كتاب اللّه، ولا علماً أملأ عليّ، أملأه أو أُمْلئَ، والصواب أملأه علي لأن فهمه بكلمة أملئ يجعله فعل ماض مبني للمجهول وهو في هذه الفقرات يخرب السياق فيصدع المعاني ويتلف المتلقي، والسبب إخراج النبي كونه معلما لعلي رضي الله عنه وإدخال غيره لأن الضمير يعود على النسيان وليس على رسول الله، أي ما نسيت آية وما نسيت علما، فيكون المعنى أن عليا ما نسي علما أملئ عليه ويدخل فيه رسول الله كما يدخل فيه غيره، وهذا في السياق الوارد يكشف الضعف اللغوي ويكشف أيضا وهو المهم عنصر الدس الغبي لإيصال ما يراد دون نباهة، فعلي لم يتلق العلم إلا من رسول الله لأنه قد تربى في حجره، صحيح قد تعلم الصحابة بعضهم من بعض لأنهم لم يصاحبوا رسول الله في كل حركاته وسكناته لسبب بسيط هو أنه صلى الله عليه وسلم إنسان لا بد وأن يعتزلهم لقضاء حوائجه وللاستجابة لفطرته وطاقته الحيوية، والصحابة أيضا لا بد أن يتغيبوا عن رسول الله لحاجاتهم هم أيضا، دعوني للمرة الثانية أقول أن عليا قد تعلم من غير رسول الله، تعلم من الصحابة، ودعوني أضيف احتمالا آخر لأجعل غيري يفهم أنه قد وقع خطأ في الكتابة بحذف الضمير المتصل وهو حرف الهاء في كلمة: أملأه فكتبت خطأ أملأ علي.. ـ وكتبته منذ دعا لي بما دعا. وما ترك شيئاً علّمه اللّه من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي، أو شيء كان أو يكون، ولا كتاباً منزلاً على أحد قبله من طاعة أو معصية إلّا علّمنيه وحفظته فلم أنس حرفاً واحداً، ثمّ وضع يده على صدري ودعا اللّه لي أن يملأ قلبي علماً وحُكماً ونوراً، فقلت: يا نبيّ اللّه بأبي أنت وأمّي منذ دعوت اللّه بما دعوت لم أنس شيئاً، ولم يفتني شيءٌ لم أكتبه أفتتخوّف عليّ النسيان والجهل فيما بعد؟)). انظر إلى دعاء الرسول لعلي فيما يرويه الكذاب سليم، دعا له رسول الله بالفهم والحفظ فما نسي آية من كتاب الله، ولا علما أملأه عليه النبي وكان قد كتبه منذ دعا له بما دعا إلى أن يقول: أو شيء كان أو يكون. أين هو العلم الذي علمه النبي عليا؟ لم يصلنا هذا العلم وهو على ضخامته لا يستطيع علي حمله، ثم انظر إلى قوله أنه أي شيء كان أو يكون، ما هذا التخريف؟ هل يستطيع بشر أن يحمل علم كل شيء؟ هل يستطيع نبي مرسل أن يجمع كل علم الله تعالى؟ علم الله غير محدود والقول بتعلمه أي شيء كان أو يكون يرفع عليا إلى درجة الإلوهية، فالله وحده هو الذي يقوى على حمل علم كل شيء مما كان وما يكون، ما هذا الهراء الرخيص؟ ويأتي بحرف ثم للتعقيب مع التراخي ولكن في نفس المقام ليقول: ((...ثمّ وضع يده على صدري ودعا اللّه لي أن يملأ قلبي علماً وحُكماً ونوراً))، دعا له في الحال والآن وليس معناه الدعاء الذي ورد قبله، أي دعا له بالعلم والحكم والنور في ذلك المقام الذي كان يسمع من نبي الهدى لأنه يستعمل حرف: منذ، وهو ظرف للزمان والمكان، أي دعا له دعاء آخر غير الذي ذكر سابقا واستعمل فيه حرف منذ للزمان والمكان، أي أن الدعاء الأول في ظرف وزمان غير ظرف وزمان الدعاء الثاني، دعا له في نفس الزمن الذي سأله فيه، وبعد ذلك بلحظات صرح بأنه لم ينس شيئا ولم يفته شيء، والسؤال المطروح هو: هل أدار علي في ذهنه جميع ما تعلمه من رسول الله في نفس اللحظة التي ادعى فيها أنه لم ينس شيئا ولم يفته شيء؟ وإذا صح ذلك بأن أدار في ذهنه كل ما تعلمه من رسول الله وهو محال فكم من الوقت يحتاج إليه حتى يتم استعراض جميع ما تعلم ليحكم على عدم نسيانه له وفواته عليه؟ أي عتاهة هذه؟ وأي كذب رخيص هذا على علي رضي الله عنه؟ والنتيجة أن سليم بن قيس الهلالي هو نفسه أبان بن أبي عياش، وأبان بن أبي عياش متروك الحديث كما قال عنه الإمام أحمد وهو لا شيئ كما قال عنه غيره، أبان بن أبي عياش هو الذي تفرد بالرواية عن سليم بن قيس الهلالي، ومن خلال تتبعه فيما يرويه عن سليم، ومن خلال تفحص كلامه ومقارنته بالكلام الوارد في المرجعية التي هي كتاب سليم يتبين أن سليم بن قيس الهلالي هو نفسه أبان بن أبي عياش وقد حاول التفريق بين كتاب سليم وما ثبت عنه ولكنه أخفق لافتضاحه في أسلوبين اثنين هما أسلوب واحد يعودان إليه وحده فيكون سليم بن قيس الهلالي أسطورة، ويكون كتابه هو كتاب أبان بن أبي عياش ويكون أبان هو صاحب اللعبة القذرة التي رمت بالشيعة في هاوية لا قرار لها وأوقعتهم في الضلال المبين. انظر إلى قوله: عن سليم بن قيس الهلالي".. وهو من خواص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والإمام الحسن والإمام الحسين والإمام زين العابدين عليهم السلام، وقد أدرك الإمام الباقر عليه السلام أيضا ذكر ذلك البرقي والطوسي وابن النديم.." المصدر السابق، كيف جعل الراوي سليما من خواص علي والحسن والحسين وعلي زين العابدين ولم يجعله من خواص الباقر؟ الباقر من مواليد 57 هـ وسليم كان حينها حيا وترعرع المولود وصار شابا و وبلغ من العمر 20 سنة و30 سنة وسليم لم يزل يحيا فكيف أدركه ولم يكن من خواصه هو أيضا؟ وانظر أيضا إلى قوله في نفس المصدر مما وضع تحته سطر: ".. ولا يخفى على ذوي الحال ما في هذا الحديث الشريف من مجامع الكمال، ومن الدلالة على عدم الإقدام على العمل بظواهر الأحاديث الواردة عنه ما لم يعلم حالها من كونها ناسخةً أو منسوخةً، مقيّدةً أم مطلقةً، ظاهرةً أم مؤوّلةً، مكذوبة عليه أم غير مكذوبة، إلى غير ذلك. بخلاف الأحاديث المرويّة عن الأئمّة صلوات اللّه عليهم أجمعين، فإنّها لا نسخ فيها؛ لكونها حاكيةً ومبيّنة وكاشفةً عمّا أخبر به من الأحكام الشرعية.." كيف تكون الأحاديث المروية عن الأئمة لا نسخ فيها وهم بحسب زعمهم ينقلون أحاديث الرسول وفيها الناسخ والمنسوخ؟ كيف ينقل الناقل ما ليس فيه نسخ؟ هل كتمه أم قال مقالته وهو ثمل؟ هل يعي ما يقول؟ هل نناقش حمقى؟ إن لي أحاديث كثيرة مع حمقى وحشّاشين ومُهَلْوَسين استفدت منها وهي عجيبة، وأذكر لكم حديثي بالأمس (17 أبريل 2014) مع متعاطي للدّلْوان وهو سائل مهلْوِس يُستعمل لتمييع الطلاء والدهان قلت له: ما الذي تحمله في جيبك؟ قال: الدلوان، قلت لم تشربه؟ قال إن الدلوان خالق السموات والأرض؟ قلت: ماذا تقول: قال: إن الله يصلي عليه؟. هذا الشاب قد أفسد عقله الدّلْوان، أما الشيعة فقد أفسد عقولهم (علماؤهم) فصاروا منافقين مثلهم. وروى الكليني في الكافي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أُخبرَ (أي أخبره محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن عُفيراً حمار الرسول انتحر فقال علي: ((إِنَّ ذَلِكَ الْحِمَارَ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: ((بأبي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ فَقَامَ إِلَيْهِ نُوحٌ فَمَسَحَ عَلَى كَفَلِهِ ثُمَّ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هَذَا الْحِمَارِ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ سَيِّدُ المرسلين وخاتمهم فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار)). الكافي ج 1 ص 237 بتحقيق علي أكبر الغفاري طُبع في دار الأضواء في بيروت لبنان سنة 1405هـ - 1985م. هل سمعتم بروايات الحمير؟ هل للحمار حديث نقله عن آبائه وأجداده إلى أن انتهى إلى نوح؟ هل نحن بصدد كليلة ودمنة؟ أي استخفاف هذا بعقول الشيعة؟ إن الكذب على علي رضي الله عنه لا يخفى على اللبيب من القراء لترّهاتهم، وإن الطعن في آل البيت كثير فلم ينج علي ولا غيره من مطاعنهم فعنهم أن عليا كان ينام على فراش واحد ولحاف واحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين زوجه المصونة عائشة ثم ينهض النبي للصلاة فيتركهما على ذلك الفراش كما في بحار الأنوار 2/40. ومن الطعن عليه رضي الله عنه ما جاء في بحار الأنوار 40/303 فيما روي كذبا عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال: ((أتي عمر بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار كانت تهواه ولم تقدر عليه، فذهبت وأخذت بيضة وصبت البياض على ثيابها وبين فخذيها، ثم قالت: زنا بي هذا الرجل. فقال عمر لعلي: ماذا ترى؟ فنظر علي إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها، ثم حكم بأنه بياض بيض)). هل تقبل حضرة القارئ المحترم أن ينظر علي إلى ما بين فخذي المرأة؟ وإن كنت شيعيا ألا تتقزز من الكذب على أول الأئمة؟. ومن الطعن عليه رضي الله عنه وهم يحسبون أنهم يمتدحونه ويعلون من قدره اعتقادهم بولايته على المسلمين باستعمال دليل القرآن الذي يضادهم، فقد زعموا أن قوله تعالى: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55))) المائدة، الأولى- قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} قال جابر بن عبدالله قال عبدالله بن سلام للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قومنا من قريظة والنضير قد هجرونا وأقسموا ألا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل، فنزلت هذه الآية، فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء. {وَالَّذِينَ} عام في جميع المؤمنين. وقد سئل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عن معنى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} هل هو علي بن أبي طالب؟ فقال: علي من المؤمنين؛ يذهب إلى أن هذا لجميع المؤمنين. قال النحاس: وهذا قول بين؛ لأن {الذين} لجماعة. وقال ابن عباس: نزلت في أبي بكر رضي الله عنه. وقال في رواية أخرى: نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ وقاله مجاهد والسدي، وحملهم على ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} هي: يزعمون أنها نزلت في علي، ويلفقون الحادثة بأكاذيب لا تنطلي على طفل جحا، فالآية من حيث الولاية المسألة الثانية - وذلك أن سائلا سأل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعطه أحد شيئا، وكان علي في الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم، فأشار إلى السائل بيده حتى أخذه. قال الكيا الطبري: وهذا يدل على أن العمل القليل لا يبطل الصلاة؛ فإن التصدق بالخاتم في الركوع عمل جاء به في الصلاة ولم تبطل به الصلاة. وقوله: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} يدل على أن صدقة التطوع تسمى زكاة.؛ فإن عليا تصدق بخاتمه في الركوع، وهو نظير قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} وقد انتظم الفرض والنفل، فصار اسم الزكاة شاملا للفرض والنفل، كاسم الصدقة وكاسم الصلاة ينتظم الأمرين. قلت: فالمراد على هذا بالزكاة التصدق بالخاتم، وحمل لفظ الزكاة على التصدق بالخاتم فيه بعد؛ لأن الزكاة لا تأتي إلا بلفظها المختص بها وهو الزكاة المفروضة على ما تقدم بيانه في أول سورة {البقرة}. وأيضا فإن قبله {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} ومعنى يقيمون الصلاة يأتون بها في أوقاتها بجميع حقوقها، والمراد صلاة الفرض. ثم قال: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي النفل. وقيل: أفرد الركوع بالذكر تشريفا. وقيل: المؤمنون وقت نزول الآية كانوا بين متمم للصلاة وبين راكع. وقال ابن خويز منداد قوله تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} تضمنت جواز العمل اليسير في الصلاة؛ وذلك أن هذا خرج مخرج المدح، وأقل ما في باب المدح أن يكون مباحا؛ وقد روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أعطى السائل شيئا وهو في الصلاة، وقد يجوز أن تكون هذه صلاة تطوع، وذلك أنه مكروه في الفرض. ويحتمل أن يكون المدح متوجها على اجتماع حالتين؛ كأنه وصف من يعتقد وجوب الصلاة والزكاة؛ فعبر عن الصلاة بالركوع، وعن الاعتقاد للوجوب بالفعل؛ كما تقول: المسلمون هم المصلون، ولا تريد أنهم في تلك الحال مصلون ولا وجه المدح حال الصلاة؛ فإنما يريد من يفعل هذا الفعل ويعتقده. 6/422 تفسير القرطبي. الآية عامة في كل مسلم استوفى شروط الولاية ومنهم علي وكل الصحابة رضوان الله عليهم، ومنطوق الآية لا يفيد ما ذهبوا إليه، ويأتون برواية في الطبري عن تصدق علي بخاتمه وهو في الصلاة، والرواية ضعيفة يعتمدونها وهي طعن في علي رضي الله عنه، فعلي لم يكن من أهل الزكاة لفقره، ولم يكن حول الزكاة في الحال الذي سأل فيه السائل لغياب ما حال عليه الحول وهو المال حتى يقال عما فعل علي أنه تصدق وأن ما تصدق به قد كان زكاة حتى ينطبق الاستشهاد بالآية التي تحدثت عن الزكاة، ولم يكن علي من غير الخاشعين في صلاتهم وصفة الركوع مع هيئة التصدق لا تستقيمان إذ كيف يتصدق رجل وهو راكع؟ وإذا اعتبرنا الصدقة هنا بمعنى التطوع والنفل وليس الفريضة وهي كذلك فكيف يخشع علي وهو من الخاشعين في صلاتهم وقلبه مشغول بالسائل؟ وكيف يكون السائل داخل المسجد والمسجد للصلاة والعبادة وليس للاستعطاء والشحاذة وهو مسلم ويعلم أن الصلاة انقطاع عن الدنيا وهو من المصلين أو هكذا يجب أن يكون، ثم يسأل مصليا صدقة والمصلي راكع؟ وحين يستجيب له علي فأين يكون من قوله تعالى: ((والذين هم في صلاتهم خاشعون))، هل يعقل هذا؟ لقد صدق من قال عنهم أنهم دون عقل كالإمام الشعبي رحمه الله فقد قال عنهم: ((الرافضة لو كانوا من الدواب لكانوا حميرا، ولو كانوا من الطيور لكانوا رخما)) الرخام نوع من الطير تعتاش على الجيف. ====================== الحسن بن علي ولد حِبّ المصطفى صلى الله عليه وسلم وحِبّ كل مسلم؛ الحسن بن علي رضي الله عنه سنة اثنتين من الهجرة، وقيل سنة ثلاث؛ بالمدينة المنورة، وتوفي سنة 49 هـ بمدينة الرسول ودفن بالبقيع. استلم الإمامة؛ البار بالزهراء رضي الله عنهما إلى درجة أنه كان لا يأكل معها في صحفة واحدة مخافة أن تسبق عينها للقمة فيها فيسبقها هو إليها فتسكت على فعلته والأم من طبيعتها تقديم أبنائها على نفسها وتنتشي لذلك بطبيعة الحال، كان يخشى عقوقها إذا أكل معها وسبقت يده ما رغبت فيه أمه، هل هذا عقوق يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنك؟ استلم فلذة كبد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الحسن بن علي الإمامة بعد وفاة والده علي بن أبي طالب دون وصية وهو ابن 37 ربيعا، استلمها بالبيعة الشرعية من المسلمين أهل الحل والعقد خلافا لفكرة الوصية من رسول الله حسب معتقد الشيعة الإمامية ومن نفس الذين يزعم الشيعة أنهم أعداء لآل البيت ممن كانوا أحياء في حياة سبط النبي، ثم تنازل عنها لصالح معاوية بن أبي سفيان وكان قد بويع خليفة بعد أبيه ليحقق بذلك نبوءة النبي محمد التي قال فيها عن أبي بكرة قال: ((بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب جاء الحسن فقال النبي صلى الله عليه وسلم ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)) رواه البخاري، وتوفي سبط النبي رضي الله عنه سنة 49 للهجرة دون أن يكون إماما في فترة معاوية حين تنازل له عن الحكم، ودون أن تكون هناك إمامة في حياته وحياة أخيه الحسين وآل بيت رسول الله ، تنازل لمعاوية وبايعه هو والحسين وآل بيت النبي، بايع الحسن معاوية ومات دون أن يخل ببيعته لا هو ولا الحسين ولا أيا كان من آل بيت النبي ، هذه الفترة عجيب أمرها، الحسن حيّ يرزق، والحسين حي يرزق، وآل بيت النبي أحياء يرزقون ومعاوية خليفة تنازل له عنها الحسن وبايعه وبايعه من بايع الحسن إلا الشيعة فقد تذمروا من فعلته التي حقق بها نبوءة رسول الله ولم يرضوا بها وطعنوا فيه وقالوا عنه أنه مُذِلّ المؤمنين وما كان إلا حاقنا لدماء المسلمين، أعزَّ المؤمنين بفعلته تلك، وأذل المنافقين من الشيعة، فالحسن معصوم في نظر الشيعة وقد دلل بفعلته على شرعية الخليفة معاوية بن أبي سفيان فكيف لم يقبلوا بها؟. لم يوص الحسن لأي أحد من أبنائه وكانوا 15 ذكرا كانوا أحياء مثل القاسم الذي استشهد مع عمه الحسين في كربلاء، والحسن المثنى وغيره ولم يستلمها أحد من ذريته عملا بالوصية المزعومة.. ويذكر أن الحسن بن علي سبط النبي قضى فترة قصيرة جدا من حياته في الكوفة، ثم رجع إلى المدينة المنورة ومات بها ودفن فيها رضي الله عنه وأرضاه. وفي الفترة التي عاش فيها بعد تنازله عن الإمامة لمعاوية بن أبي سفيان خلا الزمان من إمام، وفي اعتقاد الشيعة الإمامية أن الزمان لا يخلو من إمام يرجع إليه، فهل التنازل عن الحكم وهو الإمامة عينها غير التنازل عن إصدار الفتوى لشيعته في حياته رغم وجود حاكم يفترض أن يكون إماما وقد كان يناديه نفس الحسن بأمير المؤمنين وقد ورد في بعض مصادرهم أن الذي يتسمى بإمرة المؤمنين كافر؟ فهل كان الحسن رضي الله عنه كافرا؟ وقد أحصى الذهبي للحسن تسع زوجات هن: أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم. خولة بنت منظور بن زَبّان بن سيار بن عمرو. أم بشير بنت أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة. جعدة بنت الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي أم ولد تدعى بقيلة. أم ولد تدعى ظمياء. أم ولد تدعى صافية. أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي. زينب بنت سبيع بن عبد الله أخي جرير بن عبد الله البجلي. وقد تزوج من بناته مروان بن أبان أم القاسم بنت الحسن بن علي بن أبي طالب، ومروان هذا هو بن أبان بن عثمان بن عفان. وأبناؤه: محمد بن الحسن بن علي (محمد الأكبر). الحسن المثنى بن الحسن السبط. جعفر بن الحسن بن علي. حمزة بن الحسن بن علي. فاطمة بنت الحسن بن علي. محمد بن الحسن بن علي (محمد الأصغر). زيد بن الحسن السبط. أم الحسن بنت الحسن بن علي. أم الخير بنت الحسن بن علي. إسماعيل بن الحسن بن علي. يعقوب بن الحسن بن علي. القاسم بن الحسن بن علي. عبد الله بن الحسن بن علي. حسين بن الحسن بن علي (حسين الأثرم). عبد الرحمن بن الحسن بن علي. أم سلمة بنت الحسن بن علي. أم عبد الله بن الحسن بن علي. عبد الله بن الحسن بن علي (عبد الله الأصغر). عمر بن الحسن بن علي. أبو بكر بن الحسن بن علي. أسلوبه: لما حضرت الحسن بن علي الوفاة قال للحسين: ((يا أخي إن أبانا رحمه الله تعالى لما قُبض رسول الله استشرف لهذا الأمر ورجا أن يكون صاحبه، فصرفه الله عنه، ووليها أبو بكر، فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشوّف لها أيضا فصُرفت عنه إلى عمر، فلما احتضر عمر جعلها شورى بين ستة هو أحدهم، فلم يشك أنها لا تعدوه فصُرفت عنه إلى عثمان، فلما هلك عثمان بويع ثم نُوزع حتى جرّد السيف وطلبها فما صفا له شيء منها، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة، فلا أعرفن ما استخفك سفهاء أهل الكوفه فأخرجوك)) مكتبة المشكاة. يبدأ الحسن بن علي رضي الله عنه حديثه بالترحم على أبيه ولكنه حين يذكر رسول الله لا يصلي عليه، فهل هذه أخلاق آل بيت رسول الله والصحابة والعلماء والمسلمين؟ أم هو سهو من الكاتب أسقط الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام؟. يقسم الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه بقوله: ((وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة، فلا أعرفن ما استخفك سفهاء أهل الكوفه فأخرجوك)) المصدر السابق، وهو من (المعصومين) عند الشيعة الإمامية، ومعنى ذلك أنه قد توصل بعلم من الله يقضي باستحالة أن يجمع الله في أهل البيت النبوة والخلافة، والسؤال هو: لماذا سعى إليها من سعى من أهل البيت ولهم هذا العلم من (المعصوم) الحسن رضي الله عنه؟ أم أنهم لم يتوصلوا بعلمه؟ ولماذا حكم أبناؤه في بعض البلدان الإسلامية كالمغرب مثلا أم أن ذلك لم يكن خلافة؟ قوله وقسمه رضي الله عنه يقضي باستحالة أن يجمع الله في أهل البيت النبوة والخلافة، ويقضي من جهة فهم الكلام أن لا يسعى إليها أحد منهم لأنها قد فاتتهم بعلم الله تعالى والغيب قد كشف ذلك للحسن، ثم إنه بالنظر إلى التاريخ المتأخر الذي يقضي بتوصلهم بعلم الحسن وتدوينه، أقول يقضي أن الحسن قد أخطأ في تقديره وقسمه، وأن ما جاء به ليس وحيا من الله ولا هو علم خاص به وبآل بيته إذ لو كان كذلك لما أخطأ في قسمه، ولما جافى الصواب في تقديره علما بأن من آل بيت رسول الله من تسلم الحكم وتحديدا أحفاد الحسن في المغرب الأقصى إدريس الأول إدريس بن عبد الله الكامل (788-793 م) بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت الرسول محمد بن عبد الله ، وإدريس الثاني (793-828 م) ومحمد بن إدريس الثاني (828-836 م) الذي قسم دولته على إخوته الثمانية.. فكيف نوفق بين هذه التناقضات؟ وعن الإمام الحسن عليه السلام، أنّه قال لجماعة لاموه على تسليم السلطة لمعاوية بن أبي سفيان: ((ما منّا أحد إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلاّ القائم.. فإنّ الله يخفي ولادته، ويغيّب شخصه، لئلاّ تكون في عنقه بيعة، وهو التاسع من ولد أخي الحسين، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته، في صورة شاب دون الأربعين، والله على كل شيء قدير)). هذا الكلام المنسوب إلى الحسن بن علي رضي الله عنه لا يدل على تشبعه بالإسلام وتعاليم الإسلام، فهو في ما نسب إليه جاهل مفتر يحاول تبرير فعلته في التنازل لمعاوية، والواضح أن من وضع الرواية المكذوبة على لسان الحسن هو الذي يبحث عن مبرر لما فعله الحسن مما لا يتماشى مع ما أحدثه المنافقون من خرافات منسوبة إلى الأئمة، فقوله: "ما منّا أحد إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه" قول لا ينطبق على جميع الوقائع هذا باعتبار أن معاوية طاغية زمانه، ولكن إطلاق الكلام على عمومه دون وجود ما يخصصه يدل على جهل مطبق، فمن هم الذين "منا" هل هم الأئمة؟ وإذا كان كذلك فلقد بايعوا الطغاة وليكن ولكن الحسين بن علي لم يبايع (الطاغية) يزيد فكيف نوفق بين قوله: "ما منّا أحد إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه" هذا إذا اعتبرنا الكلام خاصا بالأئمة، أما إذا أخذناه لغة فهو واقع في العموم ولا يخصص إلا بوسائل التخصيص، فأين ما يخصص آل البيت بذلك؟ وأين ما يخصص ذلك ويحصره في المعصومين على حد تعبيرهم؟ يذكر أن الحسن بن علي بن أبي طالب تصاهر مع آل أبي بكر الصديق إذ تزوج حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. كما يذكر أيضا أن أحد أحفاده موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب تصاهر مع آل أبي بكر الصديق إذ تزوج أم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. وتزوج ابنته رقية بنت الحسن عمرو بن الزبير بن العوام. وتزوج أختها مليكة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب جعفر بن مصعب بن الزبير بن العوام. وسمى أبناء بأسماء صحابة جده صلى الله عليه وسلم منهم: أبو بكر، وعمر.. =================== الحسين بن علي (أبو عبد الله) ولد الحسين بن علي رضي الله عنه بعد أخيه الحسن في العام التالي بالمدينة المنورة، واستشهد بكربلاء في العراق سنة 61 هـ. تحولت الإمامة من نسل الحسن إلى نسل الحسين وهو ابن 46 ربيعا، وهي نقلة نوعية في إدارة فكرة الإمامة بمنظور الإمامية. وللشيعة الإمامية فيها أقوال مكذوبة على رسول الله في موضوع تعيين الأئمة الإثني عشر بصريح العبارات. نهض الحسين بعد أخيه الحسن منتفضا على بدعة جديدة ظهرت هي ولاية العهد التي ابتدعها معاوية بن أبي سفيان لابنه يزيد، لم ينهض في خلافة الخليفة الشرعي معاوية بن أبي سفيان الذي صار خليفة بتنازل أخيه الحسن بن علي له عنها، بل نهض بعد وفاته وتحويل الأمر إلى غير أهله، أي إلى غير الأمة أو أهل الحل والعقد، خلف يزيد أباه بولاية العهد، عندها نهض الحسين فبايعه الناس فصار ببيعتهم له إماما جديدا، وكانت بيعته صحيحة شرعا لأن يزيد تولى الخلافة بولاية العهد وليس ببيعة المسلمين، صحيح أنه قد أخذت له البيعة ولكن بالقوة فلم تصح انعقادا، وقد كان الحسين ساكنا في خلافة معاوية لأن معاوية صار خليفة بعد أن انعقدت له الخلافة بشكل صحيح حين تنازل له عنها الخليفة الحسن بن علي وكان ذلك على مرأى ومسمع من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فأجمعوا على ذلك واستقر الأمر بعد تنازل الحسن لمعاوية إلى أن مات هذا الأخير فتولاها يزيد دون موجب حق فخرج عليه الحسين بن علي بعد أن بويع بالخلافة وكانت بيعة شرعية صحيحة كما قلت وخلافته صحيحة أيضا، وحين ذهب إلى العراق بطلب من كثير من أهلها لنصرته خذلوه في كربلاء وتخلوا عنه رضي الله عنه فدعا عليهم كما ورد في مصادر شيعية قائلا: "اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً (أي شيعاً وأحزابا) واجعلهم طرائق قددا، ولا ترضي الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا" الإرشاد للمفيد 241، إعلام الورى للطبرسي 949، كشف الغمة 18:2و38، ثم لما ندمت المجموعة التي استدعت الحسين لنصرته خرجت على الدولة الأموية وسموا بالشيعة نظرا لخروجهم ثأرا للحسين وهم يحتفلون بمقتل الحسين وليس بمقتل علي وكانوا على حالتهم تلك مجرد فرقة سياسية تناصب الأمويين العداء وتخرج عليهم، والجدير بالذكر أن عمرو بن الحمق عند الذهبي صفحة: 297 قد كان مقاتلا في صفوف علي بن أبي طالب في معاركه، وقد كاتب الحسين بالخروج إلى الكوفة لينصره فخانه وخذله، ثم أظهر الندم على خيانته الحسين رضي الله عنه فخرج مع المطالبين بدمه. لم يستتب الأمر للحسين لكثرة الخداع وشيوع النفاق في أصحابه حتى استشهد رضي الله عنه في كربلاء سنة 61 للهجرة. يذكر أن سبط النبي الحسين بن علي رضي الله عنه سمى مرتين باسم عمر، سمى ابنه عمر والآخر عمر الأشرف، وتزوج أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، وقد أوصاه السبط الآخر أخوه الحسن بنكاحها قبل موته وولدت له فاطمة بنت الحسين، وزوَّج ابنته سكينة لزيد بن عمرو بن عثمان بن عفان، وكان لعثمان رضي الله عنه سبط للنبي صلى الله عليه وسلم هو عبد الله بن عثمان بن عفان وأمه رقية بنت النبي محمد . وسمى أبناءه باسم عمر. ويذكر أيضا أن الحسين بن علي سبط النبي لم يخرج من المدينة المنورة إلا في الجهاد مع العبادلة الأربعة بقيادة عبد الله بن أبي السرح إلى شمال إفريقية حيث تونس حاليا لمقاتلة البربر، وخرج قبل ذلك مع جده إلى مكة في حجة الوداع، ثم سافر إلى العراق بدعوة خبيثة من الشيعة الذين زعموا اتباعه ومحبته ونصرته كذبا فتخلوا عنه وقتل بكربلاء رضي الله عنه وأرضاه. أسلوبه: في كتب المقاتل كمقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 34 حيث روى أنه عليه السلام: “وقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه، فأتاه سهم حدد مسموم له ثلاث شعب، فوقع السهم في قلبه فقال الحسين: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله. ورفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره! انظر في قوله: "إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره" علما بأن أبناء النبي غيره موجودون وخصوصا من ورث الإمامة عنه بحسب معتقد الشيعة وهو علي بن الحسين (زين العابدين)، بالإضافة إلى أبناء الحسن رضي الله عنهما أبناء النبي من أحفاد الحسن الذين قتلوا معه في كربلاء، فهل هذا الحفيد ليس ابنا لرسول الله والحسين حفيد وعلي (زين العابدين) حفيد يجتمعان في الجد الأعلى وهو رسول الله ؟ صحيح أن السبط ابن كما جاء على لسان الرسول الأكرم صلوات الله عليه وسلامه في قوله عن الحسن وهو صبي: ((إن ابني هذا سيد وسيصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين)) وقد حصل حين تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية فحقن بذلك دماء المسلمين وأصلح ذات بينهم بتنازله عن الخلافة، وقال عنه الشيعة الإمامية بفعلته تلك أنه مذلّ المؤمنين، فالسبط ابن وهو ولد الولد ويغلب على ولد البنت، والذرية من الأبناء، فكيف يقول الحسين رضي الله عنه: "ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره"؟ هذا الكلام ليس للحسين ولا يمكن أن يكون له لمخالفته للواقع وللحديث الشريف وللغة، فالحسن ابن لرسول الله، وإذا لم يقل النبي أن الحسين ابنه أيضا فلا يعني ذلك أنه ليس ابنه قياسا، ولكن أبناءهما أيضا أبناء لرسول الله وهم أسباط الأسباط ومن الذرية، وعليه لا يمكن أن يصدر عن الحسين مثل هذا الكلام فيكون مكذوبا عليه رضي الله عنه. ويستطرد الخوارزمي قائلا: "ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده على الجرح فلما امتلأت رمى به إلى السماء، فما رجع من ذلك الدم قطرة، وما عُرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين عليه السلام بدمه إلى السماء، ثم وضع يده ثانيا فلما امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته وقال: هكذا والله أكون حتى ألقى جدي رسول الله وأنا مخضوب بدمي وأقول: يا رسول الله قتلني أبو بكر وعمر“. وفي (تقريب المعارف للحلبي ص 243) سأله رجل عن أبي بكر وعمر: “والله لقد ضيّعانا! وذهبا بحقنا! وجلسا مجلسا كنا أحق به منهما! ووطئا على أعناقنا! وحملا الناس على رقابنا”!. المصدر: موقع شيعة طنجة. في الرواية الأولى وصف لآخر سويعات سبط النبي ورضي عنه، يصف فيها موقفه الأخير في كربلاء، تتحدث عن إعيائه من القتال ولم يكن قد عجز عنه بعد لأن الموقف شديد والنصير قليل والظالم كثير، وبينما هو كذلك إذ رماه رام بحجر فوقع في جبهته فأخذ الثوب ليمسح عن وجهه.. إن الذي يفعل ذلك يؤكد صورة إصابة لا تُذهب الوعي إما بسبب صغر الحجر أو بضعف الرمية، وبينما هو منشغل بمسح الدم عن جبهته أتاه سهم مسموم حدد له ثلاث شعب فوقع السهم في قلبه.. وصورة هذه الرواية تظهر الاقتتال بالسهام والحجارة، أو على الأقل تظهر تصرف أحد المقاتلين بغير ما يملك من أسلحة كالرمح والنبل والسيف بل تناول الحجر، ويطرح سؤال: إذا كان الغرض هو قتل الحسين رضي الله فبأي شيء يحصل القتل في معركة لا تكافؤ فيها، فالحسين معه قلة قليلة من أصحابه وآل بيته، وذلك يقتضي الإجهاز عليه بالأسلحة التقليدية المعروفة حينها فكيف يُرْمى سبط النبي بحجر ويراد بالرمية أن تقتل الذي رُمي بها؟ ماذا لو أخرجنا صورة القذف بالحجارة لاقتحامه في الرواية بشكل غير مطمئن، صحيح أنه غير مستحيل، ولكن المعارك من هذا النوع خصوصا لدى الطرف المنتصر أن يكون هو المالك الأكثر للأسلحة، فالذي يرمي بالحجر لا يرمي به إلا لأمرين اثنين: ـ إما أن يكون الحجر أبلغ إصابة من وسائل الرمي الأخرى كالنبل والرمح نظرا لظرفية تقضي بالإسراع بالرمية من أجل أخذ زمام المبادرة. ـ وإما أن يكون الذي يرمي بالحجارة لا يملك غيرها، ولو كان الأمر مع أصحاب الحسين رضي الله عنه نظرا لفقدانهم الأسلحة بتكسيرها في النزال أو ما شابه لجاز تصور استعمالهم الحجر، فنحن نعلم أنه عند اختلاط الجنود تنعدم أهمية الأسلحة النارية عندها يشرع الاقتتال بكل شيء بما في ذلك الأيدي والأرجل والحجارة والحصاة والهراوات والسكاكين والسيوف.. وعليه يمكن القول أن إقحام رمي الحسين بالحجر إقحام مكشوف يظهر التعسف في الراوي وكذبه. وتستمر الرواية في وصف المعركة فتقول بوقوع السهم في قلب سبط النبي ورضي عنه، وكان للسهم ثلاث شعب كما كان مسموما أيضا. والصورة بهذه الرواية تقضي القضاء المبرم على الذي يصاب به، فمن جهة شعب السهم الثلاث تتسع دائرة الجرح ويحصل النزيف الكبير بحيث يصعب إن لم يستحل إيقافه للتعجيل بقتله، ومن جهة السم يحصل امتصاص الجسم للسم وجريانه في الدم ونقله إلى سائر الجسم حتى يتأثر به وتتأثر الأعضاء الحساسة كالقلب فيتوقف عن الخفقان، وبتتبعنا للرواية نجد أن الحسين رضي الله عنه عند إصابته رفع رأسه إلى السماء لمناجاة ربه سبحانه وتعالى وهذا ديدن كل مؤمن خصوصا الذي يكون في كرب وقد كان فيه رضي الله عنه مظلوما، ولا شيء في ذلك مع التنبه إلى أن المناجاة تكون أيضا دون رفع اليد خصوصا وأن اليد مشغولة بالقتال الشيئ الذي لا يفعله المقاتل حتى لا يؤخذ من تعطيل يده عن القتال، ولكن أن يعمد إلى السهم فيخرجه من قفاه فتلك صورة تخالف السياق، ويضطرب لها التركيب، وتخالف واقع الرواية وواقع طبيعة الإنسان عند الإتيان بالأعمال، فالسهم أولا أصابه في قلبه، ومعنى ذلك أنه وإن لم يكن في القلب مباشرة فإنه يقع في الصدر على الأقل، بحيث لم يصب به في عنقه، في وجهه.. فكيف يخرج سهم دخل في القلب أو في الصدر، ثم يخرجه صاحبه من قفاه؟ كيف تستقيم الرواية لتناسب طبيعة الفعل، وطبيعة جسم الإنسان؟ لا شك أن الصورة في الرواية مخالفة لما قبلها، فهي رواية مضطربة تؤكد ضعف الحبك، وانعدام الخبرة في السرد، يظهر فيها غياب الفطنة في ربط أول الكلام بآخره، فتكون النتيجة أن ما قيل كذب مفضوح، ويؤكد ذلك اختراق السهم للجسم بحيث خرج إلى القفا، وذلك لا يكون إلا في حالة واحدة هي أن يقذف بالسهم الحسين من الأسفل، يرمى به من تحت إلى الأعلى حتى يخترق إلى القفا وليس إلى الظهر، وذلك ممنوع في الرواية إذ لا يوجد ما يشير إليه من قريب أو بعيد، لا توجد كلمة أو حرف يمكن أن يؤدي إلى هذا الفهم، كما أنه إن حصل فخروج السهم من القفا يعني إصابة الجهاز العصبي، وإصابة الجهاز العصبي يقضي بالوقوع في الشلل التام أو الجزئي والانهيار الكامل وهو لم يحصل طبعا، وهناك تصور يعطب ما ذهب إليه الراوي وهو أنه يستحيل على الرمية من الأسفل حتى تخرج من القفا أن تصيب القلب إذ لا بد من حمل السهم على الاستقامة بقوة الرمية الشيء الذي يجعله لا يصيب القفا أبدا إلا إذا تم ليه ليناسب سيره نحو القفا وهو ممنوع كما قلنا.. لقد وضع الحسين رضي الله عنه يده على الجرح فلما امتلأت رمى بها إلى السماء، ثم وضعها ثانية فلما امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته.. وهنا نتوقف عند عدة أمور، فمن جهة النزيف نقر بحسب الرواية أنه نزيف غير متوقف حتى وإن وضع رضي الله عنه يده على الجرح لأن ذلك لن يوقف نزيفه لأنه نزيف داخلي وفيه صور أهمها دخوله في غيبوبة إذا فقد ما يكفي من دم واصل للمخ. لندع هذه ونأخذ غيرها، فامتلاء اليد بالدم لا يناسب المقام ولا يستقيم في السياق إلا إذا اغترف من دمه بإحدى كفيه، وهذا بعيد لأنه استهانة بالجسم لأن صاحبه لا يصل إلى ذلك لانشغاله بجرحه ومعركته فتكون الصورة السليمة هي تلطيخ يده بدمه، وليس ملأها، فالقفا بغير قابلية أن يغترف منه المصاب فيه بكفه أو يده لأن الصورة ممتنعة، فوضع اليد أو الكف على القفا من أجل ملئها بالدم يقضي جعلها موضوعة على القفا من باطنها، وإذا وضعت الكف من باطنها مع صعوبة اغترافها للدم واستحالته ولم لا؟ فلا تستطيع حمل شيء من الدم فيها، فلا يكون إلا وضعها على القفا من باطنها فتلطخت كما قلت بدمه الطاهر رضي الله عنه، وإذا وضعت على ظهرها حصل تلطيخها أيضا وليس غير تلطيخها، وأما تخضيبه للحيته ووجهه فذلك لم يكن من ثقافته رضي الله عنه، ولكنه كان عند برابرة شمال إفريقيا الذين التقى بهم نفس الحسين والحسن والعبادلة الأربعة الذين كانوا في جند عثمان بن عفان بقيادة عبد الله بن أبي السرح في المغرب العربي أو تونس تحديدا، لم يكن ما فعل من ثقافته، بل كان من ثقافة البربر ويعنون به طلب الثأر وقد أظهره "كُسَيْلة" لعقبة بن نافع الفهري، فهل قلدهم الحسين رضي الله عنه وهو خريج مدرسة الإسلام؟ وإذا قلدهم فماذا يفيد وهو هالك لا محالة؟ وهل علم الغيب حتى أخبر عما سيجري لعقبة بعده مع البربر؟ وأما كون الدم الذي رمى به في السماء لم يعد إلى الأرض فهو مخالف للجاذبية، ونحن نعلم أنه لن يرجع لأنه لم يكن إلا ملطخ الدم في يده، صحيح أن الدم يتخثر بسرعة، ولكنه هنا غير ذلك، وإذا تخثر فسيقع، وإذا لم يقع فليس له مكان غير البخر، فهل تبخر دمه رضي الله عنه كما يتبخر الماء وتحول إلى سحاب أو شفق أحمر؟ وكون السماء احمرت لذلك فتلك أسطورة وما أكثر الأساطير في كتب الشيعة الذين قام دينهم ومذهبهم في الأساس على الأساطير. وأما الطامة الكبرى والجهل المتورِّم فهو ما ورد عن الحمرة في السماء، فقد زعم الراوي أن الحمرة في السماء منشؤها دم الحسين بن علي إذ تقول الرواية: ((وما عُرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين عليه السلام بدمه إلى السماء))، ونحن نعلم والكون يشهد والبشرية قبل مولد الحسين تشهد أن الحمرة في السماء قد كانت منذ ملايين السنين بل قبل بليوني سنة كما في بعض الدراسات قبل أن يرمي بدمه إلى السماء الحسين بن علي رضي الله عنه، الحمرة لا تنشأ إلا بوجود غلاف غازي للأرض، فهو الذي تتسلط عليه أشعة الشمس فتعطيه لون الحمرة وغيرها من الألوان، ويظهر الشفق، وقوس الرحمان كما يسميه النبي محمد عليه الصلاة والسلام وليس قوس قزح، وعليه فالحمرة في السماء نشأت بنشوء الغلاف الجوي للأرض منذ بليوني سنة، وليس برمي الحسين بدمه إلى السماء.. وأخيرا تكشف الرواية عن حقد دفين ما كان له أن يظهر في مثل تلك المواقف، حقد على أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما الذين قتلاه كما تصرح الرواية، كيف يبعثه الله عز وجل وهو مخضب بالدم واليد التي امتدت لقتله لم تكن يد فدائي الهجرة الثاني في الترتيب أبي بكر الصديق ولا يد صهر الحسين من جهة أخته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب؛ عمر بن الخطاب؟ كيف يكون ذلك والمجاز والاستعارة والكناية لتثبيت ذلك لا يستقيمون أبدا؟ كيف يكون المرء في موقف القتل ويكشف عن حقده الذي لن يفيده في موقفه ذاك؟ إن الحقد على أبي بكر صهر جده رسول الله، والحقد على عمر صهر جده أيضا وصهره هو من جهة أخته أم كلثوم لم يكن في قلب الحسين رضي الله عنهم جميعا، بل كان في قلوب الذين يفرقون بين الأحباب، في قلوب الشياطين، فقلب الحسين قد كان فيه الحب لأبي بكر وعمر كما كان في قلب أبيه وجده وجميع آل بيت رسول الله . وأما الرواية الثانية فلا داعي لمناقشتها نظرا لوجود أجوبة عليها في التعليق على الرواية الأولى لأنها مكذوبة عليه رضي الله عنه. دعا الحسين على شيعته قائلا: "اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً (أي شيعاً وأحزابا) واجعلهم طرائق قددا، ولا ترضي الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا" الإرشاد للمفيد 241، إعلام الورى للطبرسي 949، كشف الغمة 18:2و38. يذكر أن أم الحسن بنت الحسين بن علي بن أبي طالب تزوجها عبد الله بن الزبير بن العوام. وتزوج سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب مصعب بن الزبير بن العوام. وتزوج الحسين رضي الله عنه من حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. وسمى أبناءه بأسماء صحابة جده صلى الله عليه وسلم منهم: عمر، وعمر الأشرف، وأبو بكر.. ========================== علي بن الحسين (زين العابدين) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب تابعي جليل وعالم كبير من علماء السنة، فقيه مبرّز من أهل التقوى والورع، من أفقه أهل المدينة كما قال عنه إدريس الشافعي. ولد علي بن الحسين (زين العابدين) العالم الزاهد من أب عربي وأم فارسية هي ابنة آخر ملوك فارس كسرى يزدجرد بن شهريار وهي شَاهْ زَنَانُ بِنْتُ يَزْدَجِرْدَ وَقِيلَ شَهْرَبَانُويَهْ، وَقِيلَ اسْمُهَا سلافة (فِي بَعْضِ مصادر أَهْلِ السنة) وعند الأصمعي أنه ((لَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ وَلَد إِلَّا مِنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ الْحَسَنِ، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّهِ)). ولد بالمدينة المنورة سنة 36 وقيل 37 وقيل 38 من الهجرة على اختلاف في مصادر الشيعة، وتوفي بها سنة 94 هـ وقيل 95 هـ ودفن بالبقيع، وقد (وصّى) له علي عندما حضرته الوفاة بزعم الشيعة. روى الصدوق في الفقيه (أي كتاب من لا يحضره الفقيه) عن سليم بن قيس الهلالي قال: شهدت وصية علي بن أبي طالب (عليه السلام) حين أوصى إلى ابنه الحسن (عليه السلام) وأشهد على وصيته الحسين (عليه السلام) ومحمد بن الحنفية (أخو الحسن والحسين غير الشقيق) وجميع ولده ورؤساء أهل بيته وشيعته، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، ثم قال: يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي، كما أوصى إلي رسول الله ودفع إلي كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعه إلى أخيك الحسين (عليه السلام) ثم أقبل على ابنه الحسين فقال: وأمرك رسول الله أن تدفعه إلى ابنك علي بن الحسين ثم أقبل إلى ابنه علي بن الحسين (عليه السلام) فقال له: وأمرك رسول الله أن تدفع وصيتك إلى ابنك محمد بن علي (هو محمد بن علي الباقر وكنيته أبو جعفر) فأقرأه من رسول الله ومني السلام (1). (1) خليفة الله، حسين نور الدين الطبعة الأولى الجزء الرابع صفحة: 27، 2010م. وفي مصدر شيعي هو بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار لمحمد باقر المجلسي أنه لم ترد وصية لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فليست هناك رواية واحدة صحيحة حتى إن زين العابدين لم يذكر عنه يوما أنه قال أن هناك نصا أو وصية إلهية حول الإمامة والخلافة، وكم عدّدَ فضائل أهل البيت في حضرة الناس ولم يذكر عنهم إلا الحِلْم والشجاعة والكرم وغير ذلك من الصفات الحميدة دون ذكر أي شيئ عن الوصية، ومن التناقضات الواردة عن الوصية في نفس بحار الأنوار رواية أن سيد شباب أهل الجنة الحسين رضي الله عنه قبل استشهاده في كربلاء أعطى علي زين العابدين خاتمه، ورواية أخرى تقول أنه أوصى ظاهريا لابنته الكبرى فاطمة وباطنيا لزين العابدين، ورواية ثالثة تقول أنه أودع وصيته لدى زوج النبي أم المؤمنين أم سلمة قبل خروجه للعراق وبدورها أعطتها لزين العابدين، ورابعة تقول أنه أوصى لأخته زينب في الظاهر وكل ما خرج عنها من علوم مصدره علي بن الحسين زين العابدين وليس زينب أخته. راجع بحار الأنوار 45/174 ــ 46/17. تولى الإمامة وهو ابن 25 ربيعا، واستمر إماما للشيعة حتى وفاته سنة 94 للهجرة أو 95 هـ كما مر معنا ومنه جاءت الزيدية من ولده زيد. في رواية سليم بن قيس الهلالي يلاحظ أولا أن الراوي (الصدوق) يروي نقلا عن سليم بن قيس الهلالي حضوره وصية علي بن أبي طالب لأبنائه بالإمامة واحدا واحدا إلى أن انتهى إلى محمد بن علي وهو الباقر الذي كان والده علي المكنى زين العابدين صبيا صغيرا جدا حين الوصية لا يتجاوز أربع سنين، اعتمدنا تاريخ الوصية في حياة زين العابدين بزمن لا يتعدى أربع سنين حتى نوفق في تثبيت الوصية في حضرة ين العابدين، وأما ما يتعلق بها من صغر السن وغياب القدرة على الاستيعاب أو ما شابه ذلك فيناقش في غير هذا المقام، دعوني أعتمد الوصية في الحضرة، وإذا افترضناها قبل ذلك فستكون الوصية لجنين أو لغيب.. ودعوني أعينُ الشيعة على تصديق راويتهم، ثم أقلب عليهم الطاولة حتى يقفوا على كذبه وكذب من جاء بعده. يلاحظ في هذه الرواية أن سليم بن قيس الهلالي الذي روى عنه الصدوق قد كان له من العمر حين الوصية 36 سنة أو 37 أو 38 سنة. ويلاحظ ثانيا أن عليا أوصى في حضرة أبنائه وأحفاده من أبنائه المباشرين، فقد أوصى إلى الحسن حضورا، وأوصى إلى الحسين حضارة وأوصى إلى علي بن الحسين كذلك، وعلي بن الحسين حفيد علي كان حينها ابن أربع سنين لأنه مولود سنة 36 أو 37 أو 38 هجرية ومعنى ذلك أن الصبي قد كان له من العمر أربع سنين باعتماد الرواية التي تنص على الميلاد سنة 36، وخمس سنين على الرواية الثانية، وست سنين على الرواية الثالثة لأن عليا توفي سنة 40 هجرية، ولهذا الحال موقف من العقل لا يتجاوزه، إذ كيف يعقل أن يوصي راشد لقاصر دون إنابة أو وكالة؟ كيف يوصي راشد لأقل من قاصر؛ لصبي، هذا دون وضع احتمال أن تكون الوصية قبل مولد علي زين العابدين وقد كانت بالتأكيد رغم خياليتها قبل ولادة زين العابدين ذلك أن مولده قد كان بالمدينة المنورة، وعلي بن أبي طالب حين مولد حفيده علي زين العابدين لم يكن بالمدينة المنورة، بل قد كان خارج المدينة بالعراق تحديدا، وفيه قضى رضي الله عنه، وهذا التصور سليم وهو بذلك يضع صورة عن الواقع تدل أن عليا لم يحضر عقيقة حفيده علي زين العابدين فتكون الوصية له وصية لجنين أو لغيب وتكون الوصية لولده (أي لمحمد الباقر) آخذة نفس التصور، ثم إن الوقفة التي يجب أن يقفها العقل ليست الوقفة السابقة، بل اللاحقة، فقد وصى علي لغائب لم يحضر بعد الحياة الدنيا، أوصى لمحمد بن علي الباقر ووالده علي بن الحسين زين العابدين لم يزل صبيا في عمر السنوات الأربع أو الخمس أو الست، وقد عرف اسمه، كيف يكون ذلك؟ وهل يعقل ما لاحظناه؟ هل يعلم علي الغيب؟ لقد وصى علي لزين العابدين كما يذكر سليم وهو في العراق وحفيده زين العابدين في المدينة المنورة لم يبرحها إلى أن كبر وسافر مع أبيه الحسين إلى العراق وحضر كربلاء وكان مريضا فلم يشارك أباه في القتال، ثم عاد إلى المدينة المنورة وبها توفي، أوصى علي حضورا للحسن والحسين وزين العابدين والباقر وهذان الأخيران لم يكونا حاضرين، الأول صبي بالمدينة المنورة لم يبرحها إلا بعد استشهاد جده علي رضي الله عنه، والثاني لم يكن قد ولد بعد فكيف نوفق بين هذا الواقع القطعي واليقيني وبين وصية علي بزعم سليم؟ وإذا نحن قلنا أن عليا كان في المدينة المنورة عند الوصية ولا بأس ولكن كيف أوصى إلى الباقر والباقر من مواليد سنة: 57 هـ وعلي استشهد سنة: 40 هـ؟ هل يقعل هذا؟ كيف أوصى لغيب؟. ومن جهة أخرى فقد ورد في الوصية أن رسول الله أعطى عليا كتبه وسلاحه، وأن عليا أوصى بكتب رسول الله وسلاحه للحسن والحسين وزين العابدين والباقر ولكن أن هي كتب رسول الله ؟ هل سمعتم بكتب رسول الله غير رسائله إلى الملوك ووثائق المعاهدات؟ هل سمعتم بتداولها بين آل بيت رسول الله ؟ هل يذكر التاريخ شيئا عنها؟ هل هي من ضمن ما زُعم أنها مخبئة عند المهدي المنتظر؟ هل تشبه في طرحها مصحف فاطمة والجفر وغير ذلك؟ أما آن الأوان لإظهارها وإظهار كل خبيئة لآل بيت النبي؟ هل نحن عقلاء حقا حتى نصدق هذه الخرافات؟ هل الشيعة أعقل منا؟من معه شهادة طبية تثبت جنونه هل نحن أم الشيعة؟ ألم يمنحهم علماء المسلمين شهادات بدرجات عالية في الجنون والحمق والترهات والهلوسات والسفه العقلي؟ لقد مر معنا عند الحديث عن كتاب سليم بن قيس الهلالي الذي كان معه من علي بن أبي طالب ومنحه لأبان بن أبي عياش أن سليما لم يعرف عليا، وأن عليا لم يعرف سليما، وفي هذه الرواية تأكيد على ما قلنا بأدلة جديدة أخذناها من كتبهم المتناقضة، وأقوالهم الكاذبة فلم يبق إلا أن ينبذ المضبوعون بالتشيُّع تشيُّعهم الكاذب فنحن في الحقيقة شيعة آل بيت رسول الله ندافع عنهم وننفض الغبار عن علمهم وفقههم ومذهبهم السني وليس هم. ودعونا لا نقف على قوله: ((..ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، ثم قال: يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي..))، دعونا لا نناقش الكتاب الذي منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي، والكتب في الجملة التي بعدها التي منحها أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي، دعونا لا نناقش هذا فالقلب الفارغ من العقل كالحشّاش الذي اشترى الحشيش واستعمله، ثم عرّى نفسه وخرج يجري في الشارع كيوم ولدته أمه وهو غضبان على الذي ابتاع منه الحشيش ليحاسبه على مفعول الحشيش الضعيف لعله يأخذ منه ما هو أقوى تأثيرا، وحين وصل حي القصبة بطنجة حيث البائع عرف هذا الأخير ما كان من مفعول الحشيش على الزبون فمنحه معجونا غيره وكان من غير مادة القنب الهندي حتى لا يتسبب في جنون أكثر ربما يغيب له عقله أبدا وطلب منه أن يجلس إلى جواره، وكلما جاءه زبون ليشتري منه سلعته المُهَلْوِسة والمحشِّشة ويشترط عليه أن يكون مفعول الحشيبش قويا كان البائع يقول لزبنائه هذا هو دليل أثر حشيشي، رجل يجلس بسوأتين ظاهرتين وهو لا يدري وقد أذهب له الحشيش عقله، هذا هو منطق الشيعة مع المخرِّفين من (علمائهم) جهّالهم. يذكر في مصادر الشيعة أن حفيده الأفطس بن علي بن علي (زين العابدين) تزوج من بنت خالد بن أبي بكر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، كما يذكر أيضا أنه كان ينادي على عبد الملك بن مروان بإمارة المؤمنين عندما كان يدخل مجلسه، وكان له من الأبناء 15 ولدا سمى أحدهم باسم عمر، وكان يعرف منطق الطير كما نسب إليه عن راو لهم هو أبو حمزة الثمالي. ويذكر أيضا أن علي بن الحسين (زين العابدين) عاش في المدينة المنورة مع والده الحسين سبط النبي ، ولما غادرها إلى العراق صحبه وكان من بين أهله مريضا بكربلاء وقد شهد الترويع والقتل لآل بيت النبي سيد شباب أهل الجنة الحسين رضي الله عنه وأرضاه، قتل أبوه ونجا هو من القتل بسب توعكه الذي منعه من حضور القتال إلى جانب أبيه وإلى جانب الحق الذي كان معه إذ قد خرج على بدعة ولاية العهد واغتصاب السلطة من صاحبتها وهي الأمة، ولما انتهى القتال واستشهد الحسين وآل بيته الأطهار رضي الله عنهم أدخلوا الإمام زين العابدين على ابن زياد فسأله من أنت؟ فقال: ((أنا عليّ بن الحسين))، فقال له: ((أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟ فقال الإمام زين العابدين: ((قد كان لي أخ يسمّى عليا قتله الناس))، فقال ابن زياد: ((بل الله قتله))، فقال الإمام علي زين العابدين: ((الله يتوفّى الأنفس حين موتها))، فغضب ابن زياد وقال: ((وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للردّ علي؟ اذهبوا به فاضربوا عنقه)). فتعلّقت به عمّته زينب وقالت: ((يا ابن زياد، حسبك من دمائنا))، واعتنقته وقالت: ((لا والله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلني معه، فقال لها علي: ((اسكتي يا عمّة حتى أكلّمه))، ثمّ أقبل عليه فقال: ((أبالقتل تهدّدني يا ابن زياد؟ أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة؟)) ثمّ أمر ابن زياد بالإمام زين العابدين وأهل بيته فحملوا إلى دار بجنب المسجد الأعظم..ـ الإرشاد | المفيد : 231 ـ شرح الأخبار 3 : 250 ـ سير أعلام النبلاء 4 : 486 ـ كتاب الإتحاف بحب الأشراف | الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي. وقد أثر عنه رضي الله عنه أنه لم يكن مخالفا للصحابة الكرام في علمهم وفقههم ومعتقداتهم، بل لم يكن مخالفا حتى للتابعين أمثال الحسن البصري وقد عاصره وعاصر من قال فيه من أهل السنة والجماعة: ((مَا رَأَيْتُ قرشياً أَفْضَل منْهُ)) الزهري، ((مَا رَأَيْتُ قَطُّ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ)) سعيد بن المسيب، ((سُمِّيَ زَيْنِ الْعَابِدِينَ لِكَثْرَةِ عِبَادَته)) الإمام مالك، ((مَا رَأَيْتُ هَاشِمِيّاً أَفْضَلَ مِنْ زَيْنِ الْعَابِدِين ولا أَفْقَه مِنْه)) سفيان بن عُيَيِنة، ((أَفْقَهُ أَهْلِ المدينة)) الشافعي. قالَ شُعَيْب بن أَبِي حَمْزَة عَنْ الزُّهْرِي: ((كَان عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن منَ أَفْضَل أَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَحْسَنهُمْ طَاعَة)) وَقَالَ مَعْمَرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: ((لَمْ أدْرك منْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَفْضَل مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن)) وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِك: ((لَمْ يَكُنِ فِي أَهْلِ بَيْتِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ مِثْلَ عَلِيَّ بْن الْحُسَيْنِ وَ هُوَ ابْنُ أَمَة. وقَالَ الْأَصْمَعِي: لَمْ يَكُن لِلْحُسَيْنِ(ع) بْنِ عَلِيٍّ عَقب إِلَّا مِنِ ابْنِهِ عَلِي بن الحسينِ، ولَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ وَلَد إِلَّا مِنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْت الْحَسَنِ، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّهِ))، وقَالَ سَعِيدُ بْنِ عَامِر عَنْ جُوَيْرِيَةَ بنِت أَسْمَاء: ((مَا أَكَلَ عَلِي بْنُ الْحُسَيْنِ بِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ دِرْهَماً قَطُّ)). وقَالَ يُونُسُ بن بُكَيْر عَن مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاق: ((كَانَ نَاس مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَعِيشُونَ لَا يَدْرُونَ مِنْ أَيْنَ كَانَ مَعَاشهم، فَلَمَّا مَاتَ عَلي بْن الْحُسَيْنِ فَقَدُوا ما كانُوا يُؤْتُونَ بِهِ بِاللَّيْلِ)). له من الأبناء محمد وهو الباقر وعبد الله والحسن والحسين وزيد بن علي وعمر والحسين الأصغر وعبد الرحمن وسليمان وعلي ومحمد الأصغر وخديجة وأم كلثوم وفاطمة وعلية. علي زين العابدين إمام لجميع طوائف الشيعة ففي خلفه حصل تباين واختلاف وكثر الأئمة وتعارض الشيعة ورفضوا وأنكروا.. عاصر من الخلفاء معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك. وفي تاريخ اليعقوبي وهو مصدر شيعي أن زين العابدين أخذ أسير بعد معركة كربلاء إلى دمشق فبايع يزيد. ورُوِيَ عَن الصحابي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأنصاري أَنَّهُ قَال : ((كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَ الْحُسَيْنُ فِي حَجْرِهِ وَهُوَ يُلَاعِبُهُ فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ): ((يَا جَابِرُ، يُولَدُ لَهُ مَوْلُود اسْمُهُ عَلي، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ ليقِمْ (سَيِّدُ الْعَابِدِينَ) فَيَقُومُ وَلَده، ثُمَّ يُولَدُ لَهُ وَلَدُ اسْمُهُ مُحَمَّد، فَإِنْ أَنْتَ أَدْرَكْتَهُ يَا جَابِرُ فَاقْرَأْهُ مِنِّي السَّلَامَ)) (رَوَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي البداية والنهاية جُزْء 9. وقال فيه الفرزدق: يَا سَائِلِي: أَيْنَ حَلَّ الجُودُ وَالكَرَمُ – عِنْدِي بَيَانٌ إذَا طُلاَّبُهُ قَدِمُوا هَذَا الذي تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ - وَالبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَهِ كُلِّهِمُ - هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَـمُ هَذَا الذيأحْمَدُ المُخْتَارُ وَالِدُهُ - صَلَّيعَلَيهِ إلَهِي مَا جَرَي القَلَمُ لَوْ يَعْلَمُ الرُّكْنُ مَنْ قَدْ جَاءَ يَلْثِمُهُ - لَخَرَّ يَلْثِمُ مِنْهُ مَا وَطيالقَدَمُ هَذَا علي رَسُولُ اللَهِ وَالِدُهُ - أَمْسَتْ بِنُورِ هُدَاهُ تَهْتَدِي الاُمَـمُ هَذَا الَّذِي عَمُّهُ الطَّيَّارُ جَعْفَرٌ - وَالمَقْتُولُ حَمْزَةُ لَيْثٌ حُبُّهُ قَسَـمُ أسلوبه: ورد في تفسير قوله تعالى في سورة الحجر: ((قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ 41)) عن الصادق عن الباقر عن زين العابدين (عليهم الصلاة والسلام) أن عمر بن الخطاب قال يوما لرسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): “إنك لا تزال تقول لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.. فقد ذكر الله هارون في أم القرى ولم يذكر عليا!” فردّ عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلا: “يا غليظ يا جاهل! أما سمعت الله يقول: هذا صراطُ عليٍّ مستقيم”؟! (مناقب ابن شهر آشوب ج 2 ص302 وغيره). إلا أن المخالفين يقرأون هذه الآية على المشهور بينهم قراءة خاطئة، أي هكذا: “هذا صراطٌ علَيَّ مستقيم”، بتنوين (صراط) وفتح اللام ومع أن سياق الآيات لا يشفع لهذه القراءة بل يشفع للقراءة المرويّة عن أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ذلك لأن الآيات في مقام محاورة بين الله جل جلاله وبين إبليس (لعنه الله)، فيقول إبليس: “قال ربّ بما أغويتني لأزيّننَّ لهم في الأرض ولأُغويّنهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلَصين” فيردّ الله تعالى عليه بالقول: “قال هذا صراطُ علِيٍّ مستقيم. إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبّعك من الغاوين”. فالسياق يُظهر أنه سبحانه في مقام تبيان جهوية الاستقامة في قبال انحراف طريق إبليس، لا في مقام مآلية الاستقامة إليه سبحانه كما زعموا، وهذا واضح لكل من تذوّق لغة القرآن وإلا ما كان هناك تمييز في الآية السابقة والآية اللاحقة بين الفريقين (العباد المخلَصين) و(العباد الغاوين). نقف أولا على رواية الحديث لنعرف موقعها من علم الحديث رواية، ثم ننتقل إلى غير ذلك من علم الحديث دراية، فالحديث المروي عن رسول الله له سند من رجال ثقات، فقد روي عن جعفر بن محمد الصادق (أبو عبد الله) عن محمد بن علي الباقر (أبو جعفر) عن علي بن الحسين (زين العابدين) عن رسول الله ، والحديث بهذا الشكل يسقط الصحابي من الرواية، فعلي زين العابدين ليس صحابيا لأنه ولد بعد وفاة النبي بـ 25 أو 26 أو 27 سنة نظرا للروايات المختلفة في سن ولادته، وهو دون شك تابعي، بل من أفضل التابعين، فجده علي بن أبي طالب وقد عاصر الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ومعنى ذلك أن روايته تقع في الحديث المرسل، وهو حديث يحتج به رغم ما لدى العلماء من آراء بشأنه أوصلت بعضهم إلى عدم الاحتجاج بالمرسل لعلة أن راوي الحديث غير معروف، وربما يكون غير ثقة، ولشبهة أن يروي التابعي عن تابعي مثله فيحصل الوهم، ولكن الصواب أن المرسل هو ما سقط منه الصحابي بصرف النظر عن اسمه ما دام الأمر لا يعدوهم لأن التابعي الذي يروي عن رسول الله يستحيل أن يروي عنه سماعا لأنه لم يكن موجودا، أي لم يكن صحابيا، وما دام كذلك فالصحابة كلهم عدول بنص القرآن الكريم، فكلهم إذن يؤخذ منهم، يبقى البحث فيمن روى عنهم، وليس فيهم، وزين العابدين ليس منهم، وليس في منزلتهم في رواية الحديث عن رسول الله إذ يدخل في بحث الرجال شأنه شأن كل من روى لنا عن رسول الله ، فمن هذا المنطلق لا يمكن أن يكون حديث زين العابدين حجة إلا إذا ثبت له السند من جهة الرجال الذين رووه عنه وعن محمد بن علي الباقر وعن جعفر بن محمد الصادق.. إنا نقول لهذا الذي يزعم فهم اللغة واحترام سلطانها أن ما ذكره يدل على جهله باللغة وعدم تذوقها عكس ما يزعم في حق غيره، فلو كان الأمر كما يزعم لكان الصواب أن يقال طلبا لجهوية الاستقامة كما زعم، أن يقال: هذا صراط محمد مستقيم، أو هذا صراطٌ عليٌّ مستقيمٌ، وليس هذا صراط عليٍّ مستقيم، لأن جهة الاستقامة ليست في علي، ولا يمكن أن تكون في علي، ولا يذكرها القرآن قطعا، ولا يشير إليها بالمرة، فهي (أي جهة الاستقامة) في محمد بن عبد الله وليس في علي لأنه منصوص على التأسي به في سورة الأحزاب الآية: 21 بقوله تعالى: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا))، وفي صراط الله عز وجل كقوله تعالى: ((وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126))) الأنعام، وفي محمد وصراط محمد رسول الله كقوله تعالى: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)))، الأنعام، وفي الصراط المستقيم كقوله تعالى: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5)، الفاتحة، ولو وردت بذكر رسول الله اسما أو صفة طلبا للجهة لدلّت على صحيح المعنى ولكن مع فساد المبنى، ولدلّت أيضا على فساد في السياق لا يمكن أن يحصل لكتاب يصحح للناس لغتهم.. ثم إن كلمة أم القرى اسم يدل على مسمى غير الذي يقصدونه فكيف يتسنى حمل اسم على غير مسماه وهو واضح جلي، فهل القرآن الكريم هو أم القرى؟ وهل مكة المكرمة هي القرآن؟ أي استغباء لعقول الناس هذا؟. وأما اتهام رسول الله بقلة الأدب والغلظة في القول فهو مردود لأن أدب النبي فوق كل أدب، ورقته فوق كل رقة فما ينبغي أن يصدر عنه قول: يا جاهل، ولا قول: يا غليظ، ما فعل ذلك مع المنافقين الذين آذوه في نفسه وعرضه، ما فعله مع عبد الله بن أبي بن سلول أو غيره يدل على عكس ما رمي به .. هذا كذب رخيص على رسول الله وعلى آل بيته. هؤلاء القوم قوم بهت لا يتورعون في الكذب على رسول الله ، ولا على صحابته الكرام، ولا على الأئمة النجباء الذين يقدسونهم، فقد ورد في رجال الكشي صفحة: 52 : ((عن علي بن الحسين أنه قرأ: {من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا}، نزلت في العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم. يذكر أن حفيد علي بن الحسين (زين العابدين) موسى بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب تزوج عبيدة بنت الزبير بن هشام بن عروة بن الزبير بن العوام. ويذكر أيضا أن زين العابدين كان يكره أهل الكوفة، كان يكره شيعته وشيعة أبيه علي رضي الله عنهما الكذّابين فقد قال فيهم: ((هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق ثم قاتلتموه وخذلتموه؟)). حتى إن أخته زينب هذه التي يبكونها وينسبون إليها الزَّيْنَبِيات وهنّ المتطوعات من الزوان الشيعيات اللواتي يهبن فروجهن للقتلة من الشيعة تقديرا لعملهم في قتل المسلمين بسوريا وغيرها، هذه المرأة العظيمة قالت فيهم في مصدر شيعي مستنكرة وقد شهدت غدرهم وخيانتهم: ((يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر والخذل، أتبكون أخي؟)).ونفس الكلام قالته أختها فاطمة الصغرى: ((يا أهل الكوفة يا أهل الغدر والمكر والخيلاء، كفرتمونا وكذبتمونا ورأيتم قتالنا حلالاً وأموالنا نهباً ، كما قتلتم جدّنا بالأمس)). الإحتجاج للطبرسي 2/29 . ========================== محمد بن علي الباقر (أبو جعفر) ولد العالم الجليل التقي الورع محمد بن علي (الباقر) أصغر أبناء علي زين العابدين سنة 57 هـ بالمدينة المنورة ومات سنة 114 هـ أو 116 هـ على اختلاف في مصادر الشيعة ودفن بالبقيع. تولى محمد الباقر الإمامة بعد وفاة والده وهو ابن 37 ربيعا، ومات سنة 116 هجرية، عاصر الوليد بن عبد الملك بن مروان وسليمان بن عبد الملك بن مروان وعمر بن عبد العزيز بن مروان ويزيد بن عبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك بن مروان والوليد بن يزيد بن عبد الملك وإبراهيم بن يزيد بن عبد الملك، وعاصر فقهاء مثل قتادة فقيه البصرة وعبد الله بن الأزرق ومحمد بن المكندر وطاوس اليمني.. يذكر أن محمد الباقر لم يخرج قط من المدينة المنورة، فلم يسافر إلى العراق أو غيره من البلاد الإسلامية. ويسجل له توافقه مع فقه الصحابة وعلمهم رضي الله عنهم، وقد كان له أخ أكبر منه سنا هو زيد الذي انتسبت إليه الفرقة الزيدية، وكان من علماء السنة، له أتباع منهم من سأله عن رأيه في أبي بكر وعمر وعثمان فترحم عليهم فرفضوه ورفضوا رأيه وانشقوا عنه وسموا لذلك بالروافض وهم الاثنا عشرية، رفضوا إمامة الخلفاء الراشدين وترحمه عليهم وقد كان أبو زيد علي زين العابدين والحسن والحسين وعلي يترحمون جميعا على الخلفاء الراشدين وفي هذا مخالفة لأئمتهم الذين يزعمون عصمتهم، وكان (أي زيد) من العلماء الأجلاء وكان يرى في جده علي بن أبي طالب الأفضلية على أبي بكر وعمر وعثمان.. ولم يسجل عليه كرهه لهم وبغضه إياهم والدعاء عليهم إلى أن مات مقتولا على يد هشام بن عبد الملك سنة: 122 هـ بسبب خروجه على الخلافة الأموية، كيف يكره مسلم من أحبهم رسول الله وصاهرهم وتصاهر إليهم وحبنا لحب النبي إيمان؟ وكيف يكون ذلك وهو عالم تقي ورع رأى من ضمن ما رأى وهو رأي شخصي لا يطعن فيه ولا فيمن رأى رأيه أن جده أفضل منهم؟ فتفضيل فلان على علان يخضع لمقياس محسوس لا يستطيع المرء معرفة الخفايا والسرائر التي تحيط بمن كوّن رأيا عنه، وإذا سألته عن القطع واليقين فلن يحكم لك به لأنه متيقن أن رأيه مجرد ظن لأنه لا يعرف ذلك الأفضل والأقرب إلى الله تعالى إلا الله أو من أوحى له الله بذلك كالرسول محمد لأن محبته أكثر من النفس والوالد والولد؛ إيمان، وحب من يحب رسول الله وما يحب رسول الله من الإيمان أيضا، وإذا استند إلى أحاديث في الموضوع فله ذلك ولكنها أحاديث ظنية كما أن غيرها في المقابل ظنية أيضا، فالقول بأفضلية أبي بكر على عمر وعثمان وعلي رأي ظني بني على أحاديث ظنية، والقول بأفضلية علي على أبي بكر وسائر الصحابة رأي ظني بني على أحاديث ظنية هو الآخر، والنتيجة أن المسلم لا يمكنه أن يرفع هذا على ذاك إلا على هذه الخلفية التي لن تنتج حقدا وكراهية، وإذا أنتجتها تأكد من خلال ذلك؛ التوجه الخاطئ والاعتماد المشروخ على آراء لم تبن على يقين وهو ما لا يليق بالعالم واللبيب أن يصل إليه. ولنا في كتاب ربنا ما يدل على ذلك، قال تعالى: ((لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95))) النساء. هذه الآية تدل على أفضلية أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وغيرهم على علي بن أبي طالب لولا أنه من شهود بدر، وهي آية عامة في كل قاعد، ولكن بالنظر إلى التخصيص نجد أن التخصيص جاء من رسول الله فاستثنى من حبسهم العذر، واستثنى أيضا عليا لأن الرسول هو الذي خلّفه في أهله وأهله، ولولا ذلك التخصيص، ولولا أنه بدري لكان منهم، وقال تعالى: ((أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20))) التوبة. أسلوبه: ورد في سبب نزول الآية أصلا عن أبي جعفر الباقر (صلوات الله عليه) عن أبي برزة أنه قال: “بينما نحن عند رسول الله إذ قال وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب: ((وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل)) إلى آخر الآية. فقال رجل: أليس إنما يعني (الله فضّل هذا الصراط على ما سواه)؟ فقال النبي : هذا جفاؤك يا فلان! أما قولك: فضّل الإسلام على ما سواه فكذلك. وأما قول الله: (هذا صراطي مستقيما) فإني قلت لربي مقبلا من غزوة تبوك الأولى: (اللهم إني جعلت عليا بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة له من بعدي، فصدّق كلامي وأنجز وعدي واذكر عليا كما ذكرت هارون، فإنك قد ذكرت اسمه في القرآن – فقرأ آية – فأنزل تصديق قولي: (هذا صراطُ عليٍّ مستقيم). وهو هذا جالس عندي، فاقبلوا نصيحته، واسمعوا قوله، فإنه من يسبّني يسبّه الله، ومن سبّ عليا فقد سبّني. (تفسير فرات الكوفي ص43). وهاهنا على الأرجح أن يكون (الرجل والفلان) أبو بكر أو عمر لعنهما الله (بل لعن الله من لعنهما) كما يتضح من كنى روايات المثالب. إن أول ما يسجل من باب المقارنة بين كلام عربي سليم وكلام عربي ركيك هو ما جاء في كلام ابن برزة المنسوب كذبا إلى رسول الله وهو قوله: (إذ قال وأشار بيده..) القول الذي يقصد به الإشارة دون ذكر الاسم المشار إليه أو صفته أو كنيته المعروف بها سواء كان ذلك تصريحا أو تعريضا في كلام بألفاظ يقصد بها الحقيقة الجهوية أو الحقيقة الوضعية أو العرفية أو المجاز أو الكناية أو الاستعارة.. لا يمكن أن يسبق الإشارة إلا إذا تكرر القول عن قصد لاستجماع ذهن السامع وتهيئته للتقلي، قد يأتي توقيتا مع الإشارة لأنها هي التي تعين وجهة القول أو الجهة المشار إليها لفتا للانتباه وطلبا للمعرفة، أما أن يسبقها القول فلا، وهناك من الناس من يحرك يديه كثيرا عند الكلام ولكنه لا يشير بل يحركهما دون قصد، فإشارة النبي بيده إلى علي بن أبي طالب إعلاما بالقول الصريح وتوكيدا بالإشارة الصريحة لاعتباره هو الصراط المستقيم يجب أن تأتي توقيتا مع القول، وفي ذلك سابق ومسبوق، السابق الإشارة، والمسبوق القول، وهذا هو الصواب، فالقول ثم الإشارة لا يناسبان المقام التعبيري لغة، إذ كان يجب أن يقول: (إذ أشار بيده وقال: (وأن هذا صراطي مستقيما)، أما أن يقول: ((وأن هذا صراطي مستقيما)) دون أن يشير فقد تعين المشار إليه باسم الإشارة ولكن أين هو؟ فالسامع يفترض أن يكون قد عرف المشار إليه باستعمال اسم الإشارة أما أن يستعمل اسم الإشارة دون أن يعرفه فسيتركه يبحث عن المشار إليه وهذا فيه تكلف يسقط فيه غير فقهاء اللغة، أما والمتكلم لغوي قدير فلا، حتى إنك لتجد الراحة في التعبير بما ذكر لا تكلف فيه ولا اضطراب. وإن الإتيان بالآية دون كلمتها الأولى يقلب المعنى تماما، فقوله: ((هذا صراطي مستقيما)) يجعل الآية مبتورة وناقصة، ويجعلها جملة يظهر عليها الخطأ اللغوي، فمستقيما لا يمكن أن تأتي مع اسم الإشارة في البداية لأنها مبتدأ، وقد تعين ذلك في هاء التنبيه وذا للإشارة، وما جاء بعدها نكرة، والمبتدأ لا يبدأ نكرة لأن الأصل فيه معرفة مرفوعا، ولكن النكرة هنا أفادت فجاز الابتداء بالنكرة لأنها بضمير المتكلم وهو متعين فوجب أن يأتي خبرها مرفوعا: مستقيمٌ، أي هذا صراطي مستقيمٌ، وليس مستقيما كما ورد لأنها خبر لصراطي، والخبر لا يكون إلا مرفوعا ولا يكون منصوبا أبدا، قد يكون مجرورا بالباء الزائدة بعد نفي مثل: ما صراط الشيعة بمستقيم، ولن يكون الصراط المستقيم سوى صراط الله تعالى الذي هو صراط رسوله لأنه متعين بالتعبير المذكور ولكنه غير مقصود لدى الفارغين لغة، فهم يقصدون عليا ولا سبيل إلى إقحامه مثلهم في ذلك مثل إقحام قدم رِجْل بالغ في حذاء صبي رضيع، والقرآن الكريم ذكر حرف (أَنَّ) وهو من أخوات كان، أَنَّ حرف مشبه بالفعل يفيد التوكيد والمصدرية، وحرف أن لا بد له من اسم وخبر وحال فكانت كلمة صراطي هنا حالا، وبذلك تظل في إطارها القرآني بمعنى واضح هو أن الصراط المذكور صراط الله عز وجل، انظر إلى الآية ولاحظ السياق: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)، وإذا قلنا من عَتَه وخَوَر أن الصراط المستقيم هو صراط علي رضي الله عنه أو هو علي عينه فأين السبل الأخرى؟ علي صراط مستقيم والسبل التي تفرقنا وتبعدنا عن صراطه ما هي؟ إنه حصرا في طريق النصارى واليهود والمجوس والشيعة وكل طريق غير طريق الله ورسوله وليس طريق علي، لأن عليا تابع ليس متبوعا، يتبع رسول الله وصراط رسول الله دون قيد فما هذا الهراء؟ صحيح أن عليا متبوع ولكنه ليس وحده، بل معه السابقون الأولون من الماجرين والأنصار وبقيد الإحسان، فهم الذين أمرنا الله باتباعهم بنص القرآن الكريم واقرأ إن شئت قوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة)) والنتيجة الكذب على رسول الله وعلى آل بيته، وإذا أردت معرفة الكذب على رسول الله في باب الأسلوب فانظر إلى نظم الكلام وتأليفه، فالرسول لا يمكن أن يقول مثل ذلك الكلام، ومن رووا عنه الأحاديث كانوا فصحاء يجوز عليهم الخطأ ولكن لا يجوز عليهم الركاكة والتأليف الضعيف مثل ما جاء عند من أسسوا الدين الشيعي، فقد كانوا ضعافا في اللغة، لم يتقنوا الكذب في اللغة أولا لأنهم لا يفقهون لغة القرآن ولغة السنة، ولغة العرب، وثانيا لم يتشربوا معاني الإسلام حتى يمكن أن يرتبوا المعاني في سياق يظهر عليه الحبك الجيد والنسج المتقن، هذا قد فاتهم ولذلك لم يوفقوا في الكذب إلا على ضعاف العقول خصوصا على الذين لا يفهمون لغة القرآن ولغة السنة.. وعلى الرغم من ذكر الآية بحرف أن في البداية، وعلى الرغم من بتر ما بعد (مستقيما) وهي ((فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) وما يظهر عليها من طلب اتباع وصية الله التي وصّى بها نبيه وكل من معه وكل المسلمين (ذلكم وصاكم به) أي وصّانا باتباع صراطه المستقيم، كما وصّانا قبل هذه الآية مباشرة في قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} الآية: 152، سورة الأنعام، على الرغم من كل ذلك يتبين أن من وضع الحديث المكذوب على رسول الله غبي إلى أقصى حد، فانظر قوله: ((أليس إنما يعني (الله فضّل هذا الصراط على ما سواه)))؟ وذِكْر أشخاص في القرآن وعدم ذكر آخرين لا يقدم ولا يؤخر إلا بما كشف لنا من طرف ربنا عز وجل، فالله تعالى إذا أثنى على عبد باسمه أو صفته أو كنيته فقد استحق ذلك العبد رضوانه مثل الذين بايعوا النبي تحت الشجرة، فقد رضي عنهم بصريح العبارة في القرآن الكريم دون أن يذكر أسماءهم وكان فيهم عمر وأبو بكر وعلي وأبو عبيدة بن الجراح وطلحة والزبير وغيرهم، ورضوانه رضوان يظل رضوانا دائما وأبدا في الدنيا والآخرة لأنه رب الأرباب لا يخطئ ولا يرجع عما أراد. لا تليق بمقام الخالق عز وجل ولا تنزهه عقيدة البداء التي أخذها الشيعة من اليهود الذين تجرءوا على الله تعالى ولم يتأدبوا معه. لا يبدل لدى الله القول فلا يزاد في قوله ولا على قوله سبحانه وتعالى، ولا ينقص منه أو يزاد عليه نقصانا سبحانه وتعالى لعلمه بالغيب ومصائر الناس وأفعالهم ومآل أفعالهم، ((مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)) ق، فمن رضي عنهم يستحيل أن يضلوا، ليس لأن ضلالهم ممتنع، لا، فهم بشر بقابلية أن يضلوا ولكن الله حين رضي عنهم وأعلنها في كتابه الحكيم فقد أطلعنا على غيب لولا كشفه لظللنا دون يقين بشأن من رضي عنهم، وعليه فمن جاءه من ربه ثناء، أو رضا صريح أو تعريضي فلا يمكن أن يضل حتى لو أراد ذلك الضلال لأنه سيخالف علم الله تعالى وهذا محال وممتنع قطعا، وقد ذم آخرين فاستحقوا عذابه وقد ذكر بعضهم باسمهم أو كنيتهم كأبي لهب، وأشار إلى الوليد بن المغيرة دون ذكر اسمه، ولو أرادا المعنيان بالسخط والغضب أن يؤمنا بالله ورسوله واليوم الآخر لما آمنا لأن الله تعالى قد كشف لنا مستقبلهما، وهو بذلك يرينا طلاقة قدرته في الإعلان عن ضلال وكفر من عناهم وأشار إليهم ولكنهم لا يستطيعون ولن يستطيعوا ولو تعريضا أن يؤمنوا لأن في ذلك مخالفة لعلم الله تعالى لا يمكن أن تحصل لأنها ممتنعة قطعا، ولا يقال أن ذكرهم بما ذكر وإيمانهم بعد كفرهم، ثم إيمانهم الذي لا يظهر في كتاب الله بل هو في علمه الذي لم يكشفه لنا يمكن أن يكون، لا يقال ذلك لأن الله تعالى جاء بالغايات التي انتهى إليها الكفار من مثل قوله تعالى: ((تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5))) المسد، وقوله تعالى: ((ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31))) المدثر، فكيف يتم التوفيق للحصول على هذه النتيجة؟ لا يمكن أن تكون، فذكر أشخاص وعدم ذكر أشخاص لا يقدم ولا يؤخر كما قلت، ولو كان قد ذكر عليا رضي الله عنه فسيظل مذكورا في كتاب الله الخالد ولكنه لم يذكره هو ولا سائر الصحابة بالاسم باستثناء حِبِّ رسول الله زيد بن ثابت في سورة الأحزاب في قوله تعالى: ((وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)))، وبذكر علي وبذكر غيره من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لن يكونوا أفضل ممن لم يذكروا وهم كثيرون من الأنبياء مصداقا لقوله تعالى في سورة النساء: ((وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164))). وقوله: ((أني جعلت عليا..)) في غياب الدعاء والترجي كما حصل لموسى عليه السلام في قوله تعالى من سورة طه الآية: 29 ـ 30: ((وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي))، الجعل إما أن يكون هبة من الله كقوله تعالى في سورة مريم الآية: 53: ((وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا))، أو يأتي استجابة لنبيه كما مر معنا، فغياب الدعاء والترجي فيه شبهة التصرف بإرادة منفصلة عن إرادة الله وكأن العبد النبي والرسول له من الأمر شيء علما بأن ليس له من ذلك شيء إلا بإذن الله، وإذن الله تعالى لا بد أن يظهر في أدعية أحبائه له وتذللهم لجلاله.. ومن طريق المخالفين ورد ما يؤيد ذلك، إذ روى الحاكم عن سلام بن المستنير الجعفي: “دخلت على أبي جعفر – يعني الباقر عليه السلام – فقلت: جعلني الله فداك إني أكره أن أشقّ عليك فإن أذنت لي أسألك؟ فقال: سلني عما شئت. فقلت: أسألك عن القرآن؟ قال: نعم. قلت: قول الله تعالى في كتابه: (هذا صراط علي مستقيم)؟ قال: صراط علي بن أبي طالب. فقلت: صراط علي بن أبي طالب؟! فقال: صراط علي بن أبي طالب”. أي أن الإمام يؤكد أنه صراط جده علي صلوات الله عليه. (راجع شواهد التنزيل للحاكم ج 1 ص 78). وساق الكيلاني في تفسيره ما رواه العياشي وغيره عن جابر قال: ((سألت أبا جعفر عليه السلام عن شيء من تفسير القرآن فأجابني، ثم سألته ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلت: جعلت فداك، كيف أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم؟ فقال لي: يا جابر.. إن للقرآن بطنا، وللبطن بطنا وظهرا. (والله لقد حسبت أنه سيقول بحسب السياق ولبطن البطن وظهر البطن بطنا وظهرا، ولبطن بطن البطن وظهر ظهر البطن ظهرا وبطنا..) يا جابر.. وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن.. إن الآية ليكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل يتصرف على وجوده)). المصدر: التفسير والمفسرون: ص 46 ـ 47. جابر الصحابي الأنصاري الجليل يتعلم من أبي جعفر علم الإسلام، فأيهما يجب أن يتعلم من الآخر؟ هل من باشر أخذ العلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير إلى أن التحق النبي بالرفيق الأعلى أم أبو جعفر التابعي الجليل الذي لم يأخذ علمه من الرسول الأكرم صلوات الله عليه وسلامه، بل أخذه قطعا من التابعين ومن بعض الصحابة كجابر مثلا؟ هذا إشكال يجب الوقوف عنده فلو كان أبو جعفر صاحب حرفة يريد أن يتعلمها جابر فلا بأس، ولو كان أبو جعفر عالما بالكيمياء أو الجيولوجيا أو ما له علاقة بالعلوم التجريبية وتعلمها من أبي جعفر فلا بأس، أما أن يتعلم من به وبأمثاله من الصحابة الكرام وصلنا علم رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علم ديننا فلا. انظر إليه يخوض في التفسير والتفسير الأسلم هو ما كان عليه تفسير الرسول الأكرم نقل إلينا من الصحابة، وتفسير الصحابة نقل إلينا من التابعين، وتفسير التابعين نقل إلينا من تابعي التابعين، انظر إليه وهو يخوض فيما لو صح عنه لرده عليه جابر ولقبله منه أبو جعفر لمعرفته فضل جابر عليه بصحبة النبي والعلم الذي نقله منه إليه وإلينا. إن جابرا حضر بيعة العقبة الأولى التي كانت في السنة الثانية عشرة للبعثة النبوية الشريفة، حضرها وهو صغير السن، وهو الوحيد لأبيه عبد الله بن عمرو الخزرجي، وقد ولد في بعض المصادر سنة: 16 قبل الهجرة النبوية الشريفة، ومعنى ذلك أنه حين بلغ من العمر 73 سنة ولد أبو جعفر محمد بن علي الباقر، وحين بلغ أبو جعفر محمد بن علي الباقر من العمر 10 سنوات كان جابر بعمر 83 سنة، وإذا زدنا في عمر الباقر لكي يتعلم من جابر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم 5 سنوات يكون جابر بعمر 88 سنة، وإذا أوصلناه للعشرين يكون جابر بعمر 93 سنة وهو لم يتجاوز المائة سنة، صحيح أنه قد عاش طويلا ولكنه لم يكن آخر الصحابة وفاة فكيف نوفق بين تعلم جابر من الباقر وهو من هو في حفظ كتاب الله تعالى والفقه والحديث؟ فمسنده يضم 1500 حديث رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبخاري ومسلم أخذا منه أكثر من 200 حديث، فمن يتعلم من من؟ لو كان الأمر بين جابر وعلي أو أيا كان من الصحابة لجاز لأنهم تعلموا من بعضهم البعض، وكيف لا يتعلمون من بعضهم البعض وقد غابوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجاتهم والنبي يتصرف بوحي ويكون معه صحابة ولا يكون معه آخرون؟ كم حديثٍ صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك لا يعرفه علي بن أبي طالب لأنه لم يصحب رسول الله إلى تلك الغزوة البعيدة؟ ممن أخذ ما صدر عن النبي في غزوة تبوك وقد نزل فيها قرآن وحضرت فيها سنة؟ إذا كان الأمر متعلقا بالقرآن فلا بأس من تكرار تلاوته فيستمع إليها الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعضهم البعض مرارا وتكرارا، ولكن الحديث لا يتكرر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفس الصيغة، لأنه ليس قرآنا، ولأن النبي يُظهر المعنى بمختلف المبنى، والمعنى هو الوحي خلاف القرآن الكريم فالمعنى والمبنى هو القرآن، ومن النباهة ألا يحمل رسول الله على تكرار ما صدر عنه لكي يتعلمه علي مثلا من فيه رسول الله، ففي ذلك شبهة التشكيك في غير علي لا تصح عمن وثقوا ببعضهم البعض لوثاقتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ولتوثيق النبي لهم، والرسول لم يسجل كلامه في أشرطة حتى يطلب علي أو غيره بجلب أشرطة لسماع الحديث، صحيح أنه لا عيب أن يتعلم الكبير من الصغير ولكننا بصدد علم خاص منقول عن رسول الله صلى الله عليه وليس أي علم، فالصحابي مهما كان موقعه ومنزلته من النبي يظل أفضل وأعلم ممن لم يحظوا بصحبته صلى الله عليه وسلم لأنهم هم الذين نقلوا إلينا ديننا، وعليه يجب التنبه إلى مثل هذه الروايات المكذوبة على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فالصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء والرسل، هم أفضل من أصحاب موسى والحواريين وغيرهم. وروى أيضا (أي الكليني) في الكافي بإسناده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: ((إذا علم الله شيئا هو كائن أخبر عنه خبر ما قد كان، يعين: إذا كان في علم الله تعالى الكامل وقوع الشيء لا محالة وأنه سيكون قطعا، أخبر عنه على سبيل ما قد مضى وكان، سواء أكان ذلك مما يدل عليه ظاهر القرآن وتنزيله، أو باطنه وتأويله، كما هو مقتضى التطابق كأحوال يوم القيامة مثلا، والثواب والعقاب وسائر ما هو من هذا القبيل كالرجعة وما يكون فيها، وما يصدر من الأئمة بالنسبة إلى الإمامة وأمثال ذلك.. قال: ولا يخفى أنه بناء على هذا يرتفع الاستبعاد المذكور. ا هـ ص: 38. التفسير والمفسرون ص: 63. يبدو أن الكليني ومن روى ما ذكر عنه يجعلون أبا جعفر الباقر إنسانا جاهلا باللغة العربية، فلأن يجهلها الكليني العجمي المولود في كلين بإيران ومن هم على شاكلته فلا بأس، أما أن يجهلها أبو جعفر الباقر فلا لأنه عربي غير متهم في لغته، وهم ليسوا معذورين إلا إذا ابتعدوا عن الكذب على رسول الله والكذب على آل بيته الطاهرين، أما أن يحشروا أنوفهم في كتاب الله وسنة نبيه وتاريخ آل بيت النبي فلا.. كيف يعقل أن يقول أبو جعفر؛ الباقر: ((إذا علم الله شيئا هو كائن أخبر عنه خبر ما قد كان)) واللغة العربية وأسلوب القرآن في التعبير لا يقولان بذلك، فاللغة العربية تستعمل الفعل الماضي للدلالة على الماضي وعلى الحال والاستقبال، والقرآن الكريم يساير اللغة العربية لأنه قرآن عربي مبين، انظر قوله تعالى: ((وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)، الكهف. يتحدث عن النفخ بصيغة الفعل الماضي المبني للمجهول والنفخ لم يحصل بعد علما بأن فعل نُفخ المبني للمجهول يعني شيئا واحدا فقط وهو أن النفخ قد حصل وتم وانتهى، خلاف فعل نَفخ الذي يحمل معنيين وهما شيء سبق وكان، أو شيء حصل للتو، أي إنه سيحصل في المستقبل وهو الحال الزماني في ساعة النفخ، سيحصل حين يحصل في الحاضر الذي لم يحضر بعد. وقال أيضا: ((وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) يس. وقال: ((وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) الزمر. قال أبو جعفر محمد الباقر عليه السلام: ((إن الله عز وجل قد أرسل رسله بالكتاب وبتأويله، فمن كذب بالكتاب أو كذب بما أرسل به رسله من تأويل الكتاب فهو مشرك )). ا هـ ص: 9. التفسير والمفسرون ص: 52. وروى الكافي عن الباقر عليه السلام أنه قال: ((قال النبي في خطبته يوم الغدير: ((معاشر الناس.. هذا علي أحقكم بي وأقربكم إلي والله وأنا عنه راضيان، وما نزلت آية مدح في القرآن إلا فيه. معاشر الناس: إن فضائل علي عند الله عز وجل، وقد أنزلها علي في القرآن أكثر من أن أحصيها ـ انتبه إلى أحصيها ـ في مكان واحد، فمن نبأكم بها وعرفها فصدقوه)). التفسير والمفسرون، ص: 56. عند احتضار رسول الله كان يفيق بين الحين والآخر وفي إفاقته تصدر عنه أقوال منها وصيته بأهل بيته خيرا، وقال لعلي بن أبي طالب فيما نسب إليه كذبا والناس حضور قوله : ((أما والله يا علي ليرجعن أكثر هؤلاء كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض وما بينك وبين أن ترى ذلك إلا أن يغيب عنك شخصي وأعرض بوجهه الكريم عن القوم فنهضوا من عنده وبقي العباس والفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب وأهل بيته خاصة)). هذه الرواية أبدأها من الأخير، فقوله :وأهل بيته خاصة" تزيح السيدة عائشة رضي الله عنها وهم في بيتها وهذا لن يكون لأن النبي طريح الفراش في بيتها وهي من أهل بيته كسائر زوجاته بنص القرآن، وهي حاضرة ولا يمكن إلا أن تكون حاضرة ولا أحد نفى وفاته خارج بيت أم المؤمنين عائشة فكيف يقال: وأهل بيته خاصة" إلا أن تكون الزوجة منهم وهي لغة من يطلق عليها أهل البيت؟ طيب لنقل أنها تحتجب من الرجال لأن بيتها يحضره غير محارمها مثل من بقي مع النبي كالعباس والفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب.. وبقاؤهم في بيته ناتج عن إعراضه عن القوم الذين كانوا عنده، ولنقل أن إعراضه عنهم كان عن غضب ولكنه لن يكون عن كراهية وليس فيه حب الانتقام ولا هو عن سخط لأن السخط ضد الرضا والنبي كان راض عن أصحابه وكيف لا يرضى وهو يتلو آيات الرضا عنهم في القرآن الكريم، وتبسم تبسم الرضا حين رآهم يصلون بإمامة أبي بكر؟.. لقد غضب في صلح الحديبية حتى من علي حين رفض أن يكتب في وثيقة الصلح باسمك اللهم الشيء الذي يدخله في الردة والخطاب موجه إليه، كيف يكون ذلك؟. المهم في هذه الرواية قوله المكذوب عليه: ((أما والله يا علي ليرجعن أكثر هؤلاء كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض)). في قوله إخبار عن ارتداد القوم ومن القوم أبو بكر وعمر وغيرهما لأنهما لم يخرجا في جيش أسامة، بل إن جيش أسامة كله لم يخرج وفيه سلمان والمقداد وجابر وغيرهم ممن يترضى عليهم الشيعة وبقي ينتظر ما سيكون من أمر الحبيب المصطفى في مرضه وذلك من آيات المحبة له والتأثير الفظيع على النفوس المؤمنة بمرضه فكيف إذا أصابته مصيبة الموت بأبي هو وأمي وهي مصيبة أعظم من مصيبة موت الأنفس والآباء والأمهات والأبناء وكل عزيز علينا؟ بقي جيش أسامة ينتظر لما ألمّ برسول الله والرسول لا يخبر إلا بوحي، وأثر الحمى والإغماء لا يؤثران على الوحي لأنه لا يمكن إلا أن يقول حقا وصدقا بسبب تأييد الله له وحفظ دينه، ولا يقال أن الوحي انقطع عنه في ذلك الوقت. لا يقال ذلك ولو لم يصل إلينا قرآن إذ لو أوحي إليه لبلَّغه لأمانته ولحبس المرض عنه أو تم إيقافه حتى يبلغه، ومعنى ذلك من باب الشهادة أن الرسول لم يوح إليه بشيء من القرآن في ذلك الوقت، ولكن السنة لا يمكن إلا تحضر، أي أن الوحي بالمعنى وهو السنة لا بد أن يظل حتى تخرج روحه الزكية من بدنه الطاهر بأبي هو وأمي ، ومعنى ذلك أن الخبر بارتداد أكثر من عنده لا بد أن يتحقق لأنه لا ينطق عن الهوى ولكن بالنظر إلى آيات القرآن نجد أنها تتناقض مع هذه الرواية، مع هذا (الحديث)، وتناقض القرآن مع السنة لا يكون، وإذا كان دون إمكانية التوفيق بين الحديث والقرآن كان دليلا على الوضع (أي الكذب)، لنرى. القرآن الكريم ينص على إيمان الصحابة ويكشف مصيرهم الحسن، وذلك مثل قوله تعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)) (23) الفتح، الآيات. وقوله: ((وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) التوبة، الآية:(100) وقوله: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) آل عمران. وقوله: ((لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) المجادلة، الآية: (22). ((لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)) التوبة، الآية: (26). ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)وإن يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63))) الأنفال. وقوله تعال في سورة التوبة: ((لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119))). الآيات آيات قتال، بها أحكام إعداد القوة تناسب ما عليه الأعداء من خيل وجمال ونبال ورماح وسيوف في وقتها، وصواريخ وطائرات وبوارج وغواصات في وقتنا نحن، لأنها بعلة الإرهاب، إرهاب العدو، فإن تحقق إرهابه بالسيف والرمح والنبل ذهبنا إليه واشتغلنا عليه، وإن تحقق بالطائرات والصواريخ والبوارج والغواصات ذهبنا إليه واشتغلنا عليه أيضا، وإن تحقق بالسلاح الجرثومي والكيميائي والنووي ذهبنا إليه كذلك مع ملازمة الإنفاق لتحقيق ذلك دائما وأبدا وهكذا. وجاءت بأحكام متعلقة بالسلم والهدنة والمعاهدات وتقيدت في السنة بأن تكون مؤقتة لأن الأصل في القرآن قتال الكفار وليس مهادنتهم تأبيدا، فشرع الشارع الإسلامي الجنوح للسلم باتفاقيات مؤقتة ونبهت الآيات للخداع الذي يمكن أن يأتي من العدو ومع ذلك طالبت المسلمين بالجنوح للسلم والله تعالى كافيهم عدوهم إلى أن قال: ((... هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)). يهم في هذه الآيات صفة المؤمنين التي نعت الله بها المسلمين، وألفة القلوب مرتين وألفة ما بينهم مرة واحدة وإخبار منه عز وجل أنه إن حاول أيا كان لتأليف قلوب المؤمنين الذين كانوا مع رسول الله في تلك الغزوة فلن يفلح في ذلك لأن الإخبار جاء في معرض كشف علم الله تعالى، أي أنه لا يمكن تأليف قلوب أولئك المؤمنين إلا من الله عز وجل، فمحاولة غيره وإن كانت ـ وهي لم تكن ويشهد عليها التاريخ ـ لن تفلح، وعليه فالخبر من الله تعالى خبر عن غيب كشفه لنا، وهو يقضي قطعا ويقينا أن أولئك النفر من المؤمنين لا يمكن إلا أن يكونوا مؤمنين فيستحيل عليهم أن يتحولوا عن الإيمان، ويستحيل عليهم أن يكرهوا بعضهم البعض لأن علم الله تعالى نافذ فيهم وفي غيرهم فهو هنا حصري في الألفة بين القلوب وبين المؤمنين. وقوله عز وجل: ((وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)) يبين مسألتين اثنتين هما: تأليف القلوب، وتأليف ما بين المؤمنين. وقد يقال بأن تأليف القلب يعني تأليف بين صاحبي القلبين، تأليف القلوب يعني تأليف ما بين أصحاب القلوب، والجواب على ذلك أن الأمر مختلف هنا، وأن التعبير القرآني قد ساق القلوب وهي مضغ في صدور الناس وأجوافهم، وساق الأشخاص وردم بينهم المسافة حتى كادوا يظهرون منصهرين في بعضهم البعض وتلك غاية المحبة، ولكن ذكر القلب مرتين أولا وذكر الأشخاص بضمير ثانيا يؤكد ما يلي: أولا: القلب قلب ما وُجد إلا ليتقلَّب، وما سُمِّي القلب قلبا إلا لتقلبه كما يقول المصطفى محمد ، صحيح أن القلب يستقر ويثبت ولكن طبيعته التقلُّب، فمن تقلب قلبه فتلك طبيعته، ومن ثبت قلبه كان قلبه هو عقله، وكان فعل الثبات تجاوز التقلب إلى العقل، ويظل الإنسان بين التقلب والثبات إلى أن يموت فيظهر مصيره للناس وإذا لم يظهر للناس كان لله أظهر، والثبات هو الذي يحدث الإيمان والكفر، والقبول والرفض، والإقدام والإحجام إلخ، فكان ذكر القلب فيه مجال للتقلب وهو طبيعي ولكن الأمر يتعلق بنوعية خاصة من الرجال هم صحابة رسول الله فوجب أن يتجاوز القلب إلى شي آخر وهو منع القلب من التقلب وإيقافه عن ذلك نهائيا وقد كان كذلك في حقهم رضوان الله عليهم جميعا، فهم مستثنون من قوله عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوْقُ: ((إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِيْ بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِيْنَ يَوْمَاً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُوْنُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُوْنُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ المَلَكُ فَيَنفُخُ فِيْهِ الرٌّوْحَ، وَيَؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيْدٌ فَوَالله الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُه إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُوْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا)) رواه البخاري ومسلم. ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَادِرُوا بِالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا)) رواه الترمذي وأحمد.. فالارتداد والكفر في حق الصحابة ممنوع بنصوص القرآن الكريم، فهو الذي بيّن مصيرهم، وبين مرضاة الله عليهم. ثانيا: الألفة بين اثنين تأتي بالمودة، ولكن المودة في الآية سابقة، فقد ألف الله بين قلوبهم أولا فدل على أن تلك القلوب يستحيل عليها أن تنقلب إلى النقيض، يؤكد ذلك ويثبته درءا للشك، وقبرا للتقلب تأليف ما بين الرجال بعد تأليف قلوبهم، فتأليف قلوبهم لا يحتاج إلى ذكر تأليف ما بينهم، لأنه يؤكده ولا داعي للتكرار أو قول ما هو زيادة لا معنى لها إذ الأمر مفتوح على حقيقة القلب وهي تقلُّبه مادام صاحبه حيّا يُرْزق، فإذا قلت أن فلانا وفلانا قد ائتلف قلباهما فلا داعي لقول أنهما مؤتلفين يحبان بعضهما البعض لأن تأليف القلبين يتضمن المحبة إلا إذا كان التعبير بحمولة؛ الغرض منها تنويع الصور المجردة كأن يكون الكلام أدبيا، ولكنه حين جاء في القرآن الكريم بهذا الترتيب، وفي هذا السياق دل على أن المؤمنين الذي ذكروا في هذه الآيات لن تتقلّب قلوبهم على بعضهم البعض لأن ذلك ممتنع قد أثبته صاحب القلوب ومُقلِّبها؛ الله جلّت قدرته، ويؤيده تأليف ما بين ذواتهم وأشخاصهم، فكان في النهاية صحابة رسول الله رجال بقلوب مُؤلَّفة ألّفها الله تعالى لن تنقلب إلى التنافر والتباغض أبدا فجاء التأكيد في تبيان فشل كل محاولة تحاول أن تضرب قلوبهم بعضها ببعض سواء كان ذلك من فعل شياطين الجن، أو من فعل شياطين الإنس الذين سيظهرون ويعملون على تفكيك تلك الألفة التي ألفها الله تعالى لقلوب صحابة رسوله ، وكان المنع في إخبار رسول الله بصفته بشر لا يملك قلوب الناس ولا مفتاح أُلْفتها إلا بإذن من صاحبها؛ الله تعالى، وكان المنع أيضا في تحدي أيٍّ كان يأتي مستقبلا فيحاول فعل ذلك، ويشهد على ذلك الأحداث الكبرى والفتن العظيمة التي حدثت بين صحابة رسول الله بسبب المنافقين حصل فيها القتل ومع ذلك لم تظهر البغضاء بينهم.. والتوبة في آيات التوبة ثلاثة أنواع، توبة متحققة بحرف "قد" على النبي والمهاجرين والأنصار والذين اتبعوه ساعة العسرة في غزوة تبوك وبها قد تحقق حسن مصيرهم لأن الله قد غفر لهم بتوبته عليهم فلا يمكن أن يعود في حكمه، وامتنع في حقهم التحوُّل عن الإسلام إلى الكفر أو النفاق. وتوبة ثانية جاءت مع التراخي لمن هم منهم وهي توبة استثنتهم من الأولين وهم الذين مالوا إلى الزيغ فحماهم الله منه واصطفاهم بتوبة ثانية ليتحقق بعدها تثبيتٌ لأفئدتهم واستحالة تحوُّلها فضلا عن زيغها بالهمّ والنيّة أو الفعل. وتوبة ثالثة للذين تخلّفوا عن رسول الله وصدَقوه إذ لم يعتذروا كالمنافقين فتحقّقت توبتهم واصطفاهم الله لصفّ الإيمان وطبع على قلوبهم بالإيمان وعلى مصيرهم بالتوبة والغفران مثلهم مثل إخوانهم فكانوا جميعا محميِّين من الشرك والكفر والارتداد والنفاق.. فلا يمكن أن يكفروا ولا يمكن أن ينافقوا ولا يمكن أن يرتدّوا لأن الله تعالى قد حسم أمرهم بإخبارنا في كتابه العزيز عن توبته عليهم ومغفرته لهم فامتنع أن يتحولوا عن الإسلام، وامتنع أن يكون مصيرهم غير مصير المؤمنين الصادقين فكان جيش تبوك جيش كله من المؤمنين الذين حُسم أمر إيمانهم ومصيرهم فلا قابلية للارتداد بعد توبة الله عليهم، ولو أرادوا الارتداد، ولو دُفعوا إليه دفعا من أنفسهم أو من غيرهم فلن يرتدّوا لأن الله تعالى قد حصَّنهم وكشف لنا غيْبهم في القرآن الكريم فهم من أهل الجنة ومن أهل الرضوان، وكذلك الذين لم يكونوا معهم في الجيش إذ ألحقهم القرآن بهم بسبب صدقهم، وألحق بهم من تخلّفوا عن رسول الله بعذر شرعي وذلك في قوله تعالى في سورة التوبة: ((وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92))). هؤلاء لهم نفس المصير، وكذلك علي بن أبي طالب الذي تخلّف عن غزوة تبوك بحيث خلّفه النبي على أهله وأهله، ومحمد بن أبي مسلمة الذي خلّفه سياسيا على المدينة المنورة، تخلفّا بأمر من رسول الله فدخلا في معيتهم، ولكننا إذا علمنا بعضهم جهلنا غيرهم، أما الذين كانوا في جيش العسرة فكلهم مرضيّون قد تحقق مصيرهم الحسن ورضوان الله عليهم وفيهم من زعم ارتدادهم الممتنع بعد وفاة رسول الله وهم في روايات المنافقين من الشيعة والحمقى بالآلاف منهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم من صحابة رسول الله . وللزيادة في تفنيد المزاعم التي ساقها المنافقون الشيعة في حق أسيادهم الصحابة الكرام أفضل الناس بعد الأنبياء والرسل رضوان الله عليهم، نسوق الآيات الواردة في حق من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الأولى والثانية، وكانوا معه في غزوة تبوك وغزوة بدر وغزوة الخندق وغزوة حنين والحديبية وفي فتح مكة وخيبر ونسوق الآيات التي أثنت عليهم، فالآيات التي أثنت عليهم لا تُبقي مجالا للشك فيهم وهم بعشرات الآلاف منهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وأبو عبيدة بن الجراح وسعيد بن العاص وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأبي ذر الغفاري ومعاذ بن جبل وغيرهم من الصحابة، وأما من أسلموا في الفتح فقد شهدوا مع النبي حنينا وجاءت آيات تصفهم بالمؤمنين، وجاءت تبوك في الأخير ونزلت بعدها بأسابيع قليلة سورة التوبة تفضح المنافقين وتبين صفاتهم، وعرفهم النبي وأسرّ بأسمائهم لحذيفة بن اليمان، وهم معروفون بالوصف، أقوالهم معلنة، وأفعالهم معلنة يظنونها ساترة لكفرهم ففضحهم الله بسورة التوبة، وبغيرها من سور القرآن، فهم الذين يلحنون في القول قال تعالى في سورة محمد: ((وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)))، وهم الذي يلمزون المطَّوِّعين في الصدقات، وهم الذين قالوا لا تنفروا في الحر، وهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا بأمر من الراهب النصراني أبا عامر، هذا الرجل تنصر قبل بعثة النبي لعلمه أن نبيا قد قرب زمانه ورجا أن يكون هو ظنا منه أن الله تعالى يعطي النبوة لأمثاله من الفَسَقَة، تنسّك في المدينة المنورة منتظرا بزوغ فجر جديد على البشرية فظهر وكان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وحين هاجر الرسول إلى المدينة المنورة دعاه رسول الله للإسلام فلم يقبل وهو يعلم أنه رسول من عند الله، ثم خرج المدينة حنقا على الرسول الأكرم ولجأ إلى هرقل، خرج في زمن غزوة أحد وقد علم انتصار المسلمين ببدر وهزيمتهم بأُحد ومع ذلك خرج بعد أُحد ولم يكن يأمل أن تنقلب الكفة لصالح غير المسلمين كما ظن اليهود وخسئوا بفعلتهم، مكث عند هرقل فترة من الزمن يراسل المنافقين في المدينة، فهو الذي منّاهم ووعدهم باستقدام جيش الروم للقضاء على المسلمين، وهو الذي أمرهم ببناء مسجد الضرار ليكون ناديا للمكر بالإسلام والمسليمن، ليكون وكرا للإشاعات والدسائس، ليكون قاعدة للانطلاق نحو أهدافهم، اكتمل بناء مسجد الضرار قبيل مسير الرسول إلى تبوك فطمع المنافقون أن يصلي فيه ليعطيه الصبغة التي أعطيت لمسجد قباء فعصم الله نبيه من الصلاة فيه وأوحى لنبيه بحقيقة الأمر فأمر الرسول بإحراقه بعد رجوعه من تبوك واختار الصحابي الجليل مالك بن الدخشم لأن الناس قد شكّوا فيه وظنّوه من المنافقين. المنافقون هم الذين آذوا رسول الله في أصحابه فتقوَّلوا على علي رضي الله عنه وكرّم وجهه وقالوا إنما أبقاه استثقالا منه، وهم الذين كانوا يستهزءون بقرّاء الصحابة ويسخرون منهم، قال تعالى: ((يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) التوبة، ولابن الجوزي رحمه الله أن علماء استدلوا على كفر من استعمل الجدّ والهزل في إظهار كلمة الكفر إذ اعتبروا الجدّ والهزْل في إظهار الكفر سواء. المنافقون هم الذين أذن لهم النبي في عدم الخروج للغزو فعاتبه ربه على إذنه لهم وقد كان ذلك من ضمن اختياره وقد مر معنا تفصيل خلاف الأولى الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا كذّابين لا عذر لهم خلاف الصحابة الثلاثة الذي خُلِّفوا دون عذر ولكن كان معهم الصدق إذ صدقوا وأقروا بالحقيقة فتاب الله عليهم لصدقهم وعدم نفاقهم، المنافقون هم الذين قال الله فيهم لحبيبه: ((اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86))) التوبة، وهم الذين أعلوا من قيمة بني الأصفر في القتال ليثبِّطوا عزائم المسلمين، يخوِّفونهم من الروم وهم مصانع للشجاعة، ومعادن للبطولات وقد نزل في حقهم قوله تعالى: ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) آل عمران. وروى البخاري ومسلم عن مسعود البدري رضي الله عنه: ((لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مُرائي، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا فنزلت: ((الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) التوبة. لقد مر معنا أن عام القرآن يخصص بالقرآن وبالسنة، وعام السنة يخصص بالسنة وبالقرآن.. وهنا معنا خاص من السنة وعام من القرآن، والتخصيص يكون بعدة طرق منها الاستثناء بأدوات الاستثناء، ويكون بالشرط والغاية والصفة وغيرها كما مر معنا وعليك حضرة القارئ المحترم أن تستنتج من خلال ما تقدم أن جيش تبوك كان كله جيشا مسلما مؤمنا ليس فيه منافق واحد باستثناء الذين فضحتهم سورة التوبة وكانوا مع المسلمين وهم قلة قليلة جدا، وكذلك الذين لم يخرجوا للغزو وتخلّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك كرامة من الله عز وجل لأنه هو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فأراد أن يرحم المسلمين والمؤمنين فثبّط المنافقين وقيل لهم اقعدوا مع القاعدين أمثال الجَدِّ بن قيس، ومن خرج منهم لم يكن له أثر يستطيع به تغيير مجرى الأمور، صحيح أنهم قاموا بأعمال خبيثة وطبيعي أن يقوموا بها لأنهم ما خرجوا إلا لذلك، ولكن أعمالهم فضحتهم، وافتضحوا بالفاضحة، أي بسورة التوبة كما يسميها بن عباس رضي الله عنهما، أما ما عدا ذلك من الأعمال الأكثر قبحا وخبثا وجرما وهي حرصهم على قتل النبي في تبوك إذ تلثَّم جماعة منهم عرفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاندفعوا في عتمة اليل يُنفِّرون دابته ليطرحوه عليها في العقبة، تلك النية الخبيثة لقتل النبي غلّفها جهلهم بنبي الهدى وعصمته، ظنوا أنهم سينالون من المعصوم شيئا ففطن لهم وأمر حذيفة بن اليمان وكان معه هو وسلمان الفارسي فردهم لوحده رضي الله عنه ففروا من وجهه وتخللوا في الجيش وغاروا فيه ولكن النبي عرفهم بوحي الله له.. وإكمالا لبحث أسلوب الباقر رحمه الله قالوا: و((قيل عند الباقر: إن الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم تؤذي ريح بطونهم أهل النار، فقال الباقر: فهلك إذن مؤمن آل فرعون، ما زال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحا، ـ العلم مكتوم ولا يوجد إلا هاهنا ـ فليذهب الحسن يمينا وشمالا، لا يوجد العلم إلا ههنا.. وأشار إلى صدره)). عجيب أمر هذا الباقر الذي هو غيره عند أهل السنة، فقد زعم أن العلم مكتوم منذ بعث الله نوحا، ولا يوجد ذلك العلم إلا في صدره، عجيب هذا التخريف من رجل يقدسه الشيعة ولا يقدسه أهل السنة بل يبجِّلونه لعلمه ولقرابته من رسول الله لأنه عالم جليل لم يقل ما نسب إليه من خرافات وضلالات. وفي الصفحة التالية من ((أصول الكافي رواية عن الإمام الباقر أنه قال: نزل جبريل على محمد بهذه الآية هكذا ((يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا في علي نورا مبينا)). أصول الكافي ص: 264. قول الباقر المكذوب عليه لا يمكن أن يكون قرآنا من جهتين، أولا: إقحام نظم وتأليف ليس من جنس القرآن يعرفه أهل اللغة والعارفون بأساليب الكلام العربي، وثانيا: يخالف الواقع في زعمه شيئا نزل في حق علي وهو غير موجود قطعا ويقينا، فما زُعم أن عليا هو المقصود به لا يعدو أن يكون فهما وهو فهم سقيم لا يقرّه عقل ولا ذوق ولا لغة.. فمنها: ما رواه الشيخ ثقة الإسلام وحجّة الأنام في الكافي عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن عمران الزعفراني، عن محمّد بن مروان، قال: سمعتُ أبا جعفر محمّد الباقر (ع) يقول: «من بلغه ثواب من اللّه على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب، أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه»(27). وفي رواية عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قَالَ: ((لِلْإِمَامِ عَشْرُ عَلَامَاتٍ يُولَدُ مُطَهَّراً مَخْتُوناً وَإِذَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَقَعَ عَلَى رَاحَتِهِ - أي على يديه - رَافِعاً صَوْتَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَا يُجْنِبُ و تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَلَا يَتَثَاءَبُ وَلَا يَتَمَطَّى وَيَرَى مِنْ خَلْفِهِ كَمَا يَرَى مِنْ أَمَامِهِ ونَجْوُهُ - يعني البراز - كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ وَالْأَرْضُ مُوَكَّلَةٌ بِسَتْرِهِ وَابْتِلَاعِهِ وَإِذَا لَبِسَ دِرْعَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) كَانَتْ عَلَيْهِ وَفْقاً وَإِذَا لَبِسَهَا غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ طَوِيلِهِمْ وَقَصِيرِهِمْ زَادَتْ عَلَيْهِ شِبْراً وَهُوَ مُحَدَّثٌ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ أَيَّامُهُ)). الكافي ج 1 ص: 388. في كلام الشيعة ما يوافق الحق وهو كلام مختار مقصود الغرض منه خلط الحق بالباطل والدس على الناس حتى يقبلوا بأقوالهم، وقد أخذوه من أهل السنة وإن زعموا غير ذلك، وهذا أمر يجب التنبه إليه ذلك أن الدّسّاس منافق يحتال للدس بحسب ما يعلم ممن يريد أن يدس ويلبِّس عليهم حتى يجرّهم إلى ساحته فيدسّ لهم الخرافة من مثل قولهم أن الإمام يولد واقعا على الأرض على راحتيه وكأن أمه تضعه وهي واقفة، وكأن كل الأئمة ولدوا وأمهاتهم واقفات لتتحقق صورة الوقع على الأرض، ويولد وهو ينطق الشهادتين ولا يجنب وبرازه يفوح منه ريح المسك، ما هذه الحماقات؟ هل لمن يستمع إليها وله عقل يمكن أن يصدقها لا والله؟ إن معجزات الأنبياء والرسل لا تصدق إلا بدليل نقلي قطعي لأنها قد كانت لغيرنا شهادة فكيف بتصديقها ونحن غائبون عنها لولا أنها قد وردت إلينا بنص قطعي الثبوت لأن المسألة عقيدة والعقيد لا تؤخذ إلا عن يقين؟ ((إن ما نسبه الله إلى نفسه بصيغة الجمع أو ضميرة سره أن أراد إدخال النبي والأئمة معه. قالوا: وهو مجاز شائع معروف، بل وبالغوا فقالوا: إن الأئمة هم المقصودون بالذات أحيانا كما في قوله تعالى: ((وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)) سورة البقرة الآية: 57.. حيث رووا عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال فيها: إن الله أعظم وأعز وأجل من أن يظلم، ولكن خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته، حيث يقول: ((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)) سورة المائدة الآية 55 بمعنى الأئمة منا اهـ. يذكر أن محمد الباقر تصاهر مع آل أبي بكر الصديق إذ تزوج أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. مقدمة مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار ص: 39. التفسير والمفسرون ص: 32. ومن الطعن على أبي جعفر عن عبيد الله الدابغي قال: دخلت حماماً في المدينة فإذ شيخ كبير وهو قيِّم الحمام (يعني المسؤول عنه والحمام يعني الحمامات العامة)، فقلت: يا شيخ لمن هذا (يعني الحمام)؟ قال: لأبي جعفر؟ قلت: كان يدخله؟ قال: نعم. قلت: كيف كان يصنع؟ قال: كان يدخل فيبدأ فيطلي عانته وما يليها، ثم يلُف على طرف إحليله (يعني الذكر) ويدعوني فأطلي سائر بدنه. فقلت له يوما: الذي تكره أن تراه قد رأيته. فقال: كلا إن النورة سترته)). الكافي: 6/497. ما هذا؟ قال: "إن الذي تكره أن تراه قد رأيته"، أراد أن يقول إن الذي تكره أن أراه قد رأيْتُه، رأى القيّم على أمر الحمام ما يستره المرء عادة، هل إذا رأى الإنسان عورة رجل بشكل عرضي يصرح به؟ هل يفعل هذا رجل ذو مروءة؟ أذكر في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين كنا شبابا نرتاد المراحض العمومية بطنجة لقضاء حاجاتنا، وكنا نعرف المَثْليين من خلال ترددهم على تلك المراحيض والتجسس على ذكور الرجال بالنظر إليها عند قضاء الحاجة لاصطفاء فحول يلوطون بهم، وكان من يخشى ضياع فرصة الانتشاء نظرا لحساسية الموقف، كان يبادر بعرض المال على الفحل في المرحاض فيلوط به في الحال، أظن هذا الذي يحكي عن الباقر حكايته قد كان مثليا، كان ممن يلاط بهم، هذا القول للمثليين. وعن محمد الباقر فيما يروون عنه كذبا أنه قال عن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، وعقيل أخي علي: (بقي مع علي - أي بعد موت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام، عباس وعقيل). وفي رواية أنه قال: (بقيت بين خلَفين خائفين ذليلين حقيرين، عباس وعقيل) الشيعة وأهل البيت ص: 267. وفي أصول الكافي رواية عن الإمام الباقر أنه قال: نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا ((يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا في علي نورا مبينا)) أصول الكافي ص: 264. ((وقال: نزل جبريل بهذه الآية هكذا ... يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم في ولاية علي فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا بولاية علي فإن لله ما في السماوات وما في الأرض)) أصول الكافي، ص 267. و((عن أبي جعفر عليه السلام قال هكذا أنزلت هذه الآية: ((ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به في علي لكان خيرا لهم)). أصول الكافي ص: 267. =================== جعفر بن محمد الصادق (أبو عبد الله الثاني) ولد جعفر بن محمد الصادق (أبو عبد الله) بالمدينة المنورة سنة 83 هـ وتوفي سنة 148 هـ ودفن بالبقيع. تولى جعفر الصادق الإمامة بعد وفاة أبيه وهو ابن 23 ربيعا، وتوفي سنة 148 هجرية. عاصر كلا من هشام بن عبد الملك بن مروان والوليد بن يزيد بن مروان ويزيد بن الوليد بن عبد الملك وإبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ومروان بن محمد بن مروان آخر ملوك بني أمة وعاصر من العباسيين كلا من أبي العباس السفاح وأبي جعفر المنصور وفي ملكه توفي، وعاصر أبا حنيفة النعمان. ويذكر أيضا أن جعفر بن محمد الصادق عاش كل حياته إلى جوار أبيه في مدينة الرسول ، فلم يسافر إلى أي بلد آخر مثل والده. وينتسب جعفر الصادق من جهة أمه إلى أبي بكر الصديق، فأمه هي فروة بنت أسماء بنت حفصة بنت عبدالرحمن بن أبي بكر، وجده لأبيه هو الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. عاش جعفر الصادق بالمدينة المنورة كل حياته فلم يخرج منها إلى أي مكان آخر ولم يسافر إلى أي بلد أو مصر أو مدينة، عاصر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز المتوفى سنة: 101 هـ.. أسلوبه: يكذبون عليه فيما روي عنه رضي الله عنه أنه قال: ((ما من مولود يولد إلا وإبليس من الأبالسة بحضرته، فإن علم الله أن المولود من شيعتنا حجبه من ذلك الشيطان، وإن لم يكن المولود من شيعتنا أثبت الشيطان أصبعه في دبر الغلام فكان مأبونا، وفي فرج الجارية فكانت فاجرة)) الوشيعة، ص: 4، نقلا عن كتاب: الكافي جـ 13 ص: 14. دعونا نناقش القول المنسوب لجعفر الصادق كذبا، دعونا نناقش قولا لا يعرف صاحبه توظيف الحروف فيه سواء كانت الحروف حروف شرط أو نفي أو غيرها، لا يعرف وضع الحروف في محلها، ولا يعرف لله قدرا ولا تنزيها، فقوله زندقة واضحة سنبينها. قوله: "ما" في بداية الكلام حرف نفي لا محل له من الإعراب، وقد يعربها غيري كونها حرف نفي عامل عمل ليس ولا بأس، فكلا الإعرابين يدوران حول معنى واحد، فما نافية، وتعني أنه لا مولود ولد في الماضي ويولد في الحاضر وسيولد في المستقبل إلا ويجري عليه ما ذكر، أي أن كل المواليد يحضرها إبليس من الأبالسة عند الولادة، هذا هو الفهم السليم خضوعا لسلطان اللغة العربية فيكون ذلك ساريا على الأنبياء والرسل والحيوانات وكل من اتصف بصفة الولادة، ولا يستثنى أحد بما في الآحاد أئمة الاثني عشرية لأنهم مولودون أيضا كسائر المواليد ولا يفهم كونهم ناسا إلا من خلال الضمير العائد على جعفر الذي ورد في السياق، ثم يستعمل حرف الشرط يليه الفعل والفاعل قائلا: "فإن علم الله"، وقبل أن نناقش ننظر في القرآن الكريم كيف وظف حروف الشرط، وكيف أورد عبارة شبيهة بالواردة هنا مع اختلاف في توظيف المضارع بالنسبة للقرآن الكريم وتوظيف الماضي في العبارة المذكورة، لنرى. انظر قول الله تعالى في استعماله لحرف "إن" الشرطية فقد قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11))) الممتحنة. وانظر قوله تعالى: ((وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33))) النور. وانظر قوله تعالى: ((وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) المائدة. وانظر قوله تعالى: ((فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50))) القصص. وانظر قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72))) الأنفال. توظيف القرآن الكريم لحرف الشرط في الآيات المذكورة من سورة الممتحنة والنور والمائدة والقصص توظيف سليم راق يدل على إعجاز بياني لا سبيل إلى تقليده، وهو كذلك في كل آياته ومنها ما جاءت بحروف الشرط، وإذا أخذت كلام جعفر الصادق تجد أنه بادي الرأي سليم ولكنه ليس كذلك، فالآية من سورة الأنفال التي يقول الله تعالى في بعض منها: " وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ" وما بعدها مباشرة: " وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ" تسيران في نفس الاتجاه، ولكن التي قبلهما شيء آخر رغم وجود حرف الشرط فيها، فقوله تعالى: " إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا" لا تنحو نحو ما بعدها لأن حرف الشرط فيها وهو الوحيد في كل الكتاب الحكيم الذي وظف كلمة "علم" في المضارع ونسبه إلى الله تعالى يشذ عن القاعدة، فنسبة العلم إلى الله تعالى بما في القلوب؛ قلوب العباد المعنيين وغير المعنيين نسبة إليه سبحانه وتعالى وليس نسبة إلى عبده ومصطفاه محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الخطاب إليه دل عليه قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا..)) فحرف الشرط هنا يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وليس على الله تعالى لأن النبي هو الذي طلب منه أن يقول: " إِنْ يَعْلَمِ" وقوله يناسب المقام لأن النبي لا يعلم ما في القلوب، وقد خضع لما خضع له جميع الناس من حيث الجهل المطبق بكل شيء عند الولادة، ثم بعد ذلك يتعلم المرء دراسة أو وحيا، قال تعالى" ((وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78))) النحل. هذا هو الطبيعي في الكلام العربي عندما يتعلق الأمر بالله عز وجل لأن الشرط لا يقع على علم الله تعالى ولا على ذاته العلية لأنه منزه عن النقائص والشرط نقص وهو صفة للأشياء لا تخضع لها الذات العلية، أما حين يتعلق الأمر بغيره سبحانه وتعالى فالمجال مفتوح لأن الإنسان جهول، ولكن قول جعفر فيما نسب إليه يدل على جهل باللغة العربية، وجهل بالله تعالى قضى بتناوله بما لا يليق بجلاله جل وعلا، فنسبة العلم إليه بحرف الشرط يجعله جاهلا والعياذ بالله حين ينظر إلى نقيض العلم وغيابه، بمعنى أن الله تعالى إن علم شيئا جاء الجواب مبنيا على علمه، وإن لم يعلم جاء الجواب مبينا على جهله وهذه زندقة وكفر بواح وجهل مركب لمن يقول بمقال جعفر الصادق المكذوب عليه. وإذا أخذنا المواليد من نفس أئمة الاثني عشرية نجدهم عند الولادة يحضرهم إبليس من الأبالسة ولكن أن يكونوا شيعة بعضهم بعضا فهذا محير، كيف يكون الإمام شيعيا لإمام آخر سواء كان حيا أو كان في الأموات؟ هل الأئمة شيعة بعضهم بعضا؟ وكيف يحضر إبليس ولادة سيد الخلق محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل حضر ولادة الأنبياء والمرسلين؟ وهل كان الأنبياء والمرسلون شيعة الأئمة الاثني عشرية؟ وما رواه عن عبد الله بن سنان أنه قال: قال ذريح المحاربي: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: ((ثم ليقضوا تفثهم)) سورة الأعراف، الآية: 33، فقال: المراد لقاء الإمام، فأتيت أبا عبد الله عليه السلام وقلت له: جعلت فداك، قوله عز وجل: ((ثم ليقضوا تفثهم)).. قال: أخذ الشارب، وقص الأظافر، وما أشبه ذلك، فحكيت له كلام ذريح فقال: صدق ذريح وصدقت، إن للقرآن ظاهرا وباطنا ومن يحتمل وما يحتمل ذريح؟ ثم عقب المولى على هذا فقال: ((الكلام من الإمام عليه السلام صريح في أنهم عليهم السلام كانوا يكتمون أمثال هذه التأويلات عن أكثر الناس، حتى عن ابن سنان الذي كان من فضلاء أصحابه)) ا هـ ص: 5. هذا الكلام يذكرني بتأويل المهاجر لقوله تعالى: ((وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9))) التكوير، معناه المودة، أي إذا المودة سئلت عن أي ذنب قتلت، مودة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهل تقتل المودة أم تقطع؟ هل يقطع الرحم أم يقتل؟ هل تقطع الصلة بين المتحابين أم تقتل؟ ماذا لو اعتمدنا التفسير الباطني الذي لا يعني سوى حشر الأنوف والتكلم بالتشهّي في دين الله تعالى فنقول: ((وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51))) الشورى، فالعلي الحكيم هو علي بن أبي طالب، وقوله تعالى: ((وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4))) الزخرف وهو هو علي بن أبي طالب، في الآية السابقة ورد ذكره معرفا وفي الثانية نكرة، وقوله تعالى: ((وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50))) مريم، هم آل بيت النبي من المعصومين، ماذا لو اعتمدنا التفسير الباطني وخرجنا بمثل هذه التأويلات؟ هل نصيب أن نخطئ؟ هل نستقيم أم نضل؟. روي عن الهيثم التميمي قال: ((قال أبو عبد الله عليه السلام: يا هيثم.. إن قوما آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم ينفعهم ذلك شيئا.. لا إيمان بظهر إلا بباطن، ولا بباطن إلا بظاهر)) ا هـ ص: 9. التفسير والمفسرون، ص: 52. الإيمان بالظاهر يعني خلط الحق بالباطل والكفر بالإيمان والضلالة بالهداية مثل خلط المياه الصافية النقية بمياه الصرف الصحي، والإيمان بالباطن يعني شربها، فماذا يستفيد الإنسان إذا شرب مياه الصرف الصحي؟ لا بد من تنقيتها حتى تمسي صالحة للشرب، والفكر الشيعي ليس فيه ما يروي الظمآن أو يفيد الحياة لأنه بِرْكة آسنة يضيّع الإنسان وقته في تصفيتها، فالوقت ثمين وبحر المياه الصالحة للشرب مسيَّجٌ بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظه عنه صحابته أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.. ونقلوه إلى الأمناء من التابعين أمثال علي بن الحسين (زين العابدين) ومحمد بن علي بن أبي طالب (محمد بن الحنفية)وسليمان بن يسار وسعيد بن المسيب وأبو جعفر محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب وجعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب (جعفر الصادق) ومالك بن أنس والبصري وسفيان الثوري وموسى بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب عليهم السلام (موسى الكاظم).. ونقلوه إلى تابعي التابعين أمثال أبو الحسن علي بن محمد المزين الصغير وأبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني وأبو ساسان حصين بن المنذر وقيس بن أبي حازم وقيس بن عباد وغيرهم وكلهم من أهل السنة والجماعة إلى أن وصلنا صافيا نقيا فلا مجال لإحداث أي فساد فيه فقد حفظ حفظا مانعا للتلف والضياع. ولمن أراد أن يبحث عن علم آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كمن يبحث عن علم معاصريهم من التابعين وتابعي التابعين وكل ذلك العلم محصور في كتب أهل السنة والجماعة، وأما ما زُعم أنه في كتب الشيعة فهو كذب في كذب، وعمل المقارنة لغربلة ما عند الشيعة مما يوافق ما عند أهل السنة والجماعة مضيعة للوقت لأن العلم عند أهل السنة علم محفوظ بصحيح الطرق فلا مجال للبحث عنه في غير كتب أهل السنة و(علماء) جهلاء الشيعة. وأمّا الضعاف: فقد شاع عملهم بها في السُنَنِ وإن كان الضعفُ إلى النهاية؛ إذ العمل عندنا ليس بها في الحقيقة، بل إنّما هو بالحسنة المجبورة المشهورة المتلقّاة بالقبول، المرويّة عن الإمام أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق (ع) وهي قوله: «من سمع شيئا من الثواب على شيءٍ فصنعه كان له أجرُهُ وإن لم يكن على ما بَلَغَهُ» (26). وما رواه الشيخ الصدوق والركن النطوق محمّد بن بابويه في كتاب ثواب الأعمال عن أبيه، عن ابن بابويه، عن عليّ بن مُوسى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن هشام، عن صفوان، عن أبي عبد اللّه (ع) قال:«من بلغه شيءٌ من الثواب على شيء من الخير فعمله كان له أجرُ ذلك وإن كان رسُول اللّه (ص) لم يقله» (28). ما رواه أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي (ره) في المحاسن عن عليّ بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «من بلغه عن النّبي (ص) شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول اللّه (ص) لم يقله» (29). وما روي عنه (ص)، وأنهج نهج الدين بنور كماله، أنّه قال: «من بلغه عن اللّه عزّ وجلّ فضيلة فأخذ بها، وعمل بما فيها إيمانا باللّه ورجاءً لثوابه أعطاه اللّه تعالى ذلك وإن لم يكن كذلك» (30). ولا يثبت بها شيء من الخمسة سوى الاستحباب؛ لاستناده إلى هذا الحديث الشريف ومؤيّداته كما عرفت. كما قد ورد عن أبي حمزة الثمالي (رضوان الله عليه) عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه)، قال أبو حمزة: “سألته عن قول الله عز وجل: (قال هذا صراط علي مستقيم). قال: هو والله علي عليه السلام، وهو والله الميزان والصراط المستقيم”. (تفسير البرهان ج 2 ص344). يروي الكافي عن الصادق: أن القرآن الذي نزل به جبريل على محمد سبعة عشر ألف آية، والذي بأيدينا منها ستة آلاف ومائتان وثلاث وستون آية، والبواقي مخزونة عند أهل البيت فيما جمعه علي)). الوشيعة ص: 23 التفسير والمفسرون، ص: 33 روى الكليني بإسناده إلى أبي بصير قال: قال الصادق عليه السلام: ((يا أبا محمد.. ما من آية تقود إلى الجنة ويذكر أهلها بخير إلا وهي فينا وفي شيعتنا، وما من آية نزلت يذكر أهلها بشر وتسوق إلى النار إلا وهي في عدونا ومن خالفنا)). قال الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ((ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا)) سورة البقرة، الآية: 57: ((ما خاطب الله به نبيه فهو يعني به من قد مضى)). وروى الكليني عنه أيضا قوله: ((نزل القرآن بـ "إياك أعني واسمعي يا جارة")). في الربع الأخير من سورة الأحزاب قوله تعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))، يقول الإمام جعفر الصادق رواية أبي بصير في أصول الكافي عن هذه الآية: ((كانت هذه الآية قد نزلت هكذا ((ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي والأئمة من بعده فقد فاز فوزا عظيما)) أي أن هذه الآية ذكرت صراحة إمامة جميع الأئمة بعد علي، إلا أن الآية تعرضت للتحريف. (في ولاية علي والأئمة من بعده – أصول الكافي ص: 262. هذه الآية بهذا الفهم السقيم، وبهذه الزيادة الباطلة تبطل ما نزل بعدها في حجة الوداع، وتلغي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كنت مولاه فعلي مولاه..)) إذ كيف تشرع الولاية في غزوة الخندق وهي نفسها غزوة الأحزاب؟ هذا تناقض لا سبيل إلى جبره، وقول لا سبيل إلى تصديقه لأنه متناقض مع القرآن وأقوال الشيعة المتضاربة في الولاية. وفي نفس هذا الباب من كتاب أصول الكافي يروي أبو بصير عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: ((عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع))، ثم قال هكذا والله نزل بها جبريل على محمد صلى الله عليه وآله (أصول الكافي ص: 266). إذا نحن بحثنا عن الزيادة وهي قوله: "بولاية علي" في علم المناسبات فسوف نكتشف خللا فظيعا تحدثه الزيادة في آيات مرتبة ترتيبا معجزا تأبى أن يركب معها في مركبها الإعجازي أي حرف أو كلمة أو جملة أو فقرة أو نص.. فالنظم القرآني الذي ليس يشبهه نظم، وتأليفه المبهر الذي لن يقدر عليه أحد، وانتظامه المعجز في سياقه الذي هو له وحده وليس لغيره أبدا يظهر طفيليا لا يمكن أن يجد لنفسه غذاء حتى يقتعد وإياه في ركاب واحد إذ هو (أي القرآن الكريم) بجهاز مناعي يستحيل أن يسمح لغير آياته أن تقتعد وإياه في كتاب الله عز وجل، ثم كيف تكون ولاية علي في آية مكية ومدار الولاية في حجة الوداع وي في آخر أيام حياة النبي ؟ ويروى عنه (جعفر الصادق) أنه قال: "من طلب الرياسة هلك"، وقد تقدم عن الحسن بن علي قوله عن أبيه أنه استشرف للإمامة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاة أبي بكر إلى أن أقسم بأن الله لن يجمع في أهل البيت بين النبوة والخلافة، ومعنى ذلك أن عليا طلب الرئاسة وطلبه لها ليس فيه عيب ولكن ليهلك بحسب رأي جعفر الصادق إذ من رأيه أن يهلك من طالب الرئاسة، والهلاك متنوع، فقد يهلك بقتل أو تسمم، أو يهلك بظلم الناس، ولنا أن ننظر في العصمة في هذين الإمامين، فلو كانا معصومين حقا لما تناقضا، وأما مطالبته لها فلم ترد في التاريخ رغم استشرافه لها لأنه يعلم أنها حق للأمة وقد صرفت عنه إلى غيره حتى وصلته، فلو طلبها لكان ذلك حقا له لأن الطلب غير المطالبة، الطلب طلب شيء لأخذه وقد فعله علي رضي الله عنه، بينما المطالبة طلب حق له على الناس وهذا لم يرد.. وعن جعفر الصادق قال: ((إذا ورد عليك حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه فإن لم تجدوا في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة - أي أهل السنة - فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه. وسائل الشيعة. هذا القائل جاهل وسخيف ذلك أن عرض الحديثين على كتاب الله تعالى يتناقض مع القول بتحريف القرآن الذي يقول به نفس القائل لأنه إن عرض على كتاب الله تعالى حصل الإقرار بعدم التحريف وهذا لم يقل به أحد من الشيعة الاثني عشرية إلا تقية، فالكتاب كتاب الله تعالى الذي هو القرآن الكريم عند جعفر الصادق محرف، وقوله بعرض الحديثين عليه قول حشّاش لا يعرف ما يقول إذ إنّ عرض الحديثين على الكتاب عرض على الكتاب كله ولكن أين هو الكتاب؟ الكتاب عنده ناقص ومُحرَّف والقول بالعرض عليه قول ساقط لأن العرض لا يكون على الكتاب، بل يكون على بعض الكتاب وهذا القائل غبي يتناقض مع ما يقول، ثم إن النظر إلى موافقة الحديثين أو المخالفة لكتاب الله عز وجل بالطريقة المذكورة ليس علما، بل هو جهل مُركَّب ذلك أن التعارض له قواعده وهو مقتول بحثا عند أهل السنة والجماعة وهيهات أن يكون للشيعة باع قصير فيه، فالتعارض علم والتوفيق بين المتعارضين توفيق بين غير متعارضين لأن التوفيق بين المتعارضين مستحيل ولكنه ممكن وهو شاق على البحث ولكنه مدرك بالنسبة للعقول النيرة، وفي النهاية إثبات عدم التعارض، وأما القول بأخذ العكس مما توصل إليه العامة أي أهل السنة والجماعة فهو قول سفهاء لا مجال لمناقشته لأن مناقشته انحدار بالبحث، وصاحبه يجب أن يُفْرض دارسا لاقتلاع الحقد والكراهية من قلبه تجاه إخوانه ومنقذيه من الضلال أهل السنة والجماعة، ثم الشروع في تعليمه دينه، وعرض الحديث على كتاب الله وسنة نبيه، ثم خلوّ الكتاب مما يشير إليهما فيه تهمة للقرآن ذاته لأنه يقول عن نفسه ما فرطنا في الكتاب من شيء، قال تعالى: ((وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38))) الأنعام، بينما العرض على الكتاب والسنة من قبل أهل السنة والجماعة لا يمكن إلا أن يجدوا فيه ما يتعلق بموضوع البحث، وأما الشيعة فما عليهم إلا أن يستجيبوا، قال تعالى: ((إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36))) الأنعام. وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24))) الأنفال. وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ هَاهُنَا أَحَدٌ يَسْمَعُ كَلَامِي قَالَ فَرَفَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) سِتْراً بَيْنَهُ وَ بَيْنَ بَيْتٍ آخَرَ فَاطَّلَعَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ شِيعَتَكَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) عَلَّمَ عَلِيّاً (عليه السلام) بَاباً يُفْتَحُ لَهُ مِنْهُ أَلْفُ بَابٍ قَالَ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) عَلِيّاً (عليه السلام) أَلْفَ بَابٍ يُفْتَحُ مِنْ كُلِّ بَابٍ أَلْفُ بَابٍ قَالَ قُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ الْعِلْمُ قَالَ فَنَكَتَ سَاعَةً فِي الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَمَا هُوَ بِذَاكَ قَالَ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَإِنَّ عِنْدَنَا الْجَامِعَةَ وَمَا يُدْرِيهِمْ مَا الْجَامِعَةُ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا الْجَامِعَةُ قَالَ صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وإملائه مِنْ فَلْقِ فِيهِ وَخَطِّ عَلِيٍّ يَمِينِهِ فِيهَا كُلُّ حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَكُلُّ شَيْء يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ حَتَّى الْأَرْشُ فِي الْخَدْشِ وَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَيَّ فَقَالَ تَأْذَنُ لِي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّمَا أَنَا لَكَ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ قَالَ فَغَمَزَنِي بِيَدِهِ وَقَالَ حَتَّى أَرْشُ هَذَا كَأَنَّهُ مُغْضَبٌ قَالَ قُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ الْعِلْمُ قَالَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ وَإِنَّ عِنْدَنَا الْجَفْرَ وَمَا يُدْرِيهِمْ مَا الْجَفْرُ قَالَ قُلْتُ وَمَا الْجَفْرُ قَالَ وِعَاءٌ مِنْ أَدَمٍ فِيهِ عِلْمُ النَّبِيِّينَ وَالْوَصِيِّينَ وَعِلْمُ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ مَضَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ قُلْتُ إِنَّ هَذَا هُوَ الْعِلْمُ قَالَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ وَإِنَّ عِنْدَنَا لَمُصْحَفَ فَاطِمَةَ (عليها السلام) وَمَا يُدْرِيهِمْ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ (عليها السلام) قَالَ قُلْتُ وَمَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ (عليها السلام) قَالَ مُصْحَفٌ فِيهِ مِثْلُ قُرْآنِكُمْ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَاللَّهِ مَا فِيهِ مِنْ قُرْآنِكُمْ حَرْفٌ وَاحِدٌ قَالَ قُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ الْعِلْمُ قَالَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَمَا هُوَ بِذَاكَ ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ إِنَّ عِنْدَنَا عِلْم مَا كَانَ وَعِلْم مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا وَاللَّهِ هُو الْعِلْمُ قَالَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَيُّ شَيْءٍ الْعِلْمُ قَالَ مَا يَحْدُثُ بِاللَّيْل النَّهَارِ الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِ الْأَمْرِ وَالشَّيْء بَعْدَ الشَّيْء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)). الكافي ج 1 ص 239، ج 1 ص346. أين أنت حضرة القارئ المحترم؟ هل لا تزال متابعا؟ أين أنت من هذا القول؟ هل يمكن أن يقبل به عقلك؟ هل نحن بصدد كلام حشّاشين؟ هل نقرأ كلام مخمورين؟ هل من جنون بعد هذا لا يعلم عنه صاحبه أنه جنون؟ أي استخفاف بعقول الناس هذا؟ أين هي عقولكم يا شيعة؟ لم لا تصطحبوها معكم عند الإنصات للنصابين والدجالين من علمائكم الأنجاس؟ يُذكر أن جعفر الصادق سمى ابنته عائشة، وعائشة رضي الله عنها أم المؤمنين ممقوتة في دين الشيعة، وهي عِرض رسول الله صلى الله عليه وسلم دنسوه بكذبهم وزندقتهم، فلم يستحوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقبلوا بتبرئة الطاهرة عائشة بنصوص القرآن الكريم فكانوا بذلك يكذِّبون الله تعالى ويجهِّلونه، فهل هناك نفاق أشد سوادا من هذا؟ ومن الطعن على جعفر الصادق ما في الكشي 123: ((عن زرارة قال: والله لو حدثت بكل ما سمعته من أبي عبد الله لانتفخت ذكور الرجال على الخُشب)). ما هذا الذي لم يرغب في كشفه زرارة مما سمعه من أبي عبد الله؟ هل هو حديث سكس؟ هل هو بورنو؟ هل هو ثقافة جنسية؟ هل هو حديث شواذ؟ وعن زرارة قال: سألت أبا عبد الله يعني جعفر الصادق عن التشهد؟ فأجاب. فقال زرارة: فلما خرجت ضرطت في لحيتي وقلت: لا يفلح أبدا)). وعن ابن أبي يعقوب قال: خرجت إلى السواد (العراق) أطلب دراهم للحج ونحن جماعة وفينا أبو بصير المرادي، قلت له: يا أبا بصير اتق الله وحج في مالك فإنك ذو مالٍ كثير. فقال: اسكت، فلو كانت الدنيا وقعت على صاحبك لاشتمل عليها بكسائه (يعني جعفر الصادق) الكشي: 142. وعن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال: (هل تدرون ما أضحكني؟ قالوا: لا. قال: زعم ابن عباس أنه من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا (وذكر كلاماً طويلاً) ثم قال: فاستضحكت، ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقله)). الكافي: 1/247. وعن أبي جعفر قال هكذا نزلت هذه الآية: ((ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به في علي لكان خيرا لهم )) أصول الكافي ص: 267. وفي حديث عمرو بن الأشعث قال : ((سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) أبو عبد الله كنية للحسين بن علي رضي الله عنهما ولكنها تستعمل في الغالب لجعفر الصادق وهي هنا لجعفر الصادق لأنه الأكثر من الأئمة الذين كذب عليهم ونسب إليهم ما لم يقولوا "والّذي تتبّع أحاديث الفريقين وتصفّح آثار الطريقين ظهر له أنّ أحاديثنا (أي أحاديث الشيعة) المرويّة عنهم (ع) تفوّق على ما في الصِحاح الستة للعامّة، وتزيد عليها بكثير. فمن الشائع الذائع أنّه قد روى راوٍ واحد وهو أبان بن تغلب عن إمام واحدٍ أعني الإمام أبا عبد اللّهِ جعفربن محمّد الصادق(ع) ثلاثين ألف حديثٍ" كتاب: فائق المقال في الحديث والرجال لمهدب الدين أحمد بن عبد الرضا البصري) يقول (أي عمرو بن الأشعث: ونحن عنده في البيت نحو من عشرين رجلا، فأقبل علينا وقال: ((لعلّكم ترون أنّ هذا الأمر في الإمامة إلى الرجل منّا يضعه حيث يشاء، والله إنّه لعهد من الله نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى رجال مسمّين رجل فرجل حتّى ينتهي إلى صاحبها)). بحار الأنوار : (ج 23 ص75 ب 3 ح 25). هذا الكلام الصادر عن جعفر الصادق يدل على تحريف القرآن، وقد قال بالتحريف علماء شيعة كالقمي في تفسيره: "وأما ما هو محرف فمنه قوله: "لكن الله يشهد بما أنزل إليك (في علي) أنزله بعلمه والملائكة يشهدون" [النساء، آية: 166.]، وقوله: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك (في علي) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" [المائدة، آية: 67.]، وقوله: "إن الذين كفروا وظلموا (آل محمد حقهم) لم يكن الله ليغفر لهم" [النساء، آية: 168، والكلام المقحم في تفسير القمي: 1/159.]. وقوله: "وسيعلم الذين ظلموا (آل محمد حقهم) في غمرات الموت" [يلاحظ هناالخلط في نقل الآيات أو تعمده وينسبونه لأهل البيت زوراً وبهتاناً، تأمل الخلط بين آيتين بطريقة غاية في الغباء في قوله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء، آية: 227]، وقول الكذاب: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} [الأنعام، آية: 93] فجعلها "وسيعلم الذين ظلموا في غمرات الموت". كيف يكون عهد من الله نزل على رسوله ولم يذكره في القرآن الكريم، والإمامة أصل في الدين الشيعي، وأصول الدين الإسلامي مذكورة في القرآن باستفاضة كآيات البعث والنشور والوحدانية.. لا يكون ذلك إلا بالقول بالتحريف وقد قيل به في أمهات الكتب الشيعية كالكافي وبحار الأنوار وغيرهما، وجهر به كثير من الفرق الشيعية قديما وحديثا كالحلولية والاتحادية والبهائية والبابية والقاديانية.. ولم يستح صنيعة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر؛ الخميني في كتابه: كشف الأسرار ص 131: ((لو كانت مسألة الإمامة قد تم تثبيتها في القرآن، فإن أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة، كانوا يتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته، ويسقطون القرآن من أنظار العالمين إلى الأبد، ويلصقون العار – وإلى الأبد – بالمسلمين وبالقرآن، ويثبتون على القرآن ذلك العيب الذي يأخذه المسلمون على كتب اليهود والنصارى)). فلا يستقيم لهم قول والقرآن خال تماما من آية واحدة تشير إلى الإمامة ولو إيماء علما بأن هناك شيئا منسوبا إلى موسى الكاظم يقول أن الكتب السماوية السابقة على القرآن الكريم قد ذكرت عقيدة الإمامة، والقرآن لم يذكرها، وعليه فالنتيجة تكذيب من لا يقول بالتحريف كمحمد بن بابويه القمي (توفي سنة: 381 هـ صاحب كتاب: "من لا يحضره الفقيه" وهو من الكتب الصحاح عندهم في الحديث مخالفا بذلك والده وشيخه علي بن بابويه القمي، معلنا براءة الشيعة من هذه العقيدة [انظر: كتاب الاعتقادات: ص101-102]، والشريف المرتضى المتوفى سنة (436 هـ (كان ينكر هذه المقالة، ويكفر من قال بها كما ذكر ذلك ابن حزم [الفصل: 5/22.]، وقد نقل إنكاره أيضاً شيوخ الشيعة كالطوسي [التبيان: 1/3.] والطبرسي [مجمع البيان: 1/31.]، وهناك طبرسي آخر في القرن السادس الهجري صاحب كتاب: الاحتجاج سطر فيه روايات التحريف مجردة من أي إسناد زعم في مقدمته أن الروايات محل إجماع قومه، أو هي مشهورة عندهم، وكان معاصرا لصاحب كتاب: مجمع اليان أبي الفضل الطبرسي، وكان يجاهر بالقول بتحريف القرآن الكريم. وحديثا أواخر القرن الثالث عشر الهجري ألف الشيخ المعظم عند الشيعة؛ حسين النوري الطبرسي كتاب: "مستدرك الوسائل" وهو من المصادر المعتبرة في الفقه الشيعي حديثا جاء فيه بما قال به الأقدمون من تحريف للقرآن الكريم، ففي القسم الثاني من الجزء الأول صفحة: 553 باب: فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ألفه سنة: 1292 هـ، جمع فيه روايات التحريف المتفرقة وأقوال شيوخهم المتناثرة ليثبت للشيعة أن التحريف قد وقع لكتاب الله عز وجل، وأن الذين حرّفوه هم صحابة النبي الأكرم صلوات الله عليه وسلامه وهم بالتحديد أبو بكر وعمر وعثمان.. وقد قال عن كتابه في صفحة: 2 "فيقول العبد المذنب المسيء حسين بن محمد تقي الدين الطبرسي جعله الله من الواقفين ببابه المتمسكين بكتابه (!): هذا كتاب لطيف وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح أهل الجور والعدوان، وسميته فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب.. وأودعت فيه من بدايع الحكمة ما تقر به كل عين، وأرجو ممن ينتظر رحمته المسيئون أن ينفعني به في يوم لا ينفع مال ولا بنون". لقد ولغ الكلب في قيئه حتى ذهب عقله من شدة حموضته وكل ذلك حقدا على كتاب الله عز وجل الذي تكفل بحفظه وسخر لذلك من جعلهم الله تعالى أداة لحفظه فأكرمهم وأعلى مقامهم، وهم الصحابة رضوان الله عليهم رجالا ونساء، يريد الطبرسي كسابقيه من المنافقين الشيعة ضرب الإسلام من الأصل وتلك نهاية لا بد منها لأن الإمامة لم تثبت في الكتاب الكريم والنتيجة الطبيعية أنه كتاب محرف، وقد التمس له عذرا بغية التستر على التحريف إلى حين، أو بغية التقية إلى حين أيضا السيد: محمد الطبطبائي في هامش الأنوار النعمانية: 2/364 إذ قال: "وقد يقال: إن نظره في تأليف ذلك الكتاب إلى جمع تلك الأخبار والشواذ والنوادر ولم يكن غرضه اعتقاد التحريف". كيف لا يكون قصده إثبات التحريف والكتاب يشي بما فيه من عنوانه: فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب؟ إن من أنكر تحريف القرآن إنما فعل ذلك تقية فسمح للمقولة بالتداول بين الشيعة سرا إلى حين ظهور الدولة الصفوية بشيوخها كالمجلسي في بحاره الذي أظهر التحريف جهرة وسطره في كتابه: بحار الأنوار، والكاشاني في تفسيره الصافي، والبحراني في البرهان، ونعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية، وأبو الحسن الشريف في مرآة الأنوار، والمازنداني في شرح الكافي وقد وافقه على ضلاله وكفره وزندقته لدرجة أن قال بإسقاط بعض القرآن وتحريفه وثبوت ذلك بالتواتر المعنوي كما زعم، انظر شرح جامع الكافي: 11/76) وإلا كيف يستقيم القول بالإمامة والقرآن ليس فيه آية واحدة عنها وهو ما دفع الشيعة إلى القول بالتحريف، فإما أن تثبت الإمامة بنص وهي عندهم بنص من القرآن والقرآن ليس فيه ما يشير إلى ذلك من قريب أو بعيد فتكون النتيجة تحريفه حتى يثبت أصل من أصول الدين الشيعي تبعا لتحريف القرآن الكريم، وإما ألا تكون وهي بيت القصيد عند النصّابين والضُّلاّل لا بد من إثباتها والنتيجة الأخرى أن جعفر الصادق كغيره من الأئمة بريء من قولهم هذا ومن غيره من الأقوال التي نسبت إليه كذبا. ولقد سلك مسلك الأقدمين الطبرسي وغيره من الأحياء والأموات في القرن الثاث العشر الهجري والرابع عشر والخامس عشر، ولن يكفوا عن ذلك إلا قليلا حتى تقام للمسلمين دولة تنسيهم وساوس الشيطان فيعودوا إلى تستُّرهم كما كانوا أيام عز الدولة الإسلامية. وقد ظهر من خلال تمكين الشيعة من طرف الغرب والسماح لهم في التنكيل بالمسلمين وتقتيلهم وتشريدهم ما يؤكد نفاقهم، ولو عادوا إلى ضعفهم وسيعودون قريبا بإذن الله فسيعودون للتقية كالثعالب والمسكنة كاليهود حتى يتمكنوا من جديد وهكذا دواليك. ===================== موسى بن جعفر الكاظم (أبو إبراهيم) موسى الكاظم عالم جليل ولكنه دون مستوى أبيه جعفر، وهو من الزّهّاد الأتقياء. ولد موسى بن علي الكاظم (أبو إبراهيم) من أب عربي وأم بربرية بالأبواء بين مكة والمدينة سنة 128 وقيل 129 هـ ومات مسموما كما زُعم ببغداد بالعراق في حبس السندي بن شاهد سنة 183 هـ ودفن بها. عاصر خلفاء بني العباس كأبي جعفر المنصور والهادي والمهدي وهارون الرشيد. تولى موسى بن جعفر الكاظم الإمامة وهو ابن 19 ربيعا، وتوفي سنة 183 للهجرة وقد ولد له من الولد 37 ولدا، وكان ينادي بإمرة المؤمنين على هارون الرشيد. وقبل وفاته أراد أن يعهد إلى ابنه علي بن موسى الرضا وكان سجينا عند هارون الرشيد في بغداد وابنه في المدينة المنورة فقدمها دون أن يفتح له السجان باب السجن وقد دعا بدعوة آصف الذي جاء بعرش بلقيس من سبأ باليمن إلى بيت المقدس حيث كان نبي الله سليمان. يذكر أن جد موسى الكاظم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وعاش بالمدينة المنورة ودفن بها. ويذكر أيضا أنه قد كانت له بنت فاختار لها اسم عائشة تيمنا بأمه زوج جده المصونة الطاهرة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها. عاش كل حياته بالمدينة المنورة ولم يخرج منها إلى أي بلد آخر أو مدينة أخرى. انظر حضرة القارئ المحترم، انظر إلى التخريف، فهل أنت بصدد قراءة ألف ليلة وليلة؟ رجل يخرج السجن وربما طار إلى المدينة المنورة ليوصي إلى ابنه بالإمامة. عجيب هذه الغرائبية التي لا تصلح إلا في الأدب كالقصة والرواية والمسرحية. ما هذا الهراء؟ ألم يجد المدلِّس على الأغبياء الشيعة الذين يقبلون بمثل هذه الأساطير غير هذه القصة التي لا يمكن أن يهضمها عقل؟ ألم أقل إنها تصلح لدخول الأدب وعندها ما لم تكن مزوِّرة للتاريخ تصلح للمتعة العاطفية والانتشاء الأدبي؟ أسلوبه: قال عن شيعته: ((لو امتحنتهم - يعني الشيعة - لما وجدتهم إلا مرتدّين ولو تمحّصتهم لما خلُص من الألف واحد)). الكافي ج 8 ص 107. ويروون عنه الكذب فيما نقل عن الكافي وتفسير العياشي وغيرهما عن محمد بن ميمون عن الكاظم عليه السلام في قوله تعالى: ((قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن)) سورة الأعراف، الآية: 33. قال: ((القرآن له ظهر وبطن، فجميع ما حرم الله في الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الجور، وجميع ما أحل الله في الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الحق)). هل نفهم من تحريم الظاهر تحريم كل ما ورد في القرآن الكريم والسنة وهو ما اصطلح عليه الفقهاء والأصوليون بالأحكام الشرعية من نواهي على سبيل الجزم وهي الحرام الذي يصطلح عليه فقهيا وأصوليا أن صاحبه يعاقب وتاركه يثاب من مثل تحريمه عزّ وجلّ الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، أي حرم إتيانها بعبادة أو شرب أو بيع أو شراء أو تقرب أو تعظيم أو ما إلى ذلك، وكذلك حين حرم الأمهات والبنات والأخوات إلخ بمعنى حرم إتيانهن بشهوة، هل نفهم هذا هكذا؟ أم نفهم على وجه آخر؟ هذا الوجه هو الوجه الطبيعي الذي تقتضيه اللغة العربية والمعاني الشرعية والعرفية والعقلية، وأما غيره فلا أعرفه، وتحريم الباطن، هل نفهم منه تحريم الفواحش الظاهرة المعروفة كالزنى، والباطنة كتبييت النية والترتيب للفاحشة وتدبيرها، أو كتخيُّلها مثل ما يحصل عند العادة السرية؟ هل نفهم هكذا أم هناك فهم غير هذا؟ وإذا كان كذلك فهل هو فهم موسى الكاظم من مثل ذكره الفواحش الباطنة واعتبارها أئمة الجور؟ وإذا كان كذلك، فهل نفهم سلوك أئمة الجور في اغتصابهم الإمامة من آل البيت؟ هل نفهم إتيان أئمة الجور والإقبال عليهم وبيعتهم هو الحرام وقد أتاهم بعض الأئمة مثل الحسن بن علي حين تنازل لمعاوية وبايعه وبايعه أخوه الحسين.. والرضا الذي بايع الخليفة العباسي؛ المأمون الذي عهد إليه بالخلافة؟ كيف نفهم إتيان الفاحشة بمعنى فعلها والتشنيع عليها وإشهارها وكل ما يتعلق بها وهي معروفة في المعاملات إلا بمعنى خطاب الشارع في الأوامر والنواهي والتخيير بين الفعل والترك أم نفهمها على غير ما ذكر؟ وكيف نفهم إتيان أئمة الجور؟ كيف نفهم أئمة الجور إلا بمعنى خطاب الشارع في الأوامر والنواهي والتخيير بين الفعل والترك أم نفهمها على غير ما ذكر؟ كيف يكون أئمة الجور من ضمن المحرمات؟ لا يكون هذا أبدا. فتحريم الفواحش يعني تركها وعدم الاقتراب منها. وتحريم أئمة الجور لا يعني إلا ركاكة في التعبير، وخللا في تأليف الكلام، وشذوذا في المعنى، وفسادا في النظم، وتصدعا في الصورة.. فإذا أقررنا باعتبار أئمة الجور باطن القرآن فما يكون أئمة الحق؟ أئمة الحق باطن الحلال، والحلال هو ظاهر الحق. هذا ما قررته أقوالهم. فهل نبدأ في فلسفة ما يقولون؟ وإذا فعلنا فهل نحن بصدد فلسفة مجدية؟ كلا والله. إنها فلسفة الانتعال. القول بأئمة الجور واعتباره باطن القرآن يفرض علينا الابتعاد نهائيا عن اللغة العربية والشرع الإسلامي. فلا يستقيم القول بالظاهر والباطن على النحو المذكور، فمن الناحية اللغوية نصطدم بوجود أئمة الحق وأئمة الجور في مقابل ظاهر القرآن وباطنه. ((فجميع ما حرم الله في الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الجور)). ((وجميع ما أحل الله في الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الحق)). الكلام المذكور لا باب له، وحذار أن يتهمنا أحد بالقصور في فهمه، فنحن قد ترفعنا عن فلسفته إشفاقا على وقتنا. انظر حضرة القارئ المحترم هل تجد مدخلا إلى هذا الفهم؟ لن تجد سوى العته والخور.. فتحريم أئمة الجور الذي جاء من ضمن ما حرم الله تعالى في القرآن الكريم باطنيا (فجميع ما حرم الله في الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الجور)، التحريم ورد منصبا على ما يكون مما يجب تحريمه، بينما تحريم أئمة الجور ولو التمسنا له فهما بمعنى إتيانهم ونصرتهم وبيعتهم وما إلى ذلك يجعلنا نسقط في الركاكة اللغوية، فالتعبير القرآني وتعبير السنة المطهرة وتعبير فقهاء اللغة لا يمكن أن ينزل إلى هذا المستوى من التسطيح والضبابية، لا يمكن للفقهاء واللغويين أن يأتوا بمثل هذا الكلام السطحي، فكيف بأئمة لا يشك أحد في فهمهم اللغة العربية وفهمهم شرع ربهم؟ كفى استغباء للناس؟ فهم أفْقَه من موسى الكاظم هذا وليس الكاظم العربي الذي هو منا نحن أهل السنة ومن آل بيت النبي والذي يفهم اللغة العربية ولا يمكن أن يأتي بمثل هذا الكلام الركيك. هذا وقد سمى موسى بن جعفر الكاظم أحد أبنائه بـ: أبي بكر، والثاني بـ: عمر، وسمى إحدى بناته كما مر معنا باسم عائشة. وروى الكليني في الكافي عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَضِبَ عَلَى الشِّيعَةِ فَخَيَّرَنِي نَفْسِي أَوْ هُمْ فَوَقَيْتُهُمْ وَاللَّهِ بِنَفْسِي)). الكافي ج 1 ص 260. يلاحظ أولا أن هذه العقيدة عقيدة النصارى في رسولهم عيسى على نبينا وعليه السلام. فهم الذين يعتقدون أن عيسى على نبينا وعليه السلام قد فدى نفسه بالبشرية حين رضي بالصلب وهي عقيدة فاسدة لا واقع لها. فعيسى على نبينا وعليه السلام لم يفد نفسه بأي مخلوق، بل لم يُقْتَل ولم يُصْلَب بنص القرآن الكريم. والعقيدة المذكورة عند الكافي محصورة في الشيعة، فأبو الحسن هو الذي فدى نفسه بهم ولكن بالنسبة للدقيق الملاحظة يجد أن موسى الكاظم وهو الوحيد من الأئمة الاثني عشرية المسمى موسى وهو المكنى أبو الحسن (يكنى موسى الكاظم بأبي إبراهيم وهي الغالبة عليه ولو أن له من الولد 37 منهم الحسن، ويكنى أبا الحسن كل من علي بن أبي طالب، والحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما واشتهر علي بكنية أبي الحسن، ولم يشتهر بها ولده الحسن الذي يمكن أن يكنى بأبي الحسن نسبة إلى ولده الحسن المثنى، ويكنى أبا الحسن علي بن موسى الرضا، وعلي بن محمد الهادي، والحسن العسكري) قد نسب الفداء إلى نفسه فجاء بما لا يليق بالكذبة الأولى على أبي عبد الله الحسين بن علي رضي الله عنه حين قتل مظلوما في كربلاء. فالنسبة كان يمكن أن تنطلي على السطحي لو أن الكذاب نسبها إلى الحسين بن علي. فحين نسب موسى الكاظم الفداء إلى نفسه ولم ينسبه إلى الحسين بن علي كان ذلك دليلا على أن موسى الكاظم لم يقل بهذا القول، وكان الكليني لا يحسن وضع الأكاذيب. فموسى الكاظم مات سنة: 193 هـ بشكل مفاجئ كما تنص رواياتهم، ولكنه لم يمت ميتة الحسين بن علي، فلم يظهر أي فداء، صحيح أنهم نسبوا قتله بالسم للخليفة العباسي المأمون واتخذوا ذلك ذريعة للخروج على الدولة العباسية خصوصا الطالبيين.. ومهما يكن فإن تلك النسبة لا تنطبق على الفداء لأن موسى الكاظم مات بالطريقة التي لا تمت بصلة للفداء. ==================== علي بن موسى الرضا (أبو الحسن) ولد علي بن موسى الرضا (أبو الحسن) على الأرجح سنة 148 هـ بالمدينة المنورة ومات بأرض طوس بخراسان سنة 203 هـ ودفن بها، وفي بحار الأنوار أنه ازداد سنة: 153 هـ. تولى علي بن موسى الرضا الإمامة بعد وفاة والده وهو ابن 35 ربيعا. عاش في ملك الرشيد والأمين والمأمون. شعراؤه دعبل الخزاعي، وأبو نؤاس، وإبراهيم بن العباس الصولي. بوابه محمد بن الفرات. ومن رواته داود بن كثير الرقي ومحمد بن إسحاق بن عمار وعلي بن يقطين ونعيم القابوسي والحسين بن المختار وزياد بن مروان وداود بن سليمان ونصر بن قابوس وداود بن رزين ويزيد بن سليط ومحمد بن سنان المخزومي ومن ثقاته أحمد بن محمد البزنطي ومحمد بن الفضل الكوفي الأزدي وعبدالله بن جندب البجلي واسماعيل بن سعد الأخوص الأشعري وأحمد بن محمد الأشعري ومن أصحابه الحسن بن علي الخزاز ويعرف بالوشاء ومحمد بن سليمان الديلمي وعلي بن الحكم الأنباري وعبدالله بن المبارك النهاوندي وحماد بن عثمان الباب وسعد بن سعد والحسن بن سعيد الأهوازي ومحمد بن الفرج الرخجي وخلف البصري ومحمد بن سنان وبكر بن محمد الأزدي وابراهيم بن محمد الهمداني ومحمد بن أحمد بن قيس بن غيلان واسحاق بن محمد الحضيني. ولى الخليفة العباسي المأمون علي الرضا ولاية العهد لامتصاص نقمة الطالبيين الذين ناصروا العباسيين على الأمويين من أجل أن يكون الخليفة علويا فلم يفلحوا وسموا لذلك بالطالبيين، ولاه رغم غضب العباسيين حتى يسد بابهم إلى حين. توفي علي الرضا فجأة سنة 203 هـ واتهم الطالبيون المأمون بقتله فلم تهدأ الثورات السياسية عليهم إلا قليلا من طرف كل من يرى الخلافة في فرع علي بن أبي طالب. انتشرت فكرة الانشقاق في كل البلاد الإسلامية وحصل التطلع إلى الحكم بشكل لافت فكان من بلاد فارس إيران حاليا أن تجذرت فيها تلك الأفكار فظهرت فيها الشعوبية، وأعلن بشكل حيي عن الحسرة على ذهاب ملك فارس بدولتهم الضخمة وإمبراطوريتهم العملاقة، تحسر كثير منهم على انصهار دولتهم في دولة الإسلام وهم يرون أنفسهم أعلى نسبا وأفضل عرقا، وظهر الميل الشديد إلى جذور الفارسية بجميع ما فيها حتى النار التي كانوا يعبدونها، وفي دولتهم وفي حاكمهم كسرى ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا ذهب كسرى فلا كسرى بعده)) أي إذا سقطت إمبراطورية كسرى فلن تقوم بعده إمبراطورية أخرى ولن يحكم كسرى أبدا، وحين لم يجدوا مناصرا لأن الناس مسلمون مالوا إلى الطالبيين وساندوهم في المطالبة بحقهم في الحكم، حاكوا فعلتهم مع العباسيين التي انتهت بحكم العباسيين وليس بحكم العلويين وستنتهي أيضا بحكم الشعوبيين الفارسيين وليس بحكم العلويين. يذكر أن جده من جهة أم جده جعفر الصادق هو أبو بكر الصديق، ويذكر أيضا أن علي الرضا قد كانت له بنت واحدة فاختار لها اسم عائشة تيمنا باسم أمه وزوج جده رسول الله صلى الله عليه وسلم. أسلوبه: ورد في الفقه المنسوب للإمام الرضا: ((سئل أمير المؤمنين علي عليه السلام عن مشية (مشيئة) الله وإرادته، فقال عليه السلام: "إن لله مشيتين (مشيئتين): مشية (مشيئة) حتم، ومشية (مشيئة) عزم، وكذلك إن لله إرادتين: إرادة عزم، وإرادة حتم لا تخطئ، وإرادة عزم تخطئ وتصيب، وله مشيتان: مشية يشاء، ومشية لا يشاء، ينهى وهو ما يشاء، ويأمر وهو لا يشاء". معناه: أراد العبادة وشاء، ولم يرد المعصية وشاء، وكل شيء بقضائه وقدره، والأمور تجري ما بينهما، فإذا أخطأ القضاء لم يخطئ القدر، وإنما الخلق من القضاء إلى القدر، وإذا أخطأ القدر لم يخطئ القضاء، وإذا لم يخطئ القضاء لم يخطئ القدر وإنما الخلق من القدر إلى القضاء. وللقضاء أربعة أوجه في كتاب الله تعالى الناطق على لسان سفيره الصادق. منها: قضاء الخلق، وهو قوله تعالى: ((فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12))) فصلت. والثاني: قضاء الحكم، وهو قوله تعالى: ((وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69))) الزمر. معناه حكم. والثالث: قضاء الأمر، وهو قوله تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23))) الإسراء. الرابع: قضاء العلم، وهو قوله تعالى: ((وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4))) الإسراء. معناه علمنا من بني إسرائيل)). الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث الموضوع: الفقه. الناشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام. انظر إلى هذا التفصيل الغبي لرضاهم، أما رضانا نحن فهو من أهل السنة قد تلقى العلم عن أهل السنة ولم يتلقاه عن أي شيعي مقيت. أربعة وجوه للقضاء، طيّب لِيَكُنْ ولكن الوجه الأول المذكور يعني صنع السماء حال صنعها بإحكام تام كونها سبع سماوات مع عنصر الخلق والإيجاد لها ولكن الصنع هنا هو المقصود، والوجه الثاني يعني الحكم والفصل بين الناس يوم القيامة وهو صحيح، والثالث قضاء الأمر وهو صحيح ولكن بشكل قطعي بحيث أمر الله ألا يعبد سواه، والوجه الرابع قضاء العلم وهو صحيح، هذه وجوه أربعة محددة للقضاء، ولكن بالنظر إلى آيات أخرى يتبين أن هناك وجوه غيرها ومعنى ذلك أن علي رضاهم ليس ملما بالقرآن الكريم بحيث يقول فيه ما ليس فيه، انظر قوله تعالى: ((كان على ربك حتما مقضيا)) أي كان ورودهم عليه واجبا أوجبه على نفسه جلّ وعلا، فالحتم؛ الوجوب، والمقضي؛ المحكوم به، وقوله تعالى: ((هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا مسمى)) معناه جعل له أجلا مسمى، فالقضاء صنع الشيء بإحكام وهو وجه، وإمضاء الأمر وهو وجه، وجعل الشيء وهو وجه، وإبرام الأمر وإتمامه وهو وجه، وتحتيم وجود الشيء وهو وجه وغير ذلك، فهذه وغيرها وجوه للقضاء كان يجب على عالمهم أن يذكرها فلم يذكرها فدل ذلك على جهله بها. انظر إلى قول علي الرضا المكذوب عليه: ((إن لله مشيتين (مشيئتين): مشية (مشيئة) حتم، ومشية (مشيئة) عزم، وكذلك إن لله إرادتين: إرادة عزم، وإرادة حتم لا تخطئ، وإرادة عزم تخطئ وتصيب، وله مشيتان: مشية يشاء، ومشية لا يشاء، ينهى وهو ما يشاء، ويأمر وهو لا يشاء)). المصدر السابق. هذا القول يحاكي أقوال المتكلمين وعلي الرضا ولد في القرن الثاني الهجري وهو القرن الذي عرف الخوض في علم الكلام فكان الكذّاب غبيا حين وقّت ما نُسب إلى علي الرضا بناء على علمه بولادته في القرن الثاني الهجري ونسي أن يُرتِّب لذلك بفكر عميق يمكن أن ينطلي على السطحيين ولكنه كان أسطح من السطحيين، فالقول بوجود مشيئتين لله عز وجل قول مخرِّف لا يعرف ما يقول، وقول جاهل لا يكترث لإلقاء تفاهاته، فكيف تكون لله مشيئتين؟ كيف تكون لله مشيئة حتم ومشيئة عزم؟ القائل لا يعرف ما يقول، ولا يفرق بين الكلمات ودلالاتها. إن لفظ المشيئة يعني الإرادة ولا معنى آخر له، فإذا قيل مشيئتين قيل الخور والعته الفكري، وإذا قيل مشيئة حتم ومشيئة عزم قيل الجهل المركب، فحتم لغة بمعنى أوجب، والعزيمة بمعنى الإرادة، والعزم بمعنى الثبات والشدة كما أن فعل عزم يعني أيضا عقد الضمير على فعل، وهذا لا ينطبق على الله تعالى لأن الله سبحانه وتعالى لا يفكر حتى ينطلق من إحساس وواقع ودماغ ومعلومات سابقة، بل هو يقول للشيء كن فيكون، أي أنه يقول له اظهر فإن قال له كن لكي يكون كان ذلك تأخيرا في فعل الله تعالى وتنقيصا من علمه وهو محال إذ هو من فعل الناقص المحتاج المحدود، وعليه فالقول بمشيئة حتم ومشيئة عزم قول معتوه يريد أن يكون عاقلا فلم يوفّق.. وأما إرادة الله تعالى فهي بمعنى أن ما يقع في الكون لا يقع جَبْراً عن الله عزّ وجلّ، فما يقع في ملكه يقع بإرادته، وإرادته سبحانه وتعالى لا تجبر العبد على القيام بالعمل مُجْبَراً، فالعبد يقوم بالفعل، فإذا كان الفعل ليس في دائرة القضاء، أي ليس هو مما يقع جَبْراً عنه كالحياة والموت وطبيعته التي فطر عليها وغير ذلك كان الفعل الذي يقوم به العبد ولم يمنعه منه الله تعالى يقع بإرادة الله لا جبرا عن الله، فالعبد يقوم بالفعل مختارا، فكان فعل العبد الذي باختيار العبد بإرادة الله تعالى، وكان الفعل الذي ليس باختياره بإرادة الله تعالى أيضا وهكذا. إن القول بإرادة حتم والتي لا تخطئ، والقول بإرادة عزم والتي تخطئ قول يجب تصنيفه ضمن ثقافة الحشّاشين، فالحشّاشون حين تغيب عقولهم ينتجون مثل هذه التُّرهات. يبدو أن القضاء والقدر لم يظهرا كبحث غير شرعي وبحث غير لغوي طيلة القرن الأول الهجري، فلم يعرف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا التابعين القضاء والقدر بالشكل الذي ظهر عند ظهور المتكلمين، فالقضاء والقدر مسألة المتكلمين وهي بعيدة كل البعد عن بحوث الشرع واللغة، وعلي بن موسى الرضا من مواليد القرن الثاني الهجري، أي أنه ولد في خضم الخوض فيما خاض فيه فلاسفة اليونان فكان طبيعيا أن ينسبوا إليه شيئا من القول في مسألة القضاء والقدر ولكنهم أخفقوا لأنهم جعلوه جاهلا بالقضاء والقدر لغة وشرعا، وجعلوه جاهلا بهما حتى من حيث الطرح الفلسفي اليوناني وطرح المتكلمين في ذلك العصر. فالقدر لفظ مشترك يتحدد معناه بحسب السياق، فقوله تعالى: ((مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الأحزاب، معناه قضاء محكما وأمرا مبرما، وقوله تعالى: ((وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) الفجر، معناه ضيّق عليه رزقه، وقوله تعالى: ((وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) القمر، معناه على حدث قدّره الله في اللوح المحفوظ، أي كتبه وهو هلاك قوم نوح بالطوفان، وقوله تعالى: ((وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) فُصّلت،معناه جعل فيها خاصية الإنبات لأقوات ساكنيها، وقوله تعالى: ((إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) المدثر، معناه فكر ورتب ودبّر ما سيقوله في القرآن الكريم، وقوله تعالى: ((الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) الأعلى، معناه تسوية كل شيء وهداية المخلوقات هداية غريزية لإشباع حاجاتها بحيث يعرف كل مخلوق ما ينفعه، وقوله تعالى: ((وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) سبأ، معناه جعلنا فيها سهولة السير، وقوله تعالى: ((إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) القمر، معناه خلقناه بتقدير، وقوله تعالى: ((أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) المرسلات، معناه إلى وقت معلوم وقوله تعالى: ((نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) الواقعة، معناه جعلنا الموت بينكم مختلفا فأعماركم مختلفة بين الطول والقصر والمتوسط وأنها محددة ممن يملك أرواحكم وهو الله تعالى فهو الذي جعل لها آجالا هي بالغته حتما إلخ. وفي أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم قوله في البخاري عن أبي هريرة هذا المعنى: ((لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قد قدرته ولكن يلقيه القدر وقد قدرته له أستخرج به من البخيل)) معناه أن النذر لا يأتي ابن آدم ما لم يكن الله قد حكم به وكتبه في اللوح المحفوظ، أي علم الله، واستعمل الصحابة القدر بمعنى التقدير، أي علم الله تعالى كقصة طاعون عمواس بالشام حين ارتحل عمر ولم يرد أن يقيم وقد اختلف معه بعض الصحابة فقال قولته لعامر بن هلال أبي عبيدة بن الجراح ((فرارا من قدر الله إلى قدر الله)) أي هروبا من علم الله تعالى إلى علم الله. فلفظ القدر كما أسلفنا من الألفاظ المشتركة يأتي بمعنى الوقت والتهيئة والتدبير والتقدير والعلم وجعل الخاصية في الشيء خاصية الإنبات في الأرض مثلا وخاصية طفو الخشب على الماء وخاصية الميل الجنسي في غريزة النوع، وخاصية الميل للتملك في غريزة البقاء.. هذه هي المعاني التي استعملت في حياة النبي والصحابة والتابعين إلى تاريخ ظهور المتكلمين، فالقدر بمعنى الجبر والاختبار، والقدر بمعنى أفعال العباد التي فعلوها جبرا عنهم أو اختيارا منهم لم يرد فكان بحث القدر خارج إطاره الشرعي واللغوي بحثا لسنا بصدده الآن فيجب فصل هذا عن ذاك حتى لا نقع في الخلط، ثم الجهل، نحن لا نمانع من بحث القضاء والقدر وفق منهج الفلاسفة ولكنه بحث لا يرقى إلى بحثنا هذا وهو بحث بسيط يسهل معرفته ويسهل توضيحه عند استعمال الدقة والتحديد.. إن لفظ القدر لفظ لغوي له عدة معاني يحكمها السياق، والعقل البشري لا دخل له فيه لأنه لفظ وضعي لا بد من الرجوع فيه إلى اللغة، وللغة سلطان يجب احترامه.. أما بحثها خارج نطاق اللغة والشرع فيجب أن يكون لغاية القصد منها عقلا ولا بأس ولكن مع الحذر من الانزلاق إلى ما انزلق إليه ما يسمى بالفلاسفة المسلمين أولهم يعقوب الكندي المتوفى سنة: 260 هـ حين بحثوا فيما لا يقع عليه الحس فجاءوا بالتُّرَّهات من مثل القول بقدم العالم وأزليته وهو قول اليونانيين كأرسطو، وأن نعيم الجنة نعيم روحاني وليس نعيما ماديا، وأن الله تعالى يعلم الكُلِّيات ولكنه والعياذ بالله يجهل الجزئيات.. ومما يجب الوقوف عنده بعقل واع وقلب صاف أن العبد لا يقوم بالعمل بناء على علم الله تعالى، بل علم الله تعالى كان أن العبد سيقوم بالعمل، وما الكتابة في اللوح المحفوظ إلا تعبير عن إحاطة علم الله تعالى بكل شيء. أما القضاء فهو من الألفاظ المشتركة التي لها عدة معاني، وجميع معانيها ليست هي المقصودة عند المتكلمين، بل هي معاني لغوية استعملها الشرع الإسلامي لتؤدي عنه مراده على العباد، فلا علاقة لها بأي معنى ورد عند المتكلمين، وعليه فبحثها يجب أن يبعد أي مصطلح وضعه غير العرب ووضعه غير الشرع حتى يفهم كما ينبغي أن يفهم، فمثلا قوله تعالى: ((قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(47) آل عمران، معناه إذا أبرم الله أمرا دخل حيزّ الوجود دون امتناع مع إكراه تام على إيجاده فلا يتوقف قطعا، وقوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) الأنعام، معناه جعل لمخلوقه أجلا بين حياته وموته، وقوله تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) الإسراء، معناه أمر أمرا مُلْزِما للعبد دون إكراه عليه مقطوعا به ألا يعبد إلا الله، ولا يشرك به شيئا.. فالقضاء معناه إتمام الأمر وتحتيمه وإبرامه وإنهاؤه وإحكامه وهذه المعاني هي المعتبرة في بحث القضاء والقدر، وللعلم فإن القضاء والقدر لم يردا هكذا إلا عند المتكلمين فيكون الأمر متعلقا ببحث عقلي يخوض في بحث فعل العبد، بينما لفظ القضاء ولفظ القدر بحثهما لغوي وشرعي يتعلقان بصفات الله تعالى وليس بفعل العباد وفرق بينهما كبير، والآيات والأحاديث النبوية لا تفسر إلا بمعانيها اللغوية أو الشرعية، حتى إن ما ورد من لفظ القضاء والقدر مقرونان ببعضهما البعض لم يكونا إلا في مسألة صفات الله تعالى خلاف مصطلحهما عند المتكلمين قال صلى الله عليه وسلم: ((أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس)) أخرجه البزار من حديث جابر بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم.. وعن علي بن أسباط قال: قلت للرضا عليه السلام: يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه أستفتيه أحد من مواليك، قال: فقال عليه السلام: ((ائت فقيه البلد - يعني من أهل السنة - فأستفته في أمرك فإن أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه)). بحار الأنوار ج 2 ص 233. القول بأن تأتي فقيها من أهل السنة فتستفتيه فيفتيك، ثم تعمل خلاف ما أفتاك به قول شيطان يحرص على الإضلال، فتصديق المفتي كان تصديقا بالعقل، وتكذيب المفتي تكذيب بالعقل فأين عقل المستفتي؟ إنه غائب غائب غائب، وما القول بذلك إلا إمعانا في تغييبه حتى يبقى المسلوب العقل سهل الاستغلال والإضلال، فيكون رضاهم هذا الذي قال قولته تلك؛ شيطان، ويكون رضانا الذي نعرف عنه العلم والتقوى لا يقول بذلك القول، لا يقول بذلك إنسان سوي أو عالم مُبَجَّل كالرضا رحمه الله. وروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال في شأن ولده محمد بن علي الجواد: ((قد وُلد شبيه موسى بن عمران فالق البحار، فيبكي عليه أهل السماء، ويغضب الله تعالى على عدوّه وظالمه فلا يلبث إلاّ يسيراً حتّى يُعجّل الله به إلى عذابه الأليم وعقابه الشديد)) عيون المعجزات / 108. علي الجواد شبيه بموسى، هذا قول يمكن أن يثبت للتاريخ إذا كان موسى ليس أبيض اللون، فعلي الجواد ولد شديد الأدمة لأن أمه من بلاد النوبة، وموسى أبيض اللون فأين الشبه الأول، أم أن الشبه في غير اللون؟ ربما يكون علي الجواد أفضل من موسى على الرغم من التنصيص على موسى في القرآن أنه أفضل من علي الجواد ومن جميع الأئمة ولا بأس، فعند الهالك؛ الخميني أن "لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل". ينسب للإمام الرضا كتاب: فقه الرضا، أو هو بعنوان آخر: الفقه المنسوب للإمام الرضا، وقد اختلف (علماء الشيعة) فيه اختلافا ظاهرا فقالوا أنه كتاب للإمام الثامن علي بن موسى الرضا عليه السلام، وقالوا أنه مجعول كله أو بعضه للإمام الرضا، وقالوا عنه أنه عين كتاب: المنقبة للحسن العسكري والحسن العسكري كغيره من جميع الأئمة لم يخلف كتابا واحدا، وقالوا عنه أنه من تأليف بعض أولاد الرضا بأمر منه، وقالوا عنه أنه من تأليف بعض أصحاب الرضا، وقالوا عنه أنه كتاب التكليف لمحمد بن علي الشلمغاني الذي ادعى الوكالة فلعنوه والذي رواه عنه الشيخ أبو الحسن علي بن موسى بن بابويه الصدوق الأول والد الصدوق الثاني، وقالوا عنه أنه جاء متحدا مع كتاب الشرائع الذي كتبه أبو الحسن علي بن موسى بن بابويه لولده الشيخ الصدوق.. والكتاب لم يكن متداولا إلا عند إظهاره من طرف محمد تقي بن مقصود المجلسي (1003 هـ ـ 1070 هـ ) والد العلامة الشيعي الإيراني محمد باقر المجلسي، ولد بأصفهان ومات فيها. وفي مستدرك الوسائل لمحمد بن تقي الدين الطبرسي (1292 هـ ـ 1389 هـ) صفحة: 3: 341 رواية تقول أن الرضا كتب كتابه لأحمد السكين أو أحمد بن السكين، والرجل كان مقربا من الرضا ولأجله كتب الكتاب، ومخطوط الكتاب بخط الرضا موجود في الطائف بمكة المعظمة وتاريخها يرجع إلى سنة: 200 للهجرة، وهناك من ينكر هذا الزعم. يظهر أن الروايات الواردة بشأن الكتاب تنتهي إلى ترجيح كونه من الصدوق الأول الذي توفي سنة: 329 هـ وتاريخ ولادته غير معروف إلا أنهم لا يتجاوزون النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، أي أنه ولد سنة 250 هـ أو 249 هـ أو ما دون ذلك، والكتاب الذي يرجع إليه قد كتبه الصدوق الأول لابنه الصدوق الثاني المتوفي سنة: 381 هـ ـ فهما اللذان استقر الكتاب على شخصيهما، فالوالد كتب الكتاب لولده، ونسبته إلى الرضا نسبة مصداقية حتى يقبل، لأن الرجلين كانا قريبين من عصر الرضا لأن الرضا أقرب زمنا إليهما فقد عاش بين 148 هـ إلى 203 هـ، (علي الرضا 148 هـ ــ 203 هـ وفي بحار الأنوار ولد سنة: 153 هـ). وهناك مسائل لا بد من مناقشتها منها زعم تاريخ المخطوط وأنه يعود لسنة: 200 هـ، هذا القول ينفي الصدق عن الصدوق الأول (..... ــ 329 هـ)، والصدوق الثاني (306 هـ ــ 381 هـ) فتكون صفة الصدوق لكليهما صفة لا تنطبق على شخصيهما وشخصية غيرهما من جهال الشيعة (علمائهم)، وإذا لم نتهمهم بالكذب وهم أهل له قد بزّوا اليهود فيه نقول أنهم يتناقضون في كتاباتهم، والتناقض إذا كثر دل على التدليس والتلبيس وهذان من الخبث والجهالة بمكان، ومن المسائل التي يجب مناقشتها أيضا أن الكتاب جاء متحدا مع كتاب الشرائع للصدوق الأول الذي كتبه لابنه الصدوق الثاني، وكونه متحدا معه يعني أنه منسوخ عنه أو هو هو عينه ولكن الغرابة تكمن في تأليفه في وقت مضى على موت الرضا عدة عقود فيكون الكتاب كغيره، وتكون الروايات عن آل بيت النبي كلها مكذوبة عنهم، وما ظهر أنه متحد مع ما جاء عند أهل السنة يؤكد شيئا واحدا هو الغباء في النسبة حتى يدلِّسوا على الناس فيقبلوا بأكاذيبهم. ========================= محمد بن علي الجواد (أبو جعفر) ولد محمد بن علي الجواد (أبو جعفر) سنة 195 هـ بالمدينة المنورة ومات سنة 220 هـ ببغداد بالعراق ودفن بها. تولى الإمامة بحسب معتقد الشيعة الإمامية وهو ابن 8 ربيعا. يذكر أن جده من جهة أم جده جعفر الصادق هو أبو بكر الصديق. محمد بن علي الجواد هو الإمام محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، تاسع الأئمة الاثني عشر من أئمة أهل البيت والحادي عشر من (المعصومين) الأربعة عشر بحسب المعتقد الاثني عشري، يُلقَّب بالجواد والتقي والمنتجب والمرتضى والقانع والمختار والمتوكل، لون بشرته مائل كثيرا للون أمه النوبية، شديد الأدَمَة، يُكنّى أبو جعفر الثاني، لأن جده محمد الباقر يُكنّى بأبي جعفر الأول .. أمه أمة نوبية أم ولد واسمها سبيكة. كنيتها أم الحسن، ويذكر أن لها أسماء أخرى، منها: درة، مريسية، ريحانة، وخيزران. أسلوبه: ناظر محمد بن علي الجواد أبو جعفر الثاني بن أكتم وهو من أكابر العلماء، ناظره في مجلس الخليفة العباسي، وكان علي الجواد ابن تسع سنين وبضعة أشهر.. بحار الأنوار: 50 / 74 ـ 79. وقد زوجه المأمون من ابنته أم الفضل وكان يصله ويحسن إليه، وتزوج من سمانة المغربية. روى محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: استأذن على أبي جعفر قوم من أهل النواحي من الشيعة فأذن لهم، فدخلوا، فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عليه السلام وله عشر سنين. وروى الشيخ المفيد رحمه الله: علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثني أبي، قال فدخلنا على أبي جعفر، وقد حضر خلق من الشيعة من كل بلد فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة فأجابهم فيها وله تسع سنين. وقد رُوي أنه (عليه السلام) أجاب عن ثلاثين ألف مسألة غامضة في مجلسٍ واحد أو مجالس متوالية. مناقب آل أبي طالب 2 / 490. تروي حكيمة بنت الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) أنها قالت: لمّا حضرت ولادة خيزران اُمّ أبي جعفر (عليه السلام)، دعاني الرضا (عليه السلام) فقال لي: ((ياحكيمة إحضري ولادتها، وادخلي وإيّاها والقابلة بيتاً)). ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علينا، فلمّا أخذها الطلق طفي المصباح وبين يديها طَسْت (إناء من نحاس يستعمل لغسل الأيدي)، فاغتممت بطفي المصباح، فبينما نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر (عليه السلام) في الطست (أسرع المولود محمد الجواد عند ولادته إلى الطست وسبق ليكون فيه، عجيب أمر هذا المولود، مولود يبادر إلى الطست والطست لغسل الأيدي)، وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتّى أضاء البيت، فأبصرناه، فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء، فجاء الرضا (عليه السلام) ففتح الباب وقد فرغنا من أمره، فأخذه فوضعه في المهد وقال لي: ((يا حكيمة، إلزمي مهده)). قالت: فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر إلى يمينه ويساره، ثم قال: ((أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله)). فقمت ذعرة فزعة، فأتيت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبي عجباً! فقال: ((وما ذاك؟)) فأخبرته الخبر فقال: ((يا حكيمة، ما تروى من عجائبه أكثر)). مناقب آل أبي طالب 3 / 499. دعونا نتجاوز القول بالتشهد في اليوم الثالث تحديدا، ودعونا نتجاوز التفات الصبي محمد بن علي الجواد في اليوم الثالث إلى اليمين أو إلى اليسار والصبي لا يمكن أن يلتفت في ذلك اليوم لعجزه التام عن تقليب نفسه سواء إلى اليمين أو إلى اليسار، دعونا نتجاوز هذا إلى نطقه بالشهادتين وهو في اليوم الثالث من عمره. ما يروى عن محمد بن علي الجواد ليس كرامة، بل هو معجزة لأنه خارق للعادة، وقد حصل مع الصبي عيسى على نبينا وعليه السلام وقد كان معجزة لأمه التي اتهمها اليهود بالزنا، فكيف تحصل معجزة مع محمد الجواد والمعجزة تأتي تأييدا للنبي وليس لغير النبي وتأتي في الشهادة وهي هنا كانت في حضرة أم الجواد والقابلة وحكيمة، في حضرة أهل البيت. فأي قيمة لهذا الحدث وهو معزول بين الحيطان لا يشهد عليه إلا أهله؟ هذا لا يكون أبد. فهو إذن كذب من النوع الفوّاح كريح الظِّربان. ويشبه هذا قولهم بجواب محمد الجواد وهو صغير السن عن ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد، والمجلس موضع الجلوس والقوم الجلوس وكلاهما محكوم بالزمن، لو كان هذا نبوغا فلا بد له من المرور على الطريق الطبيعي وهو طريق التحصيل والدرس والجواد لم يمر منها، فكيف يجيب تلك الإجابات؟ وإذا سلمنا بذلك وجب أن يكون الحضور مثله وهو ليس كذلك، أي لا بد للناس الذين يستمعون أن يستمعوا إلى الأجوبة والوقت لا يسعفهم يحتاجون إلى أكثر من يوم وليلة فكيف يقال ما قد قيل؟ وحين فطنوا لكذبهم رووا رواية أخرى تعدل من كذب الأولى بحيث جعلوا أجوبة الجواد عن ثلاثين ألف مسألة ليس في مجلس واحد، بل في عدة مجالس، ونستطيع حصر الكلام في غير المتشابه الذي لا يحمل إلا معنى واحدا وذلك من خلال قوله: "ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد" وقوله: " ثلاثين ألف مسألة غامضة في مجلس واحد أو عدة مجالس". وهذا يقضي أن الجواب الأول قد كان عن ثلاثين ألف مسألة غير غامضة وفي مجلس واحد ولا يحمل الكلام معنى آخر غيره وهو محال لأن الوقت لا يتسع لذلك. ويقضي أيضا أن الجواب الثاني قد كان عن ثلاثين ألف مسألة غامضة في مجلس واحد أو عدة مجالس وهذا معقول بالنسبة للوقت فقط، أما بالنسبة للمجيب فمستحيل لأنه صبي صغير لا يمكن أن يستوعب علم ثلاثين ألف مسألة عادية وثلاثين ألف مسألة غامضة حتى يجيب عنها جميعها، وإذا استوعبها فمستحيل أن يجيب عنها في مجلس واحد اللهم إذا امتد به المجلس ليالي وأياما وهذا لا يقول به أحد، ومن قال به قال بالسيطرة على حاجة من الحاجات العضوية ألا وهي النوم، وعندنا هنا في مدينة طنجة شاب لا ينام، لا يعرف النوم مطلقا، وقد حار الأطباء في شأنه وهو شاب طبيعي فقد حاجته للنوم من مرض أصابه لم يعرفه الأطباء، فهل يكون الجواد ومن حضر مجلس الجواد شبيهين بهذا الطنجاوي المريض؟ وإذا كان كذلك فسيفتقد لمن يستمع إليه لأنهم يحتاجون إلى النوم خلافه، فهل كان يتحدث إلى نفسه؟ هل كان يتحدث إلى خواء؟ ومن معاجزه (عليه السلام) ما رواه الشيخ الكليني وغيره عن محمّد بن أبي العلاء أنّه قال: سمعتُ يحيى بن أكثم قاضي سامراء بعدما جهدت به وناظرتُه وحاورتُه، وواصلتُه وسألته عن عُلوم آل محمّدٍ (ص) فقال: بينا أنا ذات يوم دخلتُ أطوف بقبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فرأيتُ محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام) يطوف به، فناظرتهُ في مسائل عندي فأخرجها إليّ. فقلتُ له: والله إنّي أُريد أن أسألك مسألة، والله لأستحي من ذلك. فقال لي: ((أنا اُخبرك قبل أن تسألني، تسألني عن الإمام؟)). فقلت: هو والله هذا. فقال: ((أنا هو)). فقلتُ: علامة؟ فكان في يده عصا فنطقت وقالت: إنّ مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجّة)). الكافي 1 / 353. عجيب أمر هؤلاء الدجاجلة وأعجب منه من يصدقهم، ما هذه الترهات؟ عصا تتكلم في يد رجل وتشهد له بالإمامة، عصا موسى لم تتكلم، بل انقلبت حية تسعى، وعصا الجواد نطقت، والله إنه الهذيان، القائل واقع تحت تأثير مخدر الجهل لا يعرف ما يقول، لو كان ذلك معجزة لوجب أن يكون لنبي أو رسول، والجواد ليس نبيا ولا رسولا وليست له منزلة الأنبياء والرسل ولن تكون كما يزعم المخرِّف الهالك؛ الخميني، وشهادة العصا على إمامة الجواد شهادة لرجل واحد فما قيمتها؟ وشهادة زمرة من الناس عليها على الرغم من غيابها لا تصح عندنا لأنها لم تثبت بالتواتر، وليست هي واردة في كتاب الله عز وجل وعليه وجب تكذيبها حتى نكون عقلاء وإلا فنحن حمقى كالشيعة. وروى أيضاً بهذا المعنى عُمارة بن زيد أنه قال: رأيت محمّد بن علي (عليهما السلام) فقلت له: يا بن رسول الله ما علامة الإمام؟ قال: ((إذا فعل هكذا، ووضع يده على صخرةٍ فبان أصابعُه فيها، ورأيتُه يمدّ الحديدة بغير نارٍ ويطبع على الحجارة بخاتَمه). دلائل الامامة / 400. عجيب غريب كأننا أمام نصوص أدبية تطرب لها النفس وتهتز لها المشاعر ولكننا مع نصوص يزعم أنها دين، فأي دين خرافي هذا؟ أي عقل بشري سويّ يقبل به؟ رجل يضع يده على صخرة فيبصمها بأصابعه، ويمدد الحديد بغير نار ويطبع على الحجارة بخاتمه، يا لها من روايات مثيرة، يا لها من رائعة الروائع. عندما كنت طفلا في أواخر الستينيات من القرن العشرين كان والدي رحمه الله ورحم أموات المسلمين جميعا يأخذني معه إلى سينما ألكسار أو كبيطول وكانت الأفلام التي تأخذ بلبّي؛ الأفلام التي يظهر فيها مفتولوا العضلات خصوصا ونحن لم نك نعرف التلفزيون بعد، وكنت إذا ذهبت معه إلى حيث يعمل بمستودع البلدية وهو مستودع شاسع واسع وقبل أن يحل الظلام كان يأتي بجذوع أشجار الكليبتوس (الصفصاف) فيكسرها ويجمع الخشب لحاجته إليه من أجل طهي الطعام أو غلي الماء لصنع الشاي، وعند تكسيره للخشب كنت أرى عضلاته فأعجب بها ويذهب ذهني إلى أبطال السينما الذين حفظت صورهم في ذاكرتي فدفعني الفضول إلى أن أطلب من أبي ليّ الحديد وكان يفعل بحيث يأخذ قضيبا مرقوم عندنا برقم: 8 أو 10 بطول متر ونصف يزيد أو ينقص فيطويه فتأخذني النشوة لذلك، وحين رأى مني ذلك شرع يسامرني حتى أنام، يحكي لي حكاية فاتل الحديد وملاقي الجبال وكم كان يشدّني إلى حكاياته، فرحمه الله ورحم أمواتنا جميعا ولكن حكاية الدجاجلة الشيعة عن محمد بن علي الجواد لا ترقى إلى مستوى حكاية والدي، فهل من سبيل إلى تعديل الحكاية؟ وإذا تم تعديلها فهل من سبيل إلى العودة إلى طفولتي حتى أتذوّقها؟ ================================= علي بن محمد الهادي (أبو الحسن) ولد علي بن محمد الهادي (أبو الحسن) سنة 212 هـ وقيل سنة 214 هـ بالمدينة المنورة، وتوفي بسامراء سنة 254 هـ. وباعتمادنا مصادر معينة معتمدة لدى الشيعة الإمامية نجد أن علي الهادي قد ((وُلِدَ الإمامُ أبو الحسن عليّ بن محمّد الهادي - عليهما السلام والتحيّة والإكرام - بالمدينة المنوّرة يوم الجمعة للنصف من ذي الحجة الحرام سنة اثنتي عشرة ومأتين من الهجرة. وقيل: في السابع منه وروي أيْضا في خامس رجب المرجّب سنة أربع عشرة ومأتين. واللّه أعلم. وقبض (ع) بسُرّ مَن رأى يوم الإثنين ثالث رجب سنة أربع وخمسين ومأتين. وكان سنّه الشريف إحدى وأربعين سنةً. وقيل: وستّة أشهرٍ أيْضا. ودفن (ع) بها أيْضا. وأمّه أمّ ولدٍ يقال لها سمانة رحمها اللّه تعالى. حكاه في المناقب 4: 401، وعنه في بحار الأنوار 50: 114. كما في الكافي 1: 497 - 498، والمناقب 4: 401. 150 . رواه العلّامة المجلسي في مرآة العقول 6: 109 عن مصباح الشيخ، ولكن قال في المصباح: 767: «وروي: أنّ يوم السابع والعشرين منه ولد أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري (ع)». تولى علي بن محمد الهادي الإمامة بحسب معتقد الشيعة الإمامية وهو ابن 8 ربيعا. هيا إلى مناقشة أمر غريب. جاء في كتب الشيعة الإمامية كالشيخ الأجلّ الحافظ مهذّب الدين أحمد بن عبد الرضا البصري من أجلّة تلاميذ المحدّث الحرّ العاملي تواريخ أئمتهم وفي بعضها خلافات على الازدياد والوفاة يهمنا منها علي بن محمد الهادي والد الحسن العسكري، فقد اختلف في تاريخ ولادته فتعين في رواية سنة ولادة علي الهادي في: 212 هـ وفي أخرى سنة: 214 هـ، وتاريخ الوفاة لا خلاف عليها وهي سنة: 254 هـ بحسب ما اعتمدته من كتب شيعية معتمدة كما يصرحون، والحسن العسكري اختلف على ولادته التي كانت سنة: 202 هـ، وقيل سنة: 231 هـ وقيل سنة: 232 هـ، وكذلك الشأن بالنسبة لتاريخ وفاته، ففي رواية كانت وفاته سنة: 260 هـ وفي أخرى سنة: 266 هـ ونسوق نفس المصادر الشيعية المعتمدة لتروي لنا تواريخ الازدياد والوفيات فقد ((وُلد الإمامُ أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ - عليهما السلام والتحيّة والإكرام - بالمدينة المحبُورة يوم الاثنين رابع ربيع الآخر سنة اثنين ومأتين من الهجرة. وقبض (ع) بسرّ من رأى يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأوّل. وروي لثمان خلون منه سنة ستّ وستّين ومأتين. وروي أيضا يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من المحرّم الحرام. ودفن إلى جانب أبيه (ع). وأمّه أمّ ولد يقال لها: حديثة رحمة اللّه عليها. ما روي هو: لثمان خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستّين ومأتين. كما في الكافي 1: 503، والمناقب 4: 422، وكشف الغمّة 2: 402. حكاه في جامع المقال: 189. دعونا لا نقف على السنتين كفرق خلافي في ازدياد علي الهادي، لنأخذ ما نحاول به تجاوز الخطأ إن كان هنالك خطأ فعلا فنعتمد ولادته سنة 212 هـ محاولة منا طي الخلاف لعلنا نصل إلى تصحيح الخطأ. ففي ولادة على بن محمد الهادي خلاف منكر بين ولادته وولادة ولده الحسن بن علي العسكري، فلقد سبق الولد والده في الخروج إلى الحياة الدنيا وكأن الحسن العسكري أبا لعلي الهادي. ازداد الوالد سنة 212 هـ وازداد ولده سنة: 202 هـ أي عشر سنوات قبل أبيه. كيف نرأب الصدع في تاريخ كلا الإمامين؟ كيف نوفق بين تاريخيهما بإخراج معقول دون أن نتهم أحدا؟ هل نستبدل التواريخ فنجعل تاريخ علي الهادي عائدا إلى الحسن العسكري والعكس بالعكس؟ إذا فعلنا خرجنا بما يلي: يكون علي بن محمد الهادي من مواليد 202 هـ ليكون أكبر من ولده وهي سن مأخوذة من الحسن العسكري، ووفاته سنة 254 هـ. ويكون الحسن العسكري من مواليد 212 هـ ليكون أصغر من أبيه، ووفاته سنة: 266 هـ ويكون عمره يوم استلامه الإمامة 42 سنة ووفاته سنة 260 هـ فيكون قد أمضى في إمامته 6 سنين، وإذا كانت وفاته سنة 266 هـ فيكون قد أمضى في إمامته 12 سنة، وهذا غير مقبول ولا معقول لأنه مخالف للواقع. لو منحنا سن الإبن للأب فسيكون الأب أكبر من الإبن وهذا هو الطبيعي، ولكن مع ذلك يحصل إشكال كبير لا يمكن حله وهو وجود فرق بسيط جدا بين الوالد وولده في السن وهو عشر سنوات، فكيف ينجب طفل عمره 10 سنوات؟ ولو أبقينا السن كما هي فيسكون الإبن أكبر من أبيه بعشر سنوات وهذا مستحيل. فهل من حل لهذا اللغز؟ أو هل من تصحيح للخطأ في التواريخ؟ يذكر أن جده من جهة أم جده جعفر الصادق هو أبو بكر الصديق. اسمه علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. أمُّه: جارية يُقال لها: سُمانة، وقيل غير ذلك. كُنيته: أبو الحسن، أبو الحسن الثالث. ألقابه: الهادي، المتوكل، الفتاح، النقي، المرتضى، النجيب، العالم، وغيرها. تاريخ ولادته: (15) ذي الحجة، في سنة (212 هـ)، وقيل غير ذلك. محل ولادته: قرية (صريا)، وتبعد ثلاثة أميال عن المدينة المنورة. زوجاته: جارية يُقال لها: سَوْسَن، وقيل غير ذلك. أولاده: 1 ـ الإمام الحسن العسكري. 2 – الحسين. 3 – محمد. 4 – جعفر. نقش خاتمه حِفْظُ العُهُودِ مِن أخلاق المَعبُود، وقيل غير ذلك. مُدة عُمره: (42) سنة. مُدة إمامته: (33) عاماً. حُكَّام عصره: المعتصم، الواثق، المتوكل. تاريخ شهادته: (3) رجب، في سنة (254 هـ). مكان شهادته: سامراء. سبب شهادته: قُتل مسموماً في زمن الخليفة العباسي المتوكل. محل دفنه سامراء في العراق. أسلوبه: روى الصدوق قال: ((أخبرني جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى، عن أبي عليّ محمّد بن همام الاسكافي، قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا أحمد بن إسحاق بن سعد القمِّي، قال: دخلت على أبي الحسن عليّ بن محمّد في يوم من الأيام، فقلت: يا سيِّدي! أنا أغيب وأشهد، ولا يتهيّأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقول مَنْ نقبل؟ وأمر مَنْ نمتثل؟ فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعنِّي يقولُهُ، وما أدّاه إليكم فعنِّي يُؤَدِّيهِ))، فلمّا مضى أبو الحسن وصلت إلى أبي محمّد ابنه الحسن، صاحب العسكر ذات يوم، فقلت له مثل قولي لأبيه، فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي، وثقتي في الحياة والممات، فما قاله لكم فعنِّي يقوله، وما أدّى إليكم فعنِّي يؤدِّيه)). وعند المجلسي نقلا عن الإمام الهادي قوله جوابا على سؤال: من أعامل؟ وعمّن آخُذ؟ وقول مَن أقبل؟ فقال ردا على السائل: ((العمري ثقتي، فما أدّى إليك فعنّي يؤدّي، وما قال لك، فعنِّي يقول؛ فاسمعْ لَهُ وأَطِعْ، فإنّه الثقةُ المأمون)). ================== الحسن بن علي العسكري (أبو الحسن) ولد الحسن بن علي العسكري (أبو الحسن) بالمدينة المنورة سنة 202 هـ وقيل سنة 231 وقيل سنة 232 هـ وتوفي بسامراء مسموما على يد المعتمد العباسي كما هو مقرر عند الشيعة الإمامية سنة: 260 هـ وقيل سنة: 266 هـ. تولى الحسن العسكري الإمامة بحسب معتقد الشيعة الاثني عشرية خلفا لأبيه علي بن محمد الهادي وعمره 22 ربيعا، وتوفي سنة 266 للهجرة، وفي رواية أخرى لهم توفي سنة: 260 هجرية ليكون سنه 58 سنة، هذا إذا اعتمدنا سنة الولادة سنة: 232 هــ، ولكن في الكافي وكشف الغمة والمناقب روايات تحدد سنة ولادته التي كانت سنة: 202 هــ كما في المصدر التالي: ((وَوُلد الإمامُ أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ - عليهما السلام والتحيّة والإكرام - بالمدينة المحبُورة يوم الاثنين رابع ربيع الآخر سنة اثنين ومأتين من الهجرة. وقبض (ع) بسرّ من رأى يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأوّل. وروي لثمان خلون منه سنة ستّ وستّين ومأتين. وروي أيضا يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من المحرّم الحرام. ودفن إلى جانب أبيه (ع). وأمّه أمّ ولد يقال لها: حديثة رحمة اللّه عليها)).ما روي هو: لثمان خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستّين ومأتين. كما في الكافي 1: 503، والمناقب 4: 422، وكشف الغمّة 2: 402. حكاه في جامع المقال: 189. وهذا الذي تحدد بسن الولادة التي ذكرتها المصادر التي بين يديك حضرة القارئ المحترم قد فتح بابا من التكذيب لا يسد أبدا، وقد مر معنا ولا بأس من تكراره وهو أن الحسن العسكري ولد علي الهادي أكبر من أبيه، الإبن أكبر من والده. وكان له أخ يدعى جعفر اتهموه بالوشاية بأخيه، ينقل أخباره إلى القصر، وكان القصر يترقب خلفا له، وكان جعفر هذا يعرف ذلك ولما ولد محمد؛ الإمام المهدي المنتظر لم يوش به، ولم ينقل أخباره للخليفة، وقد فسروا ذلك بطمعه في خلافة الحسن العسكري ما دام لم يعلن في الناس أن له ولدا، والسؤال الكبير هو: هل كان فعلا للحسن العسكري ولد؟ وإذا كان الجواب لا، فقد زعموا أن جثمان الحسن حين قام الناس للصلاة عليه يتقدمهم أخوه جعفر انسل من بين الناس صبي أسمر اللون فأمسك بثوب عمه وقال له: ((تأخر يا عم فأنا أحق منك بالصلاة على أبي)). يذكر أن جده من جهة أم جده جعفر الصادق هو أبو بكر الصديق. أسلوبه: الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. أمُّه: جارية يُقال لها: سَوْسَن، وقيل غير ذلك. كُنيته: أبو محمد. ألقابه: العسكري، السراج، الخالص، الصامت، التقي، وغيرها. تاريخ ولادته: ربيع الأول 232 هـ، وقيل غير ذلك. محل ولادته: المدينة المنورة. زوجاته: جارية يُقال لها: نَرْجِس. أولاده: له ولد واحد، وهو الإمام محمد المهدي الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه. نقش خاتمه: سُبحان مَنْ له مَقَالِيد السموات والأرض وقيل غير ذلك. مُدة عُمره: 28 سنة. مُدة إمامته 6 سنوات. حُكَّام عصره: المتوكِّل. المنتصِر. المستعِين. المعتَز. المهتدِي. المعتمِد. تاريخ شهادته: 8 ربيع الأول 260 هـ، وقيل غير ذلك. مكان شهادته سامراء وبها ضريحه. سبب شهادته: قُتل مسموماً في زمن الخليفة المعتمد العباسي. محل دفنه: سامراء. لمّا بلغ الحسن العسكري السنة الثانية من عمره وجهت إلى أبيه علي الهادي دعوة من الخليفة العباسي المتوكل للانتقال إلى العراق والإقامة عنده، فقد أنزله وأهله مدينة سامراء في بيت يحيط به العسكر، ومن الموقع الذي نزلاه أخذا لقب العسكريين. وله كتب وصلت إلى أيدينا كلاما مزعوما مجرد كلام مزعوم ولم تصل إلينا فعلا ولا أحد عبر التاريخ أظهر كتابا واحدا منها كوثيقة مثلها مثل جميع التوقيعات المزعومة من أئمة الشيعة الإمامية لوكلائهم المفترضين، وهي كتب نقلها من زعم أنها منهم ومن توقيعهم، من ذلك مثلا كتاب نهج البلاغة المنسوب لعلي بن أبي طالب، وفقه الرضا المنسوب للرضا، ومن التواقيع كتاب للصدوق أبو جعفر محمد بن بابويه القمي (الصدوق الثاني فأبوه هو الصدوق الأول)، فقد زعم أن له كتابا موقعا من طرف الإمام الحسن العسكري، وهو كما يلي: ((بسم اللّه الرحمن الرحيم، الحمد للّه ربّ العالمين، والصلوة على خير خلقه محمّد وآله أجمعين. «أمّا بعد: أُوصيك يا شيخي ومعتمدي أبا الحسن علي بن الحسين القمّي، وفّقك الله لمرضاته، وجعل من صلبك أولاداً صالحين برحمته، بتقوى الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة... وعليك بصلاة الليل، فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أوصى عليّاً (عليه السلام) فقال: "يا علي، عليك بصلاة الليل"، ثلاث مرّات، ومن استخفّ بصلاة الليل فليس منّا، فاعمل بوصيّتي، وأمر جميع شيعتي حتّى يعملوا عليه. وعليك بالصبر وانتظار الفرج، فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أفضل أعمال أُمّتي انتظار الفرج، ولا يزال شيعتنا في حُزن حتّى يظهر ولدي الذي بشّر به النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً. فاصبر يا شيخي وأمر جميع شيعتي بالصبر، فإنّ الأرض لله يُورثها مَن يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين، والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا، ورحمة الله وبركاته». يلاحظ هنا أن الكتاب المزعوم والمنسوب للحسن العسكري هو للصدوق الأول لأنه هو الذي يكنى أبا الحسن وهو علي بن الحسين بن بابويه القمي، بينما يفهم الكتاب من الوهلة الأولى أنه للصدوق الثاني أبو جعفر وهو ليس كذلك، ودعونا نتجاوز فنقول أن الإبن له كتاب من الحسن العسكري لأبيه قد احتفظ به، ثم أذاعه في الناس لتعلم منزلة أبيه عند الإمام الحسن وبالتالي يتميز عند الشيعة، ليكن ذلك وهو غير كائن قطعا، ولكن الإشكال هو أن الصدوق الأول ولد في القرن الثالث الهجري قبل سنة: 250 هـ كما في بعض مصادرهم، صحيح أنه لا يعرف تاريخ ميلاده ولكنهم مجمعون على أنه ولد قبل سنة: 250 هـ، ومعنى ذلك أنه حين تسلم الكتاب كان عمره بافتراض أنه من مواليد سنة: 250 هـ هو 10 سنوات لأن الحسن العسكري من وفيات سنة: 260 هـ، وإذا هبطنا في ميلاده بسنة واحدة فسيكون عمره 9 سنوات وإذا تعمقنا أكثر فسننقص من عمره إلى أن نعدمه بعشر سنوات، أو نبقي عليه صبيا يتلقى كتابا من الحسن العسكري وهذا غير معقول، فهل إلى سبيل من جبر هذا الخلل؟ الجواب لا لأن الكذب أصل من أصول التشيع، الكذب أصل من أصول دينهم فلا بد إذن أن تجد ما يفضحهم من خلال أقوالهم وتخريفاتهم. وبالنظر إلى قوله: "أفضل أعمال أُمّتي انتظار الفرج" يتبين أنه ليس من قول الحسن العسكري لأن الحسن العسكري ليس شيعيا حتى يتبنى مثل ذلك القول، وفي روايات أخرى أنه كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه، صحيح أن الفرَج لا يطلب إلا عند الضيق والكرب، وطلبه بالدعاء عبادة، وانتظاره ليس عبادة، فالمسلم لا ينتظر الفرَج، بل يسعى إليه حتى يلحقه وذلك بالأخذ بالأسباب والمسببات، والدعاء يدخل كل حركة من حركاته، فالمسلم لا يتكل ولا ييأس ولا ينتظر ولا يجمد أو يتوقف عن الحركة التي تتطلبها الحياة للخروج من الضيق والكرب، بل يتحرك ويتحرك وهو يرجو الفرج ويعتقد أنه آت لا محالة لأن مع العسر يسرا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال: ((سبحان الله العظيم)) وإذا أجتهد في الدعاء قال: ((يا حي يا قيوم)). رواه الترمذي. وفي أفضل الأعمال جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة ـ حتى يثبتها له ـ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما، وحسنه الألباني. انظر إلى المريض ألا ينتظر الفرج الذي هو الشفاء؟ أليس الشفاء من الله تعالى؟ ولكن ألا يسعى المريض ويسعى معه أهله لجلب الدواء والعرض على الأطباء؟ هل يُنْتظر الفرج دون الأخذ بالأسباب والمسببات؟ هذه الأفعال إذا نظرنا إليها ووجدناها وقال أهلها أنهم ينتظرون الفرج صحّ انتظارهم، أما إذا انتظروا الفرج دونما ذُكِر كان كلاما خاويا يدل على جهل، هذا مع أن أفضل الأعمال ليس انتظار الفرج، بل إدخال السرور على قلب المسلم وغيره مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما انتظار الفرج وكونه أفضل الأعمال فلم يصح شرعا وهو عقلا غير معقول. وورد كتاب من الحسن العسكري على الشيخ المفيد (336 هـ ـ 413 هـ) أبي عبد الله محمّد بن محمد بن النعمان الحارثي وهو: ((بسم اللّه الرحمن الرحيم. أمّا بعد سلام عليك أيّها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين. فإنّا نحمد إليك اللّه الّذي لا اله إلّا هو، ونسأله الصلاة على سيّدنا ومولانا نبيّنا محمّد وآله الطاهرين، ونعلمك - أدام اللّه توفيقك لنصرة الحق. وأجزل مثوبتك على نطقك منا بالصدق - أنّه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤدّيه عنّا إلى موالينا قبلك - أعزّهم اللّه بطاعته، وكفاهم الهمّ برعايته وحراسته - فقف - أمدّك اللّه بعونه على أعدائه المارقين - عن دينه على ما نذكره، واعمل في تأديته بما نرسمه إن شاء اللّه تعالى. نحن وإن كنّا ناءون بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب ما أراناه اللّه سبحانه لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الفاسقين فإنّا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالأزل الّذي أصابكم. مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شائعاً (33) سعاً، ونبذوا العهد المأخوذ منهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. أنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأدواء. واصطلحكم الأعداء. فاتّسق اللّه جلّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حتم أجله، ويحمى عنها من أدرك (أمله) وهي أمارة لأروف (وجدتها هكذا في عدة مصادر) حركتنا ومناقشتكم بأمرنا ونهينا. واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون. فاعتصموا بالتقيّة من شبة نار الجاهليّة تجششها عصبة أموية، تهول فيها فرقة مهديّة، أنا زعيم بنجاة من لم يرم منكم فيها المواطن الخفيّة. وسلك في الظعن منها السبل الرضية. إذا أهلّ جمادى (الأولى) من سنتكم هذه، فاعتبروا بما يحدث فيه. واستيقظوا من رقدتكم في الّذي يليه. ستظهر لكم من السماء جليّة. ومن الأرض مثلها بالسويّة ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد على أرض العراق طوائف من الإسلام مرّاق يضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق، ثمّ تنفرج الغمّة من بعد بوار طاغوت من الأشرار، يسرّ بهلاكه المتّقون الأخيار. ويتّفق لمريدي الحج ما يأملونه على توقير منهم وإيفاق. ولنا فنيسر حجّهم على الأخيار والفاق (34). شأن يظهر على نظام واتّفاق، ليعلمه كلّ امرء منكم بما يقرّبه من محبّتنا. وليجتنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا. فإنّ أمرنا ينبعثه فجأة حين لا ينفعه توبة، ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة. واللّه يلهمكم الرشد ويلطف بكم في التوفيق برحمته. هذا كتابنا إليك أيّها الأخ الولي، المخلص في وُدّنا الصفيّ، الناصر لنا الوفيّ، حرسك اللّه بعينه الّتي لا تنام. فاحتفظ به، ولا يظهر على خطّنا الّذي سطرناه بما ضمّناه أحدا، وأدّ ما فيه إلى من تسكن إليه. وارض جماعتهم بالعمل عليه. إن شاء اللّه تعالى. وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين)). فائق المقال في الحديث والرجال لمهذّب الدين أحمدبن عبد الرضا البصري. هذا الكتاب هو للشيخ المفيد من الحسن العسكري، طيّب ولكن الحسن العسكري من مواليد سنة: 202 هـ ووفاته سنة: 260 هـ بينما الشيخ المفيد ميلاده سنة: 336 هـ وقيل 338 هـ ووفاته عند النجاشي والمجلسي سنة: 413 هـ وعند الطوسي سنة: 410 هـ ومهما يكن من أمر الوفاة فإن الفرق بين وفاته ووفاة الحسن العسكري باعتماد سنة الوفاة الأولى هو: 153 سنة فكيف كتب له كتاب؟ والفرق بين ولادة الحسن العسكري وولادة الثاني هو: 134 سنة، فكيف كتب ل كتابا؟ والفرق بين ولادة الإمام ووفاة المفيد هو: 211 سنة، فكيف كتب له كتاب؟ والفرق بين ازدياد المفيد ووفاة الحسن العسكري هو: 76 سنة أي أن المفيد حين ولد كان الحسن العسكري في قبره وقد مضى عليه فيه 76 سنة، فكيف كتب له كتابا؟ ومهما حاولت الخروج بحل للإشكاليات التي وجدت في كتب الشيعة المعتمدة فلن تُوفَّق فكيف لم يفطن الدجاجلة لهذا الخلط البغيض المُضلِّ للناس؟ كيف يخاطب ميِّتٌ ميِّتاً ويقول له لا تعزب عنا أخباركم؟ الحسن ميت والمفيد في الغيب لم يَزْدَد بعد، وعليه فالكتاب يقول بالأحجية ولا بأس، فجحا حين أراد أن يتّجر فتح لنفسه دكانا ولكن فتحه له كان خلف الدار لا يراه راء ولا يمر عليه مار، وحين اطلع عليه قريبٌ له استغرب لذلك وأشفق على تجارته من الفساد وخشي عليها من البوار فقال جحا وقد تفطن له: بضاعتي من الماركة المسجلة تحت اسم الشيعة، والشيعة زبنائي فكلهم يعلم بمكان دكاني وأنا أستقبلهم سرا لا يعرف ذلك إلا هم وفي ذلك استفراد بهم ويكفيني ذلك وقد نفذت تجارتي فجلبت ترابا مخلوطا بفضلات الخفافيش أبيعه لهم زعمت أنه من تربة كربلاء تجلب لهم السعد وتزيل عنهم الهم والحزن فإذا أذابها الشيعي في الماء وشربه لن يظمأ أبدا ولن يجوع أبدا ولن يعرى أبدا حتى الفاقة لن يعرفها أبدا، أبيعها لهم وهي غالية جدا. بينما جحا في حديث مع صهره دخل سمعهما صوت فاعل الخير فانتبها فإذا هو إبليس قال لجحا: هل تقبل مني نصيحتي؟ قال جحا: لا تُقْبل النصيحة من الشيطان. قال إبليس: لن أكذبك اليوم. ـــ طيب إذا كانت نصيحتك غير ما أخذتها من الشيطان الإنسي فسأقبلها منك، وإن لم تكن رفضتها. ـــ بم أشار عليك شيطانك الإنسي؟ ـــ نبَّهني إلى أن هناك روايات تصلح كل واحدة منها أن تكون مشروعا لتنمية ثروتي. ـــ في وسط من يقولون أن "بيوتنا عورة وما هي بعورة"، في وسط من إذا "سُئلوا الفتنة أتَوْها وما تلبَّثوا إلا يسيرا" في وسط من يقولون "غرَّ هؤلاء دينُهم" أليس كذلك؟ ـــ كيف عرفت؟ ـــ كيف لا أعرف وهم شيعتي؟ ـــ أليس يزعمون أن قبر الحسين في القاهرة؟ ـــ بلى. ـــ أليس يزعمون أن له ضريحا آخر بسفح جبل الجوشن غربي حلب بسوريا وبه رأسه؟ ـــ بلى. ـــ أليس يزعمون أن له ضريحا ثالثا بدمشق؟ ـــ بلى. ـــ أليس يزعمون أن له ضريحا رابعا بالحنانة بين النجف والكوفة؟ ـــ بلى. ـــ أليس يزعمون أن له ضريحا خامسا بالمدينة المنورة عند قبر أمه؟ ـــ بلى. ـــ أليس يزعمون أن له ضريحا سادسا بالنجف بجوار قبر أبيه علي؟ ـــ بلى. ـــ أليس يزعمون أن رأسه يعود إلى جسده؟ ـــ بلى. ـــ إذن ننشئ فرقا كل فرقة تنشئ حُسَيْنِية عند القبر الذي زعمت أن به شيئا من رفات الحسين تستأثر به وتبيع تربته وما أسهل الإتيان بروايات تزعم أفضلية البقعة التي اختارتها الفرقة عن سائر الأمكنة بما فيها مكة والمدينة. طرفت عين جحا وعند فتحها افتقد الشيطان فقد اختفى دون استئذان وغار في صدور الشيعة فرحا بكيد شياطين الإنس. والشيخ المفيد من المُنَظِّرين للفكر الشيعي بعد الكليني والكذوب الأول (الصدوق الأول) والكذوب الثاني (الصدوق الثاني)، وله تلامذة منهم من خلفه في التنظير كالشيخ الطوسي محمد بن الحسن، والشريف المرتضى علي بن الحسين، ومنهم من تبعه وكان تلميذا له دون مستوى التنظير منهم محمد بن الحسن النجاشي وعلي بن الحسن الكراجَكي.. ويذكر أن الخط الذي كانت تخرج به الكتب والتوقيعات للحسن العسكري هو هو الذي خرجت به كتب وتوقيعات الإمام محمد بن الحسن العسكري. وعلى الرغم من حبسه في سجون العباسيين ونقله من سجن إلى آخر ومنعه من ألا يلتقي بأنصاره من شيعته وضرب حصار شديد عليه حتى تسميمه كما تذكر مصادرهم ليتم نقله بعد التسميم إلى داره التي لم تخل من مراقبة وحصار كما يقولون، فقد زعموا أن كتابا قد خرج من الحسن العسكري من سجنه يقول فيه: (زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل وقد كذّب الله قولهم، والحمد لله). وصرح لأمه في فراش الموت متنبئا يقول: ((تصيبني في سنة ستين ومائتين حرارة أفاقة أنكب منها نكبة..)). وقال لأمه بعد أن أنبأها بخبر موته وشرعت تبكي: ((لابد من وقوع أمر الله لا تجزعي)). لحسن الحظ أن أولئك الدجاجلة لم يكونوا في عصرنا حتى يستغلوا ما انكشف للناس من علوم تجريبية في الكيمياء والفلك والجيولوجيا والفيزياء وغيرها، فلو كانوا كذلك لعمدوا إلى استغلالها ولكانت المصيبة أعظم، لحسن الحظ أنهم كانوا يزعمون لأئمتهم علم الغيب ولكن الغيب الذي زعموه لهم لم يتحقق قط. ومن أقواله أيضا: ((أعرف الناس بحقوق إخوانه، وأشدّهم لها قضاءً، أعظمهم عند الله شأناً. ومن تواضع في الدنيا لإخوانه، فهو عند الله من الصدّيقين، ومن شيعة عليّ بن أبي طالب حقّاً)). ومن إخباره بالمغيبات قال فيما يروي الشيخ الصدوق قال: ((حدّثنا أبو الأديان قال: كنتُ أخدم الحسنَ بن عليّ (العسكريّ) عليه السّلام وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلتُ عليه في علّته الّتي تُوفّي فيها صلوات الله عليه، فكتب معي كتباً وقال: إمضِ إلى المدائن؛ فإنّك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سُرّ مَن رأى (سُرَّ مَن رأى مدينة عراقية قديمة سماها الخليفة العباسي المعتصم، أي بمعنى أن من رآها أدخلت السرور على قلبه، أو سُرّ لرؤيتها وهي مدينة سامراء اليوم وبها توفي الحسن العسكري) يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المُغتسَل. قال أبو الأديان: فقلت: يا سيّدي، فإذا كان ذلك، فمَن؟ قال: مَن طالَبَك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي، فقلت: زِدْني، فقال: مَن يصلّي علَيّ فهو القائم بعدي، فقلت: زدني، فقال: مَن أخبر عمّا في الهِميان. دعونا نقف بسرعة قبل أن نستأنف سرد كلام الراوي، نقف على قوله: "إمضِ إلى المدائن؛ فإنّك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سُرّ مَن رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المُغتسَل" تنبه حضرة القارءئ المحترم لهذا الكلام، يأمره الحسن العسكري بالذهاب إلى المدائن ويعين له غيبة بخمسة عشر يوما ويدخل سُرّ من رأى ويسمع الواعية في دار الحسن العسكري، كل ذلك يسير عطفا على عطف دون توقف أو تراخ، هذا الكلام معناه مخالف للواقع الذي أريد له أن يُصوَّر للسامع أو القارئ، فمعناه لغة ستذهب إلى المدائن وستدخل إلى سامراء وستسمع الواعية في داري، أي أن الحسن العسكري حين طلب من خادمه أن يذهب بكتبه إلى المدائن لم يكن هو في سامراء، بل كان في غير سامراء ولكن بغيبة خمسة عشر يوما لخادمه وغيبة الحسن العسكري عن سامراء من دون تقدير مدتها سيعود الحسن إلى بيته بسامراء ليجده خادمه فيه بعد عودته من المدائن على المغتسل، سيدخل الخادم إلى سامراء بعد أن ينتهي من تبليغ كتب الحسن العسكري إلى المدائن، هذا الكلام تقتضيه الألفاظ العربية الموضوعة له، ولكنها ليست هي المقصودة إذ المقصود أن يعود الخادم إلى سامراء لأن سامراء هي منطلقه إلى المدائن، وسيعود الحسن أيضا إلى سامراء لأنه قد كلفه بحمل كتبه بحسب الجمل والسياق في غير سامراء، فكانت صياغة الجمل صياغة ركيكة تالفة للمعنى المراد. وخرجتُ بالكتب إلى المدائن وأخذتُ جواباتها، ودخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي عليه السّلام، فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به على المغتسَل، وإذا أنا بجعفر بن عليّ أخيه بباب الدّار، والشّيعة مِن حوله يُعزّونه ويُهنّئونه، فقلت: إن يكن هذا الإمام فقد بَطَلَت الإمامة! فتقدّمت، فعزّيتُ وهنّيت فلم يسألني عن شيء، ثمّ خرج عقيد (الخادم) فقال لجعفر: يا سيّدي، قد كُفِّن أخوك فقُم للصلاة عليه، فدخل جعفر والشّيعة من حوله.. فلمّا صرنا في الدّار إذا نحن بالحسن بن عليّ (العسكري) صلوات الله عليه على نعشه مكفّناً، فتقدّم جعفر ليصلّي على أخيه، فلمّا هَمّ بالتّكبير خرج صبيٌّ بوجهه سُمرة بشَعره قَطَط بأسنانه تفليج، فجذب رداءَ جعفر بن عليّ وقال: يا عمّ تأخَّرْ؛ فأنا أحقُّ بالصّلاة على أبي. فتأخّر جعفر وقد اربدّ وجهُه واصفرّ، فتقدّم الصبيّ فصلّى عليه، ودُفن إلى جانب قبر أبيه (الهادي) عليهما السّلام. ثمّ قال (الصبيّ): يا بصريّ، هاتِ جوابات الكتب التي معك. قال أبو الأديان: فدفعتُها إليه، وقلت في نفسي: هذه اثنتان، بقيَ الهِميان. ثمّ خرجتُ إلى جعفر بن عليّ وهو يَزفُر... فنحن جُلوسٌ إذ قَدِم نفرٌ من قم فسألوا عن الحسن بن عليّ صلوات الله عليه، فعرفوا موته فقالوا: فمَن نُعزّي؟ فأشار النّاس إلى جعفر، فسلّموا عليه وعَزَّوه وهنّأوه وقالوا: إنّ معنا كتباً وأموالاً، فتقول ممّن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: يريدون منّا أن نعلم الغيب! فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلانٍ وفلانٍ وفلان، وهِميانٌ فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مَطْليّة. فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجّه بك لأجل ذلك هو الإمام.. (كمال الدّين وتمام النّعمة للشّيخ الصّدوق 475 ـ 476)). هل تستسيغ مثل هذه القصة حضرة القارئ المحترم؟ هل تستسيغها في الدين؟ هل نحن مع قصاصين مبتدئين يتعلمون فن القص ليجعلوا منه دينا؟ ما هذه الترهات؟ قصة لا يقبلها صاحب الذوق الأدبي لبنائها الضعيف ولغتها الركيكة فكيف إذا اعتبرت من الدين وقرأها صاحب الذوق الشرعي والفقهي والعلمي الذي لا يقبل في الغيب إلا أدلة نقلية قطعية يوافقها العقل البشري السليم؟ ((عن محمّد بن عبد الله المطهّري، عن حكيمة بنت محمّد الجواد عليه السّلام وقد سألها عن حديث مولد الإمام المهديّ عليه السّلام، فقالت: لقد رأيتُه قبل مضيّ أبي محمّد (الحسن العسكري عليه السّلام) بأيّامٍ قلائلَ فلم أعرفه، فقلت لأبي محمّد عليه السّلام: مَن هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال عليه السّلام: هذا ابنُ نرجس، وهو خليفتي مِن بعدي، وعن قليلٍ تفقدوني فاسمَعي له وأطيعي. قالت حكيمة: فمضى أبو محمّد عليه السّلام بعد ذلك بأيّامٍ قلائل، وافترق النّاس كما ترى، وواللهِ إنّي لأراه صباحاً ومساءاً وإنّه لَيُنبّئني عمّا تسألوني عنه فأُخبركم، وواللهِ إني لأريد أن أسأله عن الشّيء فيبدأني به..)) كمال الدّين وتمام النّعمة للصّدوق 426 / ح 2. وقال لجماعةٍ من أنصاره: ((أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برٍّ أو فاجر، وطول السّجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمّد )). وقال: ((ليس العبادة كثرة الصلاة والصيام، وإنّما هي كثرة التّفكر في أمر الله. بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه شاهداً ويأكله غائباً.. الغضب مفتاح كلّ شرٍّ. وأقلّ الناس راحةً الحقود. وأزهد الناس من ترك الحرام. من يزرع خيراً يحصد غبطةً، ومن يزرع شرّاً يحصد الندامة، قلب الأحمق في فمه، وفم الحكيم في قلبه. وقال: ((خصلتان ليس فوقهما شيء: الإيمان بالله ونفع الإخوان)). وقال: ((عثمان بن سعيد وابنه ثقتان، ـ الوكيل الأول وابنه الوكيل الثاني ـ فما أدّيا فعنّي يُؤدّيان، وما قالا فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنّهم الثقتان المأمونان)). عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري وأنا أريد أن أسأله عن الخلف مِن بعده، فقال لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق، إنّ الله تبارك وتعالى لم يُخَلِّ الأرضَ منذ خلق آدمَ عليه السّلام ولا يُخلّيها إلى أن تقوم الساعة من حُجّة الله على خَلْقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه يُنزّل الغيث، وبه يُخرِج بركاتِ الأرض. قال: فقلت: يا ابن رسول الله، فمَن الإمامُ والخليفة بعدك؟ فنهض عليه السّلام مسرعاً فدخل البيت (أي الحجرة) ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر، مِن أبناء ثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق ــ ""أحمد بن إسحاق هذا هو أحمد بن إسحاق بن عبداللّه الأشعري، أبو عليّ القمّي، كان وافد القميّين، وخاصّة الإمام أبي محمّد(ع)، ورأى صاحب الأمر صلوات اللّه عليه كما يذكر صاحب كتاب: فائق المقال في الحديث والرجال في فصل من اعتُمِد على رواياتهم، وهو غيرأحمد بن إسحاق الرازي، الذي كان من وكلاء القائم كما يزعمون وقد روى الكشّي ما يدلّ على اختصاصه بالجهة المقدّسة أي بالقائم محمد بن الحسن العسكري" ـــ أسوق بين يديك حضرة القارئ المحترم خيوط اللعبة لتوصلك إلى مصدرها فهذان الدجّالان من رواتهم لا يختلفان عن الدجاجلة الآخرين الذين يخترعون الأكاذيب فروونها عن آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ""ـــ لولا كرامتُك على الله عزّ وجلّ وعلى حُججه، ما عَرَضتُ عليك ابني هذا، إنّه سَميُّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وكَنيُّه، الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظُلماً. يا أحمد بن إسحاق، مَثَلُه في هذه الأُمّة مَثَل الخضر عليه السّلام، ومثَلُه مَثَل ذي القَرنَين، واللهِ لَيَغيبنّ غَيبةً لا ينجو فيها من الهَلَكة إلاّ مَن ثَبَّته اللهُ تعالى على القول بإمامته، ووفّقه للدعاء بتعجيل فَرَجِه. قال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي، فهل من علامةٍ يطمئنّ إليها قلبي؟ فنطق الغلام بلسانٍ عربيٍّ فصيح فقال: أنا بقيّةُ الله في أرضه، والمنتقم مِن أعدائه، فلا تَطلُبْ أثَراً بعدَ عين يا أحمد بن إسحاق. قال أحمد بن إسحاق: فخرجتُ مسروراً فَرِحاً، فلمّا من الغد عُدتُ إليه فقلت: يا ابن رسول الله، لقد عَظُم سروري بما مَنَنتَ به علَيّ، فما السُّنّةُ الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: طولُ الغَيبة يا أحمد. فقلت له: يا ابنَ رسول الله، وإنّ غيبته لَتطول؟ قال: إي وربّي، حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثرُ القائلين به، فلا يبقى إلاّ مَن أخذ اللهُ عهدَه بولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان وأيدّه بروحٍ منه.. (كمال الدّين وتمام النّعمة للشّيخ الصّدوق 384 / ح 1 ـ وعنه: بحار الأنوار للشّيخ المجلسيّ 23:52 / ح 16. قَلِّبْ حضرة القارئ المحترم زعم أحمد بن إسحاق الأشعري لتكتشف الحيلة في إثبات خَلَفٍ للعسكري، انظر كيف سقط الدجال في الكذب بقوله: ((لولا كرامتُك على الله عزّ وجلّ وعلى حُججه ما عَرَضتُ عليك ابني هذا)). الكلام يشي بما يشي ويثبت وجود شك في إثبات خلف للعسكري وهي الحقيقة، لأن الحسن لم يخلِّف ولدا ولكن خَلْقَ خَلَفٍ له يحتاج إلى إثبات، فكان الإثبات لا يستقيم مع حقائق التاريخ وفضائح السياق، وعليه احتاج الأمر لوضع أكاذيب وخلق روايات تقيم كذبا مهترئا لا يمكن أن يقام إلا في عقول البلهاء، لم أرد مناقشة كرم الدجال على الله وكيف عُرِف في غياب الوحي بعد إثبات مصداقية من يوحى إليه، لم أرد مناقشة هذا لأنه داخل في معرفة الغيب وقد ناقشته سابقا. وروى الكليني عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ شَكَوْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) الْحَاجَةَ فَحَكَّ بِسَوْطِهِ الْأَرْضَ قَالَ وَأَحْسَبُهُ غَطَّاهُ بِمِنْدِيلٍ وَأَخْرَجَ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَ: ((يَا أَبَا هَاشِمٍ خُذْ وَأَعْذِرْنَا)). الكافي ج 1 ص 507. داود بن القاسم بن إسحاق بن عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب، أبو هاشم الجعفري، هذا الرجل يقولون عنه أنه كان عظيم الشأن، جليل المنزلة، شريف القدر عند الأئمّة، ويزعمون أنه قد شاهد الرضا والجواد والهادي والعسْكري وصاحب الأمر، وقد روى عنهم كلّهم (الفهرست: 276/124، رجال النجاشي: 411/156، خلاصة الأقوال: 390/142) ـــ ""خذ حضرة القارئ المحترم قلما وورقة وحاول أن توفق بين هذه التواريخ: تارخ ازدياد علي الرضا سنة: (148 هـ وتوفي سنة: 203 هـ)، محمد الجواد (195 هـ ــ 220 هـ)، الحسن العسكري 202 هـ ــ 260 هــ)، محمد بن الحسن 255 ــ لم يمت بعد بحسب زعمهم) وانظر إلى راوي الرواية وهو الكليني فقد توفي سنة: 329 هـ ولا يعرف تاريخ لولادته، المهم خذ هذه التواريخ وحاول أن تستخلص منها ما يفيد ويجبر الاعوجاج ويقيم الأود ولا تنسى أن تستقطع من حياة الكليني 20 سنة لتأليفه كتابه: الكافي، وسنين لتعلمه ونضجه، كما لا تنسى عمر الراوي وافرض له عمرا معقولا، وأخيرا لا تنسى أن الرضا لم يصر إماما يفتي للشيعة ويدير لهم دينهم إلا بعد وفاة والده موسى الكاظم سنة: 183 هــ وعند وفاته كان الرضا قد بلغ من العمر 35 عاما، وابدأ من تاريخ تسلم الرضا الإمامة، ابدأ من سنة: 183 هــ سنة وفاة الكاظم وولاية الرضا ولا تتردد في طي قرن ونصف زد عليه أو اقص منه فلن تقيم أودا ولن تجبر اعوجاجا ولن تجد صدقا في روايات الشيعة واعلم أن ما وافق الحق يسوقونه قصدا للتورية ـــ""، وهو من سفراء الصاحب، وأحد الأبواب المعروفين الّذين لاتختلف الاثني عشرّية فيهم، هذا الراوي الذي يروي عنه الكليني هذه الرواية يزعمون أن نسبه ينتهي إلى آل جعفر وهم من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذين حرموا الصدقة وهم كما غيرهم إلا أبناء فاطمة وتحديدا من عيّنوهم تشهِّيا منهم ولم يعينهم شرع الله؛ غير مقبولين عند الشيعة في الإمامة، هذا واضح لا غبار عليه، ولكنهم يروون عنهم، طيّب، ولكن من المعلوم أن آل بيت النبي ممن عينهم النبي كونهم من آل بيته هم مسلمون مؤمنون موحدون لا يشركون مع الله أحدا، ولا يزعمون معرفة الغيب، ولا يأتون بالخوارق لاستحالتها، ولا يدّعونها لكذب من يزعمها، فكيف ينسب إليه ما ذكر؟ فإما أن يكون النسب لمجرد التورية حتى تُقبل روايته وهي غير مقبولة لدى كل عاقل، وإما أنهم قد كذبوا عليه، وما أكثر كذبهم على الأئمة فكيف بمن هم دون الأئمة بحسب زعمهم؟ أظن إذا اشتكى أيّا كان وجعا وتقدم إليه يشكوه وجعه دون الله تعالى فسيحكّ بعصاه على مكان الوجع فيزول، وإذا طُعن أحد في قلبه بسيف أو رمح وفار الدم وجرى النزيف وتقدم إليه لإيقاف النزيف فسيتوقف، وإذا قدم ملك الموت لقبض روح عبد لا يريد الموت إلا بإرادته كما هو مقرر عند الأئمة بحيث يموتون بإرادتهم صُدّ ملك الموت ورُدّ ومنع حصول الموت، وإذا شكا أحد عقما رفعه عنه، وإذا شكا طاعونا شفاه منه وهكذا فلا شيئ يقف في وجه كرامات الأئمة ومعجزاتهم التي لا تصلح إلا للتسلية والمتعة العاطفية في كتب الأدب مثل رائعة ألف ليلة وليلة شرط ألا تأتي بشيئ مخالف للإسلام. =========================== محمد بن الحسن (أبو القاسم) ولد محمد بن الحسن (أبو القاسم) سنة 255 هـ وقيل سنة 256 هـ، أما وفاته فغير واردة لأنه بمعتقد الشيعة الإمامية لا يزال حيا إلى يومنا هذا وإلى أن يأذن الله بظهوره، وسيظهر، ثم يموت كعيسى عليه السلام. تولى الإمامة خلفا للحسن العسكري؛ المهدي المنتظر صاحب الأمر والزمان محمد بن الحسن وهو ابن 11 ربيعا. إن تولي الإمامة من طرف محمد بن الحسن العسكري وهو ابن أحد عشر ربيعا لا يستقيم مع القول بأن أباه مات وهو في سن الخامسة ليتولى الإمامة مباشرة منه كما أسلفنا، هذا التقدير تنقصه الفطنة والحساب الدقيق لأنه يكشف تناقضات لن تنتج سوى الشك، ثم الارتياب فالتكذيب. والإمام صاحب الزمان في معتقد الشيعة الإمامية لا يزال يحيى وقد عمّر أكثر مما عمر نوح في دعوته وآدم في حياته وصار عمره بتاريخ كتابة هذه العبارات 1180 سنة إلى أن يظهر في زمن هو قادم ليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا حسب معتقدهم المشفاق. لقد تحدثنا عن أطفال تولوا إمامة الشيعة الإثني عشرية وليس لنا إلا أن نلحقهم بمن زعموا في حق محمد العسكري صاحب الأمر والزمان الداخل في الغيبة الكبرى؛ المهدي المنتظر، إذ قد نظروا إليه نظرة القرآن لنبي الله يحيى بن زكريا على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، ليس لنا إلا أن نلحق الأطفال الإماميين بالطفل محمد العسكري ونجري عليهم ما أجروه على مهديهم المزعوم حتى يكونوا ناضجين لحاجة الشيعة إلى علمهم وفقههم وتوجيهاتهم.. وورد عنه أنه يعلم الغيب، وقد ((رُوي عن الحسن بن جعفر القزويني قال: مات بعض إخواننا من أهل "فانيم" مِن غير وصيّة، وعنده مالٌ دَفين لا يعلم به أحدٌ من ورثته، فكتب إلى النّاحية يسأله عن ذلك، فورد التّوقيع: المال في البيت في الطّاق، في موضع كذا وكذا، وهو كذا وكذا. فقُلع المكان وأُخرج المال)). عيون المعجزات للشّريف المرتضى 144 ـ 145. و((رُوي أنّ عليّ بن زياد الصَّيمري كتب يسأل كفناً فكتب صلوات الله عليه إليه: إنّك تحتاج إليه في سنة ثمانين. وبعث إليه بثوبين، فمات رحمه الله في سنة ثمانين (أي بعد المائتين). (عيون المعجزات للشّريف المرتضى 146، الكافي للكليني 524:1 / ح 27 ـ)). علم الغيب من طرف الأئمة معتقد شيعي يدل على خلل عقلي وفي أحسن الأحوال يدل على غياب العقل عند تصديق المرء هذه الخرافات وقد تحدثنا بإطناب عن علم الغيب فلا داعي لإعادته مرة أخرى. الخلاف في تاريخ الازدياد والوفاة للحسن العسكري و(ولده) محمد العسكري سواء استقر الأمر بنا على خمس سنين هي عمر محمد عندما تولى الإمامة، أو إحدى عشرة سنة عندما تولاها من تقدير آخر فسنضطر إلى الخوض في التناقضات التي لن تنتهي إلى صواب. وبالعمل العلمي الرصين لإثبات شخصية محمد بن الحسن العسكري نصل إلى نفي وجوده أصلا، ولكن علماء (نصّابين) شيعة قرروا وجوده أولا ثم شرعوا يبحثون له عن دليل يقيم نظريتهم فأخفقوا في التوثيق والتحقيق فالتجأوا إلى أدلة أخرى كالعقل، فالمفيد يعتقد أن الدليل العقلي يقتضي وجود الإمام وهذا ينفيه نفس الدليل العقلي لأنه لا يوجد أثر لما يراد له أن يثبت بالدليل العقلي، انظر إلى الكون والطبيعة واستدلّ على خالقها بالدليل العقلي فستصل لأنك أمام أثر، وأما مخلوقات الله عز وجل فلم يزعم أحد أنه خالقها حتى ينازعه فيها، فكان الله تعالى هو خالقها وكانت هي من خلقه وصنع يده، واسْتَدِلّ أيضا على صانع أداة من أدواتك التي تستعملها أو يستعملها غيرك فستنتهي إلى أنها أثر لمن صنعها وتستدل بذلك على وجوده، بينما في إثبات شخصية محمد بن الحسن العسكري ليس لك أثر يمكن أن تستدل به عليه عقليا، فكان المفيد بكلامه السخيف لا يعرف كيف يوظف الدليل العقلي، ولا غرابة ففرض شيئ ولو كان عدما يؤتى له بأدلة ولو كانت مخالفة للعقل والواقع وهذا ديدن الكَذَبَة الشيعة. وإذا أنت سلمت جدلا أن الدليل العقلي يصلح لإثبات وجود لمحمد بن الحسن العسكري وهو غير صالح قطعا؛ تصطدم بخرافة الغيبة، ولا يقال أن الله تعالى يُستدل على وجوده بأثره الذي هو مخلوقاته فكذلك الاستدلال العقلي على وجود محمد بن الحسن العسكري، لا يقال ذلك لانعدام وجود أثر واحد لمحمد بن الحسن العسكري، ولا داعي للإتيان بتواقيع المهدي التي زعمها النصّابون الأربعة لأنها غير موجودة قطعا، لم تظهر حتى في زمن النصّابين بحيث كانت لعبة بينهم وقد فطن لها كثير من الشيعة فندموا على الأموال التي منحوها لهم فكيف تظهر بيننا اليوم؟ حبذا لو تظهر، وكنصيحة لا تظهروها إلا بعد غياب عقولنا حتى نصدقكم. يذكر أن جد محمد بن الحسن العسكري من جهة أب جده جعفر الصادق ليس هو علي بن أبي طالب، ويذكر أيضا أن جده من جهة جد أمه جعفر الصادق ليس هو أبو بكر الصديق لسبب بسيط هو أن محمد بن الحسن العسكري أسطورة، فلم يخلف الحسن العسكري ولدا وتشهد كثير من فرق الشيعة أن الحسن لم يخلف ولدا. وعند وفاته دون خلف تفرق الشيعة إلى 14 فرقة منهم من قال أن المهدي هو الحسن العسكري، فقد مات، ثم عاد إلى الحياة ونفوا وجود اثني عشر إماما. ويشهد الإمامية أنه قد خلف ولدا ولكنهم يثبتون وجود جعفر بن علي الهادي أخ الحسن العسكري وقد قام بأمر أخيه حتى دفنه وهم يروون أن عثمان بن سعيد العمري هو الذي قام بذلك وكأن الحسن العسكري مقطوع من شجرة. كيف يقوم بأمر غسله وكفنه وقبره وفي رواية تحنيطه غير أهل بيته من إخوانه وأزواجه؟. أسلوبه: روى الشّيخ الصّدوق عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن الحسين بن رزق الله، عن موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى الكاظم بن جعفر (الصّادق) بن محمّد (الباقر) بن عليّ (السّجاد) بن الحسين ابن (بن علي، هكذا لغة يجب أن تكتب) عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام قال: حدّثتني حكيمة بنت محمّد (الجواد) بن عليّ (الرّضا) قالت: بعَثَ إليّ أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ) عليهما السّلام فقال: يا عمّة، اجعلي إفطارك هذه الليلة عندنا، فإنّها ليلة النّصف من شعبان، وأنّ الله تبارك وتعالى سيُظهر في هذه الليلة الحُجّة وهو حجّته في أرضه قالت: فقلت له: ومَن أُمُّه ؟! قال: نرجس، قلت له: جعلني الله فداك، ما بها أثر! فقال: هو ما أقول لك. قالت: فجئتُ.. فلمّا سلّمتُ وجلست جاءت تنزع خُفّي، وقالت لي: يا سيّدتي وسيّدة أهلي، كيف أمسيتِ؟ فقلت: بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي فأنكرَتْ قولي وقالت: ما هذا يا عمّة ؟! فقلت لها: يا بُنيّة، إنّ الله تبارك وتعالى سيَهَب لك في ليلتِك هذه غلاماً سيّداً في الدّنيا والآخرة. فخجلت واستحيت، فلمّا أن فرغتُ من صلاة العشاء الآخرة أفطرتُ وأخذتُ مضجعي فرقدت، فلمّا أن كان في جوف الليل قمتُ إلى الصّلاة، ففزعت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث، ثمّ جلستُ مُعقّبة، ثمّ اضطجعتُ ثمّ انتبهتُ فَزِعةً وهي راقدة، ثمّ قامت فصَلَّت ونامت. قالت حكيمة: وخرجتُ أتفقّد الفجر.. فإذا أنا بالفجر الأوّل وهي نائمة، فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمّد عليه السّلام من المجلس فقال: لا تعجلي يا عمّة، فهاك الأمر قد قَرُب. قالت: فجلستُ وقرأتُ ((آلم السّجدة)) و ((يس)).. فبينما أنا كذلك إذ انتبهتْ فَزِعةً، فوثبتُ إليها وقلت: اسمُ الله عليك.. تُحسّين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمّة. فقلت لها: اجمعي نفسَكِ واجمعي قلبكِ، فهو ما قلتُ لكِ. قالت حكيمة: ثمّ أخَذَتْني فترة، وأخَذَتْها فترة، فانتبهتُ بحسّ سيّدي (أي المهديّ سلام الله عليه)، فكشفتُ الثّوب عنه فإذا أنا به عليه السّلام ساجداً يتلقّى الأرض بمساجده، فضَمَمتُه عليه السّلام إليّ فإذا أنا به نظيفٌ مُنظَّف، فصاح بي أبو محمّد عليه السّلام: هَلُمي إليّ ابني يا عمّة. فجئتُ به إليه، فوضع يديه تحت إليتَيه وظهره، ووضع قدميه على صدره، ثمّ أدلى لسانَه في فيه وأمرّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثمّ قال: تكلّمْ يا بُنيّ. فقال: أشهدُ أن لا إله إلاّ اللهُ وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله.. ثمّ صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمّة عليهم السّلام، إلى أن وقف على أبيه عليه السّلام ثمّ أحجم، ثمّ قال أبو محمّد عليه السّلام: يا عمّة، اذهبي به إلى أُمّه ليسلّم عليها وائتيني به. فذهبت به فسلّم عليها، ورَدَدتُه فوضعته في المجلس، ثمّ قال: يا عمّة، إذا كان يوم السّابع فاتينا. قالت حكيمة: فلمّا أصبحتُ جئتُ لأسلّم على أبي محمّد (الحسن العسكري) عليه السّلام وكشفتُ السّتر لأتفقّد سيّدي عليه السّلام فلم أره! فقلت له: جُعِلتُ فداك، ما فعَلَ سيّدي؟! قال: يا عمّة، استَودَعناه الّذي استَودَعَتْه أمُّ موسى عليه السّلام. قالت حكيمة: فلمّا كان في اليوم السّابع جئتُ وسلّمت وجلست، فقال: هَلُمّي إليّ ابني. فجئتُ بسيّدي عليه السّلام وهو في الخِرقة، ففعل به كفعلته الأُولى، ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنّما يُغذّيه لبناً أو عسلاً، ثمّ قال: تكلّمْ يا بنيّ، فقال عليه السّلام: أشهد أن لا إله إلاّ الله. وثنّى بالصّلاة على محمّدٍ وعلى أمير المؤمنين، وعلى الأئمّة الطّاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، حتّى وقف على أبيه عليه السّلام، ثم تلا هذه الآية: بسم الله الرحمن الرحيم: ((وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرونَ (6) القصص. قال موسى بن محمّد بن القاسم: فسألتُ عقبة الخادم عن هذا، فقال: صَدَقت حكيمة. (كمال الدّين وتمام النّعمة للشّيخ الصّدوق 424/ح 1، وإعلام الورى بأعلام الهدى للشّيخ الطّبرسي 214:2 ـ 217. وبتفصيل آخر عن محمّد بن عبد الله الطّهوري قال: قصدتُ حكيمة بنت محمّد (الجواد) عليه السّلام بعد مضيّ أبي محمّد (الحسن العسكري) عليه السّلام أسألها عن الحجّة.. قالت حكيمة: فعدتُ إلى نرجس فأخبرتُها بما قال الحسن العسكريّ عليه السّلام وسألتها عن حالها. فقالت: يا مولاتي، ما أرى بي شيئاً من هذا. قالت حكيمة: فلم أزل أُراقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يديّ لا تقلب جنباً إلى جنب، حتّى إذا كان في آخر الليل وقت طلوع الفجر وَثَبَتْ فَزِعة فضَمَمتُها إلى صدري وسَمَّيتُ عليها، فصاح أبو محمّد عليه السّلام: إقرئي عليها: ((إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) القدر. فأقبلتُ أقرأ عليها، وقلت لها: ما حالُكِ ؟! قالت: ظهر بي الأمرُ الذي أخبركِ به مولاي. فأقبلتُ أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنينُ من بطنها يقرأ كما أقرأ، وسَلّم علَيّ. قالت حكيمة: ففزعتُ لِما سمعت، فصاح بي أبو محمّد عليه السّلام: لا تعجبي من أمر الله عزّ وجلّ، إنّ الله تبارك وتعالى يُنطقُنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حُجّة في أرضه كباراً.. فرجعتُ وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غَشِي بصري، وإذا أنا بالصبيّ عليه السّلام ساجداً على وجهه، جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبّابتيه نحو السماء وهو يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ جَدّي محمّداً رسول الله، وأن أبي أميرُ المؤمنين.. ثمّ عدّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه، ثمّ قال عليه السّلام: اللّهمّ أنجِزْ لي ما وعدتني، وأتمِمْ لي أمري، وثَبِّتْ وطأتي، واملأ الأرضَ بي عدلاً وقسطاً. فصاح أبو محمّد عليه السّلام: يا عمة، تَناوَليه وهاتيه. فتناوَلْتُه وأتيتُ به نحوه، فلمّا مَثلتُ بين يدَي أبيه وهو على يدي سلّم على أبيه، فتناوله الحسن عليه السّلام منّي والطيرُ ترفرف على رأسه، وناوله لسانه فشرب منه، ثمّ قال: إمضي به إلى أُمّه لترضعه، ورُدّيه إليّ. قالت: فتناوَلَتْه أمُّه فأرضعته، فرَدَدتُه إلى أبي محمّد عليه السّلام والطيرُ ترفرف على رأسه)).. كمال الدين وتمام النّعمة للشّيخ الصّدوق 426/ح 2 ـ وعنه: بحار الأنوار للمجلسي 11:51 / ح 14. ورواه: الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين 257 ـ 260. دعونا لا نتحدث عن حكيمة وهي امرأة مجهولة وهي الوحيدة التي تروي قصة ولادة المهدي، فكل الروايات عن ولادة محمد بن الحسن العسكري جاءت منها، هذه المرأة نسبوها إلى الجواد وبذلك تكون عند ولادة المهدي إذا اعتمدنا خلفا للجواد وهو بعمر 12 ربيعا حتى تكون حكيمة ابنته البكر تكون قد طوت من عمرها 72 سنة لأن الجواد ولد سنة: 195 هـ وأنجب بعمر 12 سنة أي في سنة: 183 هـ وولد المهدي سنة: 255 هـ وبين ذلك 72 سنة هذا دون إضافة سنوات نضج حكيمة حتى تكون بقابلية أن تصير دايَةً أو قابلة للمهدي، دعونا لا نتوقف عند هذه المحطة الكاشفة للكذب والصادقة في تثبيت مجهولية حكيمة وأنها نكرة. قبل مناقشة حجية الإمامة لمن كان صغير السن نناقش ما ورد بين قوسين ((فوضع يديه تحت إليتَيه وظهره، ووضع قدميه على صدره، ثمّ أدلى لسانَه في فيه وأمرّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله)). إن وضع اليدين تحت إليتي الصبي وظهره قد جربناه لأطفالنا عند الولادة، فالصبي جرم صغير وكتلته لا تزن أكثر من 3 كيلوغرامات في المتوسط وما يزيد قليل لا يتجاوز 5 كيلوغرامات، ومعنى ذلك أن يدانا حين تتناولان الصبي ترفعانه بكيفية سليمة، ولكن أن تضع قدماك على صدر الصبي فأمر لا يستقيم، فإنك إن وضعت قدماك على صدره وجب أن تكون لك ثلاث أقدام وليس قدمين، وهل للإنسان ثلاث؟ الاثنتان توضعان على صدر الصبي والثالثة للاستقامة غير السوية ولا بأس، يبقى إمكانية حصول ذلك، قدمان موضوعتان على صدر الصبي تعطي صورة مشوهة، فإذا وضعت قدماك على صدر الصبي دون أن تؤذيه وجب أن تحنيه بيديك حتى تضع قدماك على صدره، وإذا فعلت ذلك فلن تضع قدمان، بل تضع قدما واحدة لاستحالة أن تضع الاثنتين، ووضعك لقدم واحدة ليس ما صُوِّر لنا، ووضعك لقدم واحدة على صدر الصبي يجعل قدمك الأخرى عماد لوقفتك ولا بأس ولكن لم يُصَوَّر لنا ذلك أيضا في العبارات المذكورة، ووضع قدمين اثنتين مستحيل إلا إذا جلس الإنسان على إليتيه وتمدد على ظهره كأنه يقوم بتمرين رياضي ووضع قدماه على صدر الصبي، هذه هي الصور المعقولة للعبارات المذكورة ولكنها لكلام غير معقول فكيف بعقولنا؟ أما نخشى عليها من العته والخور والحمق؟ ثم كيف يدلي الإمام لسانه في فم الصبي والصبي في الأسفل؛ القدمان فوق صدره ولسان الإمام في فمه وفمه في رأسه ورأسه لكي ينحني ليصل إلى فم الصبي يحتاج إلى تحرير قدميه ويديه؟، ثم كيف يمرر يده على عيني الصبي وسمعه وفمه ومفاصله واليدان تقعان تحت إليتي الصبي وظهره ولا واحدة منها قد تحررت لتحقيق الصورة المطلوبة؟ وإذا تحررت حصل خلل في توازن الصبي باليد الواحدة، أليس هذا ما تم تصويره لنا وكتبوه في كتبهم؟ أليست كتبهم نفايات حقا؟ أليس نحن العقلاء بإذن الله تعالى والعاقل يجب أن يحافظ على عقله والدين الإسلامي جاء من ضمن ما جا به الحفاظ على العقل من تلف أو تغييب ينتج عن المخدرات أو ما شابه؟ أليس الحفاظ على العقل من جة أخرى يكون بتبني فكر سليم يقنع العقل ويوافق الفطرة ويملأ القلب بالطمأنينة؟ أليس ما يتلفه ويغيبه ويحقره؛ هو الفكر الشيعي النجس والعلماني الخبيث والحداثي القذر؟ إن حجية الإمامة لمن كان صغير السن مضروبة عرض الحائط، فقد نص الحسن العسكري قائلا: ((لا تعجبي من أمر الله عزّ وجلّ، إنّ الله تبارك وتعالى يُنطقُنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حُجّة في أرضه كباراً)) كيف يكون الصغير حجة والإمام الحسن العسكري ينفي الحجية عن الصغير ومن الأئمة الصغار كثيرون؟ وفي هذه الرواية أيضا معجزة أوضح وأجل من معجزة عيسى عليه السلام، فقد اختلف في كلام عيسى، فقائل قال أنه تكلم في المهد وهذا يقين يشهد عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: ((إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46))) آل عمران، وقوله تعالى: ((إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110))) المائدة، وكلامه على نبينا وعليه الصلاة والسلام معجزة إذ دافع عيسى عن أمه التي اتهموها بالزنا بعد أن نذرت للرحمن صوما (أي صمتا)، ومنهم من قال أنه قد تكلم في بطن أمه بحيث جعلوه هو السريّ التحتي، قال تعالى في سورة مريم: ((فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)))، ومنهم من قال أن السريّ هو الوادي ويؤيده فهم قوله تعالى في طلبه منها الشرب إذ طالبها بأكل الرطب من التمر وشرب الماء من السريّ (أي من الذي يسري وهو الماء في الوادي الصغير)، وهكذا بقيت الألفاظ مفتوحة على عدة أفهام لا تؤثر في قيمة النص الذي لا يعلو عن قيمته نص غيره لأيٍّ كان من الخلائق، ولا في تقديس العقل له، بل تزيده الألفاظ المفتوحة جمالا وسموقا، بينما في قصة محمد بن الحسن العسكري الذي هو دون النبي عيسى بصرف النظر عن بعض الترهات التي جاء بها بعضهم عن تفضيل الأئمة على الأنبياء والمرسلين مثل المعتوه الخميني إذ قال: ((فإن للإمام مقاماً محموداً، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية، تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا: أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرّب ولا نبي مرسل)) الحكومة الإسلامية ـ طبعة مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني ـ الطبعة الرابعة، صفحة: 75. لقد تكلم محمد بن الحسن العسكري في بطن أمه وتلا سورة القدر مع أمه التي كانت تقرأها إلى أن أتمها. هذا المهدي النرجسي تكلم في بطن أمه وتلا القرآن؛ الشيء الذي لم يحصل لنبي ولا لرسول ولم يثبت على وجه التواتر حتى يكون يقينا، بل لم يثبت حتى من باب غلبة الظن، فكيف يصاب المصدق لهذه الأسطورة بالهَلْوسة فيشرع في ترديد ما لا يفهم وكأنه يهذي. إن الطريف في القصة هو قول أبو ابن نرجس لا الحسن العسكري لحكيمة: ((لا تعجبي من أمر الله عزّ وجلّ، إنّ الله تبارك وتعالى يُنطقُنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حُجّة في أرضه كباراً..)). لقد نطق محمد بن نرجس أو المهدي بن نرجس بالحكمة صغيرا، ونطق الأئمة المعصومون كذلك لأنه قد جمعهم في قوله، فكلهم إذا ورد بشأنهم ما يشبه كلام ابن نرجس في بطن أمه أو كلامهم في بطون أمهاتهم أو في المهد فجائز من تضمينهم في كلام الحسن العسكري وذلك قوله: ((إنّ الله تبارك وتعالى يُنطقُنا بالحكمة صغاراً..))، فالجمع هنا ليس للتعظيم ولا للتشريف ولا بأس علما بأن ابن نرجس لم ينطق بالحكمة صغيرا في معرض القصة، بل نطق جنينا، وفرق واضح بين الجنين وبين الصبي، إذ الجنين لا يكون إلا في رحم أمه أو في الحاضنة بحيث يكون في مراحل تكوينه إلى أن يبلغ أجله فيولد بصرف النظر عن الاختلاف في أشهر الولادة من ستة أشهر وسبعة أشهر وثمانية وتسعة، ومن فترة الحضانة للنطفة في الزجاجات أو في أنابيب الأطفال كما يسمونها، كل ذلك لا يجعل منه صبيا ولا طفلا، بل هو في حالته تلك، وفي جميع أحواله داخل الأنبوب أو الزجاجة أو في الرحم؛ جنينا، فكيف يقول الحسن العسكري: ((إنّ الله تبارك وتعالى يُنطقُنا بالحكمة صغاراً..)). وقد سمع بأذنيه كلام الجنين؟ كيف يكون الجنين صغيرا وهو في رحم أمه؟ ذلك لا يقال، ذلك لا يعقل، ولا يجوز لغة، فالتعبير السليم من الحسن العسكري كان يجب أن يكون غير ما قال، لا بد أن يتحدث عن الجنين ولا يعطيه صفة الصغر لأنه عربي ناضج ويعبر بشكل سليم ويصف الواقع بوضوح، فكيف يقع بقصة في الخطأ غير المبرر؟ لا جواب عليه سوى أن الكلام مُخْتلَق قد أبدعه ربع مبدع وليس نصف مبدع، ليته كان نصف مبدع حتى ينفلت من ملاحقتنا له إن كنا في الأموات. والأدهى أن يقول الحسن العسكري: ((ويجعلنا حُجّة في أرضه كباراً..)). هذه هي الآفة بحيث قد علمنا أن تصنيف الأعمار وإطلاق الصفات عليها مرتبة لا بد منها في جميع اللغات ومنها اللغة العربية، وعليه فلا يقبل منك أو مني أن تقول عن ابن 5 سنين أو عشر سنين أنه كبير، إنه صغير، فأن تقول محمد أكبر من أحمد وكانا طفلين فجائز، ولو أن يكون محمد بسنتين وأحمد بثلاث، أما أن تقول عن الصبي كبير فلا تسمح لك به اللغة العربية إلا إذا عنيت المجاز بحيث لاحظت شيئا جاء به الصبي يدل على فطنة أو نضج مبكر، والعكس صحيح فأن تقول فلان كبير لا بد أن ينتقل الذهن إلى غير الصبي، فلا حجة لأحد أن يعبر عن الكبير وهو يعني الصغير إلا إذا تعمد ما تسمح به اللغة من كناية ومجاز واستعارة، وهذا بحث آخر لا يفسد مذهبنا، وعليه فالقول بأن الله تعالى يجعلهم حجة في أرضه كبارا يتناقض مع ما ذهبوا إليه، فنفس ابن نرجس؛ المهدي النرجسي قد توفي (أبوه) وهو صبي، فكيف يكون حجة ووالده يقر بأنه ليس حجة لأن وضع الكبير غير الصغير؟ فالنطق بالحكمة صغارا لا شيء فيه لغة إلا من جهة العقل الذي يقبل ويرفض ما يصور له، أما وضع الصغير ليكون حجة فذلك إقرار بشيء غير موجود، فالمهدي بن نرجس لم يكن حجة إلا عندما كبر وليفترضوا لكبره ما يشاءون، المهم أنه قبل عشر سنوات أو إحدى عشرة سنة لم يكن حجة بحيث اختلفوا في تاريخ مولده، ففي رواية أنه ازدادا سنة: 255 هـ أو 256 هـ وأبوه توفي سنة: 260 هـ فكان عمر ابن نرجس عند وفاة والده: 5 سنين باعتماد سنة الولادة: 55 أو 6 سنين باعتماد سنة الولادة: 256 هـ، وفي رواية عن وفاة العسكري زعم أنه مات سنة: 266 هـ وهي السنة التي يجب أن يخلف الحجة فيها الحجة ولكن عمر ابن نرجس بالرواية الأخيرة قد كان: 11 سنة باعتماد سنة الولادة: 255 هـ، و10 سنوات باعتماد سنة وفاة والده سنة: 266 هـ، وفي جميع الأحوال قد كان صغيرا وأبوه يقول بالحجية عند الكبر، فكيف يكون حجة؟ وما مقياس الصغير والكبير بتجاوزنا فيما ذهبنا إليه من مناقشة الموضوع لغة؟ بل كيف كان محمد بن علي الجواد حجة وقد تولى الإمامة وهو ابن 8 ربيعا؟ وكيف كان علي بن محمد الهادي حجة وقد تولى الإمامة وهو ابن 8 ربيعا مثل أبيه؟ وكيف خلا الزمن من الحجة وهو موجود وهناك من يشبهه في وضعه في العقد الأول وإن كان يختلف معه بالضبط في سن تسلمه إمامة الناس، وبه قد بطلت الحجة وظهرت الفرية الكبيرة لدى الحجة الوهم أبو ابن نرجس، والحجة الوهم أيضا ابن نرجس، كما ظهرت في السابق في حق محمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي لأن كلا منهما قد كان في عمر 8 سنوات عند وفاة أبويهما. ولا داعي لمناقشة رفرفة الطير فوق رأس ابن نرجس عند تسلمه من طرف الحسن العسكري، فربما كانت القنوات الفضائية المخصصة للأطفال منتشرة في زمن الراوي وكان يتفرج عليها مع أطفاله، وحين شرع يرويها لمن لم يتفرجوا عليها تناول القلم أحد فقهائهم ممن حضروا الرواية وشرع يدونها ليطرب بها من يأتون بعده. وأما قوله: "وإذا أنا بالصبيّ عليه السّلام ساجداً على وجهه، جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبّابتيه نحو السماء وهو يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ جَدّي محمّداً رسول الله، وأن أبي أمير المؤمنين.." دعنا من سلامة التركيب بوضع كلمه الجِثِيّ أولا، ثم السجود ثانيا لأن الإنسان يستحيل أن يسجد دون تقديم الركبتين أو الكفين وبعد ذلك يضع وجهه على الأرض، يستحيل ذلك لأن صورة السجود تقضي أن يفعل الإنسان ما أشرنا إليه وإلا وقع وسقط ولم يسجد. قوله ذاك قول من لا يفقه اللغة العربية ولا يعرف بناء الصور في تراكيبها، فوضع الركبتين والوجه على الأرض مع وضع باطن الكفين عليها هو السجود، وهذه هي صورته ولكن أن يرفع سبابتيْه معا إلى السماء ليتشهَّد بهما وهو ساجد فلا يستقيم، إذ كيف يحصل ذلك وفيه بشاعة في السجود وخروج عن صورته وإتلاف لمعناه.. تصور معي حضرة القارئ المحترم صورة السجود واليدان مرفوعتان إلى السماء والسبابتان منهما مرفوعتان أيضا، كيف يكون ذلك؟ إنه ليس بتشهد، إنه رياضة بدنية، ولا يقال أن الصلاة بقيامها وقعودها وركوعها وسجودها رياضة بدنية، لا يقال ذلك وإن استفاد الجسم من حركتها، إنها عبادة وعبادة فقط، أما ما ينتج عنها من نفع فليس ماديا فحسب، بل معنوي وروحي وما يأمر به الله تعالى كله خير وما جاء به الشرع كله نفع. و((عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاريّ قال: وجّه قومٌ من المفوِّضة والمقصّرة كاملَ بن إبراهيم المدنيّ إلى أبي محمّد (الحسن العسكري) عليه السّلام. قال كامل: فقلت في نفسي: أسأله عن قوله: "لا يَدخلُ الجنّة إلاّ مَن عَرفَ معرفتي، وقال بمقالتي". قال: فلمّا دخلتُ على سيّدي أبي محمّد عليه السّلام نظرتُ إلى ثيابٍ بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: وليّ الله وحجّته يلبس النّاعمَ مِن الثّياب ويأمرنا بمواساة الإخوان وينهانا عن لبس مِثله! فقال متبسّماً: يا كامل! وحَسَر عن ذراعَيه، فإذا مِسْحٌ أسودُ خَشِنٌ على جلده، فقال: هذا لله، وهذا لكم. فسلّمت وجلست إلى بابٍ عليه ستر مُرخى، فجاءت الرّيح فكشفت طرفه، فإذا أنا بفتىً كأنه فِلْقةُ قمرٍ مِن أبناء أربع سنين أو مثلها. فقال لي: يا كامل بن إبراهيم! فاقشعررتُ من ذلك وأُلهمتُ أن قلت: لبّيك يا سيّدي، فقال: جئتَ إلى وليّ الله وحجّته وبابه تسأله: هل يدخل الجنّةَ مَن عرف معرفتَك وقال بمقالتك؟! فقلت: إي والله، فقال: إذن ـ واللهِ ـ يَقلُّ داخلُها، واللهِ إنه لَيدخلها قوم يُقال لهم "الحقّيّة"، قلت: يا سيّدي، ومَن هم؟ قال: قوم مِن حبِّهم لعليٍّ يحلفون بحقّه، ولا يدرونَ ما حقُّه وفضله! ثمّ سكت صلوات الله عليه عنّي ساعة.. ثمّ قال: جئتَ تسأله عن مقالة المفوّضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء شئنا، واللهُ يقول: ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ 29)) التكوير. ثمّ رجع السّتر إلى حالته فلم أستطع كشفه، فنظر إليَّ أبو محمّد عليه السّلام متبسّماً فقال: يا كامل، ما جُلوسُكَ وقد أنبأك بحاجتك الحجّةُ من بعدي؟! فقمتُ وخرجت ولم أُعاينه بعد ذلك. قال أبو نعيم: فلقيتُ كاملاً فسألته عن هذا الحديث، فحدّثني به. الغيبة للطّوسي 246/ح 216. هذه الرواية التي وردت عن أبي نعيم محمد الأنصاري عند الطوسي تشي وشيا كما يشي القائل بأنثوية الملائكة وهو لم يشهد خلقهم. فقد جعلت مقالة بشر لم يوح إليه بابا لدخول الجنة ودخول النار وكأنهما مِلْك الإمام، وكأن الإمام خالق الناس والعالمين، إذ كيف يكون ذلك والإمام بشر يستحيل أن يعرف دون استناد إلى خلفية معرفية أو يكون رسولا وهو ليس كذلك، فالرسول لكي يكون رسولا يحتاج الدليل عليه إلى العقل، وفي حال وجود الرسول عند أناس معينين وفي زمن ما إلى معجزات، وهذا مستحيل، فمحمد مثلا قد قام الدليل العقلي على أنه رسول من عند الله بسبب ما جاء به وهو ما لا يقدر على الإتيان به أحد إلا الله تعالى، فكيف بالإمام الذي يتبع طريقته؟ قيل: ((لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي)) أين هي مقالته حتى يقول بها؟ وإذا ثبتت فهي غير كافية للإحاطة بمشاكل الإنسان إلى قيام الساعة فذلك لا يكون إلا إذا ظل الله تعالى يبعث الرسل تلو الرسل ولا يختمهم برسول كما فعل سبحانه وتعالى وفي ذلك استغباء للعقل وحط من قيمته، فكان الصواب أن تتوقف بعثة الرسل ويستبدل ذلك باستغناء الناس عنهم لما في آخر رسالة من الله وهي رسالة الإسلام من كفاية لمعالجة كل مشكل حدث ويحدث وسيحدث وذلك لعمري عين العقل، وذلك لعمري أيضا منتهى الكمال ومنتهى الاستدلال على نبوة محمد ، فأين الإمام من هذه المنزلة حتى يأتي برسالة تهيمن على رسالة محمد ، وإذا كان تابعا لمحمد فمحمد هو الأسوة وهو الإمام وليس الإمام المذكور، مقالة رسول الله محمد هي المعتبرة وليس مقالة الإمام لأن ما صدر عن محمد وحي وما صدر عن الإمام يستحيل أن يكون وحيا. وأما التعبير لغة بقوله: ((لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي)) فهو تعبير لا عمق فيه ولا استنارة، وإذا صدر من عربي أو من رجل يتقن فهم اللغة العربية والتعبير بها فقد صدر عن متعلم وليس عن عالم، وإذا وضع في منزلة العلم والفكر والحكمة لفظته تلك المنزلة لأنه سطحية وغباوة، فكيف يقال: إلا من عرف معرفتي؟ كيف تكون المعرفة؟ كيف نفهم هذا الكلام؟ فعرف يعرف معرفة وعرفانا الشيء علمه ولا يمكن أن ينتقل الذهن إلى معنى غيره على كثرة المعاني الواردة في حق اللفظة، وعليه يكون المعنى أنه من لم يعلم علم الإمام فلن يدخل الجنة لأن المعرفة مصدر مثلها مثل العلم وذلك كأن تقول: إلا من علم علمي، وهم في دينهم يضخمون علم الإمام إلى درجة أن لا يصل إليه بشر إلا الأنبياء، بل لبعضهم أقوال تجعل أئمتهم أعلم من الأنبياء والرسل، فضلا عن أن يتفوق عليهم أحد أضف إلى ذلك بساطة العدد الهائل من الناس وجهل الكثير منهم.. فكيف يعرف أو يعلم الجاهل علم الإمام؟ لا يمكن أن يعمم ذلك على الناس كافة فتكون النتيجة أن داخل الجنة غير الإمام مستحيل وكأن الجنة مخلوقة له وللأنبياء والرسل فقط، ما هذا الغباء؟ وجاء بعد مقالته تلك قول يصلح أن يدخل العمل الخيالي في الرواية أو القصة والحكاية، فقد سطر المسطر بعقل غبي قولا يستنكر فيه سرا الثياب البيضاء الناعمة التي على الإمام وقد علم الإمام ما دار في نفس الرجل فحسر عن ذراعيه ليرى السيد الكامل اللباس الخشن تحت اللباس الناعم، ثم ليسمع قوله: هذا لكم وهذا لربي. والله إنه لعجب أن يأتي رجل بمثل هذا التمثيل البدائي، بمثل هذا الكلام وكلامه لا يصلح إلا لطفل في ورشة يتعلم فن القصة والرواية. أي إهانة للعقل هذه؟ ويستمر في قصه فيأتي بالريح ويسمح لها بكشف طرف من ستر باب في بيت الحسن العسكري ليرى صبيا كأنه فلقة القمر من أبناء أربع سنين أو مثلها فناداه الصبي وقد علم سريرته فأنبأه وزاد من غباء الراوي أن أدخل في الداخلين إلى الجنة الحقِّية الذين يحلفون بعلي وهم لا يدرون ما حقه. أي وقاحة في الراوي حين يقدم قصصه على أنها جزء من الدين، على أنها من صميم الدين لينتج أتباعا ينتشون للخرافات؟. يتكلم الصبي كلام الكبار، ويردّ ردّ العلماء، وينبئ إنباء الأنبياء، ما هذا؟ هل نحن بصدد إنشاء أتباع منزوعي المخ لا يعقلون شيئا؟ وعلِم الصبي أنه جاء يسأل عن المفوضة، عن الذين يفوِّضون أمرهم إلى الله فرد عليه بقوله: كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء شئنا وتلا الآية 29 من سورة التكوير. خاض الصبي في مسألة فلسفية حسمها القرآن الكريم بشكل رائع يصل إقناعه إلى العقل ذلك أن الله تعالى صاحب إرادة ومشيئة، فهو الفعال لما يريد، ولا راد لفعله، ولا راد لقضائه، ولا معترض على مشيئته، فقد أراد سبحانه وتعالى وشاء أن يخلق الإنسان فخلقه وجبله على طباع وغرز فيه حاجات عضوية وغرائز جعله يستجيب لها من تلقاء نفسه لأنه يحس بالاندفاع الذاتي وهو لم يخلقه في نفسه ولم يوجده في كيانه، فالاندفاع إلى النوم يجده ولا يقدر على رده، ومهما قوي فإنه في النهاية سيستجيب للنوم لأنه من الحاجات العضوية الملزمة للإنسان وكذلك الأكل والشرب وقضاء الحاجة فإنها جميعها يجب أن تشبع وإلا هلك الإنسان وهو هنا يتصرف وفق إرادة الله ويسير وفق مشيئته، والغرائز التي فيه يجدها من خلال اندفاعه لإشباعها لأنها ميول طبيعية خلقها الله فيه ولكنها لا تؤدي في حالة عدم إشباعها إلى الموت وذلك كالميل بشهوة إلى الأنثى وتلك أيضا إرادة الله ومشيئته، وخلق له العقل وجعله مناط التكليف، وعقله هذا أظهر لنا شيئا هاما جدا وهو وجود إرادة أخرى إلى جانب إرادة الله، ومشيئة أخرى إلى جانب مشيئة الله فكان الذي أوجد إرادة لغيره ومشيئة لغيره هو نفس الخالق الذي خلقه، فكانت إرادة الإنسان ومشيئته هبة من إرادة الله ومشيئته ولو لم يشأ منحهما للإنسان لفعل كما حصل للجمادات والحيوانات والطير وكل مخلوق غير عاقل ولكنه أراد وشاء ذلك فكان الإنسان صاحب إرادة وصاحب مشيئة، فهو يتصرف وفق إرادته ويشاء وفق مشيئته لأنهما له يجدهما ويحققهما في حياته، والإشكال هو عدم فهم الإرادة والمشيئة، فإرادة الله تعالى قضت ألا يقع في ملكه شيء إلا بإرادته، فلا يقع شيء في الكون رغما عنه، فمن خلق الإنسان وجعل له إرادة؟ الله جل جلاله، وعليه فالإنسان تحت إرادة الله يفعل ما يريد ضمن الدائرة التي يسيطر عليها وتقع الأفعال فيها بإرادته، والإنسان بمشيئة الله يطيعه ويعصيه ولا يعني ذلك أن الله تعالى يرغم الإنسان على الطاعة ويرغمه على المعصية، كلا إذ لو كان كذلك لما كانت للإنسان إرادة ومشيئة، وعليه فهو يطيع ويعصي، يأتمر بأمر الله ويخالفه بإرادته ومشيئته، فالله تعالى هنا قد خلق إرادة الإنسان وأعطاه مشيئة الفعل ولكنه قيده بالأرض وبقوانينها، وقيده بحاجات عضوية وغرائز وبعث إليه بواسطة الرسل والأنبياء؛ أوامره ونواهيه وجعله يختار بإرادته فيكون الله تعالى قد خلق الإرادة والمشيئة للإنسان، وجعل فيه القابلية أن يعصي وأن يطيع لأنه صاحب إرادة ومشيئة، ويكون الله تعالى قد خلق الهداية والضلال ولم يلزم أحدا بواحدة منهما لأنه إن ألزمه بواحدة منهما لكان ذلك بعيدا عن عدل الله تعالى وهذا محال، فالعدل الذي من صفاته سبحانه وتعالى يقضي أن يثيب ويعاقب على أفعال لا يلزم أصحابها بالإتيان بها لأن في إرغام الإنسان على الكفر وعلى المعصية، ثم معاقبته على ذلك ظلم وحاشى لله أن يظلم أحدا، وهنا كانت الإرادة والمشيئة في أن يطيع الإنسان ويعصي تعودان إليه، يقوم بفعله مختارا ولكنهما تقعان تحت إرادة الله ومشيئته، فقد أراد تعالى وشاء جلت قدرته أن يخلق الهداية والضلال كما قلت، ويخلق الإنسان ويجعل فيه القابلية أن يستجيب للهداية أو الضلالة، وجعل له الاختيار المتمثل في إرادته ومشيئته اللتين تقعان تحت إرادة الله ومشيئته حتى يقوم بالفعل الذي يرضي الله تعالى فيثيبه على فعله لأنه قد قام به مختارا، ويعاقبه على الفعل الذي نهاه عنه لأنه قد قام به مختارا أيضا، وإذا تدخلت إرادة الله ومشيئته في منع الإنسان من القيام بفعل ما طاعة كان أو معصية فذلك داخل في القضاء لا يترتب عليه العقاب، بل يترتب عليه المثوبة لأن الله تعالى حليم كريم رحيم. بهذه النظرة يتبين أن المهدي الصبي يتكلم عن جهل، ويصدر عن سطحية متطرفة. هذا دون مناقشة قوله: "يا كامل بن إبراهيم! فاقشعررتُ من ذلك وأُلهمتُ أن قلت: لبّيك يا سيّدي، فقال: جئتَ إلى وليّ الله وحجّته وبابه تسأله: هل يدخل الجنّةَ مَن عرف معرفتَك وقال بمقالتك؟! لقد جهل الكذاب أن يعبر بشكل سليم مراعيا للسياق ولسلامة المعاني، فالضمير في الخطاب هنا تحول إلى ضمير المخاطب، والمخاطب ليس إماما فلا قيمة لمعرفته وعلمه، فأي بلاهة هذه؟ وعند ابن كثير في تفسيره قوله: (({إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} أي: هذا القرآن ذكر لجميع الناس، يتذكرون به ويتعظون، {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} أي: من أراد الهداية فعليه بهذا القرآن، فإنه منجاةٌ له وهداية، ولا هداية فيما سواه، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} أي: ليست المشيئة موكولة إليكم، فمن شاء اهتدى ومن شاء ضل، بل ذلك كله تابع لمشيئة الله عز وجل رب العالمين. قال سفيان الثوري، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى: لما نزلت هذه الآية: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} قال أبو جهل: الأمر إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم. فأنزل الله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (3)}. آخر تفسير سورة "التكوير" ولله الحمد [والمنة] (4))). __________ (1) في م "حقا". (2) في م: "أين تذهب عقولكم". (3) رواه الطبري في تفسيره (30/53). (4) زيادة من م. (8/340) إن العبد إذا أراد الارتداد فلا بد أن يرتد ولكن وفق إرادة الله ومشيئته، فإذا لم يشأ الله له الارتداد فلن يرتد، انظر مثلا إلى صحابة رسول الله فقد منعهم الله تعالى عن الارتداد حين رضي عنهم، فلوا أرادوه لما استطاعوا، وأبو لهب والمغيرة بن شعبة حين كفرا سخط الله عليهما فلو أرادا الهداية فلن يهتديا لأن الله تعالى قد حسم أمرهما بفعلهما، فكانت إرادة الله ومشيئته غالبتين، وكانت إرادة الإنسان ومشيئته مغلوبتين، وكانت الهداية من حيث الخلق لله تعالى ونسبتها إليه في آيات من القرآن الكريم كقوله تعالى في سورة الأعراف: ((مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)))؛ نسبة مجازية، وكان الضلال من حيث الخلق لله تعالى ونسبته إليه في القرآن الكريم كما في قوله تعالى في سورة إبراهيم: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)))؛ نسبة مجازية، وكانت نسبة الهداية إلى الإنسان في القرآن الكريم كما في قوله تعالى في سورة يونس: ((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)))؛ نسبة حقيقية، وكانت نسبة الضلال إليه كما في قوله تعالى في سورة الشعراء: ((تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)))؛ نسبة حقيقية. ((عن الشّريف المرتضى: قال أبو محمّد الثّمالي: كتبتُ في معنيَينِ وأردتُ أن أكتب في معنىً ثالث، فقلت في نفسي: لعلّه صلوات الله عليه يكره ذلك، فخرج التّوقيع في المعنيين وفي المعنى الثّالث الذي أسرَرتُه في نفسي ولم أكتب به. عيون المعجزات للشّريف المرتضى 146، الكافي للكليني 520:1. ((عن أبي الحسن عليّ بن الحسين اليمانيّ قال: كنت ببغداد فتهيّأتْ قافلة لليمانيّين، فأردتُ الخروج معهم، وكتبتُ ألتمس الإذن من صاحب الأمر عليه السّلام، فخرج إليّ الأمر: لا تَخرُجْ مع هذه القافلة؛ فليس لك في الخروج معهم خير، وأقِمْ بالكوفة. قال: فأقمتُ كما أُمِرت، وخَرَجتِ القافلة فخرج عليهم بنو حنظلة فاجتاحتهم. قال: وكتبتُ أستأذن في ركوب الماء في المراكب من البصرة، فلم يُؤذِن لي، وسارت المراكب.. فخُبِّرت عنها أنّ جيلاً من الهند يُقال لهم البوارح خرجوا فقطعوا عليهم، فما سَلِم منهم أحد. فخرجتُ إلى سُرّ مَن رأى فدخلتها غروبَ الشّمس ولم أُكلّمْ أحداً ولم أتعرّف، حتّى وصلتُ إلى المسجد الذي بإزاء الدّار، قلت أصلّي فيه بعد فراغي من الزّيارة، فإذا أنا بالخادم الذّي يقف على رأس السيّدة نرجس عليها السّلام قد جاءني فقال لي: قم، قلت له: إلى أين؟! ومَن أنا ؟! فقال: إلى المنزل، فقلت: لعلّك أُرسلتَ إلى غيري، فقال: لا، ما أُرسلتُ إلاّ إليك، فقلت: مَن أنا؟! فقال: أنت عليُّ بن الحسين اليماني رسول جعفر بن إبراهيم خاطباً لله. فمرّ بي حتّى أنزلني في بيت الحسين بن أحمد بن سارة، فلم أدرِ ما أقول حتّى أتاني بجميع ما أحتاج إليه، وجلستُ عنده ثلاثة أيّام، ثمّ استأذنتُ في الزيارة من داخل فأذن لي، فزرتُ ليلا)) الهداية الكبرى للخصيبي 71 ـ من المخطوطة، الكافي للكليني 519:1/ح 12 ـ/ح 13)). ((بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا من ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفترٍ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم. وقال: ((الابن ـ ــ أي محمّد الوكيل الثاني ــ ـ وقّاه الله، لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضي الله عنه وأرضاه، ونضّر وجهه، يجري عندنا مجراه، ويسدّ مسده، وعن أمرنا يأمر الابن، وبه يعمل، تولّاه الله...)). بعد وفاة أبي عمرو عثمان بن سعيد العمري خرج التوقيع الشريف من الإمام المهدي عليه السّلام ـ وهو ما يزال في غيبته المقدّسة الصغرى ـ إلى محمّد بن عثمان ابنه: ((إنّا لله وإنّا إليه راجعون؛ تسليماً لأمره، ورضاءً بقضائه.. عاش أبوك سعيداً، ومات حميداً، فرحمه الله وألحَقَه بأوليائه ومَواليه عليهم السّلام، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقرّبه إلى الله عزّ وجلّ وإليهم، نضّر الله وجهه، وأقال عثرته)). في هذه الرسالة من المهدي المنتظر يوكل فيها ابن عثمان بن سعيد العمري السيد: محمد بن عثمان بن سعيد العمري، والوكالة كانت بعد وفاة أبي جعفر (عثمان العمري) ونفترض لها بضعة أيام أو أسابيع أو أشهرا ولا نقول سنة لأن المهدي غائب غيبته الصغرى وقد بدأت من وفاة وكيله الأول، فلا بد لشيعته من تعاليم المهدي وهديه عن طريق وكيل ثان له وهو محمد بن عثمان، فإذا بدأت الوكالة للوكيل الثاني في السنة الأولى كان المهدي في عمر 11 سنة، وهو في هذه السن ناضج يكتب ويقرأ وينصح ويرعى ويوقع بخط يده. وفي فصل آخر من الرسالة الشريفة: ((أجزَلَ اللهُ لك الثواب، وأحسن لك العزاء، رُزِيتَ ورُزِينا، وأوحَشَك فراقُه وأوحَشَنا، فسَرَّه الله في مُنقلَبه.. كان من كمال سعادته أن رزقه اللهُ تعالى وَلَداً مِثلَك يَخلُفه مِن بعده، ويقوم مَقامَه بأمره، ويترحّم عليه. وأقول: الحمد لله؛ فإن الأنفس طيّبةٌ بمكانك، وما جعله الله عزّ وجلّ فيك وعندك، أعانك الله وقَوّاك وعضَدَك ووفّقك، وكان لك وليّاً وحافظاً، وراعياً وكافياً)). وعن عبدالله بن جعفر الحِميَري: لمّا مضى أبو عمرو (عثمان بن سعيد العمري) رضي الله تعالى عنه.. أتَتْنا الكتبُ ـ بالخطّ الذي كنّا نُكاتَب به ـ بإقامة أبي جعفر محمّد بن عثمان رضي الله عنه مَقامَه. في قوله: "أتتنا الكتب ـ بالخط الذي كنا نكاتب به، وهذا الخط لم يطلع عليه أحد إلا الوكلاء فكان بذلك خطهم، بل كان مجرد كذبة تلوكها ألسنتهم على أتباعهم من الأغبياء، ولهم قول وضعوه على لسان الوهم؛ المهدي، أن لا يطّلع على الخط أحد، ويكفي هذا دليلا على فقدان الشفافية في الدين الشيعي وعلى الخداع الممارس من طرف الوكلاء اللصوص ـ بإقامة أبي جعفر محمد بن عثمان" في قوله كشف لنضج المهدي في حياة الوكيل الأول، وهذا الأخير توفي سنة: 265 هـ وولد المهدي الذي أنابه عنه سنة: 255 هـ ومعنى ذلك أن الوكالة قد كانت في ظرف 5 سنوات إلى تاريخ وفاة العمري الأب لأن المهدي لا يمكن أن يكون إماما في حضرة إمام حي، فلما مات الحسن العسكري سنة: 260 هـ تولى المهدي الإمامة مباشرة، والعمري الوكيل الأول قد كان سفيرا للحسن العسكري ووكيلا له، ثم انتقل في وكالته وسفارته إلى ابنه محمد بن الحسن العسكري ولا يمكن أن يكون ذلك إلا عند وفاة الحسن العسكري وفي ذلك يكون الإمام ناضجا يقرأ ويكتب وينصح ويوصي ويرعى شيعته ويوقع كتبه بخط يده كما مر معنا وهو يبلغ من العمر خمس سنوات.. ((وعن محمّد بن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمّدَ بن عثمان العَمْري أن يُوصِل لي كتاباً قد سألتُ فيه عن مسائل أشكَلَت علَيّ، فوقع التوقيع بخطّ مولانا صاحب الدار (وذكر الخبر وفيه خطّ الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرَجَه) وأمّا محمّد بن عثمان العَمْري رضي الله تعالى عنه وعن أبيه من قبل فإنّه ثقتي، وكتابه كتابي)) . في الرواية المذكورة يظهر أن المهدي يوقع بيمينه في كتب يكتبها بخط يده، عفوا ربما كان أعسر، أو يوقعها بكتابة اسمه أو كنيته أو نسبه أو أي شيئ من هذا القبيل أو من رموز.. لأن هذا ما يفيده قوله: "وذكر الخبر وفيه خط الإمام المهدي" لا يعني سوى ذلك، ونحن لا ننتخب منه شيئا إذ لا قيمة له علما بأن الرواية لا تستقيم على أرضية ثابتة، ولا تستقر على طمأنينة.. وقد ورد عن أبي عبد الله سأله رجل عن القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال: (لا ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمنين ولم يسمي (ولم يُسَمِّ) به أحدا قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر، قلت جعلت فداك كيف يسلم عليه؟ قال: يقول السلام عليك يا بقية الله ثم قرأ ((بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ)). الكافي للكليني نقلا عن كتاب: ويسألونك عن القائم، وهو كتاب أعده صلاح الكاظمي وجمعه من فكر السيد أبي عبد الله الحسين القحطاني، الطبعة: الأولى في بيروت 2011/ 1432 هـ، صفحة: 15. فيما نسب إلى أبي عبد الله جهلا وكذبا تسمية أمير المؤمنين وقد فصلنا نشوءها، ولا ندري حين يخاطب الإمام الجواد وغيره من الأئمة غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بإمارة المؤمنين من خلفاء بني أمية أو بني العباس أيكون كافرا؟ وفي بعض كتبهم: ((خرج المأمون يوماً للصيد قبل أن يلقى الإمام (أي الجواد)، فاجتاز بطرف البلد، وهناك صبيان يلعبون ومحمد الجواد عليه السلام واقف عندهم، فلمّا أقبل المأمون فرَّ الصبيان ووقف محمّد الجواد عليه السلام وعُمره إذ ذاك تسع سنين، فلمّا قرُب منه الخليفة نظر إليه ـ وكان الله تعالى ألقى في قلبه مسحة القبول ـ فقال له: يا غلام ما منعك أن لا تفرّ كما فرَّ أصحابُك؟ فقال له محمّد الجواد عليه السلام مُسرعاً: ((يا أمير المؤمنين، فرَّ أصحابي خوفاً، والظنّ بك حسن. إنّه لا يفرُّ مِنك مَن لا ذنب له. ولم يكن بالطريق ضيقٌ فانتهي عن أمير المؤمنين)). فأعجب المأمون كلامه وحسن صورته، فقال: ما اسمُك يا غلام؟ فقال: ((محمّد بن عليّ الرضا)). فترحَّم الخليفة على أبيه، وساق جواده إلى ناحية وجهته)) الفصول المهمة / 266 موسوعة الإمام الجواد (عليه السلام) 1 / 424. إذا تناولنا القرآن الكريم نجد فيه كلمة: "بقية" قد وردت نكرة ثلاث مرات فقط، وهي الكلمة التي استشهد بها أبو عبد الله حين سئل عن إمارة المؤمنين يتسمى بها غير علي بن أبي طالب بما في الغير القائم فأجاب بحرمة إطلاقها على غير علي وكفّره ولكنه شرع السلام على القائم بقوله: "السلام عليك يا بقية الله" ثم قرأ قوله تعالى: ((بقية الله..)). لنقرأ الآيات المحكومة في سياقها بنسيجها ونظمها وتأليفها وفيها كلمة" بقية" أولا، ثم نناقش ونقارن. يقول تعالى في سورة البقرة: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248))). ويقول في سورة هود: ((وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88))). ويقول في نفس هود: ((فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116))). هذه هي الكلمات التي وردت في القرآن الكريم، فهل تعني الإمام؟ هل تعني القائم؟ لن تستطيع ضبط الكلمات في سياقها بذلك التفسير الغبي، لن تستطيع فتح جملة أو فقرة أو نص تستطيع التسرب من خلاله إلى معنى آخر غير المعنى المقصود دون لبس بعيدا عن الإمام أو القائم. كيف تنطلي على الشيعة مثل هذه الخزعبلات؟ كيف يضحى الشيعة مصنعا للغباء دون أن يتنبهوا؟ كيف يكون الإمام محمد بن الحسن العسكري بقية الله بأي آية مما وردت؟ كيف يكون الإمام مقصودا بهذا التفسير حتى ولو كان تفسيرا باطنيا؟ أي بقية هذه التي يتحدث عنها أبو عبد الله المكذوب عليه رضي الله عنه؟ كيف ينحط أسلوب إمام مشهود له بالفصاحة والبلاغة وقول الشعر والحكمة والتربي في بيت النبوة ونشأته على الإسلام وأفكار الإسلام؟ كيف يجعل الإمام علي بقية الله في رجل وكأن الله تعالى قد خلّف ولدا؟ كيف يستقيم في الذهن كلام تلفظه الثقافة الإسلامية ومفاهيم الإسلام؟ والله إني لأضيع وقتي في هذه الإهانات الموجهة للإنسان الشيعي ولعقله. عن أبان عن أبي عبد الله قال: ((العلم سبعة وعشرون حرفا فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفا فبثّها في الناس، وضمّ إليها الحرفين، حتى يبثها سبعة وعشرين حرفا)). المصدر السابق، صفحة: 16. العلم ليس سبعة وعشرين حرفا ولا ثمانية وعشرين حرفا، العلم ليس بعدد يستحيل النطق به رغم أنه معقول وهو عدد ذرات الكون، العلم إن قصد به العلم حصرا في سبعة وعشرين حرفا فليس هو كذلك لأن العلم غير محدود لأنه عائد إلى الله تعالى فيكون صفة له عز وجل وصفاته تابعة لذاته العلية، أما أن يقصد به علم محدود فمقبول ومعقول ولكن بتعبير آخر غير هذا، ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85))) الإسراء، هذا أولا. أما ثانيا فإن جعل العلم سبعة وعشرين حرفا كلها مستورة ومُغَيَّبة عن جميع الناس بما في الناس الأنبياء والرسل فإن ذلك يقدح في كمال الشريعة الإسلامية، وكمال الإسلام لأن الذي سيتمم ذلك النقص يتممه بما سيبثه من علم محصور في خمسة وعشرين حرفا لم ينل منها نبي ولا رسول شيئا إذ قد نالوا من العلم حرفين فقط، وهذا يجعل من سيحمل ذلك العلم أفضل من الأنبياء والرسل وقد قال به كثير من علماء الشيعة المعتوهين، وهذا بدوره يقدح في القرآن الكريم وفي خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم إذ يجعل من كونه مرسَلاً للناس كافة وخاتَماً للأنبياء والمرسلين ورسالته خاتمة للرسائل التي سبقتها؛ مسألة لا معنى لها لأنها متوقفة على من سيأتي بعده، فإن كان الأمر متعلقا بالرسائل السماوية في الماضي فلا شيء فيه لأنها رسائل مخصوصة بأقوام بعث الله إليهم رسلا منهم، أما إذا كان الأمر يتجاوز الماضي قبل بعثة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ليدخله في الماضي هو أيضا في انتظار من سيكمل للناس العلم والرسالة فهذا طعن في نبوته صلى الله عليه وسلم وطعن في القرآن الذي صرح بتمام الدين وكماله، قال تعالى في سورة الأحزاب: ((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40))) وقوله تعالى في سورة المائدة: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3))) فأي علم سيأتي به القائم؟ هل سيأتينا بعلم تجريبي به فتح كبير على أسرار الكون والطبيعة والحياة؟ إذا كان كذلك فإنه يشبه العلماء التجريبيين من المسلمين ومن غير المسلمين، يشبه الباحثين والعلماء الذين يسبرون أغوار الطبيعة والكون والحياة والإنسان ليكتشفوا ما لم نعرفه، وما لا نعرفه، فإن جاءنا المهدي بهذا فسيكون عالما تجريبيا لا يفضل أي عالم إلا بما جاء به مما لم نعرفه أو مما لا نعرفه، وربما يكون في سردابه منهمكا في مختبره يقرأ ويبحث ويكتشف..، وعليه لا نستطيع الحسم إلا في أنه لا بد لكل مقام مقال، فحتى يأتي ونطلع على اكتشافاته نحكم على عبقريته، أما أن يكون ذلك هبة من الله فلن يكون في الدين لأن الدين كامل، وإذا كان في الدين فهو في فقهه وعلمه وتجديده وبثه ونشره وتحكيمه العمل به.. قد يكون في غير الدين، وقد يكون من الخوارق التي يهبها الله تعالى له ولكنه سيكون هو عينه المسيخ الدجال، وإذا لم يكن كذلك بحيث يكون ما سيأتي به من خوارق تحدث عنها النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم فستكون من عبقريته في وسط منحط جاهل لا يقدر الناس على كشف ألاعيبه أو كشف أسرار استغلاله واستعماله لأسرار المادة وهذا ما أرجحه لأنه سيخدع الجهلة، وسيضل السفلة باستثناء المؤمنين الذين يعلمون، والذين لا يعلمون شيئا من ألاعيبه فسيحصنهم ربهم بإيمانهم ويطلعهم على كفره المكتوب على جبينه والذي لا يراه إلا المؤمن.. إن المدقق في قوله: ((..فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفا فبثّها في الناس)) يجد أن الحديث محصور في الأنبياء والرسل، وهؤلاء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام قد جاء منهم الرسل بالشرائع من الله تعالى، وجاء الأنبياء بشرائع غيرهم من الرسل والتي هي لهم أيضا يعملون بها ويدعون إليها كما كان الشأن مع زكرياء وعيسى ويحيى الذين عملوا بالتوراة لأنها شريعة بينما الإنجيل الذي بعث به عيسى فلم يكن تشريعا ومع ذلك جعل منه نبيا رسولا لأنه كتاب به زواجر وجوابر لبني إسرائيل، فيكون الحديث إذن عن الدين، عن الإسلام، وتكون النتيجة أن الإسلام ناقص والرسالة السماوية التي جاء بها محمد ناقصة لأن الذي سيبث ما تبقى من العلم هو القائم، والعلم قد تحدد بقوله: ((..فجميع ما جاءت به الرسل)) والرسل لم تأت إلا بالشرائع وهي عينها العلم، فهي عينها علم الله تعالى، والنتيجة أن القائم لا بد أن يكون رسولا، وأن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لا بد أن لا يكون الخاتَم، ورسالته لا بد أن لا تكون النهائية إلى يوم الدين، فما هذا؟ هل سيأتينا القائم بعلم خير مما جاء به محمد؟ هل سيكمل دين محمد؟ هل بحوزته كتاب مفصل على القرآن، فيه هدى أكثر مما في القرآن؟ ((وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52))) الأعراف. والله إننا أمام بلاهة ليس بعدها بلاهة، وغباء مُتورِّم ليس بعده إلا الضلال المبين. ================== عرض كتاب الكافي على المهدي المنتظر كتب الشيخ محمد بن يعقوب الكليني كتابه في عهد الغيبة الصغرى التي كانت من سنة: 260 هـ تاريخ وفاة الإمام الحسن العسكري إلى سنة: 329 هـ تاريخ وفاة آخر السفراء علي السمري، وحين فرغ الكليني من تأليف كتابه: الكافي عرضه على إمام الزمان محمد بن الحسن العسكري فاستحسنه وقال عنه: "هذا كاف لشيعتنا". وللإشارة فإن محمد بن إبراهيم النعماني تلميذ الكليني الذي عاصر السفراء الأربعة مثل شيخه قالوا عنه أنه هو الذي كتب كتاب الكافي وساعد الكليني في تأليفه. إن الذي يتفق عليه معظم الشيعة الإمامية هو استحالة أن يلتقي أحد بإمام الزمان المهدي المنتظر لأن لهم منه كما يزعمون توقيعا يقول بذلك، بل ويكفِّرون ويفسِّقون من يزعم لقاءه بعد الغيبة الكبرى، فكيف التقى محمد بن يعقوب الكليني به وعرض عليه كتابه الكافي واستحسنه ولم يكن من سفرائه ولا هو في مصادر الشيعة ممن التقوا به ورووا عنه في الغيبة الصغرى التي استأثر بها السفراء الأربعة الذين عاش في حياتهم كلهم؟ ولد الكليني في إيران بقرية تسمى (كلين) وبها لقب الكليني وهي موطن دفن أبيه يعقوب بن إسحاق الرازي وتوفي سنة 329 هـ ببغداد التي عاش فيها سنوات الغيبة الصغرى وهي حياة لافتة لأنه والسفراء الأربعة من بناة الدين الشيعي، الكليني في الظل ينظِّر ويخترع ويكذب عى الله ورسوله والأئمة، والسفراء يجمعون الخمس والصدقات والهبات ويمدونه بحصته منها، وكانت ولادة المهدي المنتظر سنة: 255 هـ والفرق بين موت الأول وازدياد الأخير 74 سنة، ومعنى ذلك أن عرض كتاب الكافي لكي يكون فعلا لابد أن يكون في الفترة بين ولادة المهدي ووفاة الكليني، وتكون رواية استحالة أن يلتقي أحد بإمام الزمان كذبة متورِّمة، أو يكون وجود المهدي أصلا أسطورة غبية. ومن الطريف حقا أن يموت السفير الرابع علي السمري سنة: 329 هـ وهي نفس السنة التي توفي فيها شيخ المحدثين عندهم علي بن بابويه القمي. وتوفي فيها أيضا الشيخ محمد بن يعقوب الكليني رئيس الشيعة وثقة الإسلام كما يقولون عنه. وتوفي الكليني في نفس السنة التي انتهت فيها الغيبة الصغرى، فكيف يعرض كتابه على صاحب الزمان في نفس السنة التي انقضت فيها الغيبة الصغرى؟ هل نجعل آخر سنة من عمر الكليني سنة مقبولة لعرض كتابه على صاحب الزمان؟ وإذا كان كذلك فالكتاب قد اتضح تاريخ تأليفه وهو من سنة: 309 هـ إلى غاية سنة: 329 هـ تاريخ وفاة الكليني وتاريخ دخول الإمام في الغيبة الكبرى لأن الكتاب قد تم تأليفه في ظرف 20 سنة كما في مصادرهم، أو يكون قد ألف قبل ازدياد المهدي أو بعد ازدياده المهم أنه قد عرض عليه وقال عنه أنه كاف لشيعتنا وبذلك تستقط عنه المصداقية بالتناقض والكذب قبل أن تسقط عنه بالنظر في خرافاته وغرائبياته. ولا يقال أن كتاب الكافي ليس كتابا تصح فيه كل الروايات الواردة عن الأئمة المعصومين، لا يقال ذلك وقد قيل من أجل إخراج أحاديث مروية عن آل بيت رسول الله لا يمكن أن يَقْبل بها عقل، ولا يمكن أن يُوَفَّق أحد إلى إزالة التناقضات بينها وبين القرآن الكريم، والسبب أن الكتاب قد جمع فيه الكليني أحاديث رواها عمن عاصروا الأئمة الثلاث كما يصرح بذلك الطباطبائي؛ الرضا والجواد والهادي ورووا عنهم، منهم أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري شيخ القميين.. وفي بحث الرجال نص المؤلفون على أن الكليني لم يلتق بالإمام أبي محمد الحسن العسكري، ولم يذكروا سنة وفاته. وهذا يذهب بنا إلى القول أنه قد مات قبل موت الإمام الحسن العسكري، أي قبل انتقال الإمامة إليه سنة وفاة والده علي الهادي بتاريخ: 254 هـ. وفي مصادر أخرى وردت سنة وفاة الكليني بتاريخ: 329 هـ.. لقد عرض الكليني كتابه الكافي الذي جمع فيه أحاديث عن المعصومين في العقيدة والشريعة والأخلاق على محمد بن الحسن العسكري، وما دام قد عُرض كتاب: الكافي على المهدي المنتظر وقال عنه: ((هذا كاف لشيعتنا)) فلا بد أن يكون كل ما فيه صحيح، لأن إخراج بعض الأحاديث منه ورفض بعض الروايات فيه يقدح في عصمة الإمام الذي لا ينفلت منه خطأ واحد من كتاب الكافي الذي سمعه أو قرأه، والعصمة عقيدة شيعية لا يرفضها شيعي واحد، وعليه يكون كتاب الكافي كتاب خرافات وأساطير، أو هو كتاب جمع فيه الكليني أحاديث المعصومين وهي أحاديث لا يمكن أن تكون إلا للمعتوهين.. وجاء عن (البغوي) أحد المحدثين من السُّنة في تفسير الحديث المشهور عن النبي (ص) ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها)) منهم أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني في رأس السنة الهجرية الثالثة. وقد عدّ مؤلفون في علم الدراية الشيعي؛ الكليني من الطبقة الرابعة بين المحدثين، فالطبقة الأولى حسب اصطلاحهم يمثلها الطوسى والنجاشي والثانية يتزعمها الشيخ المفيد، وابن الغضائري، والثالثة هي طبقة الصدوق، وأحمد بن محمد بن يحيى وأمثالهما، والرابعة طبقة الكليني وهكذا إلى الطبقة السادسة عشرة التي تنتهي بالمعاصرين للحسين وأبيه أمير المؤمنين. وقد بلغت أحاديثه بعد الإحصاء ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعين حديثا من أحاديث النبي محمد . والحديث عن تجديد الدين الذي لا يعني إلا الحفاظ على نفس الدين والإبقاء على أصوله وفروعه كما هي دون زيادة أو نقصان؛ يبقي على الثوابت وفق ما صحّ بواسطة العلوم الشرعية كعلم الحديث ومصطلح الحديث وعلم الرجال وما إلى ذلك، يبقى معنى آخر للتجديد هو أن يعمد المجدد إلى ما علق بالعقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية من أدران فيزيلها عنها، يعمد إلى الأوساخ والطفيليات وما يمكن أن يتشبث بالعقيدة والحكم الشرعي ويتطفل عليهما ويعلق بهما وهو ليس منهما فيزيله ويميط اللثام عنه فيبينه للناس وبه تعود النضارة إلى العقيدة الإسلامية والوظيفة للأحكام الشرعية. ويمكن تشبيه ذلك ببئر ماء أو عين ماء، فالبئر أو العين هي العقيدة الإسلامية، فإذا عمد المنافقون والكفار إلى إلقاء الأوساخ فيها والأتربة وما إلى ذلك قصد طمس معالمها وإنهاء دورها في الري والسقاية والشرب لأصحابها حتى يتحولوا عنها إلى غيرها لأن الإنسان لا بد له من ماء كما لا بد له من عقيدة تحدد له موقفه من الكون والإنسان والحياة، ولا بد له من أحكام يعالج بها مشاكله الحياتية وهو لا بد مندفعا إلى الاعتماد على ذلك فيأتي العالم والمجدد ويشمر عن ساعديه ويشرع في إزالة الأدران والأوساخ التي علقت بالعقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية، بالبئر المعطلة أو العين الآسنة لتعود ريّانة ومنْهلا لأصحابها وبذلك يتحقق تجديد الدين وهو عينه الحفاظ على الدين كما جاءنا من رسول الله عن طريق رجال عدول ثقاة لا يمكن أن يعمدوا إلى تحريف الدين لأنهم ممنوعون عن ذلك بأحكام قطعية صادرة في حقهم من رب العالمين جلت قدرته وهو لا يعود عن حكمه في رضوانه عنهم وثنائه عليهم، وهم بذلك واقعون في قضاء الله وقدره، ويبقى من أتى بعدهم وهم من ينطبق عليهم إمكانية أن يعمدوا إلى التحريف وهو ما دفع العلماء إلى العمل على الحفاظ على هذا الدين العظيم فألّفوا وصنّفوا حتى بات الدين كالبئر الصافية العذبة. هذا هو العمل الذي يحقق مناط حديث رسول الله ، وهو من الناحية اللغوية هو هو، فقولك بتجديد ملابسك يعني تنظيفها وتحديدها لتبدوا كأنها جديدة وهي هي ليست جديدة بمعنى أنها غيرها. وأما من جانب آخر لم يتنبه إليه العلماء قديما وحديثا على حد علمي فهو حديث الرسول في موضوع السَّنَة، وبالأخص قوله على رأس كل مائة سنة. المعلوم أن النبي كان يعيش في زمن له تأريخ، هذا لا غبار عليه، ولكنه لم يأت على ذكر بداية التأريخ لحديثه عن تجديد الدين، وهذا يجعلنا نختلف في موضوع السنة ورأس المائة سنة. فباعتمادنا السنة الهجرية يكون الحديث عن المائة سنة التي يبعث الله فيها من يجدد لأمتنا أمر دينها حديثا لا يمكن الجزم بأنه يعني التأريخ بدءا من السنة الهجرية بدليل أن الصحابة اختلفوا في موضوع التأريخ حتى وُفِّقوا لبداية التأريخ من السنة الهجرية ولكن النبي لم يكن مشرِّعها ولم يكن على علم بها لأنها لا تهم في الدين فهي شأن لا يرقى إلى أهميته. صحيح أن إجماع الصحابة دليل شرعي لأنه يكشف لنا عن دليل، ولكنهم رضي الله عنهم في هذا الموضوع ليسوا بصدد الحكم الشرعي لأن الحكم الشرعي خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد، ولا يقال أن التأريخ للسنة الهجرية حكم شرعي بدليل اعتمادها لأداء الزكاة مثلا أو غيرها، لا يقال ذلك لأن الزكاة محصورة في الحول وفي النصاب، والحول والنصاب لا يهم أين يقعا في بداية السنة أم في وسطها أم في نهايتها، أضف إلى ذلك زكاة المنتوج الفلاحي الذي يرتبط بمواسم معينة لها علاقة بأجل الحصاد تختلف من منتوج إلى آخر، وزكاة الأنعام التي ترتبط بالعدد الذي تجب فيه الزكاة، والعدد يحصل في رأس السنة وفي وسطها وفي آخرها، يحصل في أي وقت وصل عدد الأنعام التي تجب فيها الزكاة إلى نصاب الزكاة وهو حاصل في جميع أشهر السنة، بل وأسابيع السنة وأيام السنة. يبقى أن رأس السنة يحسب بدءا من عمل عظيم قام به رجل عظيم ترك في الأمة ما يؤكد تجديده للدين الإسلامي، وبه تنتفي علة جعل رأس المائة سنة قيدا، وبه نقول في شأن الكليني أنه جاء ليخرِّب دين الإسلام ولم يأت ليجدِّده، هذا دون النظر إلى القمم الشامخة من علماء الإسلام الذين كانوا في عصره وهم شموس لا يمكن أن يحجبها جرم قزم كالكليني أو غيره من (علماء) الشيعة. ومن جهة أخرى لم لا يكون رأس السنة هو نفسه اليوم الذي قال فيه النبي قولته؟ لم لا يكون التأريخ لرأس السنة بدءا من تاريخ تصريح النبي عن أمر تجديد الدين؟ والله إني أرى أن الاعتماد على التأريخ باعتبار رأس السنة ليبعث الله لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها هو نفس اليوم في نفس السنة التي قال فيها الرسول حديثه لَاعْتماد موفَّق وركن شديد لمن يأوي إليه، ولكن هل نستطيع استخلاص تاريخ قولة النبي عن أمر تجديد الدين؟ ربما. وإذا وصلنا فهل نجد تأريخ ذلك يتقدم أو يتأخر عن رأس السنة الهجرية؟ من المرجح نعم، نعم يمكن ذلك على صعوبته لأنه واقع في الممكن عقلا، والممكن عقلا ممكن فعلا. ====================== توقيع الإمام الحسن العسكري للصدوق الأول؛القمي الصدوق الأول علي بن بابويه القمي له كتاب موقع من طرف الإمام الحسن العسكري جاء فيه: ((إلى عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي قدّس اللّه روحه. ونوّر ضريحه. وهو: ((بسم اللّه الرحمن الرحيم، الحمد للّه ربّ العالمين، والصلوة على خير خلقه محمّد وآله أجمعين. أمّا بعد، اُوصيك - يا شيخي ومعتمدي أبا الحسن عليّ بن الحسين القمّي وفّقك اللّه لمرضاته، وجعل من صُلبك أولاداً صالحين برحمته - بتقوى اللّه، وإقام الصلوة، وايتاء الزكاة فإنّه لا تقبل الصلوة من مانعي الزكاة وأوصيك بمغفرة الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، ومساواة الإخوان، والسعي في حوائجهم في العسر، والحلم عند الجهل، والتفقه في الدين، والتثبّت في الأمور، وتعاهد القرآن، وحسن الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال اللّه تعالى لا خير في كثير من نجواهم إلّا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، واجتناب الفواحش كلّها، وعليك بصلاة الليل؛ فإنّ النبي (ص) أوصى عليّاً (ع) فقال: «يا عليّ، عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، ومن استخفّ بصلاة الليل فليس مِنّا، فاعمل بوصيّتى وأمر بجميع ما أمرتُك به» ونحو ذلك على الظاهر حتى يعمل عليه وعليك بالصبر، وانتظار الفرج، ولاتزال في الحزن حتى يظهر ولدي الذى بشّر به النبي (ص) أنّه يملاء الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، فاصبر يا شيخي ومعتمدي، وأمر بالصبر؛ فإنّ الأرض يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين. والسلام عليك. وعلى جميع المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته (32))) فائق المقال في الحديث والرجال لمهذّب الدين أحمدبن عبد الرضا البصري من أجلّة تلاميذ المحدّث الحرّ العاملي إحياء التراث مركز بحوث دار الحديث 11 ربيع الثاني 1422 12 تير ماه 1380 قم المقدّسة. وفي نفس الكتاب ((وَوُلد الإمامُ أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ - عليهما السلام والتحيّة والإكرام - بالمدينة المحبُورة يوم الاثنين رابع ربيع الآخر سنة اثنين ومأتين من الهجرة. وقبض(ع) بسرّ من رأى يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأوّل. وروي لثمان خلون منه سنة ستّ وستّين ومأتين وروي أيضا يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من المحرّم الحرام ودفن إلى جانب أبيه (ع). واُمّه اُمّ ولد يقال لها: حديثة رحمة اللّه عليها. ما روي هو: لثمان خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستّين ومأتين. كما في الكافي 1: 503، والمناقب 4: 422، وكشف الغمّة 2: 402. حكاه في جامع المقال: 189)). مركز بحوث دار الحديث 11 ربيع الثاني 1422 ، 12 تير ماه 1380 قم المقدّسة. ولد الحسن العسكري كما في مصادرهم سنة: 202 هـ على الأرجح ـ وتوفي سنة: 260 هـ على الأرجح أيضا، ولكن بالنظر إلى تاريخ وفاة علي ابن بابويه القمي سنة: 329 هـ بقم، وازدياد الحسن العسكري سنة: 202 هـ نجد أن الفرق بين وفاة الأول وازدياد الثاني هو: 127 سنة، فهل يكون علي بن بابويه القمي قد توصل بكتاب الحسن العسكري في نفس السنة التي ولد فيها الحسن العسكري والتي أعطت فرقا بينهما بـ: 127 سنة؟ هل عاش علي بن بابويه القمي 127 سنة هذا دون النظر إلى أن الحسن العسكري كان في السن الأولى من عمره؟ هل يعقل هذا؟ وإذا زدنا للحسن العسكري في العمر وقلنا أنه قد كتب كتابا لعلي بن بابويه القمي في نفس السنة التي تولى فيها الإمامة وهي سنة وفاة والده علي الهادي سنة: 254 هـ نكون أمام إشكال كبير يضطرنا إلى رفض سنة ولادة الحسن العسكري والتي تحددت في سنة: 202 هـ لأنه بذلك يكون علي بن بابويه القمي قد تسلم فعلا كتابه من الحسن العسكري لأن الإمام لا يصبح إماما إلا بوفاة الإمام الذي يخلفه وبذلك لا نتجاوز 75 سنة من سنة وفاة علي الهادي سنة: 254 هــ وهي السنة التي توصل فيها علي بن بابويه القمي بكتاب الحسن العسكري فيكون العسكري حينها قد وصل من العمر 52 سنة ولكننا نضطر كما قلت لتغيير السنوات لكل من الحسن العسكري والإمام الهادي، فنفس المصدر يقول: ((ووُلِدَ الإمامُ أبو الحسن عليّ بن محمّد الهادي - عليهما السلام والتحيّة والإكرام - بالمدينة المنوّرة يوم الجمعة للنصف من ذي الحجة الحرام سنة اثنتي عشرة ومأتين من الهجرة. وقيل: في السابع منه وروي أيْضا في خامس رجب المرجّب سنة أربع عشرة ومأتين واللّه اعلم. رواه العلّامة المجلسي في مرآة العقول 6: 109 عن مصباح الشيخ، ولكن قال في المصباح: 767: «وروي: أنّ يوم السابع والعشرين منه ولد أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري (ع)». حكاه في المناقب 4: 401 ، وعنه في بحار الأنوار 50: 114. وقبض (ع) بسُرّ مَن رأى يوم الإثنين ثالث رجب سنة أربع وخمسين ومأتين. وكان سنّه الشريف إحدى وأربعين سنةً. وقيل: وستّة أشهرٍ أيْضا. ودفن(ع) بها أيْضا. واُمّه اُمّ ولدٍ يقال لها سمانة رحمها اللّه تعالى. كما في الكافي 1: 497 - 498، والمناقب 4: 401. وإذا كان علي الهادي قد ولد سنة: 212 هـ والحسن العسكري وهو ولده قد ولد سنة: 202 هـ يكون الفرق بين ولادة الأب والإبن هو: 10 سنوات فقط، فهل ينجب الطفل بهذا العمر؟ كلا. هل تنبهت حضرة القارئ المحترم؟ ألا تلاحظ أن الفرق بعشر سنوات بين ولادة الأب وولادة الإبن ليس هو ما أريد لفت نظرك إليه؟ هل تدري في أي محطة أريد لك الوقوف والتأمل ثم اتخاذ القرار بانتعال دين الشيعة ورميه في الزبالة؟ إن ما أريد لفت نظرك إليه إن لم تكن قد توصلت إليه بعد؛ هو أن علي الهادي والد الحسن العسكري أصغر من ابنه؟ الأب يزداد سنة: 212 هـ والإبن يزداد سنة: 202 هــ، هل سمعتم بهذا في الأولين والآخرين؟ الإبن يكبر أباه في مصادر معتبرة للشيعة الإمامية، هل تقوّلْنا عليهم؟ هل إلى مخرج من سبيل؟ هل تستطيع حضرة القارئ المحترم أن تجبر شيئا من هذا الشرخ؟ أنا عاجز كل العجز عن فعل ذلك فافعل أنت وخبِّرني حتى يحصل لي العلم الذي صعب علي تحصيله من هذه الجهالات، فلا توقيع إذن للصدوق ولا لغيره، ولا وجود أصلا للمهدي وشبحه، كذب على الله وعلى الأئمة وعلى الناس، كيد شيعي خبيث لا يكيده الشيطان الجني. =================== القمي يلتقي بالمهدي المنتظر زعم ابن بابويه القمي أنه قد التقى الإمام محمد بن الحسن العسكري؛ المهدي المنتظر، والذي نعرف مما قرأناه عن أكثر علماء الشيعة قولهم باستحالة لقاء ورؤية الإمام المهدي بعد الغيبة الكبرى، فكيف زعم القمي أنه التقى المهدي المنتظر والمهدي المنتظر حسب زعمهم قد ترك توقيعا يصرح باستحالة رؤيته ولقائه؟ فقد ورد في الغيبة الصغرى للسيد محمد الصدر: ص 639 وما بعدها. ((ورد التوقيع الشريف عن الإمام القائد المهدي عليه السلام بعدم إمكان رؤيته بشكل صريح بعد وقوع الغيبة الكبرى، وهذا محل اتفاق علماء الإمامية)). يبقى احتمال وحيد إذا ألغينا مقولة أن الإمام يستحيل رؤيته بعد الغيبة الكبرى علما بأنه قد زعم كثير من علماء الشيعة أنهم التقوا به، بل في عصرنا بالكويت لقيه (عالم) شيعي على كورنيش الكويت، أقول: إذا ألغينا ذلك فيمكن أن يراه القمي لأن صاحب الزمان المهدي المنتظر لم يمت في نظرهم، فيكون من يأتي بعد ولادة المهدي من سنة 255 هـ إلى أن يظهر يمكن أن يراه ومنهم القمي سواء كان الأب أو الإبن، ورؤيته له تكون مختلفة بحسب ما طوي من أزمنة. فإذا رآه القمي الأب والتقى به وهو شاب يكون الإمام محمد بن الحسن العسكري قد وصل عمره إلى كذا وكذا. وإذا التقاه القمي الإبن يكون محمد بن الحسن قد وصل إلى عمر كذا وكذا. وإذا كان قد زعم الخميني أنه قد التقاه في عصرنا هذا يكون الإمام قد بلغ من العمر كذا وكذا. وإذا زعم خمينائي أنه قد التقاه في عصرنا هذا يكون الإمام قدوصل عمره كذا وكذا. وإذا زعم مصنع التخنيث السياسي حسن نصر الله أنه قد التقاه يكون الإمام قد بلغ من العمر كذا وكذا وهكذا احسبها حضرة القارئ المحترم وضع ما تريد من الاحتمالات المعقولة للقاء في حياة القميان أو الخميان أو المُخَنَّسِيان أو غيره وقارن وأمعن في المقارنة، ولكنك في النهاية سوف تنتهي إلى جنون لا كأي جنون، إنه الجنون الكوميدي. ========================= الشيخ المفيد يتوصل بكتاب من الإمام المهدي ((ورد أيضاً كتاب من الناحية المقدّسة على الشيخ المفيد أبي عبداللّه محمّدبن محمّدبن النعمان الحارثي قدّس اللّه سِرّه، وفي حضيرة القدس سَرّه وهو: بسم اللّه الرحمن الرحيم. أمّا بعد سلام عليك أيّها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين. فإنّا نحمد إليك اللّه الّذي لا اله إلّا هو، ونسأله الصلاة على سيّدنا ومولانا نبيّنا محمّد وآله الطاهرين، ونعلمك - أدام اللّه توفيقك لنصرة الحق. وأجزل مثوبتك على نطقك منا بالصدق - أنّه قد اُذن لنا في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤدّيه عنّا إلى موالينا قبلك - أعزّهم اللّه بطاعته، وكفاهم المهمّ برعايته وحراسته - فقف - أمدّك اللّه بعونه على أعدائه المارقين - عن دينه على ما نذكره، واعمل في تأديته بما نرسمه إن شاء اللّه تعالى. نحن وإن كنّا ناؤونَ بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب ما أراناه اللّه سبحانه لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الفاسقين فإنّا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالأزل الّذي أصابكم. مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شائعاً سعاً، ونبذوا العهد المأخوذ منهم وراء ظهورهم كانّهم لا يعلمون. أنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأدواء. واصطلحكم الأعداء. فاتّسق اللّه جلّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حتم أجله، ويحمى عنها من أدرك (أمله) وهي أمارة لأروف حركتنا ومناقشتكم بأمرنا ونهينا. واللّه متمّ نوره ولوكره الكافرون. فاعتصموا بالتقيّة من شبة نار الجاهليّة تجششها عصبة أمويّة، تهول فيها فرقة مهديّة، أنا زعيم بنجاة من لم يرم منكم فيها المواطن الحفيّة. وسلك في الظعن منها السبل الرضية. إذا أهلّ جمادى (الأولى) من سنتكم هذه، فاعتبروا بما يحدث فيه. واستيقظوا من رقدتكم في الّذي يليه. ستظهر لكم من السماء جليّة. ومن الأرض مثلها بالسويّة ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد على أرض العراق طوائف من الإسلام مرّاق يضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق، ثمّ تنفرج الغمّة من بعد بوار طاغوت من الأشرار، يسرّ بهلاكه المتّقون الأخيار. ويتّفق لمريدي الحج ما يأملونه على توقير منهم وإيفاق. ولنا فنيسر حجّهم على الأخيار والفاق. شأن يظهر على نظام واتّفاق، ليعمله كلّ امرء منكم بما يقرّبه من محبّتنا. وليجتنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا. فإنّ أمرنا ينبعثه فجأة حين لاينفعه توبة، ولاينجيه من عقابنا ندم على حوبة. واللّه يلهمكم الرشد ويلطف بكم في التوفيق برحمته. هذا كتابنا إليك أيّها الأخ الولي، المخلص في وُدّنا الصفيّ، الناصر لنا الوفيّ، حرسك اللّه بعينه الّتي لاتنام. فاحتفظ به، ولا يظهر على خطّنا الّذي سطرناه بما له ضمّناه أحدا، وأدّ ما فيه إلى من تسكن إليه. وارض جماعتهم بالعمل عليه. إن شاء اللّه تعالى. وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين)). القائم عربي يُفْترض أن يكتب بعربية سليمة ولكن المهدي في كتابه إلى المفيد يبدو ضعيفا ومتصنعا، فلو كان الكتاب من مهدي إيراني واحتاج الأمر إلى ترجمة كتابه إلى العربية لقلنا أن المترجم غير موفق في ترجمته من العجمية إلى العربية، أما وأن المهدي عربي فلا عذر له في دونية عربيته. هل لاحظت حضرة القارئ المحترم كيف يزعمون لأئمتم علم الغيب؟ هل لاحظت التناقض بينهم في مسألة علم الغيب؟ منهم من يقول أن الأئمة يعلمون الغيب، ومنهم من ينفي ذلك عنهم ولكن من ينفي ذلك ينفيه تقية فأئمتم كبراء في الإنسانية، فهم فوق منزلة الأنبياء والرسل، وذلك مبثوث في أمهات كتبهم المعتمدة. هل لاحظت أن من يريد الاستئثار بالناس يزعم لنفسه لقاء الإمام؟ هل لاحظت أن من يريد الحظوة يزعم لقاء الإمام؟ لو أنهم سعوا إلى حظوة عند الملوك والرؤساء والأمراء لكان خيرا لهم، ذلك أن الحظوة إن حصلت تكفيهم التطلع إلى الفخر والاعتزاز مع العزوف عن استغلال الناس هذا إذا لم تكن حظوتهم عند الملوك والرؤساء جالبة للنفوذ، فإن كانت كذلك استغلّوها وبزّوا الناس وعدَوْا عليهم وسلبوهم لأن ذلك أصل في دينهم. انظر حضرة القارئ المحترم لتاريخ ازدياد ووفاة محمد بن نعمان المفيد ( 336 هـ ــ 413 هـ)، ازداد الرجل بعد أن قضى محمد بن الحسن العسكري في غيبته الكبرى 7 سنوات، وبعد أن بلغ من العمر 81 سنة، المفيد يتوصل بكتاب من المهدي والمهدي في الغيبة الكبرى ولا واسطة بحيث مات النصّابون الأربعة آخرهم السمري سنة 329 هـ وبموته دخل المهدي الغيبة الكبرى وانقطع الاتصال به، وزالت الوسائل، فكيف ورد كتاب المهدي على المفيد؟ وهل ورد حق كتاب المهدي للمفيد؟ عجيب أمر الوهم، وعجيب أمر تصديق النفس حين تستسيغ النصب والاحتيال على الناس، عجيب والله فسجن الإنسان في قبو أو حفرة أو زنزانة أفضل من سجن نفسه في الوهم والخرافة. =========================== أفجر الزنادقة الشيعة ياسر الحبيب: بين الحين والآخر يتقيأ القلب المتورِّم حقده وغيظه للنيل من أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المُبَرَّءَة من فوق سبع سموات، يفعل ذلك للحفاظ على دين اخترعه اليهودي عبد الله بن سبأ بعد أن مهد له الراهب النصراني أبو عامر مع جمع من منافقي مسجد الضرار وحافظ عليه من سلك مسلكه إلى يومنا هذا. الطعن في عائشة والنيل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جزء من دين الشيعة الإمامية، وهو إرث حفظته لهم كتبهم مثل بحار الأنوار والكافي وغيرهما. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر المسلمين من يعذرني ـ أي ينصفني ـ فيمن أذاني في أهلي)) وقد كان زعيم الأفاقين المنافق عبد الله بن أبي بن سلول. قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً)) الأحزاب 57 ـ 58. الطعن في أمنا عائشة رضي الله عنها فيه تنقيص برسول الله صلى الله عليه وسلم من جانب آخر حيث قال عز وجل: ((الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ)) [النور:26. قال ابن كثير ((أي ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي طيبة، لأنه أطيب من كل طيب من البشر، ولو كانت خبيثة لما صلحت له شرعا ولا قدرا ولهذا قال تعالى: ((أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ)) ـ أي عما يقوله أهل الإفك والعدوان. تفسير بن كثير 3 / 278)). الطعن في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعله عاقل ولو أن يكون الأمر صحيحا وهو غير صحيح قطعا بنص القرآن الذي برأها رضي الله عنها، لأنه بذلك يفضح أمه بنص القرآن الكريم. الشيعة بشكل عام والشيعة الإمامية بشكل خاص يقوم دينهم على عقيدة الحقد لكل من ليس شيعيا ولكل من ليس على مذهبهم، بل لكل شيء غير شيعي، ولكل شيء شيعي أيضا، فالجمادات شيعية، والحيوانات شيعية باستثناء الورل لأنه لا يعترف بإمامة الأئمة كما يصرحون، وهم أضل من اليهود الذين ضاق بهم نبي الله موسى ذرعا ودعا عليهم، هم أفجر من إبليس، وأعهر من بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي. حين يجلسون لتلقّي العلم يفرغون رؤوسهم من عقولها ويتقمّصون الاستلاب والغباوة إلى أن يصيروا أغبياء حقيقة، فلا يستعملون عقولهم لغيابها، ولا يتفحصون أقوال علمائهم لقدسيتهم وارتفاع مكانتهم لديهم، وإذا جلسوا للدرس وتعليم الناس صبّوا الزيت على حقدهم ليستشري فيمن يعلِّمونهم فتشتعل النار في الجميع ولا غرابة فهم من سلالة من عبدوا النار وقدسوها يحاولون إحياء المجوسية وإعادة أمجادها الغابرة التي مسحها من الوجود أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وصحابة الرسول . انظر إلى هذا المُخنَّث الجاهل المدعو ياسر الحبيب الذي ينشر غسيله الوسخ على نساء النبي ، لا يهمه فقه قوله تعالى: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6))) الأحزاب. ولا يهمه النظر إلى قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34))) الأحزاب. ولا إلى قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62))) الأحزاب. هذا سياج قرآني يُعيِّن النظرة إلى أزواج النبي دون وَصْوَصَة، سياج رباني يحدد النظر إلى من كُنَّ تحت سيد الخلق وأشرف الخلق وأقدس الخلق حتى يعرفوا قدره فلا ينظرون إلى أهله نظرة لا تليق بهن، ومن هنا يمكن القول أن نساء النبي قد تحددت النظرة إليهن من خلال هذه الآيات المُفْحِمات، فالله تعالى يتحدث وهو أعلم العالمين عن نساء حبيبه الشيء الذي يقطع بحتمية اعتبارهن حقيقة طاهرات عفيفات صادقات أمهات لأبنائهن ممن أنجبن من أرحامهن، وأمهات للمؤمنين جميعا، ومن لم يكن بهذه النظرة لهن فلسن بأمهات له وبئس التعس له فأمه الهاوية وما أدراك ما هي نار حامية. انظر في قوله تعالى: ((لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53))) الأحزاب. كيف لم يسمح الله تعالى لحبيبه محمد أن يتزوج بعد زوجاته ومنهن حفصة وعائشة؟ هل في الاقتصار على ما تحت يديه بشكل إلزامي يميزه عن سائر المسلمين؟ اللهم نعم، المسلم يتزوج والنبي لا يتزوج بعد أزواجه، وميزة ذلك قيد له ونعم القيد من رب العالمين، وميزة ذلك أيضا ارتفاع منزلة نسائه، كل النساء يتزوجن بعد وفاة أزواجهن إلا نساء النبي أليس في هذا تميز؟ وإن لم يكن تميزا أليس فيه ظلم؟ وحاشى لله تعالى ظلم أحد، وإذا كان ما تحت النبي منافقات كعائشة وحفصة كما يزعم المنافقون الشيعة لاستثناهما، ولما أدخلهما في زمرة أمهات المؤمنين لأن إدخالهما في الزمرة تشريف لهما، لو كان الاستثناء موجودا لفتح الشيعة بابا للطعن أكثر مما فتحوه فيهما رضي الله عنهما، أما وإدخالهما في زمرة أمهات المؤمنين وارد بنص القرآن الكريم فلا يعني ذلك غير طهرهما ونبلهما وتشريف لهما. وانظر في قوله أيضا "..ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ.."، أطهر ليس اسما للطهر، بل للمبالغة أطهر، ولم؟ للقلب، وهو طهر معنوي يرقى عن الطهر المادي، هذا هو الفضل العظيم لنساء النبي، وكفاهن فضلا أنهن أمهاتنا ولسن أمهات لياسر الخبيث ولا لأي ظِرْبان من أضرابه. هذا الخبيث يقول عن عائشة أنها كانت تحيض من دبرها، وما قوله ذاك إلا عن حقد دفين لا مكان له في قلب علي ولا الحسن ولا الحسين ولا سائر المسلمين ولا أهل بيت رسول الله على عائشة ولا أي أم من أمهات المؤمنين ولا صحابة رسول الله ، الحقد يعمي عن رؤية الحق، الرجل يعيش في بريطانيا في القرن الحادي والعشرين ويقول بما لا يجهله طالب أو تلميذ في الصف الإعدادي، فالجهاز التناسلي غير الجهاز الهضمي وكلاهما له مجرى غير مجرى الآخر لا يلتقيان أبدا، فكيف يحصل ما زعم الخبيث؟ لا يمكن، وعليه كما قلت هذا الكلام لم يصدر إلا عن حقود لا يُعْمِل عقله في كذبه وبهتانه حتى يأتي على الأقل بخديعة تسيطر على البسطاء والجهلة، أما أن يأتي بما لا ينخدع له حمار جحا فذلك منه غباء مركَّب. ويتمادى في ظلم رسول الله وإذايته في عرضه فيقول عنه أنه لم يكن يقرب زوجه عائشة إلا قليلا، فلِمَ تزوجها إذن؟ ويخنخن صوته ويتمايل كما لو كان حوضه حوض "مونيكا لوينسكي" يتلهّف لنطفة إبليس ليقول أنه في بعض رواياتنا لم يقربها قط، فلم ظلت تحته إلى أن التحق بالرفيق الأعلى في حجرتها بين صدرها ونحرها؟ لم كان آخر سائل اختلط بريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ريق زوجه المصونة عائشة حين لاكت وليّنت له عود السواك وقد كان قبل ذلك في فم أخيها دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الأخير فرآه وفهمت عائشة أنه يريده وكذلك كان؟ لم اختار التطبيب في بيتها؟ أليس لتكون حجرتها أطهر وأشرف بقعة؟ ما قيمة الكعبة المشرفة والقدس الشريف وبيت فاطمة الزهراء رضي الله عنها ومكان ولادتها وولادة بعلها علي بن أبي طالب وسائر أمكنة ولادة الأئمة وأماكن الشيعة المقدسة كذبا ككربلاء والنجف وقم وكذلك سائر البقاع التي احتضنت جثامين الأنبياء والرسل والصحابة والأئمة وكل الناس أمام حجرتها؟ أتدرون لماذا؟ لأنها تحتضن قبرا به جثمان النبي محمد خير الخلق ، صحيح أنه قد وردت أحاديث في فضل مكة عن سائر البلدان ولكننا لا نقصد إلا مكان وضع جثمان الحبيب محمد ، فقد تطهَّر المكان بجثمانه الطاهر بأبي هو وأمي . لست أدري بم يُرَدُّ على معدن الخبث هذا؟ وإن أنا خلصت إلى كيفية الرد عليه فلن يكون ردا بالكلام والحوار لأنه لا فكر ولا علم ولا فقه.. حقد في حقد، وخواء في خواء، بل يكون ردا بانتعال لحيته القذرة ووضع وجهه على الأرض، ثم حمل كلب جحا للشغر عليها. عبد الحميد المهاجر يقول عبد الحميد المهاجر في شريط فيديو موجود على الفيسبوك أن دمعة واحدة في مجلس الحسين على الحسين رضي الله عنه ثمنها جنة عرضها السموات والأرض، ويكذب على الباقر أبي جعفر فيما نسبه إليه قوله: ((الدمعة الواحدة على الحسين إذا وقعت على جهنم أطفأتها)). أترك لك حضرة القارئ المحترم هذا المُهَلْوَس لترد على خرافاته وأباطيله، لترد عليه سلعته الفاسدة، فقد صدرت عمن هو أفسد منها ولكن عقلا وقلبا. الخميني ويقول الخوميني: ((لو خرج سلطان على أمير المؤمنين عليه السلام لا بعنوان التديّن بل للمعارضة في الملك أو غرض آخر، كعائشة والزبير وطلحة ومعاوية وأشباههم، أو نصب أحد عداوة له أو لأحد من الأئمة عليهم السلام لا بعنوان التدين بل لعداوة قريش أو بني هاشم أو العرب، أو لكونه قاتل ولده أو أبيه أو غير ذلك؛ لا يوجب ظاهراً شيءٌ منها نجاسة ظاهرية، وإن كانوا أخبث من الكلاب والخنازير”!)) كتاب الطهارة للخميني ج 3 ص457. ((نحن نعبد إلهاً نعرف أن أعماله ترتكز على أساس العقل ولا يعمل عملاً يخالف العقل، لا إلهاً يبني بناء شامخاً من التأله والعدالة والتدين، ثم يخربه بيده ويعطي الإمارة ليزيد ومعاوية وعثمان وأمثالهم من المهاجمين، ولا يحدد المطلوب من الناس بعد النبي إلى الأبد حتى لا يساعد في تأسيس بناء الظلم والجور)) مختارات من أحاديث وخطابات الخوميني 2 ـ 42. وفي كتابه كشف الأسرار ص 131: ((لو كانت مسألة الإمامة قد تم تثبيتها في القرآن، فإن أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة، كانوا يتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته، ويسقطون القرآن من أنظار العالمين إلى الأبد، ويلصقون العار ــ وإلى الأبد ــ بالمسلمين وبالقرآن، ويثبتون على القرآن ذلك العيب الذي بأخذه المسلمون على كتب اليهود والنصارى)). أترك لك أيضا حضرة القارئ المحترم هذا البارع في التفخيذ للأطفال فيما أسماه زواج المتعة، هذا السفاح الذي قتل الأبرياء وسن لخلفه خمينائي فعل فعله، هذا العميل الذي جاء به كارتر إلى حكم إيران وبه قضى على النفوذ الإنجليزي المتمثل في شاه إيران محمد رضا بهلوي الذي كان ينعت بالعمالة لأمركيا وماكان إلا عميلا لبريطانيا ويعرف ذلك أهل الوعي السياسي الحقيقي، أتركه لك فقد خبرت فكره فلم أجد فكرا ولا علما وإنما هو القول بالتشهّي، والقول بخلفية الحقد على الإسلام والمسلمين وخصوصا أزواج النبي العفيفات الطاهرات وصحابته الميامين. حسن نصر الله في عقل صفيحي حفر جرذ مسكنا له ووضع خلاله فُرَجاً لتمر منها إناثه. كانت إحدى إناثه اثني عشرية، والجميلة منهن نُصَيْرِية، يعشقن عبادة الفروج ولم يكن من فرج أقدس لهن من فرج أمّ الزعيم. بنى لها كنيسا عند سرداب ابن نرجس؛ الأسطورة، ثم دُعي إلى حضور الصلاة جمعٌ من الخنافس والجِعْلان والجُرَد، وكان من بينهم حُبْحُب تلّ أبيب؛ الأبلد، وجُعَل البيت الأبيض؛ المرتد، يشاركهم معدن الدياثة؛ مفتي التفخيذ للصبايا بطهران صنيعة كارتر وقد انتصب رفاتا نتنا آذى بريحه خليفته المُعَمَّم فاستأذن دون وفاء منه له يريد سحقه وذرّه في الهواء فَهْو وإيّاه سواء في استحمار الحشرات على حقارتها، فالحمار أضخم وهو أكرم من الحَمّار كما يقول الفيلسوف جحا، فهل صدق جحا؟ ربما.. امتد من قُمْ وطهران حتى لبنان يبغي التمثيل على البُلَهاء، يستنسخ روايات النصّابين القدامى، يستنطق رفاتهم من مزبلة التاريخ، ويستحضر أرواحهم من جينات المسيخ؛ للاقتباس منها، فقد أعيته الحيل مع الكيِّسين من أبناء الصحابة وأولياء الرسول وآل بيته.. وقف بين روحَيْ العمري الأب والعمري الابن، ثم ركلهما لوضاعتهما ركلة مايْستْرو برشلونة؛ ميسّي، التفت يبحث عن أرواح أخرى لوكلاء ولَدٍ لا والد له فانتصبت بين يديه روح ابن روح والسمري، ركل السمري لسفالته ركلة مايسترو الميرِنْكي؛ رونالدو وأبقى للاقتباس روح ابن روح لأنها الأبرع في إتقان الروايات، ثم طفق يروي على لسان الكبيرة بنت الصغير، وما إن شرع يفرك عينيه ويصبو إلى الميكروفون وهو منتفخ قد انتشى بالهالة التي أعطاها لنفسه في غرور ونفاق، وأعطاها له حميره في بلادة ونهاق حتى انتصبت بين يديه روح أمّ كلثوم، رمت جانبا أرواح من يروون عنها من سقط الرواة، ثم طفقت تروي بنفسها فقالت عن وجيه بني بسطام قوله: "إنني أذعت السر وقد أُخذ علي الكتمان فعوقبت بالإبعاد بعد الاختصاص، لأن الأمر عظيم لا يحتمله إلاّ ملك مقرب أو نبيّ مرسل أو مؤمن ممتحن"، فبلغ ذلك ابن روح فكتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه وممن تابعه على قوله، فلمّا وصل إليهم أظهروه على لعن المهدي له فبكى بكاء عظيما، ثم قال: إن لهذا القول باطنا عظيما، وهو أن اللعنة الإبعاد، فمعنى قوله: لعنه الله، أي باعده الله عن العذاب والنار، والآن قد عرفت منزلتي، عرفت حظوتي ويا لها من نَوْلة عظيمة ومرّغ خدّيه على التراب وقال: عليكم بالكتمان لهذا الأمر. قلت أنا الكبيرة رضي الله عني: وقد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر قالت لي يوما وقد دخلنا إليها فاستقبلتني وأعظمتني وزادت في إعظامي حتّى انكبّت على رجلي تقبِّلها، فأنكرت ذلك وقلت لها: مهلاً يا ستّي فإن هذا أمر عظيم، وانكببت على يدها فبكت، ثم قالت: كيف لا أفعل بك هذا وأنت مولاتي فاطمة؟ فقلت لها: وكيف ذاك يا ستي؟ فقالت لي: إن الشيخ أبا جعفر محمّد بن علي خرج إلينا بالسر، قالت: فقلت لها: وما السر؟ قالت: قد أخذ علينا كتمانه وأفزع إن أنا أذعته عوقبت، قالت: وأعطيتها موثقا أني لا أكشفه لأحد واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ الحسين بن روح رضيت عنه بعد رضا جدي العمري وأبي.قالت: إن الشيخ ابن أبي العزاقر قال لنا: إن روح رسول الله انتقلت إلى أبيك محمّد بن عثمان العمري، وروح أمير المؤمنين علي انتقلت إلى بدن الحسين بن روح، وروح مولاتنا فاطمة انتقلت إليك، فكيف لا أعظمك يا ستّنا؟. فقلت لها: مهلاً لا تفعلي، فإن هذا كذب يا ستنا. فقالت لي: سر عظيم، وقد أخذ علينا أن لا نكشفه لأحد، فالله الله فيَّ، لا يحل بي العذاب، ويا ستّي لولا أنك حملتني على كشفه ما كشفته لك. قلت أنا الكبيرة بنت محمد بن سعيد العمري، أنا أمّ كلثوم بنت سفير مهديكم في الغيبة الصغرى رضي الله عني: فلمّا انصرفت من عندها دخلت إلى الشيخ ابن روح فأخبرته بالقصة وكان يثق بي ويركن إلى قولي، فقال لي: يا بنية إيّاك أن تمضي إلى هذه المرأة بعدما جرى منها، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك، ولا رسولاً إن أنفذته إليك، ولا تلقيها بعد قولها، فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن الله تعالى اتحد به، وحلَّ فيه، كما تقول النصارى في المسيح عليه السلام ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله. قالت: فهجرت بني بسطام، وتركت المضي إليهم ولم أقبل لهم عذراً ولا لقيت أمّهم بعدها، وشاع الخبر في بني نوبخت فلم يبقَ أحد إلاّ وتقدم إليه ابن روح وكاتبه بلعن الشلمغاني والبراءة منه، ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان بلعنه والبراءة منه وممن تابعه وشايعه. حين انتهت الكبيرة من سرد حكايتها عادت إلى سيرتها الأولى عظاما نخرة في مطرح النفايات وتركت عجلة الزمان تدور متقدمة في شريط أجلها، وبينما هي تطوي المسافات مرت على جَمْع في متلفة التافهين يغلب عليه لون بقرة موسى، لهم في لونهم طقوس تحنِّنهم إلى دين السامري، تقدمت بجلال من يركبونها ولكنها خلَّفت لزمن العرض المسرحي ممثلا بارعا سيشهد على الحدث وسيشهد على الزعيم. وقف عَشّاق الميكروفونات بقلب عاهر بين موتى يشهقون ويزفرون، نظر دهقان لبنان لصاحب طهران في جِيَفٍ يصيحون ويصمتون، يتحركون ويسكنون، ميتتهم التي هم فيها؛ الأولى، وينتظرون الثانية، أخرج من تحت عمامته قصة من شعر رأسه يستنكح بها فحول سدوم من الأحياء، رش على لحيته الناعمة رذاذا من عطر باريس تفرزه إناث الكلاب في موسم التزاوج، ثم تناول الميكروفون وبدأ يدغدغ مشاعر اليعاسيب في فصل الخريف، فقد أوشك الشتاء على إطلالته وهو في عجلة من أمره يريد تناسلها قبل مَوْتتها الثانية، ثم أرخى العنان لخياله منتفخا وقد قسم خطبته إلى خُطْبة وخِطْبة، يخطب لنفسه عريسا من آل إبليس يعرِّس به يوم الزينة في معبد تقْنى فيه الرؤوس والجباه بالسوائل النجسة، ثم يخطب واعظا لا يتّعظ ويظن أنه يكلم أحياء، يخطب فيهذي في عالم الأموات ويظن أنه حي ولا يلتفت إليه حي واحد. وحين أوشك على الثمالة جيء بعقول لتمتح من شراب البهوت، فقد آذاها التعقُّل، وميّلها البله إلى الشرود والغفلة وهي لا تعرف لِــ"بَلْهَ" التشيُّع اسم فعل فباتت واثقة من شراب نصر اللاّت وحشيشة أمّ كلثوم وهلوسات أبيها وجدِّها ولن يخرجها من الثمالة والتحشيشة غير الميتة الثانية، أو تلحقها الرحمة إذا هي كنست النفاق من قلبها، واجْتَثَّت الخبث من صدرها، كذلك يقول المفكر جحا. ظل المخادع يرتدي زيّ الممانعة في زمن يُصدَّق فيه الكاذب ويُكذَّب فيه الصادق ويُؤتمن فيه الخائن ويُخوَّن فيه الأمين وينطق فيه الرُّوَيْبِضات إلى حين.. ================= نكاح المتعة وإعارة الفروج هناك فرق بين زواج المتعة ونكاح المتعة، زواج المتعة زواج حصل في حياة الرسول محمد ، وقد كان ترخيصا لبعض صحابته في غزوة خيبر وفي فتح مكة، ثم حرَّمه تأبيدا، وفي صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله فقال: "يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً". رواه مسلم (1406). ونكاح المتعة نكاح اخترعه الزنادقة الشيعة استحلالا لفروج النساء ورغبة في مشاعة المواقعة لهن دون قيد أو شرط تقليدا للبهائم ومسخا للذرية وإتلافا للأنساب. جاء بعد زواج المتعة المحرم تأبيدا قوم أباحوا النكاح وسموه زواج المتعة وما هو بزواج ونسجوا عليه الأكاذيب واختلقوا أحاديث رووها على لسان آل بيت رسول الله بغرض الاستمتاع بالنساء دون قيد أو شرط. يعتقد الشيعة الإمامية في نكاح المتعة ويعتبرون من لم يستمتع مخالف للشرع وهو "قربة يتقرب بها الشخص إلى الله عز وجل بتحصين نفسه وحفظ دينه" وهو محرم عند أهل السنة والجماعة وعند الشيعة الزيدية والإباضية. وهناك من يقارن بين زواج المتعة في الدين الشيعي وبين فتاوى لعلماء مسلمين قالوا بجواز الزواج بنية الطلاق فاعتبروا النية في التطليق بمثابة أَجَلٍ للزواج وهو عينه نكاح المتعة ولكن بتعبير آخر فيه حيلة خلاف نكاح المتعة عند الشيعة الإمامية ففيه وضوح تام وجرأة على استظهار دين الله تعالى على حد زعمهم الذي جاء به أئمتهم، وليس فيه تبعية في حالة الحمل، ليس فيه تبعية في حالة الموت بوفاة المستمتِع بالمرأة بحيث لا ترث المرأة التي يستمتع بها. والمقارنة ممتنعة بين نكاح المتعة وجواز الزواج بنية الطلاق عند بعض علماء المسلمين، فالطلاق في نية المتزوج وليس في نيته الأجل، أي أجل التطليق، فلو كان في نيته الأجل لأصبح هو عينه نكاح المتعة عند الشيعة، وكم صاحب نية في الطلاق لم يطلق، وكم صاحب نية في الطلاق شكر الله على أنه لم يفعل لأنه عز وجل قد أصلح له زوجه.. وهذا النكاح نكاح لا يشبه نكاح الإيماء، فالأَمَة والسبِيَّة لا بد أن تستبرأ على خلاف بين العلماء بحيضة واحدة، وهذه كافية لمعرفة أن رحمها لا يحمل جنينا لمن كانت تحت ذمته أو كانت متزوجة به، وحين يتم الزواج منها ويتم الحمل يحفظ النسب ويترتب عليه تبعات اجتماعية من حقوق الأبوة والأمومة والعمومة والخؤولة والنفقة وما إلى ذلك. أما في نكاح المتعة عند الشيعة فلا استبراء ولا أي شيء سوى الاتفاق على المواقعة بأجل ساعة أو أقل أو أكثر، بأيام أو أقل أو أكثر بأشهر أو أقل أو أكثر.. ولا يهم إن كانت المتعة بعد ساعة أن يأتي المستمتِع الثاني فيواقع المرأة وفرجها لا يزال مليئا بالنطف النتنة للزاني قبله، ولا يهم إن كان المستمتع أبا يليه الإبن ناهيك عن المحارم، فلا قيمة عندهم لقوله تعالى: "وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22))) النساء. ذُكرت في القرآن الكريم شروط للنكاح وليس فيها شيء مما في نكاح المتعة الذي يعتمده أبناء المتعة وإعارة الفروج، نكاح المتعة ليس القصد منه إلا سفح الماء وقضاء الشهوة وليس فيه إحصان أو حفظ للمرأة لا نفسياً ولا جسدياً ولا أسرياً، وكذلك الرجل، ودعنا نتأمل سياق هذه الآيات المحكمات في النكاح لنتبين من أيهما يجوز، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26))) النساء. جاء الإسلام بشريعة سمحة تمحو بهيمية الماضي قبلها وتنير للإنسان طريق العدل والإحسان وتبين له كيفية العيش وتبادل العلاقات، جاءت الشريعة في المجال الاجتماعي الذي يعنى بتنظيم علاقة الرجل بالمرأة بأوامر ونواهي من خالق الإنسان وعارف طبيعة تكوينه وطبيعة ميوله فكانت الشريعة الإسلامية شريعة العقلاء من جنس البشر، وكان غيرها مما وضعه الإنسان فاسدا قطعا ويقينا، كان الإنسان في القديم بعيدا عن آثار الأنبياء وشرائعهم يسلك سلوك الحيوان فكانت المزدكية في القرن الخامس الميلادي مثلا تبيح الفروج وتقول بإعارتها أخذ الفكرة عنهم الشيعة الإسماعيلية والاثني عشرية.. جاءت الشريعة الإسلامية لتضمن حقوق الرجل والمرأة والطفل والصبية.. جاءت لحفظ الأنساب فشرعت الزواج واشترطت شروطا لصحته حتى لا يكون متعة مجرد متعة أو زنى مقنن كما عند الشيعة، وأوجبت تبعات عند انعقاد الزواج بشروط العقد الصحيح. وعند النظر إلى زواج المتعة نجده قد ورد في باب الناسخ والمنسوخ، فالرسول الأكرم صلوات الله عليه وسلامه يقول فيما رواه سبرة الجهني عن أبيه: ((يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً". رواه مسلم (1406). فالحديث يتضمن إخبارا عن الاستمتاع بالنساء في الماضي وقد عرفنا أنه وقع في فتح خيبر وفتح مكة، وكان بإذن من رسول الله والرسول لا ينطق عن الهوى، كان بإذن من المشرِّع، ثم نُسخ فكان الاستمتاع بالنساء محرما تحريما مؤبدا. وأما ما جاء من ذكر للاستمتاع في القرآن الكريم فلا علاقة له بما نحن بصدده، بل هو متعلق بالاستمتاع بالنساء في الزواج، والزواج استمتاع كسائر أنواع الاستمتاع المباحة وقد يكون أعلاها، وهو من الطرفين من باب وصف الواقع، تستمتع المرأة بالرجل ويستمتع الرجل بالمرأة، وهنا تركيز على استمتاع الرجال بالنساء، لا يهم، المهم أن الاستمتاع بالنساء خارج إطار الزواج الشرعي قد نسخ بنص الحديث في قوله: ((..وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة..)). هذا هو الوجه السليم لفهم الحديث، والحادثتان وقعتا في فتح خيبر وفتح مكة وقد التزم بذلك المسلمون بما في المسلمين علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، لم يستمتع علي بن أبي طالب في فتح خيبر وفي فتح مكة فخالف بذلك شرع الله بزعم الشيعة، لم يرخص له النبي أن يجمع بين بنته وبنت أبي جهل في الزواج فكيف أن يستمتع بغير فاطمة الزهراء رضي الله عنها استمتاع المتزوج بزوجه واستمتاع المتزوجة بزوجها وهم يعتبرون غير المستمتع بالنساء ناقص دين ومنهم علي لأنه لم يستمتع لأن النبي لم يسمح له بالزواج على بنته فاطمة فكيف بالاستمتاع؟. ولا يقال أن تحريم الاستمتاع بالنساء على طريقة الشيعة استمتاع مقيت فيه تضييع للحقوق وخلط للأنساب وانحدار نحو البهيمية، لا يقال ذلك وهو قول صحيح ليس لأننا لا نؤسس للتعقل وموافقة الفطرة وملء القلب بالطمأنينة، بل لمجانبة ذلك لإرادة الشارع. فالله تعالى حين شرع الاستمتاع بالنساء في فتح خيبر وفتح مكة شرعه للمسلمين، وحين حرّمه حرمه على المسلمين أيضا، ومن يشرِّع للاستمتاع يشرِّع نقيض شرع الله وبذلك يحكِّم غير الشريعة الإسلامية وبه يستجيب لغير ما أنزل الله جل وعلا والله يقول في كتابه الكريم: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) النساء. وحين النظر إلى الواقعتين والحادثتين نجد أن بهما حكمة لا تصدر من حكيم فقط، بل من أحكم الحاكمين وهو الله تبارك وتعالى، انظر إلى إباحة الاستمتاع دون تقييده واشتراط شروط عليه كما هو الحال في الزواج، ألا يكون ذلك طريقا إلى إتلاف الأنساب واختلاطها؟ الجواب نعم ولكننا قلنا لا يقال ذلك والسبب أننا أمام مشرع متحكم في مصائر العباد، عارف بمآل أفعالهم فكانت النتيجة أن الاستمتاع بالنساء عند فتح خيبر وفتح مكة قد كان وفق علم الله تعالى لا يمكن أن يترتب عليه أبوة ولا أمومة ولا بنوة، وبالتالي لا عمومة ولا خؤولة.. وفي ذلك حفظ للأنساب وعدم اختلاطها بالطريقة التي لا تحفظ، بل تختلط وهي الجماع والاستمتاع بالنساء وهذا يدخل في باب الإعجاز العلمي لهذه الشريعة السمحة. فكان الصحابة الذين استمتعوا بالنساء استمتعوا في حماية ربهم من الإنجاب الذي لم يرتب عليه الشرع أية أحكام لأنه غير كائن، إلى أن حرّمه تأبيدا. يا لروعة هذه الشريعة، ويا لحكمة ربنا جل جلاله. وعليه يكون الاستمتاع بالنساء في زمن النبي وحرمة ذلك في زمنه أيضا دالا على منحة حرمنا نحن منها، ودالا أيضا على حكمة ربانية شرعت الاستمتاع مؤقتا دون أن تضع له تبعات إلا ما أشارت إليه الآية في أن لا يأخذوا مما آتوا النساء شيئا بعد التحريم، ثم نسخته. ======================== الفهرس كلمة تقرئ قُبَيْل قراءة الكتاب 005 ديباجة الكتاب 007 الإهداء 009 الاستهلال 011 المقدمة 013 فساد القول بعصمة أحد بعد النبي محمد 015 الإمامية عنصرية 021 وصية النبي لعلي بن أبي طالب بالخلافة بعده عقلا وشرعا لا تجوز -------------------- 031 شبكة النَّصْب والاحتيال بقيادة الوكلاء الأربعة للمهدي الأسطورة--------------------- 039 النصّاب الأول: عثمان بن سعيد العمري (أبو عمرو) 047 النصّاب الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد العمري (أبو جعفر) 055 النصّاب الثالث: الحسين بن روح (أبو القاسم) 059 النصّاب الرابع: علي بن محمد السمري (أبو الحسن) 065 بعض الرجال المبعدين عن صناعة الدين الشيعي 073 الشريعي (السريعي) 075 محمد بن نصير النميري 077 أحمد بن هلال الكرخي 079 محمد بن علي بن بلال (أبو طاهر) 081 الحسين بن منصور الحلاج 083 محمد بن علي المعروف بالشلغماني (ابن أبي العزاقر) 085 محمد بن أحمد بن عثمان (أبو بكر البغدادي) 089 فرية كسر ضلع بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم 091 إرث المتاع والنبوة عند الشيعة الإمامية 099 أصح الكتب والوثائق التاريخية 109 موقع علماء الشيعة وكتب دينهم من صحاح كتب أهل السنة----------------------- 123 الكافي لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكُلَيني الرازي ----------- " " " الاستبصار وتهذيب الأحكام لمحمد الطوسي -------------- 128 من لا يحضره الفقيه للقمي الملقب بالصدوق الأول ------------ 129 الإختصاص والإرشاد لمحمّد بن محمّد بن نعمان المفيد البغدادي ----- 130 بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار لمحمد باقر المجلسي ---- 131 وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة لمحمد بن الحسن الحر العاملي " " " مستدرك الوسائل للحسين النوري الطبرسي ---------------- " " " الوافي للفيض الكاشي لمحمد بن الحسن فيض الكاشاني --------- " " " تواريخ استلام (المعصومين) الإمامة وأسلوبهم فيما نسب إليهم 133 علي بن أبي طالب 135 الحسن بن علي 157 الحسين بن علي 161 علي بن الحسين (زين العابدين) 167 محمد الباقر 173 جعفر الصادق 189 موسى الكاظم 199 علي الرضا 203 محمد الجواد 209 علي الهادي 213 الحسن العسكري 215 محمد بن الحسن العسكري (أبو القاسم) 225 عرض كتاب الكافي على المهدي 241 توقيع الإمام الحسن العسكري للقمي 245 القمي يلتقي بالمهدي المنتظر 247 الشيخ المفيد -------------------------------------------- 249 أفجر الزنادقة الشيعة 251 ياسر الحبيب " " " عبد الحميد المهاجر 254 الخوميني " " " حسن نصر الله 255 نكاح المتعة وإعارة الفروج 257 الفهرس 259 ==================== مصادر البحث ـــ القرآن الكريم ـــ صحيح البخاري ـــ صحيح مسلم ـــ ابن ماجة ـــ تفسير بن كثير. ـــ تفسير القرطبي. ـــ تفسير الطبري. ـــ تفسير الجلالين. ـــ التفسير والمفسرون لمحمد حسين الذهبي. ـــ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن لمحمد فؤاد عبد الباقي. ـــ الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة للإمام جلال الدين السيوطي، مجلة الأزهر، مجمع البحوث الإسلامية، هدية مجلة الأزهر، صفر 1409 هـ، مطابع روز اليوسف. ـــ نظم المتناثر من الحديث المتواتر الإمام محمد بن جعفر الكتاني، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، 1400هـ ـ 1980م. ـــ خليفة الله الجزء الأول والثاني لحسين نور الدين الطبعة الأولى 2010 دار المحجة البيضاء بيروت. ـــ ويسألونك عن القائم، أسئلة وجهت إلى مكتب السيد القحطاني، إعداد: صلاح الكاظمي. ـــ الكافي للكليني. ـــ من لا يحضره الفقيه للقمي. ـــ الإختصاص لمحمّد بن محمّد بن النعمان المفيد البغدادي (336 - 413ق)، قم المقدّسة: مؤسّسة النشر الإسلامي ـــ فائق المقال في الحديث والرجال للشيخ لمهذّب الدين أحمدبن عبد الرضا البصري من تلاميذ الحرّ العاملي. ـــ آيـاتُ الـغَـدِير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير تأليف مركز المصطفى للدراسات الاسلامية. ـــ «نزهة أهل الحرمين في تاريخ تعميرات المشهدين» المخطوط للسيد حسن الصدر. والمشهدان: النجف وكربلاء، ( [2]) مراقد المعارف ، حرز الدين 2 : 61 . ـــ خلاصة الأقوال المعروف برجال العلاّمة الحلّي. ـــ كتاب الطهارة للخميني. ـــ مختارات من أحاديث وخطابات الخوميني. ـــ كشف الأسرار للخوميني. ـــ كشف الغمة للإربلي. ـــ الغيبة الصغرى للسيد محمد الصدر. ـــ الغيبة للطوسي. ـــ الإرشاد للمفيد. ـــ إعلام الورى للفضل الطبرسي. ـــ المقالات والفرق للأشعري القمي. ـــ نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، منها الخطب والأوامر والكتب والرسائل والحكم والمواعظ. ـــ دلائل الإمامة للطبري الإمامي. ـــ أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين. ـــ حركة تصحيح مسار 20 فبراير للمؤلف، الطبعة الورقية الأولى 20 مايو سنة: 2011م طنجة. ـــ دراسة نقدية تمحيصية وفق منهج علم الجرح والتعديل - دار المحتسب – 1429 هـ / 2008 م ـــ الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي. ــ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار للمجلسي لمحمد باقر المجلسي ـ ـــ الاحتجاج للطبرسي. ـــ موسوعة السيرة النبوية. ـــ موقع: روح الإسلام. ـــ سير أعلام النبلاء. ـــ البداية والنهاية لابن كثير. ـــ سنن البيهقي. ـــ سنن الترمذي. ـــ صفة الصفوة للإمام ابن الجوزي. ـــ مختصر سيرة الرسول لعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. ـــ تحت راية القرآن لأديب الأدباء مصطفى صادق الرافعي دار الكتاب العربي بيروت. ـــ الكلام الذهبي للمؤلف، الطبعة الثانية منشورات الجيرة. ـــ الجهاز المناعي للقرآن الكريم للمؤلف (دراسة أسلوبية). ـــ معجم رجال الحديث للخوئي. ـــ تقريب المعارف للحلبي. ـــ فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ألف سنة: 1292 ه ـــ مقدمة مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار. ـــ هامش الأنوار النعمانية ـــ الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث الموضوع: الفقه. الناشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام. ـــ عيون المعجزات. ــــ مناقب آل أبي طالب. ـــ دلائل الامامة. ـــ رؤوس الفتنة في الثورة على الخليفة الشهيد عثمان بن عفان دراسة نقدية تمحيصية وفق منهج علم الجرح والتعديل للدكتور خالد كبير علال. ـــ الحكومة الإسلامية للخوميني، طبعة مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني الطبعة الرابعة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ تمّ الكتاب بعون الله تعالى يوم الاثنين 14 مارس سنة: 2016م، وقد استغرقت فيه أكثر من سنتين وكلما قربت من نهايته وشرعت أضع اللمسات الأخيرة عليه إلا وضُرب الكتاب في حاسوبي بفيوسات مما يجعلني أفقد كثيرا من مواضيعه، ثم أعيد الكرة مرة أخرى وأشرع في جمعه من جديد مع إضافات جديدة آخرها رمضان الأبرك لسنة: 2015م، وحين قررت إخراجه لم ألبث إلا يسيرا حتى ضُرب من جديد بفيروسات. والآن وبفضل الله تعالى تم الكتاب فقررت إخراجه إلكترونيا ريثما يتيسر لي طبعه ورقيا حتى لا أتأخر في إيصال الفائدة للناس كما أقدر من عقلي خصوصا وأن المد الشيعي الخبيث يسرع إلينا بدولاراته وجهالاته، كما أرجو ممن رأى في الكتاب ما يفيد لديننا وأمتنا أن يعمل على نشره بجميع الوسائل فحقوقه المادية غير محفوظة خلاف الحقوق المعنوية، والحمد لله أولا وأخيرا ـــ محمد محمد البقاش طنجة في: 14 مارس 2016م |
#2
|
|||
|
|||
اقتباس:
من اين أتيت بهذا الكلام نريد الدليل على صحة القول أن عائشة رضي الله عنها دعت على أخيها محمد بن أبي بكر رضي الله عنه تسمية حسن البصري له بالفاسق قتل جيش معاوية محمدبن أبي بكر و حرقه تفضل |
#3
|
|||
|
|||
قبل أن أحيلك على مصادر ما سقته أود أن ألفت نظرك أولا إلى أنك لا تحسن السؤال، ومن لا يحسن السؤال كفيل ألا يتعلم وألا يُعلم، فسؤالك الاستنكاري دل على معرفتك بعدم صحة ما قلت وما سقت وهي غير واردة ، انظر قول الله تعالى: ((أفي الله شك فاطر السموات والأرض)) سؤال استنكاري يتضمن علما، فالله تعالى يعلم أنه لا إله إلا الله، بمعنى لا إله غير الله، وليس لا إله مع الله، وعليه كان الأجدى لك أن تسأل سؤالا استفهاميا حتى تتعلم إن كنت دون علم في المسألة التي سقتها، أو تُعلم إن كنت تعلم أن ما ورد غير صحيح شريطة اطلاعك على المصادر أو شريطة أن تعلمها ثم تبدأ في تفنيدها من خلال القواعد المعرفية التي تحسم في حوادث التارخ مثل الرواية مثلا.
لا بأس ما سقته أخذته من ابن العماد الجنبلي : شذرات الذهب ، دمشق ، دار ابن كثير ، ج1 ص: 218 . |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
أبرز علماء الإسلام | معاوية فهمي إبراهيم مصطفى | السير والتاريخ وتراجم الأعلام | 0 | 2019-11-13 01:54 PM |