جديد المواضيع |
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
لمن الأسراء ؟ وهل المعراج حقيقة
مقتبس من كتاب #####
[ لا يسمح بوضع أسماء كتب لأهل البدع - شكراً لتفهمكم ... المراقب العام] <META content=Word.Document name=ProgId><META content="Microsoft Word 12" name=Generator><META content="Microsoft Word 12" name=Originator><LINK href="file:///C:%5CDOCUME%7E1%5CAymen%5CLOCALS%7E1%5CTemp%5Cmsoh tmlclip1%5C01%5Cclip_filelist.xml" rel=File-List><LINK href="file:///C:%5CDOCUME%7E1%5CAymen%5CLOCALS%7E1%5CTemp%5Cmsoh tmlclip1%5C01%5Cclip_themedata.thmx" rel=themeData><LINK href="file:///C:%5CDOCUME%7E1%5CAymen%5CLOCALS%7E1%5CTemp%5Cmsoh tmlclip1%5C01%5Cclip_colorschememapping.xml" rel=colorSchemeMapping><STYLE> <!-- /* Font Definitions */ @font-face {font-family:Wingdings; panose-1:5 0 0 0 0 0 0 0 0 0; mso-font-charset:2; mso-generic-font-family:auto; mso-font-pitch:variable; mso-font-signature:0 268435456 0 0 -2147483648 0;} @font-face {font-family:"Cambria Math"; panose-1:2 4 5 3 5 4 6 3 2 4; mso-font-charset:0; mso-generic-font-family:roman; mso-font-pitch:variable; mso-font-signature:-1610611985 1107304683 0 0 159 0;} /* Style Definitions */ p.MsoNormal, li.MsoNormal, div.MsoNormal {mso-style-unhide:no; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; margin:0in; margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:12.0pt; font-family:"Times New Roman","serif"; mso-fareast-font-family:"Times New Roman";} p.MsoHeader, li.MsoHeader, div.MsoHeader {mso-style-unhide:no; mso-style-link:"Header Char"; margin:0in; margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; tab-stops:center 3.0in right 6.0in; font-size:12.0pt; font-family:"Times New Roman","serif"; mso-fareast-font-family:"Times New Roman";} p.MsoFooter, li.MsoFooter, div.MsoFooter {mso-style-unhide:no; mso-style-link:"Footer Char"; margin:0in; margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; tab-stops:center 3.0in right 6.0in; font-size:12.0pt; font-family:"Times New Roman","serif"; mso-fareast-font-family:"Times New Roman";} a:link, span.MsoHyperlink {mso-style-unhide:no; color:#006699; text-decoration:underline; text-underline:single;} a:visited, span.MsoHyperlinkFollowed {mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; color:purple; mso-themecolor:followedhyperlink; text-decoration:underline; text-underline:single;} span.postbody1 {mso-style-name:postbody1; mso-style-unhide:no; mso-ansi-font-size:14.0pt; mso-bidi-font-size:14.0pt;} span.HeaderChar {mso-style-name:"Header Char"; mso-style-unhide:no; mso-style-locked:yes; mso-style-link:Header; mso-ansi-font-size:12.0pt; mso-bidi-font-size:12.0pt;} span.FooterChar {mso-style-name:"Footer Char"; mso-style-unhide:no; mso-style-locked:yes; mso-style-link:Footer; mso-ansi-font-size:12.0pt; mso-bidi-font-size:12.0pt;} .MsoChpDefault {mso-style-type:export-only; mso-default-props:yes; font-size:10.0pt; mso-ansi-font-size:10.0pt; mso-bidi-font-size:10.0pt;} @page Section1 {size:8.5in 11.0in; margin:1.0in 1.25in 1.0in 1.25in; mso-header-margin:.5in; mso-footer-margin:.5in; mso-paper-source:0;} div.Section1 {page:Section1;} /* List Definitions */ @list l0 {mso-list-id:2099446781; mso-list-type:hybrid; mso-list-template-ids:1069159664 67698689 67698691 67698693 67698689 67698691 67698693 67698689 67698691 67698693;} @list l0:level1 {mso-level-number-format:bullet; mso-level-text:; mso-level-tab-stop:.5in; mso-level-number-position:left; text-indent:-.25in; font-family:Symbol;} ol {margin-bottom:0in;} ul {margin-bottom:0in;} --> </STYLE> المثال الثالث: الإسراء والمعراج السورة السابعة عشرفي المصحف تبدأ بقوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُلِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ. وهذه الآية تحدثعنها المفسرون أكثر مما تحدثوا عن أي آية من آيات السورة الأخرى والبالغ عددها (111آية). ويقولون أنها تخبر عن رحلة ليلية لمحمد صلوات الله وسلامه عليه من مكة إلىالقدس على ظهر حيوان إسمه البراق "وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يضع حافرهعند منتهى طرفه " وقد ركبه الرسول حتى أتى بيت المقدس، حيث ربطه في حلقة هناك مخصصةلربط دواب الأنبياء، ثم دخل المسجد الأقصى وصلى بالملائكة ركعتين ثم عرج به إلىالسماء، دون إيضاح للوسيلة التي أقلته إلى هناك، وقد تجول في السماوات السبع، بدءًمن السماء الأولى، والتقى برسل وأنبياء ذكروا في القرآن. ودخل الجنة ورأى بعضاً مننعيمها المعد للمؤمنين " ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها منالمسك "، كما دخل النار ورأى كيف يعذب بعض الناس عن ذنوب مختلفة، قبل أن يستكملرحلته إلى شجرة سدر تقع تحت العرش، حيث خاطبه الله "دنا الجبار ربّ العزّة فتدلىحتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله إليه فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كلّيوم وليلة " ولكن موسى إعترض وأقنع محمداً بالرجوع لربه طلباً للتخفيض، فخفضت إلىخمس وأربعين، فاعترض موسى مرة أخرى، وعاد محمد لربه يطلب مزيداً من التخفيض، وتكررالمشهد عشر مرات قبل أن يستقر عدد مرات الصلاة إلى خمس فقط، لأن محمد استحى أن يعودإلى ربه بعد ذلك. وقد أنكر بعض المفسرين أن يكون الرسول قد رأى ربه في تلكالرحلة، بينما أكد الرؤية البعض، ومنهم الجلال السيوطي الذي ذكر في تفسير الجلالينأن الحاكم روى في المستدرك عن ابن عباس قال: قال صلى الله عليه وسلم « رأيت ربي عزّوجلّ». وخبر الإسراء والمعراج يحوي تفاصيل كثيرة وغريبة غير ما ذكر، موجودة فيكتب التفسير وكتب الحديث المشهورة. وقد تحولت قصة الإسراء بالرسول والعروج بهللسماء من المسلمات الثابتة لغالبية المسلمين، عامتهم ورجال دينهم، التي لا تقبلالجدل أو النقد. وسنتطرق لبعض ما ورد في الخبر، ونمتحن مصداقيته، ثم نتعرف علىتاريخ المسجد الأقصى وهل كان هناك مسجد أيام محمد صلوات الله عليه، أو مكان لعبادةالله في القدس لإبراهيم الخليل أو لموسى عليهما الصلاة والسلام. ثم نتدبر الآية وماتتحدث عنه. مناقشة الخبر • يقول المفسرون أن الرسول عليه الصلاة والسلام قدركب " وسيلة نقل " أوصلته من مكة إلى القدس في لحظات، وإذا عرفنا أن المسافة بينالبلدين، وبخط مستقيم، تزيد عن (1500) كيلو متر، فإن وسيلة النقل كانت غير اعتياديةحتى في لغة العصر الحاضر، ويكون البراق يسير بسرعة تزيد عن سرعة الصوت، وقد أوحىالمفسرون بذلك عندما وصفوا سير البراق بأنه " يضع حافره عند منتهى طرفه". وهذا لااعتراض عليه، ولكن لم تذكر الأخبار أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه قد لبس ملابسخاصة لهذه الرحلة على ظهر ذلك الحيوان الذي يسير بهذه السرعة العالية، لأن جسدالإنسان سيتمزق بسبب قوة إحتكاكه بالهواء. ويكون الخبر أغفل هذه الحقيقة لأنها غيرمعروفة للناس ومنهم رواة القصة، في ذلك الوقت. وتكون الرحلة إما أنها لم تحدث،أو أن الرسول لم يتحدث عما لبسه. • وتقول قصة الإسراء أن الرسول عليه الصلاةوالسلام وصل مباشرة للمسجد في بيت المقدس ولم تذكر كيف دخل المدينة، وكل ما تذكرهأنه ربط البراق في حلقة مخصصة للأنبياء لربط دوابهم. فلماذا تربط وسيلة النقلالتي أرسلت بعلم الله جل وعلى لهذه المهمة الخاصة؟ والبراق ليس حيواناً كالخيلأو البغال أو الحمير أو الجمال التي اعتاد الناس ركوبها في ذلك الزمن والتي تحتاجلحلقة تربط فيها حتى لا تتجول بحرية قد تنتهي بها إلى الضياع. ولماذا هناك حلقةمخصصة للأنبياء لربط دوابهم في ذلك المكان؟ فإن كان المقصود بدوابهم الدوابالعادية من خيل وجمال، وأن لها حلقة خاصة لا يجوز للإنسان العادي أن يربط فيهادابته، ففي هذا تعال وكبر وتميز ينهى عنه الدين. ولو كان هناك حلقة خاصةبالأنبياء لحافظ عليها الناس وعظموها حتى الوقت الحاضر، ولذكرها المؤرخون من كلدين. أما إن كان المقصود هو أن الأنبياء قبل محمد أسري بهم إلى ذلك المكان ومنه عرجبهم للسماء، مستخدمين ذلك البراق أو دواب من جنسه، فهذا ما لم يقل به أحد منالمفسرين ورجال الدين، الذين يؤكدون أن الإسراء والمعراج خاص بمحمد. والأقرب أنالراوي الذي فلتت منه عبارة ربط البراق في حلقة، أراد أن يجعل تلك العبارة مقبولة،فأشار إلى أن تلك الحلقة التي ربط إليها البراق ليست أي حلقة من الحلقات التي تربطإليها دواب العامة، بل هي حلقة لها منزلة خاصة، حيث لا يستخدمها إلا الأنبياء، ولميفطن لما قد تثيره عباراته من تساؤلات! • ويقول الخبر " ثم عرج به إلى السماء " دون بيان للوسيلة التي استخدمت لتقل رسول الله وجبريل، وكأن الرحلة من مكة للقدسأصعب من الرحلة من الأرض للسماء، ولذلك حرص على أن يذكر أن الرسول ركب البراق إلىالقدس، ولم يذكر الوسيلة التي أقلته إلى السماء. أو أن الراوي اعتاد ركوبالدواب على الأرض فذكر البراق، ولكنه لا يتصور على الإطلاق أن هناك وسيلة نقليمكنها الطيران في الجو، فترك ذكر الوسيلة التي أقلت الرسول للسماء لعجزه عن تصوروصف لها. • وقصة الإسراء وإن كانت لا تُظهر كيف وصل رسول الله للسماء، إلا أنهاتؤكد أنه وصل بمعية جبريل. فهل احتضنه جبريل وطار به؟ أم أنه ركب وسيلة نقلأخرى؟ بطبيعة الحال هذه تفاصيل لم تساعد الراوة مخيلتهم لتصورها، ولم يفطن لهاأحد منهم، لأن تركيزهم لم يكن منصباً على حبك القصة، بل على توصيل خبر الرحلة منمكة للقدس ومن القدس إلى السماء. • وعندما وصل الرسول مع جبريل إلى السماءالدنيا، يقول الخبر بأن جبريل طرق أحد أبوابها، " قيل: مَن هذا؟ قال: جِبريل. قيلَ: ومَن معك؟ قال: محمد. قيلَ: وقد أرسِلَ إِليه؟ قال: نعم. قيل: مَرحباً به، فنِعمَالمجيءُ جاء. ففَتَح". فهل السماء عبارة عن بناء له أسوار، كما القلاع والحصونالتي قد يكون رآها الرواة، وقاسوا عليها هيئة السماء، فتصوروا أن لها عدة أبواب،وأن على كل باب حرس، وأنه لا يمكن الدخول قبل أن يتأكد الحرس من شخصية الطارق،تماماً كما الحصون والقلاع الأرضية في ذلكالزمن. والرواة اضطروا أن يتناسواحقيقة جبريل، وأنه من الملائكة، ومخلوق نوراني مثلهم، وأنه لا يحتاج إلى طرق بابمقفل، ولا استئذان، للتأكيد على أن محمداً قد دخل مع جبريل للسماء، ولذلك فقد تكررفي الرواية أن جبريل كان يطرق الباب عند كل سماء، ليأتيه الجواب: من الطارق؟ ليجيبجبريل، ليقال له: من معك؟ فيقول: محمد. ولم يفطن أحد من الرواة أنه حتى لو كانعلى جبريل أن يستأذن، فلم يكن من المتوقع أن يسأله حرس الباب: ومن معك، إلا بعد فتحالباب ورؤية المخلوق الغريب مع جبريل، وليس أثناء طرق الباب حيث أن السور الذيتخيله الراوي لابد أنه كان يحجب الرؤية بين الحرس وجبريل، وإلا لما سألوا: " منالطارق؟ ". • ثم إنه كان من المفروض على حرس السماء أن يكون لديهم علم مسبقبحضور الرسول عليه الصلاة والسلام في زيارته الخاصة لرب السماوات والأرض، وهذاالتنسيق يجيده البشر، فما بالك بعالم الملائكة المثالي، ولو أخفق ملائكة التنسيقوالإعلام بإخبار حرس الباب بوقت الزيارة والباب الذي سيدخل معه لكانت معصية يعاقبونعليها كما عوقب ابليس، لأنها معصية لأمر الله ومشيئته مماثلة لمعصية إبليس. ويكون من المفترض أن يتهيأ أهل السماء لمجيئ محمد صلوات الله وسلامه عليه،الضيف الخاص المدعو من قبل رب العالمين، في تلك الزيارة الفريدة من نوعها لبشر،يدعى للتجول في السماوات السبع والإطلاع على أحوال أهل النار وأهل الجنة قبل أن يصللسدرة المنتهى والعرش والتحدث مع الله جل وعلى. وبالتالي فبرنامج زيارة من هذاالنوع يجب أن يكون معلوماً مسبقاً من قبل ملائكة السماوات بما في ذلك حرس الأبواب. ولكن يبدوا من عرض الخبر أن هذا لم يحدث، لأن حرس الباب لم يكن لديهم علم بأنمحمداً قد بعث، عندما كانوا يسألون جبريل: " قيلَ: وقد أرسِلَ إِليه؟ قال: نعم ". ولم يكن لديهم علم بزيارته للسماء، وهذا التخبط في التنسيق غير موجود في عالمالملائكة المثالي، ولكنه موجود في عالم من قال بقصة الإسراء. • وثقافة من روىالقصة متأثرة بثقافات ومعتقدات غير إسلامية، والتي تؤمن بأن الإنسان إذا مات وكانصالحاً فإن روحه تنتقل إلى السماء ويعيش هناك، وهو ما يتضح جلياً في حديثه عنمقابلة الرسول للأنبياء في السماوات بأشكالهم الدنيوية. ولم يتوقف المفسرون ورجالالدين الآخرون عند هذه النقطة ولم يلتفتوا لما تحمله من ثقافة منافية للثقافةالإسلامية التي تؤكد أن الإنسان يموت، ويفنى جسده: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَلَمَيِّتُونَ.(المؤمنون:15) أما روحه فتحفظ بعلم الله فيما سماه القرآن " البرزخ " ولا يشعر الإنسان بشيئ طوال فترة موته لأن ذاكرته توقفت عن التسجيل بمجرد موته،وستعود الذاكرة عند بعثه يوم القيامة: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِتُبْعَثُونَ.(المؤمنون:16)، وكأنه مات للتو، بقول تعالى: وَلِلّهِ غَيْبُالسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْهُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.(النحل:77) وقد تحدثنا عنذلك في فصل عذاب القبر. ويكون كل الأنبياء والرسل السابقين أموات الآن، مثلماأن محمداً نفسه ميت الآن: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْيَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.(الزمر:30-31) والأنبياءعبيد لله يجري عليهم الموت بنفس الطريقة التي تجري على كل خلق الله من البشر: كُلُّنَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَالْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَوَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ.(آل عمرآن: 185) • وقداستمرأ القاص جرأته أكثر، فأورد أن الرسول قد تحدث مع الله كما يتحدث أي شخص مع شخصآخر، وذلك عندما تردد عليه طلباً لتخفيض عدد الصلوات. ولم يكترث أحد من رجال الدينأن يقول بأن هذا يتعارض مع قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُاللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَبِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ.(الشورى:51) وأن الرسول محمدوبشهادة القرآن وفي الآية التالية المباشرة من سورة الشورى يؤكد أنه لم يكلمه اللهمن وراء حجاب أبداً ولكنه كان يتلقى الوحي بواسطة (روح من الملائكة) الذي يلقىالوحي في ذاكرة الرسول دون الحاجة للتحدث معه ، يقول تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَاإِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَاالْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْعِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ.(الشورى:52) • وكلما جدف به القاص لا يساوي شيئاً بالنسبة لما زعمه حول الطريقة التي فرضت فيهاالصلاة. ومن ذلك ما جاء في كتاب البخاري بهذا النص: ....... حتى جاء سِدْرَةَالمنتهى ودنا الجبَّارُ ربُّ العزَّةِ فتدلَّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنىفأوحَى اللَّه فيما أوحَى خمسين صلاةً على أمَّتِكَ كُلَّ يومٍ وليلةٍ ثم هبطَ حتىبلغ موسى فاحتبسَهُ موسى فقال يا مُحمد: ماذا عَهد إليكَ ربُّك قال: عَهِد إليَّخمسين صلاةً كلَّ يومٍ وليلةٍ، قال: إن أمَّتَكَ لا تستطيعُ ذلك فارجع فليخفف عنكربك وعنهمْ فالتفت النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيرُه في ذلكفأشار إليه جبريلُ أن نعم إن شئت فعلا به إلى الجبَّار، فقال وهو مكانُه: يا ربخَفِّف عنَّا فإِنَّ أمتي لا تستطيعُ هذا فوضع عنه عشر صلواتٍ ثمَّ رجع إلى موسىفاحتبَسه فلم يَزَل يُرددهُ موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صَلواتٍ ثم احتبسهُ موسىعند الخمسِ فقال: يا محمد واللَّهِ لقد راوَدْتُ بَنِي إسرائيل قوْمي على أدْنى منهذا فضعُفُوا فتركوه، فَأُمَّتُكَ أضعفُ أجساداً وقُلوباً وأبداناً وأَبصاراًوأسماعاً، فارجع فلْيُخفِّف عنكَ ربكَ، كلّ ذلك يلْتَفِتُ النبيُّ صلى الله عليهوسلم إلى جبريلَ لِيُشير عليه ولا يَكرَهُ ذلك جبريلُ، فرفعَهُ عند الخامسة فقال: يا رب إنَّ أمَّتي ضُعفاء أجسادُهُم وقُلُوبهم وأسماعُهم وأبدانهم فخَفف عنَّا،فقال الجبَّار: يا مُحمد، قال: لبيَّك وسعدَيك، قال: إنه لا يُبَدَّلُ القولُ لدَيّكما فرضتُ عليكَ في أم الكتاب قال: فكلُّ حسنةٍ بعشْر أمثالِها فهي خمسونَ في أمالكتاب وهي خمسٌ عليكَ، فرَجع إلى موسى فقال: كيف فَعَلْتَ؟ فقال: خفَّفَ عنا،أعطانا بكُل حسنةٍ عشرَ أمثالِها. قال موسى: قد واللَّه راوَدْتُ بني إسرائيلَ علىأدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فلْيُخفِّف عنكَ أيضاً، قال رسولُ اللَّهِ صلىالله عليه وسلم: يا موسى قد واللَّهِ استَحْيَيْتُ من ربي مما اختلَفْتُ إليه..... أهـ. وهو جزء من حديث طويل أورده البخاري برقم (7351) والذي أوله: حدَّثَناعبدُ العزيز بن عبداللَّهِ حدثني سليمانُ عن شريكِ بن عبداللَّه أنه قال: سمعتُ أنسبنَ مالكٍ يقول: «ليلةَ أُسْرِيَ برسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبةِإِنه جاءه ثلاثةُ نفرٍ قبل أن يوحى إليه وهو نائمٌ في المسجد الحرام .....الخ. وهذا الخبر فيه تسفيه للمسلمين، في ما نسب لموسى أنه قال لمحمد " فَأُمَّتُكَأضعفُ أجساداً وقُلوباً وأبداناً وأَبصاراً وأسماعاً ". وفيه تسفيه لمحمد الذي ليستلديه القدرة الذهنية لتقرير ماذا يفعل " فارجع فليخفف عنك ربك وعنهمْ فالتفتالنبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيرُه في ذلك فأشار إليه جبريلُ أننعم ". وهذا الخبر يصور الله - تعالى عن ذلك علواً كبيراً - وكأنه قرر فرضالصلاة بطريقة إرتجالية، ولم يكن متأكداً من صواب قراره، لأنه غير رأيه مراراًوتكراراً. بل إنه (سبحانه عما يصفون) لا يعلم إذا كان الناس يستطيعون القيامبالصلاة كما قرر في البداية أم لا، حتى إهتدى بخبرة وحنكة موسى نبي اليهود في هذاالمجال، وكأن موسى مستشاراً إلهياً يستشيره الله فيما لا يستطيع تقريره (تَعَالَىاللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). وفوق هذا فالخبر فيه تسفيه أكبر من ذلك لذاتالله، لأنه يصوره وكأنه لا يعرف ما لذي يستطيع الناس تحمله، ولولا موسى لأجبر الناسعلى أداء خمسين صلاة في اليوم، كل صلاة لها آذان ووقت للإنتظار بين الأذانوالإقامة، بما يعني أن كل صلاة ستستهلك نصف ساعة، وبمجموع قدره خمس وعشرون ساعة فياليوم يقضيها الناس في الصلاة، أي أكثر من عدد ساعات اليوم الواحد، وهو ما استطعتأنا العبد الفقير أن أحسبه بكل سهولة، ولكن الله لم يستطع – حسب ما رواه البخاريوالمفسرون. ثم إن الله بعد أن وصلت الصلوات إلى خمس رفض التخفيض قائلاً: " إنهلا يُبَدَّلُ القولُ لدَيّ ". وهو اقتباس للآية التاسعة والعشرون من سورة ق: مَايُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ. مع أن الله - حسب ما ورد في الخبر – بدّل قوله مرات عديدة، وكان سيظلم عباده بتحميلهم مالا طاقةلهم به. وهذه صورة تظهر الله وكأنه أحد المتغطرسين من الزعماء البشر الذي يصدرقراراً الآن ثم ينقضه بعد لحظة بقرار آخر، ويقول بكل وقاحة أن أمره لا يمكن نقضه. وبقدر ما أبرأ شخصياً من كل هذه الأخبار وأشهد بأن الله سبحانه منزه عنها،تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فإنني أيضاً أجزم بأن مختلق القصة متأثربالتراث اليهودي الذي يرى أن من المعتاد أن يتكلم الله (جل وعلى) مع موسى وجهاًلوجه، كما ورد في كتابهم المقدس في عدة مواضع، ومنها ما جاء في كتاب الخروج وهذانصه: ويكلم الرب موسى وجها لوجه كما يكلم الرجل صاحبه. واذا رجع موسى الى المحلّةكان خادمه يشوع بن نون الغلام لا يبرح من داخل الخيمة.(الخروج:33 : 11) ويستمرالسفر واصفاً اللقاءات التي كانت تتم بين الله وبين موسى بقوله: وقال موسى للرب: أنظر أنت قائل لي أصعد هذا الشعب.... فقال الرب لموسى: هذا الأمر أيضاً الذي تكلمتعنه أفعله.... (الخروج:33 : 12 – 17) وقد نقل مختلق قصة الإسراء هذه الثقافةللتراث الإسلامي عندما صور موقفاً مماثلاً بين الله (جل جلاله) وبين محمد. وتظهر الثقافة اليهودية مرة أخرى لدى راوي القصة في زعمه أن موسى كان يشير علىالله بالرأي الأصوب، لأن اليهود يؤمنون أن الحاخام الذي على الأرض وهو أقل من موسىمرتبة يستشيره الله (جل وعلى) إذا واجه مشكلة مستعصية، وهذا نص ما ورد في التلمود: إن الله يستشير الحاخامات على الأرض عندما توجد مسألة معضلة لا يمكن حلها فيالسماء. قلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَفِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. (يونس:18) وإلافالصلاة مثلها مثل بقية التشريعات الإسلامية والعبادات قد فرضها الله عن طريق الملكالمكلف بالوحي دون أن يحتاج الرسول للصعود إلى لقاء الله تبارك وتعالى. وفوقهذا فإنه يستحيل أن يرى البشر الله سبحانه وتعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُوَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. (الأنعام:103) أويكلمهم الله مباشرة: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًاأَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءإِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ.(الشورى:51) والتكليم من وراء حجاب لا يعني أنه مثلمايتحدث شخص مع آخر، ولكن يعني تكليما بطريقة لا نفهمها يتم بموجبها توصيل المعلومةلعقل البشر دون محادثة معتادة، كما حدث مع موسى: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْعَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُمُوسَى تَكْلِيماً.(النساء: 164) ومما سبق يتضح أن قصة الإسراء والمعراج بالسردالوارد في كتب التفسير والحديث لا يمكن أن تصمد للنقد، وبالتالي فلا يمكن أن تكونحدثت، ولكن لو قال قائل إن تركيب القصة ضعيف ولكن هذا لا يلغي أن يكون الإسراءوالمعراج قد حدث بوصف آخر. أي أن الرسول قد أسري به من مكة للقدس، ولو لم يركبالبراق، وفي نفس الليلة عرج به إلى السماوات، ولو لم يلتق بالرسل ولم يرى الجنةوالنار اللتان لم تخلقا بعد، ولم يصل لعرش الرحمن، ولم يكلمه سبحانه وتعالى، ولمتفرض الصلاة بتلك الطريقة. عندها نقول بأن هذا يعني أن الرسول عليه الصلاةوالسلام قد استخدم وسيلة نقل تسير بأسرع من الصوت لقطع الطريق بين مكة والقدس وهذاممكن جداً، لأن بعض الطائرات الحربية تسير بمثل هذه السرعات العالية هذه الأيام. لكن كيف عُرج بمحمد عليه الصلاة والسلام إلى السماء؟ وليس مهماً معرفة وصفالمركبة بل المهم هو هل يمكن لبشر أن يصل إلى السماء، بموجب القوانين الفيزيائيةوالطبيعية التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الكون، والمسافات الهائلة التي تفصلبين أجزائه؟ وما نعرفه كبشر حتى اللحظة عن الكون الذي نعيش فيه والذي نشاهدنجومه (شموسه) تسطع في سماء أرضنا، أن سعته أكبر من أن نتخيلها، وأن مجرتنا المسماةدرب اللبانة والتي تقع فيها مجموعتنا الشمسية ومليارات المجموعات الشمسية الأخرى،واحدة من مليارات المجرات التي يحويها هذا الكون، وأن الضوء يحتاج لقطع مسافة (100،000) سنة ليصل من أحد أطراف مجرتنا للطرف المقابل، وقطع مسافة تقدر بمليونيسنة ضوئية للوصول إلى أقرب مجرة لمجرتنا ، برغم أن الضوء يقطع مسافة (000،300) كلمفي الثانية الواحدة، أو (9.460.800.000.000) كلم في السنة. ولا ندري كم هوالوقت اللازم للخروج من محيط هذا الكون، كما لا ندري إن كان المقصود بالسماواتالسبع هو أكوان سبعة كل واحد له محيطه وعوالمه. ولكننا ندري أن أي جسم مادي، سواءًكان إنساناً أو جماداً، إذا تحرك بسرعة الضوء تحوَّل إلى طاقة وتلاشى، وبالتالي فلايمكن لبشر أن يسير بسرعة الضوء، وهذه حقيقة وضعها الله سبحانه وتعالى وعرفها البشر. ولذلك كانت الملائكة نورانية، أي مخلوقة من نور(طاقة) أو ضوء خاص لكي تستطيعالتجول في الكون بسرعات فلكية، قد يكون الضوء أقلها سرعة: قَالَ مَا مَنَعَكَأَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِننَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ.(الأعراف: 12) ومرة أخرى يكون الرسول صلوات اللهوسلامه عليه لم يصعد للسماوات، ولم يكن هناك معراج، لأنه لكي يعرج بالرسول خارجمجرتنا فلابد أن تتغير جميع القوانين الطبيعية والفيزيائية التي خلقها الله سبحانهليسير عليها الكون، وهذا لم يحدث ولن يحدث، لأن الله سبحانه وتعالى خلق الكون وتلكالقوانين لحكمة أكبر من خلق الإنسان ووجوده، ولو إختلت تلك القوانين لاختل الكونبأكمله. ولو أصر بعض الناس على أن المعراج قد حدث بطريقة لا نعلمها، فسنقول: ماهي الحكمة من المعراج؟ وماذا يحدث لو أن الرسول قد عرج به لخارج حدود مجرتنا " درب اللبانة" وليس لخارج الكون المعروف لدينا؟ ولو استعرضنا القصص لمعرفة ماحدث للرسول في السماء فلن نستنتج منها أي حكمة على الإطلاق. فالرسول مؤمن بأنه مرسلولا يحتاج لأن يتحدث مع الله سبحانه وتعالى لكي يؤمن. وطلب التحدث مع الله جلجلاله، منطق الكفار على مر العصور: وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَيُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِممِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍيُوقِنُونَ.(البقرة:118) أما طلب رؤية الله جل وعلى فهو ثقافة يهودية: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِفَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةًفَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِمَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناًمُّبِيناً.(النساء:153) ولو أن الرسول أخبر قريش بأنه عرج به للمساء فلن يصدقوهلأنهم لم يشهدوا ذلك، وإن كان الهدف من الإسراء هو تمكن الرسول من وصف الطريق بينمكة والقدس مما يعني إثبات الإسراء، فلماذ عرج به للسماء؟ ولم يكتفى بالإسراء. والإنسان خلقه الله بقدرات جسدية وعقلية محدودة جداً لا تمكنه من رؤية اللهسبحانه وتعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَاللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.(الأنعام:103) كما أن الجنة والنار لم تخلقا بعد لأنالله سبحانه وتعالى يقول بأن الجنة ستكون بعرض الكون الحالي: وَسَارِعُواْ إِلَىمَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُأُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.(آل عمرآن:133) ولأن عالم الآخرة مختلف عن هذاالعالم، وسوف يفنى هذا الكون ثم ينشأ كون الآخرة المختلف: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْجَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُلِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَكَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْيَكْفُرُونَ [يونس : 4] ويتم ذلك بالنفخ في الصور مرتين، مرة لنهاية الكونالحالي، ومرة لقيام كون آخر ليتوائم مع حياة يوم القيامة: وَنُفِخَ فِي الصُّورِفَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّنُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ.(الزمر:68) والنفخ بالصوريعني انهيار الكون وكأنه قد نفخت كواكبه فتطايرت بدون ضوابط: فَإِذَا نُفِخَ فِيالصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَة. وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةًوَاحِدَةً. فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ.(الحاقة:13-15) ويصور القرآنذلك في مواضع كثيرة، منها: يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْراً. وَتَسِيرُ الْجِبَالُسَيْراً.(الطور:9-10) ويكون الصور هو الكون وليس كما تصوره كتب الأخبار التيتأثرت بالثقافة اليهودية وما جاء في كتبهم المقدسة، والتي تقول بأن إعلان القيامةيتم عبر النفخ في بوق يشبه البوق (القرن) الذي يستخدمه اليهود في مناسباتهمالدينية. ولم يكلف الراوي نفسه عناء إيضاح لمن ينفخ هذا القرن إذا كانت القيامة لاتقوم إلا بعد فناء الخلق كلهم ولا يبقى إلا الله. فإن كانت الخلائق ميتة فلن يسمعهأحد، وإن كان النفخ موجه لله فلن يكون سبحانه وتعالى بحاجته. ويكون النفخ فيالصور مماثل لما حدث عند بداية الخلق والمسمى بالإنفجار العظيم وهو نفخ لا يمكنتصور أعظم نفخ منه. والنفخة الأولى نفخة تؤدي لانهيار نظام الكون (الصور) الذي يسيرعليه وتداخل مسار الكواكب والشموس، أما النفخ في الصور (الكون) مرة ثانية فلخلقالكون الجديد: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُوَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.(ابراهيم:48) ويكون المعراج للسماءمستحيلاً على البشر ولا حكمة لحصوله لمحمد عليه الصلاة والسلام. وتأكيداً لأنالرسول لا يمكن أن يكون قد صعد إلى السماوات بل ولا يمكن أن يكون خرج من محيطمجرتنا "درب اللبانة" أو حتى محيط مجموعتنا الشمسية، من وجهة نظر علمية، نقول بأنكل من قرأ عن النظرية النسبية لآنشتاين على علم بما يعرف بالتأخر الزمني، والذييعني أن الوقت يتباطئ بالنسبة للمسافر بسرعة الضوء عن الوقت على الأرض، بحيث لو أنإنساناً، على سبيل الإفتراض، قد استقل مركبة تسير بسرعة الضوء في رحلة إلى أقربمجموعة شمسية لمجموعتنا، والتي تبعد عنا أربع سنوات ضوئية ذهاباً ومثلها إياباً. وكان عمره أربعون عاماً، ولديه ولد عمره عشرة أعوام. فإنه عندما يعود بعد ثمانسنوات سيكون عمره ثمانية وأربعون عاماً، بينما سيكون عمر ولده ستة وستون عاماً، لأنالوقت على الأرض مر بأسرع مما مر عليه الوقت في المركبة التي تسير بسرعة الضوء، حسبقانون التأخر الزمني. وتكون رحلة الإسراء والمعراج لم تحدث لأنها لا يمكن أنتحدث بحسب قوانين طبيعية وضعها الله في الكون، ولأنه لا حكمة من حدوثها. ولكن بحكمأن المسلمين قد مسخت عقولهم واعتادوا سماع وتبني ما يقوله لهم رجال الدين دونتفكير، فسيأتي منهم من يقول بأن كل ما سبق من نقاش غير مقبول، وأنه يؤمن بأن هناكإسراء ومعراج، فنقول لمثل هؤلاء تعالوا لنرى هل كان هناك مسجد أقصى زمن الرسولصلوات الله وسلامه عليه في فلسطين، وهل كان هناك مصلى لإبراهيم وموسى عليهما الصلاةوالسلام في فلسطين؟ بل هل كان هناك تواجد لإبراهيم وموسى في فلسطين أصلاً؟ التاريخ المختصر للمسجد الأقصى في العام (16 للهجرة) استولى المسلمون علىإيليا التي سميت فيما بعد ببيت المقدس ، وقد قدم الخليفة عمر ابن الخطاب من المدينةودخل إيليا بعدما كتب لأهلها معاهدة تحفظ حقوقهم وأملاكهم وحرياتهم. ولم يكن فيهامسجد، بل كنائس مسيحية ومعابد يهودية، مما جعله يصلي في إحدى تلك الكنائس وفي موضعيسميه الناس وقتها " محراب داوود "، حسبما أورده الطبري في سرده لأحداث سنة ست عشرةللهجرة، كما يلي: ثم قصد المحراب محراب داود عليه السلام وذلك ليلاً فصلى فيه ولميلبث أن طلع الفجر فأمر المؤذن باٌقامة فتقدم فصلى بالناس وقرأ بهم ((ص)) وسجد فيهاثم قام وقرأ بهم في الثانية صدر ((بني إسرائيل)) ثم ركع ثم انصرف فقال: على بكعبفأتى به فقال: أين ترى أن نجعل المصلى فقال: إلى الصخرة فقال: ضاهيت والله اليهوديةيا كعب وقد رأيتك وخلعك نعليك فقال: أحببت أن أباشره بقدمي فقال: قد رأيتك. بل نجعلقبلته صدره كما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلة مساجدنا صدورها اذهب غليكفإنا لم نؤمر بالصخرة ولكنا أمرنا بالكعبة. أهـ وفي المكان الذي اختاره عمر بنيبعد ذلك المسجد العمري الذي يعتبر أول مسجد في إيليا التي أصبحت تسمى " بيتالمقدس". وفي سنة خمس وستين للهجرة ابتدأ عبد الملك بن مروان ببناء القبة علىصخرة في إيليا، يظن الناس أن لها قدسية خاصة. ثم ابتدأ بعمارة مسجد أطلق عليهالجامع الأقصى الذي أكمل بناؤه الوليد ابن عبد الملك. كما ورد في الطبري والبدايةوالنهاية، وبذلك سمع الناس بالمسجد الأقصى لأول مرة في التاريخ، والذي لم يكنمعروفاً زمن عمر ابن الخطاب لما فتح إيليا، وبالتالي فلم يكن هناك مسجد أقصى في عصررسول الله عليه الصلاة والسلام. فهل كان هناك مسجداً (مكاناً لعبادة الله) فيبيت المقدس " إيليا" كان يصلي فيه موسى ابن عمران، ومن قبله ابراهيم عليهما الصلاةوالسلام؟ وهل كان هناك تواجد لابراهيم أو موسى في فلسطين؟ ابراهيم وموسى وفلسطين إلى عهد قريب كان الإعتقاد بأن تواجد اليهود في فلسطين إبان عهد موسى منالمسلمات التي لا تقبل الجدل، ولكن هذه المسلمات إهتزت بشدة زلزلت أركانها، بعدماأثبتت الدراسات والبحوث والحفريات الأثرية أنه لا وجود لليهود في فلسطين في تلكالأزمنة، وهذا يؤيده خلو الكتابات المصرية والبابلية والسورية من ذكر لليهود لا فيفلسطين ولا في بلاد النيل في تلك الفترة. كما تخلوا الكتابات التاريخية في بلادالشام والعراق من ذكر لمملكة سليمان وداوود في فلسطين. وقد حرثت إسرائيل كل شبر منشبه جزيرة سيناء، إبان إحتلالها ولكنها لم تجد ما يشير إلى أي وجود يهودي فيها، مماجعلها تعيد جميع الآثار التي وجدتها هناك إلى مصر. وتهاوت جميع التفسيرات التيكانت تقول بأن كتاب اليهود المقدس كان يتحدث عن أماكن في فلسطين، وألف في ذلك كتبوبحوث ودراسات عالمية كثيرة، ومن أشهر الكتابات باللغة العربية في هذا المجال ماسطره كمال الصليبي، دكتور التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت، والذي أصدر كتابهالأول حول تاريخ اليهود و فلسطين بعنوان " التوراة جاءت من جزيرة العرب" ثم ظهرت لهكتب أخرى تعالج نفس الموضوع، وهي: خفايا التوراة، أسرار شعب بني إسرائيل، حروبداوود، والبحث عن يسوع. إضافة إلى كتاب آخر باللغة الإنجليزية بعنوان: The Historicity of Biblical Israel وقد فند الدكتور الصليبي في كتبه المستنداتالأثرية التي اعتمد عليها دعاة مدرسة علم الآثار التوراتي في إثبات علاقتهابفلسطين، معتمداً على الدراسة اللغوية لأسماء الأماكن التي وردت في الكتاب المقدس،وأنها أماكن موجودة في جنوب غرب الجزيرة العربية، وأن موطن ابراهيم وذريته بما فيهمموسى كان هناك وليس في فلسطين التي لم يكن لليهود فيها تواجد يذكر إلا بعد القرنالخامس قبل الميلاد، لأن المؤرخ اليوناني هيرودتس لما زار فلسطين في أواسط القرنالخامس قبل الميلاد لم يكن لهم أي تواجد يذكر هناك. وهذا ما تؤيده آيات القرآنالكريم التي تتحدث عن ابراهيم وسليمان والتي سنتطرق لها في أسطر قادمة. ولننذكر ما كتبه علماء غربيون كثر والمتوافق مع ما ذهب إليه الصليبي، ولكننا سنكتفيبإيراد فقرات مما جاء في مقال نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تشرين أول عام 1999، بقلم البروفيسور زئيف هيرتسوغ ، المدرس في قسم آثار وحضارة الشرق القديم فيجامعة تل ابيب، تحت عنوان: الحقائق تكذب التوراة، والذي يقول في مقدمته: من المعتقدان سكان العالم كله وليس مواطنو “اسرائيل” وابناء الشعب اليهودي وحدهم سيذهلونلسماع الحقائق التي باتت معروفة لعلماء الآثار الذين يتولون الحفريات في ارض “ اسرائيل” منذ مدة من الزمن. ويتابع قائلاً: من الواضح للعلماء والباحثين اليومان شعب “اسرائيل” لم يقم في مصر ولم يتيه في الصحراء ولم يحتل الارض من خلال حملةعسكرية ولم يستوطنها من خلال اسباطه الاثنا عشر. والاصعب من ذلك ايضا هو هضمالحقيقة التي تتضح رويدا رويدا بان مملكة داوود وسليمان الموحدة التي وصفتهاالتوراة على انها دولة عظمى اقليمية كانت في اقصى الاحوال مملكة قبلية صغيرة. ويقول: وكتلميذ للمدرسة التوراتية ادرك عظم الاحباط الناجم عن الفجوة بينالتوقعات للبرهنة عن العهد القديم كمصدر تاريخي وبين الحقائق التي تتكشف على الارض،انا اعيش هذا الوعي "على لحمي" وافحص وانتقد التحليلات والاستنتاجات السابقة قبل كلشيء الى جانب انتقادي للتأويلات الحديثة لأعمال زملائي. ويضيف: الوثائق المصريةالكثيرة المعروفة لنا لا تتطرق بالمرة الى مكوث شعب “اسرائيل” في مصر او لخروجهممنها، برغم أنه في وثائق ومستندات كثيرة تطرقوا الى عادة وتقاليد الرعاة ـ الرحل (الذين يسمون شاسو) في الدخول الى مصر ابان القحط والجوع والاستيطان في اطرافالدلتا. ويقول: المكتشفات الاثرية في القدس العاصمة (المفترضة) للمملكةالموحدة، اجزاء واسعة من المدينة حفرت خلال 150 سنة الاخيرة وخلال ذلك اكتشفت بقايامثيرة من العهد البرونزي الاوسط والعهد الحديدي "ب" (ايام مملكة يهودا)، ولم تكتشفمن عهد المملكة الموحدة (حتى حسب التوثيق الذي يحظى بالاجماع) اثار بناء ولم تكتشففقط الا مجموعة من الاواني الفخارية. إنتهى كلام البروفيسور زئيف هيرتسوغ. يضافإلى ذلك أن مصر الحالية سماها العرب بهذا الإسم في عصور تالية لعصور الفراعنة. و " مصر" لفظ يدل في اللغات السامية علي الحد أو الحاجز أو السور، وعلى معني الحصانةوالحماية والتمدن. (أي المدينة المحاطة بسور وحصون منيعة) وهو بهذا المعنى يصلح لأنيتسمى به مملكة قديمة مكونة من مدينة واحدة محاطة بسور وحصون منيعة، كممالك جنوبغرب جزيرة العرب القديمة، ولا يمكن أن توصف به بلاد النيل، تلك المملكة الممتدة علىضفاف النيل من بلاد النوبة جنوباً إلى سواحل البحر المتوسط شمالاً، والتي كانت تضممدناً وقرى كثيرة مفتوحة على النيل وليست محاطة بأسوار ولا حصون. أما إسم بلادالنيل زمن الفراعنة فقد كان " كيمي " وإن كان الإغريق في فترة زمنية قديمة يطلقونعليها (حا ـ كا ـ بتاح) أي مكان الإله بتاح. وكان سكان بلاد الفراعنة يطلقون عليأنفسهم اسم " رمث " بمعني الناس، و" رمثن كيمة " و" كيمتيو" بمعني أهل كيمي و" رمثنباتا " بمعني ناس الأرض. ومن أقدم أسماء مصر اسم تاوي أو طاوي بمعني الأرضينمثني أرض، إشارة إلي الصعيد تاشمعو , والدلتا تامحو. وذكروها مرة باسم تامري وسموهاإيرة رع أي عين الشمس, وجاة أي السليمة , وإثرتي أي ذات المحرابين وباقة أيالزيتونة كناية عن خضرتها الدائمة. ولكن لم يطلق عليها أهلها ولا غيرهم أيامالممالك الفرعونية إسم مصر على الإطلاق. ولم يرد في الكتابات الفرعونية أي ذكرلمصر، وإن جاء ذكر مصر وفرعون مصر في عدد من اللوحات الأثرية في العراق، ومن ذلكتلك اللوحة التي وجدت مكتوباً عليها رسائل من أمير كنعاني موجهة إلي فرعون مصروالتي يعود تاريخا إلى الربع الثاني من القرن الرابع عشر قبل الميلاد. وعدة رسائلأخري ترجع إلي الربع الثاني من القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ورد فيها أسماء قريبةمن اسم مصر كمشري ومصري في لوحة ميتانية وجدت في شمال غرب العراق وجهت إلي فرعونمصر وفي لوحة أشورية ونص من رأس الشمرة في شمال سوريا، كما وردت كلمة مصرم في نصفينيقي يعود إلي أوائل الألفية الأولي ق.م. وجاء ذكر مصر عند البابليون، كما ذكرهاالمعينيون في اليمن. ولكن مصر المذكورة هنا ليست بالضرورة هي مصر الحالية، لأنبلاد النيل في الفترة التي كتبت فيها تلك الرسائل لم تسمى مصر بعد. وتكون مصرالوارد ذكرها هي مصر فرعون موسى التي في جنوب غرب جزيرة العرب، والتي قد تكون قدتوارث حكمها سلسلة من الفراعنة على مدى قرون من الزمن، كان هناك الكثير من التواصلبين العراق وفارس وبين اليمن . فإذا كان العالم اليهودي الإسرائيلي يقر بأنالواقع والحقيقة والآثار والدراسات أثبتت بأنه لم يكن هناك وجود لليهود في فلسطينزمن موسى، ولا حتى زمن سليمان، فإن إبراهيم لم يكن موجوداً هناك أيضاً، وبالتاليفليس هناك مصلى ولا مسجداً لله كان ابراهيم وموسى يصليان فيه. وهنا علينا أننرجع إلى ما يقوله القرآن الكريم وكتاب اليهود المقدس عن موطن ابراهيم عليه الصلاةوالسلام الأصلي وأين ارتحل بعد أن هدده قومه بإحراقه. ابراهيم في القرآن يذكر القرآن في عدد من السور، كيف اهتدى ابراهيم لوجود الخالق وآمن به، قبل أنيأتيه الوحي ويطلب من قومه هجر عبادة الأصنام التي قام بتكسيرها في محاولة لإثباتأنها جماد لا تستطيع دفع الضر عن نفسها فكيف يرجى أن تنفع غيرها: وَتَاللَّهِلَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ. فَجَعَلَهُمْجُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِيَرْجِعُونَ.(الأنبياء:57-58) فعقدوا العزم على حرقه بالنار: َقالُواحَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُكُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم. وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًافَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ.(الأنبياء:68-70) وقبل أن ينفذ القوم حرقابراهيم، طلب منه والده الرحيل وترك العشيرة وشأنها، وهو ما يتضمنه معنى " وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا " في قوله تعالى: قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا.(مريم:46) فقام ابراهيم بتنفيذ رغبة والده ونجا من مكائد قومه: قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَسَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا. وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَاتَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءرَبِّي شَقِيًّا,(مريم:47-48) وخرج ابراهيم ومن آمن معه ومن بينهم لوط من أرضعشيرتهم: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَالْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.(العنكبوت:26) وذهاب ابراهيم إلى ربه لا يعني أنه سيصعدللسماء، ولكنه يعني الذهاب لمكان يعتبر بيتاً للرب جل وعلا، وهو ما ذهب إليهابراهيم ولوط ومن خرج معهم: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِيبَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ.(الأنبياء:71) والآرض التي بارك الله فيهاللعالمين المذكورة في القرآن هي التي فيها بيته الحرام: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍوُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ.(آلعمرآن:96) فإذا كانت أورشليم لم تظهر إلى الوجود في فلسطين بعد، إضافة إلى أنأول بيت وضع للناس وباركه الله للعالمين هو في مكة، أفلا يعني أن الأرض التي باركالله فيها لكل الناس والتي قصدها ابراهيم وبرفقته لوط ومن آمن معهم، هي مكة، والتيلابد أنها قريبة ومعروفة لموطن ابراهيم الأصلي؟ ويكون ابراهيم خرج من قومهالقاطنين أصلاً في شبه الجزيرة العربية وفي غربها تحديداً، إلى مكة التي تقع قريبةمن تلك المنطقة والمعروفة لديهم، لسبب وجيه هو الهرب بدينهم خوف الفتنة وخوفالإضطهاد والحرق بالنار الذي توعدهم به قومهم. ولو كان ابراهيم في العراق كمايقول التراث اليهودي الذي سنأتي عليه لاحقاً، فبإمكانه الهرب من عشيرته إلى مكانآخر في العراق الخصيب، ولن يحتاج لقطع مئات الكيلومترات عبر الصحاري القاحلة منالعراق إلى فلسطين، التي لم يكن فيها بيت لله ولا مكان مقدس في ذلك الوقت. وعندما وصل إبراهيم لمكة، إهتدى لمكان البيت العتيق، يقول تعالى: وَإِذْبَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًاوَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِالسُّجُودِ.(الحج:26) الذي يبدوا أنه قد استخدم لعبادة الأوثان، وهو ما تشيرإليه الآية بالقول " وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَوَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ". كما قد يكون لحقه الخراب ولذلك قام ابراهيم بعد سنواتوبعد أن ولد ابنه اسماعيل وأصبح في سن تمكنه من معاونة والده بترميمه وإعادة بنائه: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَاتَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.(البقرة:127) وقد أصبحلإبراهيم مقام يصلي فيه عرف باسمه من كثرة تواجده: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌمَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّالْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّعَنِ الْعَالَمِينَ.(آل عمرآن: 97) وهو ما يعني أن إبراهيم كان يقطن قريباً منمكة. وفي إحدى المرات التي تواجد فيها ابراهيم في الحرم مع ابنه اسماعيل، حدثما عرف بالرؤيا وكبش الفداء: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّإِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَالَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. وَتَرَكْنَاعَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ.(الصافات:102-108) ويبدوا أن الحادثة وقعت في موسمالحج فأصبحت الأضحية عيداً متبعاً كما تقول الآية " وتركنا عليه في الآخرين". أيذكرى متبعة في الأجيال اللاحقة، والتي لازال المسلمون يحيون ذكراها بذبح الكبش كمافعل ابراهيم عليه الصلاة والسلام. ولولا أن اليهود الذين يعملون بالتاريخ القمري،مثل المسلمين، يزيدون شهراً كل ثلاث سنوات، لتوافق عيد الفصح مع عيد الأضحى لدىالمسلمين الذي هو نفس اليوم الذي حدث فيه فداء إسماعيل. والقرآن لم يأت على ذكرهاجر ولا بئر زمزم ولا قصة تسكين هاجر وإسماعيل بعيداً عن سارة. وكل ما جاء في تراثالمسلمين حول هذه المواضيع مبني على أقوال المؤرخين الذين استمدوا معلوماتهم من كتباليهود. قارن ما جاء في كتاب الكامل في التاريخ أو سيرة ابن هشام تحت عنوان ولادةاسماعيل عليه السلام مع الإصحاح الحادي والعشرون من سفر التكوين لملاحظة الإقتباسالحرفي. وقد جاء في ذلك الإصحاح أن سارة، التي كانت قد طلبت من ابراهيم التسريبهاجر جاريتها عله يرزق بطفل، قد عادت بعد أن رزقت هي بولدها اسحاق وطلبت منابراهيم أن يطرد هاجر وولدها إسماعيل: فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها، لأنابن هذه الجارية لا يرث مع ابني اسحاق . فبكر ابراهيم صباحاً وأخذ خبزاً وقربة ماءوأعطاهما لهاجر واضعاً إياهما على كتفها والولد وصرفها. فمضت وتاهت في برية بئرسبع.(التكوين:الإصحاح الحادي والعشرون:10) فإبراهيم لم يصحبها لمكان يبعد مسيرةشهر، ولم يؤمنها بمؤنة تكفي لسفر طويل، وكل ما أعطاها هو قليل من الزاد وقربة ماء. ويكمل النص اليهودي القصة بأن هاجر قد اهتدت لبئر ماء في الصحراء وأنها سكنت في تلكالبرية التي تسمى فاران مع ابنها حتى كبر وتزوج بفتاة ممن كان يعرف بمصرايم. وقد اختار المؤرخون المسلمون أن يحوروا في القصة قليلاً، وهذا النص الذيأوردوه: وإنما أخرجتها (أي هاجر) سارة غيرة منها، وهو الصحيح. وقالت سارة: لاتساكنني في بلد. فأوحى الله إلى ابراهيم أن يأتي مكة وليس بها يومئذ نبت، فجاءابراهيم بإسماعيل وأمه هاجر فوضعهما بمكة بموضع زمزم، فلما مضى نادته هاجر: ياابراهيم من أمرك أن تتركنا بأرض ليس فيها زرع ولا ضرع ولا ماء ولا زاد و لا أنيس؟قال: ربي أمرني . قالت: فإنه لن يضيعنا. فلما ولى قال: " ربنا إني أسكنت من ذريتيبواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم. ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهويإليهم". وبطبيعة الحال لا يمكن أن يأمر الله بترك طفل رضيع وأمه المسكينةوحيدين في أرض غريبة وبعيدة وموحشة فقط لكي يرضي رغبات إنسان آخر (سارة). وحتى لوأصابت الغيرة سارة وأراد ابراهيم أن يطاوعها في إبعاد إبنه من جاريته، فلماذاأبعدها آلاف الكيلومترات في زمن يستغرق السفر إلى ذلك المكان أسابيع طويلة عبرصحراء مهلكة يصفها ابن بطوطة بأن داخلها مفقود وخارجها مولود ، بدل أن يسكنها فيطرف البلدة التي يعيش فيها أو في بلدة أخرى في المنطقة التي يتحدث أهلها نفس اللغةولديهم نفس التقاليد والطعام. ولذلك أقحم مؤرخو المسلمين في القصة أن الله قد اختارالمكان لإبراهيم، حتى تنتفي تساؤلاتنا السابقة. فابراهيم لم يكن في فلسطين ولميرحل هاجر وابنه اسماعيل بعيداً، ولم تحفر زمزم بأجنحة ملائكة لإطفاء ظمأ رضيع تركهوالده في فلاة قاحلة لكسب رضى زوجته الغيور، وإلا لإتهم ابراهيم بالقسوة والظلم. كما أن السعي ركن من أركان الحج فرضه الله كما الطواف وركعات الصلاة وسجودها، وليستقليداً لهرولة أم تبحث عن ماء لإطفاء ظمأ رضيعها، كما تقول كتب المسلمينالإخبارية، وإلا لأتخذ السعي مساراً متعرجاً وفي كل الإتجاهات بدلاً من مسار واحد،لأن البحث عن الماء في أكثر من اتجاه يضاعف الفرصة في العثور عليه، بدل تكرارالهرولة سبع مرات بين مكانين سبق التأكد من خلوهما من الماء: إِنَّ الصَّفَاوَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَجُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَشَاكِرٌ عَلِيمٌ.(البقرة:158) فالسعي بين الصفا والمروة ذهاباً باتجاه ومسار،وإياباً باتجاه معاكس ومسار محاذ للمسار الأول، من شعائر الله التي فرضها على الناسمثل الطواف والوقوف بعرفات والمبيت بمنى منذ بني البيت وفرض الحج قبل زمن هاجروسارة. ولا ينفي هذا أن تكون سارة قد طلبت من ابراهيم تغييب هاجر (إن كان هذافعلاً إسمها) وابنها اسماعيل عن ناظريها، لأنها تصرفت كإمرأة أحست بالغيرة مثلغيرها من النساء، وأن ابراهيم نقل الجارية وابنها إلى مكان يبعد عن سكن العائلةولكنه في نفس المنطقة كما روته الكتب اليهودية التي أخذ منها المسلمون أصل القصة. المهم أن ابراهيم قد استقر به المقام في مكان قريب من مكة بعد ترحاله الذي تلىخروجه من بلده الأصلي هرباً من عشيرته الكافرة، وبعد سنوات رزق بأولاد، والبدايةكانت بإسماعيل، الذي يعني إسمه، سمع الله، لأن الله قد استجاب لدعاء ابراهيم بأنيرزق بذرية، وهو الذبيح، والذي فداه الله بكبش، ثم رزق الله ابراهيم بولد آخركمكافأة له على عزمه على التضحية بابنه الوحيد، وهذا ما تظهره الآيات التالية: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ. فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىقَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَالصَّابِرِينَ. فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ. سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. كَذَلِكَنَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. وَبَشَّرْنَاهُبِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ.(الصافات:101-112) وإسحاق، أو يتسحقبالعبرية، من الضحك، لأن سارة عندما سمعت رسل الله الذين استضافهم ابراهيم يبشرونهبأنها ستلد له ولداً ضحكت لكونها عجوز متقدمة في السن ولا تصدق بأنها ستحبل: وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاءإِسْحَقَ يَعْقُوبَ.(هود:71) وبعدما طال بابراهيم المقام في ذلك المكان القريبمن مكة وأصبح موطناً له، دعا ربه قائلا: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَالِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْوَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ.(ابراهيم:37) وليستالآية تتحدث عن ابراهيم عندما ترك اسماعيل وأمه هاجر في مكة وعاد لفلسطين، كما أوردالمفسرون، لأن الآية تقول " أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي" وتقول " لِيُقِيمُواْالصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُممِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ " فهم من ذرية ابراهيم أي جمع منالأولاد، وهو ما تؤكده الآية بترديد الضمير العائد على الجمع (ليقيموا... تهويإليهم... وأرزقهم.... يشكرون)، ولو كان المعني اسماعيل وامه لقال ابراهيم بأنه تركابنه وامه، ولجاء الحديث بضمير المثنى. وعندما قال ابراهبم دعاءه السابق كان قدتقدمت به السن ورزق بولديه اسماعيل ثم اسحاق، وهو ما تؤكده الآيات التي تلت الآيةالسابقة: رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىعَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء. الْحَمْدُ لِلّهِالَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّيلَسَمِيعُ الدُّعَاء. رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِيرَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء.(ابراهيم:38-40) أما لماذا سكن ابراهيم بقرب مكةولم يسكن في مكة نفسها وبجوار بيت الله، فقد نجد الإجابة فيما فعله محمد (صلى اللهعليه وسلم). فقد أبعدته قريش عن مكة فهاجر للمدينة وبقي فيها ثمان سنوات قبل أنيتمكن من فتح مكة. وبعد الفتح لم يعد محمد للعيش في مكة برغم أنها موطنه الأصليومسقط رأسه، إضافة إلى أن فيها بيت الله الحرام، وقفل راجعاً للمدينة وبقي فيهالثلاث سنوات أخرى قبل أن يتوفاه الله. فإذا كان خليل الله لم يسكن في مكة بل فيمنطقة قريبة منها، برغم أن الله كلفه بإعادة بناء وترميم البيت وتطهيره، وبرغم أنهكان متواجداً فيه بصورة شبه دائمة للتعبد. ولم يسكن محمد في مكة، برغم أنه كانيستطيع ذلك بعد الفتح، لأنها بلده الأصلي، ولمجاورة بيت الله! أفلا يعني هذا أن مكةليست مكاناً للسكن، ولكن مكاناً للعبادة والحج والعمرة، لأنها لو سكنت فستزحفالمباني على المشاعر وستحيط بالحرم الذي يجب أن يتسع حسب حاجة المسلمين. وحتى لاتتحول مدينة بيت الله إلى سوق تنافس عقاري كما هو الآن حيث تقف أسعار الأراضيوالعقارات في المستوى الأول عالمياً: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَالْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَوَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّيَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍمَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَاوَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوانُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ.(الحج:26-29) ولهذا وجدتمكة ولهذا يجب أن تبقى. هذا ما يقوله القرآن عن ابراهيم، والمتدبر للآيات التيجاء فيها ذكر سليمان والهدهد، سيجد أن مملكة سليمان لابد أنها كانت مجاورة لمملكةسبأ، التي لا يختلف إثنان أنها كانت في جنوب غرب جزيرة العرب، ولذلك استطاع الهدهدأن يطير إليها ويغدو في نفس اليوم. ولو كان سليمان في فلسطين لما استطاع الهدهد أنيطير كل تلك المسافة التي تزيد عن (1500) كلم ويعود في نفس اليوم، لأن سرعة طيرانالهدهد، والمسافة التي يستطيع ان يطيرها في يوم واحد لا تؤهله للقيام بذلك. وفيما يلي نتفاً مما قاله كتاب اليهود المقدس عن رحلة ابراهيم من موطنه وأينذهب، مع الوضع في الحسبان أن كتاب اليهود المقدس هو كتاب تاريخي أكثر منه ديني. ابراهيم في كتاب اليهود المقدس في كتاب التكوين هناك رواياتان مختلفتانلقصة نزوح ابراهيم، الرواية الأولى تبدأ عندما: " أخذ تارح (الإسم المزعوم لوالدابراهيم) ابنه ولوطاً ابن هاران ابن ابنه (أي لوط ابن هاران ابن تارح) وساراي (التيسميت سارة فيما بعد) كنته إمرأة ابرام إبنه. فخرجوا معاً من أور الكلدانيين ( والتييصر اليهود على أنها في العراق بينما يقول الصليبي أنها جنوب المدينة ) إلى أرضالكنعانيين (التي يصرون على أنها فلسطين). فأتوا إلى حاران وأقاموا هناك. وكانتأيام تارح مئتين وخمس سنين. ومات تارح في حاران.(التكوين:الإصحاح الحادي عشر:27 – 32). ولم يذكر الكتاب لماذا أرادوا الهجرة من أرض العراق الخصيبة إلى بلادغريبة عليهم ولا يعرفون ما فيها، ويفصلهم عنها صحار قاحلة، وبعكس ما جرت عليهالعادة، فليس من المعتاد حدوث هجرات من بلاد الرافدين إلى فلسطين. ثم إن والدابراهيم لم يذهب إلى أرض الكنعانيين (اي فلسطين)، برغم أن الذهاب إليها كان السببفي خروجه من بلاده الأصلية، بل ذهب إلى حاران، التي يصر اليهود على أنها حوران، تلكالأرض الصحراوية شرق دمشق، كما يظن كتبة الكتاب المقدس. وهذا تصرف آخر غير إعتيادي،إذ جرت العادة أن يرتحل البدو من البادية ويستقرون في المناطق الزراعية والقروية،أما أن يقرر أناس من الحاضرة يعيشون في مناطق زراعية غنية كبلاد الرافدين، ولميتعرضوا للإضطهاد أو أي سبب آخر يضطرهم لتركها والعيش في بادية جرداء تحتاج لوقتطويل للتأقلم والتكيف مع حياتها الصعبة وأسلوب معيشتها الضنك، فهذا ما لم يستطعكاتب الرواية اليهودي شرح دوافعه. ويبدوا أن كل هذه الرحلة لم تحدث، والدليلجاء من نص الإصحاح التالي الذي يروي قصة نزوح ابراهيم بقلم كاتب آخر، والذي يقولبأن ابراهيم خرج هارباً من أبيه وقومه " وقال الرب لإبرام إذهب من أرضك ومن عشيرتكومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك.(التكوين: أول الإصحاح الثاني عشر) فكانالمفترض به أن يتجه للأرض التي سيهديه الله إليها، أو بعبارة أخرى، الأرض المباركةالتي هداه الله إليها، كما يقول النص القرآني: " وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَمَكَانَ الْبَيْتِ ". ويقول الكاتب: وأجتاز ابرام في الأرض إلى مكان شكيم إلىبلوطة مورة . وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض. وظهر الرب لإبرام وقال: لنسلك أعطيهذه الأرض. فبنى هناك مذبحاً للرب الذي ظهر له. ثم انتقل من هناك إلى الجبل شرقيبيت إيل ونصب خيمته. وله بيت إيل من المغرب وعاي من المشرق. فبنى هناك مذبحاً للربودعا باسم الرب. ثم ارتحل ابرام ارتحالاً متوالياً نحو الجنوب. إذاً، ابراهيمانتقل من بلده الذي لم يكن في العراق، بل جنوب المدينة (يثرب) ، إلى بلاد معروفةوليست غريبة عليه مجتازاً بلاد شكيم ليصل إلى غابة مشهورة تسمى غابة مورة. وكانيقيم قرب تلك المنطقة الشجرية أناس من كنعان لأن الأرض المحيطة كلها ضمن بلاد قبيلةكنعان التي كانت تنتشر في جنوب غرب جزيرة العرب ومنها انطلقت هجرات الكنعانيين إلىالعراق والشام . وفي هذه الأثناء ظهر له (ملاك) الرب (اي أوحي له) أن هذه الأرضستكون لنسلك في المستقبل، وهناك بنى ابراهيم مذبحاً لله. ثم انتقل ابراهيم ونصبخيمته على الجبل الواقع شرقي بيت الله وغربي جبل كان يسمى في ذلك الحينجبل عاي. وفلسطين لم يكن فيها بيت لله قبل مجيء ابراهيم المزعوم، كما أن إبراهيم بدوي متنقليحمل خيمته معه وليس من مزارعي بلاد الرافدين الذين عرفوا الإستقرار والحياةالمدنية. فإذا لم يكن هناك أي بيت لله في فلسطين في ذلك الوقت، وإذا كانابراهيم توجه لمكان آخر غير فلسطين كما يؤكده نص الإصحاح السابق من كتب اليهودأنفسهم، ونصب خيمته قرب بيت الله (إيل)، وإذا كانت مكة فيها أول بيت لله وضع للناس،ألا يعني هذا أن ابراهيم استقر قرب مكة الواقعة غرب جزيرة العرب. وبعد أن بنىمذبحاً للرب ودعا (صلى) للرب، ارتحل ابراهيم نحو الجنوب حسب الرواية اليهودية. وبعد تجوال وترحال في مناطق جنوب الجزيرة قرر ابراهيم ومن معه العودة للسكن قرببيت الله الذي يقع ضمن الأراضي التي تسيطر عليها القبائل الكنعانية: وسار في رحلاتهمن الجنوب إلى بيت إيل. إلى المكان الذي كانت فيه خيمته في البدء بين بيت إيلوعاي.(التكوين: الإصحاح الثالث عشر:3) ولكي لا تقع مشاحنات بين رعاته ورعاة لوطابن أخيه اتفقا على أن يرحل لوط لأرض أخرى فاختار لوط الرحيل إلى حيث بلدة سدوم،بينما نقل ابراهيم خيامه إلى مكان قريب من غابة مورة أو ممرا، والتي يقول الصليبيفي الصفحة 96 من كتابه خفايا التوراة أنها قرية النمرة الحالية الواقعة إلى الشرقمن القنفذة وإحداثياتها: (19:44:15 & 41:21:25) ويكون ابراهيم قد استقر فيرحلته إلى الجنوب لبعض الوقت في الجبل الذي لايزال يسمى جبل ابراهيم ويقع إلى يمينالمسافر إلى الطائف، على الطريق المعبد الذي يربط الباحة بالطائف، والمسمى محلياًبطريق بني سعد. وإحداثيات الجبل هي: (20:25:20 & 41:10:00) كما يوجد وفي نفسذلك الجبل كهف يسمى مصلى إبراهيم، وفيه ما يسمى بالمذبح، وهو ما يعرفه كبار السن منأهل المنطقة، الذين لا يشكّون أنه مصلى ابراهيم الخليل. وعندما ماتت زوجته سارةاشترى مغارة المقفلة القريبة ودفنها فيها.(التكوين:الإصحاح الثالث والعشرون:2). والمقفلة هي قرية مقفلة الحالية الواقعة إلى الشرق من القنفذة، كما يقول الصليبي ،وإحداثياتها (19:11:00 & 41:32:00) كما أن ابراهيم نفسه عندما مات، دفن فينفس المغارة التي أصبحت مدفناً لعائلته. فإسحاق دفن فيها حسبما جاء في الإصحاحالخامس والثلاثون من سفر التكوين، كما نقل جثمان يعقوب ابن اسحاق من المكان الذيمات فيه وهو ما كان يدعى مصرايم في ذلك الوقت، ودفن في نفس المغارة. مما يؤكد أنالمسافة بين مصرايم وبين مغارة المقفلة غير بعيدة. ولو كان يوسف عند فراعنة أرضالكنانة ومغارة ابراهيم في فلسطين الحالية، لاستحال نقل جثة رجل ميت على عربة تجرهاالحيوانات في رحلة تمتد لعدة أيام وأسابيع عبر أراضي مصر الحالية ثم شبة جزيرةسيناء وصحراء النقب لتصل إلى مغارة في جبال القدس. وهكذا يتضح أن قراءة متأنيةللقرآن الكريم ولكتاب التكوين المقدس لدى اليهود، يظهر أن ابراهيم يستحيل أن يكونفي العراق ومنها ذهب إلى فلسطين، ولكنه كان قرب المدينة وخرج منها للنجاة بنفسه ومنمعه من الحرق بالنار، متوجهاً "إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَالِلْعَالَمِينَ.(الأنبياء:71)" وأنه عاش بالقرب منها ومات وعاش أبناؤه من بعدهفيها، وحتى يعقوب الذي انتقل إلى مصارئيم، المستعمرة المصرية، للعيش مع ابنه يوسف،كان غير بعيد عن المكان الذي عاش فيه والده اسحاق وجده ابراهيم، ولذلك أوصى بأنيدفن في نفس المغارة التي دفنا فيها. ولا يفواتنا أن نذكر أن كتب اليهودالمقدسة تذكر أن إسماعيل ابن ابراهيم قد سكن فاران: وسكن في برية فاران.وأخذت لهامه زوجة من ارض مصر.( التكوين: 21:21) وأن موسى وبني إسرائيل كانوا فيها: فارتحل بنو اسرائيل في رحلاتهم من برية سيناء فحلت السحابة في برية فاران. (العدد:10:12) ومثله: وبعد ذلك ارتحل الشعب من حضيروت ونزلوا في بريةفاران.(العدد:16:12) ومثله: فارسلهم موسى من برية فاران حسب قول الرب.كلهم رجالهم رؤساء بني اسرائيل.(العدد:3:13) وفاران كما يقول ياقوت الحموي في معجمالبلدان هي: كلمة عبرانية معربة: وهي من أسماء مكة ذكرها في التوراة، قيل: هو اسملجبال مكة، قال ابن ماكولا: أبو بكر نصر بن القاسم بن قُضاعة القضاعي الفارانيالإسكندراني سمعت أن ذلك نسبته إلى جبال فاران وهي جبال الحجاز. أهـ والآنسنعود إلى كتاب الله ونتدبر الآية التي يزعم المفسرون أنها دليل على الإسراءوالمعراج، لتكون كلمة الفصل في الموضوع، فإن كانت تتحدث فعلاً عن الإسراء والمعراجفهما حق والإيمان بهما واجب، برغم كل تحليلاتنا السابقة، وإن كانت بخلاف ذلك فعليناتنزيه كتاب الله من أساطير المفسرين. .................................................. ........................... ماذا يقول القرآن الكريم عن الإسراء السورة إسمها في عهد الصحابة كان سورةبني إسرائيل، ولازال هذا اسمها في تفسير سفيان الثوري وابن عباس، ولكن عندما جاءمفسروا القرون اللاحقة مثل القرطبي والطبري وابن كثير سموها سورة الإسراء، لأن قصةالإسراء كانت قد انتشرت بين الناس. وقد أورد البخاري حديثاً برقم (4874) يؤكد إسمهاالأول، وهذا نصه: حدّثنا آدمُ حدثنا شُعبةُ عنْ أبي إسحاقَ قال: سمعتُ عبدَ الرحمنبن يَزيدَ سمعت ابنَ مسعود يقول في بني إسرائيلَ والكَهْفِ ومريم وطه والأنبياء: إنهنُ من العِتاق الأول، وهُن مِن تِلادِي. والسورة سميت ببني إسرائيل لأنالآيات الأولى منها تستعرض تاريخ بني إسرائيل بصورة إجمالية وسريعة: بسم اللهالرحمن الرحيم. سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِالْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُمِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ. وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَوَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِيوَكِيلاً. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً. وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِمَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً. فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَابَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَالدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَعَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَنَفِيراً. إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَافَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْالْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْتَتْبِيراً. عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَاجَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً. (بني إسرائيل:1-8) ويقول بعض المفسرين أنهاسورة مكية، بينما يستثني القرطبي والشوكاني وغيرهم، الآيات: 60، 76، 80، 107 علىأنها نزلت في المدينة. وبطبيعة الحال هناك سور نزلت بالكامل في مكة وأخرى نزلتبالكامل في المدينة، وهناك آيات من سورة نزلت في مكة وآيات أخرى من نفس السورة نزلتفي المدينة، ولكن لا يوجد ضوابط محددة اتفق عليها المفسرون والمحدثون والفقهاء يركنلها لتحديد الآيات التي نزلت في مكة والآيات التي نزلت في المدينة. وليس هناك سجلمكتوب في عهد الرسول، يسجل متى وأين نزلت الآيات، وكل ما يقوله رجال الدين عن مكاننزول الآيات هو إجتهادات شخصية محضة. وبعيداً عن إجتهادات المفسرين، يمكنملاحظة بعض الخصائص الملازمة للآيات المكية وأخرى ملازمة للآيات المدنية، ومن ذلكأن السور المكية تذكر الأمم السابقة وما حل بها، وتدعوا لوحدانية الله والتفكر فيمخلوقاته الدالة على تلك الوحدانية، وعلى قدرته سبحانه على إعادة الخلق وإمكانيةالبعث. كما أن الآيات المكية تؤكد على الصبر على الشدائد، وتدعوا الرسول للصبروالإكثار من تسبيح الله والصلاة. وكل آية فيها وعيد لشخص من قريش ولو لم يذكربالإسم فهي مكية. وكل الآيات التي ذكر فيها الحور العين والتي تصور ملذات الجنةبصور مماثلة لما في الدنيا كالخمر فهي مكية. إضافة لخصائص أخرى. أما الآياتالمدنية فمن خصائصها أنها تتحدث عن بني إسرائيل وتخاطبهم، كما تخاطب من قالوا بأنهمنصارى. وكل الآيات التي تتحدث عن عيسى ابن مريم وأمه فهي مدنية. وكل الآياتالتي تتحدث عن المنافقين، ومثلها آيات الحدود، والآيات التي فيها تشريع أو ذكر فيهاالصيام والحج والجهاد. وهناك مواضيع ذكرت في آيات مكية، ومن ذلك الصلاة والزكاة (الإنفاق). والآيات الثمان الآولى من سورة بني إسرائيل تتحدث عن بني إسرائيلولذلك فهذه الآيات مدنية، كما أن السورة تعود في آخرها للحديث عن بني إسرائيل كمابدأت، وذلك في الآيات (101-104) فتكون تلك الآيات مدنية آيضاً. ولكن هل الآيةالآولى مدنية؟ أم أن السورة بدأت بآية واحدة نزلت في مكة ثم نزلت الآيات السبعالتالية في المدينة؟ والمتدبر لآيات القرآن الكريم يلاحظ أنه لا يوجد في كتابالله سورة واحدة من سوره المائة والأربعة عشر تبدأ بالحديث عن موضوع في الآيةالأولى ثم تنتقل في الآية رقم إثنين لموضوع آخر، على الإطلاق، إلا ما يكون من أمرالحروف الإنفرادية التي تبدأ بها بعض السور، مثل: ألم، طسم: الر...ونحوها، أو تلكالسور التي تبدأ بقسم، وكل هذه البدايات لا تتحدث عن موضوع بل هي إفتتاح للسورة،ومن ذلك إفتتاح سورة الحجر والتي تبدأ بقوله تعالى: الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِوَقُرْآنٍ مُّبِينٍ.(الحجر:1) قبل أن تتبع بالآيات التالية: رُّبَمَا يَوَدُّالَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ. ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْوَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.(الحجر:2-3) فهلسورة بني إسرائيل هي السورة الوحيدة في القرآن الكريم التي تبدأ بالحديث عن موضوعهام جداً وغير إعتيادي، كالإسراء، وبشكل مقتضب جداً، ثم تنتقل الآية الثانية ومابعدها لموضوع آخر ولا تعود للحديث عن الموضوع الذي بدأته في الآية الأولى أبداً، بلإن جميع آيات القرآن الكريم والبالغ عددها (6236 آية) لا تتحدث عنه أبداً، في الوقتالذي نزلت فيه الآيات القرآنية للحديث بالتفصيل عن مواضيع أقل شأنناً من الإسراءبكثير، وفي مواضع متعددة. هذا لو افترضنا أن الآية الأولى منفصلة عن الآياتالسبع التي تليها، كما يزعم المفسرون، وهذا ما تعارض مع كل الشواهد التي أوردناهافي نقاشاتنا السابقة. ويتبقى إحتمال أن تكون الآية الآولى في السورة تتحدث عننفس الموضوع الذي تتحدث عنه الآيات التي تليها مثلها في ذلك مثل بقية سور القرآنالعظيم بلا استثناء. وهذا ما يعطينا الحق بمناقشة هذا الإحتمال؟ ولو فعلنافسنجد أن الآية تنص على أنه كان هناك إسراء لعبد من عبيد الله، وتم الإسراء منالمسجد الحرام الذي لا يوجد مسجد حرام غيره والذي هو في مكة، وأن الإسراء، وهوالسير في جنح ظلام الليل، قد تم إلى المسجد الأقصى الذي بورك حوله، وكان الهدف منالإسراء هو أن يري الله سبحانه ذلك العبد بعضاً من الآيات، أو المعجزات الحسية،يقول تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم. سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاًمِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَاحَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.(بنيإسرائيل:1) بينما تتحدث الآيات السبع التالية عن موسى ورسالته ثم عن بنيإسرائيل وما تعرضوا له خلال تاريخهم باختصار شديد، وكأنه إجمال لكل ما ذكر بالتفصيلعنهم في العديد من سور القرآن، والذي ذكرنا جانباً منه في باب موقف بني إسرائيل منالدين. يقول تعالى: وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيإِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَامَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً. وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَفِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاًكَبِيراً. فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَاأُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداًمَّفْعُولاً. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمبِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً. إِنْ أَحْسَنتُمْأَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُالآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُأَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً. عَسَى رَبُّكُمْ أَنيَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَحَصِيراً.(بني إسرائيل:2-8) وموسى عليه الصلاة والسلام ولد في بلد يحكمهافرعون، واسمها مصر. فإذا لم تكن مصر إسماً لبلاد النيل أو جزء من تلك البلاد، فيعصر الفراعنة، وإذا كان الفراعنة لم يذكروا في كتاباتهم ذلك الفرعون الذي غرق ولابني إسرائيل الذين هربوا مع موسى من البلاد، وهذ حقيقة ثابتة، أفلا تكون مصر التيوردت في القرآن الكريم " مصراييم " كما وردت في كتب اليهود، مستعمرة لبلاد النيل،ويحكمها فرعون، أو حاكم من قبل حكام مصر الفراعنة، كما يؤكد ذلك العديد من علماءالأثار، ومنهم كمال الصليبي في كتبه التي سبق ذكرها، والتي يقول فيها بأن تلكالمستعمرة تقع في جنوب عرب جزيرة العرب. ويكون يوسف قد وجد في بئر في البلاد التيسكنها ابراهيم والتي سبق وقلنا بأنها تقع إلى الشرق من القنفذة، وقد باعه من وجدهفي المستعمرة الفرعونية " مصر " وهناك نشأ والتحق به والده وإخوانه، وتناسلوا، ومنأحفادهم ولد موسى عليه الصلاة والسلام. ومن الشواهد القرآنية أن يوسف كان فيجنوب غرب جزيرة العرب وليس في بلاد النيل، قصة تفسير يوسف للحلم الذي رآه الملك،ومنه قوله تعالى: قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْفَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنبَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاًمِّمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُالنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ.(يوسف:47-49) فأرض مصر لا تعتمد على المطر،ولكنها تعتمد على جريان نهر النيل في زراعتها، ولذلك فلا ينتظر الناس الغيث لكييزرعون وليس لديهم ما يعرف بالزراعة البعلية المشهورة حتى اليوم في جنوب غرب جزيرةالعرب والتي تعتمد على مياه المطر، فإن أغيث الناس بالمطر زرعوا وعصروا زيوتهم، وإناحتبس المطر فلا زراعة ولا عصر. ومن الشواهد أيضاً أن الآرض التي عاش فيها يوسفكانت تعتمد على الرعي وليس على الزراعة، وبلاد النيل تعتمد على الزراعة وتربيةالحيوانات تتم فيها إعتماداً على زراعة الأعلاف. ويوسف ألقي في بئر، أي مورد ماءيرده المسافرون، وأرض مصر تعتمد على النيل للتزود بالماء وليس هناك أبار، كمواردللمياه، يردها المسافرون، ولو كان يوسف وإخوته يعيشون في بلاد النيل لتم التخلص منهبطريقة تتوائم مع بيئة بلاد النيل وليس مع ما يتوائم وبيئة بدوية تناسب تهامة عسيرأو شرق جبال عسير. ومن الشواهد أيضاً قوله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّمُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَاتَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَالْمُرْسَلِينَ.(القصص:7) واليم يعني البحر، وأهل مصر إلى اليوم يسمون النيلبحراً، لأنه متسع، وكذلك يسمي العراقيون نهر دجلة والفرات بالبحر. لأنه يمكن إطلاقاليم تجاوزاً على وادي المياه المتسع، وهذا ينطبق على بعض أودية حنوب غرب جزيرةالعرب والتي تنحدر باتجاه الشرق، ومنها وادي بيشة الذي يزيد إتساعه عن إتساع نهرالنيل في بعض أجزائه، والذي كانت مصراييم تقع على جانبه، كما يؤكد الدكتور كمالالصليبي في كتابيه: التوراة جاءت من جزيرة العرب & خفايا التوراة. ووادي بيشةكانت المياه تجري فيه طوال العام، بل لازالت بعض المجاري الصغيرة تجري فيه اليوم،والتي تسمى محلياً (غيل، وعيول). وعندما هرب موسى من فرعون لقتله رجل من عدوه،لجأ إلى مدين القريبة. ولو كان قد هرب من قرب الأهرامات إلى إتجاه شبه جزيرة سيناء،فسيكون خياره، بعد إجتيازها، الذهاب إلى فلسطين حيث وفرة المياه والزراعة والحياةالمستقرة المشابهة للحياة التي اعتادها في بلاد النيل، ولن يتجه إلى داخل فيافيجزيرة العرب الموحشة والمقفرة والمعدومة المياه، حيث مدين، الإسم الحديث الذي يطلقعلى منطقة غرب تبوك الحالية، والتي كانت مقفرة حتى على أيام موسى، ومرتعاً للسلبوالنهب الذي يمارسه البدو على من يعبر تلك المناطق، ولم تكن مدين التي ذكرت فيالقرآن على أنها بلد قوم شعيب، لأن القرآن الكريم يؤكد أن قوم شعيب كانوا مستقرينفي قرية: قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَيَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِيمِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ.(الأعراف:88) بينما لا يوجد أيشواهد أثرية لحياة مستقرة في المنطقة التي تسمى الآن بمدين، والواقعة شمال غربجزيرة العرب. ويكون موسى قد خرج من مصراييم، تلك البلدة التي يحكمها فرعون فيوادي بيشة، خائفاً، ولم يكن يحمل متاعاً وزاداً لسفر طويل: فَخَرَجَ مِنْهَاخَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِالظَّالِمِينَ.(القصص:21) وسلك درباً يوصل إلى بئر في بلاد مدين القريبة: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءالسَّبِيلِ.(القصص: 22) وقد وصلها موسى دون إبطاء، ووجد أن الرعاة يسقوندوابهم، حيث سقى لفتاتين لم تستطيعا مزاحمة الرجال، ثم استظل بظل شجرة قريبة منالبئر ليستريح ويفكر في مستقبله وأين يذهب: وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَعَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِتَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءوَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ. فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَرَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.(القصص: 23-24) عندما عادت إليه إحدى الفتاتين تطلب منه أن يلحق بها إلى بيتها لأن والدها وافقعلى استضافته، وعادة أن تستضيف المرأة رجلاً عابراً، معروفة إلى عهد قريب في جنوبغرب جزيرة العرب ولا زالت في بلاد اليمن: فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَىاسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَافَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَالْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.(القصص:25) وقد وافق موسى للعمل لدى الشيخ الطاعن فيالسن لعدد من السنين مقابل أن يتزوج بإحدى بناته: قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِاسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ. قَالَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِيثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْأَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ.(القصص:26-27) وبعد إنقضاء المدة غادر تلك الأرض ومعه زوجته، ولم تكن وجهته موطنه الأصلي الذيهرب منه، لأنه لا يستطيع الذهاب إلى هناك خوفاً من العقاب الذي ينتظره، فاتجه إلىمكان آخر. أفلا يكون موسى عندما غادر بئر مدين مع زوجه، قد ذهب لأداء الحج فيمكة وزيارة بيت الله الحرام، ومن ثم خرج من هناك باتجاه موطن جده إبراهيم وخاصةمسجده، الذي اتخذه ليصلي فيه، والذي يمكن أن يكون هو مصلى ابراهيم الذي في جبلابراهيم الذي اشرنا إليه. ولابد أن مسيره من مكة كان عبر تهامة، وهو ما سيتضح فيالأسطر القادمة. وفي إحدى الليالي قرر مواصلة المسير في الليل، بإلهام خفي منالله سبحانه وتعالى، عندما شاهد ناراً فترك زوجته وذهب باتجاه النار: فَلَمَّاقَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراًقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَابِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ.(القصص:29) وكانت النار أسفل الطور، أو الجبل المشجر، كما يقول صاحب لسان العرب. وهو وصفلجبال جنوب غرب جزيرة العرب، خاصة في جهتها الغربية من ناحية تهامة، أكثر منهللجبال الجرداء في شمال غرب الجزيرة حيث مدين الحالية. فَلَمَّا أَتَاهَانُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَالشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.(القصص:30) فمناداة الله جل وعلى لموسى حدثت بالقرب من شجرة على حافة أحد الأودية المنحدرةمن الطور، وقد يكون ذلك الوادي تجري فيه المياه، مثل الكثير من أودية عسير، والتيتجري فيها المياه لشهور عدة في السنة حتى في هذا العصر الأقل مطراً، مما كان عليهقبل أربعة آلاف سنة. وهناك تلقى موسى آيات (معجزات) ربه: وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَفَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْيَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ. اسْلُكْ يَدَكَ فِيجَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَالرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِإِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ.(القصص:31-32) ويكون موسى قادم من تهامةباتجاه جبال السروات (الطور) التي تقف بانحدار شديد، في طريقه لمصلى ابراهيم الواقعفي الجبال التي أمامه، عندما شاهد النار. وتهامة قليلة السكان وأهلها رحل، ولذلككانت رؤية النار شيئ ملفت للإنتباه، كما أنه إستطاع رؤيتها من بعيد، لأن الأرض ليستمعقدة التضاريس. ولو كان موسى قد قدم من مكة إلى مصلى ابراهيم عبر الطرق الجبلية،لكان الطريق يمر بمجمعات المزارعين، لأن المنطقة زراعية وأهلها مستقرون ولن يلفتنظره رؤية نيرانهم الواحدة تلو الأخرى. ويكون الله سبحانه وتعالى قد أسرى بموسىفي ليلة من الليالي عندما كان في طريقه من المسجد الحرام إلى المسجد الذي اتخذهابراهيم في حياته مصلى له في جبل ابراهيم الحالي، وهو مسجد قصي بالنسبة لمكة، لأنالوصول إليه يحتاج لعدة أيام. وفي تلك الليلة قرر موسى السير ليلاً (يقال أَسْرَيْتوسَرَيْت إِذا سِرْت لـيلاً ) عندما رأى النار بالقرب من سفح الجبل الكثير الشجرحيث كلمه الله سبحانه وتعالى وأراه من آياته. وتكون سورة بني إسرائيل بدأتبالحديث عن موسى وما حدث له في ليلة من الليالي وهو في طريقه من مكة إلى موطن جدهابراهيم: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِالْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُمِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.(بني إسرائيل:1) ثم تكملالآيات التالية الحديث عن موسى وبني إسرائيل: وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَوَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِيوَكِيلاً. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً. وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِمَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً. فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَابَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَالدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَعَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَنَفِيراً. إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَافَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْالْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْتَتْبِيراً. عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَاجَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً.(بني إسرائيل: 2-8)<?xml:namespace prefix = o /><o:p></o:p> <o:p></o:p> وختاماً نشير إلى أن الرواة اعتمدوا على الآية الأولى في سورة بني إسرائيل للحديث ليس فقط عن الإسراء ولكن أيضاً عن المعراج، برغم أن الآية لم يأت فيها ذكر للمعراج، الذي استرسل المفسرون في الحديث عنه أكثر مما تحدثوا عن الإسراء. وهناك موضعان في القرآن يستدل بهما، بتردد، على المعراج، لأن معناهما الحقيقي لا يدل على ذلك، وهما: الآية الستين من سورة بني إسرائيل: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً. ووجه الإستدلال يحدثنا به القرطبي في تفسيره للآية فيقول: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، سُئِل عن قوله وَما جَعَلْنا الرُّؤْيا التي أرَيْناكَ إلاَّ فتْنَةً للنَّاسِ قال: هي رؤيا عين رآها النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به. أي أن الآية تشير إلى ما رآه الرسول في السماوات. والإستدلال الثاني هو في الواقع بثلاث آيات من سورة النجم، وهي قوله تعالى: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى.(النجم:8-10) ووجه الإستدلال يحدثنا به القرطبي أيضاً فيقول: حدثنا يحيى بن الأمويّ، قال: ثنا أبي، قال: ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سَلَمة، عن ابن عباس ثُمَّ دَنا فَتَدَلَى قال: دنا ربه فتدلىّ. حدثنا الربيع، قال: ثنا ابن وهب، عن سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمر، قال: سمعت أنس بن مالك يحدّثنا عن ليلة المسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج جبرائيل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة، ثم علا به بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار ربّ العزّة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله إليه ما شاء، فأوحى الله إليه فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كلّ يوم وليلة، وذكر الحديث. إنتهى ولو سلمنا بهذا التجديف على الله تبارك وتعالى فسنتصور كيف أن الله جل جلاله قد تدلى بشكل بهلواني ليقترب من محمد ويتحدث معه ( تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً). والآية الستين من سورة بني إسرائيل لا يمكن الإستدلال بها على تلك القصص الخيالية عن رحلة مزعومة لمحمد، لم يعلم بها في حياته ولم يحدّث بها. ويبقى الخيار بين أن نصدق أن الله ليس كمثله شيئ وأنه أعظم من أن يراه بشر أو يحادثه أو يصل إلى مكانه، وأن الوحي وصل لمحمد بنفس الطريقة التي وصل بها إلى كل الرسل قبله، وبواسطة أحد الملائكة الذي لديه القدرة على نسخ الوحي في ذاكرة الرسول على شكل نصوص بلغة الرسول، دون أن يكون هناك حاجة أن ننظر للرسول على أن لديه قدرات فوق بشرية على الإطلاق، لأن الله يؤكد أن الرسول ما هو إلا بشر عادي تماماً، لا يستطيع الرقي للسماء: أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً.(بني إسرائيل: 93) وهذه الآية التي تنفي أن يكون الرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه قد عرج به للسماء نزلت بعد الآية الأولى في السورة والتي يزعم المفسرون أنها تفيد الإسراء والمعراج بمحمد، ولم يكلف أحد من المفسرين أو الفقهاء أو المحدثين نفسه عناء التوقف والتفكير في أنه لو كان الرسول قد أسري وعرج به للسماء فكيف تأتي هذه الآية لتنفي ذلك نفياً قاطعاً لا مرية فيه. أما الخيار الثاني فهو أن نتعامى عن كل ما سبق ونصدق ما نسجته مخيلة الرواة الذين نقل عنهم المفسرون والمحدثون وظن الناس أنه من عند الله " وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.(آل عمران:78) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين <!--[if !supportLineBreakNewLine]--> <!--[endif]--> |
#2
|
|||
|
|||
رد: لمن الأسراء ؟ وهل المعراج حقيقة
فى العادة يضطلع منكروا السنة الشباب بمهمة تضييع الإسلام كلٌ على قدر طاقته ،وليس من عادتهم النقل الحذفورى ( نسبة إلى الحذافير ) هكذا . ورغم طول المقال فلا بأس. عادة ما يلعب منكروا السنة لعبة قديمة ومستهلكة ، ألا وهى أن يعمدوا إلى اشياء غير واردة تفصيلياً فى القرآن الكريم ثم ينكرونها ويعتبرونها مسوغ لزيادة الإجحاف على السنة ، وكذبوا والله ، وليست هذه منهجية بحث ولا أسلوب عمل ، أنا أصف هذا بالطفولة الفكرية ، والصبيانية الذهنية. فمن البديهى أنه عندما تثبت حجية السنة فإنها كل ما يثبت بها يعد دليلاً ولا ريب ، ولكنهم دائماً ينطلقون من شئ وكأنه أمسى بديهياً ألا وهو أن السنة ليست حجة تشريعية ، وأخطأوا والله. فإن هذا عقم فى التفكير وعجز عن الاستدلال. فكان يجب عليهم أن يوفروا على أنفسهم افتعال كل تلك الحروب الوهمية وأن يناقشوا أولاً قضية حجية السنة وأن يكونوا حياديين وباحثين عن الحق فإذا توصلوا إلى حجيتها وفروا على أنفسهم هذا العنت الكبير. ولكن طبعاً هذا شئ غير منتظر ولا متوقع منهم ، حيث أنهم قد آلوا على أنفسهم أن يرفعوا لواء إنكار السنة سواء ثبت أم لم يثبت حجيتها التشريعية ، وقد ذكرنى هذا بموقف ملحد كنت أحاوره ونحشد له أدلة على أن لهذا الكون خالق مبدع ، فأجابنى قائلاً : حتى لو كان هناك إلهاً فأنا لا أعبأ بوجوده. وإنا لله وإنا إليه راجعون. فهذه هى حقيقة منكرى السنة الحاقدين على رسول الله وحاقدين على معجزاته السائرين فى فلك أسلافهم كفار قريش الذين قالوا : (: وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [ الزخرف : 31 ] ولا يفوتنى أن أذكر أن منكرى السنة كثيراً ما تنغلق عقولهم فتجدهم ينكرون أشياء ثابتة فى تاريخ الإسلام وفى السنة فينكرونها زاعمين أنها غير موجودة فى القرآن. وكذبوا والله ، فما هذا إلا لجهلهم ، مثال ذلك إنكارهم لعذاب القبر ، وإنكارهم لمعجزة المعراج التى هى موضع الحوار الآن ، ولأننى أعلم خطر منكرى السنة فإنى أعمد إلى أن آتيهم بالأدلة القرآنية على حجية السنة النبوية وسآتى - إن شاء الله تعالى - بالأدلة التى تنقض ما يزعمون ، ومن أين؟ من القرآن الكريم. ألا فابشروا.
__________________
قـلــت : [LIST][*]من كفر بالسـّنـّة فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله تعالى يقول : (( وما آتاكم الرسول فخذوه )). [*]ومن كذّب رسولَ الله ، فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ،لأن القرآن يقول : (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )). [*]ومن كذّب أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله سبحانه يقول فيهم : (( رضى الله عنهم ورضوا عنه )). [*]ومن كذّب المسلمين فهو على شفا هلكة ، لأن القرآن يقول : (( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) والنبي - صلى الله عليه وسلم يقول : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ). [/LIST]
|
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
ليست شبهة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء يقول أن فاطمة خرجت عن حدود الآداب مع زوجها بل حقيقة | موحد مسلم | الشيعة والروافض | 2 | 2020-04-09 11:36 PM |
مابين خيبر وتبوك او حقيقة اغتيال الرسول | موحد مسلم | الشيعة والروافض | 1 | 2020-02-18 10:13 PM |
علي بن أبي طالب والأئمة يدعون ويلعنون فلان وفلان وأبنائهم ويدخلونهم النار وهم من رواة صحاح الشيعة | ابو هديل | الشيعة والروافض | 0 | 2020-02-17 12:54 AM |
حقيقة هل للرسول ظل لـ ابن باز | معاوية فهمي إبراهيم مصطفى | السنة ومصطلح الحديث | 0 | 2019-10-31 04:13 PM |