جديد المواضيع |
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
لباب القوت في بيان حقيقة اجتناب الطاغوت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين خالق مل شيء القادر على كل شيء العليم بكل شيء الغني عن كل شيء البصير بكل شيء المحاسب خلقه على كل شيء المحيط بكل شيء والصلاة والسلام على المبعوث للناس كافة وعلى صحابته الاطهار ومن اتبعهم باحسان الى يوم الدين . أما بعد: فهذه رسالة لباب القوت في بيان حقيقة اجتناب الطاغوت يسر الله تعالى فيها كشف حقيقة هذا الأصل العظيم الذي لا يتحقق العلم بـ لاإله إلا الله الا به فهو القول الثقيل الذي كبر على المشركين دعوتهم إليه ورفعوا ألوية الحرب على الدعاة إليه وفيه تفرق الناس الى مهتد وضال وفارق الحبيب حبيبه والزوج زوجه والاب ابنه والابن اباه والأخ أخاه ورفعت اعلام الموالاة والمعاداة وتبين من خلاله الهوة السحيقة بين اهل الحق وأهل الباطل وأن الدين غريب وثبت بما لا يدع مجالا للشك كم نحن أعاجم بالنسبة للصحابة من ناحية اللسان وأعاجم في فهم حقيقة الدين . أولا: الأصل في فهم النص الأخذ بالظاهر أصل الدين هو وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(). فهذا اصل الدين وهو نص واصح بين صريح المراد منه ظاهره بما دلت عليه الفاظه المعهودة منه عند المخاطبين به لا يدخله تقييد و تخصيص ولا تأخير بيان لأن العمل بهذا الأصل إنما المطلوب منه أن يكون على الفور لمن آمن به . قال الشافعي رحمه الله :فكل كلام كان عاماً ظاهراً في سنة رسول الله فهو على ظهوره وعمومه حتى يعلم حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي-يدل على أنما اريد بالجملة العامة في الظاهر بعض الجملة دون بعض كما وصفت من هذا وما كان في معناه .أ.هـ الرسالة ص341 قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: الأصل عند السلف الوقوف على ظاهر النص وترك الخروج عنه إلا بدليل والمراد من الظاهر ما ترجح أنه المقصود من الكلام أو لم يأت قصد يخالفه أ.هـ وقال أيضا: الواجب حمل كلام الله تعالى ورسوله وحمل كلام المكلِف على ظاهره الذي هو ظاهره وهو الذي يقصد من اللفظ عند التخاطب ولا يتم التفهيم والفهم إلا بذلك ومدعي غير ذلك على المتكلم القاصد للبيان والتفهيم كاذب عليه أ.هـ إعلام الموقعين 3/108-109 قال الشنقيطي : التحقيق الذي لا شك فيه وهو الذي عليه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعامة المسلمين أنه لا يجوز العدول عن ظاهر كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام في حال من الاحوال بوجه من الوجوه حتى يقوم دليل صحيح شرعي صارف عن الظاهر الى المحتمل المرجوح أ.هـ أضواء البيان 7/487 وقال أيضا: قد أجمع جميع المسلمين على أن العمل بالظاهر واجب حتى يرد دليل شرعي صارف عنه، إلى المحتمل المرجوح، وعلى هذا كل من تكلم في الأصول أ.هـ أضواء البيان /443.. ثانيا: الأصل حمل الكلام على الحقيقة اللغوية للألفاظ التي هي لسان المخاطبين ولا يمكن خطابهم بحقائق مجهولة لديهم قرر هذه القاعدة ربنا عز وجل بقوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ () .إبراهيم4. و الله تعالى قال: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ()نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ()عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ() بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ(). فالله تعالى يقرر انه انزل هذا القرآن باللسان العربي المبين أي: بما دلت عليه الألفاظ اللغوية الواضحة البينة الصريحة الدالة على ما عهده العرب من لسانهم. وأما بخصوص الحقيقة الشرعية وأنها مقدمة على الحقيقة اللغوية فهذا حق ولكن ليس باصل الدين وإنما بالحقائق الشرعية المتعلقة بتفصيلات عبادة الله تعالى وكيفياتها وهذه لا تكون الا بعد الايمان بأصل الدعوة . ثالثا: -- من حيث اسلوب الخطاب من المعلوم أن اسلوب الخطاب العربي ينقسم الى انشاء وخبر فالخبر ما يحتمل الصدق والكذب والانشاء ما لا يحتمل الصدق والكذب فهذه الدعوة هي دعوة تكليفية والتكليف الصريح لا يكون الا باسلوب الانشاء أي الامر والنهي افعلوا كذا ولا تفعلوا كذا ولم تأت باسلوب الخبر لأن هذا الاسلوب من الخطاب مما يحتمل الصدق والكذب فلا يمكن أن يكون التكليف بهذه الكيفية . من ناحية أخرى اسلوب الخبر قد يأتي بمعنى الأمر ومن حيث دلالته على الأمر يعتبر من المتشابه وإدراكه لا يتحقق من قبل جميع المكلفين فضلا عن غير المكلفين وخاصة من هم دون البلوغ بعكس اسلوب الانشاء الذي يتحقق ادراكه من الجميع لانه طلب فعل صريح سواء أمر او نهي . فإذا كان الشيء المأمور به والمنهي عنه من أصل الدين او مما هو معلوم من الدين بالضرورة فلا يأتي باسلوب الخبر الذي لا يفهمه الا من كان متصفا بالفصاحة او سليقته اللغوية لم تتغير فهذا الاسلوب بالنسبة للعرب زمن الوحي مفهوم وواضح بين ولا اشكال فيه ولكن قد يشكل على الكثيرين من أهل اللسان الفصيح وكون هذا القرآن العظيم هو خاتم الكتب وبه ختمت الرسالات والرسل وأنه يخاطب الناس في كل زمان ومكان على اختلاف مستوياتهم مهما طرأ عليهم من تحريف وانحراف فالرحمة والهداية تقتضي ان يكون باسلوب الانشاء الصريح وبألفاظ واضحة بينة بناء على معنى لغوي ظاهر ثابت متعارف عليه لا يدخل فيه الاحتمال والاختلاف عند المخاطبين سواء على العموم او التفصيل ولو كان يحتمل تفصيلا معينا فلا بد ان يأت مع النص بقرائن لفظية واضحة محددة . ثالثا:المسائل المتعلقة بلفظ اجتنبوا دعوة التوحيد اذا نظرنا الى اسلوب الخطاب فيها من خلال دعوة الرسل جميعا على اختلاف الالفاظ وجدناها تقوم على ركني النفي والاثبات باسلوب انشائي وهو افعل ولا تفعل وهذا هو اسلوب التكليف فالرسل قالت لأقوامهم : : اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت : اتقوا الله وأطيعون : اعبدوا الله ما لكم من إله غيره والرسول عليه الصلاة والسلام قال لقومه: قولوا لا إله الا الله تفلحوا فاعبدوا : وهو فعل أمر واضح معلوم صريح لايجاد حدث. واجتنبوا فعل أمر واضح معلوم صريح للنهي عن حدث. فهذان الفعلان من الافعال المتعدية التي لا يتحقق وضوح المراد منها الا بوجود متعلقها من المفعول به. فالفعل هو ما دل على حدث وهذا الحدث معناه ثابت لا يتغير مهما كان متعلقه سواء الفاعل او المفعول به وهو من وقع عليه الحدث. فعندما نقول اشرب فهو من الشرب أي : ادخال السائل الى الجوف عن طريق الفم . فمعنى قولنا اشرب أي : أدخل السائل الى جوفك عن طريق فمك وهذا المعنى ثابت عند جميع المكلفين مهما كان نوع هذا السائل فتغير شكل ونوع السائل لا يغير من معنى الشرب . فمعنى الفعل لا يدخله تخصيص او تقييد أو احتمال وإنما هذه الأمور تتعلق بمتعلق الفعل من الفاعل والمفعول به . فالله تعالى امرنا بأوامر أي: ان نوجد حدثا فهذا الأمر أو عدم ايجاد حدث وهذا هو النهي . فمعنى أعبدوا: أي كونوا عابدين لله بأفعالكم الباطنة والظاهرة (الدعاء والحكم والولاء) – وقد تم بيانها بتفصيل شامل في كتاب الكلمة الباقية منهاج الأمة في المواجهة- ومعناها :التسمية بالاسماء الحسنى والاستغاثة والسؤال والطاعة والتشريع والحكم والتحاكم والاتباع والنصرة والمحبة. واجتنبوا اي : اتركوا ، كونوا على جنب وهو من المجانبة أي التباعد وذروا. وهذا المعنى دلت عليه النصوص الشرعية من خلال ما فهمه الأقوام التي جاءتهم رسلهم بدعوة التوحيد عندما أمروهم باجتناب الطاغوت فمعنى الإجتناب اتفق عليه أهل الأرض مؤمنهم وكافرهم: رد قوم نوح عليه السلام كما اخبر عز وجل بقوله: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (نوح:23). - رد قوم هود عليه السلام كما أخبر عز وجل بقوله: قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (هود:53), وقوله تعالى: قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (الأعراف:70). - رد قوم صالح عليه السلام كما أخبر عز وجل بقوله: قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (هود:62). - رد قوم شعيب عليه السلام كما أخبر عز وجل بقوله: قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (هود:87). - رد فرعون وقومه كما أخبر عز وجل بقوله: قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (يونس:78) وقوله تعالى: وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (الأعراف:127). - رد العرب قوم محمد عليه الصلاة والسلام كما أخبر الله تعالى بقوله: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (الصافات:35), ففهمت أقوام الرسل عليهم السلام أن اجتناب الطاغوت هو ترك معبوداتهم ويذروها ويلتفتون عنها فالاجتناب هو الترك ومصطلح آخر هو نذر, ويذرك ولا تذرن, والإلتفات والنهي عن المعبودات من دون الله تعالى وهي الآلهة والأرباب من دون الله تعالى. النفي وهو :اجتنبوا الطاغوت أي نفي المعبود من دون الله والنفي معناه إخراجه من الوجود إلى العدم فهم فهموا ترك ذات الآلهة وليس تركا مخصوصا او تركا مقيدا وهذا هو نص كلام الله تعالى الا اذا كنا نريد ان نحرف الكلم من بعد مواضعه فإخراجه من الوجود كونه طاغوت يعني عدم الإنتفاع به مطلقا في حال كونه طاغوتا ولذلك قرر الشرع قاعدة الأمر والنهي . قال تعالى:وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب . وقال عليه الصلاة والسلام : مانهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم .رواه مسلم قال ابن تيمية عليه رحمة الله: فالمنهي عنه يجب تركه بكل حال والمأمور به يجب فعله في حال دون حال .أ.ه شرح العمدة 4\329. فانظر إلى قوله الصريح :يجب تركه بكل حال ,وهذا يعني ان حكمه واحد فعدم اجتناب الطاغوت نص عليه القرآن أنه ضلال وتكذيب فهو شرك والإجتناب بكل حال لا اعتبار لأي تقسيم. فالرسول كما قال تعالى:واتبع ما يوحى اليك من ربك ان الله كان بما تعملون خبيرا() وقوله تعالى: ان اتبع الا ما يوحى الي() فهو متبع لما جاء من عند الله تعالى ومعنى الاتباع فعل الشيء بالصفة التي قررها الله تعالى رابعا: المسائل المتعلقة بلفظ الطاغوت المسألة الأولى: الطاغوت اسم جنس معنى الجنس: الماهية المجردة، والحقيقة الذهنية البحتة، بغض النظر عن المصاديق الخارجية. والطاغوت : اسم جنس افرادي معناه: الذي يصدق على القليل والكثير من الماهية من غير اعتبار للقلة والكثرة، مثل: هواء، ضوء، دم، ماء. قال سيبويه: هو اسم مذكَّر مفرد، أي اسم جنس، يشمل القليل والكثير. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى معرفا الطاغوت :وهو اسم جنس يدخل فيه الشيطان والوثن والكهان والدرهم والدينار وغير ذلك أ.هـ الفتاوى 16/565. المسألة الثانية :أل في لفظ الطاغوت. هي لتعريف الجنس ويعبر بالتي لبيان الماهية وبالتالي لبيان الحقيقة ا.هـ شرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام ص156 ولذلك نبه علماء اللغة على الفرق بين الألف واللام الإستغراقية والتي للجنس (كيف نميز بينهما) 1_التي للإستغراق يجوز الإستثناء من مدخولها نحو قوله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا الآيات. واما التي لبيان الحقيقة فلا يجوز الإستثناء من مدخولها . والسر في ذلك ان ال التي لبيان الحقيقة ينظر في مدخولها إلى حقيقته وماهيته لا إلى الأفراد التي تطلق عليها أما الإستغراقية فينظر في مدخولها إلى الأفراد ,والإستثناء هو إخراج فرد من الأفراد فما لا دلالة له على الأفراد كيف يخرج منه فرد ؟شرح قطر الندى وبل الصدى 156_157. فدلالة الألف واللام في لفظ الطاغوت يفيد النظر في حقيقته وليس على اعتبار أفراده مما يعني اختلاف حقيقته نظرا لمتعلقه .ولذلك قالوا في تعريفه: والجنسية يراد بمصحوبها نفس الحقيقة، لا ما تصدق عليه من الأفراد فالطاغوت أسم جنس ، وليس أسم علم على أحد أو شيء بعينه فكما أن كلمة إنسان تدل على هذا و ذاك من البشر ، كذلك كلمة طاغوت تدل على اللات والعزى و فرعون وبوذا ... إلخ فالطاغوتً هو كلُ من تألهَ أو أُلهَ أو ألهه الناس أو صرفت له عبادة من العبادات ، وكل من نازع الله في ألوهيته أو في صفة من صفاته ، وهو رأس الكفر وإمامه. وبناء على ذلك فان المقصود من اجتناب الطاغوت اجتناب نفس حقيقة الطاغوت وهي كونه معبود لا اجتناب الشيء بعينه لان الاجتناب متعلق بالحقيقة وهي ما دل عليه اسم الجنس وال الجنسية ، وهذا ما ضل به الكثير ولم يضبطوه فلم يميزوا بين التعامل مع الطاغوت كونه اله ( معبود) من دون الله تعالى وبين التعامل معه كشيء بعينه او بشخصه , ولم يميزوا بين الاعيان من حيث ان منها ما يصدق عليه اسم الجنس ( انه اله معبود من دون الله) بكل حال وبين ما يصدق عليه اسم الجنس في حال دون حال لنفس الشيء او العين . فالاوثان وهي الجمادات المعبودة من دون الله تعالى هي ممن يصدق عليها اسم الجنس بكل حال فهو معبودة بكل حال كاللات والعزى وهبل ومثلها القانون والدستور فهذه يصدق على اعيانها اسم الجنس . ولذلك بين تعالى ان التعامل معها بما بينه من ملة ابراهيم عليه الصلاة والسلام بقوله: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (75) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) الانبياء ، وهذا ما جاء به عليه الصلاة والسلام كما بينه في حديث عمرو بن عبسة الصحيح المشهور: قال عمرو بن عبسة كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان قال فسمعت برجلٍ بمكة يخبر أخباراً فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مستخفياً حراءٌ عليه قومه فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له ما أنت قال أنا نبيٌّ فقلت وما نبيٌّ قال أرسلني الله فقلت بأي شيءٍ أرسلك قال أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله ولا يشرك به شيءٌ أ.هـ وأما بما يتعلق بغير الاوثان مما يصدق اسم الجنس على عينه هم الفراعنة ففرعون تعني من جعل لنفسه الالوهية المطلقة بمظاهرها الثلاث وهي: -يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان ..... وهذه هي طاغوت العبادة بمعنى النسك والإخلاص وهذا قوله فأوقد لي يعني من أجلي. 2-قال أنا ربكم الأعلى .وهذا بالحكم أي:انا من يصدر الأحكام باسمه. 3-قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد الآية وهذا في الطاعة والإتباع أي:لا اعتبار إلا لطاعتي واتباعي . وأما ما عدى ذلك فان الاجتناب يكون في حال كونه اله ( معبود من دون الله تعالى )، فيجتنب اجتنابا مطلقا في تلك الحالة ما دام متلبسا بها فإذا زالت عنه تلك الحالة اصبح التعامل معه كشخص بعينه من حيث كونه مشرك . وعليه فإن( لا )، في كلمة التوحيد لا إله الا الله نافية للجنس أيضا فاجتمع الجنس في النفي وفي اللفظ وفي دلالة اللفظ . المسألة الثالثة : المعنى اللغوي وعلاقته بالمعنى الشرعي . الطاغوت : هو من الطغيان وهو مجاوزة الحد ,ومعنى مجاوزة معلوم وهذا بحق المخلوق من الفرش الى العرش. فما هو الحد الذي يجب أن يقف عنده المخلوق ولا يتجاوزه؟ يقول تعالى :وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فالمخلوق الأصل فيه انه عابد لله وحده لأنه الخالق فالخالق معبود قال تعالى :إن كل ما في الأرض إلا آتي الرحمن عبدا0() فمجاوزة الحد أن يصبح المخلوق معبودا فلا يصح في العقول الصريحة أن يكون مخلوق عابد لمخلوق لأن العبادة قائمة على الإحتياج (الفقر) للمعبود وهو جلب النفع ودفع الضرر قال تعالى:يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) فالناس جميعا مهما بلغ من سلطانهم وجاههم ومالهم هم محتاجون للغني سبحانه وتعالى لجلب النفع لهم ودفع الضرر عنهم فعلى هذا كيف يكون لمخلوق أن يعبد مخلوقا مثله وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف يملك ذلك لغيره فانتفت علة العبادة للمخلوق من هذه الناحية . من ناحية اخرى :ان المخلوق وأرقى شئ فيه هو الإنسان سواء كان عابدا أو معبودا يتصف بأمور لا تنفك عنه لازمة له لا تفارقه (1)الظلم والجهل :قال تعالى :إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا . (2)الضعف :وخلق الإنسان ضعيفا . (3)أنه خلق من شئ حقير :إنا خلقناه من نطفة أمشاج نبتليه . فمن كان هذا حاله فهو فقير ومحتاج مهما بلغ من السلطان والجاه والمال لأن هذه الأعراض لا تخرجه عن كونه ظلوم جهول ضعيف حقير إلا اذا اعتمد على القادر على كل شيء والعالم بكل شيء فيجب أن يكون جميع الناس متساوين يتعاملون معاملة المثل بالمثل الند للند وأن لا يتميز بشر عن بشر آخر فكلهم مأمورون لآمر واحد ومحكومون لحكم واحد ومتبعون لشرع واحد فلا يعامل بعضهم بعضا معاملة التابع للمتبوع ولا المأمور للآمر ولا المحكوم للحاكم فإذا كان هذا موقف البشر من البشر فكيف يكون موقفهم ممن هم ادنى منهم كالحيوانات والنباتات والجمادات . وعجبا لعقول اهل الكفر عندما قالوا: ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم لخاسرون() فهم ما قبلوا ان يكون الرسول من البشر وقبلوا ان يكون الإله من الحجر وما قبلوا ان يكون الرسول مطاعا وقبلوا ان يكون غيره مطاعا . المسألة الرابعة :ان الطاغوت( وهو المعبود من دون الله )، وصف وليس حكم وهو بالنسبة للثقلين قد يجتمع في الواحد الوصفين بحيث يكون عابدا لغير الله تعالى ومعبودا من غيره فهو من حيث عابد لغيره مشرك ومن حيث كونه معبود طاغوت وله نفس حكم العابد وهو الشرك وعلى هذا قد يتحد الوصفان وقد ينفصلا (لأن الإنس والجن من حيث التكليف لا حكم له )بمعنى قد يكون المكلف عابدا لغيره فيكون مشركا في حال وفي حال اخرى قد يكون معبودا وعليه فالمشرك قد يكون معبودا في أية لحظة . فالمعبود من دون الله قد يكون مشركا غير معبود ومشركا معبودا هذا بحق المكلف من الثقلين وهذا بحسب القرائن قرينة النص وقرينة الحال فمن العلم بـ لا إله إلا الله وهو التوحيد الذي جاءت به الرسل أن يميز المسلم بين المعبود وغير المعبود فإذا جهل التمييز بينهما فكيف سيحقق اجتناب المعبود من دون الله. فلا بد من تحقيق التعامل او الحادثة بناء على هذا الامر هل تتعامل معه ويتعامل معك بناء على انه مشرك او انه معبود (طاغوت) لان وصف الطاغوت انما هو تبع لحقيقة الحال عند التعامل وليس تبع للشخص . المسألة السادسة:التقييد والاطلاق في الطاغوتية فإذا ثبت ان الطاغوتية وصف فان مظاهر الطاغوتية مختلفة عن بعضها البعض من حيث الصورة فاختلاف الصور فقد تجتمع كلها في واحد وقد تكون بعضها في واحد وأن المعبود من دون الله تعالى قد يكون: 1_معبودا من دون الله تعالى طاغوتا أي معبودا في كل حال دون تقييد بوقت او مكان وهو وصف لازم له لا ينفك عنه : أ_الأوثان فهي صفة ثابتة لها غير متغيرة وعلى ذلك فهي معبودة ( آلهة من دون الله) باستمرار فليس لها في التعامل مع غيرها غير هذه الصفة انها معبودة فهي لن تكون عابدة وتارة معبودة ، والمسلم يتعامل معها بالاجتناب المطلق فلا يتعامل معها بأي تعامل الا تعامل واحد وهو ما بينه الله تعالى من ملة ابراهيم عليه السلام: فراغ عليهم ضربا باليمين() عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبراً مشرفا إلا سويته " .أ.هـ رواه مسلم ب_الفراعنة :وهم من يتحقق بهم ما يتحقق في فرعون 1-يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان ..... وهذه هي طاغوت العبادة بمعنى النسك والإخلاص وهذا قوله فأوقد لي يعني من أجلي. 2-قال أنا ربكم الأعلى .وهذا بالحكم أي:انا من يصدر الأحكام باسمه. 3-قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد الآية وهذا في الطاعة والإتباع أي:لا اعتبار إلا لطاعتي واتباعي . وقفة عند قوله ما أريكم الا ما ارى كيف ان الفراعنة يتحكمون بكل نواحي الحياة حتى تفكير قومه الى حد غسيل الدماغ فيصبحوا مقلدين تقليدا اعمى لا راي لهم فيصبح فرعون هو من يوجههم ويريهم الاشياء بنظرته فتنعدم نظرتهم نهائيا ولا يصف هذه الصورة الا كلام معجز انظر الى قوله تعالى: فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين() فههنا طاغوت قد جمع مظاهر التأليه كلها أي ليس مظهر دون مظهر وكل تعامل معه مهما كان ينطلق من الوهيته لهم وعبوديتهم له فهو يتعامل مع الناس من منطلق الألوهية فحاله يقول تعاملوا معي باعتبار الوهيتي لكم فمن كان هذا حاله فالاجتناب المطلق هو المطلوب ولا يتحقق التوحيد الا به.. 2- ان يتصف الطاغوت ببعض مظاهرالألوهية: أ-إما طاغوت عبادة ونسك ب- طاغوت حكم ج-طاغوت طاعة واتباع وكل مظهر من هذه الطاغوتية تكون مطلقة في مجالها أي في حال كونه معبودا لا فرق بين تعامل وتعامل لأن الوصف متحقق به والإجتناب متعلق بوجود الوصف وهذا التقسيم دليل على التفريق من حيث نوع الطاغوتية ومن حيث اجتماعها او اختصاصها بنوع دون نوع . فطاغوت الحكم اله في اثناء مزاولته للحكم فحاله يقول في حال كوني احكم فأنا اله ولا اتعامل معكم الا من خلال الوهية الحكم وعليه ففي مجاله هذا يكون مطلقا لان كل تعامل معه انما يتحقق فيه معنى من معاني الإلهية وهكذا . والتقسيم متواتر عند العلماء قال ابن القيم رحمه الله تعالى :والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع او مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه في ما لا يعلمون أنه طاعة ...أ.هـ إعلام الموقعين 1(50 فالمخلوق في حال طاغوتيته هو معبود ليس هناك شئ اسمه مباح ومعصية فعندما تقول التعامل مع الطاغوت أي التعامل مع المخلوق من خلال العبادة والمعبود من دون الله يجتنب في حال كونه معبودا لان اصل الدين الذي جاءت به الرسل هون البراءة من المعبودات وهذه هي ملة ابراهيم عليه السلام الذي أمرنا الله تعالى باتباعها بقوله عز وجل : {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }البقرة135 . {قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }آل عمران95. {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }النساء125. هذه الملة بينها سبحانه وتعالى بقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ }الزخرف26 {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ }الزخرف27 {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الزخرف28. فهذا التأصيل 1-هل هو منصوص عليه؟ 2- هل هو تقييد أم تخصيص؟ فإذا كان تخصيصا فهو استثناء من اللفظ ولفظ الطاغوت كون الألف واللام للجنس فهو لا يقبل الإستثناء الا اذا كان تخصيص نوع دون نوع كأن يكون الاجتناب فقط للشيطان او للكاهن او للأوثان وهذا لا يقول به احد شم رائحة الاسلام وإذا كان تقييد للفظ الطاغوت فمعنى ذلك اجتنبوا مظهر من الطاغوتية كـ اجتنبوا طاغوت الحكم او طاغوت العبادة او طاغوت الطاعة والاتباع فهذا لا يقول به احد ممن شم رائحة الاسلام . فالتخصيص لا يدخله والتقييد لا يدخله فما وجه اخراج صور من التعامل إلا ان يكون ليس طاغوتا فقط لا غير وهذا ما نقول به لان معنى قوله تعالى: اجتنبوا المخلوق اذا كان طاغوتا ومفهوم المخالفة بعدم الاجتناب اذا لم يكن طاغوتا.فقولنا من لازم النص لغة وشرعا وقول مخالفنا من خارج النص لا يدل عليه لغة ولا شرع. لأن استثناء تعامل مع إله (المعبود من دون الله تعالى )حال كونه معبودا فيه تناقض لانه في هذه الحالة هو المعبود من دون الله فكيف تجتنب عبادته حال كونه معبودا فهذا تناقض وهذا كمن يقول لك اجتنب حلاوة السكر ولا تجتنب السكر . المسألة الخامسة : تقييد معنى الطاغوت بالرضى الطاغوت هو: المعبود من دون الله ,وهذا المعنى نص عليه ابن كثير في التفسير 2/720. القرطبي 10/94 فتقييد معنى الطاغوت برضى المعبود من دون الله تعالى فيه نظر لأنه: 1- سيخرج من هذا التقييد الجمادات والحيوانات والنباتات المعبودة من دون الله فهذه عبدت ولا رضى لها بذلك – فعلى هذا التقييد لا تدخل في التعريف والتعريف لا بد أن يكون جامعا مانعا 2- إسقاط التقييد قد يعني ذلك شموله لكل معبود سواء كان راضيا أو غير راض ومنهم الأنبياء والصالحون فكون التعريف جامع فجامع أي : يتضمن كل ما يدخل في المعنى تضمنا شاملا فكلمة طاغوت كونها اسم جنس فهي تشمل كل من تحقق فيه هذا المعنى. مانع: أي مانع لخروج شييء من المعنى ومانع لدخول شيء على المعنى . فالإشكال حاصل من حيث التعريف بالرضى وغير الرضى . فمن ناحية الدليل الشرعي فقد ثبت تسمية الأوثان بالطاغوت بلفظ طاغية ودخولها من وضع اللغة بأن لفظ الطاغوت يدل على المذكر والمؤنث والواحد والجمع . عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : « لا تقوم الساعة حتى تضطربَ ألياتُ نساءِ دَوْس على ذي الخلصَةِ ، وذو الخلَصة : طاغية دَوس التي كانوا يعْبُدون في الجاهلية ».أ.هـ البخاري ومسلم. عن عبد الرحمن بن سمرة قال : - قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم ) أ.هـ سنن ابن ماجة. عن عروة عن عائشة قال قلت : أرأيت قول الله عز و جل ** إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } قال فقلت فوالله ما على أحد جناح ان لا يطوف بهما فقالت عائشة بئسما قلت يا بن أختي انها لو كانت على ما أولتها كانت فلا جناح عليه ان لا يطوف بهما ولكنها إنما أنزلت ان الأنصار كانوا قبل ان يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدون عند المشلل أ.هـ البخاري وغيره. وهذا ما قرره العلماء رحمهم الله من خلال النصوص الشرعية : قال ابن جرير:والطاغوت على قول ابن زيد هذا واحد مؤنث ولذلك قيل ان يعبدوها وقيل إنما أنثت لأنها في معنى جماعة .التفسير 10,624 قال البغوي:والطاغوت يكون مذكرا ومؤنثا وواحدا وجمعا قال الله تعالى في المذكر الواحد :يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به . وقال في المؤنث :والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وقال في الجمع:يخرجونهم من النور إلى الظلمات أ.هـ التفسير 1315,زاد المسير 1306 وقال الألوسي :والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وهو تأنيث اعتباري أ.هـ روح المعاني 3(13 وقال القرطبي:قال الأخفش:الطاغوت ويجوز أن تكون واحدة مؤنثة وقد تقدم أ.هـ 15"213 وثبت ايضا تسمية غير الأوثان بالطاغوت: قال البخاري :وقال جابر كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها في في جهينة واحد وفي أسلم واحد وفي كل حي واحد كهان ينزل عليهم الشيطان .1673)4 وقد ثبت في البخاري ومسلم ومسند أحمد وصحيص ابن حبان ومسند أبي يعلى ومصنف عبد الرزاق من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :أن ناسا قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟قال عليه الصلاة والسلام :هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه حجاب قالوا لا يا رسول الله قال:فهل تمارون في الشمس ليس دونها حجاب قالوا:لا يا رسول الله قال:فإنكم ترونه كذلك.يحشر الناس يوم القيامة فيقول (أي الله سبحانه وتعالى :من كان يعبد شيئأ فليتبعه فمنهم من يتبع الشمس ومنهم من يتبع القمر ومنهم من يتبع الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها _الحديث وفي رواية غير البخاري ومسلم بلفظ:فيتبع من كان يعبد القمر القمر ومن كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت فخص الرسول عليه السلام القمر والشمس بأسمائها ووصف غيرها بالطواغيت وفي رواية ابن حبان في صحيحه بلفظ ثم ينادي مناد ألا فلتتبع كل امة ما كانت تعبد فيتبع عبدة الصليب الصليب وعبدة النار النار وعبدة الأوثان الأوثان وعبدة الشيطان الشيطان ويتبع كل طاغية طاغيتها إلى جهنم .حديث رقم7445 وقد وردت الأحاديث بذكر فلول الروم والعجم بلفظ طاغية . فهذا الاشكال يزول بقوله تعالى::إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أءنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق .الآية وقوله تعالى:وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (). وعليه فاجتماع الرضى بالنبيين والصالحين اجتماع المتناقضين فيصبح ذكر قيد الرضى منتف بحقهم ضمنيا وأما غيرهم ممن لم يرض من اهل الشرك فهم معهم في جهنم ولم يحصل زيادة معنى لأن العابد والمعبود في جهنم كما قال تعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ()، والنبيون والصالحون ممن قال الله فيهم: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ. لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ() فثبت من قول تعالى أن تجاوز الحد الذي به يصبح المخلوق طاغوتا هو الأمر (أءنت قلت للناس) وحيث أن ما سوى الجن والإنس لا أمر لهم فتكون عبدت بوحي ممن يامر وهم شياطين الإنس والجن .وهذ الشبهة هي ما اثارها المشركون كما بين سبحانه وتعالى بقوله: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ(58) الزخرف، فيصبح التعريف متعلق بالثقلين الإنس والجن الذين يأمرون بعبادة غير الله تعالى سواء قولا أو عملا فيكون ما سوى الثقلين معبود مباشرة والآمر بذلك معبود لموافقتهم له على عبادتها فيكون معنى الطاغوت لتضمنه العبادة يقتضي التفاعل وهو وجود العابد والمعبود لأن لفظ الطاغوت يشمل : اسم الفاعل وهو من طغى واسم المفعول من طُغِي به . المسألة السادسة :دلالة لفظ العبادة وشموله لكل حركة في الحياة وكل فعل يقوم به الإنسان لابد ان يكون فيه عابدا إما لله وإما لغير الله قال ابن تيمية عليه رحمة الله :ولهذا كان كل من لم يعبد الله وحده فلا بد أنه يكون عابدا لغيره يعبد غيره فيكون مشركا وليس في بني آدم قسم ثالث بل إما موحد أو مشرك أو من خلط هذا بهذا كالمبدلين من أهل الملل النصارى ومن أشبههم من الضلال المنتسبين للإسلام أ.ه الحسنة والسيئة 1\56 انظر إلى قوله أو من خلط هذا بهذا يعني عبادة الله وعبادة غير الله وهذا حال من خلط طاعة الله بطاعة الطاغوت أو ما أباحه الله بإباحة الطاغوت أو أمر الله بأمر الطاغوت فكما أن من قال أنا أحكم بهذا الحكم كونه لا يخالف حكم الله (حكم لا يستند إلى شرع الله )مشرك كذلك من قال أنا اطيع هذا الأمر كونه لا يخالف امر الله مع أن الأمر يرده إلى غير شرع الله فهو مشرك. وعلى هذا ما هو التأصيل الذي يبنى عليه القول بالتقسيم وهو أن الطاغوت في حال كونه طاغوتا ان هناك عدم اجتناب يكون غير مشرك فالقول أن الطاغوت يكون معبودا ويكون غير معبود هذا قد خالف إجماع الأمة في معنى الطاغوت الذي هو المعبود من دون الله لأنه ما صار طاغوتا إلا لأنه معبود ولا يمكن وجود لفظ طاغوت دون وجود العبادة له أو عبادته فإذا نفيت العبادة له انتفى وصف الطاغوت لان الطاغوت مشتمل على معنى العبادة فوجودها يعني طاغوت وانتفاؤها انتفاء الطاغوت.. فإذا نظرنا الى العبادة في كتاب الله تعالى ومعناها وجدناها تدل على ثلاثة مظاهر بعشرة معان: 1- الدعــــــــاء: دليل ذلك قوله تعالى: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً) (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً (49) مريم. 2- الحكم :ودليل ذلك قوله تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (يوسف:40), وقوله تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (يوسف:67),وقوله تعالى: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (الكهف:26) مرادف لقوله تعالى:قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (الكهف:110). 3- الولاء : ودليل ذلك قوله تعالى :أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (الزمر:3). وهذه المظاهر الثلاثة معناها: 1- التسمية بالاسماء الحسنى. 2- السؤال والاستغاثة. 3- التقرب ( النسك والشعائر) 4- التشريع 5- الحكم 6- التحاكم 7- الاتباع 8- الطاعة 9- النصرة 10- المحبة وكل حركة في الحياة لا بد ان تدخل في أحد هذه المعاني ولا تخرج عنها البتة فمن ناحية العبادة فان كل تعامل مع الطاغوت هو عبادة لانه إما: تسمية له بالاسماء الحسنى وإما سؤاله والاستغاثة به وإما التقرب اليه وإما الحكم بحكمه وإما التحاكم الى حكمه وإما اتباع لشرعه وأما طاعته وأما محبته وإما نصرته . وهذه الامور تشمل الظاهر( قولا وعملا) وتشمل الباطن. فإذا كان تقييد فسيكون إما للقول وإما للعمل وإما لعمل القلب وكل هذا باطل لا يقول به من جعل الايمان قول وعمل ظاهرا وباطنا على مذهب اهل الحق. فعلى هذا يظهر ظهورا واضحا ان معنى الطاغوت يشتمل على العبادة لا ينفك عنه وهذا معنى بدل الاشتمال الذي ذكره القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره فظن المخالف ان هذا تقييد أو اخراج شيء من المعنى ومعلوم فساد هذا القول من خلال معنى البدل وهذا ما سنزيده ايضاحا عند عرض هذه الشبهة او الاشكال. من ناحية أخرى فإن معنى الطاغوت الإله والرب من دون الله تعالى فيكون المطلوب هو اجتناب الإله والرب من دون الله تعالى فكيف يستقيم القول بأن هناك جواز تعامل مع الاله والرب من دون الله تعالى وعليه فيكون المعنى الصحيح أنه لا تعامل معه ايا كان مادام مؤلها أو يؤله نفسه لان التعامل معه وهو بهذا الوصف لا يخرج هذا التعامل عن كونه تأليه أي عبادة . وبناء على ذلك هل يمكن ان يكون هناك دليل صحيح صريح على جواز التعامل مع الإله والرب من دون الله تعالى ؟ وهل يمكن ان يؤول فعل او قول بهذا التأويل ؟الجواب لا يمكن ذلك اطلاقا، فإذا انتفى هذا كله وثبت الدليل على التعامل مع من وجد فيه وصف طاغوت فالعقل الصريح الذي يتفق مع الدليل الصحيح ليس اثبات التعامل مع الطاغوت وأنما نفي ان يكون طاغوتا في ذلك التعامل مما يتفق مع ركن النفي في كلمة التوحيد الذي دل عليه لفظ اجتنبوا الطاغوت حيث يخرج من صفة الطاغوتية ( وهي العلو)ويتعامل على اعتبار التساوي من حيث لا عابد ولا معبود من كلا الطرفين ففي الطرف المسلم عابد لله تعالى وفي الطرف الآخر مشرك والتعامل مع المشرك لا يكون الا بدليل . فيفهم هذا الدليل على انه تعامل معه كمشرك وليس كإله ورب أي انتفاء صفة الطاغوتية فيه. فالطاغوت يشتمل على معنى العبادة فنحن بين قولين : -- إما ان نقول ان كل تعامل مع المعبود عبادة التزاما مع النص واذا ثبت التعامل بالدليل كان هذا دليلا على ان صفة الطاغوتية قد انتفت في هذا التعامل فأثبتنا التعامل وأثبتنا نفي الطاغوت وهذا يدل عليه قرائن النص وقرائن الحال وليس اجتهادا أو هوى. وإما ان نثبت صفة العبادة ونخرج التعامل من العبادة وهذا اثبات للتناقض وبذلك يسقط القول جملة وتفصيلا وبناء على ذلك :فكما أن هناك طاغوت مطلق ومقيد فهناك أيضا مشرك مطلق ومقيد فالمطلق بحيث تكون كل أفعاله شرك أي يسندها إلى غير شرع الله تعالى أو إلى شرع الله وغير شرع الله نفس الفعل يجتمع فيه الأمران والمقيد أن يسند بعض افعاله الى شرع صحيح وبعضها الى شرع مبدل فلا نعامل كل أفعاله على ميزان واحد فهذا هو العدل . فكون كل فعل لا بد ان يكون إما عبادة لله تعالى او عبادة لغير الله تعالى فالتعامل مع الطاغوت كيف يكون عبادة لله تعالى؟ ومعنى هذا أنه مما يتقرب به العبد الى الله تعالى وكلما زاد التعامل كلما زاد التقرب الى الله تعالى وهذا قول باطل باجماع المسلمين ومتناقض في نفسه وكونه متناقض فقد ثبت سقوطه . ثم على أي أصل :فالأصل في الاشياء الاباحة هل الطاغوت يدخل فيها وأنه من المباحات؟ علما بأن الأصل فيه هو الحظر والمنع والبراءة وهذا مما ثبت بالنصوص الشرعية فلا يخرج عنه إلا بنص شرعي ولا يوجد نص فثبت سقوطه. ولذلك فإن النصوص القاضية بالبراءة من المشركين واعتزالهم أنما هو في حال شركهم كونهم يشركون بالله تعالى. وليس البراءة من المشركين تعني البراءة من شركهم لا وألف لا لأن هذا متحقق من أول لحظة دخول الإسلام وإنما البراءة من المشركين براءة من ذاتهم في حال شركهم لا تقربهم المسألة السابعة: الأصول الشرعية الدالة على اجتناب الطاغوت المطلق 1- قاعدة النفي والإثبات: فالإثبات هو: (اعبدوا الله ) و (إلا أنا فاعبدون). والنفي هو: (اجتنبوا الطاغوت) و (لا إله) و (وما لكم من إله غيره). فاجتناب الطاغوت هو تأليه الله تعالى وحده وعدم اجتناب الطاغوت هو تأليه لغير الله تعالى لأن الاجتناب مقابل للتأليه وهذا نص عام لا مخصص له بحال إذ لا يمكن بحال جواز تأليه غير الله تعالى لأن عدم الاجتناب تأليه كونه شق النفي المقابل لشق الإثبات فمن لم ينف مطلقا لم يثبت مطلقا فهذا من المسلمات العقلية والشرعية التي لا تقبل جدالا, والله تعالى يقول: لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً (الإسراء:22), وهذا نص عام يقابله نص عام هو الاجتناب العام فمن لم يجتنب الطاغوت فقد جعل مع الله إلها آخر، وقال تعالى: وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ (النحل:51), وهذا نص عام يقابله نص عام هو اجتنبوا الطاغوت فمن لم يجتنب الطاغوت بأي مظهر وجزئية فقد اتخذه إلها, فمن أجل ذلك أرسل الله رسله وأنزل كتبه. وبهذا يثبت عموم الاجتناب وأنه لا مخصص له. 2- :قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورا ً(163 ) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً(164, النساء), وهذه الآيات مدنية وممن قص الله على نبيه قبل هذه الآية قصة يوسف عليه السلام وهو مما لا شك فيه داخل في قوله تعالى أيضا: وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ () والذي أوحاه الله تعالى إليهم هو قوله: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ (), كل بلسان قومه ليبين لهم كما قال تعالى:وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (إبراهيم:4), ولا شك أن هذا الأمر هو الذي اتفقت عليه الرسل وهو أصل ما شرعه الله تعالى للرسل قال تعالى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (الشورى:13) , وهذا الأمر ليس الذي قال فيه سبحانه: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً (المائدة:48), فالأصل فيه اتفاق وهو التوحيد وفروع مختلفة وهي الشريعة,وهذه الآية فيها دلالات عظيمة منها : - أن التفرق يكون في أصل الشرعة والمنهاج أي في:اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت. - كون الاجتناب المطلوب في الدعوة مطلق هو ما كبر على المشركين دعوتهم إليه لأنهم قالوا أجعل الآلهة الها واحدا إن هذا لشيء عجاب.. - أن الاجتباء يكون بحق النبوة ( الله يعلم حيث يجعل رسالته). - أن الهداية تكون على الله تعالى للمنيبين إليه الذين يتبعون المحكم ويفوضون المتشابه إلى الله في حال عدم توجيهه مع المحكم وحالهم ومقالهم: آمنا به كل من عند ربنا. وقال ابن القيم عليه رحمة الله تعالى: والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها وأنابوا الى الله : الإنابة : إنابة أوليائه وهي إنابة لإلهيته : إنابة عبودية ومحبة وهي تتضمن أربعة أمور: محبته والخضوع له والإقبال عليه والإعراض عما سواه، فلا يستحق اسم المنيب إلا من أجتمعت فيه هذه الأربعة وتفسير السلف لهذه اللفظة يدور على ذلك أ.هـ مدارج السالكين1/434. والله تعالى قص علينا قصص الأنبياء من نوح إلى محمد عليهم الصلاة والسلام بأحكم بيان وأتم تفصيل وكلهم اتفقوا على هذه الدعوة وبين تعالى بنصوص محكمة أنهم دعوا إلى اجتناب الطاغوت اجتنابا مطلقا وليس في أحوالهم مقالا أو عملا أو تقريرا مخالف لهذا الاجتناب المطلق فلا يمكن بحال ان يقول احد ان نبي من الانبياء تعامل مع مخلوق حال كونه معبودا الها من دون الله تعالى لانه في هذه الحالة سيكون تعامله من منطلق العبودية فذاك معبود وهذا عابد الا اذا انتفت صفة الالوهية في التعامل فهذا هو المحكم من أحوالهم ولا يوجد في أحوالهم متشابه قد يفهم منه غير ذلك إلا ما فهمه الخلف في هذا الزمان من قصة يوسف عليه السلام والذي جاء في زمان وسط بين الأنبياء فلا يوجد في أحوال من سبقه من الأنبياء متشابه ولا فيمن بعده فنعلم يقينا أن حاله كحالهم وما تشابه ( وليس فيه متشابه إلا في عقول أهل الزيغ) فنرده إلى المحكم ليتفق معه فإن علمنا ذلك فالحمد لله وإن لم نعلم ذلك فوضناه إلى ربنا وقلنا: آمنا به كل من عند ربنا () والخلل في عقولنا وليس في منقولنا,وسأبين بكل تفصيل إن شاء الله تعالى ما يتعلق بقصة يوسف عليه السلام في بحث مستقل, وبهذا أيضا يثبت مطلق الاجتناب. 3: القاعدة الأصولية التي تنص على أنه: لا يجوز تأخير البيان لمجمل أو ظاهر يراد غير ظاهره عن وقت حاجة العمل به أ.هـ فالعمل بالتوحيد: اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت, مطلوب فورا فلو كان المطلوب غير العموم الظاهر فكان ينبغي أن يبين الله تعالى ذلك في نفس الدعوة أي أن يكون: اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت في كذا وكذا وكذا ولا تجتنبوا في كذا وكذا وهذا لم يوجد في دعوة أي نبي حتى في دعوة يوسف عليه السلام حين بينها للفتيين معه في السجن فقد دعاهم دعوة عامة لا تخصيص فيها فما من مسألة شرعية وخاصة في الفرعيات إلا بين الشرع أدق تفصيلاتها فكيف بأصل الدين فهل يعقل أن يكون من مسائل الاجتهاد متروكا لإفهام البشر المختلفة فأصل الدين هو مراد الله تعالى ولا يعلم مراده إلا منه وليس من البشر، إذ أن أفهام البشر لا ضابط لها, فبما انه لم يأت نص يخصص الاجتناب العام فيبقى على عمومه ولا يوجد نص لا في القرآن ولا فيما أنزله الله تعالى على السابقين لا قولا ولا عملا ونقول نريد نصا لا فهما يحتمل فإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال فهذا بحق النصوص في معنيين فكيف بحق الأفعال التي اتفق فيها جمهور الأصوليين على أنها لا عموم لها ولا يستدل بالفعل إلا على صورته المطابقة له, وبهذا أيضا يظهر أن الاجتناب المطلوب هو عموم الاجتناب المطلق. 4- : إن أصل الإسلام لا إله إلا الله والتي هي أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت تقوم على قاعدة النفي والإثبات أي النهي والأمر. فالنفي: اجتنبوا الطاغوت الذي هو: لا إله وهذا هو النهي. والإثبات: اعبدوا الله الذي هو: إلا الله وهو الأمر. فالله تعالى يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الحشر:7) , وبين عليه الصلاة والسلام هذا بقوله: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم.أ.هـ رواه مسلم. ولا شك أن ما نهى الله عنه وأمر به يدخل في هذا بمفهوم الموافقة المسكوت عنه أولى بالمنطوق. وهذه القاعدة مقررة في الشرع بالإجماع قال ابن تيمية رحمه الله: فالمنهي عنه يجب تركه بكل حال والمأمور به يجب فعله في حال دون حال أ.هـ شرح العمدة 4/329. فنص النهي يفيد الترك بكل حال وهو الترك العام إلا إذا ورد نص يخصص والمنهيات لها قاعدة الضرورات تبيح المحظورات, وهذا بحق المحرمات دون الكفر حتى أن هناك من المحرمات لا تباح بحال كشرب الخمر الذي ورد النهي عن استعماله حتى كدواء كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد والدارقطني وابن أبي شيبة أن رجلا يقال له سويد بن طارق : سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه عنها فقال إني أصنعها للدواء فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها داء وليست بدواء. وفي رواية بلفظ نصفها للدواء وكذلك قصد قتل النفس المحرمة لأن الأصل في الدماء الحرمة.أ.هـ.أما الكفر فله قاعدة الإكراه: إلا من أكره. وعليه فالاجتناب عام فيجب اجتناب الطاغوت اجتنابا مطلقا وبكل حال. وأما نص الأمر فله قاعدة الاستطاعة أن يفعله على حال دون حال وقد يسقط بكل حال وهذا بحق تفصيلات الشريعة أما عبادة الله كأصل عام فيجب تحقيقه وهو ليس بحثنا ومن جعل القياس في المنهيات على المأمورات أو العكس فهذا منتكس العقل لا يفقه شيئا فثبت أيضا أن الاجتناب المطلوب هو اجتناب عام لا خصوص فيه. فشهادة التوحيد التي هي( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أو اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ,أو عْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ), تتضمن النفي والإثبات بلفظ دقيق فنص الإثبات قوله: اعْبُدُواْ اللَّهَ (), والذي هو إثبات لعبادة الله تعالى وليس إثباتا لذات الله تعالى لأن ذات الله تعالى ثابتة في الفطر فهي الخلقة التي خلق الله تعالى عليها البشر متأصلة في العقول ليس هناك ما يدل على خلافها . وأما النفي فهو نفي لجنس الطاغوت( لأن الطاغوت اسم جنس والنفي لجنس الطاغوت) وهو المعبود من دون الله سبحانه بنص واضح صريح وهو قوله تعالى : َاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ(), لأن نفي جنس الذات أبلغ من نفي الفعل بحقه فليس هناك حق لوجود معبود من دون الله تعالى فكيف بعبادته ؟! إذ أن وجود معبود دون الله تعالى أمر تستنكره العقول ولا تقبله وترفضه رفضا قاطعا فالمشركون الذين يعبدون غير الله تعالى يستنكرون ذلك إذا واجهتهم بالمصطلح الصريح بأنكم تعبدون غير الله تعالى فإنهم يستنكرون ذلك وينفونه وذلك لأنهم مفطورون على عبادة الله وحده ولكن الخلل في عدم فهم مصطلح العبادة حيث يصبح معناه مختزلا يتوافق مع المعنى العرفي الذي اصطلح عليه الناس بالألفة والتقليد ولذلك عندما سمع الصحابي عدي بن حاتم رضي الله عنه قبل إسلامه- وكان على النصرانية -رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ الآية قال مستنكرا : ما عبدناهم(), فمن قوله هذا نستطيع أن نتبين أمورا هامة تنبيء عن حقيقة عقلية المشرك وهي: 1- أن اتخاذ الأرباب هو اتخاذ معبود من دون الله تعالى. 2- أنه استنكر أن يكون هناك معبود غير الله تعالى. 3- أن الخلل إنما يكون في فهم مصطلح العبادة كمفهوم عام شامل. 4- أن عبادة غير الله تعالى لا تكون إلا عن جهل وغفلة وتقليد. 5- أن وجود الكتب السماوية لا يعتبر مانعا من وجود الشرك عند أهلها وأن الأحبار والرهبان- العلماء والعباد- هم أصل الشرك في أممهم وبوابة الخروج من دين الله تعالى وأنهم الوسيلة التي يتخذها الحكام لذلك. فالتعامل مع الطاغوت كيف يكون عبادة لله تعالى؟ وعلى أي أصل : فالأصل في الاشياء الاباحة هل الطاغوت يدخل فيها وأنه من المباحات؟ علما بأن الأصل فيه هو الحظر والمنع والبراءة. الرد على الشبهات المثارة فالشبهة دخلت على اصحابها من ناحيتين. الأولى: عدم ضبط النص والوقوف عنده ومعه فلم تدوروا معه حيث دار وخرجتم عنه. الثانية: من قول العلماء وليس من النصوص الشرعية . فالنص هو : واجتنبوا الطاغوت () فالنص صريح بأن الامر باجتناب الطاغوت ( المعبود من دون الله تعالى) ذات الطاغوت كما انتقدير لفظ عبادة في تفسير اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت الآية غير وارد عند العلماء، وإليكم أقوالهم رحمهم الله تعالى على قوله تعالى : أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت الآية. قال الطبري: وابعدوا من الشيطان واحذروا ان يغويكم ويصدكم عن سبيل الله فتضلوا أ.هـ 7/582. قال ابن كثير عليه رحمة الله تعالى: وكلهم يدعون الى عبادة الله وينهون عن عبادة سواه أ.هـ 2/750. القرطبي: أي اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم وكل من دعا الى الضلال أ.هـ 10/94. البغوي : وهو كل معبود من دون الله البيضاوي: لم يذكر شيئا. الجلالين: الأوثان أن تعبدوها وكذلك الشوكاني في فتح القدير: 3/231. الواحدي: الشيطان وكل من يدعو الى الضلالة أ.هـ 1/606. النسفي: الشيطان يعني طاعته أ.هـ 2/256. الألوسي قال الحسن وهو الشيطان والمراد من اجتنابه اجتناب ما يدعوا اليه أ.هـ 14/137. ابن الجوزي: وهو الشيطان أ.هـ 4/445. الشبهة الثانية :وهي فيما يتعلق بقوله تعالى: والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها وأنابوا الى الله لهم البشرى فبشر عباد(). قالوا بأن تقييد الاجتناب بالعبادة مما يعني ان هناك تعاملات مع الطاغوت ليست عبادة بناء على قول القرطبي رحمه الله تعالى على هذه الآية ونص قوله : والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد،الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك همأولوا الألباب} قوله تعالى: "والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها" قالالأخفش: الطاغوت جمع ويجوز أن تكون واحدة مؤنثة. وقد تقدم. أي تباعدوا منالطاغوت وكانوا منها على جانب فلم يعبدوها. قال مجاهد وابن زيد: هوالشيطان. وقال الضحاك والسدي: هو الأوثان. وقيل: إنه الكاهن. وقيل إنه اسمأعجمي مثل طالوت وجالوت وهاروت وماروت. وقيل: إنه اسم عربي مشتق منالطغيان، و"أن" في موضع نصب بدلا من الطاغوت، تقديره: والذين أجتنبوا عبادةالطاغوت. "وأنابوا إلى الله" أي رجعوا إلى عبادته وطاعته. "لهم البشرىفبشر عباد" "لهم البشرى" في الحياة الدنيا بالجنة في العقبى. روي أنها نزلتفي عثمان وعبدالرحمن بن عوف وسعد وسعيد وطلحة والزبير رضي الله عنهم؛سألوا أبا بكر رضي الله عنه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا. وقيل: نزلت في زيد بنعمرو بن نفيل وأبي ذر وغيرهما ممن وحد الله تعالى قبل مبعث النبي صلى اللهعليه وسلم. وقوله: "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" قال ابن عباس: هوالرجل يسمع الحسن والقبيح فيتحدث بالحسن وينكف عن القبيح فلا يتحدث به. وقيل: يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن. وقيل: يستمعون القرآن وأقوالالرسول فيتبعون أحسنه أي محكمه فيعملون به. وقيل: يستمعون عزما وترخيصافيأخذون بالعزم دون الترخيص. وقيل: يستمعون العقوبة الواجبة لهم والعفوفيأخذون بالعفو. وقيل: إن أحسن القول على من جعل الآية فيمن وحد الله قبلالإسلام "لا إله إلا الله". وقال عبدالرحمن بن زيد: نزلت في زيد بن عمرو بننفيل وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي، اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها فيجاهليتهم، واتبعوا أحسن ما صار من القول إليهم. "أولئك الذين هداهم الله" لما يرضاه. "وأولئك هم أولو الألباب" أي أصحاب العقول من المؤمنين الذينانتفعوا بعقولهم. أ.هـ التفسير 15/213. المسألة الأولى: هذه الآية لا تعتبر تقييدا لقوله تعالى: اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت الآية ، لأن : 1- هذه الآية متعلقة بالأوثان فقط ومعلوم أن الطاغوت ليس مقيدا بالأوثان فلو كانت كذلك لكانت دليلا على جواز عدم اجتناب باقي الطواغيت. 2- أن هذه الآية خبر( والجملة الخبرية تحتمل الصدق والكذب وكونه كذلك فالمطلوب من خبر الله تعالى التصديق وهذا لا يكون الا لمن آمن اصلا فهذا خطاب لمن حقق الاجتناب )عن جزاء من من لم يعبد الاصنام لقوله تعالى : واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني ان نعبد الاصنام رب انهن اضللن كثيرا من الناس الآية . 3- تفيد من حيث النص بيان ان لفظ الطاغوت يكون بصيغة التأنيث وهو قوله( ان يعبدوها): قال البغوي: والذين اجتنبوا الطاغوت الأوثان 1/112وقال : وقال في المؤنث : والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها أ.هـ 1/315 وكذلك قال ذلك ابن الجوزيفي زاد المسير ص306. وقال الألوسي : والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها وهو تأنيث أعتباري أ.هـ روح المعاني 3/13. أن لها سبب نزول وهي بحق ثلاثة هم زيد بن عمروا بن نفيل وأبو ذر وسلمان الفارسي . قال ابن كثير: والصحيح انها شاملة لهم ولغيرهم ممن اجتنب عبادة الاوثان.فهو يصحح سبب النزول. وعلى هذا فهي مدنية لان سلمان اسلم في المدينة وعلى ذلك فهي متأخرة عن آية : اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت الآية / وهي بذلك لا تعتبر تقييدا. 1- ان البدل الذي ورد في القرآن ينقسم الى : أ- بدل الكل من الكل . ب-بدل البعض من الكل كقولك: رأيت قومك أكثرهم وثلثيهم وناسا منهم. ت-بدل اشتمال وعبرة البدل ان يصلح بحذف الأول وإقامة الثاني مكانه أ.هـ اللمع في العربية للموصلي ( عثمان بن جني الموصلي) 1/88. بدل الاشتمال: بدل شيء من شيء يشتمل عامله على معناه اشتمالا بطريق الاجمال أ.هـ أوضح المسالك 3/402 وشرط بدل الاشتمال : ان يكون الأول مشتملا على الثاني والثاني قائم به كقولك : يعجبني زيد عقله أ.هـ اللباب علل البناء والإعراب 1/413. بدل الاشتمال :وهو الدال على معنى في متبوعه أ.هـ شرح ابن عقيل. فالطاغوت يشتمل على معنى العبادة لأنه اسم جنس. قال القرطبي عند قوله تعالى: قتال فيه الآية ، قتال بدل اشتمال لأن السؤال اشتمل على الشهر وعلى القتال أي : يسألك الكفار تعجبا من هتك حرمة الشهر فسؤالهم عن الشهر إنما لأجل القتال فيه أ.هـ التفسير 3/40. 2- تقدير محذوف يترتب عليه : أ -ن اصل الدين متشابه والألفاظ المقدرة لا يتوصل اليها الا لفئة خاصة متمكنة من علوم اللغة وبذلك يخرج الدعوة عن عموميتها بينما اجتناب جنس الطاغوت والذي دل عليه النص دليل على عمومية الرسالة وان تعلمها باستطاعة كل انسان حتى الطفل ولا بد من دليل صريح من نفس النص لان تأخير البيان لا يجوز عن وقت العمل به والعمل بالتوحيد على الفور. ب- اخراج دلالة النص الظاهرة والمنصوص عليها الى دلالة غير ظاهرة دون ترجيح ومعلوم أن التأويل :هو صرف المعنى الظاهر عن ظاهره الى معنى مرجوح بدليل وهذا لا يمكن ان يتعلق بهذا الأصل من ناحيتين: - جعل أصل الدين من المتشابهات. - ان تقدير لفظ محذوف لا يدخل في التأويل لآن التأويل بناء على معنيين راجح ومرجوح وهنا ليس التقدير للمعنى . ج- اعتبار اصل الدين اجتهادي على اعتبار ان هناك من التعامل مع الطاغوت ما هو عبادة ومنه ما ليس بعبادة وهذا بحد ذاته يحتاج الى دليل خاص تفصيلي مع نفس النص وهذا ما لم يحدث من أي نبي على الاطلاق فلم يقل أحد منهم لقومه: اجتنبوا الطاغوت في كذا ولا تجتنبوه في كذا لأن كذا عبادة وكذا ليس عبادة ويلزم القائل نص بالنهي ونص بالاباحة على كل مسألة وهذا يجعل أصل الدين من المبهمات وتكليف بما لا يستطاع لأن المكلف مأمور حينئذ من أول الدعوة معرفة ما يجوز وما لا يجوز وهذا يحتاج الى نصوص تفصيلية من الوحي أو تركها لاجتهاد ورأي كل شخص . وعليه فالقول ان كل ما يتعلق بالطاغوت ( كون معناه المعبود) عبادة وقوفا مع النص هو الاصل وهو الحق والقول بغير ذلك اخراج لدلالة النص عن ظاهره كذلك التفريق في التعامل معه حال كونه معبودا وحال كونه عابدا لغير الله تعالى هو الحق الذي تشهد له النصوص والأدلة وقوفا مع النصوص الصريحة الواضحة البينة فالرد الى العلة المنصوص عليها هو الحق والرد الى علة مجتهد فيها هو الباطل لأن هذا معناه: - عدم التفريق بين الطاغوت وبين المشرك فليس كل مشرك طاغوت بينما العكس صحيح. - ان هذا قياس مع الفارق وهو قياس العابد على المعبود وهذا قياس فاسد. - فيه قياس شريعة الطاغوت على شريعة الله عز وجل وقياس الطاغوت على المسلم . ح - تقدير هذا المقدر المحذوف يخرج كلام الله تعالى عن الفصاحة والاعجاز لان المعنى يصبح اجتنبوا عبادة المعبود .لان الطاغوت اسم جنس واللام والألف للجنس تعني ان المقصود من اللفظ حقيقته وماهيته لا اسمه او الفرد وكونها للجنس فمدخولها لا يدخله الاستثناء واثبات هذا المقدر اخراج لفظ الطاغوت عن حقيقته فالمقصود من اجتنبوا الطاغوت اجتنبوا ما دون الله تعالى حال كونه معبودا فليس المهم شخصه ولكن حقيقته ومعنى ذلك انه حال كونه طاغوتا لا يوجد تعامل معه الا عبادة له وتقدير المقدر المحذوف يخرج لفظ الطاغوت عن حقيقته انه معبود الى غير معبود وبذلك نقض لاصل الدين وتحريف للمصطلح الشرعي خ - والأمر المهم هو ان التقدير المتوهم من حيث الفصاحة واحكام الادلة يقتضي ان لا نقدر لفظ في النص وأن نقدر المعنى المقدر في النص من دلالات ألفاظه. وهذا المعنى موجود حقيقة في لفظ الطاغوت وهو المعبود من دون الله فخلاصة الأمر ان القوم لا يدرون حقيقة معنى الطاغوت ودلالات اللفظ فهذا تمسك بقول عالم لم يبين المقصود منه من حيث دلالة النص على اللفظ من حيث كل ما سبق فلم يقل احد من أهل العلم ان الآية تدل على ان هناك تعامل مع الطاغوت يخرج من كونه عبادة والا لبينوا ذلك ووضعوا القواعد التي تميز هذا عن ذاك لانه اعظم تكليف وعليه تقوم كل تصرفات العبد . فاذا لم نعلم حقيقة قول العالم من حيث دلالة النص على قوله بشكل صريح لا يجوز لنا ان نجعل فهمنا لقوله أصلا للدين . وأخيرا: فإن في كلام القرطبي رحمه الله تعالى نقض لهذا المعنى الذي ذهب اليه القائلون بهذا وهو قوله: .أي تباعدوا من الطاغوت وكانوا منها على جانب فلم يعبدوها أ.هـ : - أنه يقصد بهذا القول وقوفا مع النص الأوثان فقط وليس عموم الطاغوت وهذا بنص قوله: فكانوا منها على جانب فلم يعبدوها . والضمير في قوله منها مؤنث والمؤنث من الطاغوت هي الأوثان وكذلك قوله : يعبدوها . - تفسيره لمعنى اجتنبوا بقوله: تباعدوا .. وكانوا منها على جانب فهذا نص كلامه يدل بشكل صريح أنه لا تعامل معها البتة وأن عدم البعد عنها وعدم اجتنابها عبادة لها . - قال القرطبي رحمه الله تعالى: ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " : أي : اتركوا كل معبود دون الله ؛ كالشيطان , والكاهن , والصنم , وكل من دعا إلى الضلال .. ( تفسيره 5/75 . فهل تريدون اوضح من قوله هذا؟!!!!!الذي ينص بشكل صريح على ان المقصود هو ترك المعبود ترك لذاته. 3- أما من ناحية البناء اللغوي والاعرابي اعراب ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت الآية ولقد: الواو على حسب ما قبلها، اللام موطئة للقسم، قد حرف تحقيق. بعثنا: بعث فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك . ونا ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. في كل: جار ومجرور متعلق بالفعل بعث وكل مضاف. أمة: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. رسولا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. أن: تفسيرية لا عمل لها وكسر آخره لالتقاء الساكنين. اعبدوا: فعل أمر مبني على حذف النون والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، والألف فارقة. الله:لفظ الجلالة مفعول به منصوب للتعظيم وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. وجملة اعبدوا الله تفسيرية لا محل لها من الإعراب. واجتنبوا: الواو حرف عطف، اجتنب فعل أمر مبني على حذف النون والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. الطاغوت:مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. والجملة الفعلية معطوفة على جملة اعبدوا الله لا محل لها من الإعراب. ومن المعلوم أن تعريف المفعول به هو الذي وقع عليه الفعل .وتعريف الفاعل هو من وقع الفعل منه. فالله تعالى يريدك أن تفعل فعلا وان توقع هذا الفعل على متعلقه، وهكذا كل الافعال . فليس في البناء الإعرابي تقدير محذوف . وعلى فرض تقدير المحذوف فإن هذا المحذوف هو المفعول به ومن الناحية البلاغية فإن حذف المفعول به لا يكون إلا في الحالات التالية : الاولى:قول الله عزّ وجلّ لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سورة (الضحى/ 93 مصحف/ 11 نزول): {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى (7)}. أي: فآواك، و فهداك، فحذف المفعول رعاية للجمال الفني بتجانس أواخر الآيات. ومراعاة الجمال الفني إنما هو متعلق بالاعجاز البلاغي والفصاحة وهذا غير متحقق في مسائل اصل الدين . الثانية:قول الله عزّ وجلّ في سورة (الكهف/ 18 مصحف/ 69 نزول): {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2)}. أي: لِيُنْذِرَ الْكَافِرِينَ بَأْساً شديداً، فحذف المفعول الأوّل لأنّه مُتَعيّن، ولدلالة مقابلة جملة "ليُنذِر" بجُمْلة "يُبَشِّرَ المؤمنين". ويظهر لنا أنّ الداعي هنا الإِيجازُ، وإمتاعُ أهل الفكر بالاستنباط، وأهل الذكاء بالاعتماد على ذكائهم. فليس في قوله تعالى اجتنبوا الطاغوت الا مفعول واحد وعلى تقدير عبادة فإن اعراب الطاغوت يكون مضاف اليه . كما انه لا ايجاز في حذف ما قدروه. الثالثة:قول الله عزّ وجلّ في سورة (البقرة/ 2 مصحف/ 87 نزول): {وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ...} [الآية 20]. وقول الله عزّ وجلّ في سورة (يونس/ 10 مصحف/ 51 نزول): {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99)}. أي: ولو شاء الله أنْ يذهَبَ بسمعهم وأبْصَارِهم لَذَهَبَ.... ولو شاء رَبُّكَ أن يُؤمِنَ من في الأرْضِ كُلُّهُمْ جَميعاً لَجَعَلَهُمْ مَجْبُورينَ لا خِيارَ لَهُم ولآمَنْ مَنْ في الأرضِ كلُّهم جميعاً عندئذٍ. فَحَذَفَ المفعول لفعل المشيئة، وهذا الحذف هو الغالب في فعل المشيئةِ في النصوص القرآنية، وكذلك فعل الإِرادة، إلاَّ إذا كان المفعول أمراً مستغرباً أو مستنكراً أو مستحيلاً، فالداعي البلاغي لذكره أقوى من الداعي البلاغي لحذفه. والداعي البلاغي للحذف هنا: الإِيجاز والتشويق بالإِبهام ليأتي البيان بعده شافياً، مع داعي إمتاع أهل الفكر بالاستنباط والاستخراج الفكري، اعتماداً على دلالات القرائن. وما تحقق هنا لا يتحقق في قوله تعالى: اجتنبوا الطاغوت() الرابعة: قول الله عزّ وجلّ في سورة (النجم/ 53 مصحف/ 23 نزول): {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)}. وقوله فيها:{وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)}. جاء في أفعال هذه الآيات الثلاث حذف المفعول به تنزيلاً للفعل المتعدي منزلة الفعل اللازم، إذ الغرض بيان أنّ الله عزّ وجلّ هو الذي تكون بخلقه هذه الأفعال التي تحدث في الناس، فذكْرُ المفعول به إطناب لا لزوم له، إذْ هو خارج عن المقصود بالبيان. ونظيره قول إبراهيم عليه السلام لنمرود في محاجته له، كما جاء في سورة (البقرة/ 2 مصحف/ 87 نزول): {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ...} [الآية 258].أي: هو الذي يكون بخلقه الإِحياء والإِماتة. وهذا غير متحقق في آية أصل الدين محل النزاع. الخامسة:قول عمر بن معديكرب يصف تخاذل قومه، ويُبيّن أن رماحهم المتخاذلة قَطَعَتْ لسانه عن الافتخار بهم والثناء عليهم. *فَلَوْ أنَّ قَوْمِي أنْطَقَتْنِي رِمَاحُهُمْ * نَطَقْتُ وَلَكِنَّ الرِّمَاحَ أَجَرَّتِ* أجَرَّت: يقال: أجرَّ فَلانٌ لسانَه إذ منَعَهُ الكلام. فحذف مفعول "أجرّت" ومرادُه منَعَتْ لساني عن الثناء على قومي والافتخار بهم، وغرضه الإِيجاز لِلْعِلْم بالمحذوف، وللإِشارة إلى أنّ تخاذل القوم يُسكت لسان المفتخر مهما كان شأنه، مع مراعاة قافية قصيدته التي جاءت على التاء. وهذا غير متحقق في آية محل النزاع . السادسة: قول الشاعرلمن يَسْتجديه: *بَرِّدْ حَشَايَ إِنِ اسْتَطَعْتَ بِلَفْظَةٍ * فَلَقَدْ تَضُرُّ إِذَا تَشَاءُ وَتنْفَعُ* فحذف المفعول، وأصْلُ الكلام: فلقد تضرُّني إذا تشاء وتَنْفَعُنِي، وقد يكون الداعي إرادة التعميم، أي تضرُّني وتضرّ غيري، وتنفعُنِي وتنفع غيري. فالمفعول به المحذوف ضمير يدل عليه البناء اللغوي بينما ما يدعي المخالف أنه محذوف ليس ضمير وليس في نص ( اجتنبوا الطاغوت) ما يدل عليه كما ان ارادة التعميم غير متحققة فيه. راجع كتاب البلاغة العربية اسسها وعلومها ص266-269. ولم يقل احد من أهل اللغة أو التفسير او الاصول ان في الاية حذف للمفعول به سواء استقلالا أو كونه مضاف وإقامة المضاف إليه مكانه، لأن النصوص الشرعية دلت على ان المراد من الاجتناب هو المعبود من دون الله تعالى (الإله من دون الله تعالى) ، وأنه هو الذي وقع عليه الفعل ومن يقع عليه الفعل هو المفعول به فثبت ان الطاغوت هو المفعول به وأنه لا مفعول به غيره وانه غير محذوف، فثبت سقوط هذا القول جملة وتفصيلا والحمد لله رب العالمين من كل وجه من حيث الدلالات اللغوية والشرعية . فقولنا لا إله إلا الله لا بد أن نقصد منه المعنى الذي يريده الله تعالى الذي هو نفي المعبود من دون الله تعالى وليس ما اصطلح عليه الناس في واقعهم فيجب أن تكون شهادة حق صريحة واضحة بمعنى: - لا لأي مسئول ومستغاث به ومطاع ومسمى بالأسماء الحسنى والصفات العلى إلا الله تعالى. - لا لأي شرع وحكم إلا تشريع وحكم الله تعالى. - لا لأي منصور ومحبوب إلا الله تعالى. - لا إتباع إلا لشرع الله تعالى. فالمسلم ليس في حياته إلا قول الله تعالى وقول رسوله عليه السلام حكما وإتباعا وطاعة وتحاكما ومحبة ونصرة وتشريعا وأولوا الأمر هم القائمون والمحافظون على قول الله تعالى وقول رسوله عليه السلام والذين ليس في حياتهم إلا طاعة الله تعالى وطاعة رسوله عليه السلام وسوى ذلك فهو الكفر والطاغوتية , والمرء على دين من يطيع ويتبع ويتحاكم إليه ويحبه وينصره ومن جعل لغير الله تعالى مع الله تعالى شيئا من ذلك فهو المشرك الكافر, فالله يريد ذلك كله خالصا له وهذا معنى قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (الأنفال :39),أي: حتى يكون الدعاء كله( تنسكا وسؤالا واستغاثة وطاعة وتسمية بالأسماء الحسنى) والحكم كله( تشريعا وحكما وتحاكما) والولاء كله ( طاعة واتباعا ومحبة ونصرة) وانظر إلى لفظ كله أي: ليس لغيره منه شيء والتي تعني العموم المطلق فالدين هو العبادة وهو الدعاء والولاء والحكم بمعناها العام فلا يكون المرء مسلما إلا إذا جعل كل ذلك كله بإطلاق لله وحده ومن جعل أي شيء منه لغير الله تعالى فقد خرج إلى الشرك فالله تعالى يقول: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا (الكهف:110). وأخيرا قال البعض من المنكرين ما تقرر بادلته ما نصه: أولا: مشاركات أبي البراء تحتوي على مغالطات ومخالفات لم نكن نعلمها في دين الله وهي التفريق بين طاغوت وطاغوت بالرغم من أن الله تعالى أمر باجتناب جنس الطاغوت كله ولا يوجد في دعوة الرسل تفريق بين طاغوت وطاغوت فالطاغوت كله طاغوت لا فرق بينها البتة لأنها كلها إجتمعت فيها العلة الواحدة وهي كونها عبدت من دون الله برضاها ومن قال بخلاف ذلك لم يفقه توحيد الله ولا دعوة الرسل . ثانيا: ما زلنا ننتظر من المحاورين ممن يدندنون حول الإجتناب المطلق أن يعرفوا لنا ما معنى كلمة [مطلق ] بتعريف جامع مانع يعطي تصورا واقعياً للموحد في كيفية هذا الإجتناب ولم نرَ إلى الآن إلا حيدة عن هذا الأمر . عندما يقال بالإطلاق فيشمل هذا إجتناب البدن والمكان والأفعال والصفات ... فهل يجرؤ أحد ممن يدندنون ويقولون بالإجتناب المطلق لا يتحقق إلا باجتناب مكان الطاغوت وبدنه وكل شيء له صلة بشخص الطاغوت وذاته وأفعاله كلها ما فيها طغيان على الله والوهيته وما كان منها ضمن افعال العادات والمباحات؟؟ !! أ.هـ . فالمغالطات على حد زعمهم هي: 1- التفريق بين طاغوت وطاغوت ومن قال بالتفريق فهو لا يفقه توحيد الله ولا دعوة الرسل . تعليق: وأنتم لا تفرقون بناء على أن هذا لا يوجد في دعوة الرسل مع انكم تقرون ان المقصود من الطاغوت هو جنس الطاغوت وبما أن المقصود هو اجتناب جنس الطاغوت فجهلتم المراد من جنس الطاغوت وخلطتم بين الجنس وبين ما يقع عليه الجنس. 2- الدندنة حول الاجتناب المطلق وأنه لا يوجد تعريف جامع مانع يمكن للموحد من تصور حقيقي للتوحيد. تعليق: أين تصوركم أو تعريفكم الجامع المانع الذي يجعل الموحد على بصيرة من اصل الدين ولم يحتج الى غير هذا التعريف والتصور. 3- هناك حيدة من مخالفيهم عن هذا الأمر ( بلا روية وعدم استباق لمقتضى التسلسل بالفهم) فاين أنتم من هذا البيان الذي ما فتئنا عن ذكره. 4- لغة التحدي (هل يجرؤ ) فاذا كنا لا نجرؤ فكيف انكرتم علينا وعرفتم دعوتنا فإن لم نبين فهلا صبرتم علينا حتى نبين ثم تنكرون علينا بالدليل الشرعي ودلالة اللغة وليس بمجرد الهوى والرأي الباطل وإن كنا بينا بجرأة فأنتم تكذبون علينا . 5- أنتم تقررون بأن هناك طغيانا على الله وألوهية ( وهذه العبارة فيها نظر) وأن هناك ما هو ضمن أفعال العادات والمباحات. فكيف تميزون بأن هذا طغيانا وأن هذا فعل عادة ومباح من خلال قاعدة عامة يتمكن منها الانسان التعامل بمفرده دون اللجوء الى مرجعية وتقليد . وأذا كان الطاغوت عنده عادات فهل عاداته مقبولة شرعا وهل كونها عادات تعتبر دليل على قبلوها أوليس الشرك سببه العادات . الجواب على هذه الأغلوطات والتناقضات اقول وبالله اتعالى لتوفيق: أولا: التفريق: 1- الطاغوت هو المعبود من دون الله تعالى وهو المخلوق ومعلوم أن المخلوق يختلف بعضه عن بعض من حيث: أ- كونه مخلوق سماوي او ارضي. ب- كونه يرى ويتعامل معه وله سلطان وكونه لا يرى وليس له سلطان. ج- كونه مكلف او غير مكلف عاقل وغير عاقل. د- كونه حي او لا حياة فيه. هـ - حي متحرك او حي غير متحرك. فهل هذه فروق ام ليست فروق؟ فاذا ثبت التفريق بطل قولكم جملة وتفصيلا . فهناك معبود وثني قال تعالى: فاجتنبوا الرجس من الأوثان .. الآية ، وقال تعالى: إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا .... الآية. وكونكم تقولون بعدم التفريق بين طاغوت وطاغوت لأن من فرق فهو لم يفقه دعوة الرسل والتوحيد كونه لا يوجد في دعوة الرسل. فأنتم تقولون بجواز طاعة الطاغوت في المباح مباح وفي المعصية معصية وفي الكفر كفر فنقول لكم: 1- من أين هذا التأصيل هل هو بناء على نص دليل شرعي ( نص أو عمل ) أم بناء على القياس أم بناء على التخرص والظن. 2- المعبود من دون الله تعالى ( الطاغوت) يكون جماد ويكون حيوان ويكون نبات وهذا تقرونه فهل يجوز طاعة الجماد ( الأوثان) والحيوان والنبات في المباح وأن طاعتها في المعصية معصية وطاعتها في الكفر كفر. فسترفضون هذا وتفرقون فعلى أي اساس عدم التفريق؟ وتدعون ان هذا دعوة الرسل اتدرون ما حقيقة قولكم هذا ؟ هو كما يلي: فأنتم لا تقولون بطاعة ( الجماد والحيوان والنبات) في حال عدم كونها طاغوت (معبودة ) بناء على الدليل العقلي قولا واحدا ومن قال لكم ذلك حكمتم عليه بالجنون . ثم إذا اصبحت طاغوت صار طاعتها في المباح مباح وفي المعصية معصية وفي الكفر كفر من خلال الدليل الشرعي حسب فهمكم فجعلتم الشرع مبيحا لما تنكروه بالعقل وجعلتم التوحيد دعوة الناس الى اباحة طاعة الجمادات والحيوانات والنباتات حال كونها معبودة وهذه هي العبادة، فاصبحت دعوتكم دعوة الى عبادة الجمادات. والحيوانات والنباتات. فهل التفريق حقيقة عقلية قبل ان تكون شرعية أم لا؟ وهل الشرع الصحيح يخالف العقل الصريح ؟ فانتقض أصلكم وذهبت دعوتكم أدراج الرياح ولزمكم قولنا وهو قول الحق. من ناحية أخرى: فان العلماء من خلال النصوص الشرعية قسموا الطاغوت الى طاغوت عبادة وطاغوت حكم وطاغوت طاعة واتباع فالتقسيم بناء على التفريق من حيث اختلاف الطاغوتية فثبت التفريق من ناحيتين : من حيث الاختلاف كونه مخلوق. ومن حيث اختلاف العبادة . فعجبا لاناس يتصدرون لدعوة يترتب عليها خلود في الجنة او خلود في النار ينطلقون من قاعدة الجهل لحقائق الدين واللغة نتيجتها أنهم يتحقق فيهم ما ثبتعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العلماء ولكن يقبض العالم بعلمه فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا أ.هـ وهم ممن ثبت عليهم رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن نبينا عليه الصلاة والسلام من تحقق الشر في آخر الزمان بقوله: فقلت هل بعد ذلك الخير من شر، قال نعم دعاة على ابواب جهنم من اجابهم إليها قذفوه فيها فقلت يا رسول الله صفهم لنا قال نعم هم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا قلت يا رسبول الله فما تأمرني ان ادركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وامامهم قلت فان لم يكن لهم جماعة ولا امام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو ان تعض على اصل شجرة حتى يدركك الموت وانت على ذلك - رواه البخاري ومسلم. والله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم اعلم نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا ابتاعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النذير المبين |
#2
|
|||
|
|||
مبحث اعتقادى على بناء أصولى ، قيم. ولكنى اختلف معه فى جزئية ترتيب حقائق الألفاظ والتى لها ثلاثة دلالات: لغوية وشرعية وعرفية. ومما تعلمت أن ترتيب الأوليات يكون بناء على الترتيب التالى: 1- الحقيقة العرفية. 2- الحقيقة الشرعية. 3- الحقيقة اللغوية. والدليل قوله تعالى خذ العفوا وأمر بالعرف فالعرف محكم وهذا ما يجب أن يؤخذ به أولا لأن اللفظ على حسب تعارف الناس عليه. ولا يتناقض هذا مع كون القرآن نزل بلغة العرب. فلعة العرب نفسها يكون فيها اللفظ ذا دلالات كثيرة ولكن للوهلة الأولى فإنه يحال إلى ما هو متعارف عرفا.
__________________
قـلــت : [LIST][*]من كفر بالسـّنـّة فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله تعالى يقول : (( وما آتاكم الرسول فخذوه )). [*]ومن كذّب رسولَ الله ، فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ،لأن القرآن يقول : (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )). [*]ومن كذّب أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله سبحانه يقول فيهم : (( رضى الله عنهم ورضوا عنه )). [*]ومن كذّب المسلمين فهو على شفا هلكة ، لأن القرآن يقول : (( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) والنبي - صلى الله عليه وسلم يقول : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ). [/LIST]
|
أدوات الموضوع | |
|
|