هذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وصفه في مجلس معاوية
حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا محمد بن زكريا الغلابي ، ثنا العباس ، عن بكار الضبي ، ثنا عبد الواحد بن أبي عمرو الأسدي ، عن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبي صالح قال : دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية ، فقال له : صف لي عليا . فقال : أوتعفيني يا أمير المؤمنين ، قال : لا أعفيك ، قال : أما إذ لا بد ، فإنه كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل وظلمته ، وكان والله غزير العبرة ، طويل الفكرة ، يقلب كفه ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما جشب ، كان والله كأحدنا ، يدنينا إذا أتيناه ، ويجيبنا إذا سألناه ، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له ، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظم أهل الدين ، [ ص: 85 ] ويحب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، يميل في محرابه قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، فكأني أسمعه الآن وهو يقول : يا ربنا يا ربنا - يتضرع إليه ثم يقول للدنيا : إلي تغررت ، إلي تشوفت ، هيهات هيهات ، غري غيري قد بنتك ثلاثا ، فعمرك قصير ، ومجلسك حقير ، وخطرك يسير ، آه آه من قلة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق . فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها ، وجعل ينشفها بكمه ، وقد اختنق القوم بالبكاء ، فقال : كذا كان أبو الحسن رحمه الله ، كيف وجدك عليه يا ضرار ؟ قال : وجد من ذبح واحدها في حجرها ، لا ترفأ دمعتها ولا يسكن حزنها ، ثم قام فخرج .
|