جديد المواضيع |
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الصوفية أو التصوف.
الصوفية أو التصوف وفق الرؤية الإسلامية ليست مذهبًا، وإنما هو أحد أركان الدين الثلاثة (الإسلام، الإيمان، الإحسان)، فمثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة الإسلام، وعلم العقيدة بالإيمان، فإن التصوف اهتم بتحقيق مقام الإحسان[1] (وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)[2]، وهو منهج أو طريق يسلكه العبد للوصول إلى الله، أي الوصول إلى معرفته والعلم به[3]، وذلك عن طريق الاجتهاد في العبادات واجتناب المنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة، وتحليته بالأخلاق الحسنة. وهذا المنهج كما يقولون أنه يستمد أصوله وفروعه من القرآنوالسنة النبوية واجتهاد العلماء فيما لم يرد فيه نص، فجعلوه علما سموه بـ علم التصوف، أو علم التزكية، أو علم الأخلاق، فألفوا فيه الكتب الكثيرة بينوا فيها أصوله وفروعه وقواعده، ومن أشهر هذه الكتب: قواعد التصوف، للشيخ أحمد زروق، وإحياء علوم الدين للإمام الغزالي، والرسالة القشيرية للإمام القشيري. انتشرت حركة التصوف في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا مميزة متنوعة معروفة باسم الطرق الصوفية. والتاريخ الإسلامي زاخر بعلماء مسلمين انتسبوا للتصوف مثل النوويوالغزاليوالعز بن عبد السلام كما القادة مثل صلاح الدين الأيوبيومحمد الفاتحوعمر المختاروعز الدين القسام. نتج عن كثرة دخول الغير متعلمين والجهلة في طرق التصوف وما نتج عن ذلك من ممارسات خاطئة عرّضها في بداية القرن الماضي لهجوم المتعلمين في الغرب باعتبارها ممثلة للثقافة الدينية التي تنشر الخرافات، ثم بدأ مع منتصف القرن الماضي الهجوم من قبل المدرسة السلفية باعتبارها بدعة دخيلة على الإسلام. من حيث اللغة كثرت الأقوال في اشتقاق التصوف عند المسلمين على عدة أقوال، أشهرها[4]: [LIST][*]أنه من الصوفة، لأن الصوفي مع الله تعالى كالصوفة المطروحة، لاستسلامه لله تعالى.[*]أنه من الصِّفة، إذ أن التصوف هو اتصاف بمحاسن الأخلاق والصفات، وترك المذموم منها.[*]أنه من الصُفَّة، لأن صاحبه تابعٌ لأهل الصُفَّة الذين هم الرعيل الأول من رجال التصوف (وهم مجموعة من المساكين الفقراء كانوا يقيمون في المسجد النبوي الشريف ويعطيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقات والزكاة طعامهم ولباسهم).[*]أنه من الصف، فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث حضورهم مع الله تعالى؛ وتسابقهم في سائر الطاعات.[*]أنه من الصوف، لأنهم كانوا يؤثرون لبس الصوف الخشن للتقشف والاخشيشان.[*]أنه من الصفاء، فلفظة "صوفي" على وزن "عوفي"، أي: عافاه الله فعوفي، وقال أبو الفتح البستي:[/LIST]تنازع الناس في الصوفي واختلفواوظنه البعض مشتقاً من الصوفولست أمنح هذا الاسم غيرَ فتىًصفا فصوفي حتى سُمي الصوفيوكرأي آخر، يقول الشيخ ابن الجوزي في محاولته التي اعتبرها علماء آخرون تقليلاً من شأن التصوف الإسلامي، ذكر في كتابه تلبيس ابليس: يُنسب الصوفيين إلى (صوفة بن مرة) والذي نذرت له والدته أن تعلقه بأستار الكعبة فأطلق اسم (صوفي) على كل من ينقطع عن الدنيا وينصرف إلى العبادة فقط. وقد أرجع بعض الباحثين والمؤرخين المختصين بعلوم الديانات القديمة من غير المتصوفة، الكلمة إلى أصل يوناني، هو كلمة: (سوفيا)، ومعناها الحكمة. وأول من عرف بهذا الرأي: البيروني [5] ووافقه الدكتور محمد جميل غازي، الذي قال: "الصوفية كما نعلم اسم يوناني قديم مأخوذ من الحكمة (صوفيا) وليس كما يقولون إنه مأخوذ من الصوف"[6][7]. [عدل] من حيث الاصطلاح كثرت الأقوال أيضا في تعريف التصوف تعريفا اصطلاحيا على آراء متقاربة، كل منها يشير إلى جانب رئيسي في التصوف، والتي منها: [LIST][*]قول زكريا الأنصاري: التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية[8].[*]قول الشيخ أحمد زروق: التصوف علم قصد لإصلاح القلوب وإفرادها لله تعالى عما سواه. والفقه لإصلاح العمل وحفظ النظام وظهور الحكمة بالأحكام. والأصول "علم التوحيد" لتحقيق المقدمات بالبراهين وتحلية الإيمان بالإيقان.[9].وقال أيضا: وقد حُدَّ التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الألفين، مرجع كلها لصدق التوجه إلى الله تعالى، وإنما هي وجوه فيه[10].[*]قول الجنيد: التصوف استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني[11].[*]قول أبو الحسن الشاذلي: التصوف تدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية[12].[*]قول ابن عجيبة: التصوف هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل، وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم، ووسطه عمل، وآخره موهبة[13].[/LIST]يتبع... |
#2
|
|||
|
|||
النشأة والتاريخ أصل التصوف يُرجع الصوفية أصل التصوف كسلوك وتعبد وزهد في الدنيا وإقبال على العبادات واجتناب المنهيات ومجاهدة للنفس وكثرة لذكر الله إلى عهد رسول الإسلاممحمد صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة، وأنه يستمد أصوله وفروعه من تعاليم الدين الإسلامي المستمدة من القرآنوالسنة النبوية. وكوجهة نظر أخرى، يرى بعض الناس أن أصل التصوف هو الرهبنة البوذية، والكهانة النصرانية، والشعوذةالهندية فقالوا: هناك تصوف بوذي وهندي ونصراني وفارسي. بينما يرفض الصوفية المسلمون تلك النسبة ويقولون بأن التصوف ما هو إلا التطبيق العملي للإسلام، وأنه ليس هناك إلا التصوف الإسلامي فحسب[14]. بداية ظهور اسم الصوفية يقول القشيري: «اعلموا أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَتَسمَّ أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة الرسول عليه الصلاة والسلام، إذ لا أفضلية فوقها، فقيل لهم "الصحابة"، ثم اختلف الناس وتباينت المراتب، فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين "الزهاد" و"العُبَّاد"، ثم ظهرت البدعة، وحصل التداعي بين الفرق، فكل فريق ادعوا أن فيهم زهادًا، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله سبحانه وتعالى، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم "التصوف"، واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة»[15]. ويقول محمد صديق الغماري: «ويعضد ما ذكره ابن خلدون في تاريخ ظهور اسم التصوف ما ذكره الكِنْدي ـ وكان من أهل القرن الرابع ـ في كتاب "ولاة مصر" في حوادث سنة المائتين: "إنه ظهر بالإسكندرية طائفة يسمَّوْن بالصوفية يأمرون بالمعروف". وكذلك ما ذكره المسعودي في "مروج الذهب" حاكيًا عن يحيى بن أكثم فقال: "إن المأمون يومًا لجالس، إذ دخل عليه علي بن صالح الحاجب، فقال: يا أمير المؤمنين! رجل واقفٌ بالباب، عليه ثياب بيض غلاظ، يطلب الدخول للمناظرة، فعلمت أنه بعض الصوفية". فهاتان الحكايتان تشهدان لكلام ابن خلدون في تاريخ نشأة التصوف. وذُكر في "كشف الظنون" أن أول من سمي بالصوفي "أبو هاشم الصوفي" المتوفى سنة خمسين ومئة»[16]. ظهور التصوف كعلم بعد عهد الصحابة والتابعين، دخل في دين الإسلام أُمم شتى وأجناس عديدة، واتسعت دائرة العلوم، وتقسمت وتوزعت بين أرباب الاختصاص؛ فقام كل فريق بتدوين الفن والعلم الذي يُجيده أكثر من غيره، فنشأ ـ بعد تدوين النحو في الصدر الأول ـ علم الفقه، وعلم التوحيد، وعلوم الحديث، وأصول الدين، والتفسير، والمنطق، ومصطلح الحديث، وعلم الأصول، والفرائض "الميراث" وغيرها. وبعد هذه الفترة أن أخذ التأثير الروحي يتضاءل شيئاً فشيئاً، وأخذ الناس يتناسون ضرورة الإقبال على الله بالعبودية، وبالقلب والهمة، مما دعا أرباب الرياضة والزهد إلى أن يعملوا هُم من ناحيتهم أيضاً على تدوين علم التصوف، وإثبات شرفه وجلاله وفضله على سائر العلوم، من باب سد النقص، واستكمال حاجات الدين في جميع نواحي النشاط[17]. وكان من أوائل من كتب في التصوف من العلماء:[LIST][*]الحارث المحاسبي، المتوفى سنة 243 هـ، ومن كتبه: بدء من أناب إلى الله، وآداب النفوس، ورسالة التوهم.[*]أبو سعيد الخراز، المتوفى سنة 277 هـ، ومن كتبه: الطريق إلى الله.[*]أبو عبد الرحمن السلمي، المتوفى سنة 325 هـ، ومن كتبه: آداب الصوفية.[*]أبو نصر عبد الله بن علي السراج الطوسي، المتوفي سنة 378 هـ، وله كتاب: اللمع في التصوف.[*]أبو بكر الكلاباذي، المتوفي سنة 380 هـ، وله كتاب: التعرف على مذهب أهل التصوف.[*]أبو طالب المكي، المتوفى سنة 386 هـ، وله كتاب: قوت القلوب في معاملة المحبوب.[*]أبو قاسم القشيري، المتوفى سنة 465 هـ، وله الرسالة القشيرية، وهي من أهم الكتب في التصوف.[*]أبو حامد الغزالي، المتوفى سنة 505 هـ، ومن كتبه: إحياء علوم الدين، الأربعين في أصول الدين، منهاج العابدين إلى جنة رب العالمين، بداية الهداية، وغيرها الكثير. ويعد كتاب إحياء علوم الدين من أشهر -إن لم يكن الأشهر- كتب التصوف ومن أجمعها.[/LIST]وشهدت الصوفية بعد جيل الجنيد قفزة جديدة مع الإمام الغزالي خاصة كتابه إحياء علوم الدين محاولة لتأسيس العلوم الشرعية بصياغة تربوبة، تلاه اعتماد الكثير من الفقهاء أبرزهم عبد القادر الجيلاني للصوفية كطريقة للتربية الإيمانية، ويبدو أن الجيلاني وتلاميذه الذين انتشروا في كافة بقاع المشرق العربي حافظوا على الجذور الإسلامية للتصوف بالتركيز على تعليم القرآن والحديث مقتدين بأشخاص مثل الحارث المحاسبي، والدليل على ذلك أن حتى ابن تيمية رغم الهجوم الضاري الذي يشنه على الصوفية في عصره، لا يرى بأساً في بعض أفكار التصوف ويمتدح أشخاصا مثل الجيلاني وأحمد الرفاعي. وينسب المؤرخين لهذه المدارس الصوفية المنتشرة دورا كبيرا في تأسيس الجيش المؤمن الذي ساند صلاح الدين في حربه ضد الصليبيين. ظهور التصوف كطرق ومدارس يرجع أصل الطرق الصوفية إلى عهد رسول الإسلام محمد بن عبد الله عندما كان يخصّ كل من الصحابة بورد يتفق مع درجته وأحواله: [LIST][*]أما الصحابي علي بن أبي طالب، فقد أخذ من النبى الذكر بالنفي والإثبات وهو (لا إله إلا الله).[*]وأما الصحابي أبو بكر الصديق، فقد أخذ عنه الذكر بالاسم المفرد (الله).[/LIST]ثم أخذ عنهما من التابعين هذه الأذكار وسميت الطريقتين: بالبكرية والعلوية. ثم نقلت الطريقتين حتى إلتقتا عند الإمام أبوالقاسم الجنيد. ثم تفرعتا إلى الخلوتية، والنقشبندية. واستمر الحال كذلك حتى جاء الأقطاب الأربعة السيد أحمد الرفاعي والسيد عبد القادر الجيلاني والسيد أحمد البدوي والسيد إبراهيم الدسوقي وشيّدوا طرقهم الرئيسية الأربعة وأضافوا إليها أورادهم وأدعيتهم. وتوجد اليوم طرق عديدة جدًا في أنحاء العالم ولكنها كلها مستمدة من هذه الطرق الأربعة. إضافة إلى أوراد السيد أبو الحسن الشاذلي صاحب الطريقة الشاذلية والتي تعتبر أوراده جزءًا من أوراد أى طريقة موجودة اليوم. الطرق الصوفية سند الطريقة الشاذلية المتصل إلى نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم الطريق لغة: هي "السيرة"، وطريقة الرجل: مذهبه، يقال: هو على طريقة حسنة وطريقة سيئة. واصطلاحاً: اسم لمنهج أحد العارفين في التزكية والتربية والأذكار والأوراد أخذ بها نفسه حتى وصل إلى معرفة الله، فينسب هذا المنهج إليه ويعرف باسمه، فيقال الطريقة الشاذلية والقادرية والرفاعية نسبة لرجالاتها. وقد أخذ اسم الطريقة من القرآن: {وألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً}. تختلف الطرق التي يتبعها مشايخ الطرق في تربية طلابهم ومريديهم باختلاف مشاربهم وأذواقهم الروحية، وباختلاف البيئة الاجتماعية التي يظهرون فيها. فقد يسلك بعض المشايخ طريق الشدة في تربية المريدين فيأخذونهم بالمجاهدات العنيفة ومنها كثرة الصيام والسهر وكثرة الخلوة والاعتزال عن الناس وكثرة الذكر والفكر. وقد يسلك بعض المشايخ طريقة اللين في تربية المريدين فيأمرونهم بممارسة شيء من الصيام وقيام مقدار من الليل وكثرة الذكر، ولكن لا يلزمونهم بالخلوة والابتعاد عن الناس إلا قليلاً. ومن المشايخ من يتخذ طريقة وسطى بين الشدة واللين في تربية المريدين. وكل هذه الأساليب لا تخرج عن كتاب الله وسنة رسوله، كما يقولون، بل هي من باب الاجتهاد. ولذلك يقولون: لله طرائق بعدد أنفاس الخلائق. وللطرق الصوفية شارات وبيارق وألوان يتميزون بها: فيتميز الرفاعية باللون الأسود. ويتميز القادرية باللون الأخضر. ويتميز الأحمدية باللون الأحمر. أما البرهانية فإنها لا تتميز بلون واحد كسائر الطرق بل تتميز بثلاث ألوان: الأبيض الذي تميز به إبراهيم الدسوقي، والأصفر الذي تميز به أبو الحسن الشاذلي ومنحه لابن أخته إبراهيم الدسوقي، والأخضر وهو كناية عن شرف الانتساب لأهل بيت رسول الإسلام محمد. يتبع... |
#3
|
|||
|
|||
اتباعهم للقرآن والسنة
يرى أئمة التصوف أنهم متبعين للكتاب والسنة، وأن علمهم هذا كباقي العلوم الإسلامية من الفقه والعقيدة مستمد من الكتاب والسنة، دل على اعتقادهم بذلك أقوالهم، والتي منها: [LIST][*]قول الجنيد: «الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام». وقال أيضا: «من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة».[*]قول سهل التستري: «أصولنا سبعة أشياء: التمسك بكتاب الله تعالى، والاقتداء بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأكل الحلال، وكفِ الأذى، واجتناب الآثام، والتوبة، وأداء الحقوق»[18].[*]قول أبو الحسن الشاذلي: «إِذا عارض كشفُك الصحيح الكتابَ والسنة فاعمل بالكتاب والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك: إِن الله تعالى ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة، ولم يضمنها لي في جانب الكشف والإِلهام»[19].[*]قول أبو الحسين الوراق: «لا يصل العبد إِلى الله إِلا بالله، وبموافقة حبيبه صلى الله عليه وسلم في شرائعه، ومَنْ جعل الطريق إِلى الوصول في غير الاقتداء يضل من حيث يظن أنه مهتد»[20].[*]قول عبد الوهاب الشعراني: «إن طريق القوم - أي الصوفية - محررة على الكتاب والسنة كتحرير الذهب والجوهر، فيحتاج سالكها إِلى ميزان شرعي في كل حركة وسكون»[21].[*]قول أبي يزيد البسطامي حيث سئل عن الصوفي فقال: «هو الذي يأخذ كتاب الله بيمينه وسنة رسوله بشماله، وينظر بإِحدى عينيه إِلى الجنة، وبالأخرى إِلى النار، ويأتزر بالدنيا، ويرتدي بالآخرة، ويلبي من بينهما للمولى: لبيك اللهم لبيك»[22].[/LIST]ويستدلون أيضا على صحة توجههم بمواقف أئمة المذاهب السنية الأربعة الداعية إلى التصوف بمعناه الصحيح. أما معارضيها فيعتبرونها ممارسة تعبدية لم تذكر لا في القرآن ولا في السنة ولا يصح أي سند لإثباتها وعليه فهي تدخل في نطاق البدعة المحرمة التي نهى عنها رسول الإسلام محمد. مصطلحات الصوفية متصوفون أتراكمولويون يؤدون حركاتهم التقليدية أمام ضريح المولى جلال الدين الرومي في قونية إِن لكل علم من العلوم كالفقه والحديث والمنطق والنحو والهندسة والفلسفة اصطلاحات خاصة به، لا يعلمها إِلا أصحاب ذلك العلم، ومن قرأ كتب علم من العلوم دون أن يعرف اصطلاحاته، أو يطلع على رموزه وإِشاراته، فإِنه يؤول الكلام تأويلات شتى مغايرة لما يقصده العلماء، ومناقضة لما يريده الكاتبون فيتيه ويضل. وللصوفية اصطلاحاتهم التي قامت بعض الشيء مقام العبارة في تصوير مدركاتهم ومواجيدهم، حين عجزت اللغة عن ذلك. فبسبب ذلك دعى الصوفية من يريد الفهم عنهم إلى صحبتهم حتى تتضح لهم عباراتهم، ويتعرفوا على إِشاراتهم ومصطلحاتهم. قال بعض الصوفية: «نحن قوم يحرم النظر في كتبنا على من لم يكن من أهل طريقنا»[23]. وقال عبد الوهاب الشعراني: سمعت سيدي عليًا الخواص يقول: «إِياك أن تعتقد يا أخي إِذا طالعت كتب القوم، وعرفت مصطلحهم في ألفاظهم أنك صرت صوفيًا، إِنما التصوف التخلق بأخلاقهم، ومعرفة طرق استنباطهم لجميع الآداب والأخلاق التي تحلَّوْا بها من الكتاب والسنة»[24]. وإِن كلام الصوفية في تحذير من لا يفهم كلامهم ولا يعرف اصطلاحاتهم من قراءة كتبهم ليس من قبيل كتم العلم، ولكن خوفاً من أن يفهم الناس من كتبهم غير ما يقصدون، وخشية أن يؤولوا كلامهم على غير حقيقته، فيقعوا في الإِنكار والاعتراض، شأن من يجهل علماً من العلوم. لأن المطلوب من المؤمن أن يخاطب الناس بما يناسبهم من الكلام وما يتفق مع مستواهم في العلم والفهم والاستعداد[25]. فمن هذه المصطلحات[26].: [LIST][*]الأنس: قال الجنيد: هو ارتفاع الحشمة مع وجود الهيبة.[*]الاتصال: وهو أن ينفصل العبد بسره عما سوى الله، فلا يَرَى بسره - بمعنى التعظيم - غيرَه، ولا يسمع إلا منه.[*]التجريد: وهو أن يتجرد العبد بظاهره عن الأعراض، وبباطنه عن الأعواض.[*]الوجد: هو ما صادف القلب من فزع، أو غم، أو رؤية معنى من أحوال الآخرة، أو كشف حالة بين العبد والله.[*]التواجد: هو ظهور ما يجد في باطنه على ظاهره، ومن قوي حاله تمكن فسكن.[*]الغيبة: أن يغيب عن حظوظ نفسه فلا يراها، وهي قائمة معه، موجودة فيه، غير أنه غائب عنها بشهود ما للحق.[*]الجمع: جمع الهمة: وهو أن تكون الهموم كلها هما واحدا وهو الله.[/LIST]المنهج العملي في التصوف يرى الصوفية أنهم لا يكتفون بأن يوضحوا للناس أحكام الشرع وآدابه بمجرد الكلام النظري، ولكنهم بالإضافة إلى ذلك يأخذون بيد تلميذهم ويسيرون به في مدارج الترقي، ويرافقونه في جميع مراحل سيره إلى الله، يحيطونه برعايتهم وعنايتهم، ويوجهونه بحالهم وقولهم، يذكرونه إذا نسي، ويقوِّمونه إذا انحرف، ويتفقدونه إذا غاب، وينشطونه إذا فتر. وهكذا يرسمون له المنهج العملي الذي يمكنه به أن يتحقق بأركان الدين الثلاثة: الإسلام والإيمان والإحسان. ومن أهم الطرق العملية التي يطبقها رجال التصوف للوصول إلى رضا الله ومعرفته: العلم يعتقد الصوفية أن العلم والعمل توأمان لا ينفكان عن بعضهما، والسالك في طريق الإيمان والتعرف على الله والوصول إلى رضاه لا يستغني عن العلم في أية مرحلة من مراحل سلوكه. ففي ابتداء سيره لا بد له من علم العقائد وتصحيح العبادات واستقامة المعاملات، وفي أثناء سلوكه لا يستغني عن علم أحوال القلب وحسن الأخلاق وتزكية النفس. ولهذا اعتُبِرَ اكتساب العلم الضروري من أهم النقاط الأساسية في المنهج العملي للتصوف، إذ يرى الصوفية أن التصوف ليس إلا التطبيق العملي للإسلام كاملاً غير منقوص في جميع جوانبه الظاهرة والباطنة[27]. الصحبة يعتقد الصوفية أن للصحبة أثراً عميقاً في شخصية المرء وأخلاقه وسلوكه، وأن الصاحب يكتسب صفات صاحبه بالتأثر الروحي والاقتداء العملي. وأن الصحابة ما نالوا هذا المقام السامي والدرجة الرفيعة إلا بمصاحبتهم لرسول الإسلاممحمد ومجالستهم له. وأن التابعون أحرزوا هذا الشرف باجتماعهم بالصحابة. وبما أن الصوفية وباقي المسلمين يؤمنون بأن رسالة النبي محمد عامة خالدة إلى قيام الساعة، فإن الصوفية يرون أن لرسول الإسلام ورّاثاً من العلماء العارفين بالله، ورثوا عن نبيهم العلم والخُلق والإيمان والتقوى، فكانوا خلفاء عنه في الهداية والإرشاد والدعوة إلى الله، فمَنْ جالسهم سرى إليه من حالهم الذي اقتبسوه من رسول الإسلام محمد، ومَنْ نصرهم فقد نصر الدين، ومن ربط حبله بحبالهم فقد اتصل بالرسول محمد حسب اعتقادهم. ويرون أن هؤلاء الوراث هم الذين ينقلون للناس الدين، مُمَثَّلاً في سلوكهم، حيَّاً في أحوالهم، واضحاً في حركاتهم وسكناتهم، هم من الذين عناهم الرسول محمد بقوله: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك».[28]. ويعتقدون أن أمثال هؤلاء الوراث لا ينقطع أثرهم على مر الزمان، ولا يخلو منهم بلد، وأن صحبتهم دواء مجرب، والبعد عنهم سم قاتل، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم؛ مرافقتهم هي العلاج العملي الفعَّال لإصلاح النفوس، وتهذيب الأخلاق، وغرس العقيدة، ورسوخ الإيمان. ويستدلون على أهمية الصحبة بآيات من القرآن، منها: [LIST][*]{يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ وكُونوا معَ الصادقين}[29].[*]{واصبر نفسك مع الذينَ يدعون ربَّهم بالغداةِ والعشيِّ يُريدونَ وجهَهُ ولا تَعْدُ عيناك عنهُم تُريد زينةَ الحياةِ الدنيا ولا تُطِعْ مَنْ أغفلنا قلبَه عن ذكرنا واتَّبَعَ هواهُ وكان أمرُه فُرُطاً}[30].[*]{واتَّبِعْ سبيلَ مَنْ أنابَ إليَّ}[31].[*]{الرحمنُ فاسألْ به خبيراً}[32].[*]{من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً}[33].[/LIST]ويقول أئمة التصوف في أهمية صحبة الشيوخ المرشدين: [LIST][*]قال أبو حامد الغزالي : «مما يجب في حق سالكِ طريق الحق أن يكون له مرشدٌ ومربٌّ ليدله على الطريق، ويرفع عنه الأخلاق المذمومة، ويضع مكانها الأخلاق المحمودة»[34].[*]قال ابن عطاء الله السكندري : «وينبغي لمن عزم على الاسترشاد، وسلوك طريق الرشاد، أن يبحث عن شيخ من أهل التحقيق، سالك للطريق، تارك لهواه، راسخ القدم في خدمة مولاه فإذا وجده فليمتثل ما أمر، ولينْتهِ عما نهى عنه وزجر»[35].[*]قال أحمد زروق : «أخذ العلم والعمل عن المشايخ أتم من أخذه دونهم (بل هو آياتٌ بيِّناتٌ في صُدور الذينَ أوتوا العلمَ)، (واتَّبِعْ سبيلَ مَنْ أنابَ إليَّ)، فلزمت المشيخة»[36].[/LIST]مجاهدة النفس يعرّف الصوفية مجاهدة النفس على أنها: «بذل الوسع في حمل النفس على خلاف هواها ومرادها المذموم، وإلزامها تطبيق شرع الله أمراً ونهياً». ويقولون أنه ليس المراد من مجاهدة النفس استئصال صفاتها؛ بل المراد تصعيدها من سيء إلى حسن، وتسييرها على مراد الله وابتغاء مرضاته. ويستدلون على المجاهدة بآيات من القرآن وأحاديث من السنة، منها: [LIST][*]في القرآن: {والذينَ جاهَدوا فينا لنَهديَنَّهم سُبُلَنا}[37].[*]في السنة النبوية: «المجاهدُ مَنْ جاهد نفسَهُ في الله»[38].[/LIST]ومن أقوال أئمتهم في الحث على مجاهدة النفس: [LIST][*]قال أبو عثمان المغربي: «من ظن أنه يُفتح له بهده الطريقة أو يكشف له عن شيء منها لا بلزوم المجاهدة فهو في غلط»[39].[*]قال زكريا الأنصاري : «إنَّ نجاة النفس أنْ يخالف العبدُ هواها، ويحملَها على ما طلب منها ربُّها»[40].[*]قال أحمد بن عجيبة: «لا بد للمريد في أول دخوله الطريق من مجاهدة ومكابدة وصدق وتصديق، وهي مُظهِر ومجلاة للنهايات، فمن أشرقت بدايته أشرقت نهايته، فمن رأيناه جادَّاً في طلب الحق باذلاً نفسه وفلسه وروحه وعزه وجاهه ابتغاء الوصول إلى التحقق بالعبودية والقيام بوظائف الربوبية ؛ علمنا إشراق نهايته بالوصول إلى محبوبه، وإذا رأيناه مقصِّراً علمنا قصوره عما هنالك»[41].[/LIST]واعترض أقوام على رجال التصوف واتهموهم بأنهم يُحَرِّمون ما أحل الله من أنواع اللذائذ والمتع، وقد قال الله: (قٌلْ مَنْ حرَّمَ زينة الله التي أخرجَ لعبادِهِ والطيبات من الرزق...) [الأعراف: 32]. ولكن رجال التصوف ردوا عليهم بقولهم أنهم لم يجعلوا الحلالَ حراماً، إذْ أسمى مقاصدهم هو التقيد بشرع الله، ولكنهم حين عرفوا أن تزكية النفس فرضُ عين، وأن للنفس أخلاقاً سيئة وتعلقات شهوانية، توصِل صاحبها إلى الردى، وتعيقه عن الترقي في مدراج الكمال، وجدوا لزاماً عليهم أن يهذبوا نفوسهم ويحرروها من سجن الهوى. وبهذا المعنى يقول الصوفي الحكيم الترمذي رداً على هذه النقطة، وجواباً لمن احتج بالآية القرآنية: (قُلْ مَنْ حرَّمَ زينة الله) : "فهذا الاحتجاج تعنيف، ومن القول تحريف لأنَّا لم نُرِدْ بهذا، التحريمَ، ولكنا أردنا تأديب النفس حتى تأخذ الأدب وتعلم كيف ينبغي أن تعمل في ذلك، ألا ترى إلى قوله جل وعلا: {إنّما حرّم ربيَ الفواحشَ ما ظهر منها وما بطنَ والإثمَ والبَغيَ بغيرِ الحقِّ} [الأعراف: 33]. فالبغيُ في الشيء الحلال حرامٌ، والفخرُ حرام، والمباهاةُ حرام، والرياء حرام، والسرف حرام، فإنما أُوتِيَتِ النفسُ هذا المنعَ من أجل أنها مالت إلى هذه الأشياء بقلبها، حتى فسد القلب. فلما رأيتُ النفس تتناول زينة الله والطيبات من الرزق تريد بذلك تغنياً أو مباهاة أو رياء علمتُ أنها خلطت حراماً بحلال فضيَّعَتِ الشكرَ، وإنما رُزِقَتْ لتشكُرَ لا لِتكْفرَ، فلما رأيتُ سوء أدبها منعتُها، حتى إذا ذلَّت وانقمعت، ورآني ربي مجاهداً في ذاته حق جهاده، هداني سبيله كما وعد الله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبُلَنا وإنَّ اللهَ لَمَعَ المحسنين} [العنكبوت: 69] فصرتُ عنده بالمجاهدة محسناً فكان الله معي، ومن كان مع الله فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، وقذفَ في القلب من النور نوراً عاجلاً في دار الدنيا حتى يوصله إلى ثواب الآجل"[42]. ذكر الله مسبحة، يستعملها الصوفيون لأورادهم وأذكارهم يعرّف الإمام ابن عطاء الله السكندري الذكر على أنه: هو التخلص من الغفلة والنسيان بدوام حضور القلب مع الحق، وقيل: ترديد اسم الله بالقلب واللسان، أو ترديد صفة من صفاته، أو حكم من أحكامه، أو فعل من أفعاله، أو غير ذلك مما يُتقرَّبُ به إلى الله تعالى[43]. ويعتقد الصوفية أن الذكر يثمر المقامات كلها من اليقظة إلى التوحيد، ويثمر المعارف والأحوال التي شمَّر إليها السالكون، فلا سبيل إلى نيل ثمارها إلا من شجرة الذكر، وكلما عظمت تلك الشجرة ورسخ أصلها، كان أعظم لثمرتها وفائدتها. وهو أصل كل مقام وقاعدته التي يبني عليها، كما يُبنى الحائط على أساسه، وكما يقوم السقف على جداره. حث أئمة التصوف على الذكر كثيرا، فقال الإمام أبو القاسم القشيري : الذكر منشور الولاية، ومنار الوصلة، وتحقيق الإرادة، وعلامة صحة البداية، ودلالة النهاية، فليس وراء الذكر شيء؛ وجميع الخصال المحمودة راجعة إلى الذكر ومنشؤها عن الذكر. وقال أيضاً: الذكر ركن قوي في طريق الحق سبحانه وتعالى، بل هو العمدة في هذا الطريق، ولا يصل أحد إلى الله تعالى إلا بدوام الذكر[44]. ويجعل الصوفية للذكر أنواع، ولكل منها أدلة عندهم من الكتاب والسنة يجيزونها بها، ولكل منها فوائد تعود على السالك إلى الله بما يناسب حاله، فيذكرون: [LIST][*]ذكر السرّ، وذكر الجهر.[*]الذكر الفردي، والذكر الجماعي.[*]الذكر باللسان، والذكر بالقلب.[/LIST]الخلوة يعرف الصوفية الخلوة على أنها: انقطاع عن البشر لفترة محدودة، وترك للأعمال الدنيوية لمدة يسيرة، كي يتفرغ القلب من هموم الحياة التي لا تنتهي، ويستريح الفكر من المشاغل اليومية التي لا تنقطع، ثم ذكرٌ لله بقلب حاضر خاشع، وتفكرٌ في آلائه آناء الليل وأطراف النهار، وذلك بإرشاد شيخ عارف بالله، يُعلِّمه إذا جهل، ويذكِّره إذا غفل، وينشطه إذا فتر، ويساعده على دفع الوساوس وهواجس النفس[45]. أما عن دليلها الذي يستدلون به من الكتاب والسنة، عديدة، منها: [LIST][*]إلىية القرآنية: (واذكرِ اسم ربِّكَ وتَبَتَّلْ إليه تبتيلاً) [المزمل: 8]. وقد قال العلامة أبو السعود مفسراً لهذه الآية: ودُم على ذكره تعالى ليلاً ونهاراً على أي وجه كان؛ من التسبيح والتهليل والتحميد... إلى أن قال: وانقطعَ إليه بمجامع الهمة واستغراق العزيمة في مراقبته، وحيث لم يكن ذلك إلا بتجريد نفسه عليه الصلاة والسلام عن العوائق الصادرة المانعة عن مراقبة الله تعالى، وقطع العلائق عما سواه[46].[*]حديث عن عائشة أنها قالت: "أولُ ما بُدِئَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاءُ، وكان يخلو بغار حِراءَ؛ فيتَحَنَّثُ فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، ويتزود لمثلها، حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء"[47]. وقد قال ابن أبي جمرة في شرحه لهذا الحديث: "في الحديث دليل على أن الخلوة عون للإنسان على تعبده وصلاح دينه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما اعتزل عن الناس وخلا بنفسه، أتاه هذا الخير العظيم، وكل أحد امتثل ذلك أتاه الخير بحسب ما قسم له من مقامات الولاية. وفيه دليل على أن الأوْلى بأهل البداية الخلوة والاعتزال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول أمره يخلو بنفسه"[48]. وقال القسطلاني في شرحه لحديث عائشة المذكور: "وفيه تنبيه على فضل العزلة لأنها تريح القلب من أشغال الدنيا، وتفرغه لله تعالى، فتنفجر منه ينابيع الحكمة. والخلوة أن يخلو عن غيره، بل وعن نفسه بربه، وعند ذلك يصير خليقاً بأن يكون قالبه ممراً لواردات علوم الغيب، وقلبه مقراً لها"[49].[/LIST]ويذكر الإمام الغزالي طريقة الخلوة ومراحلها ومقاماتها، فيقول: "أن الشيخ يُلزِم المريد زاوية ينفرد بها، ويوكل به من يقوم له بقدر يسير من القوت الحلال - فإنَّ أصل الدين القوت الحلال - وعند ذلك يلقنه ذكراً من الأذكار، حتى يشغل به لسانه وقلبه، فيجلس ويقول مثلاً: الله، الله، أو سبحان الله، سبحان الله، أو ما يراه الشيخ من الكلمات، فلا يزال يواظب عليه، حتى يسقط الأثر عن اللسان، وتبقى صورة اللفظ في القلب، ثم لا يزال كذلك حتى تُمحى من القلب حروف اللفظ وصورته، وتبقى حقيقة معناه لازمة للقلب، حاضرة معه، غالبة عليه، قد فرغ عن كل ما سواه، لأن القلب إذا اشتغل بشيء خلا عن غيره - أيَّ شيء كان - فإذا اشتغل بذكر الله تعالى وهو المقصود، خلا لا محالة من غيره. وعند ذلك يلزمه أن يراقب وساوس القلب، والخواطر التي تتعلق بالدنيا، وما يتذكر فيه مما قد مضى من أحواله وأحوال غيره، فإنه مهما اشتغل بشيء منه - ولو في لحظة - خلا قلبه عن الذكر في تلك اللحظة، وكان أيضاً نقصاناً. فليجتهد في دفع ذلك، ومهما دفع الوساوس كلها، وردَّ النفس إلى هذه الكلمة، جاءته الوساوس من هذه الكلمة، وإنها ما هي؟ وما معنى قولنا: الله؟ ولأي معنى كان إلهاً، وكان معبوداً؟ ويعتريه عند ذلك خواطر تفتح عليه باب الفكر، وربما يَرِدُ عليه من وساوس الشيطان ما هو كفر وبدعة، ومهما كان كارهاً لذلك، ومُتَشمِّراً لإماطته عن القلب لم يضره ذلك"[50]. ويجعل الصوفية للخلوة نوعين، هما: [LIST][*]خلوة عامة: ينفرد بها المؤمن ليتفرغ لذكر الله بأية صيغة كانت، أو لتلاوة القرآن، أو محاسبة نفسه، أو ليتفكر في خلق السموت والأرض.[*]خلوة خاصة: يقصد منها الوصول إلى مراتب الإحسان والتحقق بمدارج المعرفة، وهذه لا تكون إلا بإشراف مرشدٍ مأذون، يُلَقِّنُ المريدَ ذكراً معيناً، ويكون على صلة دائمة به ليزيل عنه الشكوك ويدفعه إلى آفاق المعرفة، ويرفع عنه الحجب والأوهام والوساوس، وينقله من الكون إلى المُكَوِّن.[/LIST]يتبع... |
#4
|
|||
|
|||
العقيدة التي يتبنّاها الصوفية
موكب أحد الطرق الصوفية في القاهرة سنة 1870 يعلن المتصوفة حاليا بمعظمهم اعتقادهم حسب مبادئ عقيدة أهل السنة الأشاعرة التي انتشرت وسادت كمذهب عقيدي رسمي لأهل السنة والجماعة، بل وتبناها جمهور علماء أهل السنة والجماعة من الإمام النووي، والإمام ابن حجر العسقلاني، والإمام السيوطي، وغيرهم الكثير. فبالتالي فإن كتب المتصوفة الحديثين لا تخرج عن عقيدة أهل السنة سواءً أكانت أشعرية أوماتريدية. وذلك بالرغم أنهم يتبنون كتب ابن عربي والسهروردي التي تتهم من قبل الحركات السلفية وبعض الباحثين المعاصرين بأنها تتضمن ما يفيد بعقائد الحلول ووحدة الوجود، لكن المتصوفة يقولون أن هذه الكتب ليست في متناول العوام (والعوام في نظر المتصوفة هو كل من لم يتمرس بالصوفية وممارساتها) ،وأنه بالإمكان حمل كلام ابن عربي والسهروردي على محامل نابعة من الإسلام، فالعوام غير قادرين على تذوق المعاني التي لا تتجلى إلا لمن حصل على الكشف الإلهي، بالتالي فهم وحدهم من يمتلك حق التأويل لهذه الكتب والمقولات للشيوخ الكبار مثل ابن عربي والسهروردي. ويرى الشيخ المسافر أن ابن عربي والسهروردي وابن سبعين، فضلا عن جلال مسيرتهم في التصوف، ينتمون إلى ميدان الحكمة الفلسفية، وان كثيرا من كتبهم فلسفية بامتياز، وإن لم تسم بذلك. ويشهد على ذلك إنتاج ذلك العدد الكبير من فلاسفة الغرب الذين اسسوا اطروحاتهم الفلسفية أو ضمنوها اجزاء من إنتاج المشائخ الأولياء الثلاثة، أو كما يطلق عليهم البعض "الفلاسفة العظام الثلاثة". عقيدة الصوفية في الأولياء الولي عندهم هو: عبد لله، اختصه الله بعنايته وتوفيقه واصطفاه من بين عبيده، وهو عبد لا يضر ولا ينفع بذاته كباقي البشر، هو دون الأنبياء في المرتبة والمنزلة، إذ لا أحد يصل إلى رتبة الأنبياء مهما ارتقى في مراتب الولاية، لذلك فالولي ليس بمعصوم عن الخطأ، إلا من عصمه الله. ويستشهدون بالآية القرآنية: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين ءامنوا وكانوا يتقون) فالمتقون هم أولياء الله. وقد ورد تحذير في أحاديث النبي محمد، وذلك كما في الحديث القدسي: من عادى لي ولياً فقد ءاذنته بالحرب[51]. مراتب الأولياء جعل الصوفيةُ الأولياءَ على مراتب، وذلك بحسب اجتهادهم في دقائق التقوى -وبحسب ما يعتبرونه توفيقًا من الله لهم-، وبذلك تفاوتت مراتبهم في مقامات الولاية، فليس كل المتقين على درجة واحدة. أما من حيث الدرجات، فيجعلون المراتب من الأفضل إلى الأدني كالتالي[52]: [LIST][*]القطب الغوث، الذي به يغاث عباد الله وبواسطته تنزل الرحمة، اشتهر منهم أربعة: الإمام عبد القادر الجيلاني، والإمام أحمد الرفاعي والإمام أحمد البدوي والإمام إبراهيم الدسوقي[53].[*]ثم الإمامان، وهما كالوزيرين له.[*]ثم الأربعة الأوتاد الحافظون لجهات الأرض.[*]ثم السبعة النجباء والحافظون للأقاليم السبعة.[*]ثم الأربعون الأبدال الساعون في قضاء حوائج المسلمين، وهم في الشام. وقد ورد فيهم أحاديث صحيحة منها قول النبي محمد: «الأبدالبالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يُسقَى بهم الغيث، ويُنتصر بهم على الأعداء، ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب» [54][*]ثم التسعة والتسعون الذين هو مظاهر أسماء الله.[*]ثم الثلاثمائة والتسعون الأولياء الصالحون من المؤمنين.[/LIST]وأهل المراتب لا بد من وجودهم في زمان إلى نزول عيسى بن مريم. كرامات الأولياء الكرامة هي أمر خارق للعادة غير مقرونة بدعوى النبوة، يظهرها الله على أوليائه الصالحين من أتباع الرسل كرامة لهم. وقد أجمع أهل التصوف على إثبات كرامات الأولياء، كالمشي على الماء، وكلام البهائم، وطي الأرض, وظهور الشيء في غير موضعه ووقته[55]. [LIST][*]ويستدلون على صحتها ووجودها بآيات من القرآن، منها: [LIST][*]قصة الذي عنده علم من الكتاب في الآية القرآنية: (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك).[*]قصة مريم بنت عمران حين قال لها النبي زكريا: (أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله).[/LIST][*]ومن أحاديث النبي محمد: "أن رجلين خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، وإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا، فتفرق النور معهما".[51][*]ومن قصص وقعت للصحابة: قصة الصحابي عمر بن الخطاب: عن ابن عمر قال: وجه عمر جيشا وولى عليهم رجلا يدعى سارية، فبينما عمر في المدينة يخطب على المنبر جعل ينادي: يا سارية الجبل!! ثلاثا. ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا فبينما نحن كذلك إذ سمعنا صوتا ينادي يا سارية الجبل ثلاثا، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر إنك كنت تصيح هكذا وهكذا.[56].[/LIST]الصوفية يعتبرون أن أعظم الكرامات هي الاستقامة على شرع الله. قال أبو القاسم القشيري : واعلم أن من أجلِّ الكرامات التي تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعات، والحفظ من المعاصي والمخالفات[57]. والصوفية يمنعون إِظهار الكرامة إِلا لغرض صحيح ؛ كنصرة شريعة الله أمام الكافرين والمعاندين، أما إِظهارها بدون سبب مشروع فهو مذموم، لما فيه من حظ النفس والمفاخرة والعجب. قال الشيخ محي الدين بن عربي : ولا يخفى أن الكرامة عند أكابر الرجال معدودة من جملة رعونات النفس، إِلا إِنْ كانت لنصر دين أو جلب مصلحة، لأن الله تعالى هو الفاعل عندهم، لا هُمْ، هذا مشهدهم، وليس وجه الخصوصية إِلا وقوع ذلك الفعل الخارق على يدهم دون غيرهم ؛ فإِذا أحيا كبشاً مثلاً أو دجاجة فإِنما ذلك بقدرة الله لا بقدرتهم، وإِذا رجع الأمر إِلى القدرة فلا تعجب[58]. كما أن الصوفية لا يعتبرون ظهور الكرامات على يد الولي الصالح دليلاً على أفضليته على غيره. قال الإِمام اليافعي : لا يلزم أن يكون كلُّ مَنْ له كرامة من الأولياء أفضلَ من كل من ليس له كرامة منهم، بل قد يكون بعض مَنْ ليس له كرامة منهم أفضل من بعض مَنْ له كرامة، لأن الكرامة قد تكون لتقوية يقين صاحبها، ودليلاً على صدقه وعلى فضله لا على أفضليته، وإِنما الأفضلية تكون بقوة اليقين، وكمال المعرفة بالله تعالى[59]. ويعتبر الصوفية أن عدم ظهور الكرامة على يد الولي الصالح ليس دليلاً على عدم ولايته. قال الإِمام القشيري : لو لم يكن للولي كرامة ظاهرة عليه في الدنيا، لم يقدح عدمها في كونه ولياً[60]. هل يجوز للولي أن يعرف أنه ولي اختلف الصوفية في الولي: هل يجوز أن يعرف أنه ولي أم لا؟ على قولين[55]. : [LIST][*]فقال بعضهم: لا يجوز ذلك؛ لأن معرفة ذلك تزيل عنه خوف العاقبة، وزوال خوف العاقبة يوجب الأمن، وفي وجوب الأمن زوال العبودية؛ لأن العبد بين الخوف والرجاء.[*]وقال الأجلة منهم والكبار: يجوز أن يعرف الولي ولايته؛ لأنها كرامة من الله للعبد، والكرامات والنعم يجوز أن يعلم ذلك فيقتضي زيادة الشكر. ويستدل هؤلاء بأن النبي محمد قد أخبر أصحابه بأنهم من أهل الجنة، وشهد للعشرة بالجنة، وشهادة النبي توجب سكونا إليها، وطمأنينة بها، وتصديقا لها. ومع ذلك فقد أخبرهم النبي بذلك.[/LIST]الشريعة والطريقة والحقيقة يقسّم الصوفية الدين إلى ثلاثة أركان رئيسية: هي الشريعة، والطريقة، والحقيقة - حيث يعتبره السلفيون أنه تقسيم بدعة في دين الإسلام، ولم يرد في صحته أي أدلة -. ويستدل الصوفية على صحة هذا التقسيم ما ورد بحديث نبي الإسلام محمد الذي اشتهر باسم حديث جبريل وهو مروي عن الصحابي عمر بن الخطاب، يقول: بينما نحن جلوس عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لايرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام. قال صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان قال :أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.قال: فأخبرني عن الساعة قال: مالمسؤول عنها بأعلم من السائل قال: فأخبرني عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاه يتطاولون في البنيان. ثم انطلق. فلبث مليا ثم قال: ياعمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال: فإنه جبريل آتاكم يعلمكم دينكم[61].فالحديث يذكر أقسام الدين كما يقولون، وهي: [LIST][*]ركن الإِسلام: وهو الجانب العملي؛ من عبادات ومعاملات وأُمور تعبدية، ومحله الأعضاء الظاهرة الجسمانية. وقد اصطلح العلماء على تسميته بالشريعة، واختص بدراسته الفقهاء.[*]ركن الإِيمان: وهو الجانب الاعتقادي القلبي؛ من إِيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر. وقد اختص بدراسته علماء التوحيد.[*]ركن الإِحسان: وهو الجانب الروحي القلبي؛ وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإِن لم تكن تراه فإِنه يراك، وما ينتج عن ذلك من أحوال وأذواق وجدانية، ومقامات عرفانية، وعلوم وهبية، وقد اصطلح العلماء على تسميته بالحقيقة، واختص ببحثه الصوفية.[/LIST]وللوصول إِلى هذا المقام، والإِيمان الكامل، لابد من سلوك الطريقة، وهي مجاهدة النفس، وتصعيد صفاتها الناقصة إِلى صفات كاملة، والترقي في مقامات الكمال بصحبة المرشدين، فهي الجسر الموصل من الشريعة إِلى الحقيقة. قال السيد في تعريفاته: "الطريقة هي السيرة المختصة بالسالكين إِلى الله تعالى، من قطع المنازل والترقي في المقامات".[62] ولتوضيح الصلة بين الشريعة والحقيقة يضربون لذلك مثلاً الصلاة، فالإِتيان بحركاتها وأعمالها الظاهرة، والتزام أركانها وشروطها، وغير ذلك مما ذكره علماء الفقه، يمثل جانب الشريعة، وهو جسد الصلاة. وحضور القلب مع الله في الصلاة يمثل جانب الحقيقة، وهو روح الصلاة. فأعمال الصلاة البدنية هي جسدها، والخشوع روحها. وما فائدة الجسد بلا روح؟! وكما أن الروح تحتاج إِلى جسد تقوم فيه، فكذلك الجسد يحتاج إِلى روح يقوم بها، ويستدلون على ذلك بالآية القرآنية: (أقيمُوا الصلاةَ وآتوا الزكاةَ)[63] ولا تكون الإِقامة إِلا بجسد وروح، ولذا لم يقل: أوجدوا الصلاة. فالشريعة عندهم هي الأساس، والطريقة هي الوسيلة، والحقيقة هي الثمرة، وهذه الأشياء الثلاثة متكاملة منسجمة، فَمَنْ تمسَّك بالأولى منها سلك الثانية فوصل إِلى الثالثة، وليس بينها تعارض ولا تناقض، ولذلك يقول الصوفية في قواعدهم المشهورة: (كل حقيقة خالفت الشريعة فهي زندقة). ويقول الشيخ أحمد زروق: لا تصوف إِلا بفقه، إِذ لا تعرف أحكام الله الظاهرة إِلا منه. ولا فقه إِلا بتصوف، إِذ لا عمل إِلا بصدق وتوجه لله تعالى. ولا هما (التصوف والفقه) إِلا بإِيمان، إِذ لا يصح واحد منهما دونه. فلزم الجميع لتلازمها في الحكم، كتلازم الأجسام للأرواح، ولا وجود لها إِلا فيها، كما لا حياة لها إِلا بها، فافهم.[64] ويقول الإِمام مالك بن أنس: مَنْ تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن جمع بينهما فقد تحقق[65]. ويقولون أنه كما حفظ علماء الظاهر حدود الشريعة، كذلك حفظ علماء التصوف آدابها وروحها، وكما أبيح لعلماء الظاهر الاجتهاد في استنباط الأدلة واستخراج الحدود والفروع، والحكم بالتحليل والتحريم على ما لم يَرِدْ فيه نص، فكذلك لعلماء الصوفية أن يستنبطوا آداباً ومناهج لتربية المريدين وتهذيب السالكين. وحدة الوجود والحلول والاتحاد إِن من أهم ما ينتقد به المعارضون للصوفية اتهامهم بأنهم يقولون بالحلول والاتحاد، بمعنى أن الله قد حلَّ في جميع أجزاء الكون؛ في البحار والجبال والصخور والأشجار والإِنسان والحيوان، أو بمعنى أن المخلوق عين تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ويرى الصوفية أنه لاشك أن هذا القول كفر صريح يخالف عقائد الأمة الإسلامية. فالصوفية ينفون هذه التهمة عن أنفسهم جملة وتفصيلا، ويحذرون من أن يرميهم أحد بهذه العقيدة الكفرية جزافاً دون تمحيص أو تثبت، ومن غير أن يفهم مرادهم، ويطلع على عقائدهم الحقة التي ذكروها صريحة واضحة في أُمهات كتبهم، كالفتوحات المكية، وإِحياء علوم الدين، والرسالة القشيرية وغيرها. صريح أقوالهم في رفضهم لعقيدة وحدة الوجود والحلول والاتحاد صرح أئمة الصوفية في كتبهم برفضهم لعقيدة وحدة الوجود والحلول والاتحاد بالمعنى السابق ذكره، والتي منها: [LIST][*]يقول الشعراني : ولعمري إِذا كان عُبَّاد الأوثان لم يتجرؤوا على أن يجعلوا آلهتهم عين الله؛ بل قالوا: ما نعبدهم إِلا ليقربونا إِلى الله زلفى، فكيف يُظَن بأولياء الله تعالى أنهم يدَّعون الاتحاد بالحق على حدٌّ ما تتعقله العقول الضعيفة؟! هذا كالمحال في حقهم رضي الله تعالى عنهم، إِذ ما مِن وليٌّ إِلا وهو يعلم أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق، وأنها خارجة عن جميع معلومات الخلائق، لأن الله بكل شيء محيط[66].[*]قال الشيخ محي الدين بن عربيفي عقيدته الوسطى: اعلم أن الله تعالى واحد بالإِجماع، ومقام الواحد يتعالى أن يحل فيه شيء، أو يحل هو في شيء، أو يتحد في شيء[67].[*]وقال في باب الأسرار: لا يجوز لعارف أن يقول: أنا الله، ولو بلغ أقصى درجات القرب، وحاشا العارف من هذا القول حاشاه، إِنما يقول: أنا العبد الذليل في المسير والمقيل[68].[*]وقال في باب الأسرار: من قال بالحلول فهو معلول، فإِن القول بالحلول مرض لا يزول، وما قال بالاتحاد إِلا أهل الإِلحاد، كما أن القائل بالحلول من أهل الجهل والفضول[68].[*]وقال أيضاً في الباب الثاني والتسعين ومائتين: من أعظم دليل على نفي الحلول والاتحاد الذي يتوهمه بعضهم، أن تعلم عقلاً أن القمر ليس فيه من نور الشمس شيء، وأن الشمس ما انتقلت إِليه بذاتها، وإِنما كان القمر محلاً لها، فكذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه[69].[*]قال صاحب كتاب نهج الرشاد في الرد على أهل الوحدة والحلول والاتحاد: حدثني الشيخ كمال الدين المراغي قال: اجتمعتُ، بالشيخ أبي العباس المرسي - تلميذ الشيخ الكبير أبي الحسن الشاذلي - وفاوضْته في هؤلاء الاتحادية، فوجدته شديد الإِنكار عليهم، والنهي عن طريقهم، وقال: أتكون الصنعة هي عين الصانع؟![70].[*]قال أبو حامد الغزالي: وأما القسم الرابع وهو الاتحاد فذلك أيضا أظهر بطلانا لأن قول القائل إن العبد صار هو الرب كلام متناقض في نفسه، بل ينبغي أن ينزه الرب سبحانه وتعالى عن أن يجري اللسان في حقه بأمثال هذه المحالات...فالاتحاد بين شيئين مطلقا محال...فأصل الاتحاد إذا باطل... وأما القسم الخامس وهو الحلول فذلك يتصور أن يقال إن الرب تبارك وتعالى حل في العبد أو العبد حل في الرب، تعالى رب الأرباب عن قول الظالمين[71].[/LIST]تأويلهم لأقوال أوهمت وحدة الوجود أو الحلول أو الاتحاد وأما ما ورد من كلام الصوفية في كتبهم مما يفيد ظاهره الحلول والاتحاد، فيقولون أنه إما مدسوس عليهم، بدليل ما سبق من صريح كلامهم في نفي هذه العقيدة الضالة. وإِما أنهم لم يقصدوا به القول بهذه الفكرة الخبيثة والنحلة الدخيلة، ولكن المغرضين حملوا المتشابه من كلامهم على هذا الفهم الخاطئ، ورموهم بالزندقة والكفر. أما الراسخون في العلم والمدققون المنصفون من العلماء فقد فهموا كلامهم على معناه الصحيح الموافق لعقيدة أهل السنة والجماعة، وأدركوا تأويله بما يناسب ما عرف عن الصوفية من إِيمان وتقوى. [LIST][*]قال جلال الدين السيوطي : واعلم أنه وقع في عبارة بعض المحققين لفظ الاتحاد، إِشارة منهم إِلى حقيقة التوحيد، فإِن الاتحاد عندهم هو المبالغة في التوحيد. والتوحيد معرفة الواحد والأحد، فاشتبه ذلك على من لا يفهم إِشاراتهِم، فحملوه على غير محمله؛ فغلطوا وهلكوا بذلك.. إِلى أن قال: فإِذن أصل الاتحاد باطل محال، مردود شرعاً وعقلاً وعرفاً بإِجماع الأنبياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين، وليس هذا مذهب الصوفية، وإِنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حظهم من الله تعالى، فشابهوا بهذا القولِ النصارى الذين قالوا في عيسى : اتَّحَد ناسوتُهُ بلاهوتِهِ. وأما مَنْ بالعناية، فإِنهم لم يعتقدوا اتحاداً ولا حلولاً، وإِن وقع منهم لفظ الاتحاد فإِنما يريدون به محو أنفسهم، وإِثبات الحق سبحانه[70].[*]وقال: وقد يُذْكَر الاتحاد بمعنى فناء المخالفات، وبقاء الموافقات، وفناء حظوظ النفس من الدنيا، وبقاء الرغبة في الآخرة، وفناء الأوصاف الذميمة، وبقاء الأوصاف الحميدة، وفناء الشك، وبقاء اليقين، وفناء الغفلة وبقاء الذكر[72].[*]وقال: وأما قول أبي يزيد البسطامي: (سبحاني، ما أعظم شأني) فهو في معرض الحكاية عن الله، وكذلك قول من قال: (أنا الحق) محمول على الحكاية، ولا يُظَنُّ بهؤلاء العارفين الحلول والاتحاد، لأن ذلك غير مظنون بعاقل، فضلاً عن المتميزين بخصوص المكاشفات واليقين والمشاهدات. ولا يُظَنُّ بالعقلاء المتميزين على أهل زمانهم بالعلم الراجح والعمل الصالح والمجاهدة وحفظ حدود الشرع الغلطُ بالحلول والاتحاد، كما غلط النصارى في ظنهم ذلك في حق عيسى. وإِنما حدث ذلك في الإِسلام من واقعاتِ جهلةِ المتصوفة، وأما العلماء العارفون المحققون فحاشاهم من ذلك.. إِلى أن قال: والحاصل أن لفظ الاتحاد مشترك، فيطلق على المعنى المذموم الذي هو أخو الحلول، وهو كفر. ويطلق على مقام الفناء اصطلاحاً اصطلح عليه الصوفية، ولا مشاحة في الاصطلاح، إِذ لا يمنع أحد من استعمال لفظ في معنى صحيح، لا محذور فيه شرعاً، ولو كان ذلك ممنوعاً لم يجز لأحد أن يتفوه بلفظ الاتحاد، وأنت تقول: بيني وبين صاحبي زيد اتحاد. وكم استعمل المحدِّثون والفقهاء والنحاة وغيرهم لفظ الاتحاد في معان حديثية وفقهية ونحوية. كقول المحدِّثين: اتحد مخرج الحديث. وقول الفقهاء: اتحد نوع الماشية. وقول النحاة: اتحد العامل لفظاً أو معنى. وحيث وقع لفظ الاتحاد من محققي الصوفية، فإِنما يريدون به معنى الفناء الذي هو محو النفس، وإِثبات الأمر كله لله سبحانه، لا ذلك المعنى المذموم الذي يقشعر له الجلد[70].[*]نقل الشعراني عن الشيخ علي بن وفا قوله: المراد بالاتحاد حيث جاء في كلام القوم فناء العبد في مراد الحق تعالى، كما يقال: بين فلان وفلان اتحاد، إِذا عمل كل منهما بمراد صاحبه [73].[*]قال الشيخ ابن القيم في كتابه مدارج السالكين شرح منازل السائرين: الدرجة الثالثة من درجات الفناء: فناء خواص الأولياء وأئمة المقربين، وهو الفناء عن إِرادة السوى، شائماً برق الفناءِ عن إِرادة ما سواه، سالكاً سبيل الجمع على ما يحبه ويرضاه، فانياً بمراد محبوبه منه، عن مراده هو من محبوبه، فضلاً عن إِرادة غيره، قد اتحد مراده بمراد محبوبه، أعني المراد الديني الأمري، لا المراد الكوني القدري، فصار المرادان واحداً.. ثم قال: وليس في العقل اتحاد صحيح إِلا هذا، والاتحاد في العلم والخبر. فيكون المرادان والمعلومان والمذكوران واحداً مع تباين الإِرادتين والعلمين والخبرين، فغاية المحبة اتحاد مراد المحب بمراد المحبوب، وفناء إِرادة المحب في مراد المحبوب. فهذا الاتحاد والفناء هو اتحاد خواص المحبين وفناؤهم؛ قد فَنَوْا بعبادة محبوبهم، عن عبادة ما سواه، وبحبه وخوفه ورجائه والتوكل عليه والاستعانة به والطلب منه عن حب ما سواه. ومَنْ تحقق بهذا الفناء لا يحب إِلا في الله، ولا يبغض إِلا فيه، ولا يوالي إِلا فيه، ولا يعادي إِلا فيه، ولا يعطي إِلا لله، ولا يمنع إِلا لله، ولا يرجو إِلا إِياه، ولا يستعين إِلا به، فيكون دينه كله ظاهراً وباطناً لله، ويكون الله ورسولهُ أحبَّ إِليه مما سواهما، فلا يوادُّ من حادَّ الله ورسوله ولو كان أقرب الخلق إِليه، وحقيقة ذلك فناؤه عن هوى نفسه، وحظوظها بمراضي ربه تعالى وحقوقه، والجامع لهذا كله تحقيق شهادة أن لا إِله إِلا الله علماً ومعرفة وعملاً وحالاً وقصداً، وحقيقة هذا النفي والإِثبات الذي تضمنتْهُ هذه الشهادة هو الفناء والبقاء، فيفنى عن تأله ما سواه علماً وإِقراراً وتعبداً، ويبقى بتألهه وحده، فهذا الفناء وهذا البقاء هو حقيقة التوحيد، الذي اتفقت عليه المرسلون صلوات الله عليهم، وأُنزلت به الكتب، وخلقت لأجله الخليقة، وشرعت له الشرائع، وقامت عليه سوق الجنة، وأسس عليه الخَلْق والأمر.. إِلى أن قال: وهذا الموضع مما غلط فيه كثير من أصحاب الإِرادة. والمعصوم من عصمه الله، وبالله المستعان والتوفيق والعصمة[74].[*]قال الشيخ ابن تيمية في تبرئة الصوفية من تهمة القول بالاتحاد، ومؤولا لكلامهم تأويلاً صحيحاً سليماً: ليس أحد من أهل المعرفة بالله، يعتقد حلول الرب تعالى به أو بغيره من المخلوقات، ولا اتحاده به، وإِن سُمع شيء من ذلك منقول عن بعض أكابر الشيوخ فكثير منه مكذوب، اختلقه الأفاكون من الاتحادية المباحية، الذين أضلهم الشيطان وألحقهم بالطائفة النصرانية[75].[*]وقال: وأما قول الشاعر في شعره: (أنا مَنْ أهوى، ومَنْ أهوى أنا) فهذا إِنما أراد به الشاعر الاتحاد المعنوي، كاتحاد أحد المحبّين بالآخر، الذي يحب أحدهما ما يحب الآخر، ويبغض ما يبغضه، ويقول مثل ما يقول، ويفعل مثل ما يفعل؛ وهذا تشابه وتماثل، لا اتحاد العين بالعين، إِذا كان قد استغرق في محبوبه، حتى فني به عن رؤية نفسه[76].[/LIST]يتبع... |
#5
|
|||
|
|||
أفكار أخرى [LIST][*]الكشف: هو نور يحصل للسالكين في سيرهم إِلى الله؛ يكشف لهم حجاب الحس، ويزيل دونهم أسباب المادة نتيجة لما يأخذون به أنفسهم من مجاهدة وخلوة وذكر.[*]الفراسة: والتي تختص بمعرفة خواطر النفوس وأحاديثها، يقول ابن عجيبة: الفراسة هي خاطر يهجم على القلب، أو وارد يتجلى فيه، لا يخطئ غالباً إِذا صفا القلب، وفي الحديث: (اتقوا فراسة المؤمن، فإِنه ينظر بنور الله)[77]، وهي على حسب قوة القرب والمعرفة، فكلما قوي القرب، وتمكنت المعرفة صدقت الفراسة، لأن الروح إِذا قربت من حضرة الحق لا يتجلى فيها غالباً إِلا الحق[78].[*]الإلهام: وهو ما يُلقَى في الرُّوع بطريق الفيض. وقيل: الإلهام ما وقع في القلب من علم. وهو يدعو إلى العمل من غير استدلال بآية، ولا نظر في حجة[79]. والإِلهام عندهم إِما أن يكون من قِبَلِ الله ى، أو من قبل ملائكته، يُفْهَم منه أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب.[*]العلم اللدني: ويتحدث عنه الصوفية والذي يكون في نظرهم لأهل النبوة والولاية، كما كان ذلك للخضر، حيث ورد ذلك في الآية القرآنية: (وعلمناه من لدنّا علماً).[*]النبي محمد: ويعتقدون بالأخذ عنه يقظةً ومناماً[80]. ويعتقدون بأنه باب الله ووسيلته العظمى إليه[81] وأنه بشر ولكن ليس كالبشر[82]، ويعتقدون أن محبته شرط في الطريق، لذلك يكثرون من ذكره ومن الصلاة عليه ومن مديحه وإنشاد الشعر فيه، ولهذه الأمور يكثرون من إقامة الموالد والذي يقومون فيه بالإنشاد والوعظ والتحدث في سيرته وشمائله، ولا يجيزون فيه الاختلاط ولا باقي المحرمات.[*]الشيخ المربي: لابد في التصوف من التأثير الروحي، والذي يأتي بواسطة الشيخ الذي أخذ الطريقة عن شيخه حتى تصل سلسلة التلقي في سند متصل من الشيخ إلى الرسول محمد بن عبد الله. فيقولون: من لا شيخ له فشيخه الشيطان![*]البيعة: يبايع فيه المريد المرشد، ويعاهده على السير معه في طريق التخلي عن العيوب والتحلي بالصفات الحسنة، والتحقق بركن الإحسان، والترقي في مقاماته. وهو بمثابة الوعد والعهد.[*]التبرك: وهو طلب البركة من الله، والتوسل إليه بذلك المتبَرّك به، سواء أكان أثرا أو مكانا، أو شخصا. وهذه البركة كما يعتقدون تُطلب بالتعرض لها في أماكنها بالتوجه إلى الله ودعائه. ويستدلون بالقصص الكثير الواردة بتبرك الصحابة بالنبي محمد؛ بشعره وعرقه ودمه وموضع صلاته[83].[*]التوسل: هو أحد طرق الدعاء، وباب من أبواب التوجه إلى الله، والمتوسل به إنما هو واسطة ووسيلة للتقرب إلى الله، والتوسل حسب اعتقادهم يكون بالأنبياء أو الأولياء، أو يكون بالأعمال الصالحة للإنسان، وأعظم هذه الوسائل عندهم هو النبي محمد.[*]القبور: اعتنى الصوفية بقبور الأنبياء والصالحين والأولياء، فشيّدوا حولها المساجد، وبنوا عليها القباب، وذلك حفاظا عليها من الاندثار، وضياع هذه المعالم. وأصبحوا يقصدونها طلبا للبركة، وطلبا لاستجابة الدعاء من الله عندها. ويرون أنهم بذلك متبعون لأئمة السنة، حيث يقولون بأنه وردت نصوص من هؤلاء الأئمة على جواز البناء على قبور الصالحين والأولياء. وجواز قصدها للتبرك[84].[/LIST]موقف أئمة السنة من التصوف[LIST][*]أبو حنيفة النعمان ، أبو حنيفة بالإضافة لكونه صاحب أحد المذاهب الفقهية الأربعة فهو صاحب طريقة في التصوف، قال علي الدقاق: أنا أخذت هذه الطريقة من أبي القاسم النصر أباذي وقال أبو القاسم: أنا أخذتها من الشبلي، وهو من السري السقطي، وهو من معروف الكرخي، وهو من داوود الطائي، وهو أخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة رضي الله عنه، وكل منهم أثنى عليه وأقر بفضله[85].[*]مالك بن أنس ، قال: من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقق[86].[*]محمد بن إدريس الشافعي ، قال: حبب إليّ من دنياكم ثلاث: ترك التكلف، وعشرة الخلق بالتلطف، والاقتداء بطريق أهل التصوف[87].[*]أحمد بن حنبل ، قال عن الصوفية: لا أعلم أقواماً أفضل منهم. قيل له: إنهم يستمعون ويتواجدون؟ قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة[88]. وكان الإِمام أحمد بن حنبل قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبد الله: يا ولدي عليك بالحديث، وإِياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية، فإِنهم ربما كان أحدهم جاهلاً بأحكام دينه. فلمَّا صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي، وعرف أحوال القوم، أصبح يقول لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فِإِنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة[89][90].[*]أبو حامد الغزالي ، قال: إني علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق. بل لو جُمع عقل العقلاء، وحكمة الحكماء، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء، ليغيروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم، ويبدلوه بما هو خير منه، لم يجدوا إليه سبيلاً. فإن جميع حركاتـهم وسكناتـهم، في ظاهرهم وباطنهم، مقتبسة من نور مشكاة النبوة؛ وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به. وبالجملة فماذا يقول القائلون في طريقةٍ طهارتُها - وهي أول شروطها - تطهيرُ القلب بالكلية عما سوى الله تعالى، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة استغراقُ القلب بالكلية بذكر الله، وآخرها الفناء بالكلية في الله[91].[*]العز بن عبد السلام الملقب بسلطان العلماء، وقد أخذ التصوف عن شهاب الدين عمر السهروردي، وسلك على يد الشيخ أبي الحسن الشاذلي، قال: قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تنهدم دنيا وأخرى، وقعد غيرهم على الرسوم، ومما يدلك على ذلك، ما يقع على يد القوم من الكرامات وخوارق العادات، فإِنه فرع عن قربات الحق لهم، ورضاه عنهم، ولو كان العلم من غير عمل، يرضي الحق تعالى كل الرضى، لأجرى الكرامات على أيدي أصحابهم، ولو لم يعملوا بعلمهم، هيهات هيهات[92].[*]النووي ، قال في رسالته المقاصد: أصول طريق التصوف خمسة: تقوى الله في السر والعلانية، واتباع السنة في الأقوال والأفعال، الإِعراض عن الخلق في الإِقبال والإِدبار، الرضى عن الله في القليل والكثير، والرجوع إِلى الله في السراء والضراء[93].[*]ابن تيمية ، قال عن تمسك الصوفية بالكتاب والسنة: فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، ومثل الشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ حماد، والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين، فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء، أو مشى على الماء، أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إِلى أن يموت. وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإِجماع السلف، وهذا كثير في كلامهم[94].[*]تاج الدين السبكي، قال في كتابه "معيد النعم ومبيد النقم"، تحت عنوان الصوفية: حياهم الله وبيَّأهم وجمعنا في الجنة نحن وإِياهم. وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعباً ناشئاً عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المُتلبِّسين بها، بحيث قال الشيخ أبو محمد الجويني: لا يصح الوقف عليهم لأنه لا حدَّ لهم. والصحيح صحته، وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة.. ثم تحدث عن تعاريف التصوف إِلى أن قال: والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويُستنزل الغيث بدعائهم، فوعنَّا بهم[95].[*]جلال الدين السيوطي، قال: إن التصوف في نفسه علم شريف، وإِن مداره على اتباع السنة وترك البدع، والتبرِّي من النفس وعوائدها وحظوظها وأغراضها ومراداتها واختياراتها، والتسليمِ لله، والرضى به وبقضائه، وطلبِ محبته، واحتقارِ ما سواه.. وعلمتُ أيضاً أنه قد كثر فيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم، فأدخلوا فيه ما ليس منه، فأدى ذلك إِلى إِساءة الظن بالجميع، فوجَّه أهلُ العلم للتمييز بين الصنفين ليُعلمَ أهل الحق من أهل الباطل، وقد تأملتُ الأمور التي أنكرها أئمة الشرع على الصوفية فلم أرَ صوفياً محقِّقَاً يقول بشيء منها، وإِنما يقول بها أهل البدع والغلاةُ الذين ادَّعَوْا أنهم صوفية وليسوا منهم[96].[*]ابن عابدين، وقد تحدَّثَ عن البدع الدخيلة على الدين مما يجري في المآتم والختمات من قِبل أشخاص تزيَّوْا بزِي العلم، وانتحلوا اسم الصوفية، ثم استدرك الكلام عن الصوفية الصادقين حتى لا يُظن أنه يتكلم عنهم عامة فقال: ولا كلام لنا مع الصُدَّقِ من ساداتنا الصوفية المبرئين عن كل خصلة رديَّة، فقد سُئل إِمامُ الطائفتين الجنيد: إِن أقواماً يتواجدون ويتمايلون؟ فقال: دعوهم مع الله تعالى يفرحون، فإِنهم قوم قطَّعت الطريقُ أكبادَهم، ومزَّق النصبُ فؤادَهم، وضاقوا ذرعاً فلا حرج عليهم إِذا تنفسوا مداواةً لحالهم، ولو ذُقْتَ مذاقهم عذرتهم في صياحهم[97].[/LIST]المراجع والمصادر[LIST=1][*]^العربية نت: الداعية السعودي عبد الله فدعق: الصوفية الركن الثالث في الدين الإسلامي تاريخ الوصول: 11 يونيو 2010[*]^ حديث رواه مسلم في صحيحه.[*]^ قال ابن عطاء الله السكندري في الحكم العطائية : وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به، وإلا فجَلَّ ربُّنا أن يتصل به شيء، أو يتصل هو بشيء.[*]^ من كتاب حقائق عن التصوف، تأليف: عبد القادر عيسى، ص25.[*]^ البيروني، "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة"[*]^ غازي، محمد جميل، "الصوفية الوجه الآخر"، ص47[*]^ محيي الدين ابن عربي، الفتوحات المكية في معرفة الأسرار المالكية والملكية، 2/266[*]^ على هامش الرسالة القشيرية ص7.[*]^ قواعد التصوف، تأليف: أحمد زروق، قاعدة 13 ص 6.[*]^ قواعد التصوف، تأليف: أحمد زروق، ص2.[/LIST]
المصدر. |
#6
|
|||
|
|||
طرق الصوفية
الطرق الصوفية، هي مدارس في التزكية والتربية متفرعة من بعضها ومرتبطة بواسطة السند المتصل، وهي ليست فرقاً إسلامية، وجميعها تتبنى عقيدة أهل السنة والجماعة من الأشاعرةوالماتريدية، وتتبع أحد المذاهب الأربعة السنية. والاختلاف بينها إنما هو في طريقة التربية والسلوك إلى الله.[بحاجة لمصدر] تعريف الطريق لغة: هي السيرة، وطريقة الرجل: مذهبه، يقال: هو على طريقة حسنة وطريقة سيئة. واصطلاحا: اسم لمنهج أحد العارفين في التزكية والتربية والأذكار والأوراد أخذ بها نفسه حتى وصل إلى معرفة الله، فينسب هذا المنهج إليه ويعرف باسمه، فيقال الطريقة الشاذلية والقادرية والرفاعية نسبة لرجالاتها. واسم الطريقة مقتبس من القرآن في الآية: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾«72:16». اختلاف الطرق تختلف الطرق التي يتبعها مشايخ الطرق في تربية طلابها ومريديها باختلاف مشاربهم واختلاف البيئة الاجتماعية التي يظهرون فيها، وكل هذه الأساليب لا تخرج عن كتاب الله وسنة رسوله، بل هي من باب الاجتهاد المفتوح للأمة. ولذلك قيل: لله طرائق بعدد أنفاس الخلائق؛ [LIST][*]فقد يسلك بعض المشايخ طريق الشدة في تربية المريدين فيأخذونهم بالرياضات العنيفة ومنها كثرة الصيام والسهر وكثرة الخلوة والاعتزال عن الناس وكثرة الذكر والفكر.[*]وقد يسلك بعض المشايخ طريقة اللين في تربية المريدين فيأمرونهم بممارسة شيء من الصيام وقيام مقدار من الليل وكثرة الذكر، ولكن لا يلزمونهم بالخلوة والابتعاد عن الناس إلا قليلا.[*]ومن المشايخ من يتخذ طريقة وسطى بين الشدة واللين في تربية المريدين.[/LIST]وللطرق الصوفية شارات وبيارق وألوان يتميزون بها: فيتميز السادة الرفاعية باللون الأسود. ويتميز السادة القادرية باللون الأخضر. ويتميز السادة الأحمدية باللون الأحمر. أما السادة البرهانية فإنها لا تتميز بلون واحد كسائر الطرق بل تتميز بثلاث ألوان: الأبيض الذي تميز به السيد إبراهيم الدسوقي، والأصفر الذي تميز به الإمام أبو الحسن الشاذلي ومنحه لابن أخته السيد إبراهيم الدسوقى، والأخضر وهو كناية عن شرف الانتساب لأهل بيت رسول اللهمحمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. بداية ظهور الطرق الصوفية ويرجع أصل الطرق الصوفية إلى عهد رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يخصّ كل من الصحابة بورد يتفق مع درجته وأحواله: [LIST][*]أما الصحابي علي بن أبي طالب، فقد أخذ من النبى الذكر بالنفى والإثبات وهو (لا إله إلا الله).[*]وأما الصحابي أبو بكر الصديق، فقد أخذ عنه الذكر بالاسم المفرد (الله).[/LIST]ثم أخذ عنهما من التابعين هذه الأذكار وسميت الطريقتين: بالبكرية والعلوية. ثم نقلت الطريقتين حتى إلتقتا عند الإمام أبوالقاسم الجنيد. ثم تفرعتا إلى الخلوتية،والنقشبندية. واستمر الحال كذلك حتى جاء الأقطاب الأربعة السيد أحمد الرفاعى والسيد عبد القادر الجيلانى والسيد أحمد البدوي والسيد إبراهيم القرشى الدسوقى وشيّدوا طرقهم الرئيسية الأربعة وأضافوا إليها أورادهم وأدعيتهم. وتوجد اليوم طرق عديدة جدًا في أنحاء العالم ولكنها كلها مستمدة من هذه الطرق الأربعة. إضافة إلى أوراد السيد أبو الحسن الشاذلى صاحب الطريقة الشاذلية والتي تعتبر أوراده جزءًا من أوراد أى طريقة موجودة اليوم. السلسلة العظيميةقلندر بابا أولياء1399هـباكستانوروسياوالبحرينوالإمارات العربية المتحدةوالمملكة المتحدةوكنداوإندونيسياوالولايات المتحدة الأمريكيةوأستراليا الطريقة القادرية نسبة إلى عبد القادر الجيلاني (471 هـ - 561هـ)، وينتشر أتباعها اليوم في بلاد الشاموالعراقومصر وشرق أفريقياوالسودان. وقد كان لرجالها الأثر الكبير في نشر الإسلام في قارة أفريقياوآسيا، وفي الوقوف في وجه المد الأوروبي الزاحف إلى المغرب العربي. الطريقة القادرية البوتشيشية نسبة إلى سيدي علي بن محمد الذي حمل لقب "سيدي علي بودشيش" لكونه كان يطعم الناس ـأيام المجاعةـ طعام "الدشيشة" بزاويته. وتنتشر هذه الطريقة في الجزائروالمغرب. الطريقة القادرية العركية نسبة إلى عبد الله العركي المولود في القرن العاشر الهجرى 923 هـ والمتوفى عام 1019 هـ فقيه الحرمين وأستاذ المذهب المالكي في الحرم المكي الشريف. وهي من أكبر الطرق الصوفية في السودان ومقرها في مدينتي أبو حرازوطيبة الشيخ عبد الباقي في ولاية الجزيرة بالسودان ويمثلها آل بيت رسول الله من السادة الأشراف العركية. الطريقة الرفاعية نسبة إلى أبي العباس أحمد بن علي الرفاعي ويطلق عليها البطائحية نسبة إلى مكان ولاية بالقرب من قرى البطائحبالعراق. الطريقة المعينية نسبة إلى الشيخ ماء العينين وهي منتشرة في المغربوموريتانياوالسنغالوالسودان وكان لهذه الطريقة الدور الكبير في انتشار الاسلام في ربوع افريقيا والوقوف امام المد الانجليزيوالفرنسيوالاسبانيبالمغربوموريتانيا حيث استنفر الشيخ ماء العينينالناسللجهاد الطريقة الأحمدية أو البدوية نسبة إلى أحمد البدوي والذي يمسى "شيخ العرب" 634هـ ولد بفاس، حج ورحل إلى العراق، واستقر في طنطا حتى وفاته. وأتباع طريقته منتشرون في بعض محافظات مصر، ولهم فيها فروع كالبيوميةوالشناويةوأولاد نوحوالشعبيةوآل رمضان وهم المعتدلون السنيون الأحمديون نسبة لشيخهم محمد عبد الهادي رمضان ,والشيخ شعبان أحمد رمضان ومقرهم بمركز شبراخيت محافظة البحيرة بجمهورية مصر العربية وهم ينتسبون لآل بيت رسول الله فهم أولاد السبط الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم. وشعارهم (وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا)وذكرهم: كلمة التوحيد، والدعاء، والصلاة علي النبي محمد صلي الله عليه وسلم. وانتشرت طريقته من مصر إلى أقطار العالم الإسلامي مثل تركياوليبياوالسودان وغيرها من الدول العربية والاوربية والاسيوية. الطريقة الدسوقية نسبة إلى إبراهيم الدسوقي676هـ المدفون بمدينة دسوق في مصر. الطريقة الأكبرية نسبة إلى الشيخ محيي الدين بن عربي الملقب بالشيخ الأكبر 638هـ، وتقوم طريقته على عقيدة التوحيد والصمت والعزلة والجوع والسهر، ولها ثلاث صفات: [LIST][*]الصبر على البلاء.[*]الشكر على الرخاء[*]الرضا بالقضاء.[/LIST]الطريقة الشاذلية نسبة إلى أبي الحسن الشاذلي، يشتهر أتباعها بالذكر المفرد الله والضمير العائد على الله هو، ويفضلون اكتساب العلوم عن طريق الذوق وهو تلقي الأرواح للأسرار الطاهرة في الكرامات وخوارق العادات، كذلك معرفة الله معرفة يقينية، ولايحصل ذلك إلا عن طريق الذوق أو الكشف. يمتدحون السماع وهو سماع الأناشيد والأشعار المحرضة على جهاد النفس والعدو. تفرعت عن الشاذلية طرق عدة، منها: الطريقة الغظفية نسبة إلى الشيخ محمد الأغظف الداودي المتوفى سنة 1210 هـ، والغظفية طريقة خاصة بموريتانيا تركز على العمل والإنتاج والتقشف والجلد. من أكبر ممثليها ومشايخها الشيخ عبد الله بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي ورث المشيخة والمريدين والورد عن أبيه. الطريقة العلاوية نسبة إلى أحمد العلاوي ومن بعده سيدي المداني ومن بعده سيدي إسماعيل الهادفي في تونس ثم حاليا بلقاسم بلخيري بالرديف. وهذه الطريقة يتم فيها اتباع الشيخ وهو حي حتى ينهل منه مريدوا الطريق ويأخذ بايديهم في سيرهم. الطريقة الزيانية نسبة إلى الشيخ سيدي امحمد ابن ابي زيان، حيث قال: من اكتفى بالعلم دون الاتصال بالحقيقة انقطع، ومن اكتفى بالعبادة دون ورع انغر، ومن قام بما يجب عليه من الاحكام نجا. سيدي امحمد بن ابي زيان هو ا محمد بن عبد الرحمان بن محمد بن أبي زيان بن عبد الرحمان بن أحمد بن عثمان بن مسعود بن عبد الله الغزواني بن سعيد من موسى بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أحمد بن عبد السلام بن مشيش بن أبي بكر بن علي بن حرمه بن سلام بن عيسى بن مزوار بن على حيدرة بن محمد بن إدريسر بن إدريسر بن الحسن الثنى بن حسن السطي بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وفاطمة الزهرا ء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الطريقة القاسمية الشاذلية وهذه الطريقة تنتسب إلى الشيخ أبي الحسن الشاذلي-مؤسس الطريقة في مصر هو الشيخ محمد كشك الدي ينتسب الي الامام الحسن ابن الامام علي ابن ابي طالب كرم الله وجهة والمدفون بضاحية الخليفة بالقاهرة وانتقلت خلافة الطريقة الي احفادةالاشراف آل البراموني والشيخ الحالي هو الشريف سمير عبد الحميد البراموني. الطريقة البكتاشية هي الطريقة التي كانت تنتشر بين الإنكشارية، وهي لا تزال منتشرة في ألبانيا، وكان لهذه الطريقة أثر بارز في نشر الإسلام بين الأتراك والمغول. الطريقة المولوية أنشأها الشاعر الافغاني جلال الدين الرومي672هـ والمدفون بقونية، أصحابها يتميزون بإدخال الرقص والإيقاعات في حلقات الذكر، وقد انتشروا في تركيا وغرب آسيا، ولم يبق لهم في الأيام الحاضرة إلا بعض التكايا في تركيا وحلب وفي بعض أقطار المشرق. الطريقة النقشبندية تنسب إلى الشيخ بهاء الدين محمد بن البخاري الملقب بشاه نقشبند 791هـ، وهي طريقة تشبه الطريقة الشاذلية. انتشرت في فارس وبلاد الهند وبين الأكراد ولها وجود في مصر. الطريقة الملامتية مؤسسها أبو صالح حمدون بن عمار المعروف بالقصار[5] المتوفى 271 هـ. الطريقة التيجانية نسبة إلى أبو العباس أحمد التيجاني المولود عام 1230هـبالجزائر، بدأت هذه الطريقة في مدينة أبي سمغون وصار لها أتباع في الجزائر والمغرب وتونس ومصر وفلسطين والشام والسودان (دارفور) والسنغال ونيجيريا. الطريقه الختميه نسبة إلى محمد عثمان الميرغنى الختم وهي أسرة من أشراف مكة أرخ لهامرتضى الزبيدي والجبرتي في تاريخه وأحمد بن إدريس في الإبانة النورية وغيرهم وتلقى السيد محمد عثمان علومه الدينية بمكة على يد علمائها وعلى رأسهم السيد محمد يس إمام الحرم في حينها ومفتي الحجاز ثم تتلمذ على يد السيد الشريف أحمد بن أدريس حتى أسس طريقته المعروفة بالختمية.وهي من أهم الطرق الصوفيه بمصر والسودان وتنتشر هذه الطريقه شرق القاره الافريقيه وغربها واوسطها وشمالها. يرجع الفضل لهذه الطريقه في إدخال معظم أهل السودان وأريتريا إلى الإسلام كما يتبعها أهالي النيجر والجزائر والمغرب هذه الطريقه. مصادر[LIST=1][*]^Tariqa Burhaniya in Africa[*]^Tariqa Burhaniya in Asia[*]^الطريقة البرهانية الدسوقية في أوربا[*]^The Tariqa Burhaniya in North America[*]^ طبقات الصوفية، تأليف: أبو عبد الرحمن السلمي، ص109، دار الكتب العلمية، ط2003.[/LIST][LIST=1][*]^Tariqa Burhaniya in Africa[*]^Tariqa Burhaniya in Asia[*]^الطريقة البرهانية الدسوقية في أوربا[*]^The Tariqa Burhaniya in North America[*]^ طبقات الصوفية، تأليف: أبو عبد الرحمن السلمي، ص109، دار الكتب العلمية، ط2003.[/LIST]المصدر. |
#7
|
|||
|
|||
[frame="15 98"]
[align=center] الصوفية وطرقها. للشيخ ممدوح بن علي الحربي ـ حفظه الله ـ. للتحميل أو الاستماع مباشرة اضغط هنا [/align] [/frame] |
#8
|
|||
|
|||
نشأة الصوفية التصوف تصورات دينية انتشرت في العالم الاسلامي في بداية الأمر كنزعات فردية تدعو إلى العبادة و الزهد فى الحياة، وذلك كرد فعل لزيادة الفساد واالترف الحضاري. ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا وحركات منظمة ومعروفة باسم الصوفية. ولا شك ان ما يدعو اليه الصوفية من الزهد والورع والتوبة والرضا, انما هي أمور من الاسلام الذي يحث على التمسك بها والعمل من اجلها, فالمتصوفة يتوخون تربية النفس والسمو بها بغية الوصول الى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية. وقد تنوعت وتباينت آراء الناس وتوجهاتهم نحو تلك الحركة لأن ظاهرها لا يدل على باطنها. جميع المؤرخون يتفقون على ان التصوف نشأ وترعرع في العراق، حيث برزت أسماء كبرى قد ساهمت بتأسيسه، منها: داود بن نصير الطائي، رابعة العدوية، معروف الكرخي، السري السقطي، الجنيد البغدادي، وغيرهم الكثيرون([1]). ولكن اختلفت آراء الباحثين حول الكيفية التى بدأ بها التصوف فى العراق وفى غيره من الدول ، وكذلك عن التوقيت بالتحديد ، على عدة آراء : 1- رأى يقول أن التصوف الاسلامي، هو امتداد طبيعي لعقيدة (وحدة الوجود العرفانية) التي بدأت تنتشر في الشرق الاوسط، بالذات في العراق والشام ومصر، منذ القرن الثالث قبل الميلاد. وهي عقيدة تحاول ان تمزج بين (روحانية الشرق الآسيوي ومنطق الاغريق). فبعد سقوط آخر دولة عراقية في القرن السادس قبل الميلاد على يد الفرس، واحتلال الشام ومصر من قبل الاغريق ثم الرومان، بدأ يتغلغل في هذه البلدان تياران دينيان جديدان: التيار الديني الآسيوي(الهندي الصيني) المتضمن (عقيدة وحدة الوجود)عن طريق ايران، ثم التيار الفكري اليوناني (علم المنطق) عن طريق الاغريق أنفسهم ثم الرومان. لقد امتزج هذان التياران الجديدان مع ديانة عبادة الكواكب العراقية وديانة البعل الشامية وديانة خلود الآخرة المصرية. نتج من هذا مزيج يجمع بين (عقيدة وحدة الوجود الآسيوية) و(المنطق الاغريقي) و(عقيدة المهدي ـ المسيح ـ المخلص) العراقية، وعقيدة (الخلود الآخروي) المصرية. تجدر الإشارة، إلى أن (مفهوم وحدة الوجود) في أصله هو مذهب آسيوي واضح الحضور في الأديان الصينية والهندية، مثل البوذية والتاوية والهندوسية. بينما أديان البحر المتوسط ( بضفتيه الأوربية والشرقية) هي بطبعها أديان ثنائية تميز بصورة واضحة بين(الخالق والمخلوق). فالديانة العراقية القديمة وكذلك المصرية والشامية، بالاضافة الى الأديان السماوية، جميعها بدرجات مختلفة تعتبر القوى الالهية مقيمة في السماء العليا ومنفصلة جوهرياً عن مخلوقاتها على الارض . 2- ورأى يقول أنه كدأب أي انحراف يبدأ صغيراً، ثم ما يلبث أن يتسع مع مرور الأيام، فقد تطور مفهوم الزهد في الكوفة والبصرة في القرن الثاني للهجرة على أيدي كبار الزهاد أمثال: إبراهيم بن أدهم، مالك بن دينار، وبشر الحافي، ورابعة العدوية، وعبد الواحد بن زيد، إلى مفهوم لم يكن موجوداً عند الزهاد السابقين من تعذيب للنفس بترك الطعام، وتحريم تناول اللحوم، والسياحة في البراري والصحاري، وترك الزواج. يقول مالك بن دينار: "لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، ويأوي إلى مزابل الكلاب". وذلك دون سند من قدوة سابقة أو نص من كتاب أو سنة، ولكن مما يجدر التنبيه عليه أنه قد نُسب إلى هؤلاء الزهاد من الأقوال المرذولة والشطحات المستنكرة ما لم يثبت عنهم بشكل قاطع كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية . ـ وفي الكوفة أخذ معضد بن يزيد العجلي هو وقبيلُه يروِّضون أنفسهم على هجر النوم وإدامة الصلاة، حتى سلك سبيلهم مجموعة من زهاد الكوفة، فأخذوا يخرجون إلى الجبال للانقطاع للعبادة، على الرغم من إنكار ابن مسعود عليهم في السابق . ـ وظهرت من بعضهم مثل رابعة العدوية أقوال مستنكرة في الحب والعشق الإلهي للتعبير عن المحبة بين العبد وربه، وظهرت تبعاً لذلك مفاهيم خاطئة حول العبادة من كونها لا طمعاً في الجنة ولا خوفاً من النار مخالفةً لقول الله تعالى: (يَدْعُونَنا رَغَباً ورَهَباً). ـ يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية هذا التطور في تلك المرحلة بقوله: "في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام ، والتصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة، فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء، وظهر أحمد بن علي الهجيمي ت200هـ، تلميذ عبد الواحد بن زيد تلميذ الحسن البصري، وكان له كلام في القدر، وبنى دويرة للصوفية ـ وهي أول ما بني في الإسلام ـ أي داراً بالبصرة غير المساجد للالتقاء على الذكر والسماع ـ صار لهم حال من السماع والصوت ـ إشارة إلى الغناء. وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل، وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين". ومنذ ذلك العهد أخذ التصوف عدة أطوار . 3- إنَّ الثابتَ مِن الكتب التي كتبها كثيرٌ مِن المعاصرين عن الصوفية، ومِن القدماء: أنَّ أولَّ مَن أسَّـس التصوف هم: الشيعة، وأنَّ هناك – بالذات - رجليْن كانا لهما دورٌ في ذلك : الأول: يسمَّى عبدك ، والثاني: يسمَّى أبو هاشم الكوفي الصوفي المتوفى سنة (150هـ)، أو " أبوهاشم الشيعي" ، فهما اللذان أسَّـسا دين التصوف . فالصوفية أجمع هي وليدة التشيع .. بدأت حركة زهدية علماً "أن الزهد في المشرق [والآن أضف المغرب] إنما تطوّر إلى تصوّف على أيدي الزهاد الفرس الذين يمثلون عصب التشيع ودمه الفوّار" ([2]) . 4- ظهر مصطلح التصوف والصوفية أول ما ظهر في الكوفة بسبب قُربها من بلاد فارس، والتأثُّر بالفلسفة اليونانية بعد عصر الترجمة، ثم بسلوكيات رهبان أهل الكتاب، حيث إن التيارات العرفانية كانت سائدة بين العراقيين قبل الاسلام، مثل(المندائية) و(المانوية) و(التنسك المسيحي). وقد بلغ التصوف ذروته في نهاية القرن الثالث الهجري. وواصلت الصوفية انتشارها في العراق ثم إيران ومصر والمغرب, وظهرت من خلالها الطرق الصوفية . نشأة الطرق الصوفية: وضع أبو سعيد محمد أحمد الميهي الصوفي الإيراني430هـ أول هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلا عن طريق الوراثة . ويذهب مؤلف موسوعة الصوفية "عبد المنعم الحفني" وغيره إلى أن عبد القادر الجيلاني، صاحب الطريقة القادرية (471ـ 561هـ)، هو أول من نادى بالطرق الصوفية وأسسها وكانت الرفاعية هي ثاني طريقة، وتلت هذه الطريقة المولوية المنسوبة إلى الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي ... وتنتشر في العالم اليوم مئات الطرق، إضافة إلى طرق كثيرة اندثرت، وقد أحصى مؤلف "الموسوعة الصوفية" أسماء 300 طريقة صوفية في عدد بسيط من الدول الإسلامية، ناهيك عن الدول الأخرى . "ويمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها، حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت الطريقة القادرية ... كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي (ت 540هـ)... وفي هذا القرن ظهرت شطحات وزندقة السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح محيي الدين بن حسن (549ـ 587هـ) صاحب مدرسة الإشراف الفلسفية . وفي تلك المرحلة، وفي مراحل أخرى برز عدد كبير من رموز الصوفية من ذوي الأصول الفارسية مثل الحلاج والبسطامي والسهروردي والغزالي وغيرهم الكثير ممن اعتبروا مرجعاً ورمزاً لجميع المتصوفة حتى يومنا هذا. كما أن كتب وأفكار شيوخ الصوفية القدامى هي التي تسير عليها الطرق الصوفية اليوم([3]). هذا وقد تنازع العلماء والمؤرخون في أول مَن تسمَّى بالصوفى. على أقوال ثلاثة([4]) : أ ـ قول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه: أن أول من عُرف بالصوفي هو أبو هاشم الشيعى الكوفي ت150هـ بالشام بعد أن انتقل إليها، وكان معاصراً لسفيان الثوري ت 155هـ. وكان معاصراً لجعفر الصادق وينسب إلى الشيعة الأوائل، ويسميه الشيعة مخترع الصوفية. وهو الذي بنى زاوية في مدينة الرملة بفلسطين وكان أبو هاشم حلولياً دهرياً يقول بالحلول والاتحاد . ب ـ يذكر بعض المؤرخين أن عبدك ـ عبد الكريم أو محمد ـ المتوفى سنة 210هـ هو أول من تسمى بالصوفي، ويذكر عنه الحارث المحاسبي أنه كان من طائفة نصف شيعية تسمي نفسها صوفية تأسست بالكوفة. بينما يذكر الملطي في التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع أن عبدك كان رأس فرقة من الزنادقة الذين زعموا أن الدنيا كلها حرام، لا يحل لأحد منها إلا القوت، حيث ذهب أئمة الهدى، ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل، وإلا فهي حرام، ومعاملة أهلها حرام. جـ ـ يذهب ابن النديم في الفهرست إلى أن جابر بن حيان تلميذ جعفر الصادق والمتوفى سنة 208هـ أول من تسمى بالصوفي، والشيعة تعتبره من أكابرهم، والفلاسفة ينسبونه إليهم . المصدر : موقع الصوفية ------------------------------------------------- [1] - الإسلام الصوفي العراقي/ عن مجلة ميزوبوتاميا ـ جنيف . http://www.mesopotamia4374.com / . [2] - مقال (( صوفية المغرب يتهمون صوفية المشرق بالتشيع !! )) / موقع صيد الفوائد . [3] - شبكة الراصد الإسلامية http://www.alrased.net . [4] - نفس المصدر . المصدر. |
#9
|
|||
|
|||
صوفية العراق يكتسب الحديث عن الصوفية فى العراق أهمية خاصة، لاسيما وأنه قد اتفقت آراء الباحثين على أن التصوف صناعة هندية وصينية وفارسية ( زرادشتية ) قبل الإسلام بقرون، وأن عبوره إلى العرب كان عبر العراق، بالإضافة إلى تلك الآراء التى تبين أن التصوف بعد الإسلام كان منشأه أساسا من العراق خاصة فى البصرة والكوفة. فى الوقت الذى تقدر فيه بعض الأوساط عدد الصوفية بأكثر من ثلاثة ملايين . لذا فالحديث عن التصوف العراقى ومنشأه وأهم طرقه وشخصياته يعطينا تصور واضح عن حقيقة الصوفية بصفة عامة بصورة تخترق حدود الزمان والمكان، وتجعلنا نقف على زيف ادعاءاتهم وشطحاتهم ، وكذلك تعيننا على تكوين صورة متكاملة عن أوضاع الصوفية وماهيتها . النشأة: التصوف تصورات دينية انتشرت في العالم الاسلامي في بداية الأمر كنزعات فردية تدعو إلى العبادة و الزهد فى الحياة ، وذلك كرد فعل لزيادة الفساد واالترف الحضاري. ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا وحركات منظمة ومعروفة باسم الصوفية. ولا شك ان ما يدعو اليه الصوفية من الزهد والورع والتوبة والرضا, انما هي أمور من الاسلام الذي يحث على التمسك بها والعمل من اجلها, فالمتصوفة يتوخون تربية النفس والسمو بها بغية الوصول الى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية. وقد تنوعت وتباينت آراء الناس وتوجهاتهم نحو تلك الحركة لأن ظاهرها لا يدل على باطنها. جميع المؤرخون يتفقون على ان التصوف نشأ وترعرع في العراق، حيث برزت اسماء كبرى قد ساهمت بتأسيسه، منها: داود بن نصير الطائي، رابعة العدوية، معروف الكرخي ، السري السقطي، الجنيد البغدادي، وغيرهم الكثيرون ([1]). ولكن اختلفت آراء الباحثين حول الكيفية التى بدأ بها التصوف فى العراق وفى غيره من الدول ، وكذلك عن التوقيت بالتحديد ، على عدة آراء : 1- رأى يقول أن التصوف الاسلامي، هو امتداد طبيعي لعقيدة (وحدة الوجود العرفانية) التي بدأت تنتشر في الشرق الاوسط، بالذات في العراق والشام ومصر، منذ القرن الثالث قبل الميلاد. وهي عقيدة تحاول ان تمزج بين (روحانية الشرق الآسيوي ومنطق الاغريق). فبعد سقوط آخر دولة عراقية في القرن السادس قبل الميلاد على يد الفرس، واحتلال الشام ومصر من قبل الاغريق ثم الرومان، بدأ يتغلغل في هذه البلدان تياران دينيان جديدان: التيار الديني الآسيوي(الهندي الصيني) المتضمن (عقيدة وحدة الوجود)عن طريق ايران، ثم التيار الفكري اليوناني (علم المنطق) عن طريق الاغريق أنفسهم ثم الرومان. لقد امتزج هذان التياران الجديدان مع ديانة عبادة الكواكب العراقية وديانة البعل الشامية وديانة خلود الآخرة المصرية. نتج من هذا مزيج يجمع بين (عقيدة وحدة الوجود الآسيوية) و(المنطق الاغريقي) و(عقيدة المهدي ـ المسيح ـ المخلص) العراقية، وعقيدة (الخلود الآخروي) المصرية. تجدر الإشارة، إلى أن (مفهوم وحدة الوجود) في أصله هو مذهب آسيوي واضح الحضور في الأديان الصينية والهندية، مثل البوذية والتاوية والهندوسية. بينما أديان البحر المتوسط ( بضفتيه الأوربية والشرقية) هي بطبعها أديان ثنائية تميز بصورة واضحة بين(الخالق والمخلوق). فالديانة العراقية القديمة وكذلك المصرية والشامية، بالاضافة الى الأديان السماوية، جميعها بدرجات مختلفة تعتبر القوى الالهية مقيمة في السماء العليا ومنفصلة جوهرياً عن مخلوقاتها على الارض . 2- ورأى يقول أنه كدأب أي انحراف يبدأ صغيراً، ثم ما يلبث أن يتسع مع مرور الأيام، فقد تطور مفهوم الزهد في الكوفة والبصرة في القرن الثاني للهجرة على أيدي كبار الزهاد أمثال: إبراهيم بن أدهم، مالك بن دينار، وبشر الحافي، ورابعة العدوية، وعبد الواحد بن زيد، إلى مفهوم لم يكن موجوداً عند الزهاد السابقين من تعذيب للنفس بترك الطعام، وتحريم تناول اللحوم، والسياحة في البراري والصحاري، وترك الزواج. يقول مالك بن دينار: "لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، ويأوي إلى مزابل الكلاب". وذلك دون سند من قدوة سابقة أو نص من كتاب أو سنة، ولكن مما يجدر التنبيه عليه أنه قد نُسب إلى هؤلاء الزهاد من الأقوال المرذولة والشطحات المستنكرة ما لم يثبت عنهم بشكل قاطع كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية . ـ وفي الكوفة أخذ معضد بن يزيد العجلي هو وقبيلُه يروِّضون أنفسهم على هجر النوم وإدامة الصلاة، حتى سلك سبيلهم مجموعة من زهاد الكوفة، فأخذوا يخرجون إلى الجبال للانقطاع للعبادة، على الرغم من إنكار ابن مسعود عليهم في السابق . ـ وظهرت من بعضهم مثل رابعة العدوية أقوال مستنكرة في الحب والعشق الإلهي للتعبير عن المحبة بين العبد وربه، وظهرت تبعاً لذلك مفاهيم خاطئة حول العبادة من كونها لا طمعاً في الجنة ولا خوفاً من النار مخالفةً لقول الله تعالى: (يَدْعُونَنا رَغَباً ورَهَباً). ـ يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية هذا التطور في تلك المرحلة بقوله: "في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام ، والتصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة، فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء، وظهر أحمد بن علي الهجيمي ت200هـ، تلميذ عبد الواحد بن زيد تلميذ الحسن البصري، وكان له كلام في القدر، وبنى دويرة للصوفية ـ وهي أول ما بني في الإسلام ـ أي داراً بالبصرة غير المساجد للالتقاء على الذكر والسماع ـ صار لهم حال من السماع والصوت ـ إشارة إلى الغناء. وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل، وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين". ومنذ ذلك العهد أخذ التصوف عدة أطوار . 3- إنَّ الثابتَ مِن الكتب التي كتبها كثيرٌ مِن المعاصرين عن الصوفية، ومِن القدماء: أنَّ أولَّ مَن أسَّـس التصوف هم: الشيعة، وأنَّ هناك – بالذات - رجليْن كانا لهما دورٌ في ذلك : الأول: يسمَّى عبدك ، والثاني: يسمَّى أبو هاشم الكوفي الصوفي المتوفى سنة (150هـ)، أو أبو هاشم الشيعي ، فـعبدك ، وأبو هاشم هؤلاء هما اللذان أسَّـسا دين التصوف . فالصوفية أجمع هي وليدة التشيع .. بدأت حركة زهدية علماً "أن الزهد في المشرق [والآن أضف المغرب] إنما تطوّر إلى تصوّف على أيدي الزهاد الفرس الذين يمثلون عصب التشيع ودمه الفوّار" ([2]) . 4- ظهر مصطلح التصوف والصوفية أول ما ظهر في الكوفة بسبب قُربها من بلاد فارس، والتأثُّر بالفلسفة اليونانية بعد عصر الترجمة، ثم بسلوكيات رهبان أهل الكتاب، وهذا امر معقول، حيث إن التيارات العرفانية كانت سائدة بين العراقيين قبل الاسلام، مثل(المندائية) و(المانوية) و(التنسك المسيحي). وقد بلغ التصوف ذروته في نهاية القرن الثالث الهجري. وواصلت الصوفية انتشارها في العراق ثم ايران ومصر والمغرب, وظهرت من خلالها الطرق الصوفية . نشأة الطرق الصوفية: وضع أبو سعيد محمد أحمد الميهي الصوفي الإيراني430هـ أول هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلا عن طريق الوراثة . ويذهب مؤلف موسوعة الصوفية "عبد المنعم الحفني" وغيره إلى أن عبد القادر الجيلاني، صاحب الطريقة القادرية (471ـ 561هـ)، هو أول من نادى بالطرق الصوفية وأسسها وكانت الرفاعية هي ثاني طريقة، وتلت هذه الطريقة المولوية المنسوبة إلى الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي ... وتنتشر في العالم اليوم مئات الطرق، إضافة إلى طرق كثيرة اندثرت، وقد أحصى مؤلف "الموسوعة الصوفية" أسماء 300 طريقة صوفية في عدد بسيط من الدول الإسلامية، ناهيك عن الدول الأخرى . "ويمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها، حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت الطريقة القادرية ... كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي (ت 540هـ)... وفي هذا القرن ظهرت شطحات وزندقة السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح محيي الدين بن حسن (549ـ 587هـ) صاحب مدرسة الإشراف الفلسفية . وفي تلك المرحلة، وفي مراحل أخرى برز عدد كبير من رموز الصوفية من ذوي الأصول الفارسية مثل الحلاج والبسطامي والسهروردي والغزالي وغيرهم الكثير ممن اعتبروا مرجعاً ورمزاً لجميع المتصوفة حتى يومنا هذا. كما أن كتب وأفكار شيوخ الصوفية القدامى هي التي تسير عليها الطرق الصوفية اليوم([3]). هذا وقد تنازع العلماء والمؤرخون في أول مَن تسمَّ بالصوفى. على أقوال ثلاثة([4]) : أ ـ قول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه: أن أول من عُرف بالصوفي هو أبو هاشم الشيعى الكوفي ت150هـ بالشام بعد أن انتقل إليها، وكان معاصراً لسفيان الثوري ت 155هـ. وكان معاصراً لجعفر الصادق وينسب إلى الشيعة الأوائل، ويسميه الشيعة مخترع الصوفية. وهو الذي بنى زاوية في مدينة الرملة بفلسطين وكان أبو هاشم حلولياً دهرياً يقول بالحلول والاتحاد . ب ـ يذكر بعض المؤرخين أن عبدك ـ عبد الكريم أو محمد ـ المتوفى سنة 210هـ هو أول من تسمى بالصوفي، ويذكر عنه الحارث المحاسبي أنه كان من طائفة نصف شيعية تسمي نفسها صوفية تأسست بالكوفة. بينما يذكر الملطي في التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع أن عبدك كان رأس فرقة من الزنادقة الذين زعموا أن الدنيا كلها حرام، لا يحل لأحد منها إلا القوت، حيث ذهب أئمة الهدى، ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل، وإلا فهي حرام، ومعاملة أهلها حرام. جـ ـ يذهب ابن النديم في الفهرست إلى أن جابر بن حيان تلميذ جعفر الصادق والمتوفى سنة 208هـ أول من تسمى بالصوفي، والشيعة تعتبره من أكابرهم، والفلاسفة ينسبونه إليهم . جغرافية التصوف في العراق([5]) : من قمة جبل" قلندر" في منطقة " ميركه سور" التابعة لمحافظة " أربيل "حيث مرقد " قلندر" على الحدود التركية. إلى مدينة الزبير أقصى الجنوب قرب الحدود الكويتية حيث مرقد الحسن البصري لا توجد مدينة عراقية من شماله إلى جنوبه لا تحتوي على مرقد - لشيخ صوفي أوتكية للدراويش . 1- فمن الموصل حيث بلدة النبي "يونس ـ عليه السلام ـ " والشيخ "علي الهكاري" . 2- والسليمانية حيث بلدة الشيخ "كاكه حسن" والشيخ "عبد الكريم الكسنـزان" والشيخ "عبد القادر الكسنـزاني" حيث بيته في "إمام قاسم" وتكاياه ومدارسه . 3- و محافظة صلاح الدين حيث الإمام " علي الهادي " . 4- إلى بغداد ، ففيها وحدها مئات المراقد وشيوخ الطرق الصوفية على اختلاف مناهجها ومشاربها. "فالإمام موسى الكاظم"، والشيخ "عبد القادر الكيلاني" و"الجنيد البغدادي" و"معروف الكرخي" و"السري السقطي" و"أبو بكر الشبلي" و"الشيخ النوري" وعدد أكثر من أن يحصى. 5- إلى بابل حيث أضرحة لعدد من الصحابة - رضي الله عنهم - والانبياء - عليهم السلام - . 6- إلى كربلاء حيث مرقد الحسين ، والعباس رضى الله عنهما . 7- إلى النجف مقام " علي بن أبي طالب " رضى الله عنه . 8- إلى الكوفة حيث مقام "داود الطائي" . 9- و ذي قار حيث مرقد " أحمد الرفاعي " . 10- إلى البصرة حيث أضرحة "رابعة العدوية" و"الحسن البصري" و "الحبيب العجمي" . الصوفية فى مرمى المقاومة: ما يحدث فى العراق من مذابح ـ يندى لها جبين كل انسان ، وتتصاغر أمامها جرائم التتار ـ على أيدى الإحتلال الصليبى الإمريكى وتابعه الرافضي الصفوي، ومع تصاعد أعمال المقاومة العراقية التي تخوضها الغالبية السنية في العراق، وهذه البطولات النادرة لرجالاتها ، لم يكن من بد أمام بعض المتصوفة في مدينة كركوك شمال العاصمة بغداد إلا أن أغلقت التكايا الخاصة بها وأعلنت الجهاد . فالطريقة القادرية الصوفية التي تضم متصوفة من العرب والأكراد أعلنت عبر بيان لها في الحويجة بمدينة كركوك عن إغلاق التكايا الخاصة بها وتشكيل كتيبة من بين رجالها أطلق عليها اسم 'كتيبة عبد القادر الجيلاني الجهادية' . ونقل مراسل موقع مفكرة الإسلام ([6]) : (عن مصدر مقرب في تلك الجماعة أن الشيخ عبد الرحيم القادري وهو مرشد جماعة المتصوفة القادرية في كركوك أمرهم بإغلاق التكايا والكف عن الأوراد اليومية القاسية التي تصل إلى 100 ألف مرة يوميًا من تسبيح وتهليل وتكبير وحلقات ذكر لله عزَّ وجلَّ . وأضاف المصدر أن الشيخ القادري أمرهم كذلك بتشكيل كتيبة جهادية تختص بقتال الأمريكان والقوات العراقية الموالية لها وفيلق بدر وجيش المهدي. من جهته، أفاد مراسل المفكرة بأن الشيخ عبد الرحيم القادري البالغ من العمر 55 عامًا اختفى عن الأنظار خلال الأيام التي سبقت إعلان جماعة المتصوفة القادرية الجهاد حيث يرجح أنه سيقود عمليات أتباعه ضد الاحتلال والقوات المتعاونة معها والعصابات الشيعية. وبدأت ظاهرة انحسار التصوف في العراق بشكل ملحوظ بعد احتلال العراق عام 2003 وبعد معركة الفلوجة بصورة خاصة؛ حيث عاب العراقيون السنة على المتصوفة جلوسهم طيلة الليل والنهار في المساجد والتكايا في حلقات الذكر وانشغالهم بضرب الدفوف وأعمال الدروشة الأخرى وإلقاء مهمة المقاومة وقتال الاحتلال على غيرهم، وهم من كانوا يذكرون في أشعارهم ومدائحهم بيت المقدس وشوقهم إلى تحريره من اليهود. وبحسب مراسلي مفكرة الإسلام في بغداد وبعقوبة والرمادي والفلوجة وسامراء والموصل، وفقد لوحظ عزوف الناس عن الاحتفالات الصوفية بالمولد النبوي والإسراء والمعراج خلال الفترة الماضية، حتى باتت تلك الاحتفالات شبه معدومة في مدن أهل السنة. كما أيد أهل السنة قيام المقاومة العراقية بهدم القباب التي كانت تقام على قبور من يوصفون بالأولياء والصالحين في مدن أهل السنة كالشيخ "محمد المسعود" و"خليل الفياض" ولم يعترض أحد على ذلك. ونفض الصوفية غبار أفكارهم ومعتقداتهم في الفترة الأخيرة بعد اكتشافهم حجم وخطورة المؤامرة على أهل السنة في العراق؛ حيث تيقنوا أن شيعه إيران الذين لم يتعرضوا للمتصوفة ولم يدرجوهم ضمن قائمه اغتيالاتهم قد أعدوا العدة لضربهم وقتلهم كما يفعلون مع أهل السنة في العراق. ويقول مراسل المفكرة إن الشيعة من فيلق بدر وجيش المهدي قد أعطوا الصوفية محبةً وتقديرًا يصفها أهل السنة بالحبة المنومة حتى يحيدوهم عن المقاومة والمشاركة في الدفاع عن أهل السنة، غير أنهم انتبهوا أخيرًا أن هذه مكيدة شيعية لهم دخلوا بها عليهم عن طريقة حب آل البيت والأولياء الصالحين ) . وقد قامت الآن الطريقة النقشبندية بالمشاركة فى المقاومة عبر ما يسمى بـ "جيش رجال الطريقة النقشبندية ". يتبع... |
#10
|
|||
|
|||
أهم الشخصيات التى أثرت فى حركة التصوف العراقي :
1- رابعة العدوية: بصرية، زاهدة، امرأة عاشت حياتها عكس سائر الناس، انعزلت في دنيا التصوف بعيدة عن أمور الدنيا، تبارى الباحثون في تحديد هويتها وسيرة حياتها. لم تتفق آراء الباحثين على تحديد هوية رابعة، فالبعض يرون أنها مولاة لآل عتيق، وآل عتيق بطن من بطون قيس، والبعض الآخر يرون أن من آل عتيق بني عدوة ولذا تسمى العدوية. وأما كنيتها فأم الخير..وقيل إن اسم رابعة يعود إلى أنها ولدت بعد ثلاث بنات لأبيها، عاشت في البصرة خلال القرن الثاني الهجري، وقد عمرت حوالي ثمانين عاماً، وتوفيت سنة 180هـ. ولدت رابعة في عصر كانت سمته الأولى الترف.. فالمسلمون فتحوا معظم بقاع الأرض المعروفة حينئذ.. وأصبح خراج الدنيا يُجبى إليهم.. بعُدت المسافة الزمنية بينهم وبين عصر النبوة وعصر الخلافة الراشدة.. فساد الترف والركون إلى الحياة الدنيا وزخرفها وزينتها.. وفى مطلع القرن الثاني الهجري (حوالي سنة 100 هجرية) ولدت رابعة العدوية لأب فقير لديه ثلاث بنات.. ومات الأب ورابعة لم تزل طفلة دون العاشرة.. ولم تلبث الأم أن لحقت به.. فوجدت الفتيات أنفسهن بلا عائل يُعانين الفقر والجوع والهزال.. فتفرقن لتبحث كل واحدة منهن عن طريقها..كانت مدينة البصرة في ذلك الوقت تعاني من وباء اجتاحها وأصابها بالقحط .. مما أدى إلى انتشار اللصوص وقُطَّاع الطرق.. وقد خطف رابعة أحد هؤلاء اللصوص وباعها بستة دراهم لأحد التجار القساة..فأصبحت مولاة، وكانت تعزف الناي ثم كانت مغنية، وأنها كانت على قدر من الجمال والحسن . ثم أعتقها مولاها فأقامت أول أمرها بالصحراء بعد تحررها من الأسر، ثم انتقلت إلى البصرة حيث جمعت حولها كثيرًا من المريدين والأصحاب الذين وفدوا عليها لحضور مجلسها، وذكرها لله والاستماع إلى أقوالها، وكان من بينهم مالك بن دينار، والزاهد رباح القيسى، والمحدث سفيان الثورى، والمتصوف شفيق البلخي". ولقيت رابعة ربها وهى في الثمانين من عمرها.. ([7]) . قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : "وأما ما ذُكر عن رابعة العدوية من قولها عن البيت : إنه الصنم المعبود في الأرض ، فهو كذب على رابعة ، ولو قال هذا من قاله لكان كافراً يستتاب فإن تاب وإلا قُتِل ، وهو كذب فإن البيت لا يعبده المسلمون ، ولكن يعبدون رب البيت بالطواف به والصلاة إليه ، وكذلك ما نقل من قولها : والله ما ولجه الله ولا خلا منه ، كلام باطل عليها . انتهى كلامه – رحمه الله – . وقال الإمام الذهبي في السير : قال أبو سعيد بن الأعرابي : أما رابعة فقد حمل الناس عنها حكمة كثيرة ، وحكى عنها سفيان وشعبة وغيرهما ما يدل على بطلان ما قيل عنها . وهذا يؤكد على حقيقة كبرى طالما غفل عنها الشانئون وهي أنه ليس بين أهل السنة وبين خصومهم عداوة حتى يتقوّلوا على هذا أو على ذاك . بل ما قاله الخصم وثبت عنه رُد عليه وانتُقِد بسببه كما ردوا على ابن عربي الطائي الصوفي الحلولي الهالك . ولكنهم التمسوا العذر لمثل رابعة التي لم يثبت هذا عنها([8]) . 2- معروف الكرخي: لقبه: الكرخي ، نسبة إلى الكرخ ببغداد . اسمه: معروف بن الفيروزان . كنيته: أبو محفوظ . ولادته : في بغداد . بداياته : يذكر أن أخاه عيسى قال ( كنت أنا وأخي معروف في الكتاب وكنا نصارى وكان المعلم يعلم الصبيان ( أب ، وابن ) فيصيح أخي معروف : أحد أحد ، فيضربه المعلم على ذلك ضرباً شديداً حتى ضربه يوماً ضرباً عظيماً فهرب على وجهه فكانت أمي تبكي وتقول : لأن رد الله عليَّ أبني معروفاً لاتبعنه على أي دين كان فقدم عليها معروف بعد سنين كثيرة ، فقالت له : يا بني ، على أي دين أنت ؟ قال : على دين الإسلام . قالت : أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله . فأسلمت أمي واسلمنا كلنا . معاصريه : السري السقطي وأحمد بن حنبل وابن معين . مسكنه: الكوفة ثم بغداد . وفاته: توفى ببغداد سنة 200 هـ وقبره يزار ([9]). 3ـ ذو النون المصري: وهو أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم، قبطي الأصل من أهل النوبة، من قرية أخميم بصعيد مصر، توفي سنة 245 هـ أخذ التصوف عن شقران العابد أو إسرائيل المغربي على حسب رواية ابن خلكان وعبد الرحمن الجامي. ويؤكد الشيعة في كتبهم ويوافقهم ابن النديم في الفهرست أنه أخذ علم الكيمياء عن جابر بن حيان، ويذكر ابن خلكان أنه كان من الملامتية الذين يخفون تقواهم عن الناس ويظهرون استهزاءهم بالشريعة، وذلك مع اشتهاره بالحكمة والفصاحة. ويعدُّه كُتَّاب الصوفية المؤسسَ الحقيقي لطريقتهم في المحبة والمعرفة، وأول من تكلم عن المقامات والأحوال في مصر، وقال بالكشف وأن للشريعة ظاهراً وباطناً. ويذكر القشيري في رسالته أنه أول من عرَّف التوحيد بالمعنى الصوفي، وأول من وضع تعريفات للوجد والسماع، وأنه أول من استعمل الرمز في التعبير عن حاله، وقد تأثر بعقائد الإسماعيلية الباطنية وإخوان الصفا بسبب صِلاته القوية بهم، حيث تزامن مع فترة نشاطهم في الدعوة إلى مذاهبهم الباطلة، فظهرت له أقوال في علم الباطن، والعلم اللدني، والاتحاد ، وإرجاع أصل الخلق إلى النور المحمدي، وكان لعلمه باللغة القبطية أثره على حل النقوش والرموز المرسومة على الآثار القبطية في قريته مما مكَّنه من تعلم فنون التنجيم والسحر والطلاسم الذي اشتغل بهم. ويعد ذو النون أول من وقف من المتصوفة على الثقافة اليونانية، ومذهب الأفلاطونية الجديدة، وبخاصة ثيولوجيا أرسطو في الإلهيات، ولذلك كان له مذهبه الخاص في المعرفة والفناء متأثراً بالغنوصية ([10]). 4- البسطامي: المتوفى سنة 243هـ وقيل 261 هـ, هو أبو يزيد طيفور بن عيسى بن آدم بن شروسان البسطامي كان جده مجوسيا فاسلم وأبوه من أتباع زرادشت, وهو أول من استخدم لفظ الفناء بمعناه الصوفي الذي يقصد منه الاتحاد بذات الله, وقد نسبت إليه من الأقوال الشنيعة ؛ مثل قوله: (خرجت من الحق إلى الحق حتى صاح فيّ: يا من أنت أنا، فقد تحققت بمقام الفناء في الله)، (سبحاني ما أعظم شأني) وهو صاحب العبارة الشهيرة (خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله)، وعلى هذا فإن عقيدة البسطامي واضحة فهو أول من سعى في نشر عقيدة الاتحاد بين المسلمين، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يعده من أصحاب هذه الطبقة ويشكك في صدق نسبتها إليه حيث كانت له أقوال تدل على تمسكه بالسنة، ومن علماء أهل السنة والجماعة من يضعه مع الحلاج والسهروردي في طبقة واحدة. 5- الحلاج: أبو مغيث حسين بن منصور الحلاج, صوفي فيلسوف, ولد بفارس في بلدة الطور قرب مدينة البيضاء حفيداً لرجل زرادشتي سنة (244ـ 309هـ ) (857م), ونشأ في أواسط العراق وهو أشهر الحلوليين والاتحاديين. عاش في العصر العباسي. وقد تبرأ منه سائر الصوفية والعلماء لسوء سيرته ومروقه, وهو يدعي الحلول ومعناه حلول الإله فيه أي الله سبحانه وتعالى وتقدس عما يقول, واستمر الحلاج في نشر فكره الحلولي حتى استفحل أمره فألقي القبض عليه لتتم مناظرته ومناقشته بحضره القضاة وبعد أن تيقن الخليفة (المقتدر) أمره، أمر بقتله صلبا سنة 922م في، لتهم أربع وُجِّهت إليه: 1ـ اتصاله بالقرامطة. 2ـ قوله "أنا الحق". 3ـ اعتقاد أتباعه ألوهيته . 4ـ قوله في الحج، حيث يرى أن الحج إلى البيت الحرام ليس من الفرائض الواجب أداؤها. كانت في شخصيته كثير من الغموض، فضلاً عن كونه متشدداً وعنيداً ومغالياً، له كتاب الطواسين الذي أخرجه وحققه المستشرق الفرنسي ماسنيون ([11]). 6- أبو بكر الشبلي: هو دلف بن جحدر الشبلي أبو بكر ، (247ـ334 هـ) بغدادي المولد والمنشأ ، وأصلة أسروشنه من بلاد ما وراء النهر ، صحب الجنيد ومن في عصره ، وتوفي ببغداد. قال محمد بن الحسين أبو عبد الرحمن السلمي ، أحد كبار الصوفية ومؤلفيهم: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت الشبلي يقول: كنت أنا والحسين بن منصور الحلاج ، شيئاً واحداً ، إلا أنه أظهر وكتمتُ. وقد روى عن الشبلي من وجه آخر أنه قال وقد رأى الحلاج مصلوباً: ألم أنهك عن العالمين([12]). 7- النفَّري ([13]): ولد محمد بن عبد الجبار بن الحسن بن أحمد النفَّري في مدينة نِفَّر الواقعة على ضفاف نهر الفرات شرقاً. ونِفَّر مدينة سومرية تسمى نيبور؛ وهي مبنية على ضفاف الفرات الشرقية، وكانت مركزاً دينياً مهماً قبل أربعة آلاف سنة . ومن بعدُ أصبحت مركزاً للديانة المانوية، ثم المسيحية في القرن السابع الميلادي. توفي النفَّري في القاهرة عام 375 هـ/965 م، كما ذكره التلمساني . إن حياة النفَّري غامضة في ولادته وموته وسيرته، على كل الأصعدة؛ وليس لدينا أي مصدر يذكر تفاصيل حياته. إلا أن من المؤكد أنه عاش في القرن الرابع الهجري، وعاصر محنة الحلاج التي أثَّرت على أهل التصوف ودَعَتْهم إلى التحفظ والكتمان والتقية الشديدة.وقد اكتشف كتابَ المواقف والمخاطبات للنفَّري المستشرقُ آرثر جون آربري سنة 1934. ويبدو أن عدم ذكر النفَّري في مصادر أهل التصوف والعرفان يرجع إلى عدة أسباب أهمها: تأثير محنة الحلاج على جيل المتصوفة الذي تستر بالتحفظ والكتمان. التخوف من الفقهاء . تبنى النفَّري أفكاراً خاصة به تدعوه إلى الغياب التام وعدم الظهور؛ وقد تكون هذه طريقة خاصة بالنفَّري وأصحابه .يبدو أن النفَّري شيعي المذهب؛ وهو ما يبدو من خلال نصِّه الأخير في المواقف والمخاطبات الذي يشير فيه إلى الإمام المنتظر الذي يظهر وأصحابَه في آخر الزمان، بحسب الرواية الشيعية. والاعتقاد الشيعي بخصوص الإمام المنتظر متطابق مع مفردات النص النفَّري، وتؤكد ذلك طريقتُه العرفانية. وإذا صحَّ أن ولادة النفَّري كانت في مدينة نِفَّر العراقية فإن ذلك يقوِّي الظنَّ بتشيُّعه. فمدينة نِفَّر تجاوِر الكوفة وبابل؛ ومن المعروف أن الكوفة والمدن المحيطة بها أكبر المراكز العلمية والتجمعات الشيعية في العراق، في الماضي كما في الحاضر . خلاصة القول: تبقى حياة النفَّري ومماته يكتنفهما الغموض؛ وليس لدينا أي دليل واضح على تفاصيلهما. 8- الغزالي (450 ـ 505هـ): ابو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الملقب بحجة الاسلام, ولد بطوس من اقليم خرسان, نشأ في بيئة كثرت فيها الآراء والمذاهب مثل: علم الكلام والفلسفة ، والباطنية ، والتصوف، مما أورثه ذلك حيرة وشكًّا دفعه للتقلُّب بين هذه المذاهب الأربعة السابقة أثناء إقامته في بغداد، رحل إلى جرجان ونيسابور، ولازم نظام الملك، درس في المدرسة النظامية ببغداد، واعتكف في منارة مسجد دمشق، ورحل إلى القدس ومنها إلى الحجاز ثم عاد إلى موطنه. وقد ألف عدداً من الكتب منها: تهافُت الفلاسفة، والمنقذ من الضلال، وأهمها إحياء علوم الدين. ويعد الغزالي رئيس مدرسة الكشف في المعرفة، التي تسلمت راية التصوف من أصحاب الأصول الفارسية إلى أصحاب الأصول السنية، ومن جليل أعماله هدمُه للفلسفة اليونانية وكشفه لفضائح الباطنية في كتابه المستظهري أو فضائح الباطنية. ويحكي تلميذه عبد الغافر الفارسي آخرَ مراحل حياته، بعدما عاد إلى بلده طوس، قائلاً: (وكانت خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى ومجالسة أهله، ومطالعة الصحيحين ـ البخاري ومسلم ـ اللذين هما حجة الإسلام) ا. هـ. وذلك بعد أن صحب أهل الحديث في بلده من أمثال: أبي سهيل محمد بن عبد الله الحفصي الذي قرأ عليه صحيح البخاري، والقاضي أبي الفتح الحاكمي الطوسي الذي سمع عليه سنن أبي داود [طبقات السبكي 4 / 110]. ـ وفي هذه المرحلة ألف كتابه "إلجام العوام عن علم الكلام" الذي ذم فيه علم الكلام وطريقته، وانتصر لمذهب السلف ومنهجهم فقال: (الدليل على أن مذهب السلف هو الحق: أن نقيضه بدعة ، والبدعة مذمومة وضلالة، والخوض من جهة العوام في التأويل والخوض بهم من جهة العلماء بدعة مذمومة، وكان نقيضه هو الكف عن ذلك سنة محمودة) ص[96]. ـ وفيه أيضاً رجع عن القول بالكشف وإدراك خصائص النبوة وقواها، والاعتماد في التأويل أو الإثبات على الكشف الذي كان يراه من قبل غاية العوام ([14]). 9- عبدالرحمن الكيلاني النقيب: (1841 - 1927) نقيب اشراف بغداد ورئيس المجلس التأسيسي العراقي بعد مؤتمر القاهر الذي عقد لمنح الاستقلال للعراق بعد ثورة العشرين في العراق. ولد في بغداد من عائلة صوفية. اختير كأول رئيس وزراء بعد سقوط الدولة العثمانية في 1920 وكانت من مهامه تأسيس الدوائر والوزارات العراقية وانتخاب ملكا للعراق , حيث انتخب المجلس الأمير فيصل الأول ملكاً على عرش العراق في 23 اب 1921 . وتولى النقيب رئاسة الوزارة لمرتين بعدها حتى عام 1922 ([15]). أهم الطرق الصوفية فى العراق (1) الطريقة القادرية التي تنسب زورا وبهتانا إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني ، وهو عبد القادر بن موسى، المعروف بالشيخ عبد القادر الجيلاني أو الجيلي. ولد سنة (470هـ - 1077م) بجيلان جنوب بحر قزوين، وهي منطقة في بلاد فارس. ويعتبر الصوفيون أن الجيلاني هو أول من نادى بالطرق الصوفية وأسسها، ففي سنة 488هـ (1095م)، ارتحل إلى بغداد، ودرس مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ثم سلك طريق التصوف على يد حمّاد الدّباس. بعد ذلك، قضى الجيلاني 25 عاماً يسيح في صحاري العراق، كان يأوي خلالها إلى الخرائب معتزلاً الناس، ملازماً لأنواع الرياضات والمجاهدات الصوفية، وقد قال هو عن تلك الرحلة: "قاسيت في بدايتي الأهوال، وكنت أقتات بقمامة البقل من شاطئ النهر، وكانت على رأسي خريقة، وعلى ظهري جبة صوف، وربما حملني الناس إلى البيمارستان (المستشفى)، وقد تكرر ذلك وكانت تطرقني الأحوال ليلاً وأنا في الصحراء، فاملأ البر صراخاً". ثم عاد عبد القادر إلى بغداد، واشتغل بالتدريس والوعظ ونشر التصوف، حتى توفي سنة (561هـ - 1165م) ودفن في المدرسة التي أسسها في بغداد . وبعد وفاة عبد القادر، خلفه على الطريقة ابنه عبد الوهاب (522ـ 593هـ)، ثم بعد وفاته، رأس الطريقة أخوه أبو بكر عبد الرزاق (528 ـ 603هـ)، الذي يروي عنه الصوفية أنه ظل ثلاثين سنة لا يرفع رأسه إلى السماء، حياءً من الله . ومما لا شك فيه أنهم يكذبون على عبدالقادر الجيلاني الشيخ الحنبلي الزاهد رحمه الله .. والطريقة القادرية هي أكثر الطرق انتشارا في العراق وتتفرع عنها كثير من الطرق الأخرى كالكسنزانية والفربكانية، وخاصة الكسنزانية في مدينة كركوك، وشيخها الحالي هو محمد بن عبد الكريم الكسنزاني، وتنسب الطريقة إلى عبد الكريم الشاه الكسنزان المولود سنة 1240هـ في شمال العراق، وقد انتسب إليها عدد من المسؤولين العراقيين السابقين . مرقد الشيخ عبد القادر: يعتبر مسجد ومقام الشيخ (عبد القادر الكيلاني) من اكبر الأضرحة في بغداد بعد التوسعات التي أجريت عليه، فاحتل بذلك المساحة المحصورة بين الشارع المفضي الى الكفاح وشارع الشيخ عمر من الجهة الثانية، وتقصده أعداد كثيرة من الزوار من معظم مناطق مدينة بغداد والمحافظات اضافة الى الصوفيين من الهند والباكستان وتركيا وغيرها من الدول ... أهم عقائدها: 1ـ يؤمن أتباع الطريقة القادرية بعقيدة وحدة الوجود التي تدين بها الصوفية، وقد ورد ذلك في ثنايا بعض مؤلفات شيخها الجيلاني ـ كما يزعمون ـ منها قوله: "الحمد لله الذي وُجد في كل شيء، وحضر عند كل شيء" وقوله: "ومعنى الوصول إلى الله عز وجل خروجك عن الخلق، فإذا وصلت إلى الحق عز وجل ـ على ما بيّنا ـ فكن آمناً أبداً من سواه عز وجل، فلا ترى لغيره وجوداً ألبتة". 2ـ الاعتقاد بأنه بإمكان الصوفي رؤية الله في الدنيا، وذلك برفع حُجُب الكائنات عن قلبه. يقول عبد القادر ـ كما يزعمون ـ : "المؤمن العارف له عينان ظاهرتان، وعينان باطنتان، فيرى بالعينين الظاهرتين ما خلق الله عز وجل في الأرض، ويرى بالعينين الباطنتين ما خلق الله عز وجل في السماوات، ثم يرفع الحجب عن قلبه، فيراه، فيصير مقرّباً". 3ـ ذم الآخرة وطلاّبها، بزعم أن مقصود الصوفية هو الوصول إلى الامتزاج بالوجود الإلهي، إذ يقول الجيلاني ـ كما يزعمون ـ :"شجاعة الخواص (أي الصوفية) في الزهد في الدنيا والآخرة". ويقول أيضا "اخلع نعليك: دنياك وآخرتك، وتجرد عن الأكوان، وافن عن الكل، وتطيب بالتوحيد". أذكارهم وعباداتهم: يتمثل الذكر الأساسي في القادرية بـ (لا إله إلاّ الله)، حيث يجلس الذاكرون على الركبة مثل الصلاة، ويتوجهون نحو القبلة، يغلقون أعينهم خلال الذكر. وقد خصصت القادرية بعض أيام الأسبوع ولياليه بصلوات محددة، وقد أورد الجيلاني في كتابه "الغنية" عدداً من الأحاديث الموضوعة التي تؤيد ذلك منها: "من صلّى يوم الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب، و(آمن الرسول) مرّة، كتب الله له بعدد كل نصراني ونصرانية حسنات، وأعطاه ثواب نبي، وكتب له حجة وعمرة، وكتب له بكل ركعة ألف صلاة، ثم أعطاه الله تعالى في الجنة بكل حرف مدينة من مسك أذخر" كيفية الانتساب للطريقة: 1ـ اللقاء الأول بين المنتسب ، وبين الشيخ، ويتضمن ( العهد والاستغفار، والتوبة، والطاعة، والذكر). وقبل البدء، يصلي المنتسب أو المريد ركعتين نفلاً، ويقرأ الفاتحة للنبي صلى الله عليه وسلم ولإخوانه المرسلين والنبيين. وبعد الصلاة وقراءة الفاتحة يجلس المريد بين يدي الشيخ، ملصقاً ركبته اليمنى بيد الشيخ اليمنى، الذي يلقنه الاستغفار، وصيغته: "استغفر الله العظيم الذي لا إله إلاّ هو الحي القيوم وأتوب إليه، وأشهد الله وملائكته ورسله وأنبياءه بأني تائب لله منيب إليه، وأن الطاعة تجمعنا، وأن المعصية تفرقنا، وأن العهد عهد رسوله، وأن اليد يد شيخنا وأستاذنا الشيخ محيي الدين عبد القادر الجيلاني قدس سره، وعلى ذلك أحل الحلال، وأحرم الحرام، وألازم الذكر والطاعة بقدر الاستطاعة، ورضيت بحضرة شيخنا المشار إليه شيخا لي وطريقته لي، والله على ما أقول وكيل". ثم يقرأ الشيخ أية المبايعة (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) . 2ـ يطلب الشيخ من مريده الالتزام ببعض الأخلاق كتحمل الأذى وترك الحقد... فإذا قبلها ينتقل إلى مرحلة المبايعة والقبول، حيث يقول الشيخ: "وأنا قبلتك ولداً وبايعتك على هذا المنوال" . 3ـ تنتهي المراسم بالمبايعة فتنفصل الأيدي المتشابكة، وتبتعد الركب المتلاصقة، ثم تأتي مرحلة الدعاء مختومة بشرب الكأس. والكأس هو إناء يتناوله الشيخ محتوياً على ماء، وقد يكون ممزوجاً بسكر، وقد يقرأ الشيخ على الكأس قوله تعالى (سلام قولاً من رب رحيم)، وقوله تعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) ثم يتلو ذلك قراءة الفاتحة والإخلاص ثلاث مرات، ويتناول مريده الكأس ليشربه. وبهذه الطقوس تنتهي المرحلة الأولى من الانخراط في الطريقة، فيصبح المريد في عداد المريدين، ويلزم شيخه الذي أخذ عنه العهد، ويكون طالباً مرتبطاً بالشيخ . 4ـ وإذا تعمق المريد في الطريقة، فإنه ينتقل إلى مرحلة أعلى، وهي أن يستغني عن شيخه بالوصول إلى الله عز وجل، فيتولاه الله تعالى بعد ذلك بتربيته وتهذيبه، فيستغني عن غيره. وعند تحقق الانفصال بين الشيخ والمريد، يمنح المريد إجازة المشيخة، وتكون خطبة تشهد له بلوغ مراده، فيكون شيخاً في عداد الشيوخ علاقتهم بالرفاعية: ذهب أتباع القادرية إلى أن شيخهم عبد القادر الجيلاني كان شيخاً لأبي العباس الرفاعي شيخ الطريقة الرفاعية، والرفاعي تابعاً، ويذهب الرفاعية إلى عكس ذلك، إذ يقولون أن الجيلاني هو الذي كان تابعاً للرفاعي، "ثم يختلق كل واحد من هذه الطوائف روايات وحكايات مزوّرة مكذوبة لترجيح مرشدهم وتفضيل سيدهم على الآخر" . وفى الوقت الحاضر فالطريقة القادرية كان يتزعمها الشيخ محمد الحلاب المقرب من نائب الرئيس العراقي السابق عزة إبراهيم الدوري الذي يعتبر أحد أتباع الطريقة القادرية الصوفية، و أنه تم خلع الحلاب من قبل مريديه بعد سقوط بغداد؛ حيث اتُّهم حينها الحلاب بالتملق للدوري وإعطائه طرق الدروشة من غير أن يكون من أهلها على حد مفهوم المتصوفة. للإستزاده : 1- "الموسوعة الصوفية" . 2- دراسات في التصوف للشيخ إحسان إلهي ظهير . 3- الطرق الصوفية للنجار . 4- شبكة الراصد الإسلامية / والمواقع الخاصة لهذه الطرق على شبكة الانترنت. 5- موقع موسوعة الصوفية : http://www.almwsoaa.com/ . 6- موقع الصوفية : http://www.alsoufia.com/ . يتبع... |
#11
|
|||
|
|||
(2) الطريقة الكسنزانية
هذه الطريقة هى احدى فروع الطريقة القادرية ، لذا فلها نفس عقيدتها . والكسنزان هو مصطلح صوفي اتخذه مشايخ الطريقة العلية القادرية الكسنزانية شعاراً لهم حتى باتت طريقتهم تعرف اختصاراً بالطريقة الكسنزانية . وأصل هذه اللفظة من الناحية اللغوية يرجع الى اللغة الكردية وهي تعني باللغة العربية ( لا أحد يدري ) أو ( لا أحد يعلم ) . وأما من الناحية التاريخية فإن هذه اللفظة أول ما أطلقت على جدّهم عبد ﭐلكريم ﭐلأول الملقب بـ ( شاه الكسنزان ) وذلك لأنه قبل تسلمه لمشيخة الطريقة اختفى في جبال( قرداغ ) شمال العراق لمدة اربعة سنوات دون أن يعلم احد بمكانه فكان إذا سئل عنه قيل: ( كسنزان ). وبعد انقضاء السنين الأربعة أخبرهم شيخ الطريقة القادرية آنذاك وهو خاله، بمكانه في الجبل فذهبوا اليه فوجدوه - حسب زعمهم - منقطع لعبادة ربه في كهف في ذلك الجبل. استلم الشيخ عبد الكريم مشيخة الطريقة يدا بيد من خاله، واستمر لقب الكسنـزان مع اسم الشيخ ومن ثم طريقته ، ثم أطلق على أبنائه وأحفاده ، كما أَنَّ هذا ﭐللقب جرى على أَلسنة ﭐلخلق عَلَماً للطريقة ﭐلعلية ﭐلقادرية ﭐلكسنـزانية ﭐلتي تبنّى مشيختها ﭐلشيخ وأبناؤه وأحفاده من بعده . وقد بين مشايخ الطريقة أن لهذا اللقب دلالات روحية خاصة عند أهله فهو يعني (سر الاسرار) أو السر الذي لا يمكن لأي ولي أن يكشفه مهما علت مرتبته فهو خاص بالعائلة الكسنزانية يتوارثوه يدا بيد ( كما يقولون) الى قيام الساعة . بهذا السر الذي يمكن أن نصفة (بالسر الأعظم) قالوا إن الطريقة الكسنزانية هي سيدة الطرق الصوفية في العالم. وأَما ﭐسم العشيرة ﭐلتي تنتمي إليها عائلة ﭐلشيخ محمد فهي عشيرة البرزنجية وﭐلأب ﭐلأعلى لهذه ﭐلعشيرة ﭐلشيخ عيسى البرزنجي هو أول من سكن في برزنجة من شمال ﭐلعراق ، فالسادة ﭐلبرزنجية ـ كما يلقبون ـ ﭐليوم هم أكبر العشائر في شمال ﭐلعراق . وتقوم هذه الطريقة على تدريب مريديها على الاختفاء وضرب السيوف في الجسم وكذلك واستعمال الأسلحة النارية بجميع أنواعها .. وهذه الطريقة منتشرة في العراق ولها أكبر التكيات في العراق. وشيخ الطريقة الحالى هو ﭐلشيخ محمد بن عبد ﭐلكريم بن عبد ﭐلقادر بن عبد ﭐلكريم شاه ﭐلكسنـزان . ولادته ونشأته ـ بحسب موقعهم على النت ـ : ولد في ( قرية كربجنة ) ﭐلتابعة لناحية ( سنكاو ) من محافظة كركوك في شمال ﭐلعراق فجر ﭐلجمعة ﭐلرابع عشر من شهر صفر ( سنة 1358 هـ ) ﭐلموافق للخامس عشر من شهر نيسان ( سنة 1938م )، وهذه ﭐلقرية ﭐلتي ولد فيها هي موطن مشايخ ﭐلطريقة ﭐلكسنـزانية ، ومنذُ سنواته الأولى التي قضاها في ( كربجنة ) كان شيخ ﭐلطريقة هو والده ﭐلشيخ عبد ﭐلكريم ﭐلكسنـزان ﭐلذي أُنيطت به ﭐلمشيخة من قِبَلِ أَخيه الأكبر ﭐلشيخ حسين ﭐلكسنـزان وﭐلذي كان يُطلق عليه ولا زال لقب ( ﭐلسلطان ) وهو الذي سمّى ﭐلمولود ﭐلجديد للشيخ عبد ﭐلكريم محمداً . وﭐلسلطان حسين هو ﭐلنجل ﭐلأكبر للشيخ عبد ﭐلقادر ﭐلكسنـزان، أما والد ﭐلشيخ فهو ﭐلشيخ عبد ﭐلكريم الذي تولّى مشيحة ﭐلطريقة وعلى يديه كَثُرَ عدد ﭐلمريدين . و شيخ هذه الطريقة المدعو محمد بن عبد الكريم المسمى بالوارث تورث المشيخة عن أبيه مع العلم بأن الأب والابن لا يقيمان لأركان الإسلام كالصلاة والصيام وزنا ولا يؤديان الفرائض ولا النوافل ويعتقد فيهما العوام الولاية، أعاذنا الله من شر الاعتقاد . نسبه المزعوم: مع أن شيوخ هذه الطريقة أكراد الأصل والمولد والمنشأ واللغة، فقد زعموا لأنفسهم نسباً للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلاحظ أنه متخما بالأسماء الكردية، فيا سبحان الله !! لعلها احدى كراماتهم، ومن المضحكات المبكيات أن الشيخ محمد (قدس الله سره) قد سمى أولاده: نهرو و غاندى وملاص، بدلا من الحسن والحسين مثلا . وسلسلة النسب المزعوم كالتالى: السيد الشيخ محمد الكسنزان بن السيد عبد الكريم بن السيد عبد القادر بن السيد عبد الكريم الشاه الكسنـزان بن السيد حسين بن السيد حسن بن السيد عبد الكريم بن السيد إسماعيل الولياني بن السيد محمد النودهي بن السيد بابا علي الوندرينه بن السيد بابا رسول الكبير بن السيد عبد السيد الثاني بن السيد عبد الرسول بن السيد قلندر بن السيد عبد السيد بن السيد عيسى الأحدب بن السيد حسين بن السيد بايزيد بن السيد عبد لكريم الأول بن السيد عيسى البرزنجي بن السيد بابا علي الهمداني بن السيد يوسف الهمداني بن السيد محمود المنصور بن السيد عبد العزيز بن السيد عبد الله بن السيد إسماعيل المحدث بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن ابي طالب والسيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد المصطفى . دراسته: أَخذ ﭐلشيخ محمد ﭐلكسنزان ﭐلطريقة عن والده وأَخذ معها علوم ﭐلتصوف وأَخذ ﭐلعلوم ﭐلشرعية وﭐلعربية في مدرسة جدّه مدرسة ( كربجنة ) ﭐلدينية فدرس ﭐلعلوم ﭐلعربية وﭐلإسلامية على كبار علمائها منهم ﭐلملا كاكا حمه سيف ﭐلدين وﭐلملا علي مصطفى وﭐلملا عبد الله عزيز ﭐلكربجني . بحسب موقعهم على النت . جلوسه على سجادة ﭐلمشيخة: إن ﭐلجلوس على سجادة ﭐلمشيخة في نظر أهل هذه ﭐلطريقة، هو ﭐختيار وتعيين علوي يجري بأمر ﭐلله تعالى وأمر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن يتم ﭐختياره لهذه ﭐلمهمة يكون دائما موضع نظرٍ ﭐلله تعالى ورعايته، فيفيض عليه ما يفيض من أنوار ويُمِدُّهُ بما يشاء من مدد ليكون أهلا للوراثة ﭐلمحمّدية ـ كما يزعمون ـ . ففي آخر زيارة قام بها ﭐلشيخ عبد ﭐلكريم ﭐلكسنزان لأضرحة ﭐلمشايخ في قرية (كربجنة) كان ابنه محمد بصحبته وكان في تلك ﭐلزيارة عدد كبير من ﭐلخلفاء وﭐلدراويش وﭐلمحاسيب وﭐلأتباع. وبعد أن انتهى من مراسيم ﭐلزيارة، جلس وكانت علامات ﭐلسرور تعلو وجهه وقال:(يا أولادي ﭐلدراويش منذ ﭐليوم يكون ﭐلسيد ﭐلشيخ محمد شيخكم، وهذا أمر أساتذتنا ـ هكذا ـ، ومَن أطاعه فقد أطاعنا، ومَن أحبه أحبنا، ومَن خرج عن أمره فقد خرج عن أمرنا ) . ثم نظر ملتفتاً إلى أضرحة ﭐلمشايخ قائلاً: ( أنا أودعكم الآن وستكون هذه آخر زيارة لكم، وهذا وكيلكم ﭐلذي أوكلتموه – مشيراً إلى نجله - ). وقد توفى في عام ( 1398 هـ ) ﭐلموافق للعام ( 1978م ) بعد زيارته ﭐلأخيرة بفترة وجيزة ... وهكذا قام ﭐلشيخ محمد ﭐلكسنزان مقام والده ﭐلشيخ عبد ﭐلكريم بعد وفاته، وتولَّى أمور ﭐلطريقة ، وبايعه ﭐلخلفاء وﭐلدراويش سنة (1398هـ) ﭐلموافق (1978م). وذاع صيت ﭐلشيخ محمد ﭐلكسنزان، وﭐنتشرت ﭐلطريقة ﭐلكسنزانية في جميع أنحاء ﭐلعراق فلا تكاد تجد مدينةً أو قريةً إلّا ولهم تكيةٌ يقصدها أتباعهم بل جاوز ذلك ﭐلبلدان ﭐلأخرى كإيران وتركيا وﭐلجمهوريات ﭐلقوقازية وﭐلهند وباكستان وﭐلولايات ﭐلمتحدة ﭐلأمريكية وبعض دول أوربا . مؤلفاته ﭐلصوفية : 1 – كتاب ﭐلأنوار ﭐلرحمانية في ﭐلطريقة ﭐلعلية ﭐلقادرية ﭐلكسنـزانية . 2 – نشر كتاب : جلاء ﭐلخاطر من كلام ﭐلشيخ عبد ﭐلقادر . 3 – كتاب ﭐلطريقة ﭐلعلية ﭐلقادرية ﭐلكسنـزانية . 4 – موسوعة ﭐلكسنـزان فيما ﭐصطلح عليه أهل ﭐلتصوف وﭐلعرفان. وله عدد آخر من ﭐلكتب وﭐلرسائل تحت ﭐلطبع منها : • ألرؤى وﭐلأحلام في ﭐلمنظور ﭐلصوفي . • خوارق ﭐلشفاء ﭐلصوفي وﭐلطب ﭐلحديث . • ألكرامات في طور جديد . • ألكسنـزان وﭐلإنسان . • ألتصوف .. قانون ﭐلسماء ﭐلأول . • ألدعاء مخ ﭐلعبادة . • إطالة ﭐلشعر في ﭐلإسلام . • ألسبحة في ﭐلإسلام . • ألخلوة في ﭐلإسلام . • ألتكايا بيوت الله . • ألمولد ﭐلنبوي وأهميته في ﭐلعصر ﭐلحديث . • ألبيعة وﭐلمعاهدة عند ﭐلصوفية . كما قام بـ : • تأسيس ( كلية ﭐلشيخ محمد ﭐلكسنـزان ﭐلجامعة ) ، وﭐلتي تضم إلى جانب قسم علوم ﭐلشريعة وﭐلتصوف وحوار ﭐلأديان ، أقسام أُخرى في علوم ﭐلإقتصاد وﭐلسياسة وﭐلقانون وﭐللغة وعلوم ﭐلحاسبات وﭐلرياضيات ﭐلتطبيقية ، وهذه ﭐلكلية هي بمثابة نواةٍ لجامعة يكون لها فروع في جميع دول ﭐلعالم كما يأمل . • تصميمه لتقويمٍ ﭐسلاميّ ، هذا التقويم هو (ﭐلتقويم ﭐلمحمدي )، وهو تقويم يؤرخ للأحداث نسبة لولادة ﭐلرسول. • تأسيس ( ﭐلمجلس ﭐلمركزي للطرق ﭐلصوفية في ﭐلعراق ) جاء هذا ﭐلمجلس ليوحِّد كلمة ﭐلصوفية في ﭐلعراق ، كما يهدف هذا ﭐلمجلس إلى فتح قناةٍ للحوار وﭐلتعارف مع بقية ﭐلتجمعات وﭐلمجالس وﭐلطرق وأفراد ﭐلصوفية في ﭐلعالم . ويطمح ﭐلكسنـزان إلى أن يجد هذا ﭐلمجلس صداه في قلوب وعقول ﭐلصوفية في ﭐلعالم ، ليجتمعوا على تكوين مجلس مركزي عالمي للتصوف ﭐلإسلامي يكون له فروع رئيسية في كل دوله من دول ﭐلعالم . • موقع ﭐلتصوف ﭐلإسلامي((www.islamic-sufism.com وهو نافذة عصرية يطلّ من خلالها على ﭐلعالم. • موقع ( ﭐلطريقة ﭐلعليَّة ﭐلقادريَّة ﭐلكسنـزانيَّة ) وهو موقع متخصِّص بنهج وأُسلوب ومبادئ ﭐلطريقة ، وهو بمثابة ﭐللسان ﭐلناطق عنها للعالم . • تأسيس (ﭐلمركز ﭐلعالميّ للتّصوّف وﭐلدِّراسات ﭐلرّوحية ) وهو مركز أَسَّسَهُ ﭐلكسنزان في عام (1415هـ) (1994م)، ويتخصَّصُ هذا ﭐلمركز في ﭐلبحث في حالات ﭐلشّفاء ﭐلفوري ﭐلخاصة بخوارق وكرامات ﭐلطريقة !!! ، وﭐلمقارنة بين هذهِ ﭐلخوارق من جهةٍ وبين ﭐلظواهر ﭐلباراسايكولوجية من جهةٍ أُخرى وإثبات فشل ﭐلأخيرة أمام خوارق ﭐلطريقة، إضافة إلى دراسات أُخرى يتم بحثها في هذا ﭐلمركز على أيدي باحثين متخصصين . واقع هذه الطريقة الآن: نشرت صحيفة " نيويورك تايمز " الأمريكية تقريرا حول " الصوفية " في العراق وبحسب مارتن فان برونزن، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة أوترخت الهولندية ، للصحيفة الأمريكية أن الشيخ ﭐلكسنزان في بداية السبعينات والثمانينات قاد ميلشيا ضد القوى الكردية بزعامة جلال الطالباني، ثم أسس مركزا لنفسه وسط عرب العراق، وعمل سمسارا لمبيعات صدام من النفط ثم أصبح صديقا لعزت ابراهيم الدوري . لكن علاقته مع صدام ضعفت قبل الغزو وبعد فقدانه قوته انتقل هذا الشيخ إلى السليمانية في كردستان حيث يعيش تحت حماية الطالباني. وقال البروفسور الهولندي إن هذا الشيخ ساعد القوات الأمريكية بغزوها للعراق وأنه قدم معلومات لوكالة المخابرات المركزية أ.هـ ([16]). كما أوضح عدد من أهالي مدينة كركوك أن مِن المتصوفة في المدينة أخذوا يهادنون الاحتلال والحكومة المعينة خوفاً من الاعتقال، خاصة شيخ الطريقة الكسنزانية، والذي أعلن من قبل أن الجهاد في العراق ينبغي أن تنطبق عليه عدة شروط قبل إعلانه منها: صفاء القلب وتحقيق الصلة بين العبد وربه. وهو ما أثار حفيظة المقاومة العراقية وأهالي المدينة على حد سواء([17]). وبحسب شبكة البصرة: قام عدد من تلاميذ هذه الطريقة بالتجسس لحساب أمريكا وتحديداً في كشف المواقع العسكرية والإستراتيجية العراقية ومواقع القيادة ـ قبل الإحتلال ـ مستخدمين أجهزة الاتصال " ثريا " المجهزة بدعم تحديد الإحداثيات، وقد ألقت السلطات المختصة في وقتها وأثناء الحرب القبض على هؤلاء التلاميذ متلبسين في جرمهم وتم إعدامهم بعد اعترافهم بذلك، حيث اعترفوا بأن الذي دفعهم لذلك هو ( نهرو) ابن الشيخ محمد عبد الكريم، شيخ الطريقة المذكورة، وقد أكد لنا عدد من تلاميذ الطريقة أنهم فعلا قد بلغهم أن عدداً من هذه الأجهزة قد وزعت على بعض التلاميذ . وبحسب جريدة المدى الإلكترونية ([18]):(( بين أيدينا وثائق جهاز المخابرات، وثائق تتضمن مخاطبات بين أكبر مسؤولي هذا الجهاز وتقارير ورسائل ومعلومات أخرى صادرة إلى دوائر الجهاز وواردة إليه حول أفراد من عائلة المتصوفة (الكسنزانية) في مقدمتهم الشيخ محمد عبد الكريم الكسنزاني، وبينهم (نهرو) و(غاندي) و(ملاص) أولاد محمد عبد الكريم وشقيقاه آزر حسين الكسنزاني وابنه د. قلندار حسين تفضح هذه الوثائق الخدمات المشينة التي قدمها هؤلاء لجهاز المخابرات ضد أبناء شعبهم من الكرد والعرب. والغريب أن هذه الوثائق (وقد تأرخت إحداها في 8/ 3/ 2003) تشير إلى استمرار العلاقة المخزية بذلك الجهاز حتى لحظاته الأخيرة. لكن الأكثر غرابةً في الوثائق ويغلق أي باب لاحتمال أن يكون (السادة) مكرهين على التعامل مع هذا الجهاز، هو إن إحدى الوثائق كانت عبارة عن رسالة كتبها أحد أفرادهم بعد سفره من السليمانية إلى عمان وبحثه عن صديق له، هو ضابط مخابرات عراقي، ويعرض فيها خدماته على الجهاز. ما الذي يضطر هذا (السيد)؟ وما الذي يدفعه إلى هذه الخدمة.. ذلك ما قد يبرره (السادة) المتصوفة أنفسهم، فهم ما زالوا أحياء. يصف الشيخ محمد عبد الكريم الكسنزاني في لقاء له مع أحد قادة الجهاز - صدام بأنه (قلم الله على الأرض) .. هذه البلاغة الصوفية المتأخرة أعجبت الضابط فأبلغ مسؤوليه بها، حين سمعها على لسان الشيخ الصوفي الذي كان يتلقى (شكر السيد مدير الجهاز المحترم بخصوص ولائه وتطوعه) حسب ما تشير الوثيقة الخطية. وكان الشكر، شكر الشيخ، لازماً بعد تنفيذه أوامر رئاسة الجمهورية ( بشأن توجيه المدعو محمد عبد الكريم الكسنزاني بما يخدم عمل الجهاز، حيث سافر مؤخراً إلى السليمانية .. ). تصف (بطاقة معلومات المتعاون السري) التي فتحت للشيخ بتاريخ 8/ 10/ 2000 مصادر القوة فيه على إنه (عنصر فعال وذو شخصية قوية ومؤثرة في وسطه ولديه أتباع كثرة وله احترامه الكبير وسط المجتمع الديني). فيما تصف هذه البطاقة نقاط ضعفه بأنه (عنصر مادي ويحاول كسب أكبر عدد ممكن لصالح تكيته الكسنزانية) وتقول بطاقة أخرى له أنه (حصلت موافقة رئاسة الجمهورية - السكرتير على مقترح الجهاز بشأن دعمه باتجاه فتح تكايا في السليمانية بما يخدم توجيهات القيادة والجهاز لغرض الحد من نفوذ التشيع الإيراني). قبل هذه البطاقة، وفي 9/ 3/ 2000 تحصل موافقة الجهاز على سفره إلى لندن (حيث تم تسهيل سفره عن طريق نقطة فايدة - الوثيقة)، وحين يطلب من الشيخ إلقاء محاضرة في لندن في ذكرى وفاة الشيخ عبد القادر الكيلاني يتصل بمخابرات بغداد، فتمنعه هذه. وفي 25/2/2002 يبلغ الشيخ من قبل مدير الجهاز بعدم الطلب من أتباعه العرب الضباط والمدنيين المتواجدين في الداخل الذهاب إلى السليمانية. فيوافق ويطلب الموافقة على نقل تكيته من السليمانية إلى بستانه في الحد الفاصل بين أربيل والسليمانية (وذلك لتعرضه وجماعته للضغوط من قبل زمرة جلال الطالباني - الوثيقة) . أما السيد آزر عبد الكريم الكسنزاني (الأخ غير الشقيق للشيخ، كما تقول الوثائق) فهو الآخر، يقدم تقريراً غريباً. إنه من ألمانيا، وأهل زوجته في سويسرا (لجوء إنساني) يطلبون منه الإقامة معهم، فيرفض، ولا يكتفي بالرفض وإنما يخاطب المخابرات بتقرير مفضوح للنفاق على عمه ويعرض خدماته . أما السيد (غاندي محمد عبد الكريم) الذي تصفه إحدى الوثائق بأنه (أحد مصادرنا ويتواجد حالياً في السليمانية)، فيقدم طلباً لمدير الجهاز للموافقة على فتح شركة في السليمانية، تحصل الموافقة ويستغلها المدير لإشراك أحد ضباط الجهاز في هذه الشركة ومن طلاب الدورة الكردية، يجيب السيد نهرو برسالة خطية على هذا الطلب، وينتهز فرصة الرسالة لحشوها بأكبر كمية من الخدمات المطلوبة وغير المطلوبة .. وصول وفد من الأزهر إلى أربيل ودهوك .. احتمال طرد وزير الأوقاف في أربيل من منصبه .. وهكذا. في تقرير مهم آخر يقدم (المتعاون غاندي محمد عبد الكريم الكسنزاني معلومات مع تصوير فيديوي وفوتوغرافي عن معسكر فالباريز التابع لفيلق بدر في السليمانية )). للإستزادة : 1- موقع ( ﭐلطريقة ﭐلعليَّة ﭐلقادريَّة ﭐلكسنـزانيَّة http:/:www.kasnazan.com / ) . 2- موقع موسوعة الصوفية : http://www.almwsoaa.com/ . 3- موقع الصوفية : http://www.alsoufia.com/ . (3) الطريقة الرفاعية تنسب إلى أبي العباس أحمد الرفاعي ويطلق عليها البطائحية نسبة إلى مكان ولاية بالقرب من قرى البطائح بالعراق, وجماعته يستخدمون السيوف ودخول النيران في إثبات الكرامات. قال عنهم الشيخ الآلوسي: "وأعظم الناس بلاء في هذا العصر على الدين والدولة مبتدعة الرفاعية, فلا تجد بدعة الا ومنهم مصدرها وعنهم موردها فذكرهم عبارة عن رقص وغناء وعبادة مشايخهم". نسبتها: مؤسس هذه الطريقة أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن يحيى، المعروف بأحمد الرفاعي، ولد في قرية "أم عبيدة" من قرى مدينة "واسط" بالعراق سنة (512 هـ = 1118م)، وشاءت الأقدار أن يُتوفَّى أبوه قبل مولده، فكفله وعني به خاله "منصور البطائحي"، وكان رجلا ورعا صالحًا. وجاءت شهرته بالرفاعي نسبة إلى جده السابع رفاعة، وكان من أشراف مكة، وغادرها إلى المغرب، واستقر في موطنه الجديد، وظل نسله هناك حتى هاجر أحد أحفاده وهو السيد أبو الحسن علي والد الإمام الرفاعي، ونزل العراق وأقام بقرية أم عبيدة . عني منصور البطائحي بابن أخته، فحفّظه القرآن، وتلقى الرفاعي مبادئ القراءة والكتابة، ثم بعث به إلى "واسط" فتلقى العلم على شيوخها، وتفقه على المذهب الشافعي، وحفظ كتاب "التنبيه في فقه الشافعية" لأبي إسحاق الشيرازي. وبعد أن نهل من العلم عاد إلى قريته، وراحت الأنظار تتجه إليه لعلمه وصلاحه . وتُوفّي الشيخ أحمد الرفاعي بقرية (أم عبيدة) الخميس الموافق (22 من جمادى الأولى 578 هـ = 10 من آب 1182م) ، ومقامه هناك. وهي ثاني الطرق الصوفية ظهوراً بعد الطريقة القادرية. ويصل أتباعه نسبه إلى موسى الكاظم بن جعفر الصادق إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. أجمعت التراجم في الثناء عليه وأنه من أهل العلم والصلاح ، وأشار الكثير ممن ترجم له أن من ينتسبون له اليوم بواد وهو بواد ، وأن الافتراء والدس عليه ، مما لم يعد ضبطه بالإمكان ، وأهم عامل في الدس عليه ، ألا وهو أبو الهدى الصيادي . وأهم شيوخ الطريقة الرفاعية في العراق اليوم هم : 1- طه هلول عواد النعيمي الذي أخذ المشيخة عن أبيه إرثا سنة 1389هـ بعد وفاته ولا زال الابن حيا ويسكن كركوك. 2- إبراهيم عبد الكريم الجنابي. 3- مصطفى عبد الكريم الجنابي. 4- ستار الجنابي. 5- جبار الجنابي، الساكنون جميعا في قضاء الخالصي/ ديالى ويدعي كل من هؤلاء أنه شيخ الطريقة . 6- عبد الله النامس الرفاعي الذي يسكن (( صلاح الدين)) . 7- محمد عبد الوهاب الذي يسكن بغداد . 8- إبراهيم الراوي الذي يسكن محافظة الأنبار. وكل هؤلاء يزعمون أنهم شيوخ الطريقة الرفاعية . أهم عقائدها: 1- أعطوا لشيخهم الرفاعي، ولشيوخ طريقتهم من الصفات والقدرات مالا يجوز إلاّ لله، فادّعوا قدرة شيخهم على علم الغيب والرزق والموت والحياة، ونقلوا عنه قوله: "صحبت ثلاثمائة ألف أمّة ممن يأكل ويشرب ويروث وينكح، ولا يكمل الرجل عندنا حتى يصحب هذا العدد ويعرف كلامهم وصفاتهم وأسماءهم وأرزاقهم وآجالهم. قال يعقوب الخادم: يا سيدي إن المفسرين ذكروا إن عدد الأمم ثمانون ألف أمة فقط. فقال: ذلك مبلغهم من العلم. فقلت له هذا عجب. فقال: وأزيدك، أنه لا تستقر نطفة في فرج أنثى إلاّ ينظر ذلك الرجل إليها، ويعلم بها. فقال يعقوب الخادم: فقلت يا سيدي هذه صفات الرب جلّ وعلا، فقال يا يعقوب: استغفر الله تعالى، فإن الله تعالى إذا أحب عبداً صرفه في جميع مملكته، وأطلعه على ما شاء من علوم الغيب". 2- كما انتشر عندهم الشرك الأكبر، وهو صرف العبادة لغير الله، إذ قال الصيادي: "بيتان حجّ العارفون إليهما: بيت الرسول، وشبله ببطاح. أعني به المولى الرفاعي الذي خلقت أنامله من الأرباح . وللصيادي كتاب اسمه "بوارق الحقائق" مليء بالاستعانة بغير الله، والاستغاثة بالقبور. 3- يشابهون متأخرة الأشعرية من حيث تعريف التوحيد، ونفي العلو، والقول بأن القرآن قديم، وغير ذلك . الشعائر الخاصة للطريقة الرفاعية: وللطريقة الرفاعية مشاعر خاصة كشأن كل الطرق الصوفية منها: أنهم يجعلون السماع والمواجيد والتواجد من الصراخ وغيره مما درج عليه أهل التصوف ديناً ويكفرون من يقول ببدعية ذلك أو يعيبه. قالوا "وإن من أنكر ذلك فقد كفر، لأنه عاب خيراً أمر الله به، ومن عاب ما أمر الله به فهو كافر" . ومنها الخلوة الأسبوعية السنوية وتبدأ عندهم في اليوم الحادي عشر من المحرم كل عام، ومن شروطها أن لا يأكل المريد طعاماً أخذ من ذي روح، ويذكر المريد في اليوم الأول لا إله إلا الله بعدد معلوم واليوم الثاني الله الله، والثالث وهاب وهاب، والرابع حي حي والخامس مجيد مجيد.. والسادس معطي معطي.. والسابع قدوس قدوس، وكل ذلك بعدد معلوم، وكذلك أن يقول المريد بعد كل صلاة من صلوات هذا الأسبوع (اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي الطاهر الزكي وعلى آله وصحبه وسلم) يقول ذلك مائة مرة، وزعموا أن لهذه الخلوة فتوحات محمدية، وعنايات أحمدية لا تحصى وأن من فعلها شاهد من البراهين العظيمة وكأن له شأن عظيم . ولا يخف أن هذه الخلوة في هذا الوقت المخصوص بدعة ضلالة وكل بدعة في النار كما قال صلى الله عليه وسلم وأنها تشريع جديد لم يأذن به الله ولا رسوله، وأن فيها مشابه لصيام النصارى الذين يصومون عن ذوات الأرواح، وأن فيها تقرباً من الرافضة حيث يخصص الحادي عشر من محرم من كل عام بذلك حيث تنتهي مشاعر الرافضة الخاصة ليدخل مشاعر الرفاعية ولعل ذلك السبب في قولهم إن الرفاعي تأتي منزلته بعد الأئمة الاثني عشر مباشرة . وأما تخصيصهم كل يوم بذكر خاص فهو بدعة، وأما ذكرهم الله بالاسم المفرد فقط الله، حي، مجيد فبدعة عظيمة ولم يرد ذكر الله بالاسم المفرد مطلقاً.. بل لا يذكر الله إلا بجملة مفيدة نحو (لا إله إلا الله) فهي جملة (وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله)، ونحو ذلك فكلها جمل تفيد معنى تعظيماً، فكل من ذكر الله باسم فرد من أسمائه فهو مبتدع . ومن مشاعرهم ما يسمى بالاستفاضة وهي ربط قلب المريد بقلب الشيخ طلباً لإفاضة العلم الباطني إليه، وهذه بدعة صوفية معلومة. ففي التربية الصوفية يطلب من المريد أن يستحضر روح شيخه عند الذكر ويتمثله أمامه ويطلب من شيخه أن يربط روحه بروح الرسول الذي يزعمون أنه يفيض العلوم والأسرار على قلوب شيوخ الصوفية. وهكذا يكون المريد الذي دخل الخلوة، وذكر هذه الأذكار المبتدعة، وقطع نفسه بالظلام على هذا النحو يعود بنفس أخرى وحال أخرى غير الحال التي دخل بها . وهذا سر قولهم إن لهذه الخلوة أسراراً وبراهين عظيمة، ولو علموا أنهم يربطون قلوبهم بالشياطين لعرفوا الحق المبين وأنهم نهوا عن سلوك الطرق المعوجة لأنه لا توصل إلا إلى الهاوية والضلال المبين . وقد جعل الرفاعية الفضيلة العظمى والشرف الأسمى لهم على سائر الفرق ببركة الرفاعي فإن الله قد أبرد لأتباعه النيران، وأزال لهم فاعلية السموم، وألان لهم الحديد، وأذل لهم السباع والحيات والأفاعي، وأخضع لهم طغاة الجن . ولذلك فإنهم في موالدهم ومؤتمراتهم العامة يأتون بمن يشعل النار ويدخلها إلى فمه، ومن ينفخ ناراً من فمه على هيئة التنين.. ومن يحمل الأفاعي ويلعب بها، ونحو ذلك من الشعوذات والخزعبلات التي لا يكاد يخلو منها قوم من أقوام أهل الشرك كالهنادك والفرس، وغيرهم . فروعها: لها فروع كثيرة: كالواسطية المتفرع عنها فروع، والطريقة البدوية التي أسسها أحمد البدوي، وتفرع عنها الطريقة العلوانية. وللرفاعية فروع أخرى مثل: الأعزبية والحريرية والشمسية والكيالية والسبسبية والعزيزية والعجلانية والقطنانية والجبرتية، ومنها فروع العيدروسية والزينية. وللطريقة الأم كذلك فرع الصيادية، والمتفرع عنها البازية والشباكية، ولكثير من هذه الفروع، فروع . للإستزادة : 1- "تهذيب الرفاعية" للشيخ عبد الرحمن دمشقية . 2- "الطرق الصوفية" للسهلي . 3- "الموسوعة الصوفية" . 4- شبكة الراصد الإسلامية / والمواقع الخاصة لهذه الطرق على شبكة الانترنت. 5- موقع موسوعة الصوفية : http://www.almwsoaa.com/ . 6- موقع الصوفية : http://www.alsoufia.com/ . يتبع... |
#12
|
|||
|
|||
(4) الطريقة النقشبندية
تأسست الطريقة النقشبندية في القرن السادس عشر في تركستان (آسيا الوسطى) وبالذات في بخارى وطشقند، ثم انتشرت في الهند وايران، وتنسب إلى ولي الله شاه نقشبند محمد بهاء الدين( 717هـ - 791هـ ) الذي نشأ وعاش في الهند، ومن هناك انتشرت في البلاد الإسلامية. بعدها انتشرت في العراق وعموم الشرق الأوسط على يد واحد من ابرز شيوخ الطريقة هو خالد البغدادي .. يعتبر (خالد البغدادي) ([19]) من أهم الشخصيّات البارزة في تاريخ الطريقة النقشبنديّة، وأوسعهم شهرة بين الخاصّة والعامّة، وانجحهم تلوّنًا في استمالة قلوب الناس والاستيلاء على ضمائرهم وإلقاء هيبته عليهم . اسمه الكامل هو أبو البهاء، ضياء الدين خالد بن أحمد بن الحسين الشهرزوري البغداديّ المعروف بين أتباعه بعنوان »مولانا خالد ذو الجناحين« . ولد البغداديّ عام 1192 هـ الموافق لسنة 1778 م بمحل اسمه »قره داغ« على مقربة من مدينة السليمانية العراقيّة. ومات بالطاعون في مدينة دمشق عام 1242 هـ الموافق لسنة 1826 م . اشتغل خالد بالتدريس مدةً في السليمانية وبغداد . كان خالدٌ ذا طموح وعزيمة لا حدود لهما. أثارتْهُ آمالُهُ إلى المغامرة بما لم يتجرّأ على اقتحامه أحد من رجال الدين في عصره ولا بعده ! »وكان متشوّقًا بعد رجوعه من الشام إلى مرشدٍ من فحول الرجال حتّى جاء إلى السليمانية رجلٌ هنديّ يسمى مِرْزَا رحيم الله بِكْ المعروف بمحمد درويش العظيم آبادي. أحد خلفاء الشيخ الدهلويّ، فاجتمع به وعرض عليه مطلبه. فقال لـه: »إنّ لي شيخًا كاملاً مرشدًا ... نقشبنديّ الطريقة ... فَسِرْ معي حتّى نرحل إلى خدمته في جِهَانْ آبَادْ، وقد سمعتُ منه إشارةً بوصول مثلك ثم إلى المراد« . مكث خالدٌ البغداديّ في مدينة جهان آباد (دلهي) مدة عام كامل. عدا ما أمضى من الوقت في السفر ذهاباً وإياباً. لأنّه بدأ رحلته عام 1224 من الهجرة وعاد سنة 1226هـ . اشتهر خالدٌ البغداديّ بعد عودته من الهند بصورة غير معهودة، وذهب صيته إلى أقصى بقاع المملكة العثمانيّة مما أثار الشكوكَ حوله في نفس الخليفة العثمانيّ السلطان محمود الثاني بالذات وفي أوساط حكومته. لأنّ أتباعَ خالدٍ البغداديّ كانوا يسعون بحماسة شديدة لنشر طريقتهم في جميع أنحاء المملكة، وكانت لهم نشاطات كثيفة حتّى في مدينة إسطنبول عاصمة الدولة. فقد ورد على لسان أحد المؤرّخين العثمانيّين ما قد عرّبه عباس العزّاويّ كما يلي :»منذ خمسة أشهر مضت، ورد إلى إسطنبول بعضُ خلفاءِ الشيخ خالد المتوطّن في الشام، وهو من علماء السليمانية، وانتشروا في مساجد إسطنبول وجوامعها، وبثّوا الدعوةَ إلى طريقتهم، فانتسب إليها جماعةٌ من أكابر إسطنبول وعلمائها، ونالوا شهرةً في بلاد العربِ والتُّرْكِ، وصاروا يسمّون دعاتهم (الخلفاء)؛ فأذاعوا هذه الطريقة، وسعوا سعيًا حثيثًا في ترويجها وكسب المريدين لها. وعلى هذا نُفي من إسطنبول مشاهيُر الطريقة النقشبنديّة وأعوانُهم في 21 من شهر رمضان سنة 1234هـ . 1817م ليلاً . وتم إصدار الأوامر بالبحث والتحقيق مع خالد البغداديّ، رئيس الطائفة. وذلك بإيعاز من أحد رجال الدولة يُدْعَى حَالَتْ أفندي. فقام بهذه المهمّة داود باشا والي بغداد. الذي برأه مما نسب إليه فى التقرير الذى كتبه، وتعهّد الوالي داود باشا في نهاية التقرير »أنّ خالدًا لن يتدخّل في أيِّ شئٍ من شؤون الدولة أبدًا«. اطمأنتْ السلطةُ لا شك بعد هذا التحقيق الّذي أثبتَ ولاءَ خالدٍ للخليفة. إذ أنّ الموقع الجغرافيَّ الّذي اتخذته الفرقة الخالدية مركزًا لها يومئذ - وهو بلاد الشام والعراق - كان على تخوم منطقة الوهّابيّين، خاصّة و أنّ هذا الموقع كان بمنـزلة الدرع لمنطقة آناضول التركية ضد انتشار عقيدة التوحيد بدافع نشاطات النقشبنديّين على امتداد هذه الساحات الشاسعة . ومن شيوخ هذه الطريقة في العراق: مصطفى كمال الدين النقشبندي الذي توفي 1408هـ /1988م وتولى المشيخة بعده إرثا عنه الدكتور عبد الله ولا زال يتولاها. (5) الطريقة البكتاشية البكتاشية طريقة صوفية شيعية الحقيقة والمنشأ، لكنها ترعرت في بلاد أهل السنة في تركيا ومصر في منتصف القرن السابع الهجري وما زال لها أتباع إلى اليوم. تنسب هذه الطريقة إلى خنكار الحاج محمد بكتاش الخراساني النيسابوري -المولود في نيسابور سنة 646هـ وينسب خنكار هذا نفسه إلى أنه من أولاد إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما . ويقال إنه تلقى العلم عن الشيخ لقمان الخراساني ولا يعرف من لقمان هذا .. ولكن يقال إنه هو الذي أمره أن يسافر إلى تركية لنشر طريقته الصوفية، فسافر أولاً إلى النجف في العراق، ثم حج البيت وزار وسافر بعد ذلك إلى تركية، وكان هذا في زمان السلطان أورخان العثماني المتوفي سنة 761هـ. ودرس أيضا علي احمد البوي ، توفي سنة 738 هـ في عهد السلطان خذا وندكار في قرية (قرشهر). ودفن في محل سمي باسمه (حاجي بكتاش) ومازال مرقده مزارا يؤمه اهل التصوف . وقيل ان المؤسس الحقيقي للطريقة البكتاشية هو (بالم بابا) المتوفي سنة 922هـ الا انه ذكر في بيان الاولياء علي انه (الپير الثاني) فيكون الحاج بكتاشي هو (الپير الاول). وقد تأثرت البكتاشية بالحروفية تأثرا عظيما ولذلك فلفضل الله الحروفي وكتابه (الجاويدان) المقام الاسمى عند البكتاشية وقد تفشت هذه الطريقة في الاناضول والبلقان فدان بها الالبانيون، وعندما حصل لهم الاتصال الوثيق بالانكشارية صاروا لهم بمثابة الائمة، بل انهم كثيرا ما يطلق اسم البكتاشية علي الانكشارية فيقال لهم (اتباع الحاج بكتاش). البكتاشية يحبون الامام علي حبا مفرطا ويبجلون الائمة الاثني عشر تبجيلا عظيما سيما الامام جعفر الصادق. واقتبس البكتاشيون بعض عقائدهم من النصارى مثل ترديدهم "الله محمد علي" بما يشبه عقيدة التثليث، وكذلك يوجد عندهم "الاعتراف" -كما هو عند النصارى- بأن البكتاشي اذا اخطأ او ارتكب اثما هرع الي (البابا) واعترف له بما ارتكبه وتلقي منه المغفرة، كما يشير بعض الباحثين والمطلعين على خباياهم أن البكتاشية أخذت من النصارى فكرة العشاء الذي يتجرع فيه الشيخ الخمر مع تناول الجبن!. و البكتاشيه طريقة صوفية لا يتيسر الانخراط في سلكها الا بعد مضي مدة التجربة وهي الف يوم ويوم. و الشبك يكررون في اجتماعاتهم لفظة الف الله م محمد ع علي تكرارا مستمرا متواليا في جميع اذكارهم واورادهم وادعيتهم. أصول الطريقة البكتاشية: الطريقة البكتاشية مزيج كامل من عقيدة وحدة الوجود، وعبادة المشايخ وتأليههم، وعقيدة الشيعة في الأئمة. يقول أحمد سري (دده بابا) شيخ مشايخ الطريقة: "الطريقة العلية البكتاشية هي طريقة أهل البيت الطاهر رضوان الله عليهم أجمعين" (الرسالة الأحمدية ص67) . ويقول أيضاً:"والطريقة العلية البكتاشية قد انحدرت أصولها من سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعن أولاده وأحفاده إلى أن وصلت إلى مشايخنا الكرام يداً بيد، وكابر عن كابر، وعنهم أخذنا مبادئ هذه الطريقة الجليلة" (الرسالة الأحمدية ص69). كما تعتبر الطريقة البكتاشية خليطاً من الطرق التي تقدمتها: القلندرية، اليسوية،والحيدرية، وهي الطرق التي سايرت البيئة التركية التي تفشت فيها من قبل العقيدة الشامانية. والبكتاشية هي إحدى النماذج الواضحة على التقاء الفرق واتفاقها على محاربة منهج أهل السنة، وهذه الفرقة توضح كيف التقى التشيع والتصوف في بوتقة واحدة تأكيداً للذين وصفوا هاتين الفرقتين بأنهما "وجهان لعملة واحدة"، وتأكيداً للذين وصفوا الطرق الصوفية بأنها هي البداية التي دخل عن طريقها الفكر الشيعي الغالي إلى العالم الإسلامي السني. والبكتاشية يرون شرب الخمر حلالاً وأنه شراب آل محمد – حاشاهم – ويرون أن عثمان هو الذى كتب القرآن ولذلك لا يعترفون به، وينتظرون القرآن الذي سيأتى به المهدى، وهم لا يصلون الصلوات الخمس، ولا يصومون رمضان، ولا يدخلون المساجد؛ لأن علياً رضي الله عنه استشهد في المسجد وهو يصلى في رمضان، ويحرمون المنبر لأن معاوية كان يشتم علي على المنابر . ويجب عندهم صوم عشرة عاشوراء خلاف الشيعة التي تحرم صوم عاشوراء ، ولهم صلاة خاصة على شكل حلقة دائرية يتوسطها سيدهم حيث يسجدون سجدتين باتجاهه . ولهم عدة كتب خطية لا يطلعون أحداً عليها . مراتب الطريقة البكتاشية: قسم أرباب هذه الطريقة المنتسبين إلى طريقتهم على النحو التالي حسب درجاتهم: 1ـ العاشق: الذي يحب الطريقة ويتعلق بمبادئها، ويكثر من الحضور إلى التكية، ويرشحه الشيخ ليكون في المنزلة التالية وهي درجة الطالب. 2ـ الطالب: الذي يرشحه الشيخ للانضمام، ليتقبل الإقرار، ويعطي العهد، وتقام له حفلة بذلك. 3ـ المحب: وهو الطالب الذي انتسب لهذه الطريقة بعد حفلة الإقرار والبيعة. 4ـ الدرويش: الذي يتبحر في آداب الطريقة وعلومها، ويهب نفسه للخدمة العامة فيها. 5ـ البابا: وهي درجة المشيخة ولا يصل إليها الدرويش إلاّ بعد مدة طويلة. 6ـ الددة: وهو الخليفة، ولا يمنح هذه المنزلة إلاّ شيخ المشايخ، ويكون الددة رئيساً لفرع من فروع الطريقة في قطر ما. 7ـ الددة بابا: شيخ مشايخ البكتاشية، وينتخب من بين الخلفاء، وهو المدير العام لشؤون الطريقة في العالم، وهو الذي يعين البابوات، وله حق عزل المشايخ. للاستزادة: 1ـ الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة ـ الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق . 2ـ موجز تاريخ التركمان في العراق ، شاكر صابر الضابط ، الجزء الأول ، بغداد 1961 . 3ـ الأديان والمذاهب بالعراق ، رشيد الخيون ، منشورات الجمل ، كولونيا 2003 . 4- شبكة الراصد الإسلامية / والمواقع الخاصة لهذه الطرق على شبكة الانترنت. 5- موقع موسوعة الصوفية : http://www.almwsoaa.com/ . 6- موقع الصوفية : http://www.alsoufia.com/ . (6) الطريقة المولوية المولوية هي إحدى الطرق الصوفية التي تنتشر بشكل خاص في تركيا وسوريا، وتنسب إلى الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي، المعروف عند أصحابه باسم "مولانا" أو "مولوي"، وتشتهر هذه الطريقة بالرقص الدائري والغناء واستعمال الناي . وأصل بدعتهم هذه أنهم يقولون إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، كان يرقص على طريقتهم ، يدور دوراناً مستمراً ، وحصل له ذلك ، بعد أن سأله الله أن يرضى عنه . ولد مؤسس هذه الطريقة جلال الدين محمد بن محمد الحسين البلخي سنة 604هـ (1207م)، في مدينة بلخ (من أعمال خراسان)، فهو إذاً فارسي الأصل، لكنه هاجر وهو صغير مع والده حتى استقر في قونية (عاصمة الدولة السلجوقية) والواقعة في جنوب تركيا، وبها أقام وتوفي سنة 672هـ (1273م). وبعد أن كان مدّرساً للفقه، تحول المولوي إلى التصوف على يد شمس الدين التبريزي، الذي سأله: لماذا تأخذ نفسك بدراسة الفقه؟ فأجاب المولوي: لأعرف الشرع، فقال التبريزي: أليس الأجدى أن تعرف صاحب الشرع! وبهذا المنطق الغريب صرف التبريزي المولوي عن دراسة وتدريس العلوم الشرعية، إلى براثن التصوف بحجة أن الأجدى هو معرفة الله سبحانه وتعالى لا معرفة الشريعة، وقد تعلق المولوي بأستاذه التبريزي تعلقاً كبيراً إلى الدرجة التي جعلته يحبس نفسه معه في حجرة واحدة أربعين يوماً . وإضافة إلى تتلمذه على يد التبريزي، فقد زار جلال الدين المولوي دمشق، واتصل بشيخ الصوفية الأكبر محيي الدين بن عربي (560ـ 638هـ) وتلاميذه، ومنهم سعد الدين الحمومي، وصدر الدين القونوي. وقد عاصر المولوي عدداً من شيوخ الصوفية أبرزهم أبو الحسن الشاذلي، مؤسس الطريقة الشاذلية. وقد ترك المولوي عدداً من المؤلفات أشهرها: 1ـ المثنوي: ويضم أكثر من 25 ألف بيت من الشعر، تم جمعها في ستة مجلدات ضخمة، وهو ذو مكانة خاصة عند الصوفية، وقد وصف الرومي كتابه هذا بأنه "فقه الله الأكبر"! والفرس يسمونه "قرآن بهلوي" أي قرآن الفارسية . 2ـ ديوان شمس تبريز: ويحتوي على آلاف الأبيات الشعرية، والرباعيات في الغزل الوصوفي. 3ـ كتاب "فيه ما فيه": وهو كتاب قصص وأمثال ومواعظ وذكريات. 4ـ المجالس السبعة: ويشمل على سبع مواعظ دينية وخطب ألقاها أثناء اشتغاله بالتدريس. أهم العقائد والأفكار والسلوكيات: تتشابه عقائد المولويين مع عقائد عموم الصوفية وطرقهم، التي تم الحديث عنها ، كالإيمان بوحدة الوجود، وصرف بعض أنواع العبادات لغير الله، كالاستغاثة بالأولياء وطلب العون والشفاء والحاجات من شيوخهم، ونود أن نشير إلى عقائدها البارزة وأفكارها التي عبّر عنها الرومي بوضوح في مؤلفاته وأشعاره، ومن ذلك: 1ـ إيمان المولوي بوحدة الأديان، وأنه لا فرق بين الإسلام والنصرانية واليهودية، وسائر الأديان ... ولذلك دخل في الطريقة المولوية العديد من اليهود والنصارى . 2ـ تكرر في كلام الرومي الإيمان بوحدة الوجود ، ووجه الربط في ذلك أن "عقيدة وحدة الوجود، هي التي ترى كل الأديان صحيحة، لأن كل المعبودات هي الله وكل شيء هو الله" . 3ـ للرومي ميول شيعية واضحة وغلو في علي رضي الله عنه وآل البيت، شأن معظم المنتسبين إلى الطرق الصوفية، ومن ذلك قوله: منذ كانت صورة تركيب العالم.... كان عليّ منذ نقشت الأرض وكان الزمان.... كان عليّ ذلك الفاتح الذي انتزع باب خيبر بجملة واحد... كان عليّ كلما تأملت في الآفاق ونظرت فيها أيقنت بأنه في الموجودات... كان عليّ إن من كان هو الوجود ولولاه لسرى العدم في العالم الموجود.... كان عليّ إن سر العالمين الظاهر والباطن الذي في شمس تبريز..... كان عليّ يقول الدكتور الحفني بعد إيراده لهذه الأبيات: "فهل لهذا الكلام معنى آخر سوى أن عليّاً هو الله؟!!" . 4ـ الدعوة إلى الاستغناء عن العلم الشرعي، وتفضيل علوم التصوف وخرافاته. وقد أورد الرومي قصة في كتابه "المثنوي" مفادها أن رجلاً جلس في حضرة حبيبه، فأخرج كتباً في الغرام وأخبار العشاق، وأخذ يقرأ فيها، فقال المعشوق منكراً: إن كان هذا من أجلي، وبعد أن وصلت إليّ فهو تضيع للعمر، أنا حاضر إلى جوارك وأنت تقرأ الكتب؟! أنا معك وأنت منشغل عني، ما هذه أمارة العاشقين. يقول الدكتور القصيّر: "وترمز هذه القصة إلى اعتقاد المتصوفة استغناءهم عن العلم الشرعي بعد الوصول إلى حقيقة، وبلوغ مرتبة اليقين" . 5ـ الانحلال والاستهانة بأحكام الشرع، كما أن أذكار المولوية قائمة على الرقص والموسيقى ـ وينقل الرّحالة سيبروك شيئاً من ولع شيخ المولوية في طرابلس بالتدخين، بعد أن حلّ ضيفاً عليه، فيقول: "كان واضحاً أن ضيافة الدراويش لا تقشف فيها، إذ سرعان ما وجدنا أنفسنا ندخن سجائر من القاهرة فاخرة مذهبة الأعقاب، ونرشف شراباً ضارباً إلى الخضرة من عصير العنب الأبيض والليمون المعمول حديثاً. دخّن الشيخ المولوي وشرب معنا". ويقول الرّحالة في موضع آخر: "... ووجدت صعوبة في التوفيق بين هذه الصورة الذهنية (زهد الصوفية) والحقيقة التي أمامي (تمتع شيخ المولوية بالطعام والشراب والملذات) وأنا أراقب الشيخ شفيع وهو يدخن سيجارة ومذهبة العقب تدخين مترف، ويحتسي القهوة احتساء خبير حسن الذوق" . أذكارهم ورقصاتهم: ارتبط اسم المولوية بالغناء والموسيقى والرقص. ولآلة الناي مكانة كبيرة عند المولوية وشيخها الرومي الذي يقول: " استمع للناي كيف يقص حكايته، فهو يشكو آلام الفراق في صوت هو شكاية، ويقول به إنه منذ قطعوه من الغابة والناس يبكون ببكائه، وصدره يمزقه الفراق ... ويتميز المولوية بالرقص الدائري من قبل الدراويش المصاحب للموسيقى، ويعتقدون أن رقصهم هذا يوصلهم إلى الله، بل والاندماج معه سبحانه ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ . يقول شيخ المولوية السابق في طرابلس شفيع مخاطباً الرحالة الأمريكي سيبروك: "إن جميع الدروب تنتهي إلى الله، وعلى كل إنسان أن يختار الدرب الذي يراه أفضلها له. ولكنك تريدني أن أتكلم على الدرب الذي اخترناه نحن المولوية، كيف نسعى من خلال الرقص إلى الاندماج في الانسجام العلوي" . ونظراً لانغماس المولوية في الموسيقى والغناء الذي حسبوه ذكراً لله، كان أبرز الملحنين الموسيقيين الأتراك من المولوية. وقد أطلق على المغني أو المنشد أو الدرويش الذي يؤدي أغانيهم اسم "سَماع زَن" sema zen ، أو مَولد خان . أهم شخصياتهم: بعد جلال الدين الرومي، تولى رئاسة الطريقة تلميذه حسام الدين الحلبي، ويقول المولوية أن الرومي كان شديد التعلق بتلميذه! وان التلميذ هو الذي أشار على الأستاذ بكتابة مؤلفاته. وبرز في هذه الطريقة محمد باقر الشلبي الذي كان شيخاً لها في قونية في العشرينات من القرن الماضي، والشيخ شفيع المولوي شيخ الطريقة في طرابلس، وغيرهم. للإستزادة : 1- شبكة الراصد الإسلامية / والمواقع الخاصة لهذه الطرق على شبكة الانترنت. 2- الموسوعة الصوفية . 3- التصوف الإسلامي وتاريخه . 4- موقع موسوعة الصوفية : http://www.almwsoaa.com/ . 5- موقع الصوفية : http://www.alsoufia.com. يتبع... |
#13
|
|||
|
|||
(7) الكـاكـائـية
الكاكائية هي إحدى الجماعات والفرق التي تنتشر في شمال العراق، ويختلف المؤرخون والباحثون حولها اختلافاً كبيراً بسبب الغموض والسرية والرمزية التي تحيط عقائدهم، إضافة إلى تداخل الأديان والمذاهب في عقائدهم. بدأت الكاكائية تنظيما اجتماعيا عفويا قائما على الشباب والفروسية، ثم دخل إليها مزيج من الأفكار والعقائد المستمدة من التصوف والتشيع المتطرف والمسيحية والفارسية، وهي ليست دينا أو مذهبا خاصا ولكنها خليط من الأديان والمذاهب، ولعلها حركة باطنية سرية . أصل التسمية: الكاكائية نسبة الى كلمة (كاكه) الكردية و تعني "الأخ الأكبر" و بهذا تكون الترجمة الحرفية لكلمة الكاكائية، "الأخية".ويقال في سبب تسميتها أن أحد رؤسائها المؤسسين لها كان من السادة البرزنجية في أنحاء السليمانية فبنى تكية في قرية برزنجة وضعت لسقفها العمد، ولكنها قصرت عن جدران البناء فقال لأخيه مدها أيها الأخ "كاكا" ومن ثَم مدّها، فطال الخشبُ كرامةً، وصاروا يدعون "بالكاكائية" لهذه الحادثة. موطنها: الكاكائية جماعة او عشيرة كردية موطنها الرئيس هو مدينة كركوك، وعلى ضفاف نهر الزاب الكبير في منطقة الحدود العراقية الإيرانية. وتسكن اغلبها في كردستان الجنوبية و خصوصا في كركوك و خانقين و مندلي و جلولاء و هولير و السليمانية و هورامان ، و كذلك في كردستان الشرقية: في قصر شيرين و صحنة و كرماشان و سربيل زهاو. كما لهم وجودٌ ملحوظ في تلعفر. والساكنون منهم في كردستان الشرقية يسمون "أهل الحق". ويطلق عليهم أيضا: الصارلية، واليارسانية. البداية: الكاكائية طريقة صوفية ظهرت الى الوجود على شكلها الحالى في القرن السابع الهجري على يد فخر العاشقين سلطان اسحاق البرزنجي المولود سنة 671 للهجرة. وسلطان اسحاق هو مؤسس و مجدد هذه الطريقة الصوفية و التي ظهرت بوادرها في القرن الثاني للهجرة على يد قطب العارفين عمرو بن لهب الملقب بـ (بهلول). وكلمة يارسانية تتشكل من ( يار ) و( سان ) في الكردية والفارسية، وتعني الأولى صديق أو محبوب، اما الأخرى فتعني الشاه أو السلطان، فيكون معناها أتباع أو اصدقاء سلطان إسحق. ولا يعرف لهم عدد حاليا، لكن عدّهم الكرملي عام 1928 بحوالي عشرين ألف نسمة. لهم في كركوك 60 بيتاً، وعلى نهر الزاب 480 بيتاً، وفي خانقين نحو 560 بيتاً. أهم عقائدهم: تتصف عقيدة الكاكائية بالغلو الشديد ولعل أشد المؤثرين على عقيدتهم هو الحسين بن منصور الحلاج . والكاكائية لا يصرحون بعقيدتهم ولا يعلنون عنها، ويذكر اعتقادهم في تأليه الامام (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه على ان ابرز معتقداتهم كما يلي : الاعتقاد بالله تعالى: وهذا عندهم من أكثر العقائد غموضاً فهم يرون أن الله سبحانه وتعالى لا يصح وصفه أو نعته ولا تسميته حتى، أو الاتصال به من طريق ما إلا في حالة واحدة بأن يظهر في الأشخاص رأفة منهم بهم وانه سبحانه يبرز بطريقة / وحدة الوجود: وهي ظاهرة في شعرهم وهي أصل الحلول حيث لا يسلم بالحلول الا بعد التسليم بوحدة الوجود وهم في هذا يشتركون مع الصوفية، حيث يعتقدون ان الكون هو الله، والكل يرجع إليه ويعود الى حقيقته . / التناسخ: وهذا من عقائدهم الأصلية وهو نتيجة للحلول، فإذا لم يتم التناسخ فلا يكون الحلول ابداً، ومعناه عندهم انتقال الروح العادية من بدن إلى آخر حتى تطهر وتكون صالحة مجردة عما ارتكبته من أعمال أو ما اقترفت من آثام / القرآن الكريم: الكاكائية لا يتلون القرآن، ويعد في نظرهم غير معتبر لأنه من جمع عثمان رضي الله عنه . / اليوم الآخر: يقصدون به يوم " ظهور الله" في شخص وحلوله فيه، وهذا ينطبق مع اعتقاد الصوفية، كالاعتقاد باليوم الآخر من أركان الإيمان التي يجب على المسلم الإيمان بها. ولبيان اعتقاد الكاكائية في اليوم الآخر بشكل أكثر، لننظر ماذا يلقنون موتاهم فهم يقولون للميت "اذا جاءك منكر ونكير فقل عندي كذا حنطة وكذا شعير. وكلها مدخرة في المخازن الفلانية، فإذا لم يرض فأعطه صحن عدس، وفنجان خمر فإن لم يقبل فقل انا كاكائي أغرب عني، واذهب الى غيري! وحينئذ يذهب عنك وامض أنت إلى الجنة!!"وهذا الكلام يدل على أن الكاكائية لا يلقنون الميت الشهادتين ولا يبالون بالموت مما يؤيد الانتقال والتناسخ، ولذلك فإن الكاكائية لا يبكون على ميت بعويل وصراخ والحزن غير جائز بل انهم يحتفلون ويدقون الطبول ! ويعتبرون أن طريقتهم تقوم على أربعة أركان : الطهارة، الصدق، الفناء، والعفو. 1- الطهارة: حيث على كل واحد منهم أن يكون طاهرا، أي نظيفا في الظاهر والباطن، ويجاهد النفس بجعلها نظيفة، سواء في الجسم، أو الروح، اللباس، الفكر، أو العمل. 2- الصدق: أي السبيل الصحيح، والقيام بما امرنا الله به. 3- الفناء ( في الله ): بمعنى الابتعاد كليا عن التكبر والغرور والأنانية وهوى النفس، والرذائل الأخلاقية، لكي يتم التسامي إلى الحق تعالى. 4- العفو: أي المغفرة، والإحسان، حيث يجب على كل إنسان مد يد العون والمساعدة للمحتاجين، لكي يكسب رضى الله ومحبته. ويقولون إن من يستند إلى هذه الأركان الأربعة في حياته، يصل الى مرحلة الفناء في الله، وتستجاب دعواته، وينال لطفه ورحمته. وتجمع هذه الطريقة بين التصوف و بعض الافكار الفلسفية من الاديان و المعتقدات الاخرى كمثال تناسخ الارواح المقتبسة من البوذية. و بما انها تعتقد بتناسخ الارواح فإنهم يعتقدون بأن روح الامام علي بن ابي طالب تتجسّد في جسد مؤسس الطريقة السلطان اسحاق البرزنجي و لهذا فان الكاكائية يغلون في الامام علي. كما ان الكاكائية لها صلات قريبة مع العلوية و البكتاشية و اليزيدية. وقد ذكر عباس العزاوي من عقائدهم الخاصة أنهم يحـرّمون الخمرَ، ويحترمون يومي الإثنين والجمعة، ويَتْلوَن الأدعيةَ الخاصّةَ بهم، ويقـرّون الطلاقَ، ولكن برضى الرجل والمرأة، فهو عندهم كعقد الزواج، لا يجوز إلا برضى الإثنين، لكنهم لا يبيحون تعددَ الزوجات، وألا يتزوج الشيخُ ابنة مريده، ولا يتزوج المريدُ ابنة شيخه (الكاكائية في التاريخ ص 70) . المؤسس سلطان إسحق: ولد سلطان إسحق، عام 675 هجرية، في قرية " برزنجة" التابعة لقضاء حلبجة، في محافظة السليمانية. والده هو عيسى بابا علي الهمداني، وأمه خاتون دايراك رمزبار. بعد وفاة والده نشبت خلافات بينه وبين أخوته، فأنتقل إلى قرية شيخان، في منطقة هورمان، وتوفي عام 798هـ ، وضريحه هناك. كان له العديد من المريدين من الصين والهند، بخارى وأقاليم إيران، حيث حققت طريقته نجاحا كبيرا في عهده، وإنتشارا واسعا. وجاء في مذكرات " كاكاردائي" المخطوطة عن سلطان إسحق: ( تلقى سلطان أسحق العلم عند الملا إلياس الشهرزوري في خانقاه ( الحجرات)، وفي شبابه، انتقل الى بغداد، ليواصل تعليمه في المدرسة النظامية، ثم في دمشق، خاتما تحصيله فيها، ليرجع الى مسقط رأسه، ويبني مسجدا، ويقوم بارشاد وتربية الأهالي هناك، وبعد فترة يحج الى بيت الله، ويعود الى قرية برزنجة. بعد وفاة والده، وبسبب عدم الوئام مع أخوته، يهاجر الى قرية شيخان في منطقة هورمان، ويؤسس طريقة " يارسان"، ويعيش هناك حتى وفاته) . إلا إن أنصار " أهل الحق " لا يقبلون بهذه الوثيقة أعلاه، مدعين بأن سلطان كان ينعم بعلم الغيب، ولم يكن بحاجة لتلقي العلم من البشر. ويمكن أن يستنتج من قصائد الملا إلياس الشهرزوري، احد كبار علماء شهرزور، ان سلطان إسحق قد تلقى العلم منه، وبسبب خلافاته مع أخوته، يتجه الى قرية شيخان، ويؤسس طريقته التصوفية الجديدة.وقد استعان في ذلك بعناصر مهمة من الأفكار الروحانية والدينية القائمة قبل الإسلام في إيران مثل الزردشتية والمزدكية والفكر اليهودي والمسيحي، وكذلك التيارات التي ظهرت بعد الاسلام، وخصوصا في غرب إيران. وكانت لسلطان إتصالات بالنصيرية . وقد أنشد الشعر، وقصائده مدونة في كلام الخزانة، كما كتب كتابا في تفسير القرآن، لكن ليست ثمة معلومات عن هذا التفسير. أما مولده فإن أنصاره يرددون قصة مختلقة ، حيث تقول القصة: ... في يوم ما بينما كان الدراويش يعملون في الحقل، تأتي إليهم " دايراك" – أم سلطان- وتجلس عندهم، وفجأة يدوي صوت هائل في السماء، وتسقط قطعة نور حوالي " دايراك " فيحملها الدراويش إلى المنزل، وبعد فترة تلد ولدا، سموه " سان إسحق " أو " سلطان إسحق "، ويرى الدراويش بأبصارهم الداخلية، علامات الآلهية على جبين الوليد. وعندما يتأمل داود أعمال سلطان إسحق، يدرك بأنها تجليات آلهية، وأن أمامه آفاقا رحبة، ويحمل مستقبلا باهرا للمنطقة. وفي إشتداد عوده، تبدو علامات النباهة واضحة عليه، مما يثير دهشة الشيخ عيسى، فيأخذه معه إلى مكة لحج بيت الله، ويلاحظ إشارات الفيوضات الإلهية على ابنه، وعندما ينوي أن يشهد على ذلك، يفقد النطق، وفي طريق العودة يقضي نحبه، فيعود سلطان إسحق إلى مسقط رأسه ثم يبدأ بتأسيس طريقة " اهل الحق". أبرز شخصياتهم التاريخية والمعاصرة: 1- الامام احمد ابن ميره بگ: و هو حفيد ابراهيم ابن محمد ابن السلطان اسحق. ولد في كركوك في القرن الثامن الهجري. كان والده قد ترك شهرزور و قصد هذه المدينة للتبشير بالكاكائية. و قد التف الكثيرون من اكراد كركوك حوله . و اشتهر بين العامة من الناس بالامام احمد، أما الكاكائية فيسمونه بـ (الخان احمد) وقد توفى في نهاية القرن الثامن للهجرة ودفن في محلة المصلى بكركوك. ضريحه و المقبرة التي تضمه تسمى باسمه أي الامام احمد. و قد دأب سادة الكاكائية بدفن موتاهم في هذه المقبرة منذ القرن الثامن للهجرة. وهناك اعتقاد سائد بين الناس و خصوصا كاكائية كركوك بان الامام يشفي المرضى، لذا فان الناس يقصدون ضريحه للشفاء من الأمراض. واليوم المفضل لزيارة الامام هو يوم الاربعاء. 2- العم نظر الگرمياني: هو ابن عم قيصر ابن محمد و يعرف بـ (درويش نظر الگرمياني) ولد في كركوك سنة 1786م. كان عالما باصول الصوفية، وكتب الكثير من اشعار التصوف باللغة الكردية. توفي سنة 1875 ودفن في مقبرة ابو علوك في كركوك. وكان العم نظر ملحنا أيضا فقد كان يضع الالحان لاشعاره الدينية بنفسه و يغنيها. كان يعزف على آلة الطنبور وألحانه تسمى بالنظرية. 3- الشيخ پيرويس سيابيم:هو ابن محمد ابن حمه أمين،من عائلة خوبيله ولد في كركوك سنة 1817 ميلادية. تعلم علوم زمانه من العم نظر الگرمياني. أصبح ضابطا في الجيش العثماني و نال رتبة (بين باشي) سنة 1847، ترك صفوف الجيش ليتفرغ لشؤون الدين و التصوف و كان من علماء المتصوفة. الف مجموعة من الأشعار الصوفية باللغة الكردية في مديح الباري عز وجل، و في مديح السلطان اسحاق البرزنجي و اصحابه. توفى سنة 1892 و دفن في مقبرة المصلى في كركوك . 4- السيد ولد افندي: واسمه الحقيقي هو ابراهيم أدهم محمد ابراهيم أغا. ولد في كركوك سنة 1850 في محلة المصلى. عمل من 1880 إلى 1913 كموظف في كركوك ثم كضابط في الجيش العثماني برتبة (بين باشي) ثم كعضو في مجلس بلدية كركوك وعضوا في المحكمة العسكرية. توفي سنة 1917 ودفن في مقبرة الامام احمد. 5- خليل أغا: هو ابن محمد بن ابراهيم بن رستم وهو من سادة الابراهيمية و يرجع اصله الى السلطان اسحق البرزنجي. ولد في مدينة كركوك سنة 1856 للميلاد. كان رجلا متعلما، و اختير رئيسا لعشيرة الكاكائية. عين في زمن السلطان عبد الحميد عضوا في محكمة كفري. اشترك على رأس مجموعة من المقاتلين الكاكائيين في معركة الشعيبة يوم 15 نيسان 1915 ضد القوات البريطانية. توفي سنة 1932 و دفن في مقبرة الامام احمد في المصلى بكركوك. وهو والد فتاح أغا الكاكائي الذي اصبح رئيس عشيرة الكاكائية بعد وفاة والده. 6- هجري دده: واسمه محمود ابن الملا علي ابن العم نظر الگرمياني، ولد في كركوك سنة 1877. كان رجلا متعلما يكتب الاشعار باللغات الكردية و التركية و الفارسية. عمل معلما في مدرسة السلطانية في كركوك ثم في مدرسة القلعة. وتولى رئاسة تحرير صحيفة كركوك من العدد (66) .و قد صدر العدد الأول منها سنة 1926 واستمرت في الصدور حتى سنة 1972. توفي هجري دده يوم 11 من كانون الاول 1952 و دفن في مقبرة ابو علوك في كركوك على جانب جده العم نظر الگرمياني. 7- الملا فتح الله ابن حويش: المولود في محلة المصلى في كركوك سنة 1863 و قد فتح مدرسة على حسابه الخاص في محلة بريادي بكركوك. توفي سنة 1919 و دفن في مقبرة المصلى في كركوك. 8- كمال طاهر عزيز: رئيس عشيرة الكاكائية الحالي في العراق . أهم كتبهم : 1- خطبة البيان: من أشهر ما عرف عنهم، يعدونها من أعظم كتبهم وأجلها،لا يرغبون في أن يطلعوا أحداً عليها، أو أن يقرأها امرؤ غيرهم، لما فيها من غلو وأوصاف وتنسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وهو من كتبهم المشتركة مع غيرهم . قال حاجي خليفة (ت 1067هـ): " سبعون كلمة، أولها: الحمد لله بديع السموات وفاطرها.. إلخ، قيل أنها من المفتريات . 2- كتاب "جاودان عرفي": وهذا يعد من كتبهم المهمة، وهو منتشر باللغتين التركية والفارسية . وهو كتاب الطريقة الحروفية الصوفية . 3- كلام الخزانة أو "سرانجام" المدون في القرنين السابع والثامن الهجري ويتكون من ستة أجزاء. ويعتبر في رأيهم وحيا منزلا، ويرون فيه تعاليم كاملة، ونهجا قويما، ومرشدا لهم في الحياة، يستندون إليه في حل كل مسائلهم الدينية والدنيوية. وهذا الكتاب لم يُطبع قط في أي مكان. وتضمنت بعض مواضيع سرانجام الحكم وتسمى ( علم الأعلى )، واصطلاحات فلسفية يصعب على كل إنسان إدراكها. وقد جاء في مقدمته، أنه يجب ألا يطلع على مضامين الكتاب المقدس كل من كان، وأنه يجب ترتيله برموز، ولا يجوز تداوله من قبل أناس غير أهل له، أو غير لائقين . وهناك كتب عديدة لهم، كُتبت في قرون هجرية مختلفة، ما بين القرن الثاني إلى الثالث عشر مثل: دوره بهلول، دور شاه خوشين، كلام ايل بيكي جاف، كلام نوروز، كلام حيدري، وكتاب "حياة" و "التوحيد" لـ سلمان أفندي الكاتبي، تُضاف إلى هذه الكتب دواوينَ شعرية، تُتلى كأدعية وابتهالات ... مزاراتهم: أما مزاراتهم، التي يشاركهم فيها العلويون أو العلي إلهيون هي: مزار سلطان إسحق في جبل هورامان، ومزار سيد إبراهيم، بين مقبرة الشيخ عمر، والباب الأوسط ببغداد. ودكان داوود، وصاحب المزار المذكور كان خليفة السلطان إسحق، ويقع بين سربيل وباي طاق، في كهفِ جبلٍ. ومزار زين عابدين في داقوق، أصل محله كنيسة. ومزار أحمد في كركوك، بمحلة المصلى. ومزار عمر مندان في كفري، وهو غير عمر مندان الواقع على طريق كركوك ـ أربيل . من عاداتهم: أنهم لا يقصون شواربهم وهي علامة ليتميزوا عن غيرهم، كما أنه تبرك بالإمام علي رضي الله عنه عندما شرب من الماء الذي غسل به الرسول فصارت تطول شواربه فكلما قصها تعود فلذلك الكاكائية ومعهم البكتاشية يراعون تطويل شواربهم. أن يكون الكاكائي أخاً للكاكائي وأن تعتبر الكاكائية حراماً عليه فيما عدا الزواج، وأن لا ينظر إليها بسوء لأنها تعد أخته، وبيت الواحد بيت الآخر، أن يطيعوا السيد المعروف بـ "البير" وهو رئيسهم بأن يتابعوه متابعة ولا يجوز الخروج عن أمر السادة . التكاتف والتناصر ويكون بينهم بلا قيد أو شرط سواء في تعاونهم أو تضامنهم لدفع خطر من الأخطار. لا يقبل السيد هدية أو أعطية ولكن له حق التصرف في جميع أموال الكاكائية وهذا ما يعرف لديهم بما يسمى إباحة الأموال . أنهم يحرمون السرقة لذلك فبيوتهم مفتحة الأبواب لأنهم في مأمن من جماعتهم . التكتم ومراعاة السر التام، وهذا ضروري عندهم فلا يظهرون عقائدهم ولا مراسمهم علناً، ويعد التكتم من واجباتهم الدينية لدرجة أنه اصبح يضرب بهم المثل فيقال "كتوم للسر مثل الكاكائي". يوما الاثنين والجمعة مقدسان وفيه يكون الزواج والاجتماعات العامة وغيرها . أكلة المحبة، وتجرى في الاجتماع العام، وفيه يذبح الرجل ديكاً ويطبخ معه حنطة أو أرزاً، ويقدم للشيخ، أو يقوم الرئيس بذبح شاة أو خروف ويدعي أهل القرية ويصبح مهرجاناً كبيراً ويتخذون الرقص ويقرأ دعاء الألفة ويوزع الطعام (الأكلة) ومن أكل من هذه الأكلة المباركة نال الثواب . للاستزادة : 1- الكاكائيةُ، وحيرة المؤرخين في تقصي تاريخِها / الدكتور رشيد الخيّون / عن موقع بحزاني (www. Bahzani. Org ). http://arabic.tharwaproject.com/node/1027 2- الكاكائية من فرق العراق / شبكة الراصد الإسلامية / العدد الواحد والعشرين - ربيع أول 1426هـ . 3- طائفة الكاكائية العلوية الصوفية/ابراهيم داود الداود/ http://www.mesopotamia4374.com/adad9/37.htm 4- الكاكائية غرابة الكتمان وسرّية الأوهام / ابراهيم داود الداود http://www.ansab-online.com/phpBB2/s...ead.php?t=1583 5ـ الأديان والمذاهب بالعراق ـ رشيد الخيون . 6- الكاكائية في التاريخ ، عباس العزاوي . 7- موقع موسوعة الصوفية : http://www.almwsoaa.com/ . 8- موقع الصوفية : http://www.alsoufia.com . (8) القزلباشية القزلباشيه كانت في بدء نشأتها تسمي (الصوفية) نسبة الي مؤسسها صفي الدين اسحق الاردبيلي المتوفي سنة 730 هـ وهو الجد السادس للشاه اسماعيل الصفوي. هذا وقد سميت الطريقة الصفوية بـ (القزلباشيه) في عهد الشاه اسماعيل الصفوي حينما التفت حوله قبائل استاجلوا، وشاملو، وبنكلوا، وبهارلو، وذو القدرة، وفجر، وافشار، فألبسهم الطرابيش الحمر فسموا القزلباش و(القزل) هو الاحمر بالتركية و(الباش) الرأس . والقزلباشيه فرقة دينية انتشرت في الاناضول وهى شيعية المذهب في نظر المسلمين وهي تقارب كل المقاربة نصيرية سورية وهم يسمون أنفسهم العلوية أي من فرقة علي بن ابي طالب، و القزلباشية أكراد ومنهم ترك وأغلبهم لا يتكلمون سوى التركية. علما بأن صفي الدين القزلباشي(الآذربيجاني)هو الذي أسس الدولة الصفوية في إيران ثم تحول إلى المذهب الشيعي الجعفري ونشره في ايران،في القرن السادس عشر ميلادي. وفي افغانستان يسمي القزلباشية مهاجرين من الأصل التركماني ويعتبرون مع (الطاجيك) و(النهدكي) أهم عناصرالطبقة المتوسطة وقد جاءوا إلي تلك الديار من فارس ( إيران ) بعد نادر شاه الذي أسكنهم في كابل وفي عدة ولايات أخري ليكونوا حماة لها يذودون عن حياضها، وهم لا يختلطون بسائر السكان . كما ورد في دائرة المعارف الاسلامية، بأن أغلب موظفي البلاط في كابل وسائر الدواوين يؤخذون منهم، وفي هرات بيدهم التجارة والصناعة، ويتكلمون الفارسية وبينهم من يتكلم التركية، عددهم في أفغانستان كان في منتصف القرن العشرين 75000. للإستزادة : 1ـ موجز تاريخ التركمان في العراق ، شاكر صابر الضابط ، الجزء الأول ، بغداد 1961 2 ـ الأديان والمذاهب بالعراق ، رشيد الخيون ، منشورات الجمل ، كولونيا 2003 . 4 ـ لمحات من تاريخ الشبك ، زهير كاظم عبود ، دار الرافد ، لندن 2000 . وهناك طرق صغيرة ليس لها كثير أتباع مثل([20]) : (9) الطريقة الخضرية تنسب إلى الخضر- عليه السلام- وانتشرت حديثا، وليس لها شيخ معترف به مثل باقي شيوخ الطرق الصوفية. (10) الطريقة النبهانية وتنسب إلى الشيخ محمد النبهاني الشامي وهي من الطرق الجديدة التي ظهرت في سوريا وانتشرت في العراق بواسطة الشيخين: ناظم العاصي العبيدي، ومحمود مهاوش الكبيسي اللذين توفيا سنة 1403هـ 1983م . وتولى المشيخة بعدهما المدعو ماهر محمود مهاوش الكبيسي إرثا عن أبيه . (11) الملوية والشاذلية ويتفق كل هؤلاء على جواز التوسل والاستغاثة بغير الله والحلف والاستعانة كذلك وينذرون لأضرحة شيوخهم، ويزورون القبور يطلبون العون والمدد من أصحابها . المصدر : موقع الصوفية ------------------------------------------------------------------ [1] - الإسلام الصوفي العراقي/ عن مجلة ميزوبوتاميا ـ جنيف . http://www.mesopotamia4374.com / . [2] - مقال (( صوفية المغرب يتهمون صوفية المشرق بالتشيع !! )) / موقع صيد الفوائد . [3] - شبكة الراصد الإسلامية http://www.alrased.net . [4] - نفس المصدر . [5] - رياض القيسي / منتديات أبواب http://www.abwaab.net/vb/showthread.php . [6] - بعد خشية الغدر الشيعي .. الصوفية يدخلون على خط المقاومة / موقع مفكرة الإسلام . [7] - مجلة ميزوبوتاميا ـ جنيف . http://www.mesopotamia4374.com / . [8] - عبد الرحمن السحيم / سؤال عن رابعة العدوية / http://www.saaid.net/ . [9] - موقع الطريقة الكسنزانية . http://www. kasnazan.com / . [10] - موقع الصوفية : http://www.alsoufia.com. [11] - موقع الصوفية : http://www.alsoufia.com . وإبراهيم داود الداود جريدة الرياض 13 شوال 1421 هـ . [12] - موقع الصوفية : http://www.alsoufia.com . [13] - مجلة ميزوبوتاميا ـ جنيف . http://www.mesopotamia4374.com / . [14] - موقع الصوفية : http://www.alsoufia.com. وإبراهيم داود الداود جريدة الرياض 13 شوال 1421 هـ . [15] - موسوعة ويكيبيديا : http://ar.wikipedia.org . 16-صوفيو العراق يشكون هجمات السلفيين/موقع االعربية/http://www.alarabiya.net/articles/2005/08/26/16236.htm . 17- نقض العرى .. رؤية في البديل الغربي للتيار السلفي/ محمد بن عبد الله المقدي مجلة البيان عدد 223/ بتصرف . 18- جريدة المدى الإلكترونية http://www.almadapaper.com/sub/08- . 19- شخصيات صوفية / مجلة ميزوبوتاميا ـ جنيف . http://www.mesopotamia4374.com / . [20] - حوار مع الصوفية تأليف أبو بكر العراقي . المصدر. |
#14
|
|||
|
|||
التصوف الفرنكوأمريكي الجديد في المغرب في حقيقة و جذور التصوف الفرنكو أمريكي الجديد في المغرب: دراويش الصوفية من أكل العقارب والحيات و كتابة الطلاسم إلى القاء المحاضرات عن التنمية و حوار الأديان و خطر الأصولية ! بقلم نوفل بن إبراهيم nbbrahim@yahoo.no بسم الله الرحمن الرحيم عند تفحص المكتبة العربية أو التجول في مواقع الشبكة العنكبوتية للبحث عن الدراسات و البحوث العلمية عن الطرق الصوفية يجد الباحث ركاما هائلا من الكتب والبحوث والمقالات عن الطرق الصوفية و عقائدها و تاريخها و شعائرها بيد أنه لن يجد شيئا بالعربية تقريبا عن فئة جديدة من الصوفية برزت بقوة في السنوات الأخيرة في المغرب و التي يمكن نعتها بالصوفية الفرنكوأمريكية الجديدة , فهي جديدة لما تتسم به من خصائص " عصرانية" مخالفة للمعهود من الصوفية بمختلف طرقهم المشرقة و المغربة وهي فرنكو أمريكية لأن القائمين عليها فرنكفونيين مشبعين بالثقافة الفرنسية ولكنها تشبه حركات"العهد الجديد"النصرانية في الولايات المتحدة الأمريكية كما أنها تستجيب للمواصفات الأمريكية المطلوبة و توصيات مراكز البحث الأمريكية المهمة المتكررة بدعم التصوف وتكوين دعاته و تدريبهم حتى يكونوا في مستوى مواجهة ما يسمونه بالأصولية الإسلامية مثل مؤسسة راند و مركز و تصريحات أمريكية متعددة في هذا الصدد و وقد اعترف المستشرق الشهير برنارد لويس المعروف بصهيونيته وعداوته الشديدة للإسلام والمسلمين بأن الغرب يسعى إلى مصالحة (التصوف الإسلامي) ودعمه لكي يستطيع ملء الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط (فصل الدين عن الحياة)، وإقصاء الإسلام نهائيًا عن قضايا السياسة والاقتصاد، بنفس الطريقة التي استخدمت في تهميش النصرانية في أوروبا والولايات المتحدة. وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري بعد أن يذكر توصية للجنة الحريات الدينية التابعة للكونجرس الأمريكي بضرورة تشجيع "حركات الإسلام التقليدي والصوفي : "ومما له دلالته أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشارًا الآن في الغرب مؤلفات محيي الدين بن عربي، وأشعار جلال الدين الرومي". التخريف و التغريب أوعندما ترتدي الخرافة ثوب الحداثة: الثوب الجديد الذي يبرز به التصوف في المغرب هذه السنوات الأخيرة غريب و ملفت جدا للنظر فهو يزاوج بين قمة الخرافة فكرا وممارسة و خطابا و الخطاب العقلاني والحداثي العلماني في نفس الوقت!, وذلك حسب مقام الخطاب! , فإذا كان كلنا أو أغلبنا على الأقل قد تعود على أن الطرق الصوفية هي ظاهرة تقتصر أو تكاد على أوساط العوام الأميين وأشباه الأميين حيث ينحصر الخطاب الصوفي في ترديد الخرافات عن كرامات شيوخهم و مجاذيبهم وينحصر نشاطهم الصوفي على الموالد و الحضرات والشعوذة والسحر و يغلب على رموزهم السمت التقليدي في الهيئات واللباس و التظاهر بالتدين, فإن المغرب يشهد منذ سنوات حركة تصوف نشطة تخالف ذلك النمط التقليدي مخالفة شديدة في ظاهرها و إن كانت تتفق معه في أصوله, فالقائمون على هذا التصوف الجديد مثقفون فرنكفونيون و أكاديميون في مختلف تخصصات العلوم الإنسانية و غيرها و العمل جار على قدم و ساق منذ تعيين أحمد توفيق أحد مريدي الطريقة البوتشيشية المقربين من شيخها على رأس وزارة الأوقاف على اكتساح المجتمع و خاصة نخبه المثقفة و المتعلمة و اعادة تصويفه من جديد بعد أن تراجعت الظاهرة الطرقية في المغرب تراجعا كبيرا نسبيا منذ أيام الجهاد والكفاح ضد المستعمر الفرنسي و الإسباني بسبب خذلان أغلب رموزها للجهاد و عمالتها للمستعمر, مما ترك المجال واسعا للصحوة الإسلامية و الجماعات والحركات الإسلامية, و في الواقع إن دعم المخزن{ النظام} في المغرب للتصوف ليس بجديد و إنما نشهده هو تكثيف شديد للدعم, فقد ظل التصوف المدجن دوما مدعوما من المخزن عبر الهبات والذبائح الملكية الموسمية التي توزع على مشايخ الطرق و سدنة الأضرحة التي يحرص على تقديمها بحضور الحاجب الملكي و عامل الإقليم الذي توجد الزاوية في مجال نفوذه, ذلك الدعم الملكي الذي يشمل حتى تلك الطرق المجمع على انحرافها و زيغها حتى بين غيرها من الصوفية أنفسهم بسبب ايغالها في الشعوذة المفضوحة والطقوس الوحشية, مثل عيساوة أصحاب الطقوس الهمجية الذين يفترسون في موسمهم السنوي أضحيات المعز التي يلقيها إليهم الأغمار من الرجال و النساء من فوق السطوح وهي حية ترزق دون ذبح شرعي, بعد أن يعملوا فيها أظافرهم الحديدية و أنيابهم, فيما الدماء تسيل على وجوهم و ثيابهم,و يستوي في ذلك الرجال و النساء منهم في مشهد همجي ووحشي يفوق الخيال!, أو حمادشة الذين يضربون رؤوسهم بالشواقير المهندة أو القضبان الغليظة الرأس أو الهراوات المطوقة بالمسامير!! و الذين صار موسمهم المدعوم بالهبات والأضحيات الملكية فرصة لتوافد الشاذين جنسيا في أعداد غفيرة من مختلف أنحاء المغرب ليرتكبوا جرائمهم الفاحشة و المخزية في حماية العرافات اللاتي يزعمن بأن حضورهم لا بد منه لنزول البركة وقضاء الحاجات! وللتعرف أكثر على أنشطة الطرق الصوفية في المغرب و طقوسها التي تكرس الجهل و عبودية البشر للبشر والخرافة و ما تلقاه من دعم من المخزن و من أحزاب اليمين واليسار حتى حزب "الاتحاد الاشتراكي" التقدمي العتيد يمكن الرجوع الى كتاب الدكتور محمد وراضي " عرقلة الفكر الظلامي الديني للنهضة المغربية" الذي صدر في الآونة الأخيرة الذي يعد من أروع ما كتب عن هذه الظاهرة في المغرب و تطوراتها في السنوات الأخيرة, لما بذله مؤلفه من جهد في البحث الميداني و تتبع الظاهرة و الاطلاع على كتب القوم ولما اتسم به أسلوبه من طرافة و جرأة على تسمية الأمور بمسمياتها و كشف المسكوت عنه بعد أن جبن الكثيرون أو انساقوا مع المخزن و منهم و عاظ السلطان و مثقفون مرتزقة و غيرهم. إلا أن الدعم تكثف تكثفا شديدا و صعد صعودا مذهلا منذ قرار محمد السادس انتهاج سياسة ما يسمى باعادة تشكيل الحقل الديني التي من أهم دعاماتها دعم التصوف تحت شعار " عقد الأشعري و مذهب مالك و تصوف الجنيد السالك" ! و الحرب على السلفية, حيث لم تسلم حتى جمعية دور القرآن التي كان يشرف عليها الشيخ محمد المغراوي فأغلقت السلطات كل فروعها, ولم يشفع له منهجه الذي عرف به من ولاء للمخزن و بعد عن السياسة إلا عند مهاجمته لمعارضي المخزن! و من مظاهر هذا الدعم و خاصة منذ تعيين أحمد توفيق على رأس وزارة الأوقاف وشروع المخزن في سياسة التصويف المكثف الذي اكتسح كل المجالات هو" تكثيف عقد و تنظيم ندوات تعنى بالتصوف و الزوايا بعضها يتم تحت الرعاية الملكية بحيث لا يمر شهر دون الحديث عن تنظيم ندوة أو تظاهرة عن التصوف مع ترويج واسع لموضوع التصوف و الزوايا من قبل مختلف وسائل الاعلام الوطنية أو المكتوبة و المرئية" اضافة إلى تنظيم عديد المهرجانات الصوفية التي تتجند وسائل الاعلام للترويج لها مثل مهرجان سيدي شقير في أصيلة و مهرجان الموسيقى الروحية و مهرجان الثقافة الروحية في فاس و كلا الأخيرين في الواقع مهرجانان للغناء و الطرب واللهو يشارك فيهما إلى جانب فرق السماع الصوفي الموسيقية و غيرها مطربون و مطربات بعضهم لا علاقة لهم بالتصوف من قريب و لامن بعيد حتى ولو بالادعاء و بعض المطربات متبرجات وكاشفات الشعور لا يختلفن عن غيرهن من المطربات مثل المطربة أمنية أبو أمل المتخصصة في تقليد أم كلثوم و المطربة عائشة رضوان وبعض المغنين و المغنيات من الكفار الأجانب الذين لا ينتسبون إلى ملة الإسلام حتى بالهوية مثل احدى المطربات الزنجيات الامريكيات, هذا بالاضافة إلى ورشة موسيقية أشرفت عليها في مهرجان الثقافة الصوفية الأخير,الموسيقية الفرنسية ناتالي شاتو أرتو و الموسيقي الفرنسي فريديرك كالمس.... وفي اطار هذه الخطة المحمومة التي ينتهجها المخزن المغربي لدعم التصوف في المغرب و اعادته إلى الحياة بعد ان كاد ينزوي و يذبل في الزوايا و بين ردهات الأضرحة و روائح البخور و الجاوي و طقوس الشعوذة والسحر, فإذا به اليوم بقوة المخزن و اعلامه و الممولين الداخليين والخارجيين يخترق الجامعات و الندوات الفكرية و يتحدث عن قضايا التنمية و البيئة و السلام العالمي !!! كان المنتدى التي عقد في مدينتي طنجة و تطوان بين 25 يوليو و 30 يوليو تحت عنوان براق و مخادع كما سوف يأتي بيانه ألا وهو " المنتدى العالمي الأول للطريقة المشيشية الشاذلية"!!! , وقد تركزت المحاضرات على محور " الدور الصوفي تجاه قضايا المجتمع" مثل " التصوف و المواطنة" و " التصوف ووحدة المغرب العربي" و" التصوف وحوار الأديان" و كأن التصوف صار ملح الطعام لا غنى عنه وهو الحل لكل مشاكل الإنسان و المجتمع و الدولة! , و الملاحظ دوما في كل هؤلاء المحاضرين المثقفين من الصوفية الجدد سواء في هذا الملتقى أو في محاضراتهم الأخرى التي يلقونها أمام المثقفين أنهم يمارسون التقية الشيعية, فهم يتجنبون كل التجنب ذكر الجانب المظلم والخرافي للتصوف رغم دعوتهم له في زواياهم و حضراتهم ولقاءاتهم الخاصة و طقوسهم , فتلك المحاضرات التي يتظاهرأصحابها بالحداثة و العقلانية تخفي ما يمارس في الزوايا مثل الزوايا البوتشيشية و حليفتها و أمها من الرضاع العليوية من ممارسات تبلغ المدى في تكريس الجهل و الخرافة و اهانة الكرامة الإنسانية وللعقل, من عبودية البشر للبشر وصراخ هستيري كلما ذكر اسم الشيخ وترويج للخرافات التي تمثل انتكاسة للعقل المسلم و لكتب تنحط بالعقل الإنساني إلى هاوية سحيقة مثل كتاب" الابريز" الذي أملاه الجاهل الأمي عبد العزيز الدباغ على أحد تلاميذه , الذي تكفي نظرة على محتواه ليدرك المرء الهاوية السحيقة و الانتكاسة التي تراد بالمجتمع المغربي من جديد و خاصة طلائعه المثقفة, بما يحويه من الشرك بالله العظيم و الخرافات العجيبة و المذهلة التي لا يكاد المرء يصدق أن يكون هناك مثقف يعرف دين الإسلام يمكن أن يصدق بها فضلا عن أن يدعو لها !, وهو ما يعيد إلى الأذهان ما يؤكده الكثيرون ممن يعرفون القوم, ـ وقد سمعت هذا حتى من بعض رموز البوتشيشية أنفسهم ـ بأن نسبة كبيرة ممن يلتحقون بهذه الطريقة إنما هدفهم تحقيق المصالح الشخصية, و يكمن سبب ذلك في النفوذ الكبير الذي تتمتع به الزاوية في البلاد وفي الادارة المغربية مما يجعل الارتباط بها طريقا لتحقيق المصالح الدنيوية و الحصول على المناصب و الامتيازات, و ليس ايمانا خالصا بمعتقدات الطريقة و شعائرها و كذلك كتاب"التشوف إلى رجال التصوف" لابن الزيات الذي حققه أحمد توفيق وزير الأوقاف البوتشيشي, فالمحاضرات التي تلقى لا علاقة لها بالتصوف و ممارساته و إنما هي شعارات براقة مواكبة لثقافة العصر السائدة يراد بها تلميع التصوف و اكسابه حلة عصرية و عقلانية و حداثية و لذلك فعندما سأل أحد الصحفيين الحاضرين أحد المحاضرين عن ماهية علاقة التصوف بالتنمية, بعد أن ظل عديدالمحاضرين يكررون عن الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه التصوف في التنمية ! لم يتلق جوابا, لأن الأمر مجرد شعار براق لا أكثر و لا أقل. أما الحديث عن الأخلاق و أن معنى التصوف هنا هو تركيزه على الجانب التربوي و الاخلاقي أو ما يسميه بعضهم بالتخليق الذي تهتم به الصوفية كما يزعمون, فهو شعار أجوف و مخادع, فكل من خالط هؤلاء القوم عرف أن أغلبهم بعيدون عن حسن الخلق و الاستقامة وهم أقل التزاما بالخلق الكريم وأحكام الشريعة بكثير من العاملين للإسلام بمختلف تياراتهم, حتى تلك المعروفة بآفة الجفاف الروحي و الضعف التربوي و طغيان التسيس, بل يفشو فيهم اضاعة الصلوات و تأخيرها عن وقتها والمجاهرة بالمحرمات مثل الاقتراض بالربا والاختلاط بالنساء وانعدام الأمانة, وفحش القول وفيهم من يشرب الخمر أو يتعامل بها و يغلب عليهم إلا قليل منهم التهالك على متاع الدنيا و يصدق فيهم قول د. محمد وراضي :"إن البودشيشيين انطلاقا من الأضواء التي تم تسليطها عليهم حتى الآن " لا يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف"! و سيماهم غير دالة على أنهم " لا يسألون الناس إلحافا"! وسلوكم لا يدل على أنهم " يبتغون فضلا من الله و رضوانا و ينصرون الله و رسوله"! وقد حضر المنتدى و حاضر فيه عدد كبير من المثقفين و الرموز الصوفية من البلاد العربية و الغربية, كان من أبرزهم الثنائي الصوفي فوزي الصقلي أهم مثقفي الطريقة البوتشيشية وزعيم التيارالفرنكفوني فيها , و خالد بن تونس شيخ الطريقة العليوية اللذان يعتبران أهم رمزين من المغرب العربي لهذا النوع الجديد من التصوف الذي يمثل تطويرا و تجديدا للتيار الصوفي الذي عرف في فرنسا و البلاد الغربية منذ عشرات السنين باسم تيار " المدرسة التقليدية " , أو ما يسمى بالفرنسية ب"لي تراديسيوناليست" و بالإنجليزية " تراديسويناليستس" , الذين عروفوا بنقدهم الشديد للحداثة الغربية وعلى رأسهم الفيلسوف الفرنسي ريني غينون{1886ـ 1951} الذي كان يؤمن بوحدة الأديان و تعمق في الهندوسية بعد خيبة أمله في قدرة الكاثوليكية على مواجهة الحداثة ثم اتصل بالشاذلية في مصر و أعلن اعتناق الإسلام وقد روج للمدرسة التقليدية التي تقوم على مبدأ وجود حكمة أزلية مشتركة بين الديانات الكبرى مثل النصرانية واليهودية والبوذية والهندوسية والإسلام التي رغم اختلافها الظاهري فهي تمثل طرقا صحيحة و جديرة بايصال السالك إلى الحكمة الأزلية المطلقة الكامنة في الروح الباطنة لكل الأديان,و يؤكد البعض بأن اعتقاده الحقيقي كان مذهبا من المذاهب الهندوسية فمثلا في احدى مراسلاته إلى أحد تلاميذه يقول له بأنه يعلم بأن الهندوسية هي أقرب إلى الحقيقة و لكنها بعيدة جدا عن عقلية الأوروبي و لكن التصوف الإسلامي هو أقرب إلى عقليته! ولذلك فهو يرشح التصوف الإسلامي طريقا للإنسان الأوروبي الباحث عن الحقيقة, و في فترة يبدو أنها سابقة لهذه الرسالة وصلته رسالة من احدى قريباته في فرنسا وهو مقيم في القاهرة تخبره فيها برغبتها وزوجها في اعتناق الإسلام فنصحها بالتريث والانتظار لأنه كان له أمل في أن يصلح أمر الكاثوليكية, و من أهم تلاميذه الذين روجوا لتياره" فريتيوف شوون" السويسري {1907ـ1998} الذي انضم إلى الطريقة العليوية على يد مؤسسهاأحمد بن عليوة المستغانمي ثم أسس الطريقة المريمية بعد وفاة أحمد بن عليوة, و قد طفحت كتاباته بفكرة الدين الأزلي و الحكمة المطلقة الكامنة في الأديان الكبرى التي كان يرى صلاحها كلها للوصول إلى الحقيقة المطلقة, و لا زالت طريقته المريمية تنشط إلى يومنا هذا في أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية و غيرهما,وهي تضم مريدين ينتسبون إلى الإسلام و اليهودية والنصرانية, لأن كل سالك يمكن أن يتربى على دينه حتى يصل إلى الحقيقة المطلقة, وقد عرفت الطريقة بالتهاون بأمر الشريعة فقد أباح شوون لأتباعه في الولايات المتحدة شرب البيرة و ترك الجمعة بدعوى أنهم يعيشون وسط ضغط المجتمع الأمريكي المعادي, كما أباح لهم تأخير صلاة الفجر لأنه في عصر الكهرباء يصبح وقت الشروق مع اشعال النور الكهربائي حسب قوله! وقد ربط طريقته بالعذراء مريم و جعل لها تمثالا في غرفته في أواخر الاربعينات,كما دعا إلى العري المقدس بعد أن زعم أن العذراء البتول عليها السلام قد تجلت له عارية في منامه سنة 1958 ! و قد أقام فترة بين احدى قبائل الهنود الحمر التي اتبعت دعوته في الولايات المتحدة حيث رفعت ضده قضايا بتهمة التحرش الجنسي بالفتيات و انتهاك عرضهن , و من أهم مؤلفات شوون " الوحدة المستعلية للأديان" و" عين القلب" و" الأديان بين الجوهر و المظهر", ويعد الفيلسوف الايراني حسين نصر ـ أو رجل المناصب المتأله كما يسميه مهرزاد بروجردي ـ أبرز أتباع شوون في البلاد الإسلامية الذي كان شخصية ثقافية مرموقة في البلاط البهلوي و تقلد مناصب متعددة من بينها رئيس مكتب الشاهبانو الخاص{1978ـ1979} و سفير ايران المتجول للشؤون الثقافية {1975ـ1979} و قد غادر ايران بعد الثورة و يشغل اليوم منصب أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة جورج واشنطن و من أبرز تلاميذه أيضا البريطاني مارتن لينغس صاحب الكتاب الشهير في السيرة النبوية و الفيلسوف الفاشي و المنظر العنصري الايطالي يوليوس إيفولا الذي استلهمت أفكاره العديد من تنظيمات أقصى اليمين الارهابية في ايطاليا , فإذا عرفنا هذه الجذور أدركنا سر التقارب الكبير بين التيار التجديدي للمدرسة التقليدية الذي ينتمي إليه فوزي الصقلي و خالد بن تونس و الذي تصالح مع جانب كبير من مواضعات الحداثة والبوذيين و غيرهم من أهل الملل المخالفة لدين الإسلام و كذلك سبب تحللهما الكبير من أحكام الشريعة و لذلك فلا عجب أن عرف هذا الثنائي بتعاونهما الوثيق مع البوذيين وخاصة رفيق دربهما في فرنسا البوذي الفرنسي لاما دانيس و ذلك ما يفسر دعوة أحد البوذيين إلى" منتدى المشيشية الشاذلية" المزعومة ليحاضر فيه!! أما فوزي الصقلي فهو فرنكفوني حتى النخاع لغة و تفكيرا وهو لا يكتفي بالمحاضرة بالفرنسية بل يفضل الحديث بها في حياته اليومية و خاصة و أن زوجته فرنسية وهي بالمناسبة ليست محجبة, لأن الحجاب والالتزام بأحكام الشريعة ليس له أهمية كبرى عند أغلب البوتشيشية كما سوف نرى لاحقا بل يعد مسالة شخصية, رغم ما يرددونه من أن طريقتهم تهتم بأمر الشريعة, و لكن نكتفي هنا بالاشارة إلى أن زكية زوانات وهي الأكاديمية المغربية الفرنكفونية المقيمة في المغرب التي تعد أبرز مثقفة بوتشيشية و صاحبة عديد المؤلفات الصوفية بالفرنسية, هي أمرأة متبرجة تحاضر عن التصوف و شعرها مكشوف ووجهها مطلي بالمساحيق ! كما أن حفيدة حمزة بوتشيش شيخ الطريقة الذي يعتبره أتباعه الولي والشيخ المربي الوحيد الموجود على أرض البسيطة في أيامنا هذه, و المقيمة في الحي المحمدي في الدار البيضاء امرأة متبرجة أيضا و تلبس لباسا لا يزيد أو يكاد عن مستوى الركبة!, وهي رغم ذلك تعطي الاذن بأوراد الطريقة لأنها تنتمي إلى العائلة البوتشيشية المقدسة!, وقد درس الصقلي في مدرسة فرنسية في فاس منذ نعومة أظفاره ثم واصل دراسته العليا في فرنسا حيث حصل على الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة السربون ثم قاده تأثره بقراءاته لريني غينون إلى الاهتمام بالطاوية في البداية { فلسفة دينية صينية} التي كانت موضة في ذلك الوقت بين بعض الأوساط الفرنسية المهتمة بالروحانيات الشرقية, قبل أن يقرر البحث عن شيخ صوفي مغربي ليرشده وهو ما أوصله إلى اعتناق البوتشيشية ويعد الصقلي بعد تجميد طه عبد الرحمن لنشاطه مع الزاوية البوتشيشية احتجاجا على اختراق المخابرات المغربية لها حتى العظم حتى صاروا يتحكمون في كل مفاصلها وعلى توجهات فوزي الصقلي و أحمد توفيق و أضرابهما من المهيمين على الزاوية التي تهدف إلى مصالحة العلمانية مع التصوف , أهم مثقفي هذه الطريقة التي صارت المفضلة عند المخزن في المغرب حتى قيل بأنها صارت دين الدولة الجديد!! و يعرف الصقلي بمواقفه وتصريحاته العدائية لمن يسميهم بالأصوليين الذين يتهمهم بالدعوة إلى الهرطقة و أنه لا لقاء بينهم وبين الصوفية , وقد لعب الصقلي دورا كبير ا في نشر البوتشيشية في فرنسا و خاصة و أنه كان مقدم الطريقة في فرنسا, و من الذين اعتنقوها على يديه هناك مغني الراب الفرنسي ذو الأصل الكنغولي عبد المالك الذي يصرح في كتابه " فليبارك الله فرنسا!" أنه كان من جماعة التبليغ ثم اختلف معهم لأنهم نهوه عن الاشتغال بالموسيقى و لأنهم وغيرهم من الجماعات الإسلامية التي تعرف عليها في فرنسا يعيشون ضمن ثنائية الحلال و الحرام كما يذكر ذلك في كتابه الآنف الذكر,وذلك لم يرق له فوجد الحل مع البوتشيشية التي فتحت له المجال ليفعل ما يشاء و تحول من نقد الحضارة الغربية الى نقد دعاة الاسلام و أحكام شريعة الإسلام عن جهل وهو المسلم الجديد الذي وقع فريسة للتصوف الفرنكو أمريكي الجديد!, وقد كان سافر ضمن وفد يهودي نصراني إلى معكسر أشويتز النازي في ألمانيا استجابة لنداء وجهه القس العربي الإسرائيلي أميل شوفاني دعا فيه أن يلتقي يهود و مسلمون و نصارى في متحف" المحرقة النازية" في أشويتز في المانيا , وقد سانده فيه فوزي الصقلي و خالد بن تونس و ذلك للمساهمة في السلام مع" اخوتنا اليهود" كما يقول ـ أي عبد المالك ـ و يذكر في كتابه وهو ما تعلمه من الصقلي الذي يدعو إلى تقارب الأديان ,أنه عندما دخل إلى الكنيس اليهودي هناك شعر بنفس الخشوع الذي يشعر به عندما يدخل مسجدا ,ويضيف قائلا :" وأنا في طريق عودتي إلى الفندق كدت أبكي من الفرح و أنا أعيد التفكير في صورة قس و إمام و حاخام يمسكون بأيدي بعضهم داخل الكنيس و يدعون معا إلى التذكر من أجل السلام"!! ثم يحاول التأكيد على القواسم المشتركة بين الإسلام و اليهودية, ليصل بعد ذلك للقول بأنه بعد هذه الزيارة فوجئ بدعوته مع فرقة موسيقى الراب التي يقودها إلى احياء حفل لاتحاد الطلبة اليهود في فرنسا وهو ما قبله بكل فرح و حبور كما يقول! كما أن الصقلي هو مؤسس مهرجان فاس للموسيقى الروحية الذي تخلى عنه لخلافات مع شركاءه فيه ليؤسس مهرجانا آخرا للموسيقى والغناء سواء منه السماع الصوفي أو الغناء المعتاد المقحم في التصوف وقد سماه مهرجان الثقافة الصوفية في فاس وإن كان أقحم فيه بعد أن اشتد الانكار عليه محاضرات يلقيها الصوفية و أصدقاءهم من بوذيين وغيرهم عن قضايا لاعلاقة لها بالتصوف في كثير من الأحيان كما أسلفنا, مثل الموسيقى! وهذا المهرجان كما توضح النشرة المعرفة به تساهم في تمويله إلى جانب وزارة الأوقاف "البوتشيشية" و جهات مغربية أخرى رسمية وسياحية, السفارتين الأمريكية والإسبانية في المغرب اضافة الى المعهد الفرنسي في فاس المرتبط بالسفارة الفرنسية في المغرب, وتشجيعا لمجهوداته في نحر عقيدة الولاء و البراء و تذويب الإسلام في العقائد الأخرى فقد أدرجت الأمم المتحدة الصقلي سنة 2001 ضمن 12 شخصية عالمية ساهمت في حوار الحضارت !! ولا شيء في فوزي الصقلي يوحي بمعنى من المعاني التي توحيها كلمة صوفي أو رمز صوفي في الذهن فهو حليق اللحية والشارب و يلبس أحدث الموديلات الفرنسية كما أنه يتصرف بكل أريحية على الطريقة الفرنسية فقد كان يتبادل" القبلات البريئة" ـ على الخدين طبعا ـ بكل أريحية فرنسية مع المريدات اللاتي كن يأتين للسلام عليه ويطوقهن بذراعه أمام أنظار الحاضرين! و كذلك كان شأن رفيق دربه وحليفه" الولي الصالح" شيخ الطريقة العليوية خالد بن تونس المقيم في فرنسا منذ عقود, الذي لم يقل عنه في توزيع "القبلات البريئة" على الطريقة الفرنسية و تلقيها من المريدات و تطويقهن بذراعه أيضا ! وآخر يمكن أن يخطر على بالك إذا ما رأيته أنك أمام شيخ طريقة صوفية يعتقد أتباعها الذين يوجد أغلبهم في فرنسا وبلاد الغرب أنه و لي من أولياء الله و صاحب سر عظيم و بركات عظيمة, فهو حليق اللحية والشارب أيضا ويفضل لغة فولتير في التخاطب ولا شيء في سلوكه يذكر بالدين و بالصلاح و التقوى وهو من أقارب أحمد بن عليوة مؤسس الطريقة العليوية في مدينة مستغانم الجزائرية! ذات التاريخ الأسود الكالح في الجزائر بسبب عمالتها للاستعمار و عقائدها الحلولية واتصالاتها بالقاديانية في الهند و عداوتها لحركة الاصلاح حتى ان أحد مريديها حاول اغتيال الشيخ عبد الحميد بن باديس مما زاد في تاليب الشعب الجزائري عليها " فقد كانت زاوية مستغانم أعظم مراكز الاستخبارات الفرنسية بالنسبة للمغرب و كان فقراؤها{ أي مريدوها} العليويون من أمهر الجواسيس العاملين لحساب السياسة الفرنسية" ولذلك صودرت أغلب أملاك الزاوية العميلة بعد استقلال الجزائر و تعرضت لنقمة الشعب ممما اضطر خالد بن تونس الى الهجرة الى فرنسا حيث اشتغل في التجارة التي درت عليه أموالا طائلة وواصل أنشطته, و يعجب المرء من خالد بن تونس هذا و من قدرته على اقناع أتباعه المبثوثين في أنحاء الأرض بولايته فبقطع النظر عن مظهره الخارجي و عن عقيدة العليوية الحلولية و الاتحادية{الاعتقاد في وحدة الوجود} و عن اعتقاد الرجل بوحدة الأديان و عن موقفه من عقيدة تناسخ الأرواح التي يؤمن بها رفاق دربه ودرب فوزي الصقلي من البوذيين و الهندوس التي يقول عنها :" إني لم أر قط في كتب التراث الإسلامي موضوعا يعالج مسألة التناسخ, كما أنني لم أسمع أبدا بأنها غير موجودة, فالنقاش يبقى مفتوحا"! , فهو يمارس "إسلام آخر موضة" بامتياز و بدون حدود أو تحفظ فكل شيء مباح و سمه" إسلاما فرنسيا أو أمريكا" إن شئت, فزوجة "الولي الصالح" غير محجبة و كذلك ابنته اللتان تصافحان الضيوف بكل أريحية فرنكفونية بل الأدهي من ذلك و أمر, أن ابنته كانت ترتدي لباسا يكشف عن جانب كبير من صدرها و كذلك مريداته وقريباته اللاتي جلبهن من الجزائر , فقد امتلأت قاعة المحاضرات بالصوفيات البوتشيشيات والعليويات اللاتي كن يرتدين ما خف و شف من ملابس تكشف الأفخاذ و جوانب كبيرة من الصدور والنهود أيضا وملأن القاعة بدخان سجائرهن الفاخرة حتى همس أحد الظرفاء الحاضرين قائلا:" لم نعد ندري هل عدد المدخنين أكثر أم المدخنات"! و عندما عبرأحد الحاضرين صهر بن تونس{ زوج ابنته} عن استغرابه من لباس المريدات و كشفهن للصدور رد عليه بأن لا حرج في ذلك ! و أن الحرام هو كشف مواضع الرائحة مثل ما تحت الإبطين ـ كذا! ـ مع العلم أن علي جمعة مفتي النظام المصري كان ضمن الحضور و لم ينبس ببنت شفة عن هذه المهازل الصوفية المباركة! بل تجاوزها ليتحدث بعد ذلك لبعض الصحف مثل صحيفة" المساء" المغربية عن" نحن بحاجة إلى التصوف لمعرفة التعامل مع الآخر و تحقيق السلام العالمي" فهل تعامل الصقلي وبن تونس مع المريدات هو جزء من هذا التعامل الذي نحن بحاجة إليه؟ و هل السلام العالمي يعني الحرب على دعاة الاسلام واتهامهم بالأصولية مقابل التودد الى العلمانيين بل اعتناق العلمانية و التطبيع مع عبدة الأوثان و الصليبيين و اليهود؟!, كما صرح المفتي بأن " عبد السلام بن مشيش خلق أممية كبيرة" ! فاللهم رحماك من هذه الأممية الصوفية الفرنكوأمريكية الجديدة المتحالفة مع عباد الصليب والأوثان التي تداعت على أمة الإسلام و دين الإسلام! و مقابل دعوة البوذيين و العلمانيين و غيرهم إلى الندوات و الملتقيات الفكرية التي ينظمونها فهم حريصون كل الحرص على تجنب دعوة للعاملين للإسلام{ ما يعرف باسم الإسلاميين} أو التعامل معهم! رغم أن بعض هؤلاء و خاصة من حركة التوحيد و الإصلاح و حزب العدالة و التنمية قد اجتهدوا في مد الجسور مع الطرق الصوفية و الحوار معها و عدم تركها فريسة للأمركة كما قال بعضهم, ووصل الأمر إلى امتناع محمد اليتيم عن نشر مقال لصديقه الدكتور محمد وراضي في جريدة "التجديد" ينقد فيه محاضرة لأحمد توفيق وزير الأوقاف البوتشيشي افتتح بها "الدروس الحسنية" في رمضان و كانت بحضور الملك محمد السادس تحت عنوان" النسب الشريف و السند الصوفي" رأى فيها الدكتور محمد وراضي تزلفا غبيا و اساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم , و عندما استفسره عن سبب امتناعه عن نشرها قال له:" ما معناه : "إن سياسة حزبنا تحرص أشد الحرص على تجنب أي صدام مع جماعات إسلامية من أسرة واحدة! فضلا عن كونه يحرص على مواجهة العلمانيين كخصوم حقيقيين للدين!" , بيد أن كل ذلك لم يثمر شيئا مع البوتشيشية ,وذلك أن الحوار يكون مع من يملك زمام أمره أما عندما يكون المدعو إلى الحوار تتحكم فيه الدوائر الأمنية المشبوهة و يكون بعض عناصره هم مجرد موظفين دسوا داخل الزاوية للقيام بمهمة محددة, فيخشى أن يساهم دعاة التطبيع مع هؤلاء و عدم الرد عليهم, في دعم هذا التصوف الخرافي القبوري من حيث لا يشعرون و من دون أن تستفيد الدعوة الإسلامية من ذلك شيئا بل قد تتضرر بتضرر عقائد الناس, ذلك أن المخزن حريص على لعبة التوازنات و هو لن يسمح باللقاء بين الإسلاميين و الصوفية الذين لا يدعمهم حبا في الصوفية و ايمانا بمعتقداتها ولكنه يهدف من وراء ذلك إلى العمل على التصدي للمد الإسلامي و اضعافه, بيد أن الحوار أو الانفتاح يكون أجدى مع الطرق التي تملك زمام أمرها أو تعمل على ذلك مثل الزاوية الريسونية و كذلك الطرق التي هي أقرب إلى السنة من غيرها مثل الناصرية التي تعد أقرب الطرق الصوفية المغربية إلى السنة و تعرف برفضها للكثير من البدع التي يعرف بها الصوفية. ونعود إلى "الطريقة الشاذلية المشيشية" المزعومة التي عقد تحت يافطتها هذا المنتدى العالمي! لنؤكد بأنه لا وجود لهذه الطريقة المزعومة وأن جميع القائمين على هذا المنتدى يعلمون علم اليقين حقيقة اللعبة و أنه لا توجد طريقة اسمها "الطريقة المشيشية الشاذلية" في المغرب, و ذلك ليس فقط لأن عبد السلام بن مشيش شيخ أبو الحسن الشاذلي لم يؤسس طريقة, و لكن لأنهم يعلمون جيدا أن هذه الطريقة طريقة وهمية لا وجود لها و ليس لها أي مريدين, اللهم إلا شيخها المزعوم, و إنما هي لعبة تقف وراءها أطراف مشبوهة داخلية و قد يكون بعضها خارجي أيضا للوصول إلى أهداف معلومة, فالذي يزعم أنه شيخ الطريقة ويسمي نفسه نور الهدى واسمه الحقيقي نبيل الإبراهيمي هو رجل في بداية الأربعينات من عمره كان عضوا في الجماعة المعروفة باسم " جماعة العدل والاحسان" المعروفة بتوجهاتها الصوفية و كان يمارس ما يعرف بالرقية الشرعية واستخراج الجن ثم تمادى به الأمر فادعى المهدوية منذ سنوات قليلة وهو ما أدى إلى فصله من الجماعة و لكنه تمادى في طموحاته ليراسل الاتحاد الأروبي و الولايات المتحدة عارضا عليهم مهدويته أو ربما خدماته ليتحول في وقت وجيز إلى صاحب أموال, بعد أن كان متواضع الحا ل و يشتغل معلما في التعليم الابتدائي , وهو متهم بالاستيلاء على مبلغ مليون وأربعمائة الف درهم مغربي عبر النصب والاحتيال في شكوى رفعت ضده لدى الشرطة, و خاصة و أنه يمتهن الشعوذة و استخراج الجن, وقد افتتح موقعا على الانترنيت باسم طريقته المزعومة وكان مما زعم فيه قبل أن يحذف ذلك قرب اطلاق قناة فضائية مشيشية شاذلية ! ويمتلأ الموقع الذي هو في شكل مدونة بالأكاذيب المضحكة و المبالغ فيها عن فضل الشيخ المزعوم وعن انتشار طريقته في مختلف الأصقاع و كذلك بالغلو الرافضي في الأئمة الذين يقدمهم الروافض بعد أن اعتنق التشيع ويؤكد البعض في مدينة تطوان بأنه يتلقى حوالات من جهة شيعية في بريطانيا عبر أحد المصارف في مدينة سبتة المحتلة , و الملفت للنظر أن تصوف هذا الدجال المحتال هو من التصوف التقليدي المعتاد سواء في سمته حيث أن الرجل يطلق لحية كثة و طويلة أو في لباسه التقليدي المغربي , كما أن لغة خطابه بعيدة كل البحث عن الخطاب الحداثي الذي يتبناه التيار التصوف الجديد, وهو يصف نفسه في مدونته بصفات عجيبة و غريبة, فهوعلى حسب زعمه" شيخ الشاذلية المشيشية مولانا القطب الغوث تاج العارفين قطب الدائرة الصمدانية صاحب الوقت و الآن وارث المشربين و مفتي المذهبين و مجمع البحرين نون الأسرار وصفوة الأنوار ساكن البر و البحر الصاحب بالجنب و ابن السبيل فخر آل مولانا محمد وعلي و الزهراء والحسن و الحسين و الأئمة عليهم الصلاة والسلام زينة العصر و مكرمة الأمم الإسم الأعظم الذي يمشي على رجلين النور المبين و الجامع لشتات الدين قدس الله سره العظيم. كل الحقوق محفوظة له" !!! و كأنه يخشى أن يسطو أحدهم على ألقابه العجيبة! فيؤكد على حفظ حقوقه فيها و لكنه لا يكتفي بها بل يضيف إليها ألقابا أخرى مضحكة في مواضع أخرى يضيق عنها المجال. و هكذا نرى تحالف التصوف التقليدي الذي من رموزه المفتي علي جمعة و هذا الدجال المتشيع مع التصوف الفرنكو أمريكي البوذي الجديد في سبيل الأهداف المشتركة, و يبقى السؤال المطروح عن أية حداثة و تنمية يتحدثون! و إلى أين يسير" الإسلام البوذي الفرنكو أمريكي الجديد" في المغرب و هل سوف ينجح في التوسع إلى البلاد العربية والإسلامية كما يخطط القائمون عليه و خاصة و أن البوتشيشية مثلا قد تمكنت من اختراق بعض دول غرب إفريقيا و خاصة مالي التي حققت فيها نجاحا معتبرا , وبدأت طلائعها تنشط في تونس و خاصة في مدينة طبلبة في فيلا يملكها أحد الاثرياء المنضمين إليها, أم أنها سوف تتعرض إلى عراقيل في البلاد العربية بسبب صعود الصحوة الإسلامية و خاصة السلفية و كذلك بسبب ارتباطها الوثيق بالمخابرات المغربية مما قد يعرضها إلى مضايقات الأجهزة الرسمية في بعض البلاد العربية؟ وهل سوف يتحول هذا التيار الصوفي المعادي للصحوة الإسلامية و العمل الإسلامي إلى ما يشبه جماعة الأحباش في المستقبل بعد أن يتنامى أكثر و يلجأ إلى العنف في مواجهتها{ أي حركة الصحوة الإسلامية و العمل الإسلامي} و خاصة وأن العديد من مريديه يتميزون بالتعصب الشديد للشيخ و طريقته والعداء المكين للعاملين للإسلام من أبناء الصحوة الإسلامية الذين ينعتونهم بالوهابية وبعدم الاخلاص للملكية, بما فيهم المنتمون لحزب العدالة والتنمية كما أسلفنا! كانت تلك لمحات عن ظاهرة التصوف الجديد بالمغرب, عسى الله أن يوفقنا لاخراج دراسة علمية وافية عن الموضوع . المصدر. |
#15
|
|||
|
|||
[frame="13 98"]
موسوعة الرد على الصوفية - 605 كتاب وبحث - للشاملة [/frame]المؤلف إعداد ابي عبد المحسن نبذة عن الكتاب أكبر موسوعة في الرد على الصوفية تحتوى على جل ما كتب عن التصوف على الشبكة العنكبوتية.تحتوي على (605) كتاب وبحث حمل من هنا |
#19
|
|||
|
|||
التزكية عند الصوفية نقلها: أبو عمر الدوسرينشر في مجلة الفرقان دراسة شرعية، تحصلت على (14) حلقة خصت التزكية عند الصوفية .. هذه الدراسة الفريدة، تستحق منا أن نسعى لنشرها، وخاصة أن الدكتور وليد الربيع قد بذل فيها جهداً واضحاً .. ولن أطيل الكلام فمع الدكتور وليد: مقال سابق لهُ صلة: من أصول المخالفين لمنهج السلف في الفهم والاستدلال http://alsoufia.org/vb/showthread.php?t=1604 الحلقة الأولى: التزكية عند الصوفية - د. وليد خالد الربيع - قال عز وجل:- هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين- وقال تعالى: -لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين-. يمتن الله عز وجل على عباده في هاتين الآيتين وغيرهما ببعثة النبي الكريم الذي أنقذهم به من الضلالة وعصمهم به من الهلاك وأخرجهم به من ظلمات الشرك والكفر والجهل إلى نور الإسلام والإيمان والإحسان، وبين أن من مهمات الرسول تعليم الناس آيات الله عز وجل ببيان ألفاظها ومعانيها وأحكامها، ومن أعظم وظائفه تزكية الناس من الشرك والمعاصي والرذائل وسائر مساوئ الأخلاق. فتزكية النفوس وتطهيرها من سوء الاعتقادات وسوء الأخلاق من أعظم غايات البعثة كما قال صلى الله عليه وسلم : -إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق-. وتزكية النفوس هي تطهيرها وتنقيتها من القبائح والرذائل العقدية كالشرك والشك والشقاق والنفاق، أو الأخلاقية كالجبن والبخل والحقد والحسد والظلم والكذب، وتجميلها بالفضائل ومحاسن الصفات التي وردت بها نصوص الكتاب والسنة. فالنفس الزكية هي النفس الطيبة الطاهرة البعيدة عن كل دنس، المتعالية عن كل خبث، ولهذا أقسم الله عز وجل بمخلوقات عديدة في قوله تعالى: -والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها- على قضية واحدة وهي قوله عز وجل: -قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها- أي فاز من طهر نفسه من الذنوب ونقاها من العيوب وجملها بالعلم النافع والعمل الصالح، وقد خسر من ترك تكميلها بالفضائل ودنسها بالرذائل. وتزكية النفوس منة من الله عز وجل على من يشاء من عباده كما قال تعالى: -ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا- وقال عز وجل: -بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلاً- لأن الشيطان وأتباعه، والنفس والهوى والدنيا والفتن متكالبة على العبد من كل مكان، فلو خلي وهذه الدواعي ما زكى أحد أبداً، ولكن الله تعالى بفضله يجتبي من يشاء من عباده فيطهره من الرذائل وينميه بالفضائل. ولتزكية النفس ثمرات عظيمة منها أن التزكية سبب للفلاح في الدنيا والآخرة كما قال عز وجل: -قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى-، ومنها دخول الجنة كما قال تعالى: -ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى-، ومنها النجاة من النار كما قال تعالى: -فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى- وغيرها من الثمرات الطيبة للتزكية الشرعية. والعبادات البدنية والمالية سبيل لطهارة النفس وزكاتها، فالصلاة كما وصفها الله عز وجل: -إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر- وقال صلى الله عليه وسلم : -أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا-، والصيام سبب للتقوى التي هي من غايات التزكية الشرعية كما قال عز وجل: -يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون-، والزكاة تطهير للمال ولنفس المزكي من الشح والبخل كما قال تعالى: -خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها-، وإقامة حدود الله تعالى في العقوبات طهارة للمجتمع من الجرائم وإشاعة للأمن والاستقرار كما قال تعالى:-ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون-. - والخلاصة أن التزام أحكام الدين في الظاهر والباطن، في العلم والعمل، في العبادات والمعاملات وسائر مجالات الحياة سبب لتزكية الأفراد والمجتمعات. وقد ظهرت مناهج مخالفة لهذا المنهج الأصيل، تهدف إلى تقديم سبل أخرى لتزكية النفوس، وقد وضعت لها غايات ووسائل بعيدة عن المنهج الشرعي للتزكية، ذلك المنهج المستمد من النصوص الشرعية والآثار السلفية عن الصحابة والتابعين وأئمة الدين المعتبرين. العدد رقم: 303 التاريخ: 7/26/2004 الحلقة الثانية: التزكية عند الصوفية - د. وليد خالد الربيع -- أولاً: الشيخ المرشد من أهم ركائز التزكية عند الصوفية التلقي عن الشيخ المرشد، فلابد لكل من أراد سلوك الطريق من شيخ يدله عليه ويرشده إليه ويضع له العلامات الهادية ويحذره من المزالق والمهالك التي قد تعترض طريقه، وعندهم لا يستطيع المكلف أن يزكي نفسه بمجرد قراءة القرآن والاطلاع على السنة ما لم يكن له شيخ يداوي علل نفسه!! كما قال عبدالقادر عيسى في -حقائق عن التصوف ص 54-: فالطريق العملي الموصل لتزكية النفوس والتحلي بالكمالات الخلقية هو صحبة الوارث المحمدي والمرشد الصادق الذي تزداد بصحبته إيماناً وتقوى وأخلاقاً، وتشفى بملازمته وحضور مجالسه من أمراضك القلبية وعيوبك النفسية، وتتأثر شخصيتك بشخصيته التي هي صورة الشخصية المثالية شخصية رسول اللهصلى الله عليه وسلم. ومن هنا يتبين خطأ من يظن أنه يستطيع بنفسه أن يعالج أمراضه القلبية، وأن يتخلص من علله النفسية بمجرد قراءة القرآن الكريم، والإطلاع على أحاديث الرسولصلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الكتاب والسنة قد جمعا أنواع الأدوية لمختلف العلل النفسية والقلبية، فلابد معهما من طبيب يصف لكل داء دواءه، ولكل علة علاجها. قارن - أخي القارئ - بين هذا الكلام الأدلة الشرعية التي تدل على أن القرآن الكريم والسنة المطهرة علاج لأمراض القلوب والأبدان، كما قال عز وجل: -يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين-. قال الشيخ ابن سعدي: هذا القرآن شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع، وأمراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني، فإن فيه من المواعظ والترغيب والترهيب والوعد والوعيد ما يوجب للعبد الرغبة والرهبة، وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير والرهبة عن الشر، ونمت عندك هذه الرغبة والرهبة أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس، وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه. وأيضاً فإن العلم بالسنة المطهرة شفاء لأمراض الجهل والشبهات، كما جاء في حديث صاحب الشجة الذي أفتاه أصحابه بالغسل فاغتسل فمات، فقال النبيصلى الله عليه وسلم: -قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؟ إنما شفاء العي السؤال-. قال ابن القيم: فلا يخرج مرضه - أي القلب - عن شهوة أو شبهة أو مركب منهما، وهذه الأمراض كلها متولدة عن الجهل ودواؤها العلم.. ولاشك أن رأس العلم وأساسه العلم بكتاب الله وسنة نبيهصلى الله عليه وسلم. - حكم اتخاذ الشيخ المرشد: اتخاذ الشيخ المرشد واجب عيني عند الصوفية، كما قال الطيبي: فقد أجمع أهل الطريق على وجوب اتخاذ الإنسان شيخاً له، يرشده إلى زوال تلك الصفات التي تمنعه من دخول حضرة الله بقلبه! ليصح حضوره وخشوعه في سائر العبادات، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولاشك أن علاج أمراض الباطن واجب. فيجب على كل من غلبت عليه الأمراض أن يطلب شيخاً يخرجه من كل ورطة! وإن لم يجده في بلده أو إقليمه، وجب السفر إليه -حقائق عن التصوف ص 95-. العدد رقم: 304 التاريخ: 2/8/2004 الحلقة الثالثة: التزكية عند الصوفية - د. وليد خالد الربيع - أهمية اتخاذ الشيخ المرشد ويرى الصوفية اتخاذ الشيخ ضرورة حتمية، لأن سبل الدين عندهم غامضة يحتاج فيها السالك إلى قائد ودليل يأخذ بيديه، في حين أن الله تعالى يقول: -ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر-، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في بيان وضوح الدين وظهور سبله: -وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها سواء<. - وقال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً. - قال الغزالي: يحتاج المريد إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة، ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض! وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه، قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، فمن سلك سبل البوادي المهلكة بغير خفير، فقد خاطر بنفسه وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها، فإنها تجف على القرب وإن بقيت مدة وأورقت لم تثمر، فمعتصم المريد شيخه فليتمسك به -الإحياء 3/56-. ولهذا قال القشيري مبينا ضرورة اتخاذ الشيخ: ثم يجب على المريد أن يتأدب بشيخ، فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبداً، هذا أبو زيد يقول: من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان. - ويقول محمد ماضي أبو العزائم في مذكرة المرشدين والمسترشدين ص 511: يلزم لمن أراد أن يسلك طريق الله تعالى - لتحصل له النجاة والفوز والسعادة والوصول - أن يبدأ أولا بالبحث عن الرجل الحي، العالم بكتاب الله تعالى، والعالم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعالم بتزكية النفوس وتخليصها من أمراضها ورعوناتها، والعالم بالأخلاق المحمدية، المتجمل بها، الممنوح الحال الذي يجرد النفوس من أوحال التوحيد!! العالم بعلوم اليقين ومشارب الأبرار ومشاهد المقربين، العالم بحقيقة التوحيد الخالص من الشرك الخفي. وهنا يرد تساؤل وهو ما حكم من لم يحصل له الشيخ المرشد الصوفي؟ أو أنه أهمل ذلك مقتصراً على شيخ التعليم الذي بينه له دينه في عقيدته وعبادته وأخلاقه، فهل يكون بذلك قد حرم من تزكية نفسه وفات عليه الفلاح والنجاة أبداً؟ لاشك أن هذا مخالف لمنهج سلف الأمة الذي ينص على أن النجاة في التمسك بالوحي - الكتاب والسنة - كما قال عز وجل: -اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء-. - قال الشيخ ابن سعدي: أي الكتاب الذي أريد إنزاله لأجلكم من ربكم الذي يريد أن يتم تربيته لكم، فأنزل لكم هذا الكتاب الذي إن اتبعتموه كملت تربيتكم وتمت عليكم النعمة وهديتم لأحسن الأعمال والأخلاق ومعاليها. وقال صلى الله عليه وسلم في وصيته الجامعة: -أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن أمر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم بعدي فسير اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة< فبين أن سبيل النجاة إنما هو بالتمسك بالسنة المطهرة وسنة الخلفاء الراشدين ولم يذكر شيوخ التربية كما يزعم الصوفية. من هو الشيخ المرشد؟ يبنغي العلم بأن الشيخ عند الصوفية ليس شيخ التعليم كما يقول عبدالقادر عيسى: ينبغي الملاحظة أن المقصود بالشيخ هنا هو شيخ التربية لا شيخ التعليم، إذ يمكن لطالب العلم أن يكون له أساتذة عدة، ويمكن للمريد أن يكون له أساتذة في العلم لأن ارتباطه بهم ارتباط علمي بينما صلة المريد بشيخ التربية صلة قلبية وتربوية! -حقائق عن التصوف ص 99<. - يقول القاشاني: الشيخ هو طبيب الأرواح وهو الإنسان البالغ في معرفة علوم الشريعة والطريقة والحقيقة إلى الحد الذي يتمكن معه من معالجة الأمراض الحاصلة في نفوس الطالبين للوصول إلى الله تعالى. فالشيخ عند السالكين هو الذي سلك طريق الحق، وعرف المخاوف والمهالك، فيرشد المريد ويشير عليه بما ينفعه ويضره -السير والسلوك إلى ملك الملوك ص 122<. فالصوفية يفرقون بين شيخ العلم وشيخ التربية كما يفرقون بين الشريعة والحقيقة، وبين الفقه والتصوف، والعلم الشرعي والعلم اللدني، وذلك أن لهم طريقاً خاصاً إلى الله تعالى، يقول عمر بن سعيد الفوتي: لا يصل السالك الناسك إلى حضرة الله وحضرات صفاته وأسمائه ولو جمع علوم الأولين وصحب طوائف الناس وعبد عبادة الثقلين إلا على يدي أصحاب الإذن الخاص. العدد رقم: 305 التاريخ: 9/8/2004 الحلقة الرابعة: التزكية عند الصوفية - د. وليد خالد الربيع - يقول الشعراني: -فعلم من جميع ما قررناه وجوب اتخاذ الشيخ لكل عالم طلب الوصول إلى شهود عين الشريعة الكبرى، ولو أجمع جميع أقرانه على علمه وعمله وزهده وورعه ولقبوه بالقطبية الكبرى، فإن لطريق القوم شروطاً لا يعرفها إلا المحققون منهم دون الدخيل فيهم بالدعاوى والأوهام-. ولهذا فإنهم يشترطون شروطاً خاصة في شيخ التربية ويوجبون له حقوقاً على أتباعه تضمن له الطاعة المطلقة والتحكم المحض فيهم وتعلقهم به وحده وعدم الانصراف إلى غيره ولا الخروج عن طاعته ولو بالنية والهم القلبي ونحو ذلك بما يخالف أصول المنهج الشرعي في التزكية والطاعة وأدب الطالب مع شيوخه ومعلميه. - شروط الشيخ المرشد أولاً: أن يكون عالماً بالفرائض العينية: كالعقائد والعبادات والمعاملات ونحوها. ثانياً: أن يكون عارفاً بالله: والعارف بالله مصطلح صوفي بينه المناوي بقوله: -العارف من أشهده الرب نفسه!! فظهرت عليه الأحوال-.-التوقيت على مهمات التعريف ص 496-. وعلى عادة الصوفية في الغموض واستعمال الأساليب الرمزية الإشارية في بيان الحقائق الصوفية يقول محمد فاضل أبو ماضي في مذكرة المرشدين والمسترشدين ص 35: -والعارف هو المقبل بفكره وقواه النفسية على قدس الجبروت، مستديما لشروق نور الحق لسره بعد تركه للملك، وإشراقه على الملكوت ومواجهة نفسه للعزة-. ويقول عبدالقادر عيسى في بيان هذا الشرط: -فينبغي أن يتحقق المرشد بعقيدة أهل السنة عملاً وذوقاً بعد أن عرفها علما ودراية، فيشهد قلبه وروحه صحتها، ويشهد أن الله واحد في ذاته، واحد في صفاته واحد في أفعاله، ويتعرف على حضرات أسماء الله تعالى ذوقاً وشهوداً، ويرجعها إلى الحضرة الجامعة، ولا يشتبه عليه تعدد الحضرات، إذ تعدد الحضرات لا يدل على تعدد الذات-. ثالثاً: أن يكون خبيراً بطرائق تزكية النفوس ووسائل تربيتها: فلابد أن يكون قد زكى نفسه على يد مرب ومرشد، فخبر مراتب النفس وأمراضها ووساوسها، وعرف أساليب الشيطان ومداخله، وآفات كل مرحلة من مراحل السير، وطرائق معالجة كل ذلك بما يلائم حالة كل شخص وأوضاعه -حقائق عن التصوف ص 79-. رابعاً: أن يكون مأذوناً بالإرشاد من شيخه: فلابد أن يكون المرشد قد أجيز من شيخه بهذه التربية وهذا السير، فمن لم يشهد الاختصاصيون بعلم يدعيه لا يحق أن يتصدر فيه، فالإجازة هي شهادة أهلية الإرشاد وحيازة صفاته -حقائق عن التصوف ص 79-. العدد رقم: 306 التاريخ: 8/16/2004 الحلقة الخامسة: التزكية عند الصوفية - د. وليد خالد الربيع - ولا تعجب أخي القارئ من هذه الجرأة والمجازفة في القول لأنهم يرون أن الشيوخ حجاب الله تعالى وهم الأدلاء إليه فمن أوصلوه وصل وإلا فهو المحروم، انظر إلى ما قاله الشعراني: -فمن تلطخ بالذنوب وادعى محبة شيخه فهو كاذب، وكما أنه لا يحب شيخه فكذلك شيخه لا يحبه، وإذا لم يحبه فالحق تعالى كذلك لا يحبه!-. وتأمل كلام ابن عربي في الفتوحات المكية باب في معرفة مقام احترام الشيوخ: -إن حرمة الحق في حرمة الشيخ، وعقوقه في عقوقه! هم حجاب الحق، الحافظون أحوال القلوب على المريدين، فمن صحب شيخا ممن يقتدى به ولم يحترمه فعقوبته فقدان وجود الحق في قلبه! والغفلة عن الله وسوء الأدب عليه يدخل في كلامه ويزاحمه في رتبته، فإن وجود الحق إنما يكون للأدباء، والباب دون غير الأدباء مغلق، ولا حرمان أعظم على المريد من عدم احترام الشيوخ- أهـ. ولهذا أوجبوا للشيوخ آداباً كثيرة ظاهرة وباطنة لا يصل المريد إلى غايته من التزكية إلا بمراعاتها. أولاً: الآداب الباطنة: - قال ابن عجيبة في شرح الحكم العطائية: 1- اعتقاد كماله وأنه أهل للشيخوخة والتربية، لجمعه بين شريعة وحقيقة، وبين جذب وسلوك. 2- تعظيمه وحفظ حرمته غائباً وحاضراً، وتربية محبته في قلبه، وهو دليل صدقه، وعلى قدر التصديق يكون التحقيق، فمن لا صدق له لا سير له ولو بقي مع الشيخ ألف سنة. 3- انعزاله عن عقله ورياسته وعلمه وعمله إلا ما يرد عليه من قبل شيخه، كما فعل شيخ طريقتنا الشاذلي عند ملاقاته شيخه، فهي سنة في طريقه، فكل من أتى شيخه في هذه الطريقة فلابد أن يغتسل من علمه وعمله قبل أن يصل إلى شيخه، لينال الشراب الصافي من بحر مدده الوافي. 4- عدم الانتقال عنه إلى غيره، وهذا عندهم من أقبح كل قبيح وأشنع كل شنيع، وهو سبب تسويس بذرة الإرادة، فتفسد شجرة الإرادة لفساد أصلها، وهذا كله مع شيوخ التربية كما تقدم، وأما شيوخ أهل الظاهر فلا بأس أن ينتقل عنهم إلى أهل الباطن إن وجدهم ولا يحتاج إلى إذن.. والله أعلم- -إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص771-. - وقال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف: - الاستسلام لشيخه وطاعته في جميع أوامره ونصائحه، من باب التسليم لذي الاختصاص والخبرة بعد الإيمان الجازم بمقدمات فكرية أساسية، منها التصديق الراسخ بإذنه وأهليته واختصاصه وحكمته وأنه جمع بين الشريعة والحقيقة. - عدم الاعتراض على شيخه في طريقة تربية مريديه، لأنه مجتهد في هذا الباب عن علم واختصاص وخبرة، كما لا ينبغي أن يفتح المريد على نفسه باب النقد لكل تصرف من تصرفات شيخه، فهذا من شأنه أن يضعف ثقته به ويحجب عنه خيراً كثيراً ويقطع الصلة القلبية والمدد الروحي بينه وبين شيخه. قال العلامة ابن حجر الهيثمي: -ومن فتح باب الاعتراض على المشايخ والنظر في أحوالهم وأفعالهم والبحث عنها، فإن ذلك علامة حرمانه وسوء عاقبته وإنه لا ينتج قط، ومن ثم قالوا: -من قال لشيخه لم؟ لم يفلح أبداً، أي لشيخه في السلوك والتربية. - قال محمد بن حامد الترمذي: -من لم ترضه أوامر المشايخ وتأديبهم فإنه لا يتأدب بكتاب ولا سنة- وقال أبوالعباس المرسي: -تتبعنا أحوال القوم فما رأينا أحداً أنكر عليهم ومات بخير-. -حقائق عن التصوف ص59-89-. - أن يبالغ في حب شيخه: قال الشعراني: عمدة الأدب مع الشيخ هو المحبة له، فمن لم يبالغ في محبة شيخه بحيث يؤثره على جميع شهواته لا يفلح في الطريق لأن محبة الشيخ إنما هي مرتبة إدمان يترقى المريد منها إلى مرتبة الحق عز وجل، ومن لم يحب الواسطة بينه وبين ربه التي من جملتها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منافق، والمنافق في الدرك الأسفل من النار. وأجمعوا على أن من شرط المحب لشيخه أن يصم أذنه عن سماع كلام أحد في الطريق غير شيخه، فلا يقبل عذل عاذل حتى لو قام أهل مصر كلهم في صعيد واحد، لم يقدروا على أن ينفروه من شيخه، ولو غاب عنهما الطعام والشراب أياماً لاستغنى عنا بالنظر إلى شيخه في باله!! وسمعت سيدي عليا المرصفي يقول: -المريد يترقى في محبة شيخه إلى حد يتلذذ بكلام شيخه له كما يتلذذ بالجماع! فمن لم يعمل إلى هذه الحالة فما أعطى الشيخ حقه من المحبة!!-. العدد رقم: 307 التاريخ: 8/23/2004 الحلقة السادسة: التزكية عند الصوفية - د. وليد خالد الربيع - - قال الشعراني: -ومن شأنه ألا يشرك مع شيخه أحدا في المحبة، وكان سيدي علي بن وفا يقول كثيراً: إياكم أن تشركوا في المحبة مع شيخكم أحدا من المشايخ، فإن الرجال أمثال الجبال وهم على الأخلاق الإلهية المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم : -تخلقوا بأخلاق الله-، فكما أن الله تعالى -لا يغفر أن يشرك به- فكذلك محبة الأشياخ لا تسامح أن يشرك بها!! وكما أن الجبال لا يزحزحها عن مكانها إلا الشرك بالله تعالى ما دام العالم باقياً، فكذلك الولي لا يزيل همته عن حفظ مريده!! من الافات إلا شرك موضع خالص المحبة من قلبه-!! - وقال أبوعلي الدقاق: -من دخل في صحبة شيخ ثم اعترض عليه بعد ذلك فقد نقض عقد الصحبة ووجب عليه تجديد العهد، على أن الأشياخ قد قالوا: إن عقوق الأستاذ قد يترتب عليه استحكام المقت فلا يكاد يصح من ذلك العاق توبة!! وكان أبوجعفر الخلدي يقول: من لم يحفظ الأدب مع المشايخ سلط الله عليه الكلاب التي تؤذيه-!! - وكان أحمد الأبيوردي يقول: -إياكم والعمل على تغيير قلب شيخكم عليكم، فإن من غير قلب شيخه عليه لحقته العقوبة ولو بعد موت الشيخ-!! وزار أبوتراب النخشبي وشقيق البلخي أبا يزيد البسطامي، فلما قدم خادمه السفرة قالا له: كل معنا يا فتى، فقال: لا إني صائم، فقال له أبوتراب: كل ولك أجر صوم شهر!! فقال: لا، فقال له شقيق: كل ولك أجر صوم سنة!! فقال: لا، فقال أبويزيد: دعوا من سقط من عين رعاية الله عز وجل، فسرق ذلك الشاب بعد سنة فقطعت يده عقوبة له على سوء أدبه مع الأشياخ!! وسمعت شيخ الإسلام برهان الدين بن أبي شريف يقول: -من لم ير خطأ شيخه أحسن من صوابه هو لم ينتفع به-!! - وكان سيدي علي بن وفا يقول: -من تقرب إلى أستاذه بالخدم تقرب الحق تعالى إلى قلبه بأنواع الكرم!!-، وكان يقول: -من آثر أستاذه على نفسه كشف الله له عن حضرة قدسه!! ومن نزه حضرة أستاذه عن النقائض منحه الله بالخصائص!! ومن احتجب عنه طرفة عين فلا يلومن إلا نفسه إذا أوبق بوائق البين، ولا يصل المريد إلى هذا المقام إلا إن جعل مراد شيخه مراده-. - قال الشعراني: -ومن شأنه أن لا يقيم ميزان عقله على كلام شيخه، حتى لو قال له لا تحضر مجلس فلان العالم أو الواعظ فلا ينبغي له حضوره!! وذلك لأن شيخه أمين عليه في كل شيء يرقيه أو يوقفه أو يؤخره، وغير شيخه لم يلتزم ذلك معه فربما علمه ما يضره!! ويورثه الإعجاب بنفسه مثلا فيهلكه!!-. للشيخ أن يخرج المريد من ورد إلى ورد آخر فإذا نهاه عن ورد بادر إلى امتثال أمره وليس له الاعتراض عليه بباطنه ويقول إن الورد خير فكيف ينهاني عن فعله؟ فربما رأى الشيخ في ذلك الورد ضرراً على المريد!! بدخول علة قادحة في الإخلاص مثلاً- -الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية للشعراني ص114-155-. ولا يخفى على أحد في تلك النقولات المذكورة عن أرباب التصوف وأئمته من مخالفة واضحة لمنهج أهل السنة والجماعة في أدب طالب العلم مع شيوخه، إذ إنها علاقة احترام وتوقير وليست علاقة تقديس وتقليد وانسلاخ من العقل والإرادة كما يصورها الصوفية ليحصل لهم كمال انقياد الاتباع وعدم اعتراضهم عليهم ولا يتركونهم مدة حياتهم، فقد سأل الشعراني شيخه الخواص: -هل أصحب أحداً من مشايخ العصر لآخذ عنه الأدب؟ فقال: -لا تفعل ذلك في حياتي أبداً- -درر الغواص ص53-، وجاء في قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر ص278 فيما يلزم المريد الرفاعي أن يتحلى به أن لا يلتجئ إلى غير شيخه حتى ولو كان ذلك الشيخ من الصالحين-، فهي مسألة احتكار للمريدين وتكثر بهم، وتطورت هذه العلاقة لتأخذ صورة المدارس المستقلة المتمثلة بالطرق الصوفية الكثيرة كما عرفتها الموسوعة الميسرة: -طريقة: السيرة المختصة بالمتصوفة السالكين إلى الله من التمكن في المقامات والترقي في الأحوال، كانت تدل في القرنين الثالث والرابع على أحوال الصوفية وسلوكهم ثم أصبحت تدل على نظام من الرياضات الصوفية تمتاز به كل طريقة، انتشرت هذه الطرق في القرن الثاني عشر فتعددت وتنوعت وتنافست وكان للعراق وشمال أفريقيا منها نصيب كبير-. ولكل طريقة طقوسها وأذكارها ورجالها، ونظرة موجزة على مواقع الطرق الصوفية في شبكة الإنترنت كافية للوقوف على انحرافها عن منهج أهل السنة والجماعة في أمور كثيرة. العدد رقم: 308 التاريخ: 8/30/2004 الحلقة السابعة: التزكية عند الصوفية د. وليد خالد الربيع - الآداب الظاهرة يبالغ الصوفية في أهمية لزوم المريد الأدب مع شيخ التربية والإرشاد، وقد ذكروا في ذلك آداباً كثيرة منها ما هو موافق للمنهج الصحيح للتزكية ويخرج بالعلاقة بين المريد والشيخ عن دائرة التربية إلى هوة التقديس والطاعة المطلقة المخالفة لأصول الشرع المطهر التي تقرر أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن الطاعة المطلقة إنما هي لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم كما قال عز وجل: -يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم-، وفي هذه الآية أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر من المسلمين، وهم الأمراء والعلماء كما قرر ذلك طائفة من العلماء منهم الجصاص، وابن العربي وابن كثير وابن تيمية وابن القيم وابن سعدي. ومع ذلك فإن طاعة ولاة الأمر ليست مطلقة كطاعة الله ورسوله، بل إنها مقيدة بقيود وضوابط تحقق المقصود منها وتمنع من مجاوزة الحد الشرعي فيها، وقد دل على هذا التقييد أدلة منها: 1- قوله تعالى: -يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم- فالله سبحانه أعاد فعل -أطيعوا- في قوله: -وأطيعوا الرسول- إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته. 2- عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: -على المرء السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة-. 3- وعن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً وأمر عليهم رجلا، فأوقد نارا وقال: ادخلوها، فأراد ناس أن يدخلوا وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوا: -لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة-، وقال للآخرين قولا حسنا، وقال: -لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف-. قال النووي: تجب طاعة ولاة الأمر فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية، فإن كانت المعصية فلا سمع ولا طاعة كما صرح به - أي في هذا الحديث ونظائره -. وقال ابن تيمية: إنهم - أي أهل السنة والجماعة - لا يجوزون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فإذا أمرهم بطاعة الله أطاعوه مثل أن يأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة...-. - قارن - أخي القارئ - بين هذا الأصل العظيم من أصول منهج أهل السنة والجماعة وبين ما سيأتي ذكره من بعض الآداب التي ذكرها الصوفية لمن أراد سلوك سبيل التصوف، كما قال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص 120 : -فهذه جملة من الآداب التي يجب على السالك مراعاتها والمحافظة عليها، فإن الطريق كلها آداب- وقد فرق بين المريد الحقيقي والمريد المجازي!! وبيّن أن هذه الآداب ليست للعامة وإنما هي لطائفة مخصوصة من الناس فقال: -وهذه الآداب كلها إنما تطلب من المريد الحقيقي الذي يريد الوصول إلى الحضرة الإلهية!!، وأما المريد المجازي فهو الذي ليس قصده من الدخول مع الصوفية إلا التزيي بزيهم والانتظام في سلك عقدهم، وهذا لا يلزم بشروط الصحبة ولا بآدابها، ومثل هذا له أن ينتقل إلى طريق أخرى ولا حرج عليه-. العدد رقم: 309 التاريخ: 6/9/2004 الحلقة الثامنة: التزكية عند الصوفية - د. وليد خالد الربيع - - ذكر السهروردي في عوارف المعارف ص286 أن بعض أصحاب الجنيد سألوه مسألة فأجابه، فعارضه فقال الجنيد: فإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون!! قال السهروردي: وينبغي للمريد كلما أشكل عليه شيء من حال الشيخ أن يذكر قصة موسى مع الخضر عليهما السلام... فما ينكره المريد لقلة علمه بحقيقة ما يوجد من الشيخ، فللشيخ في كل شيء عذر بلسان العلم والحكمة!! أهـ بل بالغ بعضهم فقدم طاعة الشيخ على طاعة الوالد كما قال الشيخ داود الكبير: خدمة أستاذك مقدمة على خدمة أبيك، لأن أباك كدرك وأستاذك صفاك، وأستاذك علاك، وأباك مزجك بالماء والطين وأستاذك رقاك إلى أعلى عليين- -الطبقات الكبرى للشعراني 1/169-. وتأمل ما جاء في تذكرة الأولياء 1/171 عن ذي النون المصري أنه قال: -طاعة المريد لشيخه فوق طاعته لربه-!!؟ - السكينة والوقار في الجلوس بين يديه: فلا يضحك ولا يرفع صوته عليه ولا يتكلم في مجلس الشيخ ولو كلمة واحدة حتى يستدعيه للكلام أو يفهم عنه بقرائن الأحوال كحال المذاكرة بخفض الصوت ورفق ولين، ولا يأكل معه ولا بين يديه ولا ينام معه أو قريباً معه، وكل ذلك كما يقول عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص99: -لأن ذلك من عدم المبالاة بالشيخ وعدم الاحترام له، ومن صحب المشايخ بغير أدب واحترام حرم مددهم!! وثمرات ألحاظهم وبركاتهم!!- ونحو ذلك من التذلل المهين للمشايخ الذي يسميه الصوفية -أدبا- والواقع أنه ذل وصغار وتحقير للمريد حتى يخرج من كرامته الإنسانية وشخصيته المستقلة، ليذوب في إرادة الشيخ وتوجيهاته ولو كانت مخالفة للشـرع المطهر، فكمال المريد في كمال ذله لمشــايخه - وقارن هذه الآداب الصوفية - أخي القارئ - مع حال سادات المؤمنين وهم الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - مع سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر، وكيف أنهم - مع كمال الاتباع والأدب والتوقير - كانوا يأكلون معه وبين يديه ويكلمونه استفساراً واقتراحاً ويمزحون معه وبين يديه صلى الله عليه وسلم كما تزخر بذلك كتب السنة المطهرة والسيرة العطرة لمن تأملها، بخلاف ما يريده الصوفية من أتباعهم من الاستسلام الذليل والانقياد المهين. - المبادرة إلى خدمة الشيخ بقدر الإمكان بنفسه أو بماله أو بقوله، قال ابن عجيبة: -فخدمة الرجال سبب الوصال لمولى الموالي- -شرح الحكم ص175 -، ونقل الشعراني عن الشيخ علي وفا أنه قال: -من تقرب إلى أستاذه بالخدم تقرب الحق تعالى إلى قلبه بأنواع الكرم!!- -الأنوار القدسية ص 150. وقد تصل الخدمة بالمريد إلى أن ينظف مرحاض الشيخ! فعليه أن لا يعترض على ذلك لأن الخدمة سبب للترقي والوصول، قال الشعراني: -فيجب عليه أن لا يعترض على شيخه بقلبه إذا استعمله في نزح السراب مثلاً أو قال له: اعمل سراباتي - والسراب هو المرحاض - وقد كان الشيخ خليل المالكي صاحب المختصر بسبب نزحه سراب بيت الشيخ عبدالله المنوفي، فسمع الشيخ يطلب القنواتية فأتى بالفأس والزنبيل من الليل وصار ينزح إلى الظهر، فما رجع الشيخ عبدالله من الدرس حتى نزح السراب كله، فدعا له الشيخ فصار علماء المالكية كلهم يرجعون إلى قوله وترجيحه إلى وقتنا هذا!! -الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية ص 123-. فأصبح طريق الإمامة في الدين ليس للصبر واليقين كما قال تعالى -وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون- وليس طريق الإمامة في تحصيل العلم النافع والعمل الصالح وإنما - عند الصوفية - يحصل ذلك ببركة دعاء الشيخ وخدمته في تنظيف النجاسات ولو كان المدعو له بعيداً عن مجالس العلم والتحصيل، وتأمل هذه القصة التي حكاها الشعراني فقال: -ومن شأنه - أي المريد - إذا أقامه الشيخ في خدمة سفرا وحضرا دون أن يحضر مجالس الذكر أن لا يتكدر، فإن الشيخ إنما يستعمله فيما يراه خيرا له من سائر الوجوه، ومتى تكدر أو رأى أن اشتغاله بغير ذلك أفضل فقد نقض عهد شيخه!! فإن الشيخ أمين عليه من جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته!! ومطالب أن يفعل معهم ما يرقيهم وينهاهم عما يؤخرهم في المقامات... وقد بلغنا أن سيدي إبراهيم المواهبي لما جاء إلى سيدي الشيخ أبي المواهب يطلب الطريق إلى مقدمة الأدب مع الله تعالى أمره أن يجلس في الاصطبل يخدم البغلة ويقضي حوائج البيت!! وقال له: احذر أن تحضر مع الفقراء - يعني الصوفية - قراءة حزب أو علم!! فأجابه إلى ذلك فمكث سنين!! حتى دنت وفاة الشيخ فتطاول أكابر أصحابه للإذن لهم في الخلافة بعده - انظر إلى الزهد في الدنيا والرغبة في الخمول وعدم الصدارة والرئاسة كما يزعم الصوفية عن التصوف! - فقال: ائتوني بإبراهيم، فأتوه به ففرش له سجادة وقال له: تكلم على إخوانك في الطريق، فأبدى لهم العجائب والغرائب نظماً ونثراً حتى انبهرت عقول الحاضرين، فكان سيدي إبراهيم الخليفة بعد الشيخ ولم يظهر من أولئك شيء من أحوال الطريق، فعلم أن معرفة الأمور التي يقع بها الفتح راجعة إلى الشيخ لا إلى المريد!!! -الأنوار القدسية ص 127-. العدد رقم: 310 التاريخ: 9/13/2004 الحلقة التاسعة: التزكية عند الصوفية - د. وليد خالد الربيع - عرضنا في الحلقة الماضية بعضاً من أقوال الصوفية عن المبالغة في تقديس الشيخ وكان منها قولهم -طاعة المريد لشيخه فوق طاعته لربه- وغيرها من الكلمات التي تدل على غلوهم، حيث إن طريق الإمامة عند الصوفية لا يحصل للمرء إلا ببركة دعاء الشيخ وخدمته حتى ولو كان المدعو له بعيداً عن مجالس العلم. ولعلك أدركت أخي القارئ السر في تعظيم الصوفية للشيخ وذلك لأنه - عندهم - مدد الخير والعلم والإمامة وليس للمريد في ذلك سبب ولا تحصيل فلو اشتغل بتحصيل العلم سنين عديدة ولم يحصل له من الشيخ مدد لا تحصل له الإمامة، ولو حصل له من الشيخ بركة ورضا فإنه يصبح المقدم في الدين ولو كان من أجهل الناس كما تقدم، وربما لأن تحصيل العلم عندهم قد يحصل بالفتح والفيض دون طلب ولا مجالسة للعلماء وقراءة الكتب. - ومن آداب المريد مع شيخه: ألا يكتم عن شيخه شيئاً من الخير أو الشر، قال الشعراني في أدب المريد: -ومن شأنه أن لا يكتم عن شيخه شيئاً من أحواله الظاهرة والباطنة، حتى الخواطر التي استقرت عنده، ومتى كتم عنه شيئاً فقد خانه في الصحبة!! وكان عليه تجديد الصحبة إن أرادها،... وأجمعوا على أنه إذا حصل من المريد مخالفة لإشارة شيخه أو جناية على أحد بغير حق كان عليه أن يقر بين يديه بالجناية على الفور ثم يستسلم لما يحكم به عليه شيخه من العقوبات للنفس على تلك الجناية من سفر بكلفة! أو خدمة شديدة! أو جوع شديد ونحو ذلك!-. - ولك أن تتساءل أخي القارئ عن الدليل الشرعي على مثل هذا الأدب وما الذي يلزم المريد أن يقر بذنوبه عند شيخه؟ وما الموجب الشرعي لتلك العقوبات التي تنال بدن المريد أو ماله التي من حق الشيخ أن يلزم بها المريد بل هو واجب شرعي عندهم كما يكمل الشعراني بقوله: -وأجمعوا على أنه لا يجوز للأشياخ التجاوز عن زلات المريد لأن ذلك تضييع لحقوق الله عز وجل!!- -الأنوار القدسية ص124-، والسؤال هنا هو من الذي فوض الأشياخ في هذا الواجب وهم ليسوا بأمراء ولا علماء لأن شيخ التربية غير شيخ التعليم كما تقدم. ومن أدب المريد استئذان الشيخ في كل أموره ولو كان ذلك في الحج قال الشعراني: -ومن شأنه ألا يحج إلا بإذن شيخه، فإن معرفة الأدب مع رب البيت مقدمة على معرفة أدب البيت، فمن سافر إلى البيت قبل معرفته بصاحب البيت المعرفة التي يعرفها القوم فقد أخطأ طريقهم ولم يحصل له إمدادها وبعيد أن يسقط عنه بها حج الإسلام!! كما أنه فرق عظيم بين حج شيخ الإسلام وبين حج آحاد العوام!!- أهـ . وبناء على هذا التقرير الصوفي فملايين المسلمين الذين حجوا البيت الحرام بغير إذن من مشايخ الصوفية لم تسقط عنهم حجة الإسلام ولا تزال ذممهم مشغولة بهذه الفريضة!! - وتأمل تقديس الصوفية لمشايخهم بهذا التعليل العجيب الذي ذكره الشعراني بعد أن ذكر الحكم السابق فقال: -وقد قال علماؤنا: وللزوج تحليل امرأته من حج تطوع لم يأذن فيه - يعني له إجبارها على التحلل من إحرامها - وكذا من الفرض على المذهب، وأقل مقام طاعة الشيخ أن يكون كالزوج للمرأة!! ويكون يتصرف في المريد كما يتصرف الرجل في زوجته من حيث التحجير عليها والتربية لها!!- -الأنوار القدسية ص 126-. العدد رقم: 311 التاريخ: 9/20/2004 الحلقة العاشرة التزكية عند الصوفية - د. وليد خالد الربيع - - ثانياً: الخلوة والعزلة من معالم منهج التزكية عند الصوفية -الخلوة والعزلة-، وذلك أن المريد الصوفي يسلك السبيل إلى الله عز وجل، والطريق لا يخلو عادة من معوقات ومكدرات، فانتهج الصوفية سبيل الخلوة والعزلة لتخليص المريد من الآفات القلبية والسلوكية ليرتقي في درجات الوصول إلى الله تعالى - بزعمهم، ولندعهم يوضحون لنا ما هي الخلوة وما حكمها وما أهميتها للمريد وما هي الآثار المترتبة عليها؟ 1- تعريف الخلوة: جاء في تهذيب خالصة الحقائق 1/387: >في الخلوة: الحد: قال حكيم: الخلوة ترك اختلاط الناس وإن كان بينهم، وقال عالم: الخلوة الخلو عن جميع الأذكار إلا عن ذكر الله تعالى، وقيل: الخلوة محافظة الحواس وترك الاستئناس بالناس، وقيل: الخلوة المفارقة عن النظر والأقران قلباً وقالباً، وقال حكيم: الخلوة الأنس بالذكر والاشتغال بالفكر<. وحيث إن هذه التعريفات لا توضح المراد بالخلوة بشكل دقيق، فلندع أحد معاصري الصوفية يوضح لنا حقيقتها، قال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص242: >فالخلوة إذن انقطاع عن البشر لفترة محدودة، وترك للأعمال الدنيوية لمدة يسيرة، كي يتفرغ القلب من هموم الحياة التي لا تنتهي، ويستريح الفكر من المشاغل اليومية التي لا تنقطع، ثم ذكر لله تعالى بقلب حاضر خاشع وتفكر في آلائه تعالى آناء الليل وأطراف النهار، وذلك بإرشاد شيخ عارف بالله، يعلمه إذا جهل ويذكره إذا غفل، وينشطه إذا فتر، ويساعده على دفع الوساوس وهواجس النفس<. فالخلوة بناء على هذا التعريف تتناول ثلاثة أمور: الأول: انقطاع عن الناس. الثاني: ملازمة الذكر، وخاصة الذكر باللفظ المفرد وهو: : >الله، الله<. الثالث: إرشاد شيخ عارف بالله تعالى، كما قال زروق في قواعده ص77 >ولكنها بلا شيخ مخطرة<!! فهي طريق للتزكية والتربية مهم عند الصوفية له شروط وضوابط، وليس كما يتبادر إلى الذهن أنها مجرد اجتناب الرذائل والخواطر السيئة وإنما الأمر أبعد من ذلك. وقد فرق البعض بين العزلة والخلوة كما جاء في دائرة المعارف 7/457 : >الخلوة عند بعض الصوفية هي العزلة، وعند بعضهم غير العزلة، فالخلوة من الأغيار والعزلة من النفس وما تدعو إليه ويشغل عن الله، فالخلوة كثيرة الوجود، والعزلة قليلة الوجود، فعلى هذا العزلة أعلى من الخلوة<. وقال أحمد زروق في قواعد التصوف ص77 القاعدة -114-: >الخلوة أخص من العزلة، وهي بوجودها وصورتها نوع الاعتكاف ولكن لا في المسجد وربما كانت فيه، وأكثرها عند القوم لا حد لها، ولكن السنة تشير للأربعين بمواعدة موسى عليه السلام؟!! والقصد في الحقيقة الثلاثون، إذ هي أصل المواعدة وجاور صلى الله عليه وسلم بحراء شهرا<. والخلوة عند الصوفية نوعان: خلوة عامة: ينفرد بها المريد ليتفرغ لذكر الله تعالى بأية صيغة كانت، أو لتلاوة القرآن الكريم أو محاسبة نفسه أو ليتفكر في خلق السموات والأرض. وخلوة خاصة: يقصد منها الوصول إلى مراتب الإحسان والتحقق بمدارج المعرفة، وهذه لا تكون إلا بإشراف مرشد مأذون يلقن المريد ذكراً معيناً ويكون على صلة دائمة به ليزيل عنه الشكوك ويدفعه إلى آفاق المعرفة ويرفع عنه الحجب والأوهام والوساوس، وينقله من الكون إلى المكون!! -حقائق عن التصوف 268-. 2- أهمية الخلوة: يقول القشيري في رسالته المشهورة في علم التصوف 101: >إن الخلوة صفة أهل الصفوة، والعزلة من أمارات الوصلة، ولابد للمريد في ابتداء حاله من العزلة عن أبناء جنسه، ثم في نهايته من الخلوة لتحقق بأنسه<. ويقول ابن أبي جمرة: >الأولى بأهل البادية الخلوة والاعتزال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول أمره يخلو بنفسه<. والخلوة عند الصوفية طريق للتلقي عن الله تعالى وحصول الفتوحات الربانية والفيوض الإلهية، إذ إن الإلهام والكشف عن مصادر التلقي المعتبرة عند الصوفية التي خالفوا فيها منهج أهل السنة والجماعة وأصول الفقه الإسلامي التي تستمد منها الأحكام العقدية والعملية. جاء في حقائق عن التصوف ص 261 وفي إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص85: >قال أبوالحسن الشاذلي: ثمار العزلة الظفر بمواهب المنهج، وهي أربعة: كشف الغطاء!! وتنزل الرحمة، وتحقيق المحبة، ولسان صدق في الكلمة<. وقال زروق في قواعده عن الخلوة ص77: >والقصد بها تطهير القلب من أدناس الملابسة، وإفراد القلب لذكر واحد وحقيقة واحدة ولكنها بلا شيخ مخطرة وله فتوح عظيمة!! وقد لا تصلح لأقوام فليعتبر كل أحد بها حاله<. العدد رقم: 312 التاريخ: 9/27/2004 الحلقة الحادية عشر: التزكية عند الصوفية - د. وليد خالد الربيع - ونقل في حقائق عن التصوف ص257 عن الشيخ الأكبر ابن عربي قوله: -فإن المتأهب للمزيد، المتعرض لنفحات الجود بأسرار الوجود إذا لزم الخلوة والذكر، وفرّغ المحل من الفكر، وقعد فقيراً لا لشيء له عند باب ربه، حينئذ يمنحه الله تعالى!! ويعطيه من العلم به والأسرار الإلهية والمعارف الربانية التي أثنى الله سبحانه بها على عبده خضر فقال: -عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً-... وقيل للجنيد: بم نلت ما نلت؟ فقال بجلوسي تحت تلك الدرجة ثلاثين سنة، وقال أبويزيد: أخذتم علمكم ميتا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت. فيحصل لصاحب الهمة في الخلوة مع الله وبه جلت هبته وعظمت منته من العلوم ما يغيب عندها كل متكلم على البسيطة، بل كل صاحب نظر وبرهان ليست له هذه الحالة- أ هـ. تأمل هذا الكلام مرة بعد أخرى لتقف على منهج الصوفية في التلقي، وازدرائهم العلم الشرعي - مهما قالوا إن طريقنا محكوم بالكتاب والسنة - لأنهم يقدمون الإلهام والكشف والفتح على كل علم وبرهان. وهذا ليس من شطحات ابن عربي - كما قد يتوهم البعض - ولكنها طريقة القوم، يقول الغزالي في الإحياء 3/19مبيناً طريقة الخلوة ومقصدها: -إن الطريق في ذلك أولاً بانقطاع علائق الدنيا بالكلية، وتفريغ القلب منها ويقطع الهمة عن الأهل والمال والولد والوطن وعن العلم!! والولاية والجاه، بل يصير قلبه إلى حالة يستوي فيها وجود كل شيء وعدمه، ثم يخلو بنفسه في زاوية مع الاقتصار على الفرائض والرواتب، ويجلس فارغ القلب مجموع الهمة، ولا يفرق - تأمل - فكره بقراءة قرآن!! ولا بالتأمل في تفسير ولا بكتب حديث ولا غيره -ويمضي الغزالي في شرح الطريقة فيحظر على السالم أن يخطر بباله شيء سوى الله، ويبدأ قائلاً بلسانه: -الله، الله- على الدوام مع حضور القلب حتى ينتهي إلى حالة يترك فيها تحريك اللسان ويرى أن صورة اللفظ وحروفه وهيئة الكلمة ويبقى معني الكلمة مجرداً في قلبه حاضراً فيه كأنه لازم له، ويظل هكذا متعرضاً لنفحة من نفحات رحمة الله وينتظر ما يفتح عليه كما فتح على الأنبياء والأولياء أ.هـ. وقال أيضاً: -وانكشف لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها- -المنقذ من الضلال ص131-. قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 288: -وقد قال أبوحامد الغزالي في كتابه الإحياء: مقصود الرياضة تفريغ القلب، وليس ذلك إلا بالخلوة في مكان مظلم، وقال: فإن لم يكن مكان مظلم، فيلف رأسه في جبته أو يتدثر بكساء أو إزار ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق!! ويشاهد جلال حضرة الربوبية!! -الإحياء 3/76-. قال ابن الجوزي: انظر إلى هذه الترتيبات، والعجب كيف تصدر من فقيه عالم، ومن أين له أن الذي يراه نداء الحق؟ وأن الذي يشاهده جلال الربوبية؟ وما يؤمنه أن يكون ما يجده من الوساوس والخيالات الفاسدة؟ وهذا الظاهر ممن يستعمل التقلل من الطعام فإنه يغلب عليه الماليخوليا- أهـ. ويقول القسطلاني في إرشاد الساري 1/62: -والخلوة أن يخلو عن غيره بل وعن نفسه بربه وعند ذلك يصير خليقاً بأن يكون قالبه ممرا لواردات علوم الغيب!! وقلبه ممراً لها-. ويقول الفيروز آبادي: -خلوة طلاب طريق الحق على أنواع: الأول: أن تكون خلوتهم لطلب مزيد على الحق من الحق!! لا بطريق النظر والفكر، وهذا غاية مقاصد أهل الحق- -حقائق عن التصوف ص 253-. - فتبين لك - أخي القارئ - أن الخلوة خطوة مهمة على طريق تزكية النفس عند الصوفية، وأنها سبيل لتلقي العلم اللدني من الله عز وجل وانظر إلى الاستدلال العجيب الذي احتج به أبوالحسن الشاذلي ونقله عنه ابن عجيبة بقوله تعالى: -فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له- الآية -إيقاظ الهمم ص 58- فجعل الخلوة والعزلة - في اصطلاحهم الخاص كما تقدم - سبباً لنيل هبة الله من العلم اللدني ومقامات الولاية. العدد رقم: 313 التاريخ: 4/10/2004 الحلقة الثانية عشر: التزكية عند الصوفية ذكرنا في الحلقة السابقة أهمية الخلوة على طريقة تزكية النفس عند الصوفية وأشرنا إلى أنهم يعتقدون أنها سبيل لتلقي العلم اللدني من الله عز وجل وسنستكمل في حلقتنا هذه حكم الخلوة عندهم. - د. وليد خالد الربيع 3- حكم الخلوة: قال شمس الدين الرازي في -حدائق الحقائق ص 39-: -العزلة والخلوة معروفتان، وهما مطلوبتان شرعاً!! وتأمل هذا الاستدلال العجيب في لزوم الخلوة والعزلة حيث قال في ص 41: -واعلم بأن التوفيق للعزلة دليل السعادة الأبدية، لأن من خالط الناس داراهم، ومن داراهم رآهم، ومن رآهم نافقهم، ومن نافقهم استحق الدرك الأسفل من النار بنص الكتاب العزيز وهو قوله تعالى: -إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار-!!. وقال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص 244: -ليست الخلوة ابتداعا من الصوفية، وإنما هي امتثال لأمر الله تعالى في كتابه العزيز وتأس واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يخلو بغار حراء يتعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، وبهذا تكون قد ثبتت مشروعيتها<. - وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الاستدلال بقوله: -وأما الخلوات فبعضهم يحتج فيها بتحنثه صلى الله عليه وسلم في غار حراء قبل الوحي وهذا خطأ، فإن ما فعله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة إن كان قد شرعه بعد النبوة فنحن مأمورون باتباعه فيه وإلا فلا، وهو صلى الله عليه وسلم من حين نبأه الله تعالى لم يصعد بعد ذلك إلى غار حراء ولا خلفاؤه الراشدون، وقد أقام صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بضعة عشرة سنة ودخل مكة في عمرة القضاء، وعام الفتح أقام بها قريباً من عشرين ليلة وأتاها في حجة الوداع وأقام بها أربع ليال، وغار حراء قريب منه ولم يقصده، وذلك أن هذا كانوا يأتونه في الجاهلية، ويقال أن عبدالمطلب هو من سن لهم إتيانه، لأنه لم تكن لهم هذه العبادات الشرعية التي جاء بها بعد النبوة صلى الله عليه وسلم كالصلاة والاعتكاف في المساجد، فهذه تغني عن إتيان حراء بخلاف ما كانوا عليه قبل نزول الوحي. - وقال أيضاً: -وطائفة يجعلون الخلوة أربعين يوماً ويعظمون أمر الأربعينية، ويحتجون فيها بأن الله تعالى واعد موسى ثلاثين ليلة وأتمها بعشر، وقد روي أن موسى عليه السلام صامها وصام المسيح أيضاً أربعين لله تعالى وخوطب بعدها، فيقولون: يحصل بعدها الخطاب والتنزل، كما يقولون في غار حراء حصل بعده نزول الوحي. وهذا أيضاً غلط، فإن هذه ليست من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، بل شرعت لموسى عليه السلام كما شرع له السبت والمسلمون لا يسبتون، وكما حرم في شرعه أشياء لم تحرم في شرع محمد صلى الله عليه وسلم فهذا تمسك بشرع منسوخ، وذلك تمسك بما كان قبل النبوة. وقد جرب أن من سلك هذه العبادات البدعية أتته الشياطين وحصل له تنزل شيطاني، وخطاب شيطاني، وبعضهم يطير به شيطانه، وأعرف من هؤلاء عددا طلبوا أن يحصل لهم من جنس ما حصل للأنبياء من التنزل فنزلت عليهم الشياطين لأنهم خرجوا عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم التي أمروا بها قال تعالى: -ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون- وكثير منهم لا يجد للخلوة مكاناً ولا زماناً بل يأمر الإنسان أن يخلو في الجملة. ثم صار أصحاب الخلوات فيهم من يتمسك بجنس العبادات الشرعية: الصلاة والصيام والقراءة والذكر، وأكثرهم يخرجون إلى أجناس غير مشروعة، فمن ذلك طريقة أبي حامد ومن تبعه، وهؤلاء يأمرون صاحب الخلوة أن لا يزيد على الفرض، لا قراءة ولا نظراً في حديث نبوي ولا غير ذلك، بل قد يأمرونه بالذكر ثم قد يقولون ما يقوله أبوحامد: ذكر العامة: لا إله إلا الله، وذكر الخاصة: الله الله، وذكر خاصة الخاصة: هو هو. والذكر بالاسم المفرد مظهراً ومضمرا بدعة في الشرع وخطأ في القول واللغة، فإن الاسم المجرد ليس هو كلاماً لا إيماناً ولا كفراً..< -مجموعة الرسائل والمسائل 2/247-249-. - وبهذا يتبين لك أخي القارئ مجانبة الصوفية للمنهج الصحيح في التزكية في مسألة الخلوة التي جعلوها من لوازم الطريق إلى الله كما قال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص 268: -ولا يظنن أحد أن الخلوة خاتمة السير، بل هي أول خطوة في طريق الوصول إلى الله تعالى، فلا بد أن تتلوها خلوات ومجاهدات طويلة ومذاكرة متواصلة للمرشد بهمة وصدق واستقامة، وملازمة على ذكر الاسم المفرد!! في الصباح والمساء وعند كل فراغ حتى يكون على اتصال دائم بالله تعالى.... العدد رقم: 314 التاريخ: 11/10/2004 الحلقة الثالثة عشر: التزكية عند الصوفية - د. وليد خالد الربيع - تكلمنا في الحلقة الماضية عن حقيقة الذكر، وذكرنا أنه يعد من أهم أبواب التزكية في المنهج الإسلامي الصحيح، وذكرنا أيضا أنه سبب للوقاية من الشيطان وسبب لمحبة الله وذكره لعبده، وأوضحنا في الحلقة الماضية أن الذكر عبادة مشروعة كسائر العبادات وينبغي أن تراعى فيه شروط العبادة التي هي : الإخلاص والمتابعة. وينبغي كذلك الحذر من اعتقاد فضيلة هذا التقييد بهذا الوقت أو المكان أو العدد، كما قال أبو شامة: -ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها الشرع، بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان، ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضله الشرع وخصه بنوع من العبادة، فإن كان كذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها كصوم يوم عرفة وعاشوراء والصلاة في جوف الليل والعمرة في رمضان-، وقال شيخ الإسلام مبينا المفسدة المترتبة على مثل هذا التخصيص: -من أحدث عملا في يوم كإحداث صوم أول خميس من رجب...فلابد أن يتبع هذا العمل اعتقاد في القلب، وذلك لأنه لابد أن يعتقد أن هذا اليوم أفضل من أمثاله، وأن الصوم فيه مستحب استحبابا زائدا على الخميس الذي قبله وبعده مثلا..إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في قلبه أو في قلب متبوعه لما انبعث القلب لتخصيص هذا اليوم والليلة-. - وبالنظر والتأمل في الذكر عند الصوفية نجد أنهم يولون هذا الباب عناية كبيرة، إلا أنهم انحرفوا فيه عن جادة السنة إلى طرق البدع والمحدثات والغلو، وإليك شيئا من انحرافاتهم في الصور التالية: أولاً: ضرورة تلقي الذكر عن الشيخ المرشد: يعد الصوفية ذكر الله عز وجل بجميع صيغه دواء لأمراض القلوب وعلل النفوس، وكل هذه الأدوية مستخرجة من صيدلية القرآن والسنة!! ـ كما يعبر عبد القادر عيسى في حقائق عن التصوف ص179ـ وبما أن صيغ الأذكار كثيرة ومتنوعة، ولكل صيغة تأثير قلبي خاص ومفعول نفسي معين ـ ولا أدري ما هو الدليل الشرعي على هذا التقسيم المحدث ـ فإن مرشدي السادة الصوفية أطباء القلوب ووارثي الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في الدعوة والتوجيه يأذنون لمريديهم بأذكار معينة تتناسب مع أحوالهم وحاجاتهم، وترقيهم في السير إلى رضوان الله تعالى، وذلك كما يعطي الطبيب الجسماني للمريض أنواعا من الأدوية والعلاجات تتلاءم مع علله وأسقامه، ثم يبدل له الدواء حسب تقدمه نحو الشفاء، ولهذا لابد للمريد السالك أن يكون على صلة بالمرشد، يستشيره ويذاكره ويعرض عليه ما يجده في الذكر من فوائد روحية وأقوال قلبية وحظوظ نفسية، وبذلك يترقى في السير، ويتدرج في السمو الأخلاقي والمعارف الإلهية!! - تأمل هذا القياس الفاسد الذي استند إليه الصوفية حيث جعلوا الأذكار الشرعية التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتقوم على توحيد الله عز وجل والثناء عليه والتوجه إليه في قضاء الحاجات وتفريج الكربات بمنزلة الأدوية الطبية التي لا يعرف مكوناتها إلا حذاق الأطباء والصيادلة، ويترتب على الخطأ في تناولها الضرر البليغ وربما الهلاك المتحتم، وهل الأمران سيان؟ ولو باشر المريد ذكرا قبل آخر أو جمع بين ذكرين أو أكثر مما صح وثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم هل يتضرر بذلك أو يلحقه الهلاك المحقق كالأدوية؟ فالصوفية جعلوا الدين أسراراً وطلاسم لا يعرفها إلا خاصة الشيوخ كالديانات الباطلة التي اختص بمعرفة أسرارها كهانها وسدنتها، وألزموا المريد بملازمة الشيخ يقول الجيلاني في الغنية 2/166: -فلا ينبغي له أن ينقطع عن الشيخ حتى يستغني عنه بالوصول إلى ربه عز وجل فيتولى تبارك وتعالى تربيته وتهذيبه ويوقفه على معاني أشياء خفيت على الشيخ ويستعمله فيما يشاء من الأعمال- -تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي 2/ 257- . - وهل كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم يخص بعض الصحابة بذكر دون غيرهم؟ أم كان يقول لأحدهم إلزم هذا الذكر مدة كذا وبعدد كذا ثم راجعني لأرى مدى تقدمك في العلاج فإن تحسن صرف له ذكرا آخر أقوى منه وإلا قال له استمر على الذكر الأول حتى تشفى من عللك وأسقامك؟! بل إن الصوفية يرون أن أسماء الله تعالى الحسنى لا يناسب ذكرها كل مريد، يقول ابن عطاء الله السكندري في مفتاح الفلاح ص23: -اسمه تعالى-العفو- يليق بأذكار العوام لأنه يصلحهم!! وليس من شأن السالكين إلى الله ذكره!!! اسمه تعالى -الباعث- يذكره أهل الغفلة ولا يذكره أهل طلب الفناء!!! اسمه تعالى -الغافر- يلّقن لعوام التلاميذ وهم الخائفون من عقوبة الذنب!! وأما من يصلح للحضرة فذكره مغفرة الذنب عندهم يورث الوحشة!!! اسمه تعالى -المتين- يضر أرباب الخلوة وينفع أهل الاستهزاء بالدين -ـ سبحانك هذا بهتان عظيم ـ -هذه هي الصوفية لعبد الرحمن الوكيل ص145- - وتأكيدا على ضرورة ملازمة شيوخ الصوفية والارتباط بهم في كل شيء ديني ودنيوي كما تقدم، يصر الصوفية على ضرورة تلقي المريد الذكر من شيخه من خلال طقوس معينة واحتفالات مطولة حتى يتشرف بتلقي الذكر عن الشيخ المبجل، جاء في كتاب مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد لنجم الدين الرازي تحقيق د. علي أحمد إسماعيل ص434 ما نصه: -اعلم أن الذكر التقليدي!! أمر، والذكر التحقيقي أمر آخر، فالذكر التقليدي هو ما يخرج عن طريق الفم إلى باب السمع ولو أنه لا يؤثر كثيرا ـ تأمل هذا الاحتقار والتهوين من شأن الأذكار الشرعية ـ مثلما تلقى بذرة غير ناضجة في الأرض فلا تنبت، والذكر التحقيقي هو ما يقع لقلب المريد بتصرف ـ وهذا الشاهد ـ وتلقين صاحب الولاية على أرض الاستعداد. العدد رقم: 316 التاريخ: 10/25/2004 الحلقة الرابعة عشر وهي آخر حلقة تحصلنا عليها: التزكية عند الصوفية د. وليد خالد الربيع تكلمنا في الحلقة السابقة عن الذكر عند الصوفية وانحرافه عن جادة السنة إلى طرق البدع والغلو، وذكرنا اعتقادهم ضرورة تلقي المريد الذكر من شيخه من خلال طقوس معينة واحتفالات مطولة حتى يتشرف بتلقي الذكر عن شيخه. والذكر الذي يلقنه صاحب الولاية هو ثمرة شجرة ولايته لأنه تلقى الذكر أيضا بتلقين صاحب ولاية أخرى وتربت في أرض القلب بماء مدد الولاية وشمس همة الشيخ!! وتأمل اعتقادهم حصول النفع وتحقيق المطلوب الذي لا يقدر عليه إلا الله تعالى من غير الله عز وجل، لأن حصول النفع القلبي والتأثير الروحي كما هو معلوم لا يقدر عليه إلا الله كما قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : -إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء- والمقصود بالنفي هنا إدخال الهداية إلى قلوب العباد. - ويستمر الرازي في بيان طقوس تلقي الذكر من الشيخ فيقول: -وشرط التلقين هو أن يصوم المريد ثلاثة أيام بوصية الشيخ ويجتهد في هذه الأيام الثلاثة بمداومته على الوضوء، ويكون ذاكرا على الدوام حتى إذا كان الذكر في نفسه في ذهابه وإيابه ويقلل من الاختلاط بالناس ويتحدث بقدر الضرورة ولا يأكل كثيرا وقت الإفطار ويقوم الليالي للذكر، وبعد اليوم الثالث يغتسل بأمر الشيخ، وينوي بنية غسل الإسلام ـ ولا أدري قبل ذلك على أي دين كان؟!ـ مثلما كان يفعل كل شخص في البداية يريد أن يدخل في الدين، إذ كان يغتسل أولا اغتسال الإسلام ثم يتلقن الكلمة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ... وبعد أن يقوم بالاغتسال الكامل يذهب إلى خدمة الشيخ بعد صلاة العشاء، فيجلسه الشيخ تجاه القبلة ويجلس الشيخ أمام المريد موليا ظهره القبلة ـ ولا تمل أخي القارئ حتى تعرف ما هو الذكر العجيب الذي يلي كل هذه المقدمات والطقوس ـ ويجلس المريد على ركبتيه في خدمة الشيخ ويضع يديه فوق بعضها ويستحضر قلبه، ويوصيه الشيخ بالوصية وهي الشرط ويلقن المريد بضع كلمات من أسرار التلقين وخواص الذكر ـ تأمل ـ بحيث تكون موافقة لفهم المريد ونظره حتى يستجمع المريد قواه ويخلي المريد القلب من جميع الأشياء، ويجعله تجاه قلب الشيخ ويراقب في ضراعة تامة عندما يقول الشيخ: -لا إله إلا الله- بصوت عال وقوة تامة، وبعد قول الشيخ يعيد المريد قول الشيخ بنفس الصوت ويقول في قوة: -لا إله إلا الله- ويردد الشيخ مرة أخرى ويكرر الشيخ مثله، ثم يقول الشيخ مرة ثالثة ويكرر المريد، وفي النهاية يدعو الشيخ ويردد المريد: آمين، وبعد أن ينتهي ينهض ويذهب إلى خلوة المنزل ويتجه إلى القبلة ويتربع ويشغل نفسه بتربية بذرة الذكر- أهـ . - تأمل هذه الطقوس الطويلة لأجل كلمة التوحيد، فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفعلون مثل هذه الطقوس لتعليم المسلم كلمة التوحيد أو أي ذكر آخر؟ ولكنها الصوفية ببدعها وإحداثها في الدين لتأثرها بالديانات الهندية والفارسية واليونانية وغيرها. - ومن إحداثهم في هذا الباب إلزامهم المريد بعدم تجاوز ما لقنه الشيخ إلى غيره، قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل: -ومن آداب المريد مع شيخه أن يذكر ما لقنه له أستاذه، فلا يتجاوزه إلى غيره، ولهذا تعددت صيغ الذكر الصوفي تبعا لتعدد الطرائق وتباين الشيوخ، فمنهم من يذكر بالاسم المفرد ومنهم من يذكر بـ-هو هو- ومنهم من يذكر بـ -أه أه-. وذكر أن كل شيخ صوفي يحرم على مريديه أن يذكروا بغير ما أذن لهم فيه أو أن يذكروا بما ترقص به الطرق الأخرى، لاعتقادهم أن بعض الأسماء قد يضر ذكرها هذا وينفع ذاك، أو تضر في حال وتنفع في حال أخرى والخبير بما ينفع الذاكر أو يضره إنما هو الشيخ، ولهذا لا يستطيع الدرويش أن يذكر -لا إله إلا الله- إلا إذا أمره بها شيخه، ولا ينادي ربه بيا لطيف وإلا أصابه مس أو خبال أو كما يسمونه -لطف- -هذه هي الصوفية ص145 العدد رقم: 317 التاريخ: 1/11/2004 المصدر. |
أدوات الموضوع | |
|
|