جديد المواضيع |
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
من الذي افسد فيها وسفك الدماء..../
بسم الله الرحمن الرحيم.../
الحمد لله عظيم المنه ناصر الاسلام والدين باهل السنة ؛ اعجب واستغرب من تلك الانفس التي ولفت الانكار على قبول الحق... لنسالهم ونختبرهم ولنمحص مافي قلوبهم لعلهم يرجعون او يراجعوا انفسهم ؛ قال سبحانه في عزيز كتابه : { واذ قال ربك للملائكة انى جاعل في الارض خليفه قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء...... } فمن كانوا أولئك المفسدون ؟؟؟؟؟ ومن سبق الانسان بسفك الدماء ؟؟؟؟ ومن كانت تقصدهم بتلك الاوصاف ؟؟؟؟؟ ؛ ارجوا انني لم اتي بشي قديم .......
__________________
علم العليم وعقل العاقل اختـلفا *** أي الذي منهما قد أحـرز الشرفا فالعلم قال أنا أحـــرزت غايته *** والعـقل قال أنا الرحمن بي عرفا فأفصح العلم إفصـاحاً وقال لـه *** بــأينـا الله في فـرقانه اتصـفا فبـان للعقــل أن العـلم سيده *** وقبل العقـل رأس العلم وانصرفا |
#2
|
|||
|
|||
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلامك صح اختي والله شئ غريب حقا شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
__________________
|
#3
|
|||
|
|||
حياك الله اختي الغاليه ساجدة
؛ الغريب حقا ليس الان تابعي وسترينه باذن الله.....
__________________
علم العليم وعقل العاقل اختـلفا *** أي الذي منهما قد أحـرز الشرفا فالعلم قال أنا أحـــرزت غايته *** والعـقل قال أنا الرحمن بي عرفا فأفصح العلم إفصـاحاً وقال لـه *** بــأينـا الله في فـرقانه اتصـفا فبـان للعقــل أن العـلم سيده *** وقبل العقـل رأس العلم وانصرفا |
#4
|
|||
|
|||
الشيخ محمد صالح المنجد يحفظه الله
سؤال وجه للشيخ هذا رده بارك الله فيه وجزاه الله خير كيف عرفت الملائكة أن البشر سيفسدون في الأرض ؟ السؤال: هل خلق الله البشر أولا أم الملائكة ؟ وإذا كان الملائكة ، فكيف عرفوا أن البشر سيفسدون في الأرض كما في سورة البقره آيه 30 ؟ الجواب : الحمد لله أولا : لا شك أن خلق الملائكة كان سابقا على خلق آدم عليه السلام ، فقد أخبرنا الله تعالى في أكثر من موضع من كتابه العزيز أنه أعلم الملائكة بأنه سيخلق بشرا من طين ، ثم أمرهم بالسجود له حين يتم خلقه ، وذلك دليل ظاهر على أن الملائكة كانوا موجودين قبل خلق البشر . يقول الله تعالى : ( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) ص/71-72 ثانيا : وقد أخبر سبحانه وتعالى في سورة البقرة عن حواره مع الملائكة قبل خلق آدم ، وذلك دليل ظاهر أيضا على وجودهم قبل آدم عليه السلام . قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ، قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) البقرة/30 ولكن كيف عرفت الملائكة أن الخليفة الجديد في الأرض سيفسد فيها ويسفك الدماء ؟ اختلف في ذلك أهل العلم على أقوال : القول الأول : أنهم علموا ذلك بإعلام الله تعالى لهم ، وإن كان ذلك لم يذكر في السياق . قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد وابن قتيبة . كما في "زاد المسير" لابن الجوزي (1/60) وهو قول أكثر المفسرين كما قاله ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (7/382) يقول ابن القيم رحمه الله : " وفي هذا دلالة على أن الله قد كان أعلمهم أن بني آدم سيفسدون في الأرض ، وإلا فكيف كانوا يقولون ما لا يعلمون ، والله تعالى يقول وقوله الحق ( لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون ) ، والملائكة لا تقول ولا تعمل إلا بما تؤمر به لا غير ، قال الله تعالى ( ويفعلون ما يؤمرون ) " انتهى . "مفتاح دار السعادة" (1/12) . القول الثاني : أنهم قاسوه على أحوال من سلف قبل آدم على الأرض ، وهم الجن ، فقد سبقوا الإنسان في الأرض وكانوا يفسدون فيها ويسفكون الدماء ، فعلمت الملائكة أن البشر سيكونون على حال من سبقهم . روي نحو هذا عن ابن عباس وأبي العالية ومقاتل . انظر "زاد المسير" (1/61) يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " قول الملائكة : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) يرجِّحُ أنهم خليفة لمن سبقهم ، وأنه كان على الأرض مخلوقات قبل ذلك تسفك الدماء وتفسد فيها ، فسألت الملائكة ربها عزّ وجلّ : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) كما فعل من قبلهم " انتهى . "تفسير القرآن الكريم" (1/آية 30) . القول الثالث : أنهم فهموا ذلك من الطبيعة البشرية . وهو الذي يبدو من اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة" (6/149) يقول العلامة الطاهر ابن عاشور : " وإنما ظنوا هذا الظن بهذا المخلوق من جهة ما استشعروه من صفات هذا المخلوق المستخلف ، بإدراكهم النوراني لهيئة تكوينه الجسدية والعقلية والنطقية ، إما بوصف الله لهم هذا الخليفة ، أو برؤيتهم صورة تركيبه قبل نفخ الروح فيه وبعده ، والأظهر أنهم رأوه بعد نفخ الروح فيه ، فعلموا أنه تركيب يستطيع صاحبه أن يخرج عن الجبلة إلى الاكتساب ، وعن الامتثال الى العصيان ... ، ومجرد مشاهدة الملائكة لهذا المخلوق العجيب المراد جعله خليفة في الأرض كاف في إحاطتهم بما يشتمل عليه من عجائب الصفات .. " قال : " وفي هذا ما يغنيك عما تكلف له بعض المفسرين من وجه اطلاع الملائكة على صفات الإنسان قبل بدوها منه .. " انتهى مختصرا من "التحرير والتنوير" (1/230) . القول الرابع : أنهم فهموا من قوله تعالى ( خليفة ) أنه الذي يفصل بين الناس ما يقع بينهم من المظالم ، ويردعهم عن المحارم والمآثم ، قاله القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" (1/302) . والمعنى : أنه إذا كان هناك خليفة يحكم بين الناس في المظالم ، فإنه يلزم من ذلك أن هؤلاء الناس تقع منهم المظالم . وأنت ترى أخي السائل أنها أقوال مختلفة ليس على أي منها نصوص صريحة من الكتاب والسنة ، إنما هي استنباطات لأهل العلم ، قد تصيب وقد تخطئ ، وإنما أراد الله تعالى أن نتعلم ما في هذه القصة من العبرة والعظة ، وما كرم الله تعالى به الإنسان حين خلق آدم فأسجد له الملائكة ، وما سوى ذلك من تفاصيل القصة ، لا يضر الجهل بها ، لذلك لم يأت الكتاب ببيانها ، والله تعالى أعلم بالصواب . تنبيه : ليس في هذا السؤال من الملائكة المكرمين لرب العزة سبحانه ، عن خلق آدم وذريته اعتراض على الحكمة ، أو معارضة لله سبحانه ، فإنهم منزهون عن ذلك . قال ابن كثير رحمه الله : وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله ، ولا على وجه الحسد لبني آدم ، كما قد يتوهمه بعض المفسرين , وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول ، أي : لا يسألونه شيئاً لم يأذن لهم فيه , .. وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك ؛ يقولون: يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء ، مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء ؟!! فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، أي نصلي لك ... ولا يصدر منا شيء من ذلك, وهلا وقع الاقتصار علينا ؟ قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال : {إني أعلم مالا تعلمون} أي : إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف ، على المفاسد التي ذكرتموها ، مالا تعلمون أنتم ؛ فإني جاعل فيهم الأنبياء ، وأرسل فيهم الرسل ، ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء والعاملون والخاشعون والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم .. ) تفسير ابن كثير (1/69) . والله أعلم . الإسلام سؤال وجواب |
#5
|
|||
|
|||
تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 30 : 36 )
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري تفسير سورة البقرة (5) [30 : 36] قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]. هذه الآية الكريمة من جملة معجزات القرآن والنبوة المحمدية، إذ يخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بما لا يعلمه ولا يعرفه قبل إنزال هذا الوحي عليه، وهي مما يؤيد أن القرآن لا ريب فيه، وأن الذي يدعو الناس إليه من التوحيد ليس بدعاً وليس خاصاً بالمعاصرين، وأن لله ملائكة قائمين بواجباتهم نحو الله ويسبحون الليل والنهار لا يفترون، وأن الله جلت حكمته اختار بني آدم أن يكونوا له خليفة في الأرض، وجرى الحوار بينه وبين الملائكة في ذلك قائلين: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ﴾ وهل هذا السؤال منهم ناشئ عن قياس على خلق سكنوا الأرض قبل بني آدم فأفسدوا فأهلكوا؟ أو أنهم علموا أن الله يودع في فطرة بني آدم إرادة مطلقة غير محدودة، أو علماً غير محيط بالمصالح فيفسدون ويسفكون الدماء؟ هذان الأمران لا نملك الجزم عليهما، ولكن يترجح الظن من مدلول السياق الأمر الثاني الذي هو ظن الملائكة بحال البشر، لأن القول بوجود نوع من الخلق غيرهم ليس له سند إلا من أساطير الوثنيين وخرافاتهم التي لا يجوز الالتفات إليها خصوصاً وسياق الآية واضح في اختيار بني آدم خليفة. وهذه الآية الكريمة أتى بها الله سبحانه بعد الآية التي قبلها التي فيها استنكاره لكفر بني آدم مع إنعامه عليهم بخلق جميع ما في الأرض لهم مالكين لجميع ما فيها من كل دابة ومادة على وجهها أو في جوفها أو أجوائها فيما عقبها سبحانه بهذه الآية، مقرراً أن ما في الأرض لهم ليس لمجرد الإنعام عليهم به، ولكن لسيادتهم على ما في الأرض جميعاً، ومنحهم قيمة أعلى وأغلى من قيم الماديات المذكورة، وهي التكريم بالاستخلاف زيادة على نعمة الملك والانتفاع، ليغرس في قلوبهم عنصر الإيمان الأصيل في الوجود من لدن أبيهم آدم عليه السلام. فالقرآن يوضح لأمة محمد صلى الله عليه وسلم موكب الوجود الأول متحدثاً بادئ ذي بدء عن الأرض في معرض الامتنان بآلائه على بني آدم، فيقرر أنه خلق لهم ما في الأرض جميعاً ثم يذكرهم بتكريمه لهم بالاستخلاف في الأرض ومنحهم مقاليدها على عهد منه وشرط عظيمين هما: اتباع وحيه وتحيكم شريعته، كما قال سبحانه: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38] كما سيأتي تفسيره إن شاء الله، مع العلم أن تذكيرنا بهذه المكرمة العظمى جاءت تمهيداً للحديث عن استخلاف بني إسرائيل بعهد منه وعزلهم عن الخلافة بعد نقضهم العهد وإفسادهم في الأرض وتسلم مقاليد القيادة للأمة المحمدية ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم. ومما ينبغي معرفته أن من نقض عهد الله بنبذ وحيه وعزل شريعته عن الحكم لا يستحق شيئاً مما في الأرض، فضلاً عن الاستخلاف، وإنما يجب قتاله وانتزاع ما في يده من جميع الماديات، لأنها ملك للأوفياء بعهد الله وأمانته من أي جنس أو عنصر كانوا. إن هذه الآية الكريمة وما بعدها من الآيات التسع التي هذه عاشرتها توضيح لنا مبدأ التكوين الإنساني والغاية منه، وتصور لنا واقع الخطيئتين وشؤمهما ثم ما لهما من نتائج، وفيها عبر كثيرة: إحداها: أن الله جلت حكمته اختار بني آدم أن يكونوا له خليفة في الأرض، والخليفة بالنسبة إلى الله ليس كالخليفة بالنسبة إلى الإنسان إلا بما يقتضيه الواجب على الخليفة، وإلا فليس الخليفة لله بمعنى الوارث كخليفة الإنسان بعد موته، لأن الله هو الذي يرث الأرض ومن عليها، وإنما الخليفة لله في أرضه هو المكلف بأحكام يطبقها على نفسه وينفذها على غيره، كما قال ناظم التفسير: خليفة منفذاً أحكامي وقيل خلق يخلفون خلقاً وهي لآدم أو الحكام في الدين سحقاً للكفور سحقًا ثانيها: ما حكم الخليفة؟ وما واجب الخليفة؟ وما الذي يترتب على تقصير الخليفة في أمر الله أو خيانته لعهود الله؟ خلائف الله من بني آدم ملزمون بحمد الله وشكره شكراً عملياً وبمحبته وذكره ذكراً قلبياً، وباتباع وحيه ومتابعة رسوله علماً وعملاً، وتحكيم شريعته وإقامة حدوده، والوقوف عند أمره ونهيه في كل شيء، فمن رفض هذا وأعرض عنه كان خائناً مستحقاً عقوبات الله الشرعية والقدرية في الدنيا قبل الآخرة ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 127]. ومن فرط في بعضها لغلبة شهوته كان متلبساً بالخيانة والتقصير بحسب ذلك، ومن فعل البعض وترك البعض لشبهات في قلبه ولإيثاره المادة على الدين كان مؤمناً ببعض وكافراً ببعض، يعامله الله معاملة الكافر بالجميع. ثالثها: تشريف الله للجنس البشري على جميع المخلوقات بهذه الخلافة، وتحميله تلك الأمانة التي أشفقت منها السموات والأرض والجبال وأبَيْنَ أن يحملنها، فمن صدق مع الله في حملها كان أفضل من الملائكة وأعظم حرمة عند الله من السماء التي حرسها بالنجوم والشهب من الشياطين، ومن لم يتحملها كان من شر البرية وشر الدواب، وكان أضل من الأنعام، كما وصفه الله بذلك وكان حظه الخيبة ﴿ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 10]. رابعها: اقتضت حكمة الله البالغة بتصوير خليفته في أشرف صورة وأحسن تقويم، فلم يجعله يمشي على أربع ولا يمشي مكباً على وجهه كالقرد والحيوان، ولم يجعل له ذيلاً كذيل الحيوان، ولا على ظهره صوفاً كصوفه، ولا آذاناً متدلية كآذان الحيوان، بل خلقه وصوره في أكمل صورة وأحسن تقويم لائق بمعنى الخلافة، وفي هذا رد قوي دافع لنظرية (دارون) صاحب النشوء والارتقاء التي أولع بدراستها وتدريسها المنهزمون هزيمة عقلية دون نظر إلى الحقيقة التي تبطلها. ذلك أن النشوء والارتقاء يقع في الهيكل لا في الصورة، ويقع في الأخلاق والمعلومات، أما الصورة فكل مخلوق لله في البر والبحر من إنسان أو حيوان هو باق على صورته الأصلية لم تتحور صورته، فالإنسان إنسان خلقه الله في أحسن تقويم، والبعير بعير كما كان منذ خلقه الله، والذباب ذباب منذ خلقه، والفيل فيل وسائر أنواع الطيور والحيوانات كل منها على صورته الأصلية لم تتحور ولم تختلف صورته حسب هذا المذهب الذي انزلقوا فيه إلى مجاوزة حد العقل والحس. وقد عارض هذه النظرية خلق كثير لمخالفتها العقل والحس والواقع، ويا سبحان الله كيف يختار الله خليفته في الأرض من هم على وصف (دارون) أخي القردة والخنازير لأنه يهودي؟ وكيف يسجد الله الملائكة لمن هم على هذه الشاكلة أشباه القردة؟ وكيف يخلق الله آدم بيده وينفخ فيه من روحه ويسكنه جنته وهو على هذه الحال التي وصفها دارون اليهودي؟ بل كيف يعاقب الله أجداده بني إسرائيل من أصحاب السبت بمسخهم قردة إذا كان أصلهم قردة؟ لا يكون فعله بهم عقوبة ولا مسخاً، بل يكون إرجاعاً لخلقتهم الأولى. والعجب أن عمدته وأتباعه العثور على رفات أموات بهذه الصورة، فلعلهم قردة أصليون أو ممسوخون، لأن الممسوخ وإن كان لا يعيش فإنه تبقى آثاره بعد الموت، وحيث إن مثل هذا التفسير لا يحتمل الإطالة بالردود على أمثال ذلك نحيل القارئ والسامع إلى رد قويم جداً ينبغي الرجوع إليه والاستفادة منه، فإن فيه العجب العجاب، وهو كتاب (الإسلام ونظرية دارون). وإذا كان قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً في السماء فما زال الخلق ينقص بعده حتى الآن)) (1) فهذا مناقض ومعاكس لتلك النظرية اليهودية، فمن تقبلها ورفض وحي الله، ماذا يبقى عنده من الله والإسلام. خامسها: في (إذ وإذا) هما للتوقيت في الماضي والمستقبل، وقد توضع إحداهما موضع الأخرى، قال المبرد: إذا جاءت (إذ) مع مستقبل كان معناه ماضياً، كقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ ﴾ [الأنفال: 30] وقوله: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ ﴾ [الأحزاب: 37] ليكون معناه (إذ مكروا - وإذا قلت). وإذا جاءت (إذا) مع الماضي كان معناه مستقبلاً، كقوله تعالى: ﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ ﴾ [النصر: 1] أي: يجيء - والتقدير في الآية: وابتداء خلقكم إذ قال ربك للملائكة، فهذا محذوف دل عليه الكلام. سادسها: الملائكة أجسام نورانية خلقها الله من نور، ووكل إلى بعضها مهمات عظيمة، وأقدرها على التشكيل بغير هيئتها الأصلية، والإيمان بهم واجب ومن أصول الدين، لأن منهم السفراء بين الله وبين رسله، ومنهم الموكل بالسحاب وبقبض الأرواح وتسجيل الأعمال، إلى غير ذلك، ولم يتعبدنا الله بمعرفة أجسامهم وأشكالهم، فالبحث فيها لا يجدي نفعاً، وهم من العالم المستور عنا الجن، ومن لم يؤمن بهم فهو كافر، لأن من كفر ببعض وحي الله، فقد كفر به جميعه، والوحي المبارك أثبت هذا، قد أتى جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي (2) ورآه في السماء على خلقته (3) الأصلية، وقالت النصارى: إن الملائكة هي أرواح الخير، والشياطين هي أرواح الشر، ومن هذه العقيدة شاع عند الغربيين فكرة تحضير الأرواح، وهي في الحقيقة تحضير الجن المسمى عندنا بعلم التعزيم، وللفلاسفة وغيرهم أقوال أخر لسنا بصددها، والحاصل أنه يجب الإيمان بهم، كما وصفهم الله بأنهم الصافون والمسبحون وبأنهم الزاجرات زجراً، والنازعات غرقاً، والمدبرات أمراً، والسابحات سبحاً، والناشطات نشطاً، والسابقات سبقاً، والملقيات أمراً، عذراً أو نذراً، وبأن منهم الراكع والساجد والمسبحين الليل والنهار لا يفترون. سابعها: عبرتنا من هذه القصة أن الله خلق الإنسان مزوداً بقدر العقل والإدراك، ليس على ما يزعمه طاغية علم النشوء والأرتقاء (دارون). وإن الله سبحانه جعله مستعداً للعلم والانتفاع بما خلق الله في الكون ليكون خليفة في الأرض يعمرها وينميها، ويكون بعمله مظهراً واضحاً لرحمة الله بعباده، وليحقق فيه روح المكافحة، جعله الله مستعداً أيضاً للتأثير بدعاية الخير والشر وأوضح له حسن العاقبة بالتأثير بدعاية الخير وسوء العاقبة بضده وأمده بروح منه، وذلك وحيه المبارك المحيي لقلبه والحافظ له من غزو الشيطان وشروره، ومن هنا أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعرِّف بني الإنسان بغرائز نفوسهم، ويحصنها من شرها بهداه. ثامنها: إن الله سبحانه يرضى من عباده أن يسألوه عن حكمته في خلقه وما يخفى عليهم من أسراره، سواء كان السؤال بلسان الحال أو المقال، ولهذا قالت الملائكة له: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ﴾. تاسعها: إن الله هدى الملائكة في حيرتهم وأجابهم عن سؤالهم بإقامة الدليل لهم على تعليم آدم ما عجزوا عن معرفته، وذلك بعد الإرشاد إلى الخضوع والتسليم بقوله: ﴿ إنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾. عاشرها: إنه إذا كان من أسرار الله وحكمه ما يخفى على الملائكة فنحن أولى بالجهل منهم بذلك، فلا مطمع للإنسان بمعرفة جميع أسرار الخليفة وحكمها، لأن الله لم يؤته من العلم إلا قليلاً. حادي عشرها: تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عن تكذيب الناس ومحاجتهم في النبوة بغير برهان؛ لأنه إذا كان الملأ الأعلى قد طلبوا البيان من الله فيما لا يعلمون، فأجدر بالناس أن يطلبوا، وأجدر بالأنبياء أن يعاملوهم كما عامل الله الملائكة المقربين، والله سبحانه أيده مع هذا بآيات بينات تقطع الأغاليط وتكشف الشبهات من كل شيء يثبت لهم أنه ليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم وليس يعلم به لولا هذا الوحي. ثاني عشرها: قال القرطبي: هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع، فتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة، ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة إلا ما روي عن الأصم حيث كان عن الشريعة أصم، وقد بسط القول فيه، وأبأن جواز انعقاد الإمامة بمبايعة عدد ولو قليل من أهل الحل والعقد ولو رجلاً واحداً، واستشهد بما يكفي ويشفي وأوضح الحق في جواز نصب المفضول مع وجود الفاضل، وعكس أقوال المبتدعة الغاضبين على خلافة ما لا يريدونه بأهوائهم قائلاً: إن استدلوا بأحاديث موضوعة أو أخبار صحيحة فيها الإشارة إلى خلافة غير أبي بكر؛ فإنه توجد عندنا أحاديث صحيحة وحسنة تنص بعضها وتشير بعضها إلى خلافة أبي بكر وعمر، وذلك بعد النقل والنقاش وذكر أحكام الإمام ووجوب الصبر عليه وعدم خلعه إلا بكفر بواح فيه من الله سلطان، كما وردت الأحاديث الصحيحة في ذلك، فليراجع هذا البحث القويم في الجزء القويم في الجزء الأول من تفسير القرطبي من صفحة (224 – 274) فإنه مفيد ونفيس، ولولا الإطالة الزائدة لنقلناه، فنكتفي بالإشارة. ثالث عشرها: هذا الإنسان الذي جعله الله خليفة في الأرض عليه أن يراعي خلافة الله حق رعايتها، وأن يعتبر نفسه جندياً لله منفذا أوامر الله، مسارعاً في مرضاته، مجتنباً مساخطه غيوراً على حرماته، متوكلاً عليه توكلاً صحيحاً لا شائبة فيه حتى لا يكون من الكافرين لنعمته بمخالفته له. رابع عشرها: الإنسان الذي جعله الله في هذه الأرض خليفة وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، وخلق له ما في الأرض جميعاً، وأذن له بالاستمتاع بخيراتها، وتسخير كنوزها واستثمارها، لا يجوز له البخل والتقتير على نفسه أو على أهله وذويه، بل لا يجوز البخل ببذل فضول الأموال خشية الفقر، فإن هذا من طاعة الشيطان وسوء الظن بالله، قال سبحانه وتعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء ﴾ [البقرة: 268] وقد تهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له بعض الأنصار في قضية عطية: ((أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالاً))، فتبسم وقال: ((بهذا أمرت)). قال المحققون: فخوف الإقلال من سوء الظن بالله؛ لأن الله خلق الأرض بما فيها لبني آدم وجعل جميع الأشياء مسخرة لهم وتعهد برزقهم وإخلاف ما أنفقوه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39] وروى مسلم في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنفحي أو أنضحي أو أنفقي ولا تحصى فيحصى الله عليك ولا توعي فيوعي عليك)). والنصوص في هذا كثيرة مستفيضة لا نطيل بها المقام. ومنها تعلم أيضاً أن المطالبين بتحديد النسل خشية ضيق المعيشة من كثرة السكان هم في الحقيقة رجعيون تماماً قد رجعوا إلى العقليات الجاهلية المسيئة الظن بالله، بل الكافرة تماماً بالله وبوعده الحق. وقوله سبحانه وتعالى عن الملائكة: ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ أي: نحن ننزهك عما لا يليق بك. واختلف العلماء في تسبيحهم، هل هو نفس التسبيح بالكلام أو بالصلاة، فقال بعضهم: أنهم يسبحونه بألسنتهم ليلاً ونهاراً لا يفترون، استشهاداً منهم بالآية (20) من سورة الأنبياء. والتسبيح مشتق من السبح - بفتح الباء الموحدة - وهو الجري والذهاب، ومنه قوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً ﴾ [المزّمِّل: 7] فالمسبح جار في تنزيه الله وتبرئته من السوء، وقولهم: ﴿ بِحَمْدِكَ ﴾ أي نخلط التسبيح بالحمد، ويسمى رفع الصوت بالذكر تسبيحاً أيضاً. وقال بعضهم: إن التسبيح هو الصلاة لقوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ ﴾ [الصافات: 143] يعني المصلين، ولا تعارض بين القولين في الحقيقة، لأن الصلاة محتوية على جميع معاني التسبيح والتقديس، ومشتملة على تمام الخضوع والتعظيم. وكان صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: ((سبوح قدوس رب الملائكة والروح)) (2) كما أخرجه الإمام مسلم عن عائشة. وقولهم: ((وَنُقَدِّسُ لَكَ)) أي: نعظمك ونمجدك ونطهر ذكرك عما لا يليق بك، وكأن في كلام الملائكة إشارة إلى الاكتفاء بهم عن سواهم وعدم إشغال الأرض بما يغضبه من الإفساد فيها، ولكن الله أجابهم بقوله: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾. وقد علم الله أن فيمن يستخلفه في الأرض أنبياء وأولياء وفضلاء أفضل من كل مخلوق، فهو عليم بما كان وما يكون وبما هو كائن سبحانه وتعالى. قال تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِين * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [31-33]. يخبر سبحانه وتعالى عن صنيعه بالملائكة القائلين له: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ﴾ إنه أراد إفحامهم بالحق وإخضاعهم لآدم أبي البشر فعلمه الأسماء كلها بأن أودع في نفسه معرفتها إما بوحي منه سبحانه، أو بإلهام من غير تحديد لمعرفة تلك الأشياء؛ ليتحقق عند الملائكة أن آدم وذريته أجدر منهم بالخلافة، وحيث إن الفضل التام إنما يبدو بالعلم وما دونه فهو فضل ناقص، اعتنى الله بادئ ذي بدء بتعليم آدم ليظهر فضله وأحقيته بالخلافة عليهم. وهنالك عرض هذه الأسماء على الملائكة متحدياً لهم أن يعرفوها إن كانوا صادقين في استغرابهم من جعل غيرهم خليفة في الأرض، وعند ذلك انقطعوا مبتدئين بتنزيه الله وتقديسه من أن يخلق شيئاً عبثاً أو يقصر علمه عن شيء ومعترفين بعجزهم وعدم علمهم في غير ما يعلمهم الله قائلين: ﴿ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ ﴾ بكل شيء صغيره وكبيره، دقيقه وجليله (الْحَكِيمُ) الذي يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها اللائقة بها. فأنت سبحانك علام الغيوب، لا نتقول عليك بغير علم منك، ولا نجاري حكمتك، فسبحانك أنت المعلم والهادي لكل شيء. حينئذ لما كان جوابهم يحمل الأدب البالغ والتبرؤ من أي علم ليس من جهته، والثناء على الله بالعلم الثابت الكامل والحكمة البالغة، أرد إظهار علمه لهم فيما أخبرهم من اتخاذ آدم خليفة ﴿ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ ﴾ ليعلموا أنه أعلم منهم بما سألهم الله عنه ليظهر فضله وعلو شأنه وتتحقق عندهم ميزاته إذا قال لهم ﴿ اسْجُدُواْ ﴾ وقد تحقق ذلك ﴿ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ ﴾ واندهشوا لحيرتهم من هذا المخلوق الذي فضل عليهم بالعلم ﴿ قَالَ ﴾ الله للملائكة: ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ يعني: من كانت هذه إحاطته بالمعلومات الغيبية جميعها فإنه لا يخلق شيئاً عبثاً، ولا يترك خليفته في الأرض سدى مهملاً، وقوله: ﴿ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ يعني: أعلم ما تبدونه مما يجول في خواطركم وما تكتمونه في صدوركم بلا إظهار، فعلم هذا وهذا عندي مستويان. وهذه الآيات مع أنها وردت مورد التمثيل للقصة فإن فيها حقائق البلاغة متجلية وحدائقها مثمرة تنادي بإعجاز القرآن، وفيها حكم وأحكام: الأولى: تعليم الله لآدم الأسماء يعني العبارات هل هي جميع المسميات على العموم مما وجد ومما لم يوجد أو هي أسماء معينات موجودة؟ فبعضهم قال بالأول مستنداً إلى قوله تعالى: ﴿ كُلَّهَا ﴾ وبعضهم قال بالثاني مستنداً إلى قوله: ﴿ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء ﴾ وإنها تشير إلى مسميات مخصوصة ولكل منها وجه وليس معرفة أصحهما من مهمات الدين، وقد وردت آثار تشعر بالعموم وخصوصاً حديث الشفاعة الذي فيه: ((وعلمك أسماء كل شيء)) ولا يستغرب ذلك على الله. الثانية: قول الملائكة في جوابهم: ﴿ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ﴾ هو أصل من أصول الدين يجب الرجوع إليه في كل ما لا سند له اعترافاً بأن الله علام الغيوب، وسداً لأبواب الطاغوتية والدجلية ممن يدعي المغيبات أو يخوض فيها كالمنجمين والمشعوذين والكهان والعرافين، ولذا ورد النص عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)) وذلك لأنه بتصديقه إياه يكون قد أَشركه مع الله في علم الغيب، والله سبحانه يقول عن نفسه عز وجل: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ﴾ [الجن: 26، 27] فحصر علم الغيب على ذاته العلية ومن ارتضى من رسله فقط، ولهذا كان المصدق للكاهن ونحوه كالمكذب بوحي الله. الثالثة: فضيلة العلم وأن الفضل ليس بمجرد الخلقة ببداعتها أو ضخامة تكوينها وإنما هو العلم، ولهذا امتحن الله ملائكته الكرام حيث أشكل عليهم جعل الخليفة من سواهم حتى ثبت عندهم فضل آدم عليهم بالعلم، فعرفوا استحقاقه به الإجلال والتوقير، وقد ثبت أن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم. الرابعة: يجب على الذي من الله عليه بالعلم أن يعترف بنعمة ولا يفخر ولا يعجب بها ولا يتطفل على ما لا يعلم، بل يقول: لا أدري، ويكل علمه إلى الله كما قالت الملائكة: ﴿ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ﴾ فإن من أعظم الذنوب القول على الله بغير علم، وقد أثبتت الوقائع في كل زمان ومكان على أن كل من أحب الرئاسة وجنح إلى الدنيا لا بد له من أن يفتري على الله ليتزلف إلى الحكام وينال المراتب والمناصب العالية في الإفتاء حسب الأهواء، أو تتبع الرخص دون الرجوع إلى ما صح دليله، وذلك أن الأغراض لا تتم إلا بمخالفة الحق. الخامسة: تسمية أبينا آدم مشتقة من أديم الأرض على الصحيح لا من لونه الأديم الأسمر، كما قال بعضهم: وأديم الأرض هو وجهها، فسُمي مما خلق منه، وروى الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم قدر الأرض، منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب)). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. فآدم مشتق من الأديم والأدم لا من الأدمة. قال الشاعر: الناس أخياف وشتى في الشيم وكلهم يجمعهم وجه الأدم السادسة: أول من تكلم بالعربية وباللغات عامة هو أبونا آدم عليه السلام كما يشهد بذلك قوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) فلا حاجة إلى التقول من غير وحي الله في هذا الشأن من أخبار لا يعتمد عليها. السابعة: الحكمة لله التي خفيت على الملائكة تجلت لنا بعض معانيها من ناحيتين: إحداهما: إنه خفى عليهم ما لله من حكمة عظيمة في عمارة الأرض ببني آدم وتحقيق إرادته فيما يعلمون، وإن ما يجري منهم من فساد وسفك دماء هو في حقيقته وظاهره شر ولكن من ورائه خير كثير يقدره الله بأسبابه من جهة، ومن جهة أخرى تظهر آثار أسمائه الحسنى، وصفاته العليا مما لو لم يحصل ذلك لما ظهرت، كما سنفصله عن قريب إن شاء الله. ثانيهما: حكمة الله في إبليس خفيت على الملائكة، ذلك أن الله سبحانه يعلم ما في قلب إبليس من الكبر والحسد اللذين سيكونان السبب في كفره وشقائه ولا يظهر علم الله لملائكته في شأن إبليس إلا بالامتحان الكبير مع أبينا آدم، فلما أمرهم الله بالسجود له ظهر ما يعلمه الله في قلوبهم من السمع والطاعة والمحبة لله وخشيته والانقياد لأمره حيث بادروا إلى الامتثال، وظهر لهم ما يعلمه الله في قلب إبليس من الكبر والغش والحسد حيث أبى واستكبر وكان من الكافرين، والله أعلم. قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾. هنا يجيء من الله دور التكريم في أعلى صوره ومظاهره الحقيقية لآدم، هذا المخلوق الذي استصغره الملائكة وزعموا أنه هو وذريته يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، هذا المخلوق الذي استصغروه وغيروه ولم يعرفوا خصائص الصنع به، أمرهم الله بالسجود له مراغمة لهم وتكريماً له. وهنا يجيء الامتحان الأول للملائكة ولإبليس أبي الجن، ويظهر الفرق العظيم بين من خلقه الله من نور ومن خلقه الله من مارج من نار، فالنور من طبيعته الإنارة والهدوء والنزول والهبوط، والنار من طبيعتها الإحراق والدخان والاستعلاء، ولهذا أثرت طبيعة النور في الملائكة وأثرت طبيعة النار في إبليس، فالملائكة أمنوا بحكمة الله وانقادوا لأمره سبحانه في تعظيم آدم وسجدوا له كما أمروا. وأما إبليس فأبى واستكبر وكان من الكافرين، لأنه جره أصله الشرير فعتا عن أمر ربه وجره الاستكبار والغرور من خبث طبعه إلى أن يقيس قياساً فاسداً قائلاً: ﴿ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12] ووجه فساد قياسه أنه عكس الأمر لفساد تصوره، ذلك أن الطين خير من النار بكثير، فالطين فيه خير وبركات عظيمة لا تحصى، وفيه من صنوف المواد النافعة للبشرية ما عرفوه وما لم يعرفوه حتى الآن، وقد جعل الله فيه مكتنزاً للزروع والنباتات المختلفة تنمو به جذورها وتتشعب فيه خلاياها، وجعل فيه مستودعاً للمياه ومصفاة للمالح منها، وجعله معقماً ومطهراً لجميع الجراثيم، حتى أثبت العلم الحديث أن في لسان الكلب جراثيم لا يطهر الإناء من ولوغه فيها إلا التراب على رغم ما استحدث في هذا العصر من أنواع المطهرات العجيبة. وبالجملة فمنافع الطين لا تحصى، فهو خير لا شر فيه، وقد أشبعت الكلام عليه عند قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاًُ ﴾ [الملك: 15] والنار فيها خير ولكن شرها أكثر، ولكن من غرور إبليس أعماه الكبر عن الحقيقة، والأعمال بالخواتيم حتى ﴿ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ وقد قيل: أنه عَبَدَ اللهَ ثمانين سنة أو أضعاف أضعاف ذلك وقد صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في آخر الحديث الولد الذي رواه ابن مسعود: ((فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار...)). قال المحققون: هذا النوع من العاملين فيه آفة كامنة وداهية باطنة في قلبه من كبر وعجب وإدلاء على الله أو حقد مستعر على بعض خلقه ونحو ذلك من أمراض القلب التي تجعل صاحبه لم يؤسس عمله على تقوى من الله ورضوان، بل أسسه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم، وأول هذا النوع من الخليقة إبليس الذي لم ينفعه عمله الطويل لما حل في قلبه من المرض الذي أورثه سوء العاقبة. والعجب أن كل من يطغى ويتعالى على غيره يرضى لنفسه أن يكون في أخس حالة، لأنه بطغيانه وانحرافه يحبب الرذيلة إلى الناس ويعتبرها فضيلة باسم الحرية والترقي، ويحبب الفواحش والخمور أو يبيحها إن كان قادراً، فيكون بذلك كالقواد أو كالديوث، لأن فيه شبهاً من رئيسه إبليس داعية الخبث والضلال الذي استكبر عن السجود لآدم، ثم جره الغيظ والحسد والتمادي في الإغواء إلى أن يكون قواداً لأسافل ذرية آدم، كما قال الشاعر وأحسن فيما قال: عجبت من إبليس في كبره وفي الذي أظهر من نخوته تاه على آدم في سجدة وصار قواداً لذريته يعني: يقودهم لكل عمل خبيث، وهاهنا فوائد: الأولى: اسم إبليس مشتق من الإبلاس، وهو الإفلاس والإعدام من كل خير كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44] أي أعدموا الخير إعداما يحل معه اليأس والقنوط بحيث كان الشر والبؤس صفة ملازمة لهم، وكنية إبليس: أبو مرة. الثانية: على المؤمن أن يعتبر ويتعقل ويكون دائماً على خوف وخشية، مكثراً من سؤال الله الثبات والاستقامة، كما أرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى هذين الدعاءين النفيسين: ((اللهم أعني على شكرك وعلى ذكر وعلى حسن عبادتك))، ((اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك))، ودعاء ثالث: ((اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي)). الثالثة: اختلف في كيفية السجود لآدم بعد اتفاقهم على أنه ليس سجود عبادة، فقال الجمهور: إنه السجود المعروف كالسجود في الصلاة وأنه تكريم لآدم وإظهار لفضله وطاعة الله في ذلك، وقال بعضهم: إنه عبارة عن التذلل والإنحناء، وهذا مخالف لظاهر القرآن. ثم اختلفوا هل كان ذلك السجود خاصاً بآدم فلا يجوز السجود لغيره أم جائزاً بعده إلى زمان يعقوب عليه السلام والذي عليه الأكثر أنه كان مباحاً إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((لا ينبغي أن يسجد لأحد إلا الله رب العالمين)). وروى ابن ماجه في سننه والبستي في صحيحه عن أبي واقد قال: لما قدم معاذ بن جبل طمن الشام سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما هذا؟)) فقال: يا رسول الله، قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم فأردت أن أفعل ذلك بك. قال: ((فلا تفعل، فإني لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها...)) الحديث، وفي بعض طرق حديث معاذ: (ونهى عن السجود للبشر، وأمر بالمصافحة). قال القرطبي رحمه الله: وهذا السجود المنهي عنه قد اتخذه جهال المتصوفة عادة في سماعهم وعند دخولهم على المشايخ واستغفارهم، فيرى الواحد منهم إذا أخذه الحال بزعمه يسجد للأقدام لجهْله، سواء كانت للقبلة أم لغيره جهالة منه، ضل سعيهم وخاب عملهم. ونهى الإمام مالك رحمه الله عن تقبيل اليد مع الانحناء للشيخ أو المعلم وسماها (السجدة الصغيرة) ومع هذا فأكثر طلاب العلم في هذا الزمان ينحنون لمشايخهم ولا ينكرون عليهم ذلك لما انغرس في قلوبهم من حب خضوع الناس لهم. الرابعة: نصت الآية على أمر الملائكة في السجود وإبليس من الجن ليس منهم، فالاستثناء يعتبر منقطعاً عند جماعة، ولكن ينبغي أن لا يعزب عن البال أن هناك أمراً يشمله، وذلك لقوله تعالى في الآية (50) من سورة الكهف: ﴿ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ [الكهف: 50] فهذا دليل على أنه مأمور بالسجود بنص آخر، وحينئذ لا يكون الاستثناء منقطعاً وهو الصحيح أو أن هناك اشتراكاً بين الملائكة والجن، لكون هؤلاء خلقوا من نور، وهؤلاء من نار، ومشتركون أيضاً في الاستتار عن رؤية غيرهم. فالأمر من الله بالسجود يعمهم، وقد حكى المفسرون عن إبليس حكايات أعرضنا عنها لأنها لم ترد عن المعصوم صلى الله عليه وسلم. الخامسة: قال القرطبي: قال علماؤنا - رحمة الله عليهم -: ومن أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق العادات فليس ذلك دالاً على ولايته، خلافاً لبعض الصوفية. ودليلنا أن العلم بأن الواحد منا ولي لله لا يصح إلا بعد العلم بأنه يموت مؤمناً، ولهذا لا يمكن القطع بولايته، انتهى باختصار. وذهب ابن جرير الطبري رحمه الله إلى أن الله تعالى أراد بقصة إبليس تفريع أشباهه من بني آدم وهم اليهود الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم مع علمهم بنبوته ومع قدم نعم الله عليهم وعلى أسلافهم. السادسة: ورد في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: انه قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر)) فقال له رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، فقال: ((إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس)) أخرجه مسلم. وبطر الحق: تسفيهه وإبطاله، كما يفعله أهل المذاهب المادية، وغمط الناس: احتقارهم والازدراء بهم. قال تعالى: ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [35-36]. هنا يجيء التكريم الثاني والتكريم الثالث لآدم ثم يجيء الامتحان الذي هو دور آدم بعد دور الملائكة - أما التكريم الثاني فهو إنعام الله عليه بزوجة يسكن إليها، وزوج آدم عليه السلام هي (حواء) وهو أول من سماها بذلك حين خلقت من ضلعه من غير إحساس منه بذلك، ولو تألم بذلك لم يعطف رجل على امرأته. قال ابن مسعود وابن عباس: لما أسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشاً، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصيري من شقه الأيسر ليسكن إليها ويأنس بها، فلما قام وجدها، فقال: من أنتِ؟ قالت: امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي، وهي معنى قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189] قال العلماء: ولهذا كانت المرأة عوجاء لأنها خلقت من أعوج وهو الضلع، وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المرأة خلقت من ضلع - وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه - لن تستقيم لك على طريقة واحدة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها)) (2). وقال الشاعر: هي الضلع العوجاء لست تقيمها إلا إن تقويم الضلوع انكسارها أتجمع ضعفاً واقتداراً على الفتى أليس عجيباً ضعفها واقتدارها التكريم الثاني: إسكانه الجنة مع زوجته لإتمام النعمة ومنحه جميع ما فيها من المآكل والمشارب الأطايب التي يكون مكتفياً بها عما سواها، فتقوم عليهما الحجة إذا تجاوزا ما أحل الله لهما منها، وقد أحل الله لهما كل شيء فيها إلا شجرة واحدة امتحنهما الله بها ليظهر ما في استعدادهما وبينهما من قوة الإرادة والثبات أو الميل إلى المحظور لمعرفته واختياره الشغف به، وهنا يأتي دور الإنسان في الامتحان، ذلك أن الله سبحانه أباح للأبوين جميع نعم الجنة سوى شجرة واحدة قد يكون فيها ضرر، وقد تكون رمزاً للمحظور وسابقة من وسابق التكليف الذي لا بد من حصوله في الأرض، لأن الاختبار والامتحان لا يحصل بدون أمر أو نهي. فالأمر الذي يحصل بأمتنا له تعظيم الأمر وإجلاله، ويكون علماً على الصدق في محبته والرغبة إليه، وقد كان للملائكة والجن، فنجح فيه الملائكة وسقط فيه إبليس أبو الجن راسباً، وأما النهي الذي يحصل فيه الثبات وتتحقق فيه قوة الإرادة ورباطة الجأش فإنه كان من حظ الأبوين آدم وحواء اللذين زودهما الله بكل ما يغنيهما عن تلك الشجرة وحذرهما من قربانها، فضلاً عن الأكل منها، لأن القربان يحصل فيه الميل إلى الأكل، كما حذرهما عن عدوهما الأكبر إبليس قائلاً: ﴿ يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾ [طه: 117]، ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [الأعراف: 22] وقائلاً لهما: ﴿ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ﴾ بأبلغ أنواع التحذير، وأبشع أنواع التهديد. فهو سبحانه لم يقل: (فتكونا ظالمين) بل قال: ﴿ فتكونا من الظالمين ﴾ يعني من العريقين في الظلم، وهذا على ما ذكره اللغويين: أن قولك: زيد من العالمين أبلغ من قول: زيد عالم، لأن كونه من العالمين يشعر أنه عريق في العلم أباً عن جد، وكونهما يكونان من الظالمين يعني الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعصية، فنقصت حظوظهم من الله بمباشرة ما نهاهم عنه؛ لأنهم بمعصيتهم قد تعدوا حدود الله، وقد انحسر الامتحان الثاني الذي هو النهي بسقوط الأبوين في ذلك الامتحان وعدم انتفاعهما بتحذير الله لهما من عدوهما حتى وقعا فريسة له لولا رحمة الله بهما، لأنه خفي عليهما مكر الشيطان حتى أزلهما عما كانا فيه من النعيم، فاستزلهما بالوسوسة والإغراء اللذين يؤثران أعظم التأثير في القلوب. فإن الله سبحانه أخبرنا عن طريقة إغواء إبليس للأبوين بالكلام المعسول الذي يدخل القلوب، غزاهما بدغدغة العواطف وتحريك الأنانية الكامنة في القلوب قائلاً لهما: ﴿ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ ﴾ تتشكلان بكل صورة ولا يعجزكما شيء، ﴿ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾ ﴿ وَقَاسَمَهُمَا ﴾ يعني: حلف لهما الأيمان المكررة ﴿ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾، ﴿ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ ﴾ [الأعراف: 22]وقد قلت في منظومتي الميمية في الرد على الشاعر القروي وأضربه: أنانية في الآدمي أصلية بها يصطد الشيطان كل مطرهم والمطرهم في اللغة: هو الصعب العسير الانقياد. وقوله تعالى: ﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ ﴾ أي: نحاهما عن الجنة بأن حملهما على الزلة الموجبة للتنحية، أو أنه أزلهما بمعنى أزلقهما فأبعدهما عن الجنة بغروره لهما، لأنه كما قال تعالى في سورة الأعراف: ﴿ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ ﴾ [الأعراف: 22] أي: أنزلهما عن رتبة الطاعة والمقام الرفيع الذي يتحولان عنه باستقامتهما، ونزل بهما من أعلى إلى أسفل بسبب المعصية التي جرت منهما بغروره، والغرور إظهار النصح وإبطان الغش، ولا غرور أعظم من غروره لهما بهذه الخديعة والمكيدة التي تنطلي على القلوب والأفهام غالباً، ولهذا رحمهما الله ووفقهما للتوبة وقبلها منهما بفضله ورحمته. وقوله: ﴿ فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾ أي: من نعيم الجنة الذي حسدهما عليه جاهلاً - عدو الله - بأن التوبة تجب ما قبلها وأن الله قد هيأهما لأمر عظيم ينالون به مع صالحي ذريتهما أسمى الدرجات وأفضل أنواع النعيم، والله غالب على أمره. وهذه الآية الكريمة تصور لنا بدء المعركة بين الأبوين وعدوهما اللدود الحاقد الحاسد، وتبين لنا ضعفهما أمام الغواية والإغراء، ونسيانهما لعهد الله الذي عهد به إليهما من التحذير الشديد عن إبليس العدو المضل المبين، ومن التحذير عن سوء العاقبة بالعصيان في قربان الشجرة، كما قال سبحانه في سورة طه: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾ [طه: 115]. ثم تصور لنا هذه بدء المعركة التي يريدها الله منذ إهباط الأبوين إلى يوم القيامة في محيطها الذي اختاره الله بين الشيطان والإنسان حيث قال: ﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾. والمأمور بالهبوط هو آدم وزوجه وإبليس، وهو المأثور عن ابن عباس ومجاهد وكثير من السلف، ويؤيده قوله: ﴿ بعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ والعداوة قد استعرت بين الشيطان والإنسان: جنس الشيطان وجنس الإنسان ﴿ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ﴾ يعني استقراركم في هذه الأرض بحكم الله ليس لكم بديل عنها لقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً ﴾ [المرسلات: 25، 26] ففيها مستقركم ومتاعكم الذي تتمتعون فيه كل منكم إلى حين أجله، رزقكم فيها موفور من جميع أنواع المتاع أكلاً وشرباً وزينة ومتعة حسبما تتطور أحوالكم لا ينقصكم شيء فيها. وهذا إعلام من الله بكفاية وكفالة بني آدم في جميع ما يتمتعون به من طيبات الحياة مهما كثروا، لا تضيق بهم المعائش كما يزعمه بعض الملاحدة ويروجه طالباً تحديد النسل والمنع من تعدد الزوجات خلافاً لسنة الله في أرضه، وقد راج هذا على ضعفاء البصائر ممن أظلمت قلوبهم لهجرهم وحي الله، وأما المؤمنون الذين يتدبرون وحي الله وتطمئن قلوبهم إليه، فهم واثقون بوعده ولا ينطلي عليهم هذا الدجل والسخافات. |
#6
|
|||
|
|||
جزاكم الله خيرا اخ نمر ....
؛ قول ابن عثيمين في القول الثاني هو ماكنت اقصده ...... بارك الله في علمكم وعملكم .
__________________
علم العليم وعقل العاقل اختـلفا *** أي الذي منهما قد أحـرز الشرفا فالعلم قال أنا أحـــرزت غايته *** والعـقل قال أنا الرحمن بي عرفا فأفصح العلم إفصـاحاً وقال لـه *** بــأينـا الله في فـرقانه اتصـفا فبـان للعقــل أن العـلم سيده *** وقبل العقـل رأس العلم وانصرفا |
#7
|
|||
|
|||
حياكى الله أختى .
أحببت أن أشارك فقط فى تفسير هذه الآية . لأنه صار لها مدة لذلك أضفت هذه الإضافة مشاركة من أخوكِ . بارك الله فيكِ وجزاكِ الله خير |
#8
|
|||
|
|||
نفع الله بكم اخي ...
__________________
علم العليم وعقل العاقل اختـلفا *** أي الذي منهما قد أحـرز الشرفا فالعلم قال أنا أحـــرزت غايته *** والعـقل قال أنا الرحمن بي عرفا فأفصح العلم إفصـاحاً وقال لـه *** بــأينـا الله في فـرقانه اتصـفا فبـان للعقــل أن العـلم سيده *** وقبل العقـل رأس العلم وانصرفا |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
من اخبر قريش ومواضيع اخرى | موحد مسلم | الشيعة والروافض | 6 | 2020-06-06 04:31 AM |
ليست شبهة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء يقول أن فاطمة خرجت عن حدود الآداب مع زوجها بل حقيقة | موحد مسلم | الشيعة والروافض | 2 | 2020-04-09 11:36 PM |
فأين رواية الانقلابيين او المنتصرين وهذه روايات المنهزمين | موحد مسلم | الشيعة والروافض | 1 | 2020-03-13 04:31 PM |
من الاعلم علي ام الانبياء | موحد مسلم | الشيعة والروافض | 0 | 2020-02-13 06:20 PM |