جديد المواضيع |
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الجذور الإغريقية للفلسفة الإعتزالية والأشعرية في تصورهم للذات الإلهية
تصوّر الإله في فكر المعتزلة والأشاعرة والجذور الإغريقية لهذا التصور "نقول من كتب ارسطو"
بسم الله الرحمن الرحيم أنزل القرآن الكريم على أمّة أمّيَّة، لا يعرفون من الكلمات إلّا ما ظهر من معانيها، فعندما يقرأ القارئ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) لن يتبادر إلى ذهنه إلّا أن الله سبحانه وتعالى مستقر عرشه، فوق السماوات، وعندما يقرأ: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) وقوله: (هَلۡ یَنظُرُونَ إِلَّاۤ أَن تَأۡتِیَهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ أَوۡ یَأۡتِیَ رَبُّكَ أَوۡ یَأۡتِیَ بَعۡضُ ءَایَـٰتِ رَبِّكَ) فلن يفهم من هذا الكلام إلا أن الله تعالى يجيء ويأتي، بالمعنى الحرفي الذي تعرفه العرب من كلامها بما يتضمن ذلك الحركة والانتقال من مكان إلى مكان. وعندما يقرأ: (وَلَمَّا جَاۤءَ مُوسَىٰ لِمِیقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ) وقوله: (وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِیما) فسوف يفهم القارئ العربي البسيط أن الله يتكلم بحرف وصوت، لأن الكلام عند العرب لا يكون إلّا بحرف وصوت. كما جاء في الحديث النبوي الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ". وهو حديث صحيح، رواه: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. ففرّق النبي صلى الله عليه وسلم بين حديث النفس وبين الكلام، فدلّ على أن الكلام هو الحرف والصوت، وفي لغة العرب، الكلام هو اللفظ المركّب المفيد بالوضع. كما عرفه الإمام اللغوي الآجري في متن الآجرومية في النحو، لا يكون الكلام في لغة العرب إلا هكذا. لكن وفي خضم التطوّر العلمي والفكري الذي شهده العالم الإسلامي في القرون الأولى، يزغت طائفة تدعى الجهمية وتبعها على ذلك المعتزلة، بل إن الجهمية الأولى انقرضت وحلت محلها المعتزلة وأصبح اسم الجهمية لصيقا بهم لا يفارقهم فأخذت تتحدث بمصطلحات غريبة عن الفكر والثقافة العربية والإسلامية، حيث أخذت تتحدث عن الجوهر والعرض والفاعل والمنفعل، وأشياء من هذا القبيل، لم يكن لها ذلك الأثر لولى أن أصحابها تمادوا كثيراً إلى أبعد غاية قد يتصوروها الإنسان العاقل، حيث أصبحت فلسفتهم تطال الذات الإلهية المقدّسة، وتتكلم في صفاته، وأخذت تنكر أن الله يتحرك أو يتكلم! وأنكروا أن تكون له صفات متعددة، وبناء على ذلك فقد انكروا أن الله يجيء ويأتي وينزل ويستوي على العرش! أو أن له وجهاً أو عينين أو يدين أو ساقين أو قدمين، ولما اصطدموا بالآيات القرآنية التي تخالف فلسفتهم، بدل أن يرجعوا إلى كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، عمدوا إلى تحريف معاني القرآن، فكل الآيات التي وردت في القرآن وفيها ذكر الاستواء والمجيء والإتيان والكلام .. الخ ادعوا أنها ليست على ظاهرها بل لها باطن، واستعملوا الحذف والمجاز لإخضاع تلك الآيات، أفلحوا في بعضها ولم يفلحوا في بعض، فما أفلحوا في إخضاعه أعلنوه وشهروه، وما لم يفلحوا فيه عمدوا إلى تحريف معناه، فسعوا إلى تغيير معانيها والعبث بمضامينها، فالكلام لا يلزم أن يكون بحرف وصوت بل قد يكون مجرد حديث نفس، واستوى التي مهما تصرفت في معانيها فلن تأتي إلا بمعنى: اعتدل. اصبح لها معناً أخر لا يعرفه العرب في جاهلية ولا إسلام، إذ أصبح معناها: استولى! ثم قس على هذا جميع الصفات التي وصف الله بها نفسه في القرآن. قال محمد بن أحمد بن النضر الأزدي، سمعت ابن الأعرابي – محمد بن زياد من أئمة اللغة – يقول: أرادني أحمد بن أبي داود – من دعاة المعتزلة - أن أجد له في لغة العرب: (الرحمن على العرش استوى) بمعنى: استولى. فقلت: والله ما أصبت هذا! أما الأحاديث النبويّة فأمرها أهون، فأي حديث يوجد فيه إثبات لأي صفة تنفيها فلسفتهم، يضربونه بعلة، ويسقطونه بأدنى شبهة، وإن كانت عللهم وشبههم لا قيمة لها عند التحقيق، هو شيء يقنعون به أنفسهم وأتباعهم فقط، ولا يهم إن كانت تلك العلل والشبهات ذات قيمة أو لا. لم تخفي تلك الفرق مصدر علومها، ولا منشأ فكرها، حيث صرّحت تلك الفرقة أنها تستمد علومها من الفلسفة الإغريقية، وأخذت بكل تبجّح تجاهر بانتمائها فكرياً إلى هذه المدرسة الإلحاديّة الوثنيّة، بل أصبحت تعلن بلى محاباة أن العقل الذي أثمر مثل فلسفة أرسطو وأفلاطون، يجب أن يكون هو المصدر الأساسي في التلقي والحكم على جميع العلوم بما فيها القرآن! فحتى لو خالف القرآن تلك الفلسفة فيجب تطويع القرآن ليأتي متماشياً معها، فأصبح العقل عندهم مقدّم على النقل، والنقل تابع للعقل، حتى وإن كان هذا النقل هو كلام الله تعالى! وحتى يضفون الشرعيّة على أقوالهم، أخذوا يضعون الأخبار على الصحابة وأئمة المسلمين التي تؤيّد أقوالهم، وفيها نفي لصفات الله تعالى، فتجد خبراً عن علي أو ابن عباس، وليس اختيار هاتين الشخصيّتين ضرباً من العبث، بل هو مقصود لذاته، فهم من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأبناء عمومته، وأعلم الناس بدينه وفقهه، أو تجد خبراً عن أئمة المسلمين الكبار كأحمد بن حنبل أو الشافعي أو مالك أو أبي حنيفة، وهم ايضاً مقصودون لذاتهم، فهم اشهر أئمة الإسلام، ولكن الغريب أن تلك الأخبار مجرّدة عن الأسانيد، وبين دفات الكتب الدينية التي امتلأت بها أرفف المكتبات، وكأن الدين في حاجة إليها، من تفاسير للقرآن أو شروحات للأحاديث والعقائد، تجد خبراً عن علي وأخر عن ابن عباس وهنا وهناك تلحظ مقولة لأحد الأئمة الكبار يجرد الله فيها من صفات كماله ويؤكد على نفي نعوت جلاله، القاسم المشترك بين هذه الأخبار هو أنه لا أسانيد لها، بل الأغرب أن الأخبار المروية عن أولئك الأئمة بالأسانيد ورد فيها إثبات الصفات لله تعالى على الوجه الذي تعرفه العرب من كلامها، وتكذّب تلك الأخبار المنسوبة إليهم في نفيها وانكارها. لقد استمدت تلك الفرقة تلك التأويلات، التي خالفت النقل والعقل أيضاً، إذا ما أردنا إنصاف العقل، من كتب الفلسفة الإغريقية، ومن كتب أرسطو خاصّة، الذي يعتبر من أكثر فلاسفة الإغريق تأثيراً في العالم الشرقي والغربي أيضاً، بما أحدثه من فلسفات حول ماهيّة الذات الإلهيّة وصفاتها وعلاقتها بهذا الكون، خلقاً وتدبيراً، مع علمهم أن تصوّر ارسطو للذات الإلهية هو محض ظنون وأوهام، إذ لا يملك أرسطو أي دليل، سواءً كان هذا الدليل وحياً إلهياً أو أثراً مادّيّاً، فمن هو أرسطو، الذي يعتبر بحق رسول ومنظّر الجهمية والمعتزلة! وما هي فلسفته للذات الإلهية؟ وكيف ينظر إليها؟ أَرِسْطُو أو أَرِسْطُوطَالِيس أو أرسطاطاليس وهو فيلسوف يوناني إغريقي، ولد في مدينة اسطاغيرا مقدونيا سنة 384 ق.م، وكان والده ************وماخوس طبيباً، وقد ترك أرسطو مقدونيا إلى أثينا في السابعة عشرة من عمره لينال تعليمه، والتحق فيها بمدرسة أفلاطون، وقد لازم أفلاطون نحواً من عشرين سنة، قبل أن يغادر أثينا في 348 ق.م. بعد وفاة أفلاطون سنة 347 ق.م. ارتحل إلى آترنيوس إحدى المدن اليونانية في آسيا الصغرى، حيث أقام في جزيرة لسبوس، التي مكث فيها ثلاث سنوات، حيث انتقل بعدها إلى أثينا، وفي أثينا سنة 332 ق.م، افتتح أرسطو مدرسة لوقيون، وقد عرف أتباعه بالمشائين، لأن أرسطو كان من عادته أن يمشي بين تلامذته وهو يلقي عليهم الدروس، وظل يدير مدرسته 13 عاماً، انتقل بعد ذلم بسبب حروب جرت في أثينا إلى مدينة خلسيس، حيث أصيب بمرض بعد ذلك بسنه فمات في سن الثالثة والستين سنة 322 ق.م. تصوّر ارسطو للذات الإلهيّة: تحدث أرسطو عن الإله في كتاب "ما بعد الطبيعة" وكتاب "الطبيعة" وكتاب "النفس". حيث يشير دائماً إلى الإله على أنه "المحرك" الذي يخرج ما هو بالقوة من القوة إلى الفعل، وذلك انطلاقًا من مجموعة من المفاهيم، التي حاول صياغتها لتحديد طبيعته: المحرك الأول الذي لا يتحرك، صورة الصور، الإله عقل محض، حياة الإله في تعقله، عاقل لذاته، معقول لذاته، عقل لذاته. مما سبق يبدو أنّ الإله عند أرسطو ليس خالق الكون فقط بل حركته، فكل الأشياء تتحرك في زمن معين، فإذا تساءلنا من يحركها؟ يكون جواب أرسطو: إنّ الذي يحرك الأشياء هو المحرك الأول، ولكن ما طبيعة هذا المحرك؟ يجيب أرسطو بأنّ الإله محرك لا يتحرك، فكل محرك سواء أكان شخصًا أو شيئًا أو فكرةً، يحرك شيئًا ويحركه شيء، فالمحراث يحرك التربة، واليد تحرك المحراث، والعقل يحرك اليد والرغبة في الطعام تحرك العقل، وغريزة حب الحياة تحرك الرغبة في تناول الطعام والشراب. ولكن الإله حسب أرسطو لا يمكن أن يكون نتيجة لأي عمل، بل هو مصدر كل عمل، إنّه محرك العالم الذي لا يتحرك، يقول في هذا الطرح: "ينبغي أن تنتهي سلسلة المتحركات إلى محرك أول لا يتحرك وهو أصل الحركة بجميع أشكالها في الكون"، وطبيعة هذا المحرك أنّه: - ينبغي أن يكون محركًا أزليًّا: لأنّه لو تحرك بغيره فمعنى هذا أنّه يوجد شيء آخر يحركه، فهو لا يمكن أن يكون محركًا بغيره بل محرك بذاته. - ينبغي أن يكون غير منقسم وغير ذي كم: أي أنّه أبدي لا ينقسم لأنّه، إذا انقسم تعدد ولو تعدد لأصبح له أجزاء، وعندها لا نستطيع أن نعرف الحركة من أي جزء، وهو لا يكمم (من الكمية) لأنّه خالٍ من المادة. - ينبغي أن يكون بالفعل دائمًا: أي أنّه فعل محض خالص. - ينبغي أن يكون عقلاً بالفعل وأن يكون موضوع عقله أسمى المعقولات: أي أنّه عبارة عن فكر وعقل، وما دام فكرًا وعقلاً فهو أقرب إلى الأشياء الإلهية. ومن ثم يعتبر أرسطو أنّ الإله جوهر تتحد فيه الذات بالموضوع، من حيث لا يعقل إلا أشرف الأشياء وأنفسها وهي ذاته، ويتنزه عن عقل ما دونها شرفًا أو نفاسة، لما يدخل ذلك عليه من نقص، فهو والحال هذه عقل يعقل العقل، وإله أرسطو بعد ذلك لا يهمه أمر العالم، وإن كان أمره يهم العالم، ومعناه أنّ الإله إذا اهتم بالعالم تعرض للانفعالات النفسية التي قد تدفعه إلى تغيير رأيه منفعلاً ومتأثرًا، كأن يمتلئ غضبًا أو أن ينعم على من يحب من الناس، ويعتبر أرسطو أنّه لو كان الإله كذلك فإنه يكون ناقصًا، ولكن الإله في فلسفة أرسطو يجب أن يكون كاملاً يسمو على الانفعال والتغير. ومعنى أنّ أمره يهم العالم، أي أنّه شيء يحبه البشر كافة ويهتمون لأمره ويسعون للتشبه به، لأنّه المعشوق أو المحبوب الأول الذي تصبو إلى كماله سائر الموجودات العاقلة وتطلبه، "إنّ إله أرسطو يشبه قائدًا وقف كالتمثال اعتزازًا بكرامته، وكان هناك عساكر من خشب أخذت تحاكيه على قدر استطاعتها فتنظمت جيشًا حقيقيًّا". لكن أرسطو لا يقف عند هذا المحرك الذي لا يتحرك، بل يرى أنّه يجب أن يكون هناك محرك آخر يلي المحرك الأول الذي لا يتحرك ويستمد حركته منه، "وهذا المحرك هو السماء الأولى أو فلك النجوم الثوابت الذي يتحرك حركة دورية أزلية". وهذا المحرك المتحرك يمثل في النظام الأرسطي همزة الوصل بين الموجود الأول (الإله)، الذي لا يتحرك، وسائر الموجودات الخاضعة للحركة بأشكالها، إذ يقول أرسطو في كتاب النفس: "والأول يحرك وليس هو بمدفوع والآخر مدفوع فقط غير دافع، والأمران يلزمان المتوسط، وقد نقول في الاستحالة، إلاّ أنّ المحيل يفعل وهو ثابت في مكانه". قلت: وهذا هو عين ما يعتقد الجهمية والمعتزلة في صفات الله تعالى، فأصبح الله الذي يجيئ ويأتي ويتكلم ويستوي على عرشه في القرآن، مجرّداً من ذلك، فأصبح لا يجيء ولا يأتي ولا يتكلم ولا يستوي على عرشه! واصبح من وُصِفَ في القرآن بأن له وجه وعينان ويدان وصورة، ليس له وجه ولا عينان ولا يدان ولا صورة، واصبح الذي يغضب ويرضى ويضحك ويعجب مجرداً من الأحاسيس. كل هذا إيماناً بقول أرسطو أنه الحقّ، وأن قوله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن كل شيء يظهر منه تعارض لقول أرسطو، فيجب ردّه، وأصبحت هذه عقيدة رااسخة في قلوب الجهمية والمعتزلة، لكن القرآن لا يمكن ردّه، فهاهم ضربوا الأحاديث بالعلل، لكن كيف وهذا القرآن الذي تكفّل الله بحفظه؟ وهنا جاء دور العبث بمعاني آياته وتصريفها على كل وجه يحتمل أن تتصرف عليه إلا وجهاً واحداً، وهو ما يفيد إثبات الصفات حقيقة لله رب العالمين. لقد نقل الجهمية والمعتزلة عدواهم إلى مدرسة جديدة عرفت باسم: الكلابية، لم تختلف كثيراً عن مدرسة الجهمية والمعتزلة إلا في بعض المسائل، فلم يعد الدين يؤخذ من القرآن والسنّة، بل أصبح يؤخذ بالرأي، ويُحكم عليه بالهوى، لذلك فارقوهم وأنشئوا مدرسة جديدة، ولم تنتشر هذه المدرسة كثيراً ولم يكتب لها أن تعيش كثيراً، فقد تخرّج منها رجلان، أحدهما: الأشعري، وبثّ علمه وأراءه في بلاد العرب وانتشر بعد ذلك إلى بلاد الأمازيغ والسودان، واصبح أتباعه يعرفون بالأشعرية أو الأشاعرة، والأخر: الماتريدي، وبثّ علمه في بلاد الترك والسند والهند، وأصبح أتباعه يعرفون بالماتريدية. مما يميّز أتباع هاتين الطائفتين، أمران، الأول: اقبالهم على الحديث ودراسته، بعد أن كان سلفهم الجهمية والمعتزلة معرضون عنه، بل يصرحون بالتكذيب به، مكتفون بما تواتر من عبادات تناقلها السلف عن الخلف، والثاني: أنهم كانوا يستخدمون الحِيَل في نشر بدعهم، بينما الجهمية والمعتزلة صريحين جداً في طرح عقائدهم، لكن هذا أحدث نفوراً منهم، كون الكثير من عقائدهم لا تستقيم مع الآيات القرآنية، والتأويلات التي يقدمونها غير مقنعة كثيراً، فالله يقول: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) فالمعتزلة ينكرون أن الله يرى فإلههم لا صورة له أصلاً ولا جهة ولا مكان، فأنا له أن يرى! فتأولوا الآية على أن معناها: أن المؤمنون ينظرون إلى نعيم الجنّة! وهذا تأويل ممجوج، فالآية تصرّح بأن وجوه المؤمنين تنظر إلى ربّها، ولا يعقل تأويل قوله (لربها) على أنه نعيم الجنّة، لذلك أتى الأشاعرة من وراء الغبار ليقولوا: بأن الله يرى حقيقة، ولكن لا في جهة وبلى صورة! أقروا بذلك حتى يفرّوا من حجة المسلمين التي ترفض أن الله لا يرى بناء على ما صرّحت به الآية بوضوح، ولكنهم لا يريدون أن يتخلوا عن جذورهم الإعتزالية، فنفوا الجهة والصورة! فكان هذا مجرد تحايل على النصّ، فجاءوا بما يخالف العقل والنقل، إذ قد علم كل ذي عقل أن ما ليس له جهة ولا صورة لا يمكن أن يرى. ومثله تأويلهم لصفة الاستواء، حيث اقرّوا بان معنى استوى أي علا، خلافاً للمعتزلة الذين زعموا أن استوى معناه استولى، ثم انكروا بعد ذلك أن يكون مستقراً عليه أو أن الله يستقر أو أن له مكاناً فزعموا أن الله فعل فعلا سماه استوى على عرشه، لا أن ذلك قائم بذاته لاستحالة قيام الحوادث به كما يعتقدون. وهذا أوضح من أن يرد عليه، فهم اتفقوا مع المعتزلة على نفي صفة الاستواء، بمعنى اعتدل على عرشه، ولا تعرف العرب لهذا معناً إلا أن الله تعالى مستقر عرشه سبحانه معتدلاً في استقراره عليه، لكنهم تحايلوا في رد الصفة وتعطيلها. وقولهم أن الله فعل فعلا سماه استوى على عرشه شبيه بقول ارسطو في أن هناك "محرك آخر يلي المحرك الأول الذي لا يتحرك ويستمد حركته منه" فالله لا يخلق ولكنه يتحدث مع نفسه بكلمة كن، وكن هذه تخلق كل شيء، والله لا يفعل شيئاً ولكنه يخلق أفعالا تحدث كل شيء، فلم يكن له من الأمر سوى ما يحدث به نفسه ثم هذا (المحرك الأخر) يقوم بتنفيذ كل شيء ويحدث كل شيء. ولعل هذا هو الذي جر ملاحدة الصوفية في الإسلام إلى إدعاء أن الكون يديره الأقطاب الصوفية، حيث حلّوا عندهم محل (المحرك الأخر) الذي يحرك الأشياء بالنيابة عن (عن المحرك الأول) الذي لا يستطيع أن يتحرك أو يفعل أي شيء، وليس له من الأمر سوى ما يحدث به نفسه، ليستجيب (المحرك الأخر) الذي هو أحيانا كلمة كن، وأحيانا فعل من الأفعال، وأحيانا قطب صوفي مطمور تحت التراب! وقولهم (لاستحالة قيام الحوادث به) من أين جاءوا بهاذ الحكم، أفي كتاب ناطق، أم سنّة ماضية، أم هي مجرد فلسفة إلحادية! ولكن كما قدمنا فإن أهل الأهواء يبحثون عن أي شيء يتشبثون به ليقنعوا أنفسهم وأتباعهم بصحة اعتقادهم، فالقوم مؤمنون بعقل ارسطو، ولكنهم غير مؤمنين بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، إن مخالفة القرآن لهم جرت جميع هذه الفرق إلى التكذيب به باطناً من خلال تأويله عامدين على غير ما يظهر من معاني كلماته، كما جرت المعتزلة إلى التكذيب بالسنة وطرحها بالجملة، بينما الأشاعرة والماتريدية قبلوها بخبث وسوء نيّة، فكانوا يعتقدون أنهم ومن خلال دراستهم للأحاديث سوف يكون لهم القدرة على إسقاط الأحاديث التي تثبت الصفات لله تعالى، ولو بأدنى الشبه، بل أصبحوا يضعون قواعد جديدة تخالف ما كان عليه أئمة الحديث الأوائل، مثل إنكارهم لحجّيّة الأحاديث أُحاديّة السند، مع كونها كانت مقبولة ومعمول بها عند أهل الحديث. إن قيام الأشاعرة والماتريدية بالاهتمام بدراسة الأحاديث، ثم محاولته إسقاط الأحاديث التي تخالف معتقدهم في صفات الله تعالى، له أصل عند المعتزلة، مما يثبت أن الأشاعرة والماتريدية فرقة نشأت عن المعتزلة، مرتبطة معها في أصول الفكر والمعتقد، ولكن تختلف عنها في طريقة إثباته، فقد قال الإمام الدارمي (المتوفى سنة 200هـ) : وبلغنا أنَّ بعض أصحاب المريسي قال له: كيف تصنع بهذه الأسانيد الجياد التي يحتجون بها علينا في رد مذاهبنا مما لا يمكن التكذيب بها؟ مثل: سفيان عن منصور عن الزهري، والزهري عن سالم، وأيوب بن عوف عن ابن سيرين، وعمرو بن دينار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم .. وما أشبهها؟ فقال المريسي: لا تردوه تفتضحوا، ولكن غالطوهم بالتأويل، فتكونوا قد رددتموها بلطف، إذ لم يمكنكم ردها بعنف. اهـ وروى الخلال مثله بسنده في كتاب السنة له. كما تثبت ايضاً أنهم لا يؤمنون بالسنة، إلا في حدود ما لا يتعارض مع عقيدتهم الفلسفية، وأن قبولهم للأحاديث أو ردّها لا يخضع لضوابط تحكمها قوانين ثابتة وشروطٌ معينة كما هو الحال عند رواة الحديث من أهل السنة وأتباع السلف، بل تخضع للأهواء، فما وافق معتقدهم قبلوه وأمرّوه، وما خالفه، ضربوه بعلة وأسقطوه، وما لم يقدروا عليه تأولوه كما يتأولون ما خالفهم من آيات القرآن. ومن خلال ما سبق، يتضح لنا أن الأصل الذي أخذ عنه الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية نفي صفات الله تبارك وتعالى، هو فلسفة أرسطو الملحد الوثني، فمتى كانت كتب الملاحدة حجّة في أمور شرعيّة. لقد قال علماء المسلمين من أهل الحديث والسنة، أن حقيقة الله وحقيقة صفاته لا يمكن أن تدرك بالعقل، لأنها فوق إدراك العقل البشري، وأنهم ملزمون بالأخذ بظواهر النصوص في ذلك لأن، القرآن نزل على أمّة أميّة لا يعرفون من الكلمات إلا ما ظهر من معانيها، مع نفي المثيل له سبحانه، اعتماداً على قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) وكان هذا هو القول الحق الذي يقر به كل عاقل، إلا أنه لم يعجب من قد أشرب قلبه حب الفلسفة الأغريقية حتى الولّه، ولن نقول بان كلهم كانوا كذلك، بل كان بينهم المنتفعون وأرباب المصالح، فلم يعد ينظر بعين الحقيقة، بل بعين الهوى. فلما رأى أئمة المسلمين أهل السنة والحديث أن القوم إنما يدفعهم إلى التمسك بأقوالهم إنما هو الهوى صرحوا بكفر الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، وإخراجهم من الملة الحنيفية. تجد أقوالهم مبثوثة في كتب التراث الإسلامي مثل: خلق أفعال العباد للإمام البخاري، وكتاب السنة لعبدالله بن حنبل، وكتاب السنة لأبي بكر الخلال، وغيرها. نسأل الله عز وجل الثبات على دينه، وأن يحينا مسلمين ويميتنا مسلمين ويبعثنا مسلمين، آمين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. |
أدوات الموضوع | |
|
|