جديد المواضيع |
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
عقيدة أهل الإيمان في الحكم بغير ما أنزل الرحمن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق المبين، الذي من تمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى وكان من الناجين، ومن أعرض عنه خاب وخسر وكان من النادمين حيث لا ينفع ندم ولا أنين... والصلاة والسلام على النبي الهادي الأمين، جاءنا بشرع من ربه أغنى عن جميع الشرائع والقوانين، وعلى آله وأصحابه والتابعين الذين جاهدوا ويجاهدون لنصر هذا الدين، وإعلاء كلمة الله فوق كل المعاندين المارقين المنافقين المرتدين المعادين المحادين لله ورسوله المؤمنين.. أما بعد؛ نظرًا لما أصاب كثيرا من الأصول الإسلامية من انحراف وغبش في أذهان كثير من الناس في هذا العصر ولما يثيره أعداء الإسلام الظاهرون منهم و المتسترون من شبهات و أباطيل فإنه من الضروري أن يقوم أهل السنة والجماعة بتجلية تلك الأصول وكشف هذه الشبهات، وبيان حقيقة الدين الإسلامي الذي لن يقبل الله غيره {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 58] وقضية تحكيم الشريعه هي أصل الدين، ولا شك أن تنحية شرع الله تعالى، وعدم التحاكم إليه في شؤون الحياة من أخطر وأبرز مظاهر الانحراف في مجتمعات المسلمين، ولقد كانت عواقب الحكم بغير ما أنزل الله في بلاد المسلمين ما حل بهم من أنواع الفساد وصنوف الظلم والذل والمحق. ونظرا لأهمية وخطورة هذه المسألة من جانب، وتصدر علماء السوء والتلبيس على الناس في جانب أخر، كتبت بحث مختصر جمعت فيه كلام العلماء الربانين سلفا وخلفا في جميع جوانب المسألة؛ ونظرًا لخطورة المسألة فقد آثرت أن يكون النقل عن العلماء المجمع على إمامتهم من السلف والمعاصرين، وليس لي في البحث إلا الجمع والترتيب؛ والقليل من النكت الحديثية، فهذا الموضوع لا يكتب فيه بالرأي؛ إنما هو قول الله جل وعلا وقول نبيه صلى الله عليه وسلم؛ وفهم العلماء. وقد قسمت البحث إلى أربعة مباحث: المبحث الأول وجوب تحكيم الشريعه وصلته بأصول الدين. المبحث الثاني آيات سورة المائدة، تكلمت فيه عن أسباب النزول وهل الآيات خاصة أم عامة. البحث الثالث تفصيل حالات الحكم بغير ما انزل الله وفيه مطلبان: المطلب الأول الكفر المخرج من المله وفيه أقسام: القسم الأول:كفر الإعتقاد. القسم الثاني: التشريع العام المخالف لما أنزل الله. القسم الثالث: التحاكم إلى الشرع المبدل. المطلب الثاني: الكفر الأصغر. المبحث الرابع شبهات وردود. الشبهه الأولى: قول ابن عباس "كفر دون كفر" وقصة أبي مجلز. الشبهة الثانية: لا نكفر أحد بذنب ما لم يستحل. الشبهه الثالثة: إيثار الدنيا من موانع التكفير. الشبهه الرابعه: الإستضعاف من موانع تطبيق الشريعه. الشبهه الخامسة: أن بعض الدساتير الوضعيه تنص على أن الشريعه الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. وقد آثرت الإختصار غير المخل تجنبًا للتطويل الممل، والله من وراء القصد.
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1). قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28). |
#2
|
|||
|
|||
المبحث الأول وجوب تحكيم الشريعه وصلته بأصول الدين
مما عمت به البلوى في هذا الزمان ظن كثير من الناس تأثرًا بالفكر الإرجائي المعاصر أن مساله تحكيم شريعه الله من أمور العمل، وكل ما يتعلق بها إنما هو من قبيل المعاصي التي لا تخرج صاحبها عن الإيمان ما لم يكن جاحدًا. وقد جاءت الأدله كثيره جدًا ومتنوعه على أن تحكيم الشريعه من أسس العقيده ومن مفرادت التوحيد ومن لوازم الشهادتين؛ بل وهي أصل الدين، نذكر من ذلك القليل إذ ليس المراد الإستقصاء فالقرآن مليء بذلك: أولا صلة تحكيم الشريعة بتوحيد الربوبية قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]. قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "وتفرد الإله بالطاعة لاختصاصه بنعم الإنشاء والإبقاء والتغذية والإصلاح الديني والدنيوي، فما من خير إلا هو جالبه، وما من ضير إلا هو سالبه، وليس بعض العباد بأن يكون مطاعا بأولى من البعض، إذ ليس لأحد منهم إنعام بشيء مما ذكرته في حق الإله، وكذلك لا حكم إلا له". (1) فبنى مسأله إفراد الله بالطاعه على تفرده بالربوبيه. وقال جل وعلا {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص: 68]. قال ابن القيم رحمه الله في قوله {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ} "فكما أنه هو المتفرد بالخلق، فهو المتفرد بالاختيار؛ فليس لأحد أن يخلق ولا يختار سواه" ثم قال "نزه نفسه سبحانه عما اقتضاه شركهم من اقتراحهم واختيارهم فقال {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ولم يكن شركهم مقتضيا لإثبات خالق سواه، حتى نزه نفسه عنه. فتأمله فإنه في غاية اللطف" وقال "فإذا تأملت أحوال هذا الخلق رأيت هذا الاختيار والتخصيص فيه، دالا على ربوبيته تعالى ووحدانيته وكمال حكمته وعلمه وقدرته. وأنه الله الذي لا إله إلا هو، فلا شريك له يخلق كخلقه، ويختار كاختياره، ويدبر كتدبيره". (2) وقال ابن كثير رحمه الله: "يخبر تعالى أنه المنفرد بالخلق والاختيار، وأنه ليس له في ذلك منازع ولا معقب". (3) وقال القاسمي رحمه الله: "وقوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ} أي تنزيها لله الذي لا يزاحم اختياره اختيار {وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}" (4) فمن نازع الله في اختياره فقد نازعه في ربوبيته. وقال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبه: 31]. قال الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله: "وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى الذي بينا في الحديث لما سأله عدي بن حاتم رضي الله عنه - عن قوله: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا } كيف اتخذوهم أربابا؟ وأجابه صلى الله عليه وسلم أنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم، وبذلك الاتباع اتخذوهم أربابا". (5) وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: "إن الحكم بما أنزل الله -تعالى- من توحيد الربوبية، لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته، وكمال ملكه وتصرفه، ولهذا سمى الله تعالى المتبوعين في ما أنزل الله أرباباً لمتبعيهم، فقال سبحانه {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] فسمى الله تعالى المتبوعين أرباباً حيث جعلوا مشرعين مع الله تعالى، وسمى المتبعين عباداً حيث إنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم الله سبحانه وتعالى". (6) ثانيًا صلة تحكيم الشريعة بتوحيد الألوهيه قال تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40]. قال الشنقيطي رحمه الله: "فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته، قال في حكمه: { وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26]وفي قراءة ابن عامر من السبعة {ولا تُشرك في حكمه أحدا} بصيغة النهي. وقال في الإشراك به في عبادته: { فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، فالأمران سواء كما ترى إيضاحه - إن شاء الله -. وبذلك تعلم أن الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله أو خير منه كفر بواح لا نزاع فيه. وقد دل القرآن في آيات كثيرة على أنه لا حكم لغير الله، وأن اتباع تشريع غيره كفر به، فمن الآيات الدالة على أن الحكم لله وحده قوله تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} [يوسف: 40] وقوله تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسق: 67] وقوله تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57] وقوله {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] وقوله تعالى {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26] وقوله تعالى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88] وقوله تعالى {لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70]. والآيات بمثل ذلك كثيرة". (7) ثالثًا صلة تحكيم الشريعة بتوحيد الأسماء والصفات ورد اسم الله الحكم في آيه واحده وهي قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [الأنعام: 114]. قال الطبري رحمه الله: "أي قل: فليس لي أن أتعدى حكمه وأتجاوزه، لأنه لا حكم أعدل منه، ولا قائل أصدق منه" . (8) وورد اسم الله الحاكم بصيغه الجمع وأفعل التفضيل في خمس آيات منها: قوله تعالى {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس: 109]. وقوله تعالى {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 7-8]. فمن آمن بأن الله سبحانه وتعالى خير الحاكمين وأحكم الحاكمين امتثل حكمه وخضع لأمره. وورد اسم الله الحكيم في أربعة وتسعين آيه منها: قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 224]. وقوله جل وعلا {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} [البقرة: 228، 240] و [المائدة: 38]. ويلاحظ في الآيات السابقة مجيء اسم الله الحكيم تعليلا لأحكام شرعيه، والحكيم معناه كما قال الحليمي "الذي لا يقول ولا يفعل إلا الصواب" (9) فمن آمن بإسمه جل وعلا "الحكيم" لن ينازعه في تشريعه لعلمه أن الله لا يأمر إلا بما فيه الصلاح. والعبوديه لله بهذه الأسماء إنما تكون بالخضوع لشرعه، وعدم منازعته في أمره، وقد بين الإمام الشنقيطي رحمه الل،ه أن الله سبحانه وتعالى بصفاته العظيمه يستحق ان يكون له الحكم، فهل يوجد في البشر من له مثل صفات خالقه ليشارك ربه في الحكم، - تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا - فقال رحمه الله في كلام ماتع لن تجد له مثيل: "اعلم أن الله جل وعلا بَيَّن في آيات كثيرة صفات من يستحق أن يكون الحكم له، فعلى كل عاقل أن يتأمل الصفات المذكورة التي سنوضحها الآن - إن شاء الله - ويقابلها مع صفات البشر المشرعين للقوانين الوضعية، فينظر هل تنطبق عليهم صفات من له التشريع، سبحان الله وتعالى عن ذلك. فإن كانت تنطبق عليهم - ولن تكون - فليتبع تشريعهم، وإن ظهر يقينا أنهم أحقر وأخس وأذل وأصغر من ذلك، فليقف بهم عند حدهم، ولا يجاوزه بهم إلى مقام الربوبية، سبحانه وتعالى أن يكون له شريك في عبادته أو حكمه أو ملكه. فمن الآيات القرآنية التي أوضح بها تعالى صفات من له الحكم والتشريع قوله هنا: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10] ثم قال مبينا صفات من له الحكم {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الشورى: 10-12]. فهل في الكفرة الفجرة المشرعين للنظم الشيطانية من يستحق أن يوصف بأنه الرب الذي تفوض إليه الأمور، ويتوكل عليه، وأنه فاطر السماوات والأرض - أي خالقهما ومخترعهما - على غير مثال سابق، وأنه هو الذي خلق للبشر أزواجا، وخلق لهم أزواج الأنعام الثمانية المذكورة في قوله تعالى {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ} الآية ، وأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأنه له مقاليد السماوات والأرض، وأنه هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر - أي يضيقه على من يشاء - وهو بكل شيء عليم؟! فعليكم أيها المسلمون أن تتفهموا صفات من يستحق أن يشرع ويحلل ويحرم، ولا تقبلوا تشريعا من كافر خسيس حقير جاهل. ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26]. فهل في الكفرة الفجرة المشرعين من يستحق أن يوصف بأن له غيب السماوات والأرض؟ وأن يبالغ في سمعه وبصره لإحاطة سمعه بكل المسموعات وبصره بكل المبصرات؟ وأنه ليس لأحد دونه من ولي؟ سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا. ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88]. فهل في الكفرة الفجرة المشرعين من يستحق أن يوصف بأنه الإله الواحد؟ وأن كل شيء هالك إلا وجهه؟ وأن الخلائق يرجعون إليه؟ تبارك ربنا وتعاظم وتقدس أن يوصف أخس خلقه بصفاته. ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12]. فهل في الكفرة الفجرة المشرعين النظم الشيطانية من يستحق أن يوصف في أعظم كتاب سماوي بأنه العلي الكبير؟! سبحانك ربنا وتعاليت عن كل ما لا يليق بكمالك وجلالك. ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40]. فهل في أولئك من يستحق أن يوصف بأنه هو الإله المعبود وحده، وأن عبادته وحده هي الدين القيم؟ سبحان الله وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ومنها قوله تعالى {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]. فهل في أولئك المشرعين من يستحق أن يوصف بأن حكمه بما أنزل الله وأنه مخالف لاتباع الهوى؟ وأن من تولى عنه أصابه الله ببعض ذنوبه؟ لأن الذنوب لا يؤاخذ بجميعها إلا في الآخرة؟ وأنه لا حكم أحسن من حكمه لقوم يوقنون؟ سبحان ربنا وتعالى عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله. ومنها قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 114]. فهل في أولئك المذكورين من يستحق أن يوصف بأنه هو الذي أنزل هذا الكتاب مفصلا، الذي يشهد أهل الكتاب أنه منزل من ربك بالحق، وبأنه تمت كلماته صدقا وعدلا - أي صدقا في الأخبار وعدلا في الأحكام - وأنه لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم؟ سبحان ربنا، ما أعظمه، وما أجل شأنه. ولما كان التشريع وجميع الأحكام - شرعية كانت أو كونية قدرية - من خصائص الربوبية - كما دلت عليه الآيات المذكورة - كان كل من اتبع تشريعا غير تشريع الله قد اتخذ ذلك المشرع ربا، وأشركه مع الله. والآيات الدالة على هذا كثيرة". (10) رابعًا صلة تحكيم الشريعة بأصل بالإيمان قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء: 59-61] إلى قوله {وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء 64]. وقال جل وعلا {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 46-51] وقال سبحانه {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} [الأحزاب 36] ودلالة الآيات واضحة على ارتباط التحاكم إلى شرع الله بأصل الإيمان - وسيأتي مزيد تفصيل في المبحث الثالث بإذن الله – فنرجيء الكلام عن هذه الآيات لحينها بإذن الله، وأكتفي في هذا الموضع بنقل عن إمامين في تقرير هذه المساله: قال الإمام المروزي رحمه الله في شرح حديث جبريل عليه السلام: "قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الإيمان أن تؤمن بالله» وما ذكر معه كلام جامع مختصر له غور، وقد أوهمت المرجئة في تفسيره فتأولوه على غير تأويله، قلة معرفة منهم بلسان العرب، وغور كلام النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قد أعطي جوامع الكلم وفواتحه، واختصر له الحديث اختصارا صلى الله عليه وسلم. أما قوله: «الإيمان أن تؤمن بالله» أن توحده وتصدق به بالقلب واللسان، وتخضع له ولأمره، بإعطاء العزم للأداء لما أمر، مجانبا للاستنكاب والاستكبار والمعاندة، فإذا فعلت ذلك لزمت محابه، واجتنبت مساخطه". (11) فجعل من الإيمان بالله الخضوع لأوامر الله جل وعلا والعزم على أدائها وترك العناد والإستكبار. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "فلا يتم إيمان العبد إلا إذا آمن بالله ورضي حكمه في القليل والكثير، وتحاكم إلى شريعته وحدها في كل شأن من شئونه، في الأنفس والأموال والأعراض، وإلا كان عابدا لغيره، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] فمن خضع لله سبحانه وأطاعه وتحاكم إلى وحيه، فهو العابد له، ومن خضع لغيره، وتحاكم إلى غير شرعه، فقد عبد الطاغوت، وانقاد له، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60] والعبودية لله وحده والبراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم إليه، من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، فالله سبحانه هو رب الناس، وإلههم، وهو الذي خلقهم وهو الذي يأمرهم وينهاهم، ويحييهم ويميتهم، ويحاسبهم ويجازيهم، وهو المستحق للعبادة دون كل ما سواه قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] فكما أنه الخالق وحده، فهو الآمر سبحانه، والواجب طاعة أمره" . (12) خامسًا صلة تحكيم الشريعة بأصل الإسلام فالإسلام أصله الإستسلام والإنقياد، قال تعالى {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 85] أي استسلم وانقاد. أما شرعًا فهو الإستسلام لله بالتوحيد والخضوع له بالطاعه والخلوص من الشرك. قال ابن جرير في تفسير قوله جل في علاه {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ}[البقرة: 112]: "وأما قوله: {مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله} فإنه يعني بإسلام الوجه التذلل لطاعته والإذعان لأمره، وأصل الإسلام: الاستسلام؛ لأنه مِن استسلمت لأمره، وهو الخضوع لأمره، وإنما سمي المسلم مسلما بخضوع جوارحه لطاعة ربه". (13) وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى مخبرًا عن إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة: 128]: "يعنيان بذلك: واجعلنا مستسلمين لأمرك خاضعين لطاعتك، لا نشرك معك في الطاعة أحدا سواك، ولا في العبادة غيرك، وقد دللنا فيما مضى على أن معنى الإسلام الخضوع لله بالطاعة". (14) وقال في تأويل قوله تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]: "وكذلك الإسلام، وهو الانقياد بالتذلل والخشوع، والفعل منه أسلم، بمعنى: دخل في السلم، وهو الانقياد بالخضوع وترك الممانعة، فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل قوله: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} إن الطاعة التي هي الطاعة عنده الطاعة له، وإقرار الألسن والقلوب له بالعبودية والذلة، وانقيادها له بالطاعة فيما أمر ونهى، وتذللها له بذلك من غير استكبار عليه ولا انحراف عنه دون إشراك غيره من خلقه معه في العبودية والألوهية". (15) وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركا، ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عن عبادته، والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده، وهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره، وذلك إنما يكون بأن يطاع في كل وقت بفعل ما أمر به في ذلك الوقت". (16) ولأن الطبري شيخ المفسرين وهو حجه في اللغه والقراءات فنزيد في النقل عنه في هذه المسألة: يقول رحمه في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208] بعد ذكر خلاف العلماء في تفسيرها والقراءات فيها: "فإن قيل فما وجه دعاء المؤمن بمحمد وبما جاء به إلى الإسلام؟ قيل: وجه دعائه إلى ذلك الأمر له بالعمل بجميع شرائعه، وإقامة جميع أحكامه، وحدوده، دون تضييع بعضه والعمل ببعضه. وإذا كان ذلك معناه، كان قوله {كافة} من صفة السلم، ويكون تأويله: ادخلوا في العمل بجميع معاني السلم، ولا تضيعوا شيئا منه يا أهل الإيمان بمحمد وما جاء به. فقد صرح عكرمة، بمعنى ما قلنا في ذلك من أن تأويل ذلك دعاء للمؤمنين إلى رفض جميع المعاني التي ليست من حكم الإسلام، والعمل بجميع شرائع الإسلام، والنهي عن تضييع شيء من حدوده". (17) سادسًا صلة تحكيم الشريعة بالشهادتين أما شهادة ان لا إله إلا الله فقد سبق في أدلة توحيد الألوهية أما شهادة محمد رسول الله: فقوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 31-32]. قال ابن كثير رحمه الله في قوله {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، ثم قال: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي: باتباعكم للرسول صلى الله عليه وسلم يحصل لكم هذا كله ببركة سفارته. ثم قال آمرا لكل أحد من خاص وعام: {قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ} أي: خالفوا عن أمره {فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه يحب لله ويتقرب إليه، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل، ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس الذي لو كان الأنبياء -بل المرسلون، بل أولو العزم منهم-في زمانه لما وسعهم إلا اتباعه، والدخول في طاعته، واتباع شريعته". (18) وقال تعالى {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء 65]. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "وأما شهادة أن محمدا رسول الله فكثير من الناس لا يفهمها على حقيقتها، وحكموا القوانين الوضعية وأعرضوا عن شريعة الله، ولم يبالوا بها، جهلا بها أو تجاهلا لها. إن شهادة أن محمدا رسول الله تقتضي الإيمان برسول الله - عليه الصلاة والسلام -، وطاعته في أوامره واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره وأن لا يعبد الله إلا بالشريعة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وقال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} فالواجب على جميع المسلمين، وعلى جميع الثقلين أن يعبدوا الله وحده، وأن يحكموا نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام كما قال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}" (19) وقال سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في تيسير العزيز الحميد: "نبه في هذا الباب على ما تضمنه التوحيد، واستلزمه من تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النّزاع، إذ هذا هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، ولازمها الذي لا بد منه لكل مؤمن، فإن من عرف أن لا إله إلا الله، فلا بد من الانقياد لحكم الله والتسليم لأمره الذي جاء من عنده على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. فمن شهد أن لا إله إلا الله، ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النّزاع، فقد كذب في شهادته". (20) وقد نقلت قول الشيخ ابن باز رحمه الله: "والعبودية لله وحده والبراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم إليه، من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، فالله سبحانه هو رب الناس، وإلههم، وهو الذي خلقهم وهو الذي يأمرهم وينهاهم، ويحييهم ويميتهم، ويحاسبهم ويجازيهم، وهو المستحق للعبادة دون كل ما سواه قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] فكما أنه الخالق وحده، فهو الآمر سبحانه، والواجب طاعة أمره". (21) يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2] "فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا لحبوط أعمالهم فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه أليس هذا أولى أن يكون محبطا لأعمالهم" . (22) تم بفضل الله المبحث الأول. ـــــــــــــــــــــــ (1) قواعد الأحكام (158/2). (2) انظر زاد المعاد (40/1-43). (3) تفسير القرآن العظيم (251/6). (4) محاسن التأويل (535/7). (5) أضواء البيان (56/7). (6) فتاوى أركان الإسلام (ص143). (7) أضواء البيان (48/7). (8) جامع البيان (506/9). (9) المنهاج (191/1). (10) انظر (أضواء البيان 49/7-53). (11) تعظيم قدر الصلاة (392/1-393). (12) رسالة وجوب تحكيم الشريعة (ص 6-7). (13) جامع البيان (431/2). (14) المصدر السابق (565/2). (15) المصدر السابق (280/5-281، مختصرًا). (16) الرساله التدمريه (ص 169). (17) جامع البيان (599/3-600، بتصرف)، وانظر التشريع العام أحواله وأحكامه، عبد الرحمن المحمود (ص 21-22). (18) تفسير القرآن العظيم (32/2 بتصرف). (19) مجموع الفتاوى (337/2). (20) تيسير العزيز الحميد (ص 480). (21) رسالة وجوب تحكيم الشريعه (ص 7). (22) أعلام الموقعين (51/1).
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1). قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28). |
#3
|
|||
|
|||
متابع بشغف
__________________
قال أبو قلابة: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال. رواه ابن سعد في الطبقات.
|
#4
|
|||
|
|||
شرف لي أخي الحبيب؛ رفع الله قدرك.
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1). قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28). |
#5
|
|||
|
|||
المبحث الثاني أسباب نزول آيات سورة المائده وأن العبره بعموم اللفظ
قال تعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائده 41-50] ذكر الواحدي في "أسباب النزول" (1) أن سبب نزول الآيات ما أخرجه مسلم عن البراء بن عازب أنه قال قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما مجلودا، فدعاهم صلى الله عليه وسلم، فقال: "هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟"، قالوا: نعم، فدعا رجلا من علمائهم، فقال: "أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم" قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم، والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه" فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة: 41] إلى قوله {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41]، يقول: ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تعالى {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} في الكفار كلها. (2) وللآيات سبب أخر رواه أحمد في المسند عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إن الله عز وجل أنزل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمِ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] وَ {أُولَئِكَ هُمِ الظَّالِمُونَ} [النور: 50] وَ {أُولَئِكَ هُمِ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 19] قال: قال ابن عباس: " أنزلها الله في الطائفتين من اليهود، وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية، حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا، وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق، فكانوا على ذلك حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وذلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ لم يظهر، ولم يوطئهما عليه وهو في الصلح، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة: أن ابعثوا إلينا بمائة وسق، فقالت الذليلة: وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض؟ إنا إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا، وفرقا منكم، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك، فكادت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، ثم ذكرت العزيزة، فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيما منا، وقهرا لهم، فدسوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه: إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يعطكم حذرتم، فلم تحكموه، فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الذِينَ قَالُوا آمَنَّا} [المائدة: 41] إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمِ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] ثم قال فيهما: والله نزلت، وإياهما عنى الله عز وجل. (3) قلت: ولا تعارض بين الإثنين، فقد يكون اجتمع هذان السببان في وقت واحد، فنزلت هذه الآيات في ذلك كله، والله أعلم. (4) الشاهد أن هذه الآيات التي نزلت بما فيها من فضح لليهود ومن يواليهم من المنافقين، وما فيها من حكم بالكفر والفسق والظلم لمن حكم بغير ما أنزل الله، وما فيها من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالحكم بما أنزل الله والحذر أن يُفتن عن بعض ما انزل الله إليه؛ إنما نزلت بسبب حكم واحد فقط اتفق اليهود على على الحكم فيه بغير ما أنزل الله وجعلوه تشريعًا عامًا، وهكذا كل ما شابه حال اليهود في أي زمان ومكان، فالعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب. يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: "فإن نصوص الكتاب والسنة اللذين هما دعوة محمد صلى الله عليه وسلم يتناولان عموم الخلق بالعموم اللفظي والمعنوي أو بالعموم المعنوي . وعهود الله في كتابه وسنة رسوله تنال آخر هذه الأمة كما نالت أولها . وإنما قص الله علينا قصص من قبلنا من الأمم لتكون عبرة لنا . فنشبه حالنا بحالهم ونقيس أواخر الأمم بأوائلها . فيكون للمؤمن من المتأخرين شبه بما كان للمؤمن من المتقدمين . ويكون للكافر والمنافق من المتأخرين شبه بما كان للكافر والمنافق من المتقدمين" (5) ويقول الشاطبي رحمه الله في الموافقات "فلقائل أن يقول: إن السلف الصالح مع معرفتهم بمقاصد الشريعة وكونهم عربا قد أخذوا بعموم اللفظ وإن كان سياق الاستعمال يدل على خلاف ذلك، وهو دليل على أن المعتبر عندهم في اللفظ عمومه بحسب اللفظ الإفرادي وإن عارضه السياق، وإذا كان كذلك عندهم صار ما يبين لهم خصوصه كالأمثلة المتقدمة مما خص بالمنفصل، لا مما وضع في الاستعمال على العموم المدعى. ولهذا الموضع من كلامهم أمثلة، منها أن عمر بن الخطاب كان يتخذ الخشن من الطعام، كما كان يلبس المرقع في خلافته؛ فقيل له: لو اتخذت طعاما ألين من هذا. فقال: أخشى أن تعجل طيباتي، يقول الله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}[الأحقاف: 20] الحديث". ثم ذكر أمثله كثيره على هذا إلى أن قال "ومثل هذا كثير، وهو كله مبني على القول باعتبار عموم اللفظ لا خصوص السبب". (6) وقال القرطبي رحمه الله " فإن قيل: فعلى هذا يجوز الاستدلال على المسلمين بما أنزل في الكافرين، ومعلوم أن أحكامهم مختلفة. قيل له: لا يستبعد أن ينتزع مما أنزل الله في المشركين أحكام تليق بالمسلمين. وقد قال عمر: إنا لو شئنا لاتخذنا سلائق وشواء وتوضع صحفة وترفع أخرى ولكنا سمعنا قول الله تعالى{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [الأحقاف: 20]. وهذه الآية نص في الكفار، ومع ذلك ففهم منها عمر الزجر عما يناسب أحوالهم بعض المناسبة، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة. فيمكن أن تكون هذه الآية من هذا النوع. وهذا نفيس وبه يزول الإشكال ويرتفع الإبهام، والله أعلم". (7) وخلاصة هذا المبحث المختصر بيان أنه وإن كان سبب النزول في الكفار كما سبق من قول البراء، إلا أنه العبرة بعموم اللفظ، فكل من شابهه اليهود في مثل حالهم يشمله مثل حكمهم من الكفر أو الظلم أو الفسوق. وقد اختلفت النقولات عن السلف جامعها قولان، أحدهما أن الآيات في الكفار خاصة، والثاني أنها في الكفار والمسلمين، ولا تعارض بإذن الله، فمن قال أنها في الكفار خاصة فهو يعني سبب النزول، ومن قال انها في الكفار والمسلمين فهو يعني دلالة الآيات. ومن أراد زيادة تفصيل في هذا المبحث، يرجع للمبحث الثالث من كتاب الشيخ عبد الرحمن المحمود "التشريع العام أحواله وأحكامه" (8) فقد أطال النفس في مناقشة هذه الأقوال والجمع بينها، والله الموفق. ـــــــــــــــــــــــ (1) أسباب نزول القرأن، للواحدي (195/1). (2) صحيح مسلم، حديث رقم (1700). (3) أخرجه أحمد في المسند (246/1) من طريق شيخه إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس به، وأخرجه أبو داود في سننه"(3576)، وابن جرير الطبري في تفسيره (8 / 461 - 462)، والطبراني في المعجم الكبير(10732). أما أبو داود فمن طريق زيد بن أبي الزرقاء، وأما ابن جرير فمن طريق عبد الله بن وهب، وأما الطبراني فمن طريق داود بن عمرو الضبي، ثلاثتهم عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، به، ولفظ ابن جرير والطبراني مطول نحو لفظ الإمام أحمد السابق، إلا أن ابن وهب عند ابن جرير روى الحديث عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة مرسلا، ليس فيه ذكر لابن عباس. وأما أبو داود فرواه مختصرا بلفظ: عن ابن عباس قال: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} إلى قوله: {الفاسقون} ، هؤلاء الآيات الثلاث نزلت في اليهود خاصة، في قريظة والنضير. قلت: تفرد به عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو مختلف فيه، وحسنه الشيخ الأرناؤوط في تحقيق المسند. (4) انظر تفسير ابن كثير (113/3-119). (5) مجموع الفتاوى (425/28). (6) انظر الموافقات (34/4-39). (7) تفسير القرطبي (92/8). (8) انظر التشريع العام أحواله وأحكامه (83-105).
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1). قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28). |
#6
|
|||
|
|||
المبحث الثالث تفصيل حالات الحكم بغير ما انزل الله الذي عليه جمهور العلماء أن الحكم بغير ما أنزل الله له حالات فليس كل حكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر مخرج من المله ، كذلك ليس كله كفر أصغر من قبيل المعاصي، يقول الشيخ العثيمين رحمه الله: "قوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: 44] وقوله [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] [المائدة: 45] وقوله {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] وهل هذه الأوصاف الثلاثة تتنزل على موصوف واحد؟ بمعنى أن كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، ظالم، فاسق، لأن الله تعالى وصف الكافرين بالظلم والفسق فقال تعالى {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] وقال تعالى {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] فكل كافر ظالم فاسق، أو هذه الأوصاف تتنزل على موصوفين بحسب الحامل لهم على عدم الحكم بما أنزل الله؟ هذا هو الأقرب عندي والله أعلم". (فتاوى أركان الإسلام ص145) فالحكم بغير ما أنزل قد يكون كفرًا أكبر وقد يكون كفرًا أصغر، وهذا ما نبينه في هذا المبحث إن شاء الله، وفيه مطالب: المطلب الأول الكفر المخرج من المله وهو أقسام: القسم الأول:كفر الإعتقاد. القسم الثاني: التشريع العام المخالف لما أنزل الله. القسم الثالث: التحاكم إلى الشرع المبدل. المطلب الثاني: الكفر الأصغر.
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1). قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28). |
#7
|
|||
|
|||
المطلب الأول الكفر المخرج من المله القسم الأول كفر الإعتقاد: ومبناه على قاعدة إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة سواء كان أصل من أصول الدين أو فرعًا من الفروع، ويلحق به عدة صور وبيان ذلك، ما قاله سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله وهو يعدد أنواع الكفر المخرجة من المله: "أما الأول: وهو كفر الاعتقاد، فهو أنواع: أحدها: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله. الثاني: أن لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقا، لكن اعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه وأتم وأشمل، لما يحتاجه الناس. الثالث: أن لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنه مثله؛ فهذا كالنوعين اللذين قبله، في كونه كافرا الكفر الناقل عن الملة. الرابع: أن لا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلا لحكم الله ورسوله، فضلا عن أن يعتقد كونه أحسن منه؛ لكن اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله؛ فهذا كالذي قبله، يصدق عليه ما يصدق عليه، لاعتقاده جواز ما علم بالنصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه". (1) وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر ; فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى، كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة. وهذا هو الكفر، فإن كثيرا من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار، وإلا كانوا جهالا، كمن تقدم أمرهم". (2) وقال الشيخ ابن باز رحمه الله؛ بعد أن ذكر نواقض الإسلام العشر للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "ويدخل في القسم الرابع: من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام أو أنها مساوية لها، أو أنه يجوز التحاكم إليها، ولو اعتقد أن الحكم بالشريعة أفضل أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين، أو أنه كان سببا في تخلف المسلمين، أو أنه يحصر في علاقة المرء بربه دون أن يتدخل في شئون الحياة الأخرى، ويدخل في الرابع أيضا: من يرى أن إنفاذ حكم الله في قطع يد السارق، أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر، ويدخل في ذلك أيضا كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في المعاملات أو الحدود أو غيرهما، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة؛ لأنه بذلك يكون قد استباح ما حرمه الله إجماعا، وكل من استباح ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، كالزنا والخمر والربا والحكم بغير شريعة الله فهو كافر بإجماع المسلمين". (3) وقال ابن أبي العز رحمه الله: "إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر". (4) وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "من اعتقد أن غير هدى الرسول صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أوأن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه، فهو كافر" (5) وقال الألوسي رحمه الله في تفسيره: "لاشك في كفر من يستحسن القانون ويفضله على الشرع، ويقول؛ هو أوفق بالحكمة وأصلح للأمة، ويتميز غيظاً ويتقصف غضباً إذا قيل له في أمر أمر الشارع، كما شهدنا ذلك في بعض من خذلهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ...... فلا ينبغي التوقف في تكفير من يستحسن ما هو بيِّن المخالفة للشرع منها - أي القوانين - ويقدمه على الأحكام الشرعية منتقصاً لها". (6) يتبين لنا بعد هذه النقولات أن من صور كفر الإعتقاد المخرج من الملة: 1- جحد ما أنزل الله. 2- تفضيل غير حكم الله على حكم الله ورسوله. 3- مساواة حكم الله ورسوله بحكم غيرهما. 4- اعتقاد جواز الحكم بغير ما أنزل الله. 5- الإستهانة بحكم الله ورسوله. 6- اعتقاد أن تحكيم الشريعه لا يناسب العصر. 7- أو انه سبب لتخلف المسلمين. ويلحق بذلك صور أخرى لم تذكر، كبغض ما أنزل الله وغيرها. مسأله: هل الحكام الذين يشرعون لبلادهم قانون عام يضاد ما أنزل الله (7) هل يلزمهم شيء من نواقض الإعتقاد هذه؟ قال الشيخ العثيمين رحمه الله: "من لم يحكم بما أنزل الله استخفافاً به، أواحتقاراً له، أواعتقاداً أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق، فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه". (8) فالشيخ رحمه الله يرى أن من عدل عن شرع الله إلى تشريع عام مخالف لا يفعل ذلك إلا لتفضيل هذا التشريع على شرع الله؛ وكلام الشيخ رحمه الله واضح ولله الحمد. قلت: وفوق ذلك أن من عدل عن شرع الله إلى قانون وضعي فيه ما يخالف الشرع فقد أحل ما حرم الله، وبيان ذلك ما قاله المستشار علي جريشة: "وإذا كان رد الأمر إلى الله من مقتضيات الايمان وموجبات العقيدة ، كان النكوص عن ذلك كفر وشركا ، وظلما وفسقا كما عبر القرآن ... فما هي صور ذلك النكوص ؟ عدول أو تعديل: إن من عدل عن شرع الله إلى شرع غيره فقد عدل بشرع الله شرعا آخر ، ومن ثم عدل بالله آلهة أو أربابا آخرين ... لأن الشرع ابتداء خالص حق الله ، باعتباره من خصائص الربوبية والألوهية ، كذلك من لم يعدل عن شرع الله كله ولكنه عدل فيه.! ذلك أنه لايملك التعديل إلا سلطة في نفس المستوي أو سلطة أعلى ، فمن فعل ذلك فقد جعل من نفسه ندا لله ... تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فالتحريم والتحليل - اللذان أشارت إلهما الآيات الكريمة يتخذ صورة العدول أو التعديل ، فمن عدل عن تحريم الخمر إلى إباحتها فقد أحل ما حرم الله ، ووقع في الكفر والشرك ، وكما يكون العدول صريحا، بأن قال عن الحرام حلال . فإنه يكون كذلك ضمنيا بتغيير وصف الحكم من الحرام إلى الحلال، ففي مثل الخمر جاء تحريمها بالنص والاجماع، فإذا جاءت نصوص وضعية خالية من العقاب فقد غيرت وصف الحكم وجعلته مباحا، والمباح أحد أقسام الحلال ، ومن ثم فإنها تكون بذلك قد أحلت ما حرم الله. كذلك الزنا حرمته الشريعة بالنص والإجماع فإذا جاءت نصوص وضعية خالية من النص على العقاب عليه ولو في بعض الأحوال .فإنها تكون قد أباحته في هذه الحالات أي تكون قد أحلت ما حرم الله . هذه صور من العدول. أما صور التعديل: فإن الحكم يبقي على وصفه الأصلى فلا ينقلب من الحرام إلى الحلال ولكن مثلا يجري التعديل في العقوبة التي وضعها الله سبحانه وتعالى للفعل كأن يحتفظ النص الوضعي بتحريم الفعل وتجريمه ولكنه يعدل في العقوبة المقررة له شرعا فيجعلها الحبس بدلا من الجلد أو الرجم، ويمكن أن يقال إن مثل تلك النصوص الوضعية التي تتضمن تعديلا في الحكم الشرعي تتضمن كذلك عدولا فإن وضع عقوبة مكان أخري عدول عن العقوبة الأصلية التي شرعها الشارع الحكيم علاجا للداء، وهو أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير !! وعلى ذلك فالعدول والتعديل هو من قبيل التحليل والتحريم الذي دمغه القرآن بالكفر والشرك ... وتلك أقصي صور عدم الشرعية !!". (9) إن شاء الله نفصل القول في التشريع العام المخالف لما أنزل الله في القسم التالي. ـــــــــــــــ (1) رسالة تحكيم القوانين (8-9، بإختصار). (2) منهاج السنه (130/5). (3) مجموع فتاوى ابن باز (132/1). (4) شرح العقيدة الطحاوية (ص 323). (5) مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان (ص 386). (6) انظر روح المعاني (28/ 20-21). (7) التشريع العام المخالف لما أنزل الله كفر أكبر مخرج من الملة بذاته من قبيل كفر العمل المخرج من الملة كالسجود للأصنام أو سب النبي صلى الله عليه وسلم؛ وتفصيل ذلك في القسم التالي بإذن الله. (8) فتاوى أركان الإسلام (ص 145-146) (9) انظر كتابه المشروعية الإسلامية العليا (ص 37).
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1). قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28). |
#8
|
|||
|
|||
آسف على المقاطعة لكن أنا لا أدخل المنتدى كثيرا فخشيت أن أنسى
لا خلاف على وجوب تحكيم الشريع ولا خلاف على انه لا يشترط الإستحلال فيما ثبت أنه كفرا أكبر فى ذاته لكن الخلاف فى اطلاق الكفر الأكبر على هذا الفعل الذى اقتبسته اقتباس:
وأيضا أراك أخى الفاضل تستشهد بقول الشيخ بن عثيمين وبن باز فى ما ذهبت إليه وقد اشتهر أنهم على خلاف ما ذهبت أنت إليه ويمكننى وضع أقوالهم التى تبين ذلك وهذا القول للشيخ بن عثيمين اقتباس:
وأرجوا أن يتسع صدرك للمناقشة فى موضوعى هذا http://www.ansarsunna.com/vb/showthread.php?t=33859 لكى لا أفسد عليك بحثك هو موضوع مبعثر لكن فيه نقاش لهذه المسائل كلها والله الموفق |
#9
|
||||
|
||||
اقتباس:
اقتباس:
اقتباس:
اقتباس:
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1). قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28). |
#10
|
|||
|
|||
القسم الثاني التشريع العام المخالف لما أنزل الله هذا القسم أحد حالات الحكم بغير ما أنزل الله الداخلة ضمن حالات الكفر الأكبر المخرج من المله بإجماع العلماء كما سيأتي إن شاء الله، وقد تبين من المبحث الأول أن الحكم والتشريع وما يتبع ذلك حق خالص لله جل وعلا وهو من مفرادات الربيوبيه - ونقلنا في ذلك كلام الشنقيطي في صفات من له الحكم - وأن من نازع الله في حق التشريع فقد نازعه في ربوبيته، فيرجع في هذا للمبحث الأول. وهذا القسم مخرج من المله من وجوه: أحدها: منازعة الله في ربوبيته، والتعدي على حق من حقوقه جل وعلا وهو حق الحكم والتشريع حيث ادعاه لنفسه، وهذا شرك في الربوبية، وهو عين ما فعله أحبار اليهود إذ جعلوا لأنفسهم حق التشريع. الثاني: رفض شريعه الله، واستبدلها بغيرها. الثالث: تفضيل زباله أفكار الناس على أحكام الله جل وعلا، إذ لو لم يفضلها لما جعلها تشريع عام يلزم به الأخرين. الرابع: التعديل على أحكام الله. الخامس: اصدار تشريعات عامة تكون لها السيادة في الأمة بدلا من سيادة الكتاب والسنة وتصبح هي المرجع في الحكم عند التنازع ، ويقدم العمل بها على العمل بأحكام الشريعة المطهرة، فجعل سيادة القانون الوثني أعلى من سيادة الله ورسوله؛ وكما سيأتي أن هذا من أعظم الكفر. ولذلك نجد كثير من أهل العلم جعل هذا القسم مستلزم لكفر الإعتقاد كما سبق عن العثيمين رحمه الله أنه قال: "من لم يحكم بما أنزل الله استخفافاً به، أواحتقاراً له، أواعتقاداً أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق، فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه". (1) وصوره هذا القسم - التشريع العام - والفرق بينه وبين الحكم في قضية معينة ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله: "فإن الحاكم إذا كان دَيِّنًا لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار، وإن كان عالما لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار، وإذا حكم بلا عدل ولا علم كان أولى أن يكون من أهل النار، وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص. وأما إذا حكم حكما عاما في دين المسلمين فجعل الحق باطلا والباطل حقا والسنة بدعة والبدعة سنة والمعروف منكرا والمنكر معروفا ونهى عما أمر الله به ورسوله وأمر بما نهى الله عنه ورسوله: فهذا لون آخر . يحكم فيه رب العالمين وإله المرسلين مالك يوم الدين الذي {لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} {الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم". (2) نجد أن شيخ الإسلام رحمه الله حكم على القاضي الذي يحكم في قضية معينة بخلاف الحق الذي يعلمه أنه من أهل النار لحديث النبي صلى الله عليه وسلم المشهور القضاة ثلاثة (3) ولم يدخل في ذلك من حكم في دين الإسلام حكمًا عامًا وهذه الصوره التي هي التشريع العام، كمن أباح الربا ولم يعاقب عليه وأباح الخمر ولم يعاقب عليها وأباح الزنا ولم يعاقب عليه إلا في حالات معينة، كذلك منع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل أمر بالمنكر ونهى عن المعروف، وأطلق العنان لمن أراد التطاول على الدين وأهله، عطل حدود الله بل وعدل عليها وكل هذا جعله في اطار تشريع عام ألزم الناس بالتحاكم إليه؛ وجعل سيادة هذا القانون فوق سيادة الشرع، وهذت ما قاله ابن تيمية رحمه الله "وأما إذا حكم حكما عاما في دين المسلمين فجعل الحق باطلا والباطل حقا والسنة بدعة والبدعة سنة والمعروف منكرا والمنكر معروفا ونهى عما أمر الله به ورسوله وأمر بما نهى الله عنه ورسوله: فهذا لون آخر . يحكم فيه رب العالمين وإله المرسلين مالك يوم الدين الذي {لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} {الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم". فينبغي التفريق بين هاتين الصورتين، من حكم في قضيه معينه بغير ما أنزل الله لشهوة أو رشوة لكنه لم يجعل حكمه تشريعًا عامًا، ومن استبدل شرع الله بالقوانين الطاغوتية الوثنية وجعلها تشريعًا عامًا يُرجع إليه عند النزاع وأحكامه فوق أحكام الكتاب والسنه؛ فهذه الصوره لا يشك أحد في كفر فاعلها! لذلك نجد الشيخ العثيمين رحمه الله بعد أن ذكر أن الحكم بغير ما أنزل الله قسمين، الأول كفر أكبر مخرج من المله والثاني كفر أصغر سُئل "هل هناك فرق في المسألة المعينة التي يحكم فيها القاضي بغير ما أنزل الله وبين المسائل التي تعتبر تشريعًا عامًا؟ فأجاب بقوله: نعم هناك فرق فإن المسائل التي تعتبر تشريعًا عامًا لا يتأتى فيها التقسيم السابق وإنما هي من القسم الأول فقط". (4) أي أن التشريع العام ليس فيه كفر أكبر وكفر أصغر، لا تقسيم فيه؛ إنما هو كفر أكبر منقل من المله فقط، وهذا محل اتفاق أهل العلم، لم يخالف في ذلك إلا المرجئه وأذنابهم من مطية الطواغيت فليس عندهم كفر إلا الإستحلال فقط! ولا عبرة بقولهم. وقد فصل الشيخ العثيمين رحمه الله قوله هذا في موضع أخر فقال: "إن الذين يحكمون القوانين الآن، ويتركون وراءهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما هم بمؤمنين؛ ليسوا بمؤمنين، لقول الله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء: 65] ولقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] ، وهؤلاء المحكمون للقوانين لا يحكمونها في قضية معينة خالفوا فيها الكتاب والسنة، لهوى أو لظلم، ولكنهم استبدلوا الدين بهذا القانون، وجعلوا هذا القانون يحل محل شريعة الله، وهذا كفر؛ حتى لو صلوا وصاموا وتصدقوا وحجوا، فهم كفار ما داموا عدلوا عن حكم الله ـ وهم يعلمون بحكم الله ـ وإلى هذه القوانين المخالفة لحكم الله. {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65] ، فلا تستغرب إذا قلنا: إن من استبدل شريعة الله بغيرها من القوانين فإنه يكفر ولو صام وصلى؛ لأن الكفر ببعض الكتاب كفر بالكتاب كله، فالشرع لا يتبعض، إما تؤمن به جميعاً، وإما أن تكفر به جميعاً، وإذا آمنت ببعض وكفرت ببعض، فأنت كافر بالجميع، لأن حالك تقول: إنك لا تؤمن إلا بما لا يخالف هواك. وأما ما خالف هواك فلا تؤمن به. هذا هو الكفر. فأنت بذلك اتبعت الهوى، واتخذت هواك إلهاً من دون الله". (5) وتأمل قوله "وهؤلاء المحكمون للقوانين لا يحكمونها في قضية معينة خالفوا فيها الكتاب والسنة، لهوى أو لظلم، ولكنهم استبدلوا الدين بهذا القانون، وجعلوا هذا القانون يحل محل شريعة الله، وهذا كفر؛ حتى لو صلوا وصاموا وتصدقوا وحجوا، فهم كفار ما داموا عدلوا عن حكم الله ـ وهم يعلمون بحكم الله ـ وإلى هذه القوانين المخالفة لحكم الله". إلى أخر ما قال رحمه الله، فافهم هذا الفرق وعض عليه بالنواجذ، يسلم لك دينك. وتأكيد ذلك قول الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]: "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير". (6) وما أشبه اليوم بالبارحة فالأن عندهم ياسق أخر لكن تغير اسمه إلى الدستور بعض أحكامه من الشريعة الإسلامية وأخرى من القانون الفرنسي وغيرها من اليوناني وبعضه وفق زبالة أفكار البشر وصاروا يقدمونه على الكتاب والسنة؛ فمثلا حكم الخمر في الإسلام حرام عندهم لاقيمة لحكم الإسلام فالخمر في الدستور مباح فتباع في الطرقات ولا يستطيع أحد الإنكار، ويقدمون حكم الدستور على حكم الله ورسوله، الربا في الإسلام حرام، أما في الياسق فمباح وهكذا، فيقدمون حكم الياسق على حكم الله ورسوله، فالسيادة في دينهم للدستور والقسم عندهم على احترام الدستور، أما احترام القرآن والسنة وقول الله وقول رسوله فليس في دينهم، فكما قال ابن كثير "فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير" يقول العلامة أحمد شاكر رحمه الله معقبًا على كلام ابن كثير السابق: " أفيجوز مع هذا أن يحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس من تشريعات أوروبا الوثنيّة الملحدة؟ بل تشريع تدخله الاهواء والآراء الباطلة يغيّرونه ويبدّلونه كما يشاءون، ولا يبالي واضعه أوافق شريعة الاسلام أو خالفها؟" إلى أن قال "أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير - في القرن الثامن - لذلك القانون الوضعي، الذي وضعه عدو الإسلام جنكيز خان؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر، في القرن الرابع عشر إلا في فرق واحد أشرنا إليه آنفا؛ أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام، أتى عليها الزمن سريعاً، فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ما صنعت، ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً وأشد ظلماً وظلاماً منهم، لأنّ أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شيء بذلك الياسق، الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر، هذه القوانين التي يصنعها ناس ينتسبون للإسلام، ثم يتعلمها أبناء المسلمين ويفخرون بذلك آباء وأبناء، ثم يجعلون مرد أمرهم إلى معتنقي هذا الياسق العصري!" ثم قال رحمه الله "إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر بوّاح، لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام - كائنا من كان - في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امروٌ لنفسه، وكل امرئ حسيب نفسه". (7) وقد نقل سماحة الشيخ حمد بن عتيق كلام ابن كثير السابق في "سبيل النجاة والفكاك" ثم عقب بقوله: "قلت: ومثل هؤلاء ما وقع فيه عامة البوادي ومن شابههم، من تحكيم عادات آباءهم، وما وضعه أوائلهم من الموضوعات الملعونة التي يسمونها ( شرع الرفاقة ) يقدمونها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك فهو كافر، يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله". (8) وقد ذكر هذه الصوره -التشريع العام المخالف لما أنزل الله - سماحه الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله وهو يعدد أنواع الكفر الأكبر المخرج من المله، فقال بعد أن ذكر أربع أنواع من كفر الإعتقاد (9): "الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ولرسوله ومضاحاة بالمحاكم الشرعية إعدادا وإمدادا وأرصادا وتأصيلا وتفريعا وتشكيلاً وتزيغا وحكما وإلزاما ومراجع مستمدات فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع ومستمدات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى وقوانين كثيرة في القانون الفرنسي والقانون الأمريكي والقانون البريطاني وغيرها من القوانين ومن مذاهب بعض المدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك. فهذه المحاكم إلأن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة مفتوحة إلابواب والناي إليها أسراب إثر أسراب، يحكم بينهم بما يخالف السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون وتلزمهم به وتقرهم وتحتمه عليهم فأي كفر فوق الكفر وأي مناقضة لشهادة أن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة؟!!". (10) كذلك ذكرها فضيله الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله من الحالات المنقله عن الملة، فقال في رساله الحكم بغير ما أنزل الله بعد أن ذكر حالتين: "الثالثة: من كان منتسبا للإسلام؛ عالما بأحكامه، ثم وضع للناس أحكاما، وهيأ لهم نظما؛ ليعلموا بها ويتحاكموا إليها؛ وهو يعلم أنها تخالف أحكام الإسلام؛ فهو كافر، خارج من ملة الإسلام. وكذا الحكم فيمن أمر بتشكيل لجنة أو لجان لذلك، ومن أمر الناس بالتحاكم إلى تلك النظم والقوانين أو حملهم على التحاكم إليها وهو يعلم أنها مخالفة لشريعة الإسلام. وكذا من يتولى الحكم بها، وطبقها في القضايا، ومن أطاعهم في التحاكم إليها باختياره، مع علمه بمخالفتها للإسلام فجميع هؤلاء شركاء في الإعراض عن حكم الله. لكن بعضهم يضع تشريعا يضاهي به تشريع الإسلام ويناقضه على علم منه وبينه، وبعضهم يأمر بتطبيقه، أو يحمل الأمة على العمل به، أو ولي الحكم به بين الناس أو نفذ الحكم بمقتضاه. وبعضهم يأمر بطاعة الولاة والرضا بما شرعوا لهم مما لم يأذن به الله ولم ينزل به سلطانا. فكلهم قد اتبع هواه بغير هدى من الله، وصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، وكانوا شركاء في الزيغ؛ والإلحاد، والكفر، ولا ينفعهم علمهم بشرع الله، واعتقادهم ما فيه، مع إعراضهم عنه، وتجافيهم لأحكامه، بتشريع من عند أنفسهم، وتطبيقه، والتحاكم إليه؛ كما لم ينفع إبليس علمه بالحق، واعتقاده إياه، مع إعراضه عنه، وعدم الاستسلام والانقياد إليه، وبهذا قد اتخذوا هواهم إلها". (11) وقال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله وهو يعدد كفريات أهل الحجاز قبل دعوه الشيخ محمد بن عبد الوهاب "ووضعوا قوانين ينفذونها في الرعية مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد علم أن هذه كافية وحدها في إخراج من أتى بها من الإسلام". (12) وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "الوجه الرابع: من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن يقال: إن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن؛ لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن، فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكاما وضعية تخالف حكم القرآن، حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام، وقد صرح الكثير منهم بذلك كما سلف، وهذا هو الفساد العظيم، والكفر المستبين والردة السافرة، كما قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] وقال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50] وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] وكل دولة لا تحكم بشرع الله، ولا تنصاع لحكم الله، ولا ترضاه فهي دولة جاهلية كافرة، ظالمة فاسقة بنص هذه الآيات المحكمات، يجب على أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله، وتحرم عليهم مودتها وموالاتها حتى تؤمن بالله وحده، وتحكم شريعته، وترضى بذلك لها وعليها، كما قال عز وجل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]". (13) وقد أفرد الإمام الشوكاني رحمه الله رساله سماها الدواء العاجل في دفع العدو الصائل وصف فيها بلايا أهل زمانه وما وصلوا إليه من الكفر، وقد قسمها إلى ثلاثه أقسام وضح في كل قسم بعض الكفريات التي وقعوا فيها فقال في القسم الثاني: "ومع هذا ففيهم من المصائب العظيمة، والقبائح الوخيمة، والبلايا الجسيمة أمور غير موجودة في القسم الأول، منها: أنهم يحكمون بالطاغوت، ويتحاكمون إلى من يعرف الأحكام الطاغوتية منهم، في جميع الأمور التي تنوبهم وتعرض لهم، من غير إنكار ولا حياء من الله ولا من عباده، ولا مخافة من أحد، بل قد يحكمون بذلك بين من يقدرون على الوصول إليه من الرعايا، ومن كان قريبا منهم، وهذا الأمر معلوم لكل أحد من الناس، لا يقدر أحد على إنكاره ودفعه، وهو أشهر من نار على علم. ولا شك ولا ريب أن هذا كفر بالله - سبحانه - وبشريعته التي أنزلها على رسوله، واختارها لعباده في كتابه، وعلى لسان رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل كفروا بجميع الشرائع من عند آدم عليه السلام إلى الآن، وهؤلاء جهادهم واجب، وقتالهم متعين، حتى يقبلوا أحكام الإسلام ويذعنوا لها، ويحكموا بينهم بالشريعة المطهرة، ويخرجوا من جميع ما هم فيه من الطواغيت الشيطانية". (14) قلت: رحم الله الإمام الشوكاني فالذين عنده لا شك ولا ريب في كفرهم وجهادهم واجب ومتعين أصبحوا الأن ولاة أمور شرعيين لهم حق السمع والطاعة ولا يجوز منازعتهم بل حتى لا يجوز الإنكار عليهم علنًا!!! إلى الله المشتكى. فالأمر كما ترى أخي الموحد من الخطورة بمكان فإما إيمان وإما كفر، إما أن تكون من أهل التوحيد أو تكون مطية الطواغيت، فاختر لنفسك. وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على كفر من بدل الشرع او تحاكم لغير الكتاب والسنه منهم: شيخ الإسلام رحمه الله قال: "والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه، كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء". (15) ومن شرع تشريعًا عام ألزم الناس به خلاف ما أنزل الله قد اجتمعت فيه الثلاث تحليل الحرام وتحريم الحلال وتبديل الشرع، فإزداد كفرًا على كفر. ويقول أيضًا رحمه الله: "ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى". (16) وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر عدة أحكام من الياسق: "وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى " الياساق " وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين، قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50] وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65]". (17) والقوانين الوثنية الطاغوتية ليست شرائع منسوخة وإنما هي أشد كفرًا من ياسق التتار، فالحكم فيها أولى كما أشار العلامة أحمد شاكر والشنقيطي وغيرهم. وقد أكثرت النقل في هذه المسأله عن اهل العلم سلفًا وخلفًا وتركت الكثير، لنعلم أن تبديل شرع الله وسن قانون عام يخالف ما أنزل الله كفر أكبر ينقل عن المله بإجماع المسلمين، وليس من قبيل المعاصي كما يزعم أهل الإرجاء، ومطية الطواغيت، المنافحين عن أهل الأوثان المغيرين بألسنتهم على أهل الإيمان، ولا تعجب من ذلك فقد نبأنا الله من أخبارهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} [النساء: 51]. فإن قال قائل فأين حكاية الإجماع قبل ابن تيمية وابن كثير؟! فأقول وبالله تعالى التوفيق: لم تعرف الأمة الإسلامية تغييرًا للشرع وتبديلا لأحكامه وحكمًا بقوانين وثنية طاغوتية قبل مجيء التتار ودخولهم الإسلام وجعلهم الياسق قانون يتحاكمون إليه، مع ملاحظة أنهم لم يلزموا بقية الأمة الإسلامية بالتحاكم إليه، بل بقيت باقي الأقطار الإسلامية في زمنهم لا تحكم إلا بالشرع المنزل، فأجمعت الأمة على كفرهم ووجوب قتالهم لإستبدالهم الشرع المنزل بالقوانين الطاغوتية، فكيف بمن يحكم الأن بهذه القوانين الوثنية ويلزم غيره بالإحتكام إليها بل ويعاقب من يخرج عنها! (18) ولذلك نجد الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله يقول: "والعجب ممن يحكم غير تشريع الله ثم يدعي الإسلام". (19) قلت: والأعجب أن نجد مَن هم مِن بني جلدتنا ويتكلمون بألستنا ثم ينافحون عن هؤلاء الطواغيت الكفرة الفجرة، ويلتمسون لهم الأعذار في حكمهم بهذه القوانين الوثنية، بل ويفترون على الله الكذب أنهم ولاة أمور شرعيين لهم حق الطاعة والنصرة! وعند الله تلتقي الخصوم.... انتهى بفضل الله القسم الثاني من المبحث الثالث. ـــــــــــــــ (1) فتاوى أركان الإسلام ( 145-146). (2) مجموع الفتاوى (388/35). (3) حديث صحيح، أخرجه الترمذي في الجامع (1322)، وأبو داود في السنن (3573)، والنسائي في الكبرى (5/397)، والحاكم في المستدرك (7012) و (7013)، والطبراني في الأوسط (6786) وفي الكبير (1154)، من طرق عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة ". (4) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (2/144). (5) شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين، دار الوطن (261/2-262). (6) تفسير ابن كثير (131/3). (7) انظر هامش عمده التفسير (696/1-697). (8) سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك (83-84). (9) سبق في قسم كفر الإعتقاد. (10) رسالة تحكيم القوانين (6-7). (11) رسالة الحكم بغير ما أنزل الله، ضمن فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي (268-269). (12) الدرر السنيه في الأجوبة النجدية (257/9). (13) مجموع فتاوى ابن باز (305/1). (14) رساله الدواء العاجل في دفع العدو الصائل، ضمن الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني (5748/11). (15) مجموع الفتاوى (267/3). (16) المصدر السابق (106/8). (17) البداية والنهاية (162/17). (18) سيأتي مزيد تفصيل عند الكلام على أثر ابن عباس وقصة أبي مجلز مع الإباضية في المبحث الرابع إن شاء الله. (19) أضواء البيان (41/3).
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1). قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28). |
#11
|
|||
|
|||
القسم الثالث الرضا بالتحاكم إلى الشرع المبدل
هذا القسم قد غلط فيه قوم، فذهبوا إلى تكفير المجتمعات الإسلامية المحكومة بهذه القوانين ولم يستثنوا إلا من حاربها أو أعلن مفاصلته للمجتمع كله، ولا شك أن هذا غلو وضلال كبير، إذ الأصل في من نطق الشهادتين أنه مسلم ما لم يأت بناقض واضح صريح لا يحتمل التأويل، لذلك جعلت عنوان القسم الرضا بالتحاكم إلى الشرع المبدل، فنفرق بين من رضي بالتحاكم إلى القوانين الطاغوتية مقدمًا إياها على حكم الله بعد أن تيقن أنه حكم الله لكنه أعرض وقدم أحكام الجاهلية على حكم العلي الحميد فهذا لا شك في كفره، وبين من أبغض هذه القوانين الطاغوتية الجاهلة ولم يدع إليها ولم يرضى بها، ولم يظاهر أهلها على أهل التوحيد، ولكن وقع في بعض ما أحلته هذه القوانين من غير استحلال لها ما لم يكن ناقضًا، كمن يعمل في البنوك الربوية مع علمه أنه آثم بهذا العمل، كذلك من يعمل في بيع الخمر مع علمه أنه مجرم أثم يقترف الكبائر ويستحق العقاب؛ فهؤلاء حكمهم حكم عصاة المسلمين. فهؤلاء ليسوا كمن شرع من دون الله، فنفرق أيضًا بين من يشرع للناس القوانين الطاغوتية فيحل ما حرم الله، ويبدل شرع الله وفق هواه فهذا لايشترط في كفره الإستحلال كما سبق في القسم الثاني، وبين من لم يشرع من الأتباع فهذا يشترط في تكفيره أن يظهر الرضا بهذه القوانين أو يستحل التحاكم إليها، أو يمتنع من التحاكم إلى الشرع مقدمًا هذه القوانين على حكم الله. فمن صور التحاكم إلى الشرع المبدل المنقلة من الملة ما قاله محمد حامد الفقي رحمه الله: "من اتّخذ من كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدّماء والفروج والأموال ويقدّمها على ما علم، وتبيّن له من كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فهو بلا شكّ كافر مرتدّ إذا أصرّ عليها، ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله ولا ينفعه أيّ اسم تسمّى به ولا أيّ عمل من ظواهر أعمال الصّلاة والصيّام والحجّ ونحوها". (1) قلت هنا قيدان، أحدهما أن يتبين حكم الله في المسألة، الثاني تقديم القوانين الجاهلية على حكم الله، فمن فعل هذا لا شك في كفره بإجماع العلماء كما سيأتي بإذن الله. والعمده في هذا الباب آيات سورة النساء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 60-65]. يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله: "ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في «سورة النساء» بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب ; وذلك في قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء: 60]. وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم". (2) وقال رحمه الله: "وقد عجب نبيه صلى الله عليه وسلم بعد قوله: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ} من الذين يدعون الإيمان مع أنهم يريدون المحاكمة إلى من لم يتصف بصفات من له الحكم، المعبر عنه في الآية بالطاغوت، وكل تحاكم إلى غير شرع الله فهو تحاكم إلى الطاغوت، وذلك في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء: 60] فالكفر بالطاغوت الذي صرح الله بأنه أمرهم به في هذه الآية، شرط في الإيمان كما بينه تعالى في قوله {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ} [البقره: 256]. فيفهم منه أن من لم يكفر بالطاغوت لم يتمسك بالعروة الوثقى، ومن لم يستمسك بها فهو مترد مع الهالكين" ثم قال "وعلى كل حال فلا شك أن كل من أطاع غير الله في تشريع مخالف لما شرعه الله - فقد أشرك به مع الله". (3) وقال ابن كثير رحمه الله: "{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} وهذا أمر من الله عز وجل، بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشُّورَى:10] فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولهذا قال تعالى {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} أي: ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} فدل على أن من لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر". (4) وقال الشيخ السعدي رحمه الله: "ثم أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى رسوله أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما أو عمومهما؛ أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه، لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما. فالرد إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت، كما ذكر في الآية بعدها". (5) يقول ابن القيم رحمه الله: "أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه فإذا انتفى هذا الرد انتفى الإيمان ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم وأن عاقبته أحسن عاقبة ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه". (6) وقال الشيخ سليمان بن عبد الوهاب رحمه الله: " فكل ما تحاكم إليه متنازعان غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو طاغوت إذ قد تعدى به حده". ثم قال: "وقوله تعالى: {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} أي بالطاغوت وهو دليل على أن التحاكم إلى الطاغوت مناف للإيمان مضاد له، فلا يصح الإيمان إلا بالكفر به، وترك التحاكم إليه فمن لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن بالله. وقوله: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} أي: لأن إرادة التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من طاعة الشيطان، وهو إنما يدعو أحزابه ليكونوا من أصحاب السعير. وفي الآية دليل على أن ترك التحاكم إلى الطاغوت، الذي هو ما سوى الكتاب والسنة من الفرائض وأن التحاكم إليه غير مؤمن بل ولا مسلم. وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} أي: إذا دُعوا إلى التحاكم إلى ما أنزل الله وإلى الرسول أعرضوا إعراضًا مستكبرين كما قال تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} قال ابن القيم: هذا دليل على أن من دعي إلى تحكيم الكتاب والسنة، فلم يقبل، وأبى ذلك أنه من المنافقين. ويصدون هنا لازم لا متعد، وهو بمعنى يعرضون، لا بمعنى يمنعون غيرهم، ولهذا أتى مصدره على صدوداً، ومصدر المتعدي صدًّا. فإذا كان المعرض عن ذلك قد حكم الله سبحانه بنفاقهم، فكيف بمن ازداد إلى إعراضه منع الناس من تحكيم الكتاب والسنة، والتحاكم إليهما بقوله وعمله وتصانيفه؟! ثم يزعم مع ذلك أنه إنما أراد الإحسان والتوفيق؛ الإحسان في فعله ذلك، والتوفيق بين الطاغوت الذي حكمه، وبين الكتاب والسنة. قلت: وهذا حال كثير ممن يدعي العلم والإيمان في هذه الأزمان، إذا قيل لهم: تعالوا نتحاكم إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيتهم يصدون وهم مستكبرون، ويعتذرون أنهم لا يعرفون ذلك، ولا يعقلون، بل لعنهم الله بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون". (7) وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: "وقد قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} الآيات إلى قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} قال الشعبي: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، عرف أنه لا يأخذ الرشوة، ولا يميل في الحكم. وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود، لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، ويميلون في الحكم. ثم اتفقا على أنهما يأتيان كاهنا في جهينة، فيتحاكمان إليه، فنَزلت {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ}. وقيل نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف; ثم بعد ذلك ترافعا إلى عمر بن الخطاب، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذلك؟ قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله، فنزلت الآية. وهكذا ينبغي أن يفعل بالمتحاكمين إلى الطواغيت؛ فإذا كان هذا الخليفة الراشد، قد قتل هذا الرجل، بمجرد طلبه التحاكم إلى الطاغوت، فمن هذا عادته التي هو عليها، ولا يرضى لنفسه وأمثاله سواها، أحق وأولى أن يقتل، لردته عن الإسلام، وعموم فساده في الأرض". (8) قال الجصاص رحمه الله: "وفي هذه الآية دلالة على أن من رد شيئا من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم". (9) وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "الحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه الله ورسوله ؛ وليس لأحد أن يخرج عن شيء مما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الشرع الذي يجب على ولاة الأمر إلزام الناس به ويجب على المجاهدين الجهاد عليه ويجب على كل واحد اتباعه ونصره. ولا يجب على عالم من علماء المسلمين أن يقلد حاكما لا في قليل ولا في كثير إذا كان قد عرف ما أمر الله به ورسوله، بل لا يجب على آحاد العامة تقليد الحاكم في شيء، بل له أن يستفتي من يجوز له استفتاؤه وإن لم يكن حاكما ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدا كافرا يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة". (10) يقول الشيخ الشنقيطي في تفسير قوله تعالى: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [ الكهف: 26]: "ويفهم من هذه الآيات كقوله: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله، وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر". (11) وقال رحمه الله: " وقد دل القرآن في آيات كثيرة على أنه لا حكم لغير الله، وأن اتباع تشريع غيره كفر به". (12) وقال أيضًا: "ومن هدي القرآن للتي هي أقوم بيانه أنه كل من اتبع تشريعا غير التشريع الذي جاء به سيد ولد آدم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، فاتباعه لذلك التشريع المخالف كفر بواح، مخرج عن الملة الإسلامية". (13) وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: "من الشرك بالربوبية أن يتخذ الإنسان أندادا يشرعون تشريعات تخالف شرع الله، فيوافقهم فيها مع علمه بمخالفتها للشريعة، ولهذا ترجم الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله - ترجم على ذلك في كتاب التوحيد بقوله: (باب من أطاع العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله فقد اتخذهم أربابا) فإذا وجد قوم يتبعون القوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية مع علمهم بمخالفتها للشريعة فإننا نقول: هؤلاء قوم مشركون لأنهم اتخذوا حاكما يحكم بين الخلق غير الله -عز وجل- ومن المعلوم أن الحكم بين الخلق من مقتضيات الربوبية فقد اتخذوهم أربابا من دون الله". (14) وقد نقل ابن كثير رحمه الله الإجماع على ذلك فقال بعد أن ذكر بعض أحكام الياسق: "وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى " الياساق " وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين. قال الله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة: 50] وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65]" فعلى الخلق الخضوع والرضوخ لحكم من خلقهم تعالى ليعبدوه، فكما لا يسجد الخلق إلا لله، ولا يعبدون إلا إياه، ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب أن لا يرضخوا، ولا يخضعوا، أو ينقادوا، إلا لحكم الحكيم، العليم الحميد، الرؤوف الرحيم، دون حكم المخلوق الظلوم الجهول، الذي أهلكته الشكوك والشهوات والشبهات، واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة، والظلمات. فيجب على العقلاء أن يربؤوا بنفوسهم عنه، لما فيه من الاستعباد لهم، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض، والأغلاط والأخطاء، فضلا عن كونه كفرا بنص قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]. انتهى بفضل الله المطلب الأول بأقسامه الثلاث، وبإذن الله يتبع بالمطلب الثاني "حالات الكفر الأصغر". ــــــــــ (1) فتح المجيد شرح كتاب التّوحيد، طبعة أنصار السنة المحمدية، (هامش ص 396 ). (2) أضواء البيان (259/3). (3) انظر المصدر السابق (49/7-56). (4) تفسير ابن كثير ( 345/2). (5) تفسير السعدي (183/1). (6) إعلام الموقعين (50/1). (7) انظر تيسير العزيز الحميد (ص481). (8) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (506/10-507). (9) أحكام القرآن، للجصاص (181/3). (10) مجموع الفتاوى (372/35). (11) أضواء البيان (259/3). (12) المصدر السابق (48/7). (13) المصدر السابق (40/3). (14) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (285/7). (15) البدايه والنهايه (163/17).
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1). قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28). |
#12
|
|||
|
|||
المطلب الثاني: الكفر الأصغر
كما سبق أن ليس كل حكم بغير ما أنزل الله مخرج من الملة، وبعد الإنتهاء من المطلب الأول في حالات الحكم المنقلة من الملة يبقى المطلب الثاني وهو حالات الكفر الأصغر وهو قسمين، أحدهما يتعلق بالراعي، والأخر بالرعية. أما القسم الأول كون الحاكم الذي حكم بغير ما أنزل الله كفره من قبيل الكفر الأصغر: وهذا إن لم يجحد شرع الله ولم يستبدله بغيره، ولم ينازع الله في ربوبيته فشرع شرعًا أخر ألزم به الناس، بل أقر بشرع الله وحكم به بين الناس وألزم به الرعيه، لكن حكم في قضيه معينه بغير ما أنزل الله إما لشهوة أو رشوة، فهذا لم يكفر بفعله هذا إنما ارتكب كبيره من كبائر الذنوب، لكن لا يخرج من المله. يقول الشيخ العثيمين رحمه الله في حالات الحكم بغير ما أنزل الله الغير منقله من المله: "أن يستبدل بحكم الله تعالى حكمًا مخالفًا له في قضية معينة دون أن يجعل ذلك قانونًا يجب التحاكم إليه فله ثلاث حالات: الأولى: أن يفعل ذلك عالمًا بحكم الله تعالى معتقدًا أن ما خالفه أولى منه وأنفع للعباد، أو أنه مساو له، أو أن العدول عن حكم الله إليه جائز فهذا كافر كفرًا مخرجًا عن الملة لما سبق في القسم الأول. الثانية: أن يفعل ذلك عالمًا بحكم الله معتقدًا أنه أولى وأنفع لكن خالفه بقصد الإضرار بالمحكوم عليه أو نفع المحكوم له، فهذا ظالم وليس بكافر وعليه يتنزل قول الله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. الثالثة: أن يكون كذلك لكن خالفه لهوى في نفسه أو مصلحة تعود إليه فهذا فاسق وليس بكافر وعليه يتنزل قول الله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}". (1) القسم الثاني كون من اتبع الحكم المخالف لما انزل الله كفره كفر أصغر: إن كان من غير رضا به أو تقديما له على حكم الله ورسوله. قال العثيمين رحمه الله: "اتباع العلماء أو الأمراء في تحليل ما حرم الله أو العكس ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يتابعهم في ذلك راضيًا بقولهم مقدمًا له ساخطًا لحكم الله، فهو كافر لأنه كره ما أنزل الله، وكراهة ما أنزل الله كفر لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} ولا تحبط الأعمال إلا بالكفر فكل من كره ما أنزل الله فهو كافر. القسم الثاني: أن يتابعهم في ذلك راضيًا بحكم الله، وعالمًا بأنه أمثل وأصلح للعباد والبلاد، ولكن لهوى في نفسه تابعهم في ذلك فهذا لا يكفر ولكنه فاسق. فإن قيل: لماذا لا يكفر؟ أجيب: بأنه لم يرفض حكم الله، ولكنه رضي به وخالفه لهوى في نفسه فهو كسائر أهل المعاصي. القسم الثالث: أن يتابعهم جاهلًا يظن أن ذلك حكم الله فينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يمكنه معرفة الحق بنفسه فهو مفرط أو مقصر فهو آثم؛ لأن الله أمر بسؤال أهل العلم عند عدم العلم. القسم الثاني: أن يكون جاهلًا ولا يمكنه معرفة الحق بنفسه فيتابعهم بفرض التقليد يظن أن هذا هو الحق فلا شيء عليه؛ لأنه فعل ما أمر به وكان معذورًا بذلك، ولذلك ورد عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أن من أفتى بغير علم فإنما إثمه على من أفتاه» ولو قلنا بإثمه بخطأ غيره، للزم من ذلك الحرج والمشقة ولم يثق الناس بأحد لاحتمال خطأه". (2) وعلى هذا يتيبن أنه لابد لكي يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرًا أصغر بالنسبة للحاكم القيود التالية: 1- أن يحلو من كفر الإعتقاد السابق تفصيله. 2-أن تكون السيادة للشريعه الإسلامية، وأصل التحاكم مبنيًا على الكتاب والسنة. 3- أن تكون في حوادث الأعيان لا في الأمور العامة التي تفرض على جميع الناس بحيث تصبح قانونًا عامًا. ولكي يكون التحاكم لغير الكتاب والسنة كفرًا أصغر لابد من القيد التالي: أن يقر المعرض بأن حكم الله هو الحكم الحق، ولا حكم أفضل من حكمه ولا يعدله، وأنه لا يجوز التحاكم إلى غيره، ومن ثم فهو بتركه حكم الله مقر بأنه آثم مرتكب لمعصية يستحق العقاب. إذ لو اعتقد أن حكمه جائز وأنه غير عاص فيه لم يكن كفره كفرًا أصغر. وأكتفي بهذا ففيه الكفاية بإذن الله. يبقى مبحث الشبهات، ونبدأ - بإذن الله - بشبهة قول ابن عباس "كفر دون كفر" وقصة أبي مجلز مع الإباضية وتعميمها في كل حالات الحكم بغير ما أنزل الله. ــــــــــ (1) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (146/2). (2) المصدر السابق (197/2-198).
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1). قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28). |
#13
|
|||
|
|||
المبحث الرابع شبهات وردود الشبهه الأولى قول ابن عباس "كفر دون كفر" وقصه أبي مجلز مع الخوارج: يحتج المنافحين عن الطواغيت وحكمهم الوثني أن الحاكم بغير ما أنزل الله لا يكفر مطلقًا إلا إذا استحل بما ورد عن ابن عباس في قوله تعالى {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} أنه كفر لا يخرج من الملة، كذلك بأثرين رواهما الطبري في التفسير (1): أحدهما: قال حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: ثنا المعتمر بن سليمان , قال: سمعت عمران بن حدير , قال: أتى أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس , فقالوا: يا أبا مجلز , أرأيت قول الله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] أحق هو؟ قال: نعم. قالوا: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] أحق هو؟ قال: نعم. قالوا: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] أحق هو؟ قال: نعم. قال: فقالوا: يا أبا مجلز , فيحكم هؤلاء بما أنزل الله؟ قال: هو دينهم الذي يدينون به , وبه يقولون , وإليه يدعون , فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبا. فقالوا: لا والله , ولكنك تفرق. قال: أنتم أولى بهذا مني لا أرى وإنكم ترون هذا ولا تحرجون , ولكنها أنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك , أو نحوا من هذا" الثاني: قال وحدثني المثنى , قال: ثنا حجاج , قال: ثنا حماد , عن عمران بن حدير , قال: قعد إلى أبي مجلز نفر من الإباضية , قال: فقالوا له: يقول الله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] , { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } , {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} قال أبو مجلز: إنهم يعملون ما يعملون , يعني الأمراء , ويعلمون أنه ذنب. قال: وإنما أنزلت هذه الآية في اليهود والنصارى. قالوا: أما والله إنك لتعلم مثل ما نعلم , ولكنك تخشاهم. قال: أنتم أحق بذلك منا , أما نحن فلا نعرف ما تعرفون ولكنكم تعرفونه , ولكن يمنعكم أن تمضوا أمركم من خشيتهم " قالوا وهذا يدل على أن التكفير لغير المستحل هو رأي الخوارج. والجواب على هذا من وجوه: أحدها:الوقوف على ثبوت الأثر عن ابن عباس؛ فلا يصح أن نناقش دلاله روايه ما لم تثبت صحتها! فأقول وبالله تعالى التوفيق روي عن ابن عباس في تفسير هذه الآيه ثلاث روايات: أما الأولى أخرجها الطبري في تفسيره (2) عن المثنى، وابن أبي حاتم في تفسيره (3) عن أبيه، كلاهما عن أبي صالح قال ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] قال: " من جحد ما أنزل الله فقد كفر , ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق". قلت: تفرد به أبو صالح عن معاويه بن صالح عن علي بن أبي طلحه عن ابن عباس. أما أبو صالح: فهو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهنى أبو صالح المصرى كاتب الليث بن سعد. وثقه ابن معين وقال أبو زرعه صالح. (4) وقال عبد الله بن أحمد: سألت (يعني أباه) عن عبد الله بن صالح، كاتب الليث. فقال: كان أول أمره متماسكاً، ثم فسد بأخرة، وليس هو بشيء. (5) وقال عبد الله: سمعتُ أَبي ذكر كاتب الليث بن سعد، عبد الله بن صالح، فذمه وكرهه. (6) وقال زياد بن أيوب: نهاني أحمد بن حنبل أن أروي حديث عبد الله بن صالح. (7) و قال على ابن المدينى : ضربت على حديث عبد الله بن صالح و ما أروى عنه شيئا. (8) و قال أبو حفص بن شاهين : فى كتاب جدى ، عن ابن رشدين ـ يعنى أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد ـ ، قال : سمعت أحمد بن صالح ، يقول فى عبد الله بن صالح : متهم ليس بشىء ، و قال فيه قولا شديدا. (9) و قال النسائى : ليس بثقة. (10) و قال ابن حبان : منكر الحديث جدا يروي عن الأثبات مالا يشبه حديث الثقات وعنده المناكير الكثيرة عن أقوام مشاهير أئمة وكان في نفسه صدوقا. (11) أما معاويه بن صالح فمختلف فيه؛ (12) وثقه أحمد وابن معين وابن مهدي. وتركه موسى بن سلمه ويحيى بن سعيد وأبو اسحاق الفزاري. قال يعقوب بن شيبة السدوسى : قد حمل الناس عنه ، و منهم من يرى أنه وسط ليس بالثبت و لا بالضعيف ، و منهم من يضعفه وقال أبو حاتم : صالح الحديث ، حسن الحديث ، يكتب حديثه ، و لا يحتج به. علي ابن أبي طلحه: و اسمه سالم ، ابن المخارق الهاشمى. قال عنه الإمام أحمد: له أشياء منكرات، رجل من أهل حمص. (13) وهو ممن يكتب حديثه ولا يحتج به؛ غير أنه لم يسمع من ابن عباس شيئًا بل لم يره! قال أبو حاتم: سمعت دحيما يقول إن علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس التفسير. وقال: علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مرسل إنما يروي عن مجاهد والقاسم بن محمد وراشد بن سعد ومحمد بن زيد. (14) وقال عنه ابن معين: لم يسمع من ابْن عَبَّاس شَيْئا. (15) فالسند تالف والروايه مرسله! أما الروايه الثانيه فأخرجها سعيد بن منصور في التفسير (749) قال نا سفيان عن هشام بن حجير ، عن طاوس، عن ابن عباس في قوله عز وجل: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قال: "ليس بالكفر الذي تذهبون إليه". وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (6434)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاه (569)، والخلال في السنه (1419)، والحاكم في المستدرك (3219) ومن طريقه البيهقي في الكبرى (15854)، من طرق عن سفيان به. قلت: سفيان هو ابن عيينه كما جاء مصرحًا به في بعض الطرق. هشام بن حجير: قال عبد الله بن أحمد: سمعتُ أَبي يقول: هشام بن حجير، مكي، ضعيف الحديث. (16) وقال عبد الله سَأَلت يحيى - بن معين - عن هشام بن حُجَيْر فضعفه جدا. (17) وقال ابن المدينى قرأت على يحيى بن سعيد، نا ابن جريج عن هشام بن حجير حديثا، قال يحيى بن سعيد: خليق ان ادعه، قلت أضرب على حديثه، قال نعم. (18) ووثقه ابن حبان والعجلي. قلت: والجرح مقدم على التعديل لأنه زيادة علم، فكيف إن كان التوثيق من ابن حبان والعجلي وهم من التساهل بمكان، والتجريح من قبل جهابذة النقاد مثل أحمد والقطان وابن معين! فالروايه منكره من وجهين، أحدهما تفرد هشام بن حجير بها وحاله كما بينا؛ ثم مخالفته لإبن طاوس وهو إمام فقيه وهي الروايه الثالثه أخرجها عبد الرزاق في التفسير (20/2) ومن طريقه الخلال في السنه (1420)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (570)، وابن بطه في الإبانه (1009) عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: سئل ابن عباس عن قوله: " {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] قال "هي به كفر " قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله. واختلف على معمر فرواه سفيان عنه وجعل قول ابن طاوس وليس كمن كفر بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، من قول ابن عباس أخرجه الطبري في التفسير (8/465)، والخلال في السنه (1414)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاه (572)، والطبراني في مشكل الأثار (2/318) من طرق عن سفيان عن معمر , عن ابن طاوس , عن أبيه , قال: قال رجل لابن عباس في هذه الآيات: {ومن لم يحكم بما أنزل الله} [المائدة: 44] فمن فعل هذا فقد كفر؟ قال ابن عباس: "إذا فعل ذلك فهو به كفر , وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وبكذا وكذا " قلت: اذا اختلف أصحاب معمر فالقول لعبد الرزاق؛ روى ابن شاهين عن محمد بن سهل بن عسكر قال سمعت أحمد بن حنبل يقول إذا اختلف أصحاب معمر في حديث معمر فالحديث حديث عبد الرازاق. (19) كذلك روى ابن عساكر عن حنبل بن إسحاق قال سمعت أحمد بن حنبل يقول إذا اختلف اصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق. (20) وقال ابن رجب رحمه الله: "معمر بن راشد حديثه بالبصرة فيه اضطراب كثير، وحديثه باليمن جيد. قال أحمد في رواية الأثرم: حديث عبد الرزاق عن معمر أحب إليَّ من حديث هؤلاء البصريين، كان يتعاهد كتبه وينظر، يعني باليمن، وكان يحدثهم بخطأ بالبصرة. وقال يعقوب بن شيبة: سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب؛ لأنَّ كتبه لم تكن معه". (21) فقول "وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وبكذا وكذا " من قول ابن طاوس، كما صرح بذلك عبد الرزاق. الخلاصة أنه لم يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما إلا قوله "هي به كفر". واللفظ مطلق وليس فيه أنه غير مخرج من الملة! الثاني: إن سلمنا بثبوت قول ابن طاوس عن ابن عباس وجمعنا معه قصه أبي مجلز، فليس لأهل الإرجاء فيه حجة، يقول العلامة أحمد شاكر رحمه الله: "وهذه الأثار - عن ابن عباس وغيره - مما يتلاعب به المضللون في عصرنا هذا من المنتسبين للعلم، ومن غيرهم من الجرآة على الدين يجعلونها عذرًا أو إباحية للقوانين الوثنية الموضوعة التي ضربت على بلاد الإسلام. وهناك أثر عن أبي مجلز في جدال الإباضية الخوارج إياه، فيما كان يصنع بعض الأمراء من الجور، فيحكمون في بعض قضائهم بما يخالف الشريعة، عمدًا إلى الهوى، أو جهلا بالحكم. والخوارج من مذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافرة، فهم يجادلون يريدون من أبي مجلز أن يوافقهم على ما يرون من كفر هؤلاء الأمراء، ليكون ذلك عذرًا لهم فيما يرون من الخروج عليهم بالسيف. وهذان الأثران رواهما الطبري (12025، 12026) وكتب عليهما أخي الشيخ محمود شاكر تعليقًا نفيسًا جدًا، قويًا صريحًا" فذكر الروايتين رحمه الله ثم قال: "فكتب أخي السيد محمود بمناسبه هذين الأثرين ما نصه: اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة، وبعد، فإن أهل الريب والفتن ممن تصدروا للكلام في زماننا هذا، قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله، وفي القضاء في الدماء، والأعراض، والأموال، بغير شريعة الله التي أنزلها في كتابه، وفي اتخاذهم قانون الكفر شريعة في بلاد الإسلام، فلما وقف على هذين الخبرين اتخذهما رأيًا يرى به صواب القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير ما أنزل الله، وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام لا تكفر الراضي بها والعامل بها. والناظر في هذين الخيرين لا محيص له من معرفة السائل والمسؤل، فأبو مجلز (لاحق بن حميد الشيباني السدوسي) تابعي ثقة، وكان يحب عليًا رضي الله عنه، وكان قوم أبي مجلز وهم بنو شيبان، من شيعة علي يوم الجمل وصفين، فلما كان أمر الحكمين يوم صفين، واعتزلت الخوارج، كان فيمن خرج على علي رضي الله عنه، طائفة من بني شيبان، ومن بني سدوس بن شيبان بن ذهل، وهؤلاء الذين سألوا أبا مجلز، ناس من بني عمرو بن سدوس (كما في الأثر: 12025)، وهم نفر من الإباضية (كما في الأثر 12026)، والإباضية من جماعة الخوارج الحرورية، وهم أصحاب عبد الله بن إباض التميمي، وهم يقولون بمقالة سائر الخوارج في التحكيم، وفي تكفير علي رضي الله عنه إذ حكم الحكمين، وأن علياً لم يحكم بما أنزل الله في أمر التحكيم، ثم إن عبد الله بن إباض قال: إن من خالف الخوارج كافر ليس بمشرك، فخالف أصحابه، وأقام الخوارج على أن أحكام المشركين تجري على من خالفهم. ثم افترقت الإباضية بعد عبد الله بن إباض الإمام افتراقاً لا ندري معه –في أمر هذين الخبرين- من أي الفرق كان هؤلاء السائلون، بيد أن الإباضية كلها تقول: إن دور مخالفيهم دور توحيد، إلا معسكر السلطان فإنه دور كفر عندهم، ثم قالوا أيضاً: إن جميع ما افترض الله سبحانه وتعالى على خلقه إيمان، وأن كل كبيرة فهي كفر نعمة، لا كفر شرك، وأن مرتكبي الكبائر في النار خالدون مخلدون أبداً. ومن البين أن الذين سألوا أبا مجلز من الإباضية، إنما كانوا يريدون أن يلزموه في تكفير الأمراء لأنهم في معسكر السلطان ولأنهم ربما عصوا أو ارتكبوا بعض ما نهاهم الله عن ارتكابه. ولذلك قال لهم في الخبر الأول (رقم: 12025): (فإن هم تركوا شيئاً منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنباً) وقال لهم في الخبر الثاني: (إنهم يعملون بما يعملون ويعلمون أنه ذنب). وإذن، فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه. والذي نحن فيه اليوم، هو هجر لأحكام الله عامة بلا استثناء، وإيثار أحكام غير حكمه في كتابه وسنة نبيه، وتعطيل لكل ما في شريعة الله بل بلغ الأمر مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع، على أحكام الله المنزلة، وادعاء المحتجين لذلك بأن أحكام الشريعة إنما نزلت لزمان غير زماننا، ولعلل وأسباب انقضت، فسقطت الأحكام كلها بانقضائها، فأين هذا مما بيناه من حديث أبي مجلز والنفر من الإباضية من بني عمرو بن سدوس!!. ولو كان الأمر على ما ظنوا في خبر أبي مجلز، أنهم أرادوا مخالفة السلطان في حكم من أحكام الشريعة، فإنه لم يحدث في تاريخ الإسلام أن سن حاكم حكما وجعله شريعة، ملزمة للقضاء بها، هذه واحدة، وأخرى: أن الحاكم الذي حكم في قضية بعينها بغير حكم الله فيها، فإنه إما أن يكون حكم بها وهو جاهل، فهذا أمره أمر الجاهل بالشريعة. وإما إن يكون حكم بها هوى ومعصية، فهذا ذنب تناله التوبة، وتلحقه المغفرة، وإما أن يكون حكم به متأولاً حكما خالف به سائر العلماء، فهذا حكمه حكم كل متأول يستمد تأويله من الإقرار بنص الكتاب وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أن يكون كان في زمن أبي مجلز أو قبله أو بعده حاكم حكم بقضاء في أمر، جاحداً لحكم من أحكام الشريعة، أو مؤثرًا لأحكام أهل الكفر على أحكام أهل الإسلام، فلذلك لم يكن قط، فلا يمكن صرف كلام أبي مجلز والإباضيين إليه. فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في غير بابها، وصرفها إلى غير معناها، رغبة في نصرة سلطان، أو احتيالاً على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله وفرض على عباده، فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله: أن يستتاب، فإن أصر وكابر وجحد حكم الله، ورضي بتبديل الأحكام، فحكم الكافر المصر على كفره معروف لأهل هذا الدين. وكتبه محمود محمد شاكر". (22) وما قيل في قصة أبي مجلز والإباضية يقال أيضًا فيما روي عن ابن عباس، بل هو أولى لأن الخوارج في عهده كفروا فضلاء الصحابة ومنهم عثمان وعلي رضوان الله عليهم. الثالث: أنه لم يكن في زمن ابن عباس من يظن مجرد ظن أنه يمكن أن يأتي من يحكم المسلمين بغير شريعه الله، ويسن لهم قوانين وثنية تخالف الكتاب والسنه؛ ويبدل أحكام الله ويعدل عليها ثم يلزمهم بها ويعاقب من يخرج عنها، ثم يشك أحد في كفره! فلما كان الأمر كذلك وجاء الخوارج وضلوا في فهمهم وأرادوا إلزام الناس بهذا الفهم الضال بين لهم ابن عباس رضي الله عنهما أن ليست الآيه فيما ذهبوا إليه؛ فتأمل. الرابع: ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه عد الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر مخرج من الملة رواه أبو يعلى في المسند (5266) قال حدثني محمد، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا فطر بن خليفة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق قال: كنت جالسا عند عبد الله، فقال له رجل: ما السحت؟ قال: الرشا، فقال: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر، ثم قرأ: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]. قلت وهذا اسناد صحيح رجاله رجال الشيخين عدا فطر بن خليفة من رجال البخاري وهو حسن الحديث، وإن كان ابن أبي الجعد لا يعرف برواية عن مسروق لكن سماعه منه محتمل، فكلاهما كوفي، ومسروق توفي سنة اثنتين أو ثلاث وستين للهجرة، وأما سالم ذُكر أن وفاته سنة تسع وتسعين، أو مائة، أو إحدى ومائة، غير أنه لم ينفرد به فتابعه سلمة بن كهيل، أخرجه الطبري (8/467) قال حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال: ثنا هشيم , قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليم , عن سلمة بن كهيل , عن علقمة , ومسروق: أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة , فقال: من السحت. قال: فقالا: أفي الحكم؟ قال: ذاك الكفر. ثم تلا هذه الآية: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] " وللأثر طرق وشواهد أخرى لا يسع المقام لذكرها. وأكتفي بهذا إذ حجة مطية الطواغيت لا ترتقي لمقام الشبهه {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} ـــــــــــ (1) انظر الأثرين في تفسير الطبري (8/457). (2) تفسير الطبري (468/8). (3) تفسير ابن أبي حاتم (1142/4). (4) تاريخ بغداد (155/11). (5) (العلل 212/3، 4919). (6) (العلل 242/3، 5067). (7) المجروحين، لابن حبان (41/2). (8) (9) (10) تاريخ بغداد (155/11). (11) المجروحين لابن حبان (40/2). (12) انظر ترجمته في التهذيب (186/28، 6058). (13) سؤلات الميموني (374). (14) المراسي،ل لابن أبي حاتم (140). (15) من كلام الإمام أبي زكريا يحي بن معين في الرجال، روايه ابن طهمان (ص 85). (16) (العلل 401/1، 818). (17) المصدر السابق (30/3، 4024). (18) الجرح والتعديل (54/9). (19) الثقات، لابن شاهين (180) . (20) تاريخ دمشق (169/36). (21) شرح علل الترمذي (766/2). (22) هامش عمدة التفسير (684/1-685).
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1). قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28). |
#14
|
|||
|
|||
الخبر صحيح عن ابن عباس ، ولك أن تراجع الرابط التالي:
http://dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=153758
__________________
قال أبو قلابة: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال. رواه ابن سعد في الطبقات.
|
#15
|
|||
|
|||
ألا ترى أن الشيخ محمود شاكر يرى صحة أثر ابن عباس ؟
قال الشيخ ((فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في غير بابها، وصرفها إلى غير معناها، رغبة في نصرة سلطان، أو احتيالاً على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله وفرض على عباده، فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله: أن يستتاب، فإن أصر وكابر وجحد حكم الله، ورضي بتبديل الأحكام، فحكم الكافر المصر على كفره معروف لأهل هذا الدين.)) إذن فهو يرى صحة الأثرين، لكنه يخالف من أراد استخدامهما في غير محلهما. ونسأل الأغرار في علم الحديث، والمدعين الانتساب للسلف وأهل الأثر، من سبقكم من أهل العلم في تضعيف أثر ابن عباس ؟ السؤال للشيخ أبو زرعة في منتدى الدفاع عن السنة.
__________________
قال أبو قلابة: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال. رواه ابن سعد في الطبقات.
|
#16
|
|||
|
|||
ينقل للقسم المناسب.
__________________
قال أبو قلابة: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال. رواه ابن سعد في الطبقات.
|
#17
|
|||
|
|||
لا حول ولا قوة إلا بالله!
أصبحت من الخوارج والتكفيرين!
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1). قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28). |
#18
|
|||
|
|||
اقتباس:
الاستاذ أبو سفيان قلت أن من نطق بالشهادتين مسلم , مالم يأتى بناقض واضح صريح . ممكن توضيح . يعنى حضرتك تقصد ان من قال لا اله الا الله ولم يعرف معناها مسلم؟؟!! اى من نطقها فقط ؟؟!! وسأوضح سؤالى اكثر , هل من قال لا إله إلا الله ولم يكفر بالطاغوت يصبح مسلما ؟؟؟؟؟؟؟!!!
__________________
بسم الله الرحمن الرحيم ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) |
#19
|
|||
|
|||
الإسلام الحكمي يثبت بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فمن قالها على وجه الإلتزام والإنقياد ثبت إسلامه.
ثم إن أتى بناقض صريح واضح لا يحتمل التأويل حكم بردته؛ كأن يترك الصلاة عمدًا من غير عذر، كذلك إن لم يكفر بالطاغوت، أو دعا غير الله وأعان الكفار على قتل المسلمين، وغيرها من النواقض. ولا يشترط أن يعرف معناهاعلى سبيل التأصيل المكتوب في كتب أهل العلم، يقول الشيخ حافظ حكمي في معارج القبول عند قوله : وَبِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ قَدْ قُيِّدَتْ ... وَفِي نُصُوصِ الْوَحْيِ حَقًّا وَرَدَتْ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ قَائِلُهَا ... بِالنُّطْقِ إِلَّا حَيْثُ يَسْتَكْمِلُهَا قال "ومعنى استكمالها اجتماعها في العبد والتزامه إياها بدون مناقضة منه لشيء منها، وليس المراد من ذلك عد ألفاظها وحفظها فكم من عامي اجتمعت فيه والتزمها ولو قيل له: أعددها لم يحسن ذلك، وكم حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم وتراه يقع كثيرا فيما يناقضها، والتوفيق بيد الله، والله المستعان". (418/2) فمن قال الشهادتين عصم دمه وماله ما لم يأت بناقض صريح واضح.
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1). قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28). |
#20
|
|||
|
|||
الشبهه الثانية "ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله" قالوا من أصول أهل السنة أنهم لا يكفرون أحد بذنب ما لم يستحل؛ ويحتجون لذلك بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله لا تكفره بذنب، ولا تخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل والإيمان بالأقدار" وبقول الطحاوي "ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله" والحاكم بغير ما أنزل الله داخل في هذا العموم فلا يكفر إلا أن يستحل، والإستحلال عمل قلبي، فجعلوا مناط التكفير هو إعتقاد القلب! وهذا باطل من وجوه: أحدها: أن الاستحلال كما أنه يكون بالاعتقاد دون العمل تارة، وبالاعتقاد مع العمل تارة أخرى، فإنه يكون أيضاً كذلك عملاً مجرداً، ومن هذا الباب تفريق أهل العلم بين الزاني بمحرم من محارمه والعياذ بالله، وبين من تزوج من محارمه فعقد عليها عقد نكاح، حيث ذكروا في ذلك ما رواه أحمد وغيره عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال: لقيت خالي ومعه الراية، فقلت: أين تريد؟ قال:" بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده، أن أضرب عنقه، أو أقتله، وآخذ ماله " (1). يقول ابن جرير رحمه الله: "والأخبار التي ذكرتها آنفا عن البراء بن عازب وغيره، واردة عنهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بضرب عنق الذي عرس بزوجة أبيه، وذلك غير الرجم. قيل: إن الذي أمر عليه السلام بضرب عنقه، لم يكن أمرا بضرب عنقه على إتيانه زوجة أبيه فقط دون معنى غيره، وإنما كان لإتيانه إياها بعقد نكاح كان بينه وبينها وذلك مبين في الأخبار التي ذكرتها قبل، وذلك قول الرسول الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الذي فعل ذلك للبراء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إلى رجل تزوج امرأة أبيه لأضرب عنقه ولم يقل: إنه أرسلني إلى رجل زنى بامرأة أبيه لأضرب عنقه وكان الذي عرس بزوجة أبيه، متخطيا بفعله حرمتين، وجامعا بين كبيرتين من معاصي الله إحداهما: عقد نكاح على من حرم الله عقد النكاح عليه بنص تنزيله بقوله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} [النساء: 22] والثانية: إتيانه فرجا محرما عليه إتيانه وأعظم من ذلك تقدمه على ذلك بمشهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعلانه عقد النكاح على من حرم الله عليه عقده عليه بنص كتابه الذي لا شبهة في تحريمها عليه، وهو حاضره. فكان فعله ذلك من أدل الدليل على تكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أتاه به عن الله تعالى ذكره، وجحوده آية محكمة في تنزيله فكان بذلك من فعله كذلك، عن الإسلام إن كان قد كان للإسلام مظهرا مرتدا، أو إن كان من الكفار الذين لهم عهد، كان بذلك من فعله وإظهاره ما ليس له إظهاره في أرض الإسلام للعهد ناقضا، وكان بذلك من فعله، حكمه القتل وضرب العنق. فلذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله وضرب عنقه إن شاء الله، لأن ذلك كان سنته في المرتد عن الإسلام، والناقض عهده من أهل العهد". (2) وقال الطحاوي رحمه الله: "فلما لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرسول بالرجم , وإنما أمره بالقتل ثبت بذلك أن ذلك القتل ليس بحد للزنا, ولكنه لمعنى خلاف ذلك. وهو أن ذلك المتزوج , فعل ما فعل من ذلك على الاستحلال كما كانوا يفعلون في الجاهلية فصار بذلك مرتدا , فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل به ما يفعل بالمرتد. وهكذا كان أبو حنيفة وسفيان رحمهما الله , يقولان في هذا المتزوج إذا كان أتى في ذلك على الاستحلال أنه يقتل. فإذا كان ليس في هذا الحديث ما ينفي ما يقول أبو حنيفة وسفيان , لم يكن فيه حجة عليهما لأن مخالفهما ليس بالتأويل أولى منهما. وفي ذلك الحديث «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لأبي بردة الراية» ولم تكن الرايات تعقد إلا لمن أمر بالمحاربة , والمبعوث على إقامة حد الزنا , غير مأمور بالمحاربة. وفي الحديث أيضا أنه بعثه إلى رجل تزوج امرأة أبيه وليس فيه أنه دخل بها. فإذا كانت هذه العقوبة وهي القتل مقصودا بها إلى المتزوج لتزوجه دل ذلك أنها عقوبة وجبت بنفس العقد لا بالدخول ولا يكون ذلك إلا والعاقد مستحل لذلك". (3) وقال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجة: "قوله: (تزوج امرأة أبيه) أي: نكحها على قواعد الجاهلية، فإنهم كانوا يتزوجون بأزواج آبائهم يعدون ذلك من باب الإرث؛ ولذلك ذكر الله - تعالى - النهي عن ذلك بخصوصه بقوله {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم} [النساء: 22] مبالغة في الزجر عن ذلك فالرجل سلك مسلكهم في عد ذلك حلالا فصار مرتدا فقتل لذلك، وهذا تأويل الحديث من يقول بظاهره". (4) قال ابن حجر رحمه الله: "وقد قال بظاهره أحمد وحمله الجمهور على من استحل ذلك بعد العلم بتحريمه بقرينة الأمر بأخذ ماله وقسمته". (5) وقال القاري "ذهب أكثر أهل العلم إلى أن المتزوج كان مستحلا له على ما يعتقده أهل الجاهلية فصار بذلك مرتدا محاربا لله ولرسوله ; فلذلك أمر بقتله وأخذ ماله وكان ذلك الرجل يعتقد حل هذا النكاح". (6) وقال الشوكاني رحمه الله " والحديث فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يأمر بقتل من خالف قطعيا من قطعيات الشريعة كهذه المسألة، فإن الله تعالى يقول: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} [النساء: 22] ولكنه لا بد من حمل الحديث على أن ذلك الرجل الذي أمر - صلى الله عليه وسلم - بقتله عالم بالتحريم وفعله مستحلا وذلك من موجبات الكفر، والمرتد يقتل". (7) وقال المنذري رحمه الله: "ولكنه لا بد من حمل الحديث على أن ذلك الرجل الذي أمر صلى الله عليه وسلم بقتله عالم بالتحريم وفعله مستحلا وذلك من موجبات الكفر والمرتد يقتل". (8) فصح أن الإستحلال يكون بالعمل المجرد إن أحاطته القرائن الدالة على ذلك. وهؤلاء الطواغيت الحاكمين بالقوانين الوثنية إن عددنا القرائن الدالة على استحلالهم الحكم بغير ما أنزل الله ما انتهينا ويكفي ما يكتبونه في دساتيرهم الكفرية أن السيادة للشعب، والشعب مصدر السلطات، وأن التشريع حق مجلس الأمة، وغيرها الكثير! وإن لم تكن هذه الكلمات من قرائن استحلالهم لحكمهم الوثني فهي كلمات مكفرة بذاتها تكفي لإخراج من أتى بها من الإسلام. الوجه الثاني: أن التعميم المفهوم من الحديث وكلام الطحاوي خطأ محض وقد بَيَّن ذلك كل من تصدر لشرح العقيدة الطحاوية أوعلق عليها ومنهم: 1- ابن أبي العز، قال: "امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنا لا نكفر أحدا بذنب، بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب". (9) 2- الشيخ الفوزان، قال: "وقوله: (لا نكفر بذنب) ليس على إطلاقه، فتارك الصلاة متعمداً يكفر، كما دل على ذلك الكتاب والسنة" وقال في موضع أخر "الذنب إذا لم يكن كفراً أو شركاً مخرجاً من الملة، فإننا لا نُكَفّر به المسلم". (10) 3- الشيخ عبد الرحمن البراك؛ قال: "عبارة المؤلف تقتضي أن أهل السنة لا يكفرون أحدا من أهل القبلة بأي ذنب، والذنوب نوعان: ذنوب من أنواع الردة؛ كالشرك وما في درجته، وهي أعظم الذنوب، وذنوب دون الشرك لا توجب الردة، وإذا أخذت عبارة المؤلف على إطلاقها فظاهرها أن كل من كان مسلما فإنه لا يكفر، بأي ذنب ارتكبه حتى ولو كان شركا، ولا ريب أن الطحاوي لم يقصد هذا، وإنما يقصد الذنوب التي دون الشرك. ولهذا قال الشارح ابن أبي العز: (امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول: بأنا لا نكفر أحدًا بذنب؛ بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب) فهذه هي العبارة الدقيقة، وتكون من سلب العموم، لا من عموم السلب؛ كعبارة الطحاوي ومضمون سلب العموم: أنا لا نكفر أحدًا من أهل القبلة بكل ذنب، إنما نكفره بالشرك وما في حكمه، ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بما دون ذلك". (11) 4- الشيخ صالح آل الشيخ، قال: " أُخِذَ على الطحاوي أنه قال (بِذَنْبٍ) وهذا يفيد أنه لا يُكَفِّرْ بأي ذنب. قال (وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ، مَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ) يعني أنَّ أي ذنب لا يُكَفَّرُ به حتى يستحله. وهذا ليس هو مُعْتَقَدْ أهل السنة والجماعة على هذا الإطلاق وإنما يُعَبِّرُونَ بتعبير آخر وهو مراد الطحاوي يقولون (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بمجرّد ذنب) كما يقوله طائفة من أئمة الدعوة، أو (لا نكفر أحداً من أهل القبلة بكلّ ذنب) كما يقوله أيضاً طائفة من العلماء المتقدّمين ومنهم شارح الطحاوية تبعاً لغيره". (12) فقول لا نكفر أحد بذنب ما لم يستحل من أصول الجهمية وليست من السنة في شيء! الوجه الثالث: أن الكفر ضد الإيمان، وإذ أن الإيمان شرعًا قول وعمل واعتقاد؛ فكذلك الكفر يكون بالقول أو العمل أو الإعتقاد، وهذا مما أجمع عليه أهل السنه خلافًا للمرجئه الذين حصروا الكفر في التكذيب، او الجحود بالقلب، أو الجحود بالقلب أو اللسان، على اختلاف فرقهم. يقول ابن حزم رحمه الله في تعريف الكفر شرعًا: "وهو في الدين صفة من جحد شيئا مما افترض الله تعالى الإيمان به بعد قيام الحجة عليه ببلوغ الحق إليه بقلبه دون لسانه أو بلسانه دون قلبه أو بهما معا أو عمل جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان". (13) وقال الإمام النووي رحمه الله في تعريف الرِّدَّة: "هي قطع الإسلام ، ويحصل ذلك تارةً بالقول الذي هو كفرٌ ، وتارةً بالفعل ، والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمُّد واستهزاءٍ بالدِّين صريحٌ ، كالسُّجود للصَّنم أو للشمس ، وإلقاء المصحف في القاذورات . والسِّحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها ، قال الإمام : في بعض التعاليق عن شيخي أَنَّ الفعل بمجرَّده لا يكون كفراً ، قال: وهذا زَلَل عظيم من المعلِّق ذكرته للتَّنبيه على غلَطِه ، وتحصل الرِّدَّة بالقول الذي هو كفرٌ، سواء صدر عن اعتقادٍ أو عِنادٍ أو استهزاء". (14) فالكفر يكون بالفعل أو القول أو الإعتقاد،ودليل ذلك من كتاب الله قوله تعالى في من استهزأ بدينه ورسوله {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} [التوبة: 65-66] يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} فاعترفوا واعتذروا ؛ ولهذا قيل: {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم ولكن لم يظنوه كفرا وكان كفرا كفروا به فإنهم لم يعتقدوا جوازه". (15) فحكم الله جل وعلا عليهم بالكفر بمجرد القول من غير استحلال، ومن غير قصد الكفر! وقال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34] قال إسحاق بن راهويه رحمه الله: "واجتمع أهل العلم على أن إبليس إنما ترك السجود لآدم عليه الصلاة والسلام لأنه كان في نفسه خيرا من آدم عليه السلام فاستكبر عن السجود لآدم فقال: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: 12] . فالنار أقوى من الطين فلم يشك إبليس في أن الله قد أمره ولا جحد السجود، فصار كافرا بتركه أمر الله تعالى واستنكافه أن يذل لآدم بالسجود له، ولم يكن تركه استنكافا عن الله تعالى ولا جحودا منه لأمره". (16) فكفر ابليس كان كفر اباء واستكبار ولم يكن جحود واستحلال. وعلى هذا كان السلف رحمهم الله، روى عبد الله بن أحمد في السنه عن معقل بن عبيد الله قال قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء فعرضه. قال: فنفر منه أصحابنا نفاراً شديداً …قال فجلست إلى نافع - بن عبد الله مولى ابن عمر - فقلت له … إِنَّهم يقولون : نحن نقرُّ بأَنَّ الصّلاة فريضةٌ ولا نصلي، وأَنَّ الخمر حرامٌ ونحن نشربها وأن نكاح الأمهات حرامٌ ونحن نفعل. قال: فنتر يده من يدي ثم قال "من فعل هذا فهو كافر". (17) وقال عبد الله بن أحمد حدَّثنا سويد بن سعيد الهرويّ قال: سألنا سفيان بن عيينة عن الإرجاء، فقال: "يقولون الإيمان قولٌ وعملٌ، والمرجئة أوجبوا الجنَّة لمن شهد أَنَّ لا إله إلا الله مصـرا بقلبه على ترك الفرائض وسمُّوا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم، وليس بسواء لأَنَّ ركوب المحارم من غير استحلالٍ معصية، وترك الفرائض متعمِّداً من غير جهل ولا عذر هو كفر". (18) قلت وهذا من كفر الإباء والإعراض عن كل ما أوجب الله ، والترك فعل وليس اعتقاد. وقال الإمام الحميدي رحمه الله "وأخبرت أن قوما يقولون: إن من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت أو يصلي مسند ظهره مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه إذا كان يقر الفروض واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر بالله الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفعل المسلمين، قال الله جل وعز: {حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]". قال حنبل: قال أبو عبد الله - أحمد بن حنبل - أو سمعته يقول: "من قال هذا فقد كفر بالله، ورد على الله أمره، وعلى الرسول ما جاء به". (19) وقال ابن حزم رحمه الله "الله تعالى قال {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ} [التوبة: 74] فنص تعالى على أن من الكلام ما هو كفر، وقال تعالى {إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} [النساء: 140] فنص تعالى أن من الكلام في آيات الله تعالى ما هو كفر بعينه مسموع، وقال تعالى {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً} فنص تعالى على أن الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسول من رسله كفر فخرج عن الإيمان ولم يقل تعالى في ذلك أني علمت أن في قلوبكم كفرا، بل جعلهم كفارا بنفس الاستهزاء ومن ادعى غير هذا فقد قول الله تعالى ما لم يقل وكذب على الله تعالى". (20) وقال أيضًا: "الجحد لشيء مما صح البرهان أنه لا إيمان إلا بتصديقه كُفر، والنطق بشيء من كل ما قام البرهان أن النطق به كُفر؛ كُفر، والعمل بشيء مما قام البرهان بأنه كُفر؛ كُفر، فالكفر يزيد وكلما زاد فيه فهو كفر، والكفر ينقص وكله مع ذلك ما بقي منه وما نقص فكله كفر وبعض الكفر أعظم وأشد وأشنع من بعض وكله كفر". (21) وقال ابن القيم رحمه الله: "الإيمان قسمان قولية وفعلية، وكذلك شعب الكفر نوعان قولية وفعلية، ومن شعب الإيمان القولية شعبة يوجب زوالها زوال الإيمان، فكذلك من شعبه الفعلية ما يوجب زوالها زوال الإيمان، وكذلك شعب الكفر القولية والفعلية فكما يكفر بالأتيان بكلمة الكفر اختيارا وهي شعبة من شعب الكف؛ر فكذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف فهذا اصل". (22) فصح أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الإعتقاد، أو بهم جميعًا فيكون زيادة في الكفر. الوجه الرابع: أن حديث أنس المحتج به ضعيف جدًا أخرجه، أبو عبيد القاسم بن سلام في الإيمان (ص47)، وسعيد بن منصور في السنن (2367) كلاهما نا أبو معاوية قال حدثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن أبي نشبة، عن أنس بن مالك به. وأخرجه أبو داود في سننه (2532)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (18480) وفي القضاء والقدر (196)، عن سعيد بن منصور نا أبو معاوية به. وأخرجه أبو يعلى في المسند (4311)، واللالكائي في شرح أصول الإعتقاد (2301) من طرق عن أبي معاوية، به. قلت: تفرد به يزيد بن أبي نشبة عن أنس رضي الله عنه، وهو مجهول لم يرو إلا هذا الحديث ولم يروه عنه إلا جعفر بن برقان. وتفرد به عن جعفر، أبو معاوية وهو محمد بن خازم التميمي. قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: "أبو معاومة الضرير في غير حديث الأعمش مضطرب، لا يحفظها حفظًا جيدًا". (23) وقال ابن نمير: "كان أبو معاوية لا يضبط شيئا من حديثه ضبطه لحديث الأعمش، كان يضطرب في غيره اضطرابا شديدا". (24) وقال العجلى: "كوفى ثقة، و كان يرى الإرجاء، و كان لين القول". (25) وقال ابن سعد: "كان ثقة، كثير الحديث، يدلس، و كان مرجئا". (26) وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي "أبو معاوية مرجىء". (27) وقال ابن البادش: "أبو معاوية مرجئ كبير". (28) وقال الآجري سمعت أبي داود يقول: "أبو معاوية رئيس المرجئة بالكوفة". (29) فأبو معاوية وثق في حديث الأعمش وضعف في غيره، غير أنه من رؤوس المرجئة وكان داعية إرجاء (30)، وتفرد بحديث يؤيد بدعته، وهذه علة قادحة أخرى غير تفرد بن أبي نشبة وهو مجهول! وعلى فرض صحته فيفهم وفق ما بيناه من كتاب الله وفهم السلف رحمهم الله، ليس وفق أهواء مرجئة العصر! الوجه الخامس: إذ تبين أن من الأعمال والأقوال ما يكون كفر مخرج من الملة بذات الفعل أو القول، فاعلم أنه لم يَشترط الإستحلال لكفر من أتى بمثل هذه الأعمال أو الأقوال إلا أهل الإرجاء، ونمثل لذلك بسب النبي صلى الله عليه وسلم: يقول ابن تيميه رحمه الله: "إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرا وباطنا وسواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلا عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل". (31) وقد نقل الإجماع على هذا غير واحد من أهل العلم، منهم: 1- الإمام اسحاق بن راهويه؛ قال رحمه الله: "وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا أنزله الله أو قتل نبيا من أنبياء الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر". (32) 2- محمد بن سحنون الفقيه المالكي؛ قال: "أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر". (33) 3- ابن المنذر وأبو بكر الفرسي، قال ابن حجر في الفتح: "نقل بن المنذر الاتفاق على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم صريحا وجب قتله، ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم مما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء". (34) فإجماع أهل السنة القائلين أن الإيمان قول وعمل أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم سبًا صريحًا فهو يكفر بمجرد السب سواء كان مستحلا له أو غير مستحل. وخالفت المرجئة في ذلك بكل فرقهم على اختلاف بينهم، لكن الذي يهمنا الأن مذهب مرجئة المتكلمين لمشابهتم لمرجئة العصر، قالوا: أن ساب الرسول صلى الله عليه وسلم يكفر كفرًا أكبر مخرج من الملة، ولكن ليس لذات الفعل إنما هذا الفعل دليل على استحلاله له، فأرجعوا كفره إلى أصلهم الفاسد أنه لا كفر إلا بالإستحلال والجحود، ومثل ذلك من يقول أن من كَفَّرَ الحاكم بغير ما أنزل الله من العلماء إنما لقيام دليل عنده أنه استحل ذلك، وليس لأن الفعل بذاته مكفر! وقد رد عليهم ابن تيمية قولهم الفاسد هذا في أكثر من موضع، فقال رحمه الله في الصارم: "وهذا موضع لا بد من تحريره ويجب أن يعلم أن القول بأن كفر الساب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة، ويرحم الله القاضي أبا يعلي قد ذكر في غير موضع ما يناقض ما قاله هنا وإنما وقع من وقع في هذه المهواة ما تلقوه من كلام طائفة من متأخري المتكلمين وهم الجهمية الإناث الذين ذهبوا مذهب الجهمية الأولى في أن الإيمان هو مجرد التصديق الذي في القلب وإن لم يقترن به قول اللسان ولم يقتض عملا في القلب ولا في الجوارح" ثم قال "وليس الغرض هنا استيفاء الكلام في هذا الأصل وإنما الغرض البينة على ما يختص هذه المسألة وذلك من وجوه. أحدها: أن الحكاية المذكورة عن الفقهاء أنه إن كان مستحلا كفر وإلا فلا، ليس لها أصل وإنما نقلها القاضي من كتاب بعض المتكلمين الذين نقلوها عن الفقهاء وهؤلاء نقلوا قول الفقهاء بما ظنوه جاريا في أصولهم أو بما قد سمعوه من بعض المنتسبين إلى الفقه ممن لا يعد قوله قولا، وقد حكينا نصوص أئمة الفقهاء وحكاية إجماعهم ممن هو أعلم الناس بمذاهبهم فلا يظن ظان أن في المسألة خلافا يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد وإنما ذلك غلط لا يستطيع أحد أن يحكي عن واحد من الفقهاء أئمة الفتوى هذا التفصيل البتة. الوجه الثاني: أن الكفر إذا كان هو الاستحلال فإنما معناه اعتقاد أن السب حلال، فإنه لما اعتقد أن ما حرمه الله تعالى حلال كَفَر ولا ريب، لأن من اعتقد في المحرمات المعلوم تحريمها أنها حلال كَفَر، لكن لا فرق في ذلك بين سب النبي وبين قذف المؤمنين والكذب عليهم والغيبة لهم إلى غير ذلك من الأقوال التي علم أن الله حرمها، فإنه من فعل شيئا من ذلك مستحلا كفر مع أنه لا يجوز أن يقال: من قذف مسلما أو اغتابه كفر ويعنى بذلك إذا استحله. الوجه الثالث: أن اعتقاد حل السب كفر سواء اقترن به وجود السب أو لم يقترن فإذا لا أثر للسب في التكفير وجودا وعدما وإنما المؤثر هو الاعتقاد وهو خلاف ما أجمع عليه العلماء. الوجه الرابع: أنه إذا كان المكفر هو اعتقاد الحل فليس في السب ما يدل على أن الساب مستحل فيجب أن لا يكفر لا سيما إذا قال: "أنا اعتقد أن هذا حرام وإنما أقول غيظا وسفها أو عبثا أو لعبا" كما قال المنافقون: {إِنَّمَاكُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَب} كما إذا قال: إنما قذفت هذا أو كذبت عليه لعبا وعبثا فإن قيل لا يكونون كفارا فهو خلاف نص القرآن وإن قيل يكونون كفارا فهو تكفير بغير موجب إذا لم يجعل نفس السب مكفرا وقول القائل أنا لا أصدقه في هذا لا يستقيم فإن التكفير لا يكون بأمر محتمل فإذا كان قد قال: "أنا أعتقد أن ذلك ذنب ومعصية وأنا أفعله" فكيف يكفر إن لم يكن ذلك كفرا؟ ولهذا قال سبحانه وتعالى: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ولم يقل قد كذبتم في قولكم إنما كنا نخوض ونلعب فلم يكذبهم في هذا العذر كما كذبهم في سائر ما أظهروه من العذر الذي يوجب براءتهم من الكفر كما لو كانوا صادقين بل بين أنهم كفروا بعد إيمانهم بهذا الخوض واللعب. وإذا تبين أن مذهب سلف الأمة ومن اتبعهم من الخلف أن هذه المقالة في نفسها كفر استحلها صاحبها أو لم يستحلها فالدليل على ذلك....." (35) ثم ذكر أدلة كفر من سب النبي. فتأمل رد شيخ الإسلام رحمه الله، كلام يكتب بماء الذهب في تقرير عقيدة السلف، وكل ما ذكره ينطبق على مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، والوجوه التي دفع بها رد شرط الإستحلال في سب النبي ندفع بها أيضًا شرط الإستحلال في الحكم بغير ما أنزل الله. الوجه السادس: إذ تقرر أن من الأفعال ما هو كفر بذاته ولم يشترط فيها الإستحلال إلا المرجئة، فقد سبق أن التشريع العام والتبديل المطلق للشريعة من هذا القبيل، قال العثيمين رحمه الله "إن الحكم بما أنزل الله -تعالى- من توحيد الربوبية، لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته، وكمال ملكه وتصرفه، ولهذا سمى الله تعالى المتبوعين في ما أنزل الله أرباباً لمتبعيهم، فقال سبحانه {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] فسمى الله تعالى المتبوعين أرباباً حيث جعلوا مشرعين مع الله تعالى، وسمى المتبعين عباداً حيث إنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم الله سبحانه وتعالى". (36) وقال رحمه الله "من الشرك بالربوبية أن يتخذ الإنسان أندادا يشرعون تشريعات تخالف شرع الله، فيوافقهم فيها مع علمه بمخالفتها للشريعة، ولهذا ترجم الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله - ترجم على ذلك في كتاب التوحيد بقوله: (باب من أطاع العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله فقد اتخذهم أربابا) فإذا وجد قوم يتبعون القوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية مع علمهم بمخالفتها للشريعة فإننا نقول: هؤلاء قوم مشركون لأنهم اتخذوا حاكما يحكم بين الخلق غير الله -عز وجل- ومن المعلوم أن الحكم بين الخلق من مقتضيات الربوبية فقد اتخذوهم أربابا من دون الله". (37) فجعل الحكم بغير ما أنزل الله من شرك الربوبية وسبق أن ما صح من الأعمال أنه شرك أجمع أهل السنة والجماعة أن من أتى به خرج بالكلية من دين الإسلام ولم يشترط الإستحلال إلا أهل الإرجاء. وقد نقل الإجماع على كفر حكم بغير ما انزل الله جمع من أهل العلم منهم: شيخ الإسلام رحمه الله قال: "والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه، كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء". (38) ويقول أيضًا رحمه الله: "ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى". (39) وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر عدة أحكام من الياسق: "وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى " الياساق " وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين، قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50] وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65]". (40) وقد أكثرت النقل عن أهل العلم سلفًا وخلفًا في تقرير هذه المسألة في القسم الثاني من المبحث الثالث (هنا)، بما يغني عن الإعادة هنا، فيرجع إليه لزامًا. الوجه السابع: ثبت أن الحكم بالشريعة والتحاكم إليها من أصل الإيمان ولوازمه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 60-65]. قال ابن القيم رحمه الله: "أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه فإذا انتفى هذا الرد انتفى الإيمان ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم وأن عاقبته أحسن عاقبة ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه". (41) وما كان من أصل الإيمان ولوازمه بفقدانه يُقطع الإيمان، ويخرج بذلك المرء من الإسلام ولا يُشترط استحلال في ذلك. وقد أكثرت أيضًا من النقل عن أهل العلم وإجماعهم على أن الحكم بالشريعة والتحاكم إليها من أصل الإيمان في القسم الثالث من المبحث الثالث (هنا)، فيرجع إليه لزامًا. الوجه الثامن: أن من شَرَّع خلاف ما أنزل الله فقد أحل وحرم من دون الله، وقد نقلت عن المستشار علي جريشة وهو من أهل الشأن (42)، قوله " فالتحريم والتحليل - اللذان أشارت إلهما الآيات الكريمة يتخذ صورة العدول أو التعديل ، فمن عدل عن تحريم الخمر إلى إباحتها فقد أحل ما حرم الله ، ووقع في الكفر والشرك ، وكما يكون العدول صريحا، بأن قال عن الحرام حلال . فإنه يكون كذلك ضمنيا بتغيير وصف الحكم من الحرام إلى الحلال، ففي مثل الخمر جاء تحريمها بالنص والاجماع، فإذا جاءت نصوص وضعية خالية من العقاب فقد غيرت وصف الحكم وجعلته مباحا، والمباح أحد أقسام الحلال ، ومن ثم فإنها تكون بذلك قد أحلت ما حرم الله. كذلك الزنا حرمته الشريعة بالنص والإجماع فإذا جاءت نصوص وضعية خالية من النص على العقاب عليه ولو في بعض الأحوال .فإنها تكون قد أباحته في هذه الحالات أي تكون قد أحلت ما حرم الله . هذه صور من العدول. أما صور التعديل: فإن الحكم يبقي على وصفه الأصلى فلا ينقلب من الحرام إلى الحلال ولكن مثلا يجري التعديل في العقوبة التي وضعها الله سبحانه وتعالى للفعل كأن يحتفظ النص الوضعي بتحريم الفعل وتجريمه ولكنه يعدل في العقوبة المقررة له شرعا فيجعلها الحبس بدلا من الجلد أو الرجم، ويمكن أن يقال إن مثل تلك النصوص الوضعية التي تتضمن تعديلا في الحكم الشرعي تتضمن كذلك عدولا فإن وضع عقوبة مكان أخري عدول عن العقوبة الأصلية التي شرعها الشارع الحكيم علاجا للداء، وهو أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير !! وعلى ذلك فالعدول والتعديل هو من قبيل التحليل والتحريم الذي دمغه القرآن بالكفر والشرك". (42) الوجه التاسع: أن أحبار ورهبان أهل الكتاب الذين أنزل الله فيهم {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] إنما كفروا بمجرد تشريع ما يخالف حكم الله، ولم يكفروا لأنهم استحلوا - الإستحلال القلبي - التشريع بخلاف ما أنزل الله، أو أنهم اعتقدوا أن لهم حق في الربوبية أو الألوهية، أو أنهم نسبوا تشريعاتهم لله وأنها من عند الله، إنما كفروا وسماهم الله أربًابًا عند متبوعيهم بمجرد تشريع أحكام تخالف ما أنزل الله ودليل ذلك سبب نزول قوله تعالى {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] فقد سبق في المبحث الثاني أن سبب نزولها ما أخرجه مسلم عن البراء بن عازب أنه قال قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما مجلودا، فدعاهم صلى الله عليه وسلم، فقال: "هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟"، قالوا: نعم، فدعا رجلا من علمائهم، فقال: "أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم" قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم، والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه" فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة: 41] إلى قوله {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41]، يقول: ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تعالى {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} في الكفار كلها. والشاهد أن أحبار اليهود عندما بدلوا حد الزنا واصطلحوا واجتمعوا على حكم غيره، لم يزعموا أن هذا الحكم هو حكم الله أو أنه أفضل منه أو أعدل، ودليل ذلك أنه بعد ما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أحد أحبارهم "أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم" " قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم، والجلد مكان الرجم" وكذلك لم يعتقدوا حل ما فعلوه من اجتماعهم على تغير حكم الله بل كانوا متأثمين يبحثون عن مخرج فقهي لفعلتهم ولذلك قالوا ": ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا" وفي رواية "إن أفتاكم بالجلد والتحميم كان لكم حجة عند الله" فهم يقرون بحكم الله، ويعلمون جرم ما فعلوه يقول ابن جرير رحمه الله: "وكيف يحكمك هؤلاء اليهود يا محمد بينهم , فيرضون بك حكما بينهم , وعندهم التوراة التي أنزلتها على موسى , التي يقرون بها أنها حق وأنها كتابي الذي أنزلته على نبيي , وأن ما فيه من حكم فمن حكمي , يعلمون ذلك لا يتناكرونه , ولا يتدافعونه , ويعلمون أن حكمي فيها على الزاني المحصن الرجم , وهم مع علمهم بذلك {يتولون} [المائدة: 43] يقول: يتركون الحكم به بعد العلم بحكمي فيه جراءة علي وعصيانا لي" (44) فالشاهد أن أحبار اليهود لم يعتقدوا حل التشريع من دون الله، ولم ينكروا حكم الله، ولم يدفعوه، ولم ينسبوا حكمهم إلى الله، ولم يعتقدوا أن حكمهم أفضل من حكم الله أو يعدله أو أعدل منه، ومع ذلك كفرهم الله جل وعلا بمجرد الإجتماع والتواطئ على تغير حكم واحد فقط من أحكام الله جل وعلا! وسماهم أربابا عند متبعيهم! فكيف بالكفرة الفجرة الذين يجتمعون لتغير كل أحكام الله جل وعلا والتعديل عليها وإلزام الناس بها وعقاب من يخرج عنها، فأباحوا الردة تحت حرية العقيدة وأباحوا الخمر والزنا والربا تحت الحرية الشخصية وجعلوا السيادة للشعب لا لله جل وعلا، وأعطوا سلطة التشريع لأغلبية الشعب لا للكتاب و السنة، وأباحوا التحاكم لقوانينهم الطاغوتية وجعلوها فوق أحكام الله ورسوله!! فمثل هؤلاء "لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم". (45) الوجه العاشر: إذ تبين ما سبق تقريره، فمناط تكفير المشرع تشريعًا عامًا يخالف ما أنزل الله، أن الفعل بذاته مكفر مخرج من الملة لأن الحكم بشرع الله من أصل توحيد الربوبية، كذلك من أصل الإيمان ولوازمه، فإن اجتمع مع الفعل استحلال أو تفضيل للقوانين الوضعية أو اعراض واستكبار أو كره لما انزل الله، كان ذلك كفر فوق كفر، فالكفر درجات كما قال تعالى {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37] "فالكفر يزيد وكلما زاد فيه فهو كفر، والكفر ينقص وكله مع ذلك ما بقي منه وما نقص فكله كفر وبعض الكفر أعظم وأشد وأشنع من بعض وكله كفر". (46) ــــــــــــــ (1) إسناده صحيح، أخرجه أحمد في المسند (290/4) قال حدثنا وكيع، حدثنا حسن بن صالح، عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال: لقيت خالي ومعه الراية، فقلت: أين تريد؟ قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده، أن أضرب عنقه، أو أقتله، وآخذ ماله ". وله شاهد صحيح من حديث معاوية بن قرة، أخرجه النسائي في الكبرى (7186)، وابن ماجه في سننه (2608)، والطبري في تهذيب الآثار مسند ابن عباس (569/1)، من طرق عن عبد الله بن إدريس، قال: حدثنا خالد بن أبي كريمة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعث أباه جد معاوية إلى رجل عرس بامرأة أبيه، فضرب عنقه وخمس ماله" واللفظ للنسائي. وللحديث طرق أخرى لا يسع المقام لذكرها الأن. (2) تهذيب الأثار مسند ابن عباس (571/1). (3) شرح معاني الأثار (149/3-150). (4) كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (130/2). (5) فتح الباري (118/12). (6) مرقاة المفاتيح (2082/5). (7) نيل الأوطار (137/7). (8) عون المعبود شرح سنن أبي داود مع حاشية ابن القيم، دار الكتب العلمية (96/12). (9) شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، ت.شاكر (ص297). (10) انظر التعليقات المختصرة على متن العقيدة الطحاوية (139-140). (11) شرح العقيدة الطحاوية، عبد الرحمن البراك، (ص214). (12) شرح العقيدة الطحاوية، صالح آل الشيخ (526/1). (13) الإحكام في أصول الأحكام (49/1-50). (14) روضة الطالبين (283/7-284). (15) مجموع الفتاوى (273/7). (16) تعظيم قدر الصلاة (929/2). (17) انظر السنه لعبد الله بن أحمد (282/1-283). (18) المصدر السابق (347/1-348). (19) السنه للخلال (586/3-587)، وانظر شرح أصول الإعتقاد للالكائي (956/5-957). (20) الفصل في الملل والنحل (114/3). (21) المصدر السابق (119/3). (22) الصلاة وحكم تاركها (ص70). (23) العلل ومعرفة الرجال، رواية عبد الله (378/1، 726). (24) تاريخ بغداد (305/2). (25) الثقات، للعجلي (403/1، 1450). (26) الطبقات الكبرى (392/6). (27) العلل ومعرفة الرجال (538/2، 3552). (28) تاريخ بغداد (304/2). (29) سؤالات الآجري لأبي داود (ص160، 145). (30) انظر تاريخ بغداد (304/2). (31) الصارم المسلول (ص514). (32) نقله عنه ابن عبد البر في التمهيد (226/4)، وبنحوه في تعظيم قدر الصلاة (929/2). (33) انظر كتاب الشفا، للقاضي عياض (312/2). (34) فتح الباري (281/21). (35) الصارم المسلول (515-517). (36) فتاوى أركان الإسلام (ص143). (37) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (285/7). (38) مجموع الفتاوى (267/3). (39) المصدر السابق (106/8). (40) البداية والنهاية (162/17). (41) إعلام الموقعين (50/1). (42) ولد عام 1935 بالشرقية إحدى المدن المصرية، تخرج من كلية الحقوق وعمل وكيلا للنائب العام، ثم عمل في مجلس الدولة لمدة أربع سنوات، ثم اعتقل لمدة ثمان سنوات سافر بعدها إلى السعودية ليعمل استاذًا للشريعة بالجامعة الإسلامية. (43) انظر كتابه المشروعية الإسلامية العليا (ص 43). (44) تفسير الطبري (447/8). (45) أضواء البيان (259/3). (46) الفصل في الملل والنحل (119/3).
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1). قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28). |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
أعمال و أدلة : عقيدة ظهور مهدي الامامية الاثنى عشرية أحد فرق الشيعة وأنه لم يولد عند أهل السنة | ابو هديل | الشيعة والروافض | 0 | 2020-02-24 10:46 PM |