Nabil
2018-12-25, 04:08 PM
{ لَا رَيْبَ فِيهِ }
إعداد: الدكتور أحمد محمد زين المنّاوي
القسم الأول
لا أفهم كيف يقدّس الإنسان شيئًا يعلم أنه لا يستحق التقديس!!
يؤمن بما يشك فيه.. كيف يجتمع الإيمان بالشيء مع الشك فيه؟!
إنه لأمر عجاب! الإيمان يعني التسليم التام والاقتناع المطلق..
أما أن يجد الإنسان في قلبه وعقله شكًّا في كتاب عقيدته المقدّس..
فهذا لا يعني إلا معنًى واحدًا.. واحدًا لا ثاني له.. أنت لا تؤمن بهذه العقيدة!!
هذا هو لبّ المشكلة العقدية المعقّدة في العقلية النصرانية..
العديد من النصارى المنصفين يعترفون بأن كتابهم المقدّس ليس مقدّسًا، وليس كلام الله، وليس وحي روح القدس، لما فيه من اختلافات وتناقضات وأخطاء عديدة ظاهرة أربكت رجال الكنيسة الذين فشلوا في إيجاد تفسيرات مقنعة لها.
والعديد من المستنيرين والمثقفين منهم يتساءلون: ماذا نفعل ونحن نعلم أن كتابنا المقدّس ليس مقدّسًا؟ وليس من عند الله؟ وماذا سيكون مصيرنا بعد الموت لو استمر عملنا بهذا الكتاب؟ وما عاقبتنا لو تمسّكنا بكتاب نحن نعلم أنه ليس من عند الله؟
العديد من النصارى الذين يواجهون أنفسهم بهذه التساؤلات يهديهم الله في خاتمة المطاف إلى طريق القرآن.. طريق الحق. فالقرآن هو الصورة الوحيدة من كلام الله المحفوظة بين أيدي الناس اليوم بنفس لغة وحيها.
والكتاب الذي بين أيدي طوائف المسلمين المتعدّدة اليوم، قرآن واحد، بين دفّتيه 114 سورة، بذات الترتيب، وبنفس المضمون، وهو كما تم تدوينه كاملًا في عهد الرسول مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- وبإشرافه المباشر، لم يتغيّر منه حرف واحد.. لأن الله -سبحانه وتعالى- قد تعهد وتكفّل بحفظه فحُفظ:
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (الحجر). بينما ترك غيره من صور الوحي السابقة بما فيها الإنجيل والتوراة لحفظ أصحابها فضيّعوها وحرّفوها، وأخرجوها عن إطارها الرباني، وجعلوها عاجزة كل العجز عن هداية أصحابها.
في الثامن من سبتمبر عام 1957 تصدّر غلاف مجلة "استيقظوا" المسيحية التبشيرية (awake) التي تصدرها جماعة شهود يهوه النصرانية، وتوزع في مختلف أنحاء العالم، عنوان خطير أثار الذعر في أوساط الكنائس والمؤسسات النصرانية، ويقول العنوان: "خمسون ألف خطأ في الكتاب المقدس"، وتحت هذا العنوان تناقش المجلة مدى مصداقية الكتاب المقدّس، وتشير إلى وجود أخطاء جسيمة وعديدة في هذا الكتاب!
وفي عام 1985 تمّ تأسيس معهد "ويستار" لدراسة الأناجيل دراسة محايدة من خلال علماء اللاهوت بغضّ النظر عن النتائج التي سوف يصلون إليها. وخلال مؤتمر نظّمه هذا المعهد، كان التركيز على الكلمات والأقوال المنسوبة إلى يسوع في الأناجيل، وتم تقويم مصداقية كل مقولة من المقولات المنسوبة إلى يسوع في الأناجيل ودراستها من الأوجه البحثية كافة، واعتمدوا في عملية التقويم على الاقتراع المباشر من قبل المشاركين وعددهم نحو 200 عالم لاهوت، حيث كانت النتيجة مفاجئة وصادمة للجميع: 82% من الأقوال المنسوبة إلى يسوع في الأناجيل لم يقلها، و84% من الأعمال المنسوبة إلى يسوع لم يقم بها، ولم يقل يسوع لأحد إن موته كان تكفيرًا عن خطايا البشر، ولم يقل يسوع لأحد إنه الأقنوم الثاني من الثالوث، ولم يقل يسوع إنه سوف يقوم من بين الموتى!
وبعد تقويم نصوص الأناجيل خرجوا باستنتاجات مهمّة تؤكد أن من كتبوا الأناجيل قاموا بالتجميع وفقًا لأهوائهم، ومن دون أي أسانيد أو ضوابط محدّدة، وكانوا يضيفون إلى أقوال يسوع تعليقاتهم ليجعلوها تتماشى مع وجهة نظرهم الشخصية، كل بحسب أسلوبه ووجهة نظره. وأجمع العلماء في معهد "ويستار" على أن كُتّاب الأناجيل اعتمدوا على ذكريات سمعية تُحكى شفاهة متناقلة بين الأجيال، مؤكدين أن نصوص هذه الأناجيل قد تمت صياغتها، وإعادة صياغتها وتغيير حكاياتها وأحداثها بالزيادة والنقصان لأكثر من قرن قبل أن تصل تقريبًا إلى شكلها الأخير، ولا يعني ذلك شكلها النهائي.
من خلال دراسة معهد "ويستار" للأحداث والوقائع التي يُعد فيها يسوع الشخصية الرئيسة، وعددها 176 حدثًا أو واقعة، تم الاتفاق على أن عشرة منها فقط هي التي تحتمل نسبة عالية من المصداقية، وثلاثين واقعة أخرى حصلت على درجة احتمالية بعيدة الحدوث. وتم استبعاد باقي الأعمال المنسوبة إلى يسوع على أنها غير واقعية أو غير محتملة الوقوع وهو ما يعادل أكثر من 77% من الوقائع والأحداث.
وتشير نتائج دراسات معهد "ويستار" إلى أن الصورة الحقيقية ليسوع كما تبدو من الأبحاث والوثائق التاريخية، تختلف تمامًا عمّا تقدّمه المؤسسة الكنسية للناس، وعمّا هو منصوص في الأناجيل وأسفار الكتاب المقدّس. وأن تناقل أخبار يسوع وكل ما يتعلق به شفاهة ومن دون أي تدوين أو توثيق خلال العقود الأولى من عمر الديانة النصرانية أدى إلى الانحراف عن الحقيقة، والغوص في تفاصيل غير دقيقة أو غير أمينة. كما أن لغة يسوع كانت الآرامية والأناجيل الحالية تمّت كتابتها باليونانية. ولا يمكن لأي عالم من علماء النصارى أن يجزم بأن النص اليوناني يُعدّ ترجمة أمينة للنصوص الأصلية للأناجيل!
وتؤكد نتائج أبحاث المعهد أن صورة يسوع التاريخية تختلف تمامًا عمّا هي عليه في الصورة التقليدية التي تقدّمها المؤسسة الكنسية، وأن يسوع لم يمش على الماء، ولم يطعم الآلاف من البشر، ولم يحوّل الماء إلى خمر، وأنه تم إعدامه كشخص يثير الشغب وليس لقوله إنه ابن الله! وأن الذين أعدموه هم الرومان وليس اليهود!
نتائج أبحاث معهد "ويستار" مهّدت الطريق أمام بابا الفاتيكان، بندكت السادس عشر، ليعلن رسميًّا في مطلع شهر إبريل في عام 2011 تبرئة اليهود من دم المسيح، ورفض الادّعاء الذي ظل سائدًا لدى النصارى لقرون من الزمان بأن اليهود هم المسؤولون عن صلب يسوع المسيح، وأكد أن تحميل المسؤولية لليهود مجرد "اتهام خطأ".
إن إعلان البابا رسميًّا أن تحميل المسؤولية لليهود مجرد "اتهام خطأ" أصاب الكتاب المقدّس في مقتل، وأوقع النصارى في حيرة من أمرهم! بعدما يقرب من ألفي عام يطلّ عليهم البابا ويقول لهم إن اتهامكم لليهود خطأ! ينسف اعتقاد أكثر من ملياري نصراني بجرّة قلم! ينسف مصداقية الأناجيل الأربعة وهي أصح الكتب عند النصارى وأقدسها! والآن فإن النصارى أمام خيارين: إما تصديق البابا، وإما تصديق كتابهم المقدّس!
تأمّلوا كيف كانت محاكمة يسوع بحسب ما يروي إنجيل متّى:
"وكان رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله يطلبون شهادة زور على يسوع لكي يقتلوه، فلم يجدوا. ومع أنه جاء شهود زور كثيرون، لم يجدوا. ولكن أخيرًا تقدم شاهدا زور وقالا: هذا قال: إني أقدر أن أنقض هيكل الله، وفي ثلاثة أيام أبنيه. فقام رئيس الكهنة وقال له: أما تجيب بشيء؟ ماذا يشهد به هذان عليك؟ وأما يسوع فكان ساكتًا. فأجاب رئيس الكهنة وقال له: أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله؟ قال له يسوع: أنت قلت! وأيضًا أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوة، وآتيا على سحاب السماء. فمزق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلًا: قد جدف! ما حاجتنا بعد إلى شهود؟ ها قد سمعتم تجديفه! ماذا ترون؟ فأجابوا وقالوا: إنه مستوجب الموت". (إنجيل متّى 26: 59- 66).
انتبهوا إلى أن الحاكم الروماني بيلاطس حتى هذه اللحظة لم يتدخّل في المشهد!
الكهنة والشيوخ اليهود هم الذين استجوبوا يسوع وحكموا بالإجماع أنه مستوجب الموت!
وماذا بعد أن استجوبوه وحكموا عليه بالموت؟
إنجيل متّى يجيب عن ذلك فيقول:
"ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه، فأوثقوه ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي". (إنجيل متّى 27: 1، 2).
تشاور رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب اليهود على قتل يسوع!
وماذا حدث بعد ذلك؟ استمعوا إلى إنجيل متّى وهو يكمل لكم القصة:
"وكان الوالي معتادًا في العيد أن يطلق للجمع أسيرًا واحدًا، من أرادوه. وكان لهم حينئذ أسير مشهور يسمى باراباس. ففيما هم مجتمعون قال لهم بيلاطس: من تريدون أن أطلق لكم؟ باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح؟ لأنه علم أنهم أسلموه حسدًا. وإذ كان جالسًا على كرسي الولاية أرسلت إليه امرأته قائلة: إياك وذلك البار، لأني تألمت اليوم كثيرًا في حلم من أجله. ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرضوا الجموع على أن يطلبوا باراباس ويهلكوا يسوع. فأجاب الوالي وقال لهم: من من الاثنين تريدون أن أطلق لكم؟ فقالوا: باراباس! قال لهم بيلاطس: فماذا أفعل بيسوع الذي يدعى المسيح؟ قال له الجميع: ليصلب! فقال الوالي: وأي شر عمل؟ فكانوا يزدادون صراخًا قائلين: ليصلب. فلما رأى بيلاطس أنه لا ينفع شيئًا، بل بالحري يحدث شغب، أخذ ماءً وغسل يديه قدام الجمع قائلًا: إني بريء من دم هذا البار! أبصروا أنتم! فأجاب جميع الشعب وقالوا: دمه علينا وعلى أولادنا. حينئذ أطلق لهم باراباس، وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب". (إنجيل متّى 27: 22- 26).
حتى لا يجادل أحد بشأن هذه النصوص الصريحة فإنها من إنجيل متّى وهو أصح أناجيل النصارى! وبحسب ما يروي هذا الإنجيل فإن الحاكم الروماني بيلاطس كان يعلم أن يسوع بريء، وأن اليهود أسلموه حسدًا، وعلاوة على ذلك أرسلت امرأة بيلاطس تحذره من تحمل مسؤولية يسوع لأنها رأت بشأنه حلمًا أزعجها! وبيلاطس كان يرغب في إطلاق يسوع ولكن اليهود رفضوا بالإجماع! بيلاطس يسأل اليهود: ماذا أفعل بيسوع؟ اليهود وبالإجماع يردون عليه بكلمة واحدة: ليصلب! بيلاطس يسأل اليهود: وأي شر عمل حتى أصلبه؟ اليهود يزدادون صراخًا قائلين: ليصلب! وعندما يئس بيلاطس أنه لا ينفع شيء أمام صراخ اليهود ومطالبتهم بصلب يسوع، قام وغسل يديه بالماء أمام الجميع في إعلان صريح عن براءته من دم إنسان لا ذنب له! اليهود يعلنون بالإجماع: دمه علينا وعلى أولادنا! حينئذ أسلمه يسوع ليصلب.
اليهود يعلنون بالإجماع: دمه علينا وعلى أولادنا!
بابا الفاتيكان يقول إن تحميل المسؤولية لليهود مجرد "اتهام خطأ".
الأناجيل الأربعة، وهي أصح كتب النصارى وأقدسها، تجمع على تحميل اليهود المسؤولية كاملة!
لنأخذ إنجيلًا آخر، فتأمّلوا ماذا قال بيلاطس لرؤساء الكهنة عندما طلبوا منه صلب يسوع:
""فلما رآه رؤساء الكهنة والخدام صرخوا قائلين: اصلبه! اصلبه! قال لهم بيلاطس: خذوه أنتم واصلبوه، لأني لست أجد فيه علّة. أجابه اليهود: لنا ناموس، وحسب ناموسنا يجب أن يموت، لأنه جعل نفسه ابن الله". (إنجيل يوحنا 19: 6، 7).
كلام واضح لا يحتاج إلى شرح: خذوه أنتم واصلبوه، لأني لست أجد فيه علة!!
الأناجيل الأربعة والكتاب المقدّس تحمّل اليهود المسؤولية!
بابا الفاتيكان يقول إن تحميل المسؤولية لليهود مجرد "اتهام خطأ".
فمن نصدّق الآن: البابا أم الكتاب المقدّس؟ الجمع بين القولين مستحيل!
إما أن يتراجع البابا عن رأيه وإما أن يتم تغيير نصوص الكتاب المقدّس لتوافق رأيه!
اليهود هم من حكم على يسوع بالصلب وهم الذين نفذوا حكم الصلب!
تأمّلوا كيف تفعل السياسة بعقيدة النصارى؟!
غدًا ينتهي شهر العسل بين اليهود والنصارى ويأتي بابا جديد ويعيد تحميل المسؤولية لليهود!
الآن وبهذه الخطوة الشجاعة من البابا يقترب النصارى أكثر نحو الحقيقة!
الحقيقة التي مفادها أن المسيح –عليه السلام- لم يُصلب أصلًا!!
الشخص الذي حكم عليه اليهود وصلبوه ليس هو المسيح –عليه السلام- بأي حال!
القرآن يقول بصريح العبارة: {... وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ...(157)}(النساء)!
وبرغم ذلك فإن في رقاب اليهود الذين صلبوا شبيه المسيح دم نبي!
لأنهم صلبوه وفي اعتقادهم أنه المسيح –عليه السلام-!
القرآن هو الكتاب الوحيد الذي لا تتصادم نصوصه مع الواقع ولا مع التاريخ!
القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يقول لك في مطلعه: { ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} (البقرة)
إن من أعجب قصص النصارى المهتدين إلى دين الحق، يقول أحدهم إنه كان يسمع بالقرآن الكريم كتاب المسلمين المقدّس، فانتابه نوع من الفضول فتجاهل تحذيرات رجال الكنيسة عن القرآن وتكفيرهم لمن يقرؤه، وفتح المصحف للمرّة الأولى في حياته فوقعت عيناه على هذه الآية من مطلع سورة البقرة فاندهش لهذه الثقة المطلقة التي لا يمكن أن تتأتّى لأي أحد من البشر مهما بلغ من العلم! وكانت هذه الآية وحدها سببًا في إسلامه! لأن عادة المؤلفين أن يعتذروا للقرّاء في مقدمة كتبهم عن أي تقصير أو خطأ أو سهو، أما القرآن فهو الكتاب الوحيد الذي يعلن لك من الوهلة الأولى وبكل ثقة أنه كتاب { لَا رَيْبَ فِيهِ }، ولا خطأ ولا اختلاف فيه ولا خلل ولا تناقض يعتريه، وأنه الكتاب المشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب، وعلى ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم والحق المبين.
يتبع القسم الثاني والأخير
عن موقع طريق القرآن
إعداد: الدكتور أحمد محمد زين المنّاوي
القسم الأول
لا أفهم كيف يقدّس الإنسان شيئًا يعلم أنه لا يستحق التقديس!!
يؤمن بما يشك فيه.. كيف يجتمع الإيمان بالشيء مع الشك فيه؟!
إنه لأمر عجاب! الإيمان يعني التسليم التام والاقتناع المطلق..
أما أن يجد الإنسان في قلبه وعقله شكًّا في كتاب عقيدته المقدّس..
فهذا لا يعني إلا معنًى واحدًا.. واحدًا لا ثاني له.. أنت لا تؤمن بهذه العقيدة!!
هذا هو لبّ المشكلة العقدية المعقّدة في العقلية النصرانية..
العديد من النصارى المنصفين يعترفون بأن كتابهم المقدّس ليس مقدّسًا، وليس كلام الله، وليس وحي روح القدس، لما فيه من اختلافات وتناقضات وأخطاء عديدة ظاهرة أربكت رجال الكنيسة الذين فشلوا في إيجاد تفسيرات مقنعة لها.
والعديد من المستنيرين والمثقفين منهم يتساءلون: ماذا نفعل ونحن نعلم أن كتابنا المقدّس ليس مقدّسًا؟ وليس من عند الله؟ وماذا سيكون مصيرنا بعد الموت لو استمر عملنا بهذا الكتاب؟ وما عاقبتنا لو تمسّكنا بكتاب نحن نعلم أنه ليس من عند الله؟
العديد من النصارى الذين يواجهون أنفسهم بهذه التساؤلات يهديهم الله في خاتمة المطاف إلى طريق القرآن.. طريق الحق. فالقرآن هو الصورة الوحيدة من كلام الله المحفوظة بين أيدي الناس اليوم بنفس لغة وحيها.
والكتاب الذي بين أيدي طوائف المسلمين المتعدّدة اليوم، قرآن واحد، بين دفّتيه 114 سورة، بذات الترتيب، وبنفس المضمون، وهو كما تم تدوينه كاملًا في عهد الرسول مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- وبإشرافه المباشر، لم يتغيّر منه حرف واحد.. لأن الله -سبحانه وتعالى- قد تعهد وتكفّل بحفظه فحُفظ:
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (الحجر). بينما ترك غيره من صور الوحي السابقة بما فيها الإنجيل والتوراة لحفظ أصحابها فضيّعوها وحرّفوها، وأخرجوها عن إطارها الرباني، وجعلوها عاجزة كل العجز عن هداية أصحابها.
في الثامن من سبتمبر عام 1957 تصدّر غلاف مجلة "استيقظوا" المسيحية التبشيرية (awake) التي تصدرها جماعة شهود يهوه النصرانية، وتوزع في مختلف أنحاء العالم، عنوان خطير أثار الذعر في أوساط الكنائس والمؤسسات النصرانية، ويقول العنوان: "خمسون ألف خطأ في الكتاب المقدس"، وتحت هذا العنوان تناقش المجلة مدى مصداقية الكتاب المقدّس، وتشير إلى وجود أخطاء جسيمة وعديدة في هذا الكتاب!
وفي عام 1985 تمّ تأسيس معهد "ويستار" لدراسة الأناجيل دراسة محايدة من خلال علماء اللاهوت بغضّ النظر عن النتائج التي سوف يصلون إليها. وخلال مؤتمر نظّمه هذا المعهد، كان التركيز على الكلمات والأقوال المنسوبة إلى يسوع في الأناجيل، وتم تقويم مصداقية كل مقولة من المقولات المنسوبة إلى يسوع في الأناجيل ودراستها من الأوجه البحثية كافة، واعتمدوا في عملية التقويم على الاقتراع المباشر من قبل المشاركين وعددهم نحو 200 عالم لاهوت، حيث كانت النتيجة مفاجئة وصادمة للجميع: 82% من الأقوال المنسوبة إلى يسوع في الأناجيل لم يقلها، و84% من الأعمال المنسوبة إلى يسوع لم يقم بها، ولم يقل يسوع لأحد إن موته كان تكفيرًا عن خطايا البشر، ولم يقل يسوع لأحد إنه الأقنوم الثاني من الثالوث، ولم يقل يسوع إنه سوف يقوم من بين الموتى!
وبعد تقويم نصوص الأناجيل خرجوا باستنتاجات مهمّة تؤكد أن من كتبوا الأناجيل قاموا بالتجميع وفقًا لأهوائهم، ومن دون أي أسانيد أو ضوابط محدّدة، وكانوا يضيفون إلى أقوال يسوع تعليقاتهم ليجعلوها تتماشى مع وجهة نظرهم الشخصية، كل بحسب أسلوبه ووجهة نظره. وأجمع العلماء في معهد "ويستار" على أن كُتّاب الأناجيل اعتمدوا على ذكريات سمعية تُحكى شفاهة متناقلة بين الأجيال، مؤكدين أن نصوص هذه الأناجيل قد تمت صياغتها، وإعادة صياغتها وتغيير حكاياتها وأحداثها بالزيادة والنقصان لأكثر من قرن قبل أن تصل تقريبًا إلى شكلها الأخير، ولا يعني ذلك شكلها النهائي.
من خلال دراسة معهد "ويستار" للأحداث والوقائع التي يُعد فيها يسوع الشخصية الرئيسة، وعددها 176 حدثًا أو واقعة، تم الاتفاق على أن عشرة منها فقط هي التي تحتمل نسبة عالية من المصداقية، وثلاثين واقعة أخرى حصلت على درجة احتمالية بعيدة الحدوث. وتم استبعاد باقي الأعمال المنسوبة إلى يسوع على أنها غير واقعية أو غير محتملة الوقوع وهو ما يعادل أكثر من 77% من الوقائع والأحداث.
وتشير نتائج دراسات معهد "ويستار" إلى أن الصورة الحقيقية ليسوع كما تبدو من الأبحاث والوثائق التاريخية، تختلف تمامًا عمّا تقدّمه المؤسسة الكنسية للناس، وعمّا هو منصوص في الأناجيل وأسفار الكتاب المقدّس. وأن تناقل أخبار يسوع وكل ما يتعلق به شفاهة ومن دون أي تدوين أو توثيق خلال العقود الأولى من عمر الديانة النصرانية أدى إلى الانحراف عن الحقيقة، والغوص في تفاصيل غير دقيقة أو غير أمينة. كما أن لغة يسوع كانت الآرامية والأناجيل الحالية تمّت كتابتها باليونانية. ولا يمكن لأي عالم من علماء النصارى أن يجزم بأن النص اليوناني يُعدّ ترجمة أمينة للنصوص الأصلية للأناجيل!
وتؤكد نتائج أبحاث المعهد أن صورة يسوع التاريخية تختلف تمامًا عمّا هي عليه في الصورة التقليدية التي تقدّمها المؤسسة الكنسية، وأن يسوع لم يمش على الماء، ولم يطعم الآلاف من البشر، ولم يحوّل الماء إلى خمر، وأنه تم إعدامه كشخص يثير الشغب وليس لقوله إنه ابن الله! وأن الذين أعدموه هم الرومان وليس اليهود!
نتائج أبحاث معهد "ويستار" مهّدت الطريق أمام بابا الفاتيكان، بندكت السادس عشر، ليعلن رسميًّا في مطلع شهر إبريل في عام 2011 تبرئة اليهود من دم المسيح، ورفض الادّعاء الذي ظل سائدًا لدى النصارى لقرون من الزمان بأن اليهود هم المسؤولون عن صلب يسوع المسيح، وأكد أن تحميل المسؤولية لليهود مجرد "اتهام خطأ".
إن إعلان البابا رسميًّا أن تحميل المسؤولية لليهود مجرد "اتهام خطأ" أصاب الكتاب المقدّس في مقتل، وأوقع النصارى في حيرة من أمرهم! بعدما يقرب من ألفي عام يطلّ عليهم البابا ويقول لهم إن اتهامكم لليهود خطأ! ينسف اعتقاد أكثر من ملياري نصراني بجرّة قلم! ينسف مصداقية الأناجيل الأربعة وهي أصح الكتب عند النصارى وأقدسها! والآن فإن النصارى أمام خيارين: إما تصديق البابا، وإما تصديق كتابهم المقدّس!
تأمّلوا كيف كانت محاكمة يسوع بحسب ما يروي إنجيل متّى:
"وكان رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله يطلبون شهادة زور على يسوع لكي يقتلوه، فلم يجدوا. ومع أنه جاء شهود زور كثيرون، لم يجدوا. ولكن أخيرًا تقدم شاهدا زور وقالا: هذا قال: إني أقدر أن أنقض هيكل الله، وفي ثلاثة أيام أبنيه. فقام رئيس الكهنة وقال له: أما تجيب بشيء؟ ماذا يشهد به هذان عليك؟ وأما يسوع فكان ساكتًا. فأجاب رئيس الكهنة وقال له: أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله؟ قال له يسوع: أنت قلت! وأيضًا أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوة، وآتيا على سحاب السماء. فمزق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلًا: قد جدف! ما حاجتنا بعد إلى شهود؟ ها قد سمعتم تجديفه! ماذا ترون؟ فأجابوا وقالوا: إنه مستوجب الموت". (إنجيل متّى 26: 59- 66).
انتبهوا إلى أن الحاكم الروماني بيلاطس حتى هذه اللحظة لم يتدخّل في المشهد!
الكهنة والشيوخ اليهود هم الذين استجوبوا يسوع وحكموا بالإجماع أنه مستوجب الموت!
وماذا بعد أن استجوبوه وحكموا عليه بالموت؟
إنجيل متّى يجيب عن ذلك فيقول:
"ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه، فأوثقوه ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي". (إنجيل متّى 27: 1، 2).
تشاور رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب اليهود على قتل يسوع!
وماذا حدث بعد ذلك؟ استمعوا إلى إنجيل متّى وهو يكمل لكم القصة:
"وكان الوالي معتادًا في العيد أن يطلق للجمع أسيرًا واحدًا، من أرادوه. وكان لهم حينئذ أسير مشهور يسمى باراباس. ففيما هم مجتمعون قال لهم بيلاطس: من تريدون أن أطلق لكم؟ باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح؟ لأنه علم أنهم أسلموه حسدًا. وإذ كان جالسًا على كرسي الولاية أرسلت إليه امرأته قائلة: إياك وذلك البار، لأني تألمت اليوم كثيرًا في حلم من أجله. ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرضوا الجموع على أن يطلبوا باراباس ويهلكوا يسوع. فأجاب الوالي وقال لهم: من من الاثنين تريدون أن أطلق لكم؟ فقالوا: باراباس! قال لهم بيلاطس: فماذا أفعل بيسوع الذي يدعى المسيح؟ قال له الجميع: ليصلب! فقال الوالي: وأي شر عمل؟ فكانوا يزدادون صراخًا قائلين: ليصلب. فلما رأى بيلاطس أنه لا ينفع شيئًا، بل بالحري يحدث شغب، أخذ ماءً وغسل يديه قدام الجمع قائلًا: إني بريء من دم هذا البار! أبصروا أنتم! فأجاب جميع الشعب وقالوا: دمه علينا وعلى أولادنا. حينئذ أطلق لهم باراباس، وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب". (إنجيل متّى 27: 22- 26).
حتى لا يجادل أحد بشأن هذه النصوص الصريحة فإنها من إنجيل متّى وهو أصح أناجيل النصارى! وبحسب ما يروي هذا الإنجيل فإن الحاكم الروماني بيلاطس كان يعلم أن يسوع بريء، وأن اليهود أسلموه حسدًا، وعلاوة على ذلك أرسلت امرأة بيلاطس تحذره من تحمل مسؤولية يسوع لأنها رأت بشأنه حلمًا أزعجها! وبيلاطس كان يرغب في إطلاق يسوع ولكن اليهود رفضوا بالإجماع! بيلاطس يسأل اليهود: ماذا أفعل بيسوع؟ اليهود وبالإجماع يردون عليه بكلمة واحدة: ليصلب! بيلاطس يسأل اليهود: وأي شر عمل حتى أصلبه؟ اليهود يزدادون صراخًا قائلين: ليصلب! وعندما يئس بيلاطس أنه لا ينفع شيء أمام صراخ اليهود ومطالبتهم بصلب يسوع، قام وغسل يديه بالماء أمام الجميع في إعلان صريح عن براءته من دم إنسان لا ذنب له! اليهود يعلنون بالإجماع: دمه علينا وعلى أولادنا! حينئذ أسلمه يسوع ليصلب.
اليهود يعلنون بالإجماع: دمه علينا وعلى أولادنا!
بابا الفاتيكان يقول إن تحميل المسؤولية لليهود مجرد "اتهام خطأ".
الأناجيل الأربعة، وهي أصح كتب النصارى وأقدسها، تجمع على تحميل اليهود المسؤولية كاملة!
لنأخذ إنجيلًا آخر، فتأمّلوا ماذا قال بيلاطس لرؤساء الكهنة عندما طلبوا منه صلب يسوع:
""فلما رآه رؤساء الكهنة والخدام صرخوا قائلين: اصلبه! اصلبه! قال لهم بيلاطس: خذوه أنتم واصلبوه، لأني لست أجد فيه علّة. أجابه اليهود: لنا ناموس، وحسب ناموسنا يجب أن يموت، لأنه جعل نفسه ابن الله". (إنجيل يوحنا 19: 6، 7).
كلام واضح لا يحتاج إلى شرح: خذوه أنتم واصلبوه، لأني لست أجد فيه علة!!
الأناجيل الأربعة والكتاب المقدّس تحمّل اليهود المسؤولية!
بابا الفاتيكان يقول إن تحميل المسؤولية لليهود مجرد "اتهام خطأ".
فمن نصدّق الآن: البابا أم الكتاب المقدّس؟ الجمع بين القولين مستحيل!
إما أن يتراجع البابا عن رأيه وإما أن يتم تغيير نصوص الكتاب المقدّس لتوافق رأيه!
اليهود هم من حكم على يسوع بالصلب وهم الذين نفذوا حكم الصلب!
تأمّلوا كيف تفعل السياسة بعقيدة النصارى؟!
غدًا ينتهي شهر العسل بين اليهود والنصارى ويأتي بابا جديد ويعيد تحميل المسؤولية لليهود!
الآن وبهذه الخطوة الشجاعة من البابا يقترب النصارى أكثر نحو الحقيقة!
الحقيقة التي مفادها أن المسيح –عليه السلام- لم يُصلب أصلًا!!
الشخص الذي حكم عليه اليهود وصلبوه ليس هو المسيح –عليه السلام- بأي حال!
القرآن يقول بصريح العبارة: {... وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ...(157)}(النساء)!
وبرغم ذلك فإن في رقاب اليهود الذين صلبوا شبيه المسيح دم نبي!
لأنهم صلبوه وفي اعتقادهم أنه المسيح –عليه السلام-!
القرآن هو الكتاب الوحيد الذي لا تتصادم نصوصه مع الواقع ولا مع التاريخ!
القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يقول لك في مطلعه: { ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} (البقرة)
إن من أعجب قصص النصارى المهتدين إلى دين الحق، يقول أحدهم إنه كان يسمع بالقرآن الكريم كتاب المسلمين المقدّس، فانتابه نوع من الفضول فتجاهل تحذيرات رجال الكنيسة عن القرآن وتكفيرهم لمن يقرؤه، وفتح المصحف للمرّة الأولى في حياته فوقعت عيناه على هذه الآية من مطلع سورة البقرة فاندهش لهذه الثقة المطلقة التي لا يمكن أن تتأتّى لأي أحد من البشر مهما بلغ من العلم! وكانت هذه الآية وحدها سببًا في إسلامه! لأن عادة المؤلفين أن يعتذروا للقرّاء في مقدمة كتبهم عن أي تقصير أو خطأ أو سهو، أما القرآن فهو الكتاب الوحيد الذي يعلن لك من الوهلة الأولى وبكل ثقة أنه كتاب { لَا رَيْبَ فِيهِ }، ولا خطأ ولا اختلاف فيه ولا خلل ولا تناقض يعتريه، وأنه الكتاب المشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب، وعلى ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم والحق المبين.
يتبع القسم الثاني والأخير
عن موقع طريق القرآن