ابو أسيد2
2011-09-23, 10:12 AM
مناقشة الشيخ محمد سرور حول نصيحته لعلماء اليمن .
بقلم الشيخ / عبد المجيد بن محمود علي الهتاري الريمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد :
فإن العصمة من الضلال كامنة في اتباع منهج أهل السنة الجماعة والتحاكم إليه وتحكيمه على القريب والبعيد في مسائل النزاع في الأصول والفروع وفي النظر والاستدلال ويتحتم على قادة الدعوة السلفية أو أهل السنة والجماعة التحاكم إليه على وجه الخصوص لأن آراءهم الاجتهادية في الغالب تؤخذ منهم مصحوبة بالثقة التامة أن هؤلاء قد استنفدوا طاقاتهم الاجتهادية التامة للتعرف على الحق ولا يمكن أن يتكلموا بمقتضى الهوى ولا يمكن أيضا أن يتكلموا في أمر خطير كمثل أوضاعنا الراهنة بدون تحقيق علمي وتحكيم لقواعد أهل العلم ومنهجهم في الاستدلال ولكن عند إمعان النظر والرجوع إلى وقائع التاريخ يظهر بوضوح أن الأمر ليس كذلك وأنه لا بد من الاحتياط لأن جل الفرق التي خرجت عن أهل السنة إنما خرجت من إطار السنة بعد أن كانت فيه لتفريط وقع منها تجاه هذا المنهج .
ومن ثم فإن هذه الثقة بنيت على حسن الظن وعند ظهور المخالفة الواضحة للمنهج لا يبقى لحسن الظن مكان في قبول الخطأ ويبقى حسن الظن إلى أقصى مدى مصاحبا للحكم على المخالف حتى يظهر عناده فحسن الظن بعد ظهور الخطأ لتبرير قبوله وعدم مفارقة مرتكبه حزبية تغلف بغلاف حسن الظن وعدم شق الصف فهي ثقة في غير موضعها لأن الجماعات الإسلامية ـ ومنها الجماعات التي تعلن التزامها بمنهج أهل السنة إلا من رحم الله ـ تعيش الغمرة التي ذكرها القرآن الكريم وهي غمرة الحزبية في قوله تعالى ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون * فذرهم في غمرتهم حتى حين * ) فهذه الغمرة قد رانت على القلوب فلا يكاد يتجرد المغمور فيها للحق فليس لهذه الثقة مبرر بعد اليوم وعلى كل مسلم حريص على الحق ـ لم يجعل من الحركات الإسلامية وانتمائه إليها وسيلة لمآرب ومصالح دنيوية مصحوبة بالتدين ـ أن يأخذ الحيطة والحذر على نفسه ودينه ومن يتبعه من طلبة العلم فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفةٌ على كل مسلم فالزمن زمن فتنة تجعل الحليم حيرانا يصعب فيها الوقوف على الحق بسهولة وبدون توفيق رباني ومما يدل على ذلك مواقف بعض المشايخ الفضلاء في هذه الفتنة التي تعم العالم الإسلامي ومنها موقف الشيخ محمد سرور مما يجري في اليمن حيث أجري معه حوار قدم فيه نصيحة لعلماء اليمن في شأن الفتنة القائمة في البلد فقد رأيت فيها عجائب من مخالفة الشيخ لقواعد النظر والاستدلال عند أهل السنة والجماعة والتي عرف الشيخ بالدعوة إلى تلك القواعد والتزامها وعدم الخروج عنها وقد وصل إلى أسماعنا أن الشيخ الذي كان سنوات عديدة مع الإخوان المسلمين المعروفين بعدم تبنيهم لمنهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والتصور وفي النظر والاستدلال أنه لم يخرج منهم إلا رغبة في هذا المنهج وتحكيما له ومصداقية في تبنيه مع العلم أن موقفه في هذه الفتنة مخالف لأقوال له سابقة كنت ممن استفاد منها والشيخ محمد داعية إسلامي شهير له أثره المشكور في مجال الدعوة إلى الله وتصحيح المفاهيم والدفاع عن السنة وأهلها والدعوة إلى العقيدة وترسيخها فهو رجل عظيم ولكن الحق أعظم من الجميع وهذه بعض الملاحظات على تلك المقابلة أرجو قبولها منه وممن يحبون الشيخ ويستفتونه والله ولي التوفيق .
وهذا هو نص الحوار ويتبعه التعليق عليه :
حوار خاص حول ثورة اليمن ومتطلبات الدعوة السلفية في المستقبل مع فضيلة الشيخ/ محمد سرور.
حاوره/ طه أحمد الشايمي
الشايمي: الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم أما بعد:
تعيش الأقطار العربية حالة من حالات النهوض الثوري منذ اندلاع الثورة التونسية ونجاحها في إسقاط النظام التونسي، وما تبعها من نجاح الثوار المصريين في إجبار النظام المصري على التخلي عن الحكم، وصمود الثوار في ليبيا أمام آلة حرب القذافي، وإصرار اليمنيين على تغيير نظام الحكم في اليمن، واستبسال السوريين أمام ضربات الأمن للمتظاهرين.. كل ذلك لتحقيق الحرية، والعدالة الاجتماعية، والعزة الوطنية.
ووسط هذه الأجواء من التغييرات والمطالبات بالإصلاح، تتعافى تيارات، وتحاول الظهور على المسرح مستفيدة من مناخ الحرية الذي أطلقته قوى الثورة.. بل تظهر التيارات الإسلامية التي ظلت لسنوات تعاني الحظر والقمع من النظم الاستبدادية.. تظهر هذه التيارات الإسلامية لتطرح رؤاها عن المستقبل السياسي لدولة ما بعد الثورة .
تشابهت مطالب الثورات العربية، وإن لم تتطابق إلا أنها دارت في مجملها حول ضروريات الحياة الإنسانية الكريمة، وضرورات تحقيق العدالة الاجتماعية في مجتمعات حولتها الأنظمة إلى بؤر لكافة الظواهر السلبية والاقتصادية والاجتماعية، من بطالة وأمية وفساد مالي، وفساد إداري مستحكم، وغير ذلك.
وقد قامت هذه الثورات بتكريس مبادئ الحرية؛ فكان تحقيق الحرية والمشاركة هو بداية الطريق لإنجاز المطالب الثورية.
باسمكم جميعاً أيها الإخوة المشاهدون نرحب بفضيلة الشيخ سماحة الوالد محمد سرور بن نايف زين العابدين، ونسعد في هذا اللقاء في منزله العامر في الدوحة أن نحاوره لكي نستجلي ونستشرف رأيه عن هذه الأحداث المتسارعة، وننهل من نصائحه وتوجيهاته التي نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياه فيها التوفيق والرشاد.
مرحباً بك شيخ محمد!
محمد سرور: أهلاً ومرحباً
الشايمي: شيخ محمد! في البداية "ربيع الثورات العربية" كما يطلق عليها في وسائل الإعلام، ما رأيكم فيها؟ وكيف جاءت في هذا الظرف المتسارع في عدة بلدان عربية؟ وهل وراءها أيادٍ خفية داخلية أم خارجية؟ وهل هذه الثورات العربية تمثل طيفاً أم حزباً من الأحزاب أم أنها غضبة الشعوب وانتفاضة الأمة؟
محمد سرور: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن هذه الثورات أو الانتفاضات في البلاد العربية جاءت بقدر من الله سبحانه وتعالى.. جاءت وقد بلغ السيل الزبى، واستبد الطغاة بشعوبهم فأهلكوا الحرث والنسل، وعاثوا فساداً، وفعلوا أموراً -قد نقول- لم يفعلها أحد من قبل، وعاشت شعوبنا مدة ثلاثة عقود أو أربعة عقود أو خمسة عقود، ونشأ جيل أو جيلين على الذل والاستعباد والاسترقاء، ثم جاءت هذه الحركات المباركة لتعيد لأمتنا العربية ثوبها الناصع، وتعيد لها كذلك الحيوية، والأمور التي تتوفر في طبيعة العربي قبل الإسلام، أو بعد أن تشرفت الأمة بحمل رسالة الإسلام، فهي نعمة من الله سبحانه وتعالى.
وأما أن نقول: إن وراءها أمريكا، أو جهة استعمارية أخرى. فمثل هذا الكلام لا يقوم عليه أي دليل، أمريكا هي التي جاءت بهذا النوع من الحكام، وهذا ما يقوله الواقع، وما تقوله الحقائق والوثائق التاريخية، وما قاله أخيراً بوش الابن.. جاءوا بهؤلاء المستبدين ليقتلوا الروح المعنوية عند شعوبهم، وبسقوط هؤلاء الطغاة ستطوى صفحة من صفحات الحقبة الاستعمارية.
أمريكا ومن وراء أمريكا إسرائيل لا يمكن أن يجدوا في مصر رجلاً مثل حسنى مبارك، لقد أعطاهم كل شيء، وتحولت مصر العظيمة الفعالة إلى دولة ليس لها أثر في ظل حكم حسني مبارك، وكذلك تونس هذه البلد التي فجرت ثورات عديدة أيام الاستعمار الفرنسي التي دخلها عام 1881م، ماتت الروح المعنوية فيها أيام حكم الحبيب بورقيبة، ثم أيام حكم تلميذه ابن علي
فإذاً: هذه الأوضاع ما كانت تخدم أحداً أو جهة من الجهات كما تخدم أمريكا أو تخدم إسرائيل بطريقة أو بأخرى، وفي ظل الأجواء الجديدة سوف تتغير الصورة تغيراً كاملاً، وليس وراءها جهة استعمارية.
والذين يتحدثون عن نظرية المؤامرة، نعم. هناك مؤامرات، لكن الحديث بدون دليل هذا كلام فيه كثير من الغلط، والبعد عن الحقيقة.
أما الشكل الجديد لهذه الثورات؛ فهي ثورات أمة وليست ثورات حزب من الأحزاب أو جماعة من الجماعات، وهذا هو مصدر قوتها، ونهض بها شباب، كنا نعتقد أن هؤلاء الشباب عاشوا أو ولدوا في عهد الاستعباد والذل، لكنهم انتفضوا بفضل الله، وأثبتوا وعياً كبيراً، وعلموا الناس طبيعة شعبنا العربي، وكيف أنه لا يرضى بغير الحرية بديلاً.
هذا هو الوضع الجديد لهذه الثورات، والحمد لله.
الشايمي: شيخنا الكريم! فيما لو انتقلنا إلى اليمن، وكما تعلم أن ثورة اليمن لم تقطف ثمارها بعد، ولا شك أن باليمن أطيافاً من التيارات الإسلامية، ومن ذلك التيار السلفي العريض، فبعض الإخوة في التيار السلفي العريض يرون عدم المشاركة، أو عدم شرعية العمل السياسي، ويدخل في ذلك الانتخابات النيابية، وتأسيس الأحزاب، وكذلك الأمر المتعلق بالمظاهرات منهم من يرى شرعيتها، ومنهم من لا يرى شرعيتها، فما تعليقكم؟
محمد سرور: الإخوة السلفيون في اليمن وفي غير اليمن عاشوا في فترة من الفترات كانوا يشتغلون بالعمل الدعوي، ويشتغلون في الجوانب العلمية، وغفلوا عن العمل السياسي. هذا جانب من الجوانب .
جانب آخر: هم أفكارهم هذه يعتمدون في عرضها على بعض علماء الدعوة السلفية، وأبرز هؤلاء العلماء الذين يعتمدون عليهم في المملكة العربية السعودية، وللسعودية ظرف يختلف عن الأحوال التي تمر بها البلاد العربية الأخرى، لذلك عندما يتحدثون عن المظاهرات، أو عن تأسيس الأحزاب، أو عن الانتخابات النيابية، يرون هذه الأمور لا تجوز في السعودية، فيظن الذين يأخذون عنهم أن هذا الأمر عام .
أنا لا أريد أنها تجوز أو لا تجوز في السعودية هذا شأن آخر، وقد يكون لهم عذر، أما في البلاد العربية الأخرى، وفي تاريخنا الإسلامي فأعلام الدعوة السلفية هم الذين يقودون الأمة في جميع الجوانب، خذ أي حقبة من حقب التاريخ تجد أن أعلام الدعوة السلفية في طليعة الذين يعملون في السياسة، وفي طليعة الذين يعملون في الأمور الأخرى، والسياسة عندهم شرعية لا تنفصل عن سائر العبادات الأخرى.
لنأخذ مثالاً على ذلك: العصر الحاضر، وأعني بالعصر الحاضر: قرن من الزمن أو يزيد قليلاً. أعلام الدعوة السلفية مثل كامل القصاب في الشام ورشيد رضا ومحب الدين الخطيب وجمعية العلماء في الجزائر كانت هذه الأمور بارزة عندهم، ولا أعني فقط الجزائر وبلاد الشام فمصر وبقية البلدان الأخرى كذلك، فمثلاً نحن في عام 1920م كان رئيس المؤتمر السوري كان رشيد رضا، والمؤتمر السوري يعني المجلس النيابي، في عهد الملك فيصل بن الحسين، والنظام الذي كان قائماً كان نظاماً علمانياً لا يختلف عن الأنظمة الحاضرة، حتى أن كثيراً من أقطاب السياسة هم أعلام في العلمانية، وفي ما هو أسوأ من العلمانية لتلامذتهم في العصر الحاضر في البلاد العربية، مثل ساطع الحصري ومن هو على شاكلته، فعالم من علماء الدعوة السلفية هو رئيس البرلمان على ما به من أخطاء .
وأنا أكاد أقول -هروباً من الإجماع- جمهور العلماء في الشام كانوا يؤيدون الانتخابات، ويشاركون في الانتخابات، ويقودون المظاهرات، ويشكلون الأحزاب والجماعات.
خذ مثالاً أيضاً: من جملتهم الشيخ كامل القصاب، الشيخ كامل القصاب في كتب التاريخ المعاصرة ومنها مجلة المنار يقود المظاهرات تلو الأخرى في عهد الملك فيصل يطالب فيها برفض أي نوع من أنواع الاستعمار، وينكر فيها المنكرات، ويقود العلماء في الشام، وكان إذا خرج في مظاهرة من المظاهرات تخرج دمشق معه.
تحدث رشيد رضا في مجلة المنار، وتحدث كتاب التاريخ المعاصر عن أنواع من هذه المظاهرات، واستمر الوضع عندما أصدرت فرنسا حكماً على هؤلاء بالإعدام، وتشردوا في البلدان، ثم عاد كامل القصاب، وهو كما قلت: علم من أعلام الدعوة السلفية.. عاد إلى سوريا وأسس جمعية العلماء عام 1937م، وكانت أول مواجهة بين جمعة العلماء وبين جميل مردم رئيس الوزراء بشأن القانون المدني، فقاد دمشق كلها وسارت المظاهرات، ومازالت تقوى حتى سقطت وزارة جميل مردم، وسقط هذا القانون، وسقطت الأطماع الفرنسية وراء هذا الذي فعلته جمعية العلماء برئاسة كامل القصاب.
في مصر كذلك المظاهرات لم تنقطع، وأيام ثورة يوليو التي كان يقودها محمد نجيب، ومن وراء محمد نجيب عبد الناصر.. كانت تخرج المظاهرات ويشارك فيها العلماء، وكانت تتأسس الأحزاب، ومن هذه المظاهرات مظاهرة أجبرت عبد الناصر على إعادة محمد نجيب حتى لا ينفرد بالحكم.
ومن الأمور التي تستحق الذكر: العالم العامل المجاهد محمد الخضر حسين شيخ الأزهر، وهو تونسي خرج من تونس بعد جهاد له مع الاستعمار الفرنسي، ثم جاء إلى سوريا، ومن سوريا انتقل إلى مصر، وقدرته مصر فمنحته الجنسية، وأصبح شيخاً للأزهر، في مذكرات محمد نجيب، وبعد ثورة يوليو أرادت الثورة أن تجعل من الأزهر هذه المؤسسة العظيمة التي تشرئب لها القلوب في العالم الإسلامي، أرادت أن تجعل منها مؤسسة حكومية ليس فيها انتخابات حرة لشيخ الأزهر، وليس فيها رابطة للعلماء، فكان أبرز من رد عليهم محمد الخضر حسين، ويقول: والله إن فعلته سألبس كفني وأقود الأزهر ثم أقود القاهرة.
الذي أريد أن أقوله: إن هذه أعمال سياسية تنبثق من الشريعة الإسلامية، وكان يمارسها علماؤنا، ومنهم أعلام الدعوة السلفية، ولم تظهر مثل هذه الدعاوى التي تأثرت بمؤثرات غريبة .
الشايمي: فبماذا تنصح هؤلاء؟ .
محمد سرور: أنصح هؤلاء: بأنه لا بأس أن يظهر منهم من يقول بأنه لا يرى المظاهرات، يعني: يجتهد من طلاب العلم من يقول بأنه لا يرى شرعية الأحزاب، ولا يرى شرعية الانتخابات، ولا يرى شرعية المظاهرات، لكن ليعلم من يقول بهذا الكلام أنه يخالف جمهور علماء الأمة، حتى علماء السعودية تكلموا عن شرعية هذه الأحزاب والجماعات إن كان مؤسسة على الحق، وعن شرعية الانتخابات، لكن خارج السعودية، ليعلم هذا الأخ أنه يتحدث عن مسألة يخالف فيها جمهور علماء الأمة، لكن أنا أريد ألا يجعل من رأيه تكفير وتفسيق وتضليل للآخرين. ليقل هذا الرأي، ليكتب عن هذا الرأي، ثم عليه ألا يشق صف الدعوة السلفية، وعليه أن يحترم اجتهادات علماء الدعوة السلفية في بلده وفي البلاد الأخرى، وإذا كان ما سمعته صحيحاً؛ فإن الإخوة السلفيين في مصر أسسوا حزباً، وكذلك الجماعة الإسلامية أسست حزباً، وهذا اعتراف بما كان عليه علماء الأمة.
أما الإخوة في اليمن فأنصحهم من الآن بأن يؤسسوا حزباً من الأحزاب، وأن يكون هذا الحزب ضمن الدائرة السلفية، وألا يكون قاصراً على الجماعة رقم واحد أو رقم اثنين.
وأن ينتبهوا إلى أن عليهم أن يخرجوا من الظرف الذي سبق هذه الانتفاضات المباركة، ويمارسوا الحرية، فهذا الحزب يجب أن يقوم على منهج شرعي سلفي، وأن يكون مفتوحاً لكل الجماعات داخل الدائرة السلفية.
الشايمي: شيخنا الكريم! المتتبع لساحات التغيير في اليمن، سواء كانت في صنعاء أو في تعز أو في سائر المحافظات يرى أن هناك شعارات كثيرة ترفع، ومن هذه الشعارات، وهو الشعار البارز: الحرية! فهل شعار الحرية مبرر كاف لقيام هذه الثورة السلمية؟
محمد سرور: نعم هو مبرر كبير، وأنت تقول -جزاك الله خيراً-: إنها ثورة أو انتفاضة سلمية، ليس فيها حمل السلاح، ويجب أن ينتبه كل من يتعرض لهذه الانتفاضات إلى أنها سلمية ليس فيها حمل سلاح، فهي من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك يجب أن تستمر، وهذا هو مصدر قوتها، وكما قلت: مصدر قوتها أنها يقودها شباب الأمة لا يقودها حزب أو جماعة؛ فالحرية هي مبرر؛ لأن الحرية هي نقيض الاستعباد، نقيض الرق، نقبض العبودية.
الأنظمة الاستبدادية في بلادنا ليتها سواء كانت في سوريا، أو كانت في مصر، أو كانت في ليبيا، أو كانت في مصر وغيرها من البلدان الكثيرة.. ليتها تعامل شعوبها معاملة السيد للعبد، معاملة السيد للعبد في كل حقب التاريخ معاملة كريمة، العبد يأخذ من طابع السيد، ويلبسه مما يلبس إن كان متمسكاً بدينه، أو من كان غير متمسك يرأف بهذا الرجل الذي يحميه، يلبسه مما يلبس، ويطعمه مما يأكل، ويعيش بجو سيده، له حقوق، لكن شعوبنا لا تعامل هذه المعاملة، شعوبنا في السجون، ومن حق المستبد أن يقتل من يشاء، في سوريا الذين فقدوا عام 1980 يقاربون العشرين ألفاً! أين هم؟ لا يستطيع أحد أن يسأل عنهم.
ماذا يقول الذين خرجوا من السجون؟ يقولون: كان مزاج الرقيب الموجود في سجن تدمر يقتل من شاء، ثم يخرج من شاء
من زملاء القتيل فيحملونه ويلقونه مع المهملات والقاذورات!!
صورة غريبة من الذل تعيشه شعوبنا، وهذا لا يجوز في شريعة الإسلام، ولا يجوز الآن في الشرائع الأرضية والتي لا تبلغ عشر معشار الإسلام.
نعم. الحرية مطلب، وكنا نمارس هذه الحرية في سوريا قبل أن يأتي هذا النظام اللعين، كان يحكم بلادنا رجال مثل هاشم العتاسي، هاشم العتاسي جاء في يوم بارد، وأمام بيته المتواضع -لا أقول قصره- شرطي، فسأل نفسه وهو رئيس الجمهورية السورية: كيف أنعم بالدفء وهذا الشرطي يتعرض لأشد أنواع البرد القارص، ففتح الباب وقال له: يا بني! اذهب إلى البيت فالله يحرسني، كان له سجادة صلاة في المسجد، فجاء رجل من عامة الناس في المسجد فوقف عليها، فقال له الشرطي: هذه لرئيس الجمهورية، فقال له: هذا بيت الله!
شكري القوتلي الرئيس الثاني رحمهم الله، كان يخرج من بيت لا يشبه قصور هؤلاء الصعاليك الآن، وهو ابن نعمة، ورجل مشهور، كان يخرج من بيته البسيط ويترك السيارة مشياً على الأقدام، والشرطي وسائق السيارة يمشون وراءه، ثم يمر الناس فيقولون له:" صباح الخير أبو حسان"، ويرد عليهم، ويقف صاحب الحاجة ويسأله عن حاجته حتى يصل إلى المكتب، والأبواب كانت مفتوحة ، هذا الشكل الهمجي الذي لا يشبه حكم التتار هذا نقيض الحرية، ويجب أن يتغير نعم. نحن نريد أن نعيش بحرية .
الشايمي: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون، وما زال اللقاء يتواصل مع الشيخ محمد سرور.
فضيلة الشيخ محمد! الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى هم رموز هذه الأمة، وهم من يقودون الأمة إلى بر الأمان، فما هو دورهم؟ وهل سينتهي دور العلماء والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى بسقوط النظام؟
محمد سرور: لا. العلماء والدعاة لا ينتهي دورهم بسقوط النظام، والنظام يجب أن يسقط لأن هذا لم يحدث حتى في الأنظمة الملكية يجلس لوحده ثلاثين سنة، ثم لا يهلكه إلا الدهر، ثم يترك الأمور لابنه أو لابن ابنه من بعده، فالنظام يجب أن يسقط، والعمل على إسقاط النظام تعمل فيه جهات متعددة، فجهة تريد نظاماً باطنياً في اليمن، وجهة أخرى تريد الاشتراكية أو العودة للشيوعية، أو جهة مشبوهة تريد عودة الانفصال إلى اليمن، فإذاً ضمن هذه الحركات اتجاهات مسمومة.
نعم. نحن نريد سقوط هذا النظام، ولكن المعركة الحقيقية تبدأ بعد سقوط هذا النظام.
نحن أصحاب مسألة مصيرية، الحكم عندنا في اليمن وفي غير اليمن يجب أن يكون حكماً إسلامياً، وهذا يحتاج إلى جهاد. واسم جهاد واسع جداً؛ جهاد بالكلمة، جهاد بالعمل السياسي، جهاد بالمظاهرات، جهاد بأشكال مختلفة. نعمل من أجل يكون الدين كله لله. هذه لا نستحي ولا نخجل ولا نوارب في عرضها، ومن ثَم المنهج السلفي يدعو لهذا، فالمعركة إذاً تبدأ بعد سقوط النظام، فنواجه من يريد الانفصال، ونواجه من له صلات أجنبية بإيران وبغيرها أو بأمريكا.. كله سواء، ونريد لليمن أن يكون بلد دعوة وإسلام وخير، وبلد الحكمة الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يحتاج إلى معركة طويلة.
الشايمي: عوداً شيخنا الكريم إلى الساحات. كما تعلم أن في الساحات عدة تكتلات وائتلافات، ومن هذه التكتلات أو التيارات هناك أيضاً التيارات السلفية، والتي لها نشاط ملموس في الساحات، فعلى سبيل المثال: حركة النهضة والتغيير في صنعاء والبيضاء، وأيضاً حركة شباب النهضة للتغيير السلمي بعدن، وحركة العدالة بتعز، وحركة الحرية والبناء في إب، وحركة شباب النهضة والتجديد في الحديدة، والائتلاف السلفي للتغير في حضرموت، وغيرها من الحركات السلفية الموجودة في الساحات، فهل من كلمة توجهونها لهذه التيارات على وجه العموم، وللتيار السلفي المشارك في هذه الساحات على وجه الخصوص؟
محمد سرور: هذا (حركة النهضة والتغيير) وأمثالها في المحافظات اليمنية.. هذا عمل متقدم، جزاهم الله خيراً، ويشكرون، وقد سدوا فراغاً قصر فيه الإخوة السلفيون فيه، ويجب هذا التحرك، وهؤلاء طلاب علم، ويفهمون كغيرهم العمل السياسي، وأنه -كما ذكرت قبل قليل- ينطلق من المنطلقات الشرعية. هذا التكتل يجب أن ينبثق عنه حزب من الأحزاب يكون حسب المفاهيم والتصورات السلفية، وأن يبرز في الساحة الإسلامية، ولا نفرض على كل الإخوة أن ينضموا إلى هذا الحزب، وهو بمثابة فرض كفاية على الإخوة السلفيين، فعملهم طيب ومثمر إن شاء الله، ويؤدون دوراً كبيراً، لكن أنصحهم أن يكون الهدف المرحلي عندهم سقوط النظام وعودة الحرية، وألا يشتغلوا بأمور أخرى لأنها معروفة عندنا ومعروفة عند غيرنا.
يعني: هذا المرتبط بإيران بشكل أو بآخر يعرف الناس جميعاً أنه تحرك، وأشعل حرباً في اليمن، وكان على صلة بإيران، وكان على صلة بحزب الله، وهؤلاء بعض الذين في الجنوب يحلمون بعودة اشتراكيتهم، نحن أحق بالتغيير وبالدعوة إلى الإسلام في كافة جوانب الحياة من هؤلاء؛ فأرى أن ينصرفوا إلى الهدف المرحلي وهو سقوط النظام، وعودة الحرية، وأن لا ينصرفوا لأمور أخرى، ليس هذا الوقت في ساحات الحرية الذي نقول فيه: يجب أن يكون الحكم كله لله، السكوت لا يعني أننا لا نريد، لكن السكوت يعني توحيد الكلمة والمطالبة بسقوط النظام، بعد هذه المرحلة كلٌ يكون له دوره.
وأنصحهم ألا يصطدموا مع الآخرين، ويصبروا على الأذى الذي تلحقه هذه الجهة أو تلك بهم.
الشايمي: سؤال أخير فضيلة الشيخ، ولعلنا نختم به هذا اللقاء. بحكم خبرتكم أيها الشيخ الفاضل! كيف يمكن استثمار هذا الواقع لتوظيفه في التقارب بين المؤسسات والتيارات الإسلامية، وعلى الوجه الخصوص التيار السلفي في علاقته مع التيارات الإسلامية، وعلى وجه الخصوص الإخوان المسلمين؟
محمد سرور: دعني أتكلم عن علاقة السلفيين بالإخوان المسلمين. الإخوان المسلمون يمثلون تجمعاً كبيراً في اليمن، والسلفيون يمثلون تجمعاً كبيراً في اليمن، فكما ذكرت قبل قليل: يجب أن يكون السلفيون جميعاً في العمل السياسي يداً واحدة، وجهة واحدة، لا سيما وأنهم تجمعهم التصورات والمنطلقات السلفية، ومن أراد أن لا يعمل مع حزب سياسي بل نقول دوره الأصيل في الدعوة والتربية، والعلماء في أمانتهم ودورهم وتربيتهم فوق الأحزاب والجماعات. هذا خير وهذا خير.
فكما قلت أيضاً: أنصح وبشكل عاجل قيام هذا الحزب المدروس بين الجماعات السلفية، وأن ينتبهوا إلى الظروف السابقة والظروف اللاحقة .
أما عن علاقة السلفيين بالإخوان المسلمين: فالتعاون بينهم واجب شرعي، حتى لو تأخرت جهة من الجهات، أو حتى لو قابلنا الإخوان بشيء من الجفاء -لا سمح الله- يجب أن نصبر، ونلتزم بالواجب الشرعي.
نحن ندعو إلى هذا الإسلام العظيم، ونحن جميعاً أهل سنة، والسنة تجمع ما بيننا وبينهم؛ فإذاً التعاون بيننا واجب شرعي، وهذا التعاون يخدم اليمن خدمة كبيرة، ويخدم الأمة في كل بلد من البلدان العربية، ليس هناك من مصلحة في تفرق كلمة المسلمين، والدعوة السلفية أحرص الأحزاب والجماعات والاتجاهات على وحدة الأمة.. بل هي كانت مفتاح توحد الأمة في التاريخ.
وحتى ينجح التعاون بين السلفيين وبين الإخوان المسلمين يجب أن ينتبه كل طرف إلى أخطائه، فليس من حق الإخوان المسلمين أن يقولوا: نحن الجماعة الأم أو غير ذلك، وليس من حق بعض السلفيين التنطع والقول: نحن أصحاب العقيدة السليمة، وغيرنا مبتدع وضال وكذا. هؤلاء يجب أن ينتبهوا إلى التعاون، والتعاون يعني أن جهة تتعاون مع جهة حسب اتفاق لا حسب أجندات معينة، فالإخوان مثلاً يريدون أن يفرضوا شيئاً والسلفيون يريدون أن يفرضوا شيئاً آخر.
ولتعلم كل جهة من الجهات أن الإخوان المسلمين لا يسدون الفراغ الذي تتخلى عنه السلفية في الساحة، والقول بأن ترك هذا، لا. فالسلفيون كانوا قبل قرن أو يزيد قليلاً.. كان علماء الدعوة السلفية هم رواد العمل السياسي، ثم جاءت فترة قصر السلفيون فتقدم الإخوان، وصارت للإخوان اجتهادات والإخوة السلفيون لا يقرون هذه الاجتهادات، والإخوان المسلمون لا يرون بعض اجتهادات السلفيين في العمل السياسي. هذا طبيعي في جماعة تتعاون مع بعضها البعض، نحن نفترض أن هناك خلافاً يقع، فلنا كسلفيين أن نقول رأينا، ولهم أن يقولوا رأيهم، ولنفترض أننا نتعاون بنسبة قدرها ستون بالمائة خمسون سبعون. هذا مكسب للدعوة الإسلامية، ونختلف في أمور أخرى، وفي المجمعات الفقهية والعلمية والعلمانية في العصر الحاضر هناك تقدم كبير، يذكرون الآراء المطروحة، هذه الآراء قد يخالفها عالم سواء كان هنا أو هنا، فيكتبون: أن هذا القول خالفه العالم الفلاني وقال كذا وكذا.
الذي أراه: أن الإخوان المسلمين لا يسدون الفراغ في الساحة السياسية الذي تتطلع إليه الجماعات السلفية، وكذلك السلفيون لهم طريق يختلف. ويجب أن نعترف بهذا الأمر، وأدعوهم إلى التعاون، والتعاون يعني تنظيماً، ويعني صورة متقدمة، ويعني أن يكون هناك روابط، وأستغفر الله العظيم، وجزاكم الله خيراً.
الشايمي: جزاك الله خيراً
في ختام هذا الحوار مشاهدينا الكرام لا يسعنا إلا أن نتقدم بوافر الشكر والثناء لفضيلة الشيخ سماحة الوالد محمد على نصائحه وتوجيهاته، ونسأل الله عز وجل أن يرزقه عمراً مديداً في صحة وعافية، وأشكر لكم أنتم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة والإصغاء
والسلام عليكم ورحمة تعالى الله وبركاته.
قوله : عن الثورات العربية أنها حركات مباركة في قوله (ثم جاءت هذه الحركات المباركة لتعيد لأمتنا العربية ثوبها الناصع، ) لا يليق به وبمستواه العلمي والتوجيهي ومستوى الوعي الذي يفترض أن يكون عليه بأحوال الأمة وهو من هو في هذا الشأن أن يطلق على هذه الحركات العلمانية لفظا شرعيا له مدلول شرعي غير منطبق جملة وتفصيلا على هذه الثورات فإن هذه الحركات الشعبية وأخص القاعدية منها لو سلمنا بانطباق شيء من معاني هذه البركة عليها فإن شياطين قيادات الأحزاب العلمانية مثل الناصرية والشيوعية والديمقراطية هي التي تقود هذه الثورات وتجني ثمارها فهي المستفيد الأول من ذلك التحرك الشعبي فتعود تلك الاستفادة على ما يمكن أن يوجد من البركة بالبطلان والقيادات الإسلامية بعضها إما ملوث بتلك الأفكار مثل الإخوان والبعض الآخر يمتلك رؤية صحيحة وبديلا إسلاميا نظيف ولكن للأسف قاعدته الجماهيرية غير موجودة بالقدر الكافي لتحمل أعباء التغيير برؤية إسلامية وأجندة إسلامية فهو غير قادر والحالة هذه على تحريك القاعدة الشعبية إلا بأن يخاطبها بلغتها وثقافتها التي قد غرسها الاستعمار وأنظمته العميلة له .
ولا يجوز أن يطالب بأن يتقدم للقيادة بغير الإسلام لأنه بذلك يخسر مشروعه الذي تنتظره الأمة بصفائه ونقائه فإن الفشل المحقق بسلوكه الطريق الديمقراطي يقضي على ما بقي في الأمة من أمل معلق به وهذه الحركات الشعبية ملوثة بطريق الأولى بالمفاهيم السياسية الغربية إلى حد أن الطرح السياسي السلفي السليم غير مقبول بالمرة لديها لأنه غريب عليهم ومثالي عندهم لا يمكن تطبيقه ولا يمكن أن ترضى عنه القوى الغربية والدولية وستكون له بالمرصاد .
وإذا ظهر في أي تكتل ضيقوا عليه الخناق حتى يلحق بهم أو يتوارى عن الأنظار فلا بد من قوة شعبية عريضة تحمي التوجه الإسلامي وتدفع عن عقائد الإسلام وشرائعه .
وأما أجندة الديمقراطية فهي طريقة علمانية ليست الطريقة الكلامية التي ذمها السلفيون طيلة تاريخ صراعهم مع القوى البدعية إلا قطرة من بحر كفر الديمقراطية وزندقتها فمن تبنى منهم الديمقراطية وما تفرع منها من الوسائل لتكون وسيلته للتغيير فليعلم أنه قد ودع الطريقة السلفية وخلفها خلف ظهره عند باب الديمقراطية إذ أن التسليم بالأكثرية في مخالفة الدليل وهي محور الديمقراطية في الاحتجاج يتعارض مع تقرير الدليل الذي هو محور الاحتجاج في الطريقة السلفية ولو خالف الأكثرية ، فالأكثرية في الديمقراطية مقدسة بإطلاق وفي الطريقة السلفية لا عبرة بها إذا خالفت الدليل بل هي طاغوت مع العلم بالفارق الأساسي بين الأكثرية السلفية التي هي الجانب الأكثر من أهل العلم والاجتهاد ، وبين الأكثرية الديمقراطية التي لا يشترط فيها حتى الإسلام فضلا عن العدالة والعلم ؟ فمن أين تأتي البركة الشرعية إلى هذه الحركات العلمانية الديمقراطية .
وقوله : ( فهي نعمة من الله سبحانه وتعالى ) هي كانت ستكون كذلك لو أنها رفعت شعار الإسلام هو الحل والشريعة هي الهدف ولكنها ما دامت رفعت شعار الديمقراطية والحرية والحلول الغربية فهذا الوصف عنها بعيد فليست كما وصفتها أيها الشيخ الفاضل فإن ساحاتها مملوءة بصور الطواغيت من عبد الناصر إلى جيفارا مرورا بالطواغيت المحلية من طواغيت الاشتراكي وقد صكت الآذان بالأغاني الوطنية وحسبها في الترجيح بينها وبين خصومها أنها اختارت نظاما كفريا أقل ظلما في حق العبيد فلا يجوز أن يتجاوز هذا الوضع حده إلى أن يمدح بإطلاق وكأنه حق صرف ومن ثم فلا يجوز أن يمنح وضع كهذا وصفا شرعيا ولا اسما إسلاميا بل يبقى الكفر ملة واحدة وبعضه أشد كفرا أو ظلما من بعض وأما البركة الإسلامية والنعمة التي هي من الله وهي نعمة الإسلام فلا موضع لها في هذا البحر الهائج من الهوجاء والآراء المتناقضة .
وقوله : ( وأما أن نقول: إن وراءها أمريكا، أو جهة استعمارية أخرى. فمثل هذا الكلام لا يقوم عليه أي دليل، أمريكا هي التي جاءت بهذا النوع من الحكام، وهذا ما يقوله الواقع، وما تقوله الحقائق والوثائق التاريخية، وما قاله أخيراً بوش الابن.. جاءوا بهؤلاء المستبدين ليقتلوا الروح المعنوية عند شعوبهم، وبسقوط هؤلاء الطغاة ستطوى صفحة من صفحات الحقبة الاستعمارية ) .
أقول : لا شك أن أمريكا هي التي جاءت بهذه الأنظمة كما قال الشيخ وهي حقيقة لا يمكن الطعن فيها البتة بل الأمر كما ينقل عن الرئيس اليمني أن هذه الأنظمة على ضخامتها ليست عند أمريكا ولا بمنزلة أقسام الشرطة ولكن : ومن الذي يشك أيضا أن الديمقراطية والحرية الغربية والتعددية الحزبية والتي تنادي بها هذه الثورات جاءت بها أمريكا أيضا والدول الأوروبية معها وأن هذه الأنظمة ما جيء بها إلا من أجل هذه اللحظة التاريخية بعد أن تقوم الأنظمة بما كلفت به من التضييق على الشعوب الإسلامية حتى إذا بلغت الروح الحلقوم وضاقت عليها الأرض بما رحبت وثارت الجماهير للمطالبة بالحقوق التي تتمتع بها الشعوب الغربية فإن الديمقراطية حينئذ ستكون مرحبا بها في البلاد الإسلامية ليس من قبل عموم الناس بل من قبل خاصتهم كما هو مشاهد من أحوال الدعاة وخاصة من شرد منهم عن وطنه أو لا يزال يعيش تحت وطأة الأنظمة الدكتاتورية إذا فالجميع ينفذ مخططات أعداء الإسلام من كان في المعارضة أو في النظام فأين الحسبة على الجميع وأين الميزان الشرعي القائم على العدل والإنصاف ولماذا الانحياز إلى فريق دون فريق في حين يفترض فينا الحيادية الكاملة والنصح العام .
ولو أن الديمقراطية عرضت على هذه الشعوب وهي تحكم بالشريعة والعدالة الإسلامية لرفضتها ولسخرت منها لأنه سيظهر لها الفرق بين الديمقراطية والإسلام وسترى أن النظام الإسلامي الرباني يتحقق به كل مقاصد الحياة الكريمة مع سلامته من الكفر الموجود في الديمقراطية والمنكر الملازم لها باعتبار ذلك المنكر حقا لمن يريده من هواة المنكرات وهو حق تضمنه الديمقراطية ولا يضمنه الإسلام بل يحاربه ومن مبادئها التي يرددها المدافعون عنها قولهم ( يمكنني أن أخالفك الرأي ولكنني أبذل رقبتي لتقول رأيك ) وهذا المبدأ يتعارض مع أبسط مبادئ الإسلام الذي يقوم على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالمنكر في الإسلام يقمع ويكبت سواء كان قولا أو فعلا ومن وظائف الدولة الأساسية العمل على القضاء عليه وتطهير الأرض منه وتسخير كافة الإمكانات البشرية والمادية والعلمية للقضاء عليه أين ما كان .
وأقول أيضا لسنا بالضرورة محتاجين إلى دليل سري تثبت به عمالة هذه الثورات للأنظمة الغربية وأنها هي التي حركتها وأنها تحظى برضاها لأننا نكتفي بما تدعو إليه من مبادئ مستوردة من قبل أعداء الإسلام تريد أن تحكمنا بها تكفي تلك المبادئ للحكم عليها بالعمالة لأن العمالة الفكرية أكثر دلالة من العمالة السرية وأخطر ولو أن أحدا مهما كانت جلالته أو مركزه الديني أو الدنيوي دعا إلى مبادئ الديمقراطية الغربية مؤمنا بها كما يؤمن بها هؤلاء الشباب في هذه الثورات لكان معدودا من العملاء شاء أم أبى .
ومن ثم نقول لماذا الاستغراب من الرأي الذي يتهم الثورات القائمة في العالم العربي أنها عميلة تنفذ مخططات يراد بها تغيير وجه السياسة والأوضاع في العالم العربي ، أو كيف يستغرب أو يجحد عدم رضا الاستعمار الغربي عن هذه الثورات ونحن نسمع ونشاهد المساعدات المختلفة لهذه الثورات وكيف لا ترضى أمريكا عن هذه الثورات وهي تنادي بالديمقراطية التي تسعى القوى الغربية إلى تثبيتها في العالم الإسلامي ولو بالقوة وحرب القوى الغربية ضد العراق كانت تحت هذا الشعار والحرب في ليبيا كذلك فإذا جاء من يقوم بهذا الدور من المسلمين سلميا أو عسكريا نيابة عن القوى الغربية فمن يشك في أن هذا الوضع يحظى بالرعاية والحماية لديهم والحرب في ليبيا أكبر دليل حيث تشارك القوى الغربية وحلف الناتو في تثبيت النظام الديمقراطي بدلا عن نظام الدكتاتور معمر القذافي .
وأقول يكفي في الدلالة على ضعف ما ذهب إليه الشيخ سرور من أن هذه الأنظمة لا يكرهها الغرب وأنها محل رضا عنده وأن الديمقراطية ليست أحب إليه منها قضاؤهم على صدام وشنهم تلك الحرب المدمرة وجمعهم تلك الجموع وحربهم على القذافي وتخليهم عن شاه إيران قديما وعن مبارك حديثا فهي تسعى في ليبيا إلى تدارك الوضع قبل تنامي المد الإسلامي ووعيه بأضرار الديمقراطية فالمناداة بالحلول الديمقراطية دليل كاف على العمالة وقد توج في هذه الأيام الرئيس ساركوزي رئيس فرنسا ورئيس وزراء بريطانيا مواقفهم المساندة لثورة ليبيا بزيارة لطرابلس وبني غازي وقلدهم العابد الساجد الذي تظهر السجدة في وجهه والذي تولى وزارة العدل قلدهم وساما فيه العلم الليبي الجديد واحتفى الليبيون بهما احتفاء عظيما اختلط فيه التكبير والتهليل بزغارد النساء وبسمات الأطفال وتصفيقهم أن كذب هذه المشاهد البصرية والسمعية ونصدق الشيخ سرور بأنها ثورات شعبية لا محل لعقلية المؤامرة فيها وأن كل هذا لا يدل على رضا الغرب بهذه الثورات .
وقوله : ( وبسقوط هؤلاء الطغاة ستطوى صفحة من صفحات الحقبة الاستعمارية ) هذا كلام غير محقق سيأتي من كلام الشيخ نفسه ما يبطله وأن معركة العلماء مع الاستعمار إنما تبدأ بعد سقوط الأنظمة لأنه حينئذ يجب عليهم هدم المفاهيم التي قامت عليها تلك الثورات طيلة حقبة الاستعمار ومحاربتها باعتبارها تتناقض مع المنهجية الإسلامية في الحكم والسياسة والاقتصاد والتفكير والتربية أو يقع الخيار الآخر والعياذ بالله وهو الانغماس في تلك القيم الغربية وأسلمتها كما يفعل بعض المخذولين من المنتسبين لبعض الجماعات الإسلامية وتلك هي الطامة الكبرى والهزيمة المقيتة والخذلان المبين .
والذي اعتقده أنه ما دام أن هذه الثورات تنادي بمبادئ النظم الغربية فإن الأمة لا سمح الله إذا استجابت لها فستدخل نفقا جديدا من التيه والضياع تحت شعارات هذه المبادئ لا يعلم مداه إلا الله وقد كانت ثورات القرن الماضي أقرب إلى الشعارات الإسلامية من هذه الثورات الحالية حيث أن الأخيرة أكثر تصريحا ومناداة بمبادئ الغرب مع المعرفة التامة بمنطلقاتها الفكرية والسياسية وأن العذر بعدم تبين ما في هذه الأنظمة من المزالق الفكرية غير قائم اليوم كما كان في ثورات القرن الماضي .
وقوله (أما الشكل الجديد لهذه الثورات؛ فهي ثورات أمة وليست ثورات حزب من الأحزاب أو جماعة من الجماعات، وهذا هو مصدر قوتها، ونهض بها شباب، كنا نعتقد أن هؤلاء الشباب عاشوا أو ولدوا في عهد الاستعباد والذل، لكنهم انتفضوا بفضل الله، وأثبتوا وعياً كبيراً، وعلموا الناس طبيعة شعبنا العربي، وكيف أنه لا يرضى بغير الحرية بديلاً هذا هو الوضع الجديد لهذه الثورات، والحمد لله ) .
أقول : أما أنها ثورة أمة فنعم في بعض البلدان وأما أن هذه الأمة هي الأمة التي يعرفها الإسلام أي أمة الإسلام المنطلقة منه عقيدة وسياسة وأخلاقا وأهدافا فهذا محل النزاع فهذه الأمة قد تشربت الأفكار الغربية طيلة فترة حكم هذه الأنظمة بل وما قبلها وإنني أتعجب من هذا التحليل الذي يقوله الشيخ عن أوضاع الأمة إذ أنه يتعارض مع ما كتبه كتاب ومفكروا هذا التوجه من أن الدين يعيش فترة غربة فلهذا كتبت الكتب عن الغرباء الأولين ونشرت المقالات والكتيبات عن التجديد ومفهومه وشروطه وصفات أهله ووجوب العمل الجماعي لإزالة هذه الغربة فهل الوقوف مع هذه الثورات يمكن علماء الأمة من تجديد الدين وهل هذه الثورات مؤهلة للقيام بالتجديد الموعود وهل هؤلاء الشباب يتمتعون كما قال الشيخ بالوعي الكبير فهذا إن صح سيعود على فكر الشيخ نفسه بالإبطال حيث أنه من الدعاة إلى التربية الصحيحة والصبر عليها وأنها ليس لها أمد تنتهي إليه وهذه الثورات إن وقفنا معها وسلمنا لها زمام المبادرة وشكلت الحكومات من ساحاتها فإن ذلك يعني أن مشروعنا التربوي الذي قصد به تهيئة الأمة لمثل هذه الفتن كان عبثا وجهدا غير طائل فقد جاء من سبقنا إلى القيادة المطلوبة بشكل مفاجئ وبدون مقدمات ولم يسبق له أن تربى في أي محضن بل وسيحرجنا كما صرح به الزنداني أنه محرج من شباب الثورة حيث توصل هذا الشباب إلى نتائج عمل الشيخ وأصحابه عشرات السنين ليصلوا إليها فلم يفلحوا فلهذا استحق هؤلاء الشباب عند الزنداني براءة الاختراع .
فإن قيل هؤلاء الشباب يمكن إذا اشتركنا معهم في ثوراتهم وشعاراتهم أن يوجهوا التوجيه السليم على مقتضى النظر الشرعي فيقال هذه الطريقة إعادة للفلم القديم من أفلام الإخوان وإخراج جديد لمحنة ومصيبة الإخوان المسلمين في القرن الماضي مع ثورة يوليو ثورة جمال عبد الناصر في مصر حيث كان للإخوان نصيب وافر من رجالات تلك الثورة ودافعوا عنها في أول الأمر دفاعا عظيما ثم جعلتهم تلك الثورة مثلا للمعتبرين .
وكذلك موقفهم من ثورات مشابهة في العالم العربي مثل ثورة اليمن فلا يزالون متبنين لها ولشعاراتها ويزعمون أنهم أحق بها وأهلها وتحالفوا مع الرئيس طيلة فترة حكمه يمدحون حكمه بما لذ وطاب من الألفاظ حتى عام 2006 فغيروا الاسطوانة والقوى العلمانية تنازعهم في ذلك وتتهمهم بالرجعية والتخلف والظلامية وهم كل يوم ينزلقون إلى انحراف جديد لإثبات ثوريتهم ومن أراد أن يطلع على شيء من ذلك فليتابع إعلامهم في هذه الأيام في ساحات التغيير .
وهذه الثورات السياسية القائمة في العالم العربي ستؤدي إلى أننا سنقضي سنوات القرن الحادي والعشرين في نفق جديد ومشروع مظلم مكسو بالشعارات البراقة التي لبس علينا بها في القرن الماضي وتورط الإخوان المسلمون في تأييدها فعادت عليهم بالنكال والأغلال وسيبدأ الشقاق والنزاع مع الثوريين بعد سقوط الأنظمة مباشرة وعلى الإسلاميين أن يهيئوا أنفسهم للسجون والزنازين أو يهيئوا أنفسهم لأن يصبغوا أنفسهم وشعوبهم بالصبغة العلمانية القادمة تحت شعار الحرية والديمقراطية والتعددية والقبول بالرأي والرأي الآخر وهذا ما يريده أعداء الإسلام من الدعاة إلى الله بالسلم أو بالحرب ومن كان عنده أدنى وعي بطبيعة المنافرة بين تعاليم الإسلام وتعاليم الجاهلية أدرك أن كلا منهما لا يقبل التعايش مع الآخر بطريقة مستقلة بحيث يحتفظ كل منهما بوجوده في بلد واحد ونظام واحد ما لم يدمج أحدهما في الآخر ويذوب أحدهما في الآخر فينشأ عن ذلك صورة أخرى مغايرة للإسلام أي إما جاهلية فيها إسلام أو إسلام فيه جاهلية فالكل جاهلية وهذا نوع آخر غير الإسلام نسأل الله الثبات والهداية إلى ما يحبه ويرضاه .
قوله : ( الإخوة السلفيون في اليمن وفي غير اليمن عاشوا في فترة من الفترات كانوا يشتغلون
بالعمل الدعوي، ويشتغلون في الجوانب العلمية، وغفلوا عن العمل السياسي. هذا جانب من
الجوانب .
جانب آخر: هم أفكارهم هذه يعتمدون في عرضها على بعض علماء الدعوة السلفية، وأبرز هؤلاء العلماء الذين يعتمدون عليهم في المملكة العربية السعودية، وللسعودية ظرف يختلف عن الأحوال التي تمر بها البلاد العربية الأخرى، لذلك عندما يتحدثون عن المظاهرات، أو عن تأسيس الأحزاب، أو عن الانتخابات النيابية، يرون هذه الأمور لا تجوز في السعودية، فيظن الذين يأخذون عنهم أن هذا الأمر عام . )
أقول : العمل السياسي الإسلامي يتكون من رؤية ، وآلية تنفذ بها تلك الرؤية وهي الدولة وليس بالمقدور وجود هذه الدولة اليوم لعدم وجود الشروط ولتوفر الموانع المتعددة منها ما هو راجع إلى الحكام ومنها ما هو راجع إلى الأمة ومنها ما هو راجع إلى الدعاة المتبنين للحل الإسلامي على اختلاف في مفهومهم له ومنها ما هو راجع إلى أعداء الإسلام وما لا يدرك كله لا يترك جله وقد اشتغل السلفيون على طريقتهم طيلة الفترة الماضية ببيان طبيعة النظام الإسلامي ومخالفته لطبيعة الأنظمة العلمانية المعاصرة اشتراكية كانت أو ديمقراطية وهذا جهد عظيم وجبار فأول العمل الفكرة ثم جمع الناس والأسباب على تلك الفكرة ثم بدء التنفيذ حين تكتمل الأسباب وتزول الموانع أو تخف وليس الوصول إلى المواقع السياسية هدفا إسلاميا يجب الوصول إليه بكل طريق ولو عن طريق الأجندة التي وضعها المستعمرون وعملاؤهم فإن هذا ليس طريق المنهج الرباني وعليه فالشيخ لم يبين ما هو هذا العمل السياسي الذي لم يشتغل به السلفيون فإن قصد من خلال النظم الديمقراطية فهذا محل النزاع أن ذلك عمل سياسي إسلامي وأنه مطلوب شرعا منا أن نفعل ذلك وأننا إذا لم نقم به فقد تركنا جزء من الدين وهو لم يقم دليلا على ذلك فهو كلام في غاية البعد وذلك أن تلك الأجندة أوضاع جاهلية بعيدة عن شرع الله لا يجوز للمسلمين أن يتحاكموا إليها في المسائل المبنية عليها .
فإن قيل إن الأمور السياسية يتعلق بها ما لا بد منه من معايش الناس وحفظ النفس والمال والعرض فهل يترك العلماء ذلك ويهملون هذا الجانب ؟ قيل هذه الأمور التي تقوم بها معايش الناس هي حاصلة بمثل هذه النظم الوضعية وإن كان على وجه فيه كثير من المفاسد والظلم والعدوان فما فائدة أن يبذل الدعاة الغالي والرخيص من الدين والدنيا للوصول إلى هذه المواقع ليتحقق بهم في الأخير ما هو متحقق بالجاهلية من أجل حفظ ما يمكن من الضروريات لأنهم لا يقدرون على إعطاء الصورة الصحيحة عن طبيعة النظام الإسلامي ولا يقدرون على الخروج عن تلك الأوضاع الجاهلية ولا يستطيعون إلغاءها وقد عقدوا مواثيق وعهود مع خصومهم من العلمانيين على الالتزام بها والحفاظ عليها والدعاة إلى الله مأمورون أن يحكموا بين الناس بما أنزل الله ومن لم يفعل ذلك فحكم الله فيه واضح جلي فإما أن يحكموا بين الناس بما أنزل الله ويقوموا بالواجب في هذا المجال فهذا هو المطلوب وإما أن يتريثوا قليلا أو كثيرا حتى تتوفر لهم الأسباب للقيام بذلك على الوجه المشروع لأن مهمتهم ليست أمورا إدارية بأي نظام وبأي مبدأ بل هي رسالة دينية ومهمة ربانية يصبغون بها المجتمع بأسره ويصدرونها إلى العالم فإذا لم يقدروا على القيام بهذا الواجب على الوجه المشروع قدموا النصح للحكام بقدر الاستطاعة وأبرؤا ذمتهم فهم معذورون شرعا لعدم القدرة لأن الأحكام مرتبطة بالاستطاعة وعليهم أن يسعوا إلى امتلاك القدرة لتحقيق ذلك .
وقوله ( والجانب الآخر ... الخ ) : لا أخفي القراء الكرام أنني مندهش من هذا التحليل الذي أتى به الشيخ والاتهام الملقى على عواهنه من دون تحقيق والتسطيح للقضية إلى حد لا يوافق عليه أحد من العقلاء المتعلمين فظاهر كلام الشيخ أن العلماء اليمنيين الممتنعين من تأسيس الأحزاب والدخول في الانتخابات وتسيير المظاهرات بنوا موقفهم هذا على أمور :
1ـ أنهم معتمدون في المنع على علماء من السعودية
2ـ وهؤلاء العلماء في السعودية متبعون في ذلك ظروف السعودية الخاصة يعني أنهم تبع النظام .
3 ـ وأن هؤلاء العلماء السعوديين يرون تحريم ذلك في السعودية فقط .
4 ـ وأنهم لا يرون تحريم ذلك تحريما عاما.
5ـ وأن علماء اليمن الممتنعين عن ذلك أساؤا الفهم أيضا فظنوا أن العموم هو المقصود .
6 ـ وأن القضية مجرد أفكار نعرضها ليست مسألة شرعية أصلية مدروسة عندنا وإنما تلقيناها تقليدا .
فهذه ست تهم لا يقوم عليها أي دليل .
وأريد أن أصحح للشيخ هذه المعلومة وأن الأمر ليس كذلك وأنا منذ مدة وأنا مصدوم بموقف علما
بقلم الشيخ / عبد المجيد بن محمود علي الهتاري الريمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد :
فإن العصمة من الضلال كامنة في اتباع منهج أهل السنة الجماعة والتحاكم إليه وتحكيمه على القريب والبعيد في مسائل النزاع في الأصول والفروع وفي النظر والاستدلال ويتحتم على قادة الدعوة السلفية أو أهل السنة والجماعة التحاكم إليه على وجه الخصوص لأن آراءهم الاجتهادية في الغالب تؤخذ منهم مصحوبة بالثقة التامة أن هؤلاء قد استنفدوا طاقاتهم الاجتهادية التامة للتعرف على الحق ولا يمكن أن يتكلموا بمقتضى الهوى ولا يمكن أيضا أن يتكلموا في أمر خطير كمثل أوضاعنا الراهنة بدون تحقيق علمي وتحكيم لقواعد أهل العلم ومنهجهم في الاستدلال ولكن عند إمعان النظر والرجوع إلى وقائع التاريخ يظهر بوضوح أن الأمر ليس كذلك وأنه لا بد من الاحتياط لأن جل الفرق التي خرجت عن أهل السنة إنما خرجت من إطار السنة بعد أن كانت فيه لتفريط وقع منها تجاه هذا المنهج .
ومن ثم فإن هذه الثقة بنيت على حسن الظن وعند ظهور المخالفة الواضحة للمنهج لا يبقى لحسن الظن مكان في قبول الخطأ ويبقى حسن الظن إلى أقصى مدى مصاحبا للحكم على المخالف حتى يظهر عناده فحسن الظن بعد ظهور الخطأ لتبرير قبوله وعدم مفارقة مرتكبه حزبية تغلف بغلاف حسن الظن وعدم شق الصف فهي ثقة في غير موضعها لأن الجماعات الإسلامية ـ ومنها الجماعات التي تعلن التزامها بمنهج أهل السنة إلا من رحم الله ـ تعيش الغمرة التي ذكرها القرآن الكريم وهي غمرة الحزبية في قوله تعالى ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون * فذرهم في غمرتهم حتى حين * ) فهذه الغمرة قد رانت على القلوب فلا يكاد يتجرد المغمور فيها للحق فليس لهذه الثقة مبرر بعد اليوم وعلى كل مسلم حريص على الحق ـ لم يجعل من الحركات الإسلامية وانتمائه إليها وسيلة لمآرب ومصالح دنيوية مصحوبة بالتدين ـ أن يأخذ الحيطة والحذر على نفسه ودينه ومن يتبعه من طلبة العلم فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفةٌ على كل مسلم فالزمن زمن فتنة تجعل الحليم حيرانا يصعب فيها الوقوف على الحق بسهولة وبدون توفيق رباني ومما يدل على ذلك مواقف بعض المشايخ الفضلاء في هذه الفتنة التي تعم العالم الإسلامي ومنها موقف الشيخ محمد سرور مما يجري في اليمن حيث أجري معه حوار قدم فيه نصيحة لعلماء اليمن في شأن الفتنة القائمة في البلد فقد رأيت فيها عجائب من مخالفة الشيخ لقواعد النظر والاستدلال عند أهل السنة والجماعة والتي عرف الشيخ بالدعوة إلى تلك القواعد والتزامها وعدم الخروج عنها وقد وصل إلى أسماعنا أن الشيخ الذي كان سنوات عديدة مع الإخوان المسلمين المعروفين بعدم تبنيهم لمنهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والتصور وفي النظر والاستدلال أنه لم يخرج منهم إلا رغبة في هذا المنهج وتحكيما له ومصداقية في تبنيه مع العلم أن موقفه في هذه الفتنة مخالف لأقوال له سابقة كنت ممن استفاد منها والشيخ محمد داعية إسلامي شهير له أثره المشكور في مجال الدعوة إلى الله وتصحيح المفاهيم والدفاع عن السنة وأهلها والدعوة إلى العقيدة وترسيخها فهو رجل عظيم ولكن الحق أعظم من الجميع وهذه بعض الملاحظات على تلك المقابلة أرجو قبولها منه وممن يحبون الشيخ ويستفتونه والله ولي التوفيق .
وهذا هو نص الحوار ويتبعه التعليق عليه :
حوار خاص حول ثورة اليمن ومتطلبات الدعوة السلفية في المستقبل مع فضيلة الشيخ/ محمد سرور.
حاوره/ طه أحمد الشايمي
الشايمي: الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم أما بعد:
تعيش الأقطار العربية حالة من حالات النهوض الثوري منذ اندلاع الثورة التونسية ونجاحها في إسقاط النظام التونسي، وما تبعها من نجاح الثوار المصريين في إجبار النظام المصري على التخلي عن الحكم، وصمود الثوار في ليبيا أمام آلة حرب القذافي، وإصرار اليمنيين على تغيير نظام الحكم في اليمن، واستبسال السوريين أمام ضربات الأمن للمتظاهرين.. كل ذلك لتحقيق الحرية، والعدالة الاجتماعية، والعزة الوطنية.
ووسط هذه الأجواء من التغييرات والمطالبات بالإصلاح، تتعافى تيارات، وتحاول الظهور على المسرح مستفيدة من مناخ الحرية الذي أطلقته قوى الثورة.. بل تظهر التيارات الإسلامية التي ظلت لسنوات تعاني الحظر والقمع من النظم الاستبدادية.. تظهر هذه التيارات الإسلامية لتطرح رؤاها عن المستقبل السياسي لدولة ما بعد الثورة .
تشابهت مطالب الثورات العربية، وإن لم تتطابق إلا أنها دارت في مجملها حول ضروريات الحياة الإنسانية الكريمة، وضرورات تحقيق العدالة الاجتماعية في مجتمعات حولتها الأنظمة إلى بؤر لكافة الظواهر السلبية والاقتصادية والاجتماعية، من بطالة وأمية وفساد مالي، وفساد إداري مستحكم، وغير ذلك.
وقد قامت هذه الثورات بتكريس مبادئ الحرية؛ فكان تحقيق الحرية والمشاركة هو بداية الطريق لإنجاز المطالب الثورية.
باسمكم جميعاً أيها الإخوة المشاهدون نرحب بفضيلة الشيخ سماحة الوالد محمد سرور بن نايف زين العابدين، ونسعد في هذا اللقاء في منزله العامر في الدوحة أن نحاوره لكي نستجلي ونستشرف رأيه عن هذه الأحداث المتسارعة، وننهل من نصائحه وتوجيهاته التي نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياه فيها التوفيق والرشاد.
مرحباً بك شيخ محمد!
محمد سرور: أهلاً ومرحباً
الشايمي: شيخ محمد! في البداية "ربيع الثورات العربية" كما يطلق عليها في وسائل الإعلام، ما رأيكم فيها؟ وكيف جاءت في هذا الظرف المتسارع في عدة بلدان عربية؟ وهل وراءها أيادٍ خفية داخلية أم خارجية؟ وهل هذه الثورات العربية تمثل طيفاً أم حزباً من الأحزاب أم أنها غضبة الشعوب وانتفاضة الأمة؟
محمد سرور: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن هذه الثورات أو الانتفاضات في البلاد العربية جاءت بقدر من الله سبحانه وتعالى.. جاءت وقد بلغ السيل الزبى، واستبد الطغاة بشعوبهم فأهلكوا الحرث والنسل، وعاثوا فساداً، وفعلوا أموراً -قد نقول- لم يفعلها أحد من قبل، وعاشت شعوبنا مدة ثلاثة عقود أو أربعة عقود أو خمسة عقود، ونشأ جيل أو جيلين على الذل والاستعباد والاسترقاء، ثم جاءت هذه الحركات المباركة لتعيد لأمتنا العربية ثوبها الناصع، وتعيد لها كذلك الحيوية، والأمور التي تتوفر في طبيعة العربي قبل الإسلام، أو بعد أن تشرفت الأمة بحمل رسالة الإسلام، فهي نعمة من الله سبحانه وتعالى.
وأما أن نقول: إن وراءها أمريكا، أو جهة استعمارية أخرى. فمثل هذا الكلام لا يقوم عليه أي دليل، أمريكا هي التي جاءت بهذا النوع من الحكام، وهذا ما يقوله الواقع، وما تقوله الحقائق والوثائق التاريخية، وما قاله أخيراً بوش الابن.. جاءوا بهؤلاء المستبدين ليقتلوا الروح المعنوية عند شعوبهم، وبسقوط هؤلاء الطغاة ستطوى صفحة من صفحات الحقبة الاستعمارية.
أمريكا ومن وراء أمريكا إسرائيل لا يمكن أن يجدوا في مصر رجلاً مثل حسنى مبارك، لقد أعطاهم كل شيء، وتحولت مصر العظيمة الفعالة إلى دولة ليس لها أثر في ظل حكم حسني مبارك، وكذلك تونس هذه البلد التي فجرت ثورات عديدة أيام الاستعمار الفرنسي التي دخلها عام 1881م، ماتت الروح المعنوية فيها أيام حكم الحبيب بورقيبة، ثم أيام حكم تلميذه ابن علي
فإذاً: هذه الأوضاع ما كانت تخدم أحداً أو جهة من الجهات كما تخدم أمريكا أو تخدم إسرائيل بطريقة أو بأخرى، وفي ظل الأجواء الجديدة سوف تتغير الصورة تغيراً كاملاً، وليس وراءها جهة استعمارية.
والذين يتحدثون عن نظرية المؤامرة، نعم. هناك مؤامرات، لكن الحديث بدون دليل هذا كلام فيه كثير من الغلط، والبعد عن الحقيقة.
أما الشكل الجديد لهذه الثورات؛ فهي ثورات أمة وليست ثورات حزب من الأحزاب أو جماعة من الجماعات، وهذا هو مصدر قوتها، ونهض بها شباب، كنا نعتقد أن هؤلاء الشباب عاشوا أو ولدوا في عهد الاستعباد والذل، لكنهم انتفضوا بفضل الله، وأثبتوا وعياً كبيراً، وعلموا الناس طبيعة شعبنا العربي، وكيف أنه لا يرضى بغير الحرية بديلاً.
هذا هو الوضع الجديد لهذه الثورات، والحمد لله.
الشايمي: شيخنا الكريم! فيما لو انتقلنا إلى اليمن، وكما تعلم أن ثورة اليمن لم تقطف ثمارها بعد، ولا شك أن باليمن أطيافاً من التيارات الإسلامية، ومن ذلك التيار السلفي العريض، فبعض الإخوة في التيار السلفي العريض يرون عدم المشاركة، أو عدم شرعية العمل السياسي، ويدخل في ذلك الانتخابات النيابية، وتأسيس الأحزاب، وكذلك الأمر المتعلق بالمظاهرات منهم من يرى شرعيتها، ومنهم من لا يرى شرعيتها، فما تعليقكم؟
محمد سرور: الإخوة السلفيون في اليمن وفي غير اليمن عاشوا في فترة من الفترات كانوا يشتغلون بالعمل الدعوي، ويشتغلون في الجوانب العلمية، وغفلوا عن العمل السياسي. هذا جانب من الجوانب .
جانب آخر: هم أفكارهم هذه يعتمدون في عرضها على بعض علماء الدعوة السلفية، وأبرز هؤلاء العلماء الذين يعتمدون عليهم في المملكة العربية السعودية، وللسعودية ظرف يختلف عن الأحوال التي تمر بها البلاد العربية الأخرى، لذلك عندما يتحدثون عن المظاهرات، أو عن تأسيس الأحزاب، أو عن الانتخابات النيابية، يرون هذه الأمور لا تجوز في السعودية، فيظن الذين يأخذون عنهم أن هذا الأمر عام .
أنا لا أريد أنها تجوز أو لا تجوز في السعودية هذا شأن آخر، وقد يكون لهم عذر، أما في البلاد العربية الأخرى، وفي تاريخنا الإسلامي فأعلام الدعوة السلفية هم الذين يقودون الأمة في جميع الجوانب، خذ أي حقبة من حقب التاريخ تجد أن أعلام الدعوة السلفية في طليعة الذين يعملون في السياسة، وفي طليعة الذين يعملون في الأمور الأخرى، والسياسة عندهم شرعية لا تنفصل عن سائر العبادات الأخرى.
لنأخذ مثالاً على ذلك: العصر الحاضر، وأعني بالعصر الحاضر: قرن من الزمن أو يزيد قليلاً. أعلام الدعوة السلفية مثل كامل القصاب في الشام ورشيد رضا ومحب الدين الخطيب وجمعية العلماء في الجزائر كانت هذه الأمور بارزة عندهم، ولا أعني فقط الجزائر وبلاد الشام فمصر وبقية البلدان الأخرى كذلك، فمثلاً نحن في عام 1920م كان رئيس المؤتمر السوري كان رشيد رضا، والمؤتمر السوري يعني المجلس النيابي، في عهد الملك فيصل بن الحسين، والنظام الذي كان قائماً كان نظاماً علمانياً لا يختلف عن الأنظمة الحاضرة، حتى أن كثيراً من أقطاب السياسة هم أعلام في العلمانية، وفي ما هو أسوأ من العلمانية لتلامذتهم في العصر الحاضر في البلاد العربية، مثل ساطع الحصري ومن هو على شاكلته، فعالم من علماء الدعوة السلفية هو رئيس البرلمان على ما به من أخطاء .
وأنا أكاد أقول -هروباً من الإجماع- جمهور العلماء في الشام كانوا يؤيدون الانتخابات، ويشاركون في الانتخابات، ويقودون المظاهرات، ويشكلون الأحزاب والجماعات.
خذ مثالاً أيضاً: من جملتهم الشيخ كامل القصاب، الشيخ كامل القصاب في كتب التاريخ المعاصرة ومنها مجلة المنار يقود المظاهرات تلو الأخرى في عهد الملك فيصل يطالب فيها برفض أي نوع من أنواع الاستعمار، وينكر فيها المنكرات، ويقود العلماء في الشام، وكان إذا خرج في مظاهرة من المظاهرات تخرج دمشق معه.
تحدث رشيد رضا في مجلة المنار، وتحدث كتاب التاريخ المعاصر عن أنواع من هذه المظاهرات، واستمر الوضع عندما أصدرت فرنسا حكماً على هؤلاء بالإعدام، وتشردوا في البلدان، ثم عاد كامل القصاب، وهو كما قلت: علم من أعلام الدعوة السلفية.. عاد إلى سوريا وأسس جمعية العلماء عام 1937م، وكانت أول مواجهة بين جمعة العلماء وبين جميل مردم رئيس الوزراء بشأن القانون المدني، فقاد دمشق كلها وسارت المظاهرات، ومازالت تقوى حتى سقطت وزارة جميل مردم، وسقط هذا القانون، وسقطت الأطماع الفرنسية وراء هذا الذي فعلته جمعية العلماء برئاسة كامل القصاب.
في مصر كذلك المظاهرات لم تنقطع، وأيام ثورة يوليو التي كان يقودها محمد نجيب، ومن وراء محمد نجيب عبد الناصر.. كانت تخرج المظاهرات ويشارك فيها العلماء، وكانت تتأسس الأحزاب، ومن هذه المظاهرات مظاهرة أجبرت عبد الناصر على إعادة محمد نجيب حتى لا ينفرد بالحكم.
ومن الأمور التي تستحق الذكر: العالم العامل المجاهد محمد الخضر حسين شيخ الأزهر، وهو تونسي خرج من تونس بعد جهاد له مع الاستعمار الفرنسي، ثم جاء إلى سوريا، ومن سوريا انتقل إلى مصر، وقدرته مصر فمنحته الجنسية، وأصبح شيخاً للأزهر، في مذكرات محمد نجيب، وبعد ثورة يوليو أرادت الثورة أن تجعل من الأزهر هذه المؤسسة العظيمة التي تشرئب لها القلوب في العالم الإسلامي، أرادت أن تجعل منها مؤسسة حكومية ليس فيها انتخابات حرة لشيخ الأزهر، وليس فيها رابطة للعلماء، فكان أبرز من رد عليهم محمد الخضر حسين، ويقول: والله إن فعلته سألبس كفني وأقود الأزهر ثم أقود القاهرة.
الذي أريد أن أقوله: إن هذه أعمال سياسية تنبثق من الشريعة الإسلامية، وكان يمارسها علماؤنا، ومنهم أعلام الدعوة السلفية، ولم تظهر مثل هذه الدعاوى التي تأثرت بمؤثرات غريبة .
الشايمي: فبماذا تنصح هؤلاء؟ .
محمد سرور: أنصح هؤلاء: بأنه لا بأس أن يظهر منهم من يقول بأنه لا يرى المظاهرات، يعني: يجتهد من طلاب العلم من يقول بأنه لا يرى شرعية الأحزاب، ولا يرى شرعية الانتخابات، ولا يرى شرعية المظاهرات، لكن ليعلم من يقول بهذا الكلام أنه يخالف جمهور علماء الأمة، حتى علماء السعودية تكلموا عن شرعية هذه الأحزاب والجماعات إن كان مؤسسة على الحق، وعن شرعية الانتخابات، لكن خارج السعودية، ليعلم هذا الأخ أنه يتحدث عن مسألة يخالف فيها جمهور علماء الأمة، لكن أنا أريد ألا يجعل من رأيه تكفير وتفسيق وتضليل للآخرين. ليقل هذا الرأي، ليكتب عن هذا الرأي، ثم عليه ألا يشق صف الدعوة السلفية، وعليه أن يحترم اجتهادات علماء الدعوة السلفية في بلده وفي البلاد الأخرى، وإذا كان ما سمعته صحيحاً؛ فإن الإخوة السلفيين في مصر أسسوا حزباً، وكذلك الجماعة الإسلامية أسست حزباً، وهذا اعتراف بما كان عليه علماء الأمة.
أما الإخوة في اليمن فأنصحهم من الآن بأن يؤسسوا حزباً من الأحزاب، وأن يكون هذا الحزب ضمن الدائرة السلفية، وألا يكون قاصراً على الجماعة رقم واحد أو رقم اثنين.
وأن ينتبهوا إلى أن عليهم أن يخرجوا من الظرف الذي سبق هذه الانتفاضات المباركة، ويمارسوا الحرية، فهذا الحزب يجب أن يقوم على منهج شرعي سلفي، وأن يكون مفتوحاً لكل الجماعات داخل الدائرة السلفية.
الشايمي: شيخنا الكريم! المتتبع لساحات التغيير في اليمن، سواء كانت في صنعاء أو في تعز أو في سائر المحافظات يرى أن هناك شعارات كثيرة ترفع، ومن هذه الشعارات، وهو الشعار البارز: الحرية! فهل شعار الحرية مبرر كاف لقيام هذه الثورة السلمية؟
محمد سرور: نعم هو مبرر كبير، وأنت تقول -جزاك الله خيراً-: إنها ثورة أو انتفاضة سلمية، ليس فيها حمل السلاح، ويجب أن ينتبه كل من يتعرض لهذه الانتفاضات إلى أنها سلمية ليس فيها حمل سلاح، فهي من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك يجب أن تستمر، وهذا هو مصدر قوتها، وكما قلت: مصدر قوتها أنها يقودها شباب الأمة لا يقودها حزب أو جماعة؛ فالحرية هي مبرر؛ لأن الحرية هي نقيض الاستعباد، نقيض الرق، نقبض العبودية.
الأنظمة الاستبدادية في بلادنا ليتها سواء كانت في سوريا، أو كانت في مصر، أو كانت في ليبيا، أو كانت في مصر وغيرها من البلدان الكثيرة.. ليتها تعامل شعوبها معاملة السيد للعبد، معاملة السيد للعبد في كل حقب التاريخ معاملة كريمة، العبد يأخذ من طابع السيد، ويلبسه مما يلبس إن كان متمسكاً بدينه، أو من كان غير متمسك يرأف بهذا الرجل الذي يحميه، يلبسه مما يلبس، ويطعمه مما يأكل، ويعيش بجو سيده، له حقوق، لكن شعوبنا لا تعامل هذه المعاملة، شعوبنا في السجون، ومن حق المستبد أن يقتل من يشاء، في سوريا الذين فقدوا عام 1980 يقاربون العشرين ألفاً! أين هم؟ لا يستطيع أحد أن يسأل عنهم.
ماذا يقول الذين خرجوا من السجون؟ يقولون: كان مزاج الرقيب الموجود في سجن تدمر يقتل من شاء، ثم يخرج من شاء
من زملاء القتيل فيحملونه ويلقونه مع المهملات والقاذورات!!
صورة غريبة من الذل تعيشه شعوبنا، وهذا لا يجوز في شريعة الإسلام، ولا يجوز الآن في الشرائع الأرضية والتي لا تبلغ عشر معشار الإسلام.
نعم. الحرية مطلب، وكنا نمارس هذه الحرية في سوريا قبل أن يأتي هذا النظام اللعين، كان يحكم بلادنا رجال مثل هاشم العتاسي، هاشم العتاسي جاء في يوم بارد، وأمام بيته المتواضع -لا أقول قصره- شرطي، فسأل نفسه وهو رئيس الجمهورية السورية: كيف أنعم بالدفء وهذا الشرطي يتعرض لأشد أنواع البرد القارص، ففتح الباب وقال له: يا بني! اذهب إلى البيت فالله يحرسني، كان له سجادة صلاة في المسجد، فجاء رجل من عامة الناس في المسجد فوقف عليها، فقال له الشرطي: هذه لرئيس الجمهورية، فقال له: هذا بيت الله!
شكري القوتلي الرئيس الثاني رحمهم الله، كان يخرج من بيت لا يشبه قصور هؤلاء الصعاليك الآن، وهو ابن نعمة، ورجل مشهور، كان يخرج من بيته البسيط ويترك السيارة مشياً على الأقدام، والشرطي وسائق السيارة يمشون وراءه، ثم يمر الناس فيقولون له:" صباح الخير أبو حسان"، ويرد عليهم، ويقف صاحب الحاجة ويسأله عن حاجته حتى يصل إلى المكتب، والأبواب كانت مفتوحة ، هذا الشكل الهمجي الذي لا يشبه حكم التتار هذا نقيض الحرية، ويجب أن يتغير نعم. نحن نريد أن نعيش بحرية .
الشايمي: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون، وما زال اللقاء يتواصل مع الشيخ محمد سرور.
فضيلة الشيخ محمد! الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى هم رموز هذه الأمة، وهم من يقودون الأمة إلى بر الأمان، فما هو دورهم؟ وهل سينتهي دور العلماء والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى بسقوط النظام؟
محمد سرور: لا. العلماء والدعاة لا ينتهي دورهم بسقوط النظام، والنظام يجب أن يسقط لأن هذا لم يحدث حتى في الأنظمة الملكية يجلس لوحده ثلاثين سنة، ثم لا يهلكه إلا الدهر، ثم يترك الأمور لابنه أو لابن ابنه من بعده، فالنظام يجب أن يسقط، والعمل على إسقاط النظام تعمل فيه جهات متعددة، فجهة تريد نظاماً باطنياً في اليمن، وجهة أخرى تريد الاشتراكية أو العودة للشيوعية، أو جهة مشبوهة تريد عودة الانفصال إلى اليمن، فإذاً ضمن هذه الحركات اتجاهات مسمومة.
نعم. نحن نريد سقوط هذا النظام، ولكن المعركة الحقيقية تبدأ بعد سقوط هذا النظام.
نحن أصحاب مسألة مصيرية، الحكم عندنا في اليمن وفي غير اليمن يجب أن يكون حكماً إسلامياً، وهذا يحتاج إلى جهاد. واسم جهاد واسع جداً؛ جهاد بالكلمة، جهاد بالعمل السياسي، جهاد بالمظاهرات، جهاد بأشكال مختلفة. نعمل من أجل يكون الدين كله لله. هذه لا نستحي ولا نخجل ولا نوارب في عرضها، ومن ثَم المنهج السلفي يدعو لهذا، فالمعركة إذاً تبدأ بعد سقوط النظام، فنواجه من يريد الانفصال، ونواجه من له صلات أجنبية بإيران وبغيرها أو بأمريكا.. كله سواء، ونريد لليمن أن يكون بلد دعوة وإسلام وخير، وبلد الحكمة الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يحتاج إلى معركة طويلة.
الشايمي: عوداً شيخنا الكريم إلى الساحات. كما تعلم أن في الساحات عدة تكتلات وائتلافات، ومن هذه التكتلات أو التيارات هناك أيضاً التيارات السلفية، والتي لها نشاط ملموس في الساحات، فعلى سبيل المثال: حركة النهضة والتغيير في صنعاء والبيضاء، وأيضاً حركة شباب النهضة للتغيير السلمي بعدن، وحركة العدالة بتعز، وحركة الحرية والبناء في إب، وحركة شباب النهضة والتجديد في الحديدة، والائتلاف السلفي للتغير في حضرموت، وغيرها من الحركات السلفية الموجودة في الساحات، فهل من كلمة توجهونها لهذه التيارات على وجه العموم، وللتيار السلفي المشارك في هذه الساحات على وجه الخصوص؟
محمد سرور: هذا (حركة النهضة والتغيير) وأمثالها في المحافظات اليمنية.. هذا عمل متقدم، جزاهم الله خيراً، ويشكرون، وقد سدوا فراغاً قصر فيه الإخوة السلفيون فيه، ويجب هذا التحرك، وهؤلاء طلاب علم، ويفهمون كغيرهم العمل السياسي، وأنه -كما ذكرت قبل قليل- ينطلق من المنطلقات الشرعية. هذا التكتل يجب أن ينبثق عنه حزب من الأحزاب يكون حسب المفاهيم والتصورات السلفية، وأن يبرز في الساحة الإسلامية، ولا نفرض على كل الإخوة أن ينضموا إلى هذا الحزب، وهو بمثابة فرض كفاية على الإخوة السلفيين، فعملهم طيب ومثمر إن شاء الله، ويؤدون دوراً كبيراً، لكن أنصحهم أن يكون الهدف المرحلي عندهم سقوط النظام وعودة الحرية، وألا يشتغلوا بأمور أخرى لأنها معروفة عندنا ومعروفة عند غيرنا.
يعني: هذا المرتبط بإيران بشكل أو بآخر يعرف الناس جميعاً أنه تحرك، وأشعل حرباً في اليمن، وكان على صلة بإيران، وكان على صلة بحزب الله، وهؤلاء بعض الذين في الجنوب يحلمون بعودة اشتراكيتهم، نحن أحق بالتغيير وبالدعوة إلى الإسلام في كافة جوانب الحياة من هؤلاء؛ فأرى أن ينصرفوا إلى الهدف المرحلي وهو سقوط النظام، وعودة الحرية، وأن لا ينصرفوا لأمور أخرى، ليس هذا الوقت في ساحات الحرية الذي نقول فيه: يجب أن يكون الحكم كله لله، السكوت لا يعني أننا لا نريد، لكن السكوت يعني توحيد الكلمة والمطالبة بسقوط النظام، بعد هذه المرحلة كلٌ يكون له دوره.
وأنصحهم ألا يصطدموا مع الآخرين، ويصبروا على الأذى الذي تلحقه هذه الجهة أو تلك بهم.
الشايمي: سؤال أخير فضيلة الشيخ، ولعلنا نختم به هذا اللقاء. بحكم خبرتكم أيها الشيخ الفاضل! كيف يمكن استثمار هذا الواقع لتوظيفه في التقارب بين المؤسسات والتيارات الإسلامية، وعلى الوجه الخصوص التيار السلفي في علاقته مع التيارات الإسلامية، وعلى وجه الخصوص الإخوان المسلمين؟
محمد سرور: دعني أتكلم عن علاقة السلفيين بالإخوان المسلمين. الإخوان المسلمون يمثلون تجمعاً كبيراً في اليمن، والسلفيون يمثلون تجمعاً كبيراً في اليمن، فكما ذكرت قبل قليل: يجب أن يكون السلفيون جميعاً في العمل السياسي يداً واحدة، وجهة واحدة، لا سيما وأنهم تجمعهم التصورات والمنطلقات السلفية، ومن أراد أن لا يعمل مع حزب سياسي بل نقول دوره الأصيل في الدعوة والتربية، والعلماء في أمانتهم ودورهم وتربيتهم فوق الأحزاب والجماعات. هذا خير وهذا خير.
فكما قلت أيضاً: أنصح وبشكل عاجل قيام هذا الحزب المدروس بين الجماعات السلفية، وأن ينتبهوا إلى الظروف السابقة والظروف اللاحقة .
أما عن علاقة السلفيين بالإخوان المسلمين: فالتعاون بينهم واجب شرعي، حتى لو تأخرت جهة من الجهات، أو حتى لو قابلنا الإخوان بشيء من الجفاء -لا سمح الله- يجب أن نصبر، ونلتزم بالواجب الشرعي.
نحن ندعو إلى هذا الإسلام العظيم، ونحن جميعاً أهل سنة، والسنة تجمع ما بيننا وبينهم؛ فإذاً التعاون بيننا واجب شرعي، وهذا التعاون يخدم اليمن خدمة كبيرة، ويخدم الأمة في كل بلد من البلدان العربية، ليس هناك من مصلحة في تفرق كلمة المسلمين، والدعوة السلفية أحرص الأحزاب والجماعات والاتجاهات على وحدة الأمة.. بل هي كانت مفتاح توحد الأمة في التاريخ.
وحتى ينجح التعاون بين السلفيين وبين الإخوان المسلمين يجب أن ينتبه كل طرف إلى أخطائه، فليس من حق الإخوان المسلمين أن يقولوا: نحن الجماعة الأم أو غير ذلك، وليس من حق بعض السلفيين التنطع والقول: نحن أصحاب العقيدة السليمة، وغيرنا مبتدع وضال وكذا. هؤلاء يجب أن ينتبهوا إلى التعاون، والتعاون يعني أن جهة تتعاون مع جهة حسب اتفاق لا حسب أجندات معينة، فالإخوان مثلاً يريدون أن يفرضوا شيئاً والسلفيون يريدون أن يفرضوا شيئاً آخر.
ولتعلم كل جهة من الجهات أن الإخوان المسلمين لا يسدون الفراغ الذي تتخلى عنه السلفية في الساحة، والقول بأن ترك هذا، لا. فالسلفيون كانوا قبل قرن أو يزيد قليلاً.. كان علماء الدعوة السلفية هم رواد العمل السياسي، ثم جاءت فترة قصر السلفيون فتقدم الإخوان، وصارت للإخوان اجتهادات والإخوة السلفيون لا يقرون هذه الاجتهادات، والإخوان المسلمون لا يرون بعض اجتهادات السلفيين في العمل السياسي. هذا طبيعي في جماعة تتعاون مع بعضها البعض، نحن نفترض أن هناك خلافاً يقع، فلنا كسلفيين أن نقول رأينا، ولهم أن يقولوا رأيهم، ولنفترض أننا نتعاون بنسبة قدرها ستون بالمائة خمسون سبعون. هذا مكسب للدعوة الإسلامية، ونختلف في أمور أخرى، وفي المجمعات الفقهية والعلمية والعلمانية في العصر الحاضر هناك تقدم كبير، يذكرون الآراء المطروحة، هذه الآراء قد يخالفها عالم سواء كان هنا أو هنا، فيكتبون: أن هذا القول خالفه العالم الفلاني وقال كذا وكذا.
الذي أراه: أن الإخوان المسلمين لا يسدون الفراغ في الساحة السياسية الذي تتطلع إليه الجماعات السلفية، وكذلك السلفيون لهم طريق يختلف. ويجب أن نعترف بهذا الأمر، وأدعوهم إلى التعاون، والتعاون يعني تنظيماً، ويعني صورة متقدمة، ويعني أن يكون هناك روابط، وأستغفر الله العظيم، وجزاكم الله خيراً.
الشايمي: جزاك الله خيراً
في ختام هذا الحوار مشاهدينا الكرام لا يسعنا إلا أن نتقدم بوافر الشكر والثناء لفضيلة الشيخ سماحة الوالد محمد على نصائحه وتوجيهاته، ونسأل الله عز وجل أن يرزقه عمراً مديداً في صحة وعافية، وأشكر لكم أنتم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة والإصغاء
والسلام عليكم ورحمة تعالى الله وبركاته.
قوله : عن الثورات العربية أنها حركات مباركة في قوله (ثم جاءت هذه الحركات المباركة لتعيد لأمتنا العربية ثوبها الناصع، ) لا يليق به وبمستواه العلمي والتوجيهي ومستوى الوعي الذي يفترض أن يكون عليه بأحوال الأمة وهو من هو في هذا الشأن أن يطلق على هذه الحركات العلمانية لفظا شرعيا له مدلول شرعي غير منطبق جملة وتفصيلا على هذه الثورات فإن هذه الحركات الشعبية وأخص القاعدية منها لو سلمنا بانطباق شيء من معاني هذه البركة عليها فإن شياطين قيادات الأحزاب العلمانية مثل الناصرية والشيوعية والديمقراطية هي التي تقود هذه الثورات وتجني ثمارها فهي المستفيد الأول من ذلك التحرك الشعبي فتعود تلك الاستفادة على ما يمكن أن يوجد من البركة بالبطلان والقيادات الإسلامية بعضها إما ملوث بتلك الأفكار مثل الإخوان والبعض الآخر يمتلك رؤية صحيحة وبديلا إسلاميا نظيف ولكن للأسف قاعدته الجماهيرية غير موجودة بالقدر الكافي لتحمل أعباء التغيير برؤية إسلامية وأجندة إسلامية فهو غير قادر والحالة هذه على تحريك القاعدة الشعبية إلا بأن يخاطبها بلغتها وثقافتها التي قد غرسها الاستعمار وأنظمته العميلة له .
ولا يجوز أن يطالب بأن يتقدم للقيادة بغير الإسلام لأنه بذلك يخسر مشروعه الذي تنتظره الأمة بصفائه ونقائه فإن الفشل المحقق بسلوكه الطريق الديمقراطي يقضي على ما بقي في الأمة من أمل معلق به وهذه الحركات الشعبية ملوثة بطريق الأولى بالمفاهيم السياسية الغربية إلى حد أن الطرح السياسي السلفي السليم غير مقبول بالمرة لديها لأنه غريب عليهم ومثالي عندهم لا يمكن تطبيقه ولا يمكن أن ترضى عنه القوى الغربية والدولية وستكون له بالمرصاد .
وإذا ظهر في أي تكتل ضيقوا عليه الخناق حتى يلحق بهم أو يتوارى عن الأنظار فلا بد من قوة شعبية عريضة تحمي التوجه الإسلامي وتدفع عن عقائد الإسلام وشرائعه .
وأما أجندة الديمقراطية فهي طريقة علمانية ليست الطريقة الكلامية التي ذمها السلفيون طيلة تاريخ صراعهم مع القوى البدعية إلا قطرة من بحر كفر الديمقراطية وزندقتها فمن تبنى منهم الديمقراطية وما تفرع منها من الوسائل لتكون وسيلته للتغيير فليعلم أنه قد ودع الطريقة السلفية وخلفها خلف ظهره عند باب الديمقراطية إذ أن التسليم بالأكثرية في مخالفة الدليل وهي محور الديمقراطية في الاحتجاج يتعارض مع تقرير الدليل الذي هو محور الاحتجاج في الطريقة السلفية ولو خالف الأكثرية ، فالأكثرية في الديمقراطية مقدسة بإطلاق وفي الطريقة السلفية لا عبرة بها إذا خالفت الدليل بل هي طاغوت مع العلم بالفارق الأساسي بين الأكثرية السلفية التي هي الجانب الأكثر من أهل العلم والاجتهاد ، وبين الأكثرية الديمقراطية التي لا يشترط فيها حتى الإسلام فضلا عن العدالة والعلم ؟ فمن أين تأتي البركة الشرعية إلى هذه الحركات العلمانية الديمقراطية .
وقوله : ( فهي نعمة من الله سبحانه وتعالى ) هي كانت ستكون كذلك لو أنها رفعت شعار الإسلام هو الحل والشريعة هي الهدف ولكنها ما دامت رفعت شعار الديمقراطية والحرية والحلول الغربية فهذا الوصف عنها بعيد فليست كما وصفتها أيها الشيخ الفاضل فإن ساحاتها مملوءة بصور الطواغيت من عبد الناصر إلى جيفارا مرورا بالطواغيت المحلية من طواغيت الاشتراكي وقد صكت الآذان بالأغاني الوطنية وحسبها في الترجيح بينها وبين خصومها أنها اختارت نظاما كفريا أقل ظلما في حق العبيد فلا يجوز أن يتجاوز هذا الوضع حده إلى أن يمدح بإطلاق وكأنه حق صرف ومن ثم فلا يجوز أن يمنح وضع كهذا وصفا شرعيا ولا اسما إسلاميا بل يبقى الكفر ملة واحدة وبعضه أشد كفرا أو ظلما من بعض وأما البركة الإسلامية والنعمة التي هي من الله وهي نعمة الإسلام فلا موضع لها في هذا البحر الهائج من الهوجاء والآراء المتناقضة .
وقوله : ( وأما أن نقول: إن وراءها أمريكا، أو جهة استعمارية أخرى. فمثل هذا الكلام لا يقوم عليه أي دليل، أمريكا هي التي جاءت بهذا النوع من الحكام، وهذا ما يقوله الواقع، وما تقوله الحقائق والوثائق التاريخية، وما قاله أخيراً بوش الابن.. جاءوا بهؤلاء المستبدين ليقتلوا الروح المعنوية عند شعوبهم، وبسقوط هؤلاء الطغاة ستطوى صفحة من صفحات الحقبة الاستعمارية ) .
أقول : لا شك أن أمريكا هي التي جاءت بهذه الأنظمة كما قال الشيخ وهي حقيقة لا يمكن الطعن فيها البتة بل الأمر كما ينقل عن الرئيس اليمني أن هذه الأنظمة على ضخامتها ليست عند أمريكا ولا بمنزلة أقسام الشرطة ولكن : ومن الذي يشك أيضا أن الديمقراطية والحرية الغربية والتعددية الحزبية والتي تنادي بها هذه الثورات جاءت بها أمريكا أيضا والدول الأوروبية معها وأن هذه الأنظمة ما جيء بها إلا من أجل هذه اللحظة التاريخية بعد أن تقوم الأنظمة بما كلفت به من التضييق على الشعوب الإسلامية حتى إذا بلغت الروح الحلقوم وضاقت عليها الأرض بما رحبت وثارت الجماهير للمطالبة بالحقوق التي تتمتع بها الشعوب الغربية فإن الديمقراطية حينئذ ستكون مرحبا بها في البلاد الإسلامية ليس من قبل عموم الناس بل من قبل خاصتهم كما هو مشاهد من أحوال الدعاة وخاصة من شرد منهم عن وطنه أو لا يزال يعيش تحت وطأة الأنظمة الدكتاتورية إذا فالجميع ينفذ مخططات أعداء الإسلام من كان في المعارضة أو في النظام فأين الحسبة على الجميع وأين الميزان الشرعي القائم على العدل والإنصاف ولماذا الانحياز إلى فريق دون فريق في حين يفترض فينا الحيادية الكاملة والنصح العام .
ولو أن الديمقراطية عرضت على هذه الشعوب وهي تحكم بالشريعة والعدالة الإسلامية لرفضتها ولسخرت منها لأنه سيظهر لها الفرق بين الديمقراطية والإسلام وسترى أن النظام الإسلامي الرباني يتحقق به كل مقاصد الحياة الكريمة مع سلامته من الكفر الموجود في الديمقراطية والمنكر الملازم لها باعتبار ذلك المنكر حقا لمن يريده من هواة المنكرات وهو حق تضمنه الديمقراطية ولا يضمنه الإسلام بل يحاربه ومن مبادئها التي يرددها المدافعون عنها قولهم ( يمكنني أن أخالفك الرأي ولكنني أبذل رقبتي لتقول رأيك ) وهذا المبدأ يتعارض مع أبسط مبادئ الإسلام الذي يقوم على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالمنكر في الإسلام يقمع ويكبت سواء كان قولا أو فعلا ومن وظائف الدولة الأساسية العمل على القضاء عليه وتطهير الأرض منه وتسخير كافة الإمكانات البشرية والمادية والعلمية للقضاء عليه أين ما كان .
وأقول أيضا لسنا بالضرورة محتاجين إلى دليل سري تثبت به عمالة هذه الثورات للأنظمة الغربية وأنها هي التي حركتها وأنها تحظى برضاها لأننا نكتفي بما تدعو إليه من مبادئ مستوردة من قبل أعداء الإسلام تريد أن تحكمنا بها تكفي تلك المبادئ للحكم عليها بالعمالة لأن العمالة الفكرية أكثر دلالة من العمالة السرية وأخطر ولو أن أحدا مهما كانت جلالته أو مركزه الديني أو الدنيوي دعا إلى مبادئ الديمقراطية الغربية مؤمنا بها كما يؤمن بها هؤلاء الشباب في هذه الثورات لكان معدودا من العملاء شاء أم أبى .
ومن ثم نقول لماذا الاستغراب من الرأي الذي يتهم الثورات القائمة في العالم العربي أنها عميلة تنفذ مخططات يراد بها تغيير وجه السياسة والأوضاع في العالم العربي ، أو كيف يستغرب أو يجحد عدم رضا الاستعمار الغربي عن هذه الثورات ونحن نسمع ونشاهد المساعدات المختلفة لهذه الثورات وكيف لا ترضى أمريكا عن هذه الثورات وهي تنادي بالديمقراطية التي تسعى القوى الغربية إلى تثبيتها في العالم الإسلامي ولو بالقوة وحرب القوى الغربية ضد العراق كانت تحت هذا الشعار والحرب في ليبيا كذلك فإذا جاء من يقوم بهذا الدور من المسلمين سلميا أو عسكريا نيابة عن القوى الغربية فمن يشك في أن هذا الوضع يحظى بالرعاية والحماية لديهم والحرب في ليبيا أكبر دليل حيث تشارك القوى الغربية وحلف الناتو في تثبيت النظام الديمقراطي بدلا عن نظام الدكتاتور معمر القذافي .
وأقول يكفي في الدلالة على ضعف ما ذهب إليه الشيخ سرور من أن هذه الأنظمة لا يكرهها الغرب وأنها محل رضا عنده وأن الديمقراطية ليست أحب إليه منها قضاؤهم على صدام وشنهم تلك الحرب المدمرة وجمعهم تلك الجموع وحربهم على القذافي وتخليهم عن شاه إيران قديما وعن مبارك حديثا فهي تسعى في ليبيا إلى تدارك الوضع قبل تنامي المد الإسلامي ووعيه بأضرار الديمقراطية فالمناداة بالحلول الديمقراطية دليل كاف على العمالة وقد توج في هذه الأيام الرئيس ساركوزي رئيس فرنسا ورئيس وزراء بريطانيا مواقفهم المساندة لثورة ليبيا بزيارة لطرابلس وبني غازي وقلدهم العابد الساجد الذي تظهر السجدة في وجهه والذي تولى وزارة العدل قلدهم وساما فيه العلم الليبي الجديد واحتفى الليبيون بهما احتفاء عظيما اختلط فيه التكبير والتهليل بزغارد النساء وبسمات الأطفال وتصفيقهم أن كذب هذه المشاهد البصرية والسمعية ونصدق الشيخ سرور بأنها ثورات شعبية لا محل لعقلية المؤامرة فيها وأن كل هذا لا يدل على رضا الغرب بهذه الثورات .
وقوله : ( وبسقوط هؤلاء الطغاة ستطوى صفحة من صفحات الحقبة الاستعمارية ) هذا كلام غير محقق سيأتي من كلام الشيخ نفسه ما يبطله وأن معركة العلماء مع الاستعمار إنما تبدأ بعد سقوط الأنظمة لأنه حينئذ يجب عليهم هدم المفاهيم التي قامت عليها تلك الثورات طيلة حقبة الاستعمار ومحاربتها باعتبارها تتناقض مع المنهجية الإسلامية في الحكم والسياسة والاقتصاد والتفكير والتربية أو يقع الخيار الآخر والعياذ بالله وهو الانغماس في تلك القيم الغربية وأسلمتها كما يفعل بعض المخذولين من المنتسبين لبعض الجماعات الإسلامية وتلك هي الطامة الكبرى والهزيمة المقيتة والخذلان المبين .
والذي اعتقده أنه ما دام أن هذه الثورات تنادي بمبادئ النظم الغربية فإن الأمة لا سمح الله إذا استجابت لها فستدخل نفقا جديدا من التيه والضياع تحت شعارات هذه المبادئ لا يعلم مداه إلا الله وقد كانت ثورات القرن الماضي أقرب إلى الشعارات الإسلامية من هذه الثورات الحالية حيث أن الأخيرة أكثر تصريحا ومناداة بمبادئ الغرب مع المعرفة التامة بمنطلقاتها الفكرية والسياسية وأن العذر بعدم تبين ما في هذه الأنظمة من المزالق الفكرية غير قائم اليوم كما كان في ثورات القرن الماضي .
وقوله (أما الشكل الجديد لهذه الثورات؛ فهي ثورات أمة وليست ثورات حزب من الأحزاب أو جماعة من الجماعات، وهذا هو مصدر قوتها، ونهض بها شباب، كنا نعتقد أن هؤلاء الشباب عاشوا أو ولدوا في عهد الاستعباد والذل، لكنهم انتفضوا بفضل الله، وأثبتوا وعياً كبيراً، وعلموا الناس طبيعة شعبنا العربي، وكيف أنه لا يرضى بغير الحرية بديلاً هذا هو الوضع الجديد لهذه الثورات، والحمد لله ) .
أقول : أما أنها ثورة أمة فنعم في بعض البلدان وأما أن هذه الأمة هي الأمة التي يعرفها الإسلام أي أمة الإسلام المنطلقة منه عقيدة وسياسة وأخلاقا وأهدافا فهذا محل النزاع فهذه الأمة قد تشربت الأفكار الغربية طيلة فترة حكم هذه الأنظمة بل وما قبلها وإنني أتعجب من هذا التحليل الذي يقوله الشيخ عن أوضاع الأمة إذ أنه يتعارض مع ما كتبه كتاب ومفكروا هذا التوجه من أن الدين يعيش فترة غربة فلهذا كتبت الكتب عن الغرباء الأولين ونشرت المقالات والكتيبات عن التجديد ومفهومه وشروطه وصفات أهله ووجوب العمل الجماعي لإزالة هذه الغربة فهل الوقوف مع هذه الثورات يمكن علماء الأمة من تجديد الدين وهل هذه الثورات مؤهلة للقيام بالتجديد الموعود وهل هؤلاء الشباب يتمتعون كما قال الشيخ بالوعي الكبير فهذا إن صح سيعود على فكر الشيخ نفسه بالإبطال حيث أنه من الدعاة إلى التربية الصحيحة والصبر عليها وأنها ليس لها أمد تنتهي إليه وهذه الثورات إن وقفنا معها وسلمنا لها زمام المبادرة وشكلت الحكومات من ساحاتها فإن ذلك يعني أن مشروعنا التربوي الذي قصد به تهيئة الأمة لمثل هذه الفتن كان عبثا وجهدا غير طائل فقد جاء من سبقنا إلى القيادة المطلوبة بشكل مفاجئ وبدون مقدمات ولم يسبق له أن تربى في أي محضن بل وسيحرجنا كما صرح به الزنداني أنه محرج من شباب الثورة حيث توصل هذا الشباب إلى نتائج عمل الشيخ وأصحابه عشرات السنين ليصلوا إليها فلم يفلحوا فلهذا استحق هؤلاء الشباب عند الزنداني براءة الاختراع .
فإن قيل هؤلاء الشباب يمكن إذا اشتركنا معهم في ثوراتهم وشعاراتهم أن يوجهوا التوجيه السليم على مقتضى النظر الشرعي فيقال هذه الطريقة إعادة للفلم القديم من أفلام الإخوان وإخراج جديد لمحنة ومصيبة الإخوان المسلمين في القرن الماضي مع ثورة يوليو ثورة جمال عبد الناصر في مصر حيث كان للإخوان نصيب وافر من رجالات تلك الثورة ودافعوا عنها في أول الأمر دفاعا عظيما ثم جعلتهم تلك الثورة مثلا للمعتبرين .
وكذلك موقفهم من ثورات مشابهة في العالم العربي مثل ثورة اليمن فلا يزالون متبنين لها ولشعاراتها ويزعمون أنهم أحق بها وأهلها وتحالفوا مع الرئيس طيلة فترة حكمه يمدحون حكمه بما لذ وطاب من الألفاظ حتى عام 2006 فغيروا الاسطوانة والقوى العلمانية تنازعهم في ذلك وتتهمهم بالرجعية والتخلف والظلامية وهم كل يوم ينزلقون إلى انحراف جديد لإثبات ثوريتهم ومن أراد أن يطلع على شيء من ذلك فليتابع إعلامهم في هذه الأيام في ساحات التغيير .
وهذه الثورات السياسية القائمة في العالم العربي ستؤدي إلى أننا سنقضي سنوات القرن الحادي والعشرين في نفق جديد ومشروع مظلم مكسو بالشعارات البراقة التي لبس علينا بها في القرن الماضي وتورط الإخوان المسلمون في تأييدها فعادت عليهم بالنكال والأغلال وسيبدأ الشقاق والنزاع مع الثوريين بعد سقوط الأنظمة مباشرة وعلى الإسلاميين أن يهيئوا أنفسهم للسجون والزنازين أو يهيئوا أنفسهم لأن يصبغوا أنفسهم وشعوبهم بالصبغة العلمانية القادمة تحت شعار الحرية والديمقراطية والتعددية والقبول بالرأي والرأي الآخر وهذا ما يريده أعداء الإسلام من الدعاة إلى الله بالسلم أو بالحرب ومن كان عنده أدنى وعي بطبيعة المنافرة بين تعاليم الإسلام وتعاليم الجاهلية أدرك أن كلا منهما لا يقبل التعايش مع الآخر بطريقة مستقلة بحيث يحتفظ كل منهما بوجوده في بلد واحد ونظام واحد ما لم يدمج أحدهما في الآخر ويذوب أحدهما في الآخر فينشأ عن ذلك صورة أخرى مغايرة للإسلام أي إما جاهلية فيها إسلام أو إسلام فيه جاهلية فالكل جاهلية وهذا نوع آخر غير الإسلام نسأل الله الثبات والهداية إلى ما يحبه ويرضاه .
قوله : ( الإخوة السلفيون في اليمن وفي غير اليمن عاشوا في فترة من الفترات كانوا يشتغلون
بالعمل الدعوي، ويشتغلون في الجوانب العلمية، وغفلوا عن العمل السياسي. هذا جانب من
الجوانب .
جانب آخر: هم أفكارهم هذه يعتمدون في عرضها على بعض علماء الدعوة السلفية، وأبرز هؤلاء العلماء الذين يعتمدون عليهم في المملكة العربية السعودية، وللسعودية ظرف يختلف عن الأحوال التي تمر بها البلاد العربية الأخرى، لذلك عندما يتحدثون عن المظاهرات، أو عن تأسيس الأحزاب، أو عن الانتخابات النيابية، يرون هذه الأمور لا تجوز في السعودية، فيظن الذين يأخذون عنهم أن هذا الأمر عام . )
أقول : العمل السياسي الإسلامي يتكون من رؤية ، وآلية تنفذ بها تلك الرؤية وهي الدولة وليس بالمقدور وجود هذه الدولة اليوم لعدم وجود الشروط ولتوفر الموانع المتعددة منها ما هو راجع إلى الحكام ومنها ما هو راجع إلى الأمة ومنها ما هو راجع إلى الدعاة المتبنين للحل الإسلامي على اختلاف في مفهومهم له ومنها ما هو راجع إلى أعداء الإسلام وما لا يدرك كله لا يترك جله وقد اشتغل السلفيون على طريقتهم طيلة الفترة الماضية ببيان طبيعة النظام الإسلامي ومخالفته لطبيعة الأنظمة العلمانية المعاصرة اشتراكية كانت أو ديمقراطية وهذا جهد عظيم وجبار فأول العمل الفكرة ثم جمع الناس والأسباب على تلك الفكرة ثم بدء التنفيذ حين تكتمل الأسباب وتزول الموانع أو تخف وليس الوصول إلى المواقع السياسية هدفا إسلاميا يجب الوصول إليه بكل طريق ولو عن طريق الأجندة التي وضعها المستعمرون وعملاؤهم فإن هذا ليس طريق المنهج الرباني وعليه فالشيخ لم يبين ما هو هذا العمل السياسي الذي لم يشتغل به السلفيون فإن قصد من خلال النظم الديمقراطية فهذا محل النزاع أن ذلك عمل سياسي إسلامي وأنه مطلوب شرعا منا أن نفعل ذلك وأننا إذا لم نقم به فقد تركنا جزء من الدين وهو لم يقم دليلا على ذلك فهو كلام في غاية البعد وذلك أن تلك الأجندة أوضاع جاهلية بعيدة عن شرع الله لا يجوز للمسلمين أن يتحاكموا إليها في المسائل المبنية عليها .
فإن قيل إن الأمور السياسية يتعلق بها ما لا بد منه من معايش الناس وحفظ النفس والمال والعرض فهل يترك العلماء ذلك ويهملون هذا الجانب ؟ قيل هذه الأمور التي تقوم بها معايش الناس هي حاصلة بمثل هذه النظم الوضعية وإن كان على وجه فيه كثير من المفاسد والظلم والعدوان فما فائدة أن يبذل الدعاة الغالي والرخيص من الدين والدنيا للوصول إلى هذه المواقع ليتحقق بهم في الأخير ما هو متحقق بالجاهلية من أجل حفظ ما يمكن من الضروريات لأنهم لا يقدرون على إعطاء الصورة الصحيحة عن طبيعة النظام الإسلامي ولا يقدرون على الخروج عن تلك الأوضاع الجاهلية ولا يستطيعون إلغاءها وقد عقدوا مواثيق وعهود مع خصومهم من العلمانيين على الالتزام بها والحفاظ عليها والدعاة إلى الله مأمورون أن يحكموا بين الناس بما أنزل الله ومن لم يفعل ذلك فحكم الله فيه واضح جلي فإما أن يحكموا بين الناس بما أنزل الله ويقوموا بالواجب في هذا المجال فهذا هو المطلوب وإما أن يتريثوا قليلا أو كثيرا حتى تتوفر لهم الأسباب للقيام بذلك على الوجه المشروع لأن مهمتهم ليست أمورا إدارية بأي نظام وبأي مبدأ بل هي رسالة دينية ومهمة ربانية يصبغون بها المجتمع بأسره ويصدرونها إلى العالم فإذا لم يقدروا على القيام بهذا الواجب على الوجه المشروع قدموا النصح للحكام بقدر الاستطاعة وأبرؤا ذمتهم فهم معذورون شرعا لعدم القدرة لأن الأحكام مرتبطة بالاستطاعة وعليهم أن يسعوا إلى امتلاك القدرة لتحقيق ذلك .
وقوله ( والجانب الآخر ... الخ ) : لا أخفي القراء الكرام أنني مندهش من هذا التحليل الذي أتى به الشيخ والاتهام الملقى على عواهنه من دون تحقيق والتسطيح للقضية إلى حد لا يوافق عليه أحد من العقلاء المتعلمين فظاهر كلام الشيخ أن العلماء اليمنيين الممتنعين من تأسيس الأحزاب والدخول في الانتخابات وتسيير المظاهرات بنوا موقفهم هذا على أمور :
1ـ أنهم معتمدون في المنع على علماء من السعودية
2ـ وهؤلاء العلماء في السعودية متبعون في ذلك ظروف السعودية الخاصة يعني أنهم تبع النظام .
3 ـ وأن هؤلاء العلماء السعوديين يرون تحريم ذلك في السعودية فقط .
4 ـ وأنهم لا يرون تحريم ذلك تحريما عاما.
5ـ وأن علماء اليمن الممتنعين عن ذلك أساؤا الفهم أيضا فظنوا أن العموم هو المقصود .
6 ـ وأن القضية مجرد أفكار نعرضها ليست مسألة شرعية أصلية مدروسة عندنا وإنما تلقيناها تقليدا .
فهذه ست تهم لا يقوم عليها أي دليل .
وأريد أن أصحح للشيخ هذه المعلومة وأن الأمر ليس كذلك وأنا منذ مدة وأنا مصدوم بموقف علما