ابو همام الأثري الثغري
2013-01-07, 01:16 AM
بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
حياكم الله
و بعد :
السؤال الأول :
يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى :
" والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء، وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين: {ومن يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله) اهـ. "
كثير من أهل العلم الذين نحسبهم أنهم على الجادة في سردهم للأدلة الدالة على كفر المبدل لشرع الله يستدلون بقول شيخ الإسلام \" والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء \" و الحال أن لهذا القول بقية في كلام بن تيمية
فهل يُعد هذا النقل عن شيخ الإسلام بترا للنص أم لا ؟
و ما هو الرد على من استدل بهذا القول من مخالفينا في مسألة التشريع على أن شيخ الإسلام رحمه الله يشترط الإستحلال ؟
السؤال الثاني : عند الإستدلال بآية سورة النساء " فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر " مع الإستشهاد ببعض كلام المفسرين في هذه الآية و منهم الشيخ السعدي رحمه الله تعالى " فمن لم يرد ... فليس بمؤمن حقيقة و إنما هو مؤمن بالطاغوت " يسأل مخالفونا عن جكم من اتبع هواه كأن لم يعدل بين أبنائه إذ هو داخل في عموم الآية
فما هو الحد الذي يفصل بين الردّ المكفر و غير المكفر
و بارك الله فيكم
السائل: مجديكو
المجيب: اللجنة الشرعية في المنبر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين .
السؤال الأول :
هل يُعد هذا النقل عن شيخ الإسلام بترا للنص أم لا ؟
و ما هو الرد على من استدل بهذا القول من مخالفينا في مسألة التشريع على أن شيخ الإسلام رحمه الله يشترط الإستحلال ؟
الجواب :
أولا :
شيخ الإسلام ابن تيمة رحمة الله عليه لا يشترط الاستحلال للتكفير بالحكم بما انزل الله , وله في ذالك عبارات كثيرة , ومما وقفت عليه منها :
1- قوله : "الشرع المنزل من عند الله تعالى وهو الكتاب والسنة الذي بعث الله به رسوله، فإن هذا الشرع ليس لأحد من الخلق الخروج عنه، ولا يخرج عنه إلا كافر" مجموع الفتاوي : 11/262.
2- قوله : " ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى" مجموع الفتاوي : 8/106.
3- قوله : "ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر" منهاج السنة النبوية (5/ 84).
ثانيا :
كلام شيخ الإسلام ابن تيمية دال على انه يفرق بين الحكم بغير ما أنزل الله على وجه الاستبدال والحكم بغير ما أنزل الله في المسألة الواحدة , حيث يعتبر الأول تبديلا مكفرا والثاني مجرد معصية .
ومن كلامه الدال على ذالك :
1- قوله : "فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن وأما من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا لكن عصى واتبع هواه فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة" منهاج السنة النبوية (5/ 84).
2- (فإن الحاكم إذا كان دينا لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار وإن كان عالما لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار وإذا حكم بلا عدل ولا علم كان أولى أن يكون من أهل النار . وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص . وأما إذا حكم حكما عاما في دين المسلمين فجعل الحق باطلا والباطل حقا والسنة بدعة والبدعة سنة والمعروف منكرا والمنكر معروفا ونهى عما أمر الله به ورسوله وأمر بما نهى الله عنه ورسوله : فهذا لون آخر . يحكم فيه رب العالمين وإله المرسلين..) مجموع الفتاوى (35/ 388).
إذا علمت ذالك : فإن كلام شيخ الإسلام المذكور في السؤال ورد في سياق الحديث عن التبديل لا في سياق الحديث عن التعطيل كما هو واضح من قوله : "أو بدل الشرع المجمع عليه" .
وما دام شيخ الإسلام لا يشترط الاستحلال للتكفير بتبديل الشرع فمعنى ذالك أن قوله في النص المذكور : "أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله" ليس المراد منه اشتراط الاستحلال وإنما المراد منه بيان أن هذا التبديل الذي وقع منه علامة على وجود الاستحلال .
ففي الغالب لا يقع هذا النوع من التبديل إلا من الشخص المستحل الذي يرى أنه يسعه الخروج على شريعة النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما من يرى وجوب الحكم بما أنزل الله فلا يمكن أن يقع منه هذا النوع من التبديل , وهذا هو ما أراد شيخ الإسلام التنبيه عليه.
وقد نبهت على هذا الأمر في إجابة سابقة بعنوان :
(ما هو الفرق بين التشريع و الحكم بغير ما انزل الله في قضية معينة مع التزام الشريعة الاسلامية؟).
فقلت فيها :
(واعلم أن السبب في التفريق بين ترك الحكم بما أنزل الله جملة وترك الحكم بما أنزل الله في المسألة الواحدة راجع إلى اعتبار الحد الذي يخرج الحاكم عن كونه حاكما بما أنزل الله ..ولا علاقة لهذا الأمر بالاعتقاد القلبي .
لكن لما كان الغالب أن الحاكم المبدل لشرع الله إنما يفعل ذالك عند عدم انقياده المطلق لشرع الله وعدم اعتقاد الخضوع له ..
و كان الغالب على الحاكم الذي يخالف حكم الله في المسألة الواحدة إنه يفعل ذالك وهو معتقد وجوب الخضوع لشرع الله ومستشعر ذنبه ,فإن الكثير من العلماء اعتبر في التفريق بين الحالتين وجود "اعتقاد وجوب الحكم بما أنزل الله" اعتبارا للغالب..
وهذا مثل قول شيخ الإسلام ابن تيمية فيما سبق : (وأما من كان ملتزماً لحكم الله باطناً لكنه عصى واتبع هواه فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة).
وكقول الشيخ محمد بن إبراهيم :(وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاص وأن حكم الله هو الحق).
فورد في كلامهم ما يفهم منه أنهم يشترطون في تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله أن يكون جاحدا لوجوب الحكم بما أنزل الله , وليس هذا هو مقصودهم ..بل مقصودهم هو ما ذكرنا ..فتنبه ..
ومن ذلك أيضا قول العلامة ابن القيم :
(والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة وعدل عنه عصياناً مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر، وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه بأنه حكم الله فهذا كفر أكبر، وإن جهله وأخطأه فهذا مخطئ له حكم المخطئين) مدارج السالكين (1/337).
قلت : وليس من شرط تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله أن يكون مستحلا للحكم بغير ما أنزل ولا جاحدا لوجوبه بل المناط في ذالك هو مجرد الترك ولا عبرة بالاعتقاد .
لكن من أهل العلم من قال بأن الترك يتحقق بترك الحكم ولو في مسألة واحدة ,ومنهم من قال بأن ترك الحكم في مسألة واحدة على سبيل الجور لا تنسحب عليه أحكام العدول عن شرع الله والتحاكم إلى غيره .
أما القول باشتراط الجحد والاستحلال لتكفير الحاكم لغير شرع الله , فهو متفرع عن أصول المرجئة لا أصول أهل السنة .
ولا ينبغي تفسير كلام علماء أهل السنة إلا بما يتوافق مع أصول أهل السنة .)اهـ الاستشهاد.
وعليه فإن حذف الجملة التفسيرية التي ذكر شيخ الإسلام لا تعتبر بترا للنص بل هي زيادة بيان وتنبيه على أمر آخر , والمعنى الذي قصد إليه شيخ الإسلام تام دون ذكرها وغير منقوض بوجودها .
السؤال الثاني :
يسأل مخالفونا عن حكم من اتبع هواه كأن لم يعدل بين أبنائه إذ هو داخل في عموم الآية فما هو الحد الذي يفصل بين الردّ المكفر و غير المكفر ؟
الجواب :
سبق أن رددت على هذه الشبهة في إجابة بعنوان :
(شبهة أن الوالد في بيته إن خالف الشرع يكون قد حكم بغير ما أنزل الله ؟) رقم السؤال : 3935
فقلت فيها :
(إن هؤلاء المخادعين عندما عجزوا عن إثبات باطلهم بأدلة شرعية واضحة لجئوا إلى قلب المفاهيم واللعب بالمصطلحات وهم بهذه الشبهة الباطلة يحاولون توسيع مفهوم( الحكم) حتى يشمل كل (الأعمال) فلا يكون هناك فرق بين الحكم والعمل!
وحينها يكون كل من عمل بمعصية فهو كافر لأنه حكم بغير ما أنزل الله وهذا هو نفسه مذهب الخوارج !
وقد كان الخوارج لجهلهم أو لضلالهم لا يميزون بين مفهوم الحكم ومفهوم العمل فيكفرون كل صاحب معصية استدلالا بقوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلئك هم الكافرون }!
ولما كان هؤلاء القوم متفقين مع الخوارج في عدم التمييز بين مفهوم (الحكم) ومفهوم (العمل) فقد استنتج كل منهم استنتاجا خاطئا ..
فاستنتج الخوارج كفر كل صاحب معصية لأنه حكم بغير ما أنزل الله !
واستنتج هؤلاء عدم كفر من حكم بغير ما أنزل الله لأنه عاص وأهل السنة لا يكفرون بالمعصية !
ولتفنيد شبهة أتباع الخوارج المعاصرين نقول :
هناك فرق بين الحكم بغير ما أنزل الله وسائر المعاصي التي لم يرد دليل بأنها مكفرة ..
فالأول كفر مخرج من الملة لثبوت الأدلة في ذالك..
والثاني لا يعتبر كفرا لعدم قيام الأدلة على أنه مكفر .
وللتمييز بين الحكم والعمل فلا بد من تحديد مفهوم الحكم :
إن الحكم: يعني الحكم بين الناس في القضاء والفصل بينهم في مسائل النزاع وسياسة أمور الرعية من طرف الحكام .
فمفهوم الحكم محصور في ما يصدر من القاضي والحاكم على وجه الإلزام لعموم الرعية .
والحكم في النصوص الشرعية لا يرد إلا على هذا المعنى وقد ورد ذالك في أكثر من مئة موضع في كتاب الله .
والخطاب بوجوب الحكم بما أنزل الله موجه إلى القاضي والإمام الحاكم، وبقية الناس غير داخلين فيه .)اهـ .
والله أعلم
والحمد لله رب العالمين .
أجابه، عضو اللجنة الشرعية :
الشيخ أبو المنذر الشنقيطي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
حياكم الله
و بعد :
السؤال الأول :
يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى :
" والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء، وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين: {ومن يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله) اهـ. "
كثير من أهل العلم الذين نحسبهم أنهم على الجادة في سردهم للأدلة الدالة على كفر المبدل لشرع الله يستدلون بقول شيخ الإسلام \" والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء \" و الحال أن لهذا القول بقية في كلام بن تيمية
فهل يُعد هذا النقل عن شيخ الإسلام بترا للنص أم لا ؟
و ما هو الرد على من استدل بهذا القول من مخالفينا في مسألة التشريع على أن شيخ الإسلام رحمه الله يشترط الإستحلال ؟
السؤال الثاني : عند الإستدلال بآية سورة النساء " فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر " مع الإستشهاد ببعض كلام المفسرين في هذه الآية و منهم الشيخ السعدي رحمه الله تعالى " فمن لم يرد ... فليس بمؤمن حقيقة و إنما هو مؤمن بالطاغوت " يسأل مخالفونا عن جكم من اتبع هواه كأن لم يعدل بين أبنائه إذ هو داخل في عموم الآية
فما هو الحد الذي يفصل بين الردّ المكفر و غير المكفر
و بارك الله فيكم
السائل: مجديكو
المجيب: اللجنة الشرعية في المنبر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين .
السؤال الأول :
هل يُعد هذا النقل عن شيخ الإسلام بترا للنص أم لا ؟
و ما هو الرد على من استدل بهذا القول من مخالفينا في مسألة التشريع على أن شيخ الإسلام رحمه الله يشترط الإستحلال ؟
الجواب :
أولا :
شيخ الإسلام ابن تيمة رحمة الله عليه لا يشترط الاستحلال للتكفير بالحكم بما انزل الله , وله في ذالك عبارات كثيرة , ومما وقفت عليه منها :
1- قوله : "الشرع المنزل من عند الله تعالى وهو الكتاب والسنة الذي بعث الله به رسوله، فإن هذا الشرع ليس لأحد من الخلق الخروج عنه، ولا يخرج عنه إلا كافر" مجموع الفتاوي : 11/262.
2- قوله : " ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى" مجموع الفتاوي : 8/106.
3- قوله : "ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر" منهاج السنة النبوية (5/ 84).
ثانيا :
كلام شيخ الإسلام ابن تيمية دال على انه يفرق بين الحكم بغير ما أنزل الله على وجه الاستبدال والحكم بغير ما أنزل الله في المسألة الواحدة , حيث يعتبر الأول تبديلا مكفرا والثاني مجرد معصية .
ومن كلامه الدال على ذالك :
1- قوله : "فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن وأما من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا لكن عصى واتبع هواه فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة" منهاج السنة النبوية (5/ 84).
2- (فإن الحاكم إذا كان دينا لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار وإن كان عالما لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار وإذا حكم بلا عدل ولا علم كان أولى أن يكون من أهل النار . وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص . وأما إذا حكم حكما عاما في دين المسلمين فجعل الحق باطلا والباطل حقا والسنة بدعة والبدعة سنة والمعروف منكرا والمنكر معروفا ونهى عما أمر الله به ورسوله وأمر بما نهى الله عنه ورسوله : فهذا لون آخر . يحكم فيه رب العالمين وإله المرسلين..) مجموع الفتاوى (35/ 388).
إذا علمت ذالك : فإن كلام شيخ الإسلام المذكور في السؤال ورد في سياق الحديث عن التبديل لا في سياق الحديث عن التعطيل كما هو واضح من قوله : "أو بدل الشرع المجمع عليه" .
وما دام شيخ الإسلام لا يشترط الاستحلال للتكفير بتبديل الشرع فمعنى ذالك أن قوله في النص المذكور : "أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله" ليس المراد منه اشتراط الاستحلال وإنما المراد منه بيان أن هذا التبديل الذي وقع منه علامة على وجود الاستحلال .
ففي الغالب لا يقع هذا النوع من التبديل إلا من الشخص المستحل الذي يرى أنه يسعه الخروج على شريعة النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما من يرى وجوب الحكم بما أنزل الله فلا يمكن أن يقع منه هذا النوع من التبديل , وهذا هو ما أراد شيخ الإسلام التنبيه عليه.
وقد نبهت على هذا الأمر في إجابة سابقة بعنوان :
(ما هو الفرق بين التشريع و الحكم بغير ما انزل الله في قضية معينة مع التزام الشريعة الاسلامية؟).
فقلت فيها :
(واعلم أن السبب في التفريق بين ترك الحكم بما أنزل الله جملة وترك الحكم بما أنزل الله في المسألة الواحدة راجع إلى اعتبار الحد الذي يخرج الحاكم عن كونه حاكما بما أنزل الله ..ولا علاقة لهذا الأمر بالاعتقاد القلبي .
لكن لما كان الغالب أن الحاكم المبدل لشرع الله إنما يفعل ذالك عند عدم انقياده المطلق لشرع الله وعدم اعتقاد الخضوع له ..
و كان الغالب على الحاكم الذي يخالف حكم الله في المسألة الواحدة إنه يفعل ذالك وهو معتقد وجوب الخضوع لشرع الله ومستشعر ذنبه ,فإن الكثير من العلماء اعتبر في التفريق بين الحالتين وجود "اعتقاد وجوب الحكم بما أنزل الله" اعتبارا للغالب..
وهذا مثل قول شيخ الإسلام ابن تيمية فيما سبق : (وأما من كان ملتزماً لحكم الله باطناً لكنه عصى واتبع هواه فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة).
وكقول الشيخ محمد بن إبراهيم :(وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاص وأن حكم الله هو الحق).
فورد في كلامهم ما يفهم منه أنهم يشترطون في تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله أن يكون جاحدا لوجوب الحكم بما أنزل الله , وليس هذا هو مقصودهم ..بل مقصودهم هو ما ذكرنا ..فتنبه ..
ومن ذلك أيضا قول العلامة ابن القيم :
(والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة وعدل عنه عصياناً مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر، وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه بأنه حكم الله فهذا كفر أكبر، وإن جهله وأخطأه فهذا مخطئ له حكم المخطئين) مدارج السالكين (1/337).
قلت : وليس من شرط تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله أن يكون مستحلا للحكم بغير ما أنزل ولا جاحدا لوجوبه بل المناط في ذالك هو مجرد الترك ولا عبرة بالاعتقاد .
لكن من أهل العلم من قال بأن الترك يتحقق بترك الحكم ولو في مسألة واحدة ,ومنهم من قال بأن ترك الحكم في مسألة واحدة على سبيل الجور لا تنسحب عليه أحكام العدول عن شرع الله والتحاكم إلى غيره .
أما القول باشتراط الجحد والاستحلال لتكفير الحاكم لغير شرع الله , فهو متفرع عن أصول المرجئة لا أصول أهل السنة .
ولا ينبغي تفسير كلام علماء أهل السنة إلا بما يتوافق مع أصول أهل السنة .)اهـ الاستشهاد.
وعليه فإن حذف الجملة التفسيرية التي ذكر شيخ الإسلام لا تعتبر بترا للنص بل هي زيادة بيان وتنبيه على أمر آخر , والمعنى الذي قصد إليه شيخ الإسلام تام دون ذكرها وغير منقوض بوجودها .
السؤال الثاني :
يسأل مخالفونا عن حكم من اتبع هواه كأن لم يعدل بين أبنائه إذ هو داخل في عموم الآية فما هو الحد الذي يفصل بين الردّ المكفر و غير المكفر ؟
الجواب :
سبق أن رددت على هذه الشبهة في إجابة بعنوان :
(شبهة أن الوالد في بيته إن خالف الشرع يكون قد حكم بغير ما أنزل الله ؟) رقم السؤال : 3935
فقلت فيها :
(إن هؤلاء المخادعين عندما عجزوا عن إثبات باطلهم بأدلة شرعية واضحة لجئوا إلى قلب المفاهيم واللعب بالمصطلحات وهم بهذه الشبهة الباطلة يحاولون توسيع مفهوم( الحكم) حتى يشمل كل (الأعمال) فلا يكون هناك فرق بين الحكم والعمل!
وحينها يكون كل من عمل بمعصية فهو كافر لأنه حكم بغير ما أنزل الله وهذا هو نفسه مذهب الخوارج !
وقد كان الخوارج لجهلهم أو لضلالهم لا يميزون بين مفهوم الحكم ومفهوم العمل فيكفرون كل صاحب معصية استدلالا بقوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلئك هم الكافرون }!
ولما كان هؤلاء القوم متفقين مع الخوارج في عدم التمييز بين مفهوم (الحكم) ومفهوم (العمل) فقد استنتج كل منهم استنتاجا خاطئا ..
فاستنتج الخوارج كفر كل صاحب معصية لأنه حكم بغير ما أنزل الله !
واستنتج هؤلاء عدم كفر من حكم بغير ما أنزل الله لأنه عاص وأهل السنة لا يكفرون بالمعصية !
ولتفنيد شبهة أتباع الخوارج المعاصرين نقول :
هناك فرق بين الحكم بغير ما أنزل الله وسائر المعاصي التي لم يرد دليل بأنها مكفرة ..
فالأول كفر مخرج من الملة لثبوت الأدلة في ذالك..
والثاني لا يعتبر كفرا لعدم قيام الأدلة على أنه مكفر .
وللتمييز بين الحكم والعمل فلا بد من تحديد مفهوم الحكم :
إن الحكم: يعني الحكم بين الناس في القضاء والفصل بينهم في مسائل النزاع وسياسة أمور الرعية من طرف الحكام .
فمفهوم الحكم محصور في ما يصدر من القاضي والحاكم على وجه الإلزام لعموم الرعية .
والحكم في النصوص الشرعية لا يرد إلا على هذا المعنى وقد ورد ذالك في أكثر من مئة موضع في كتاب الله .
والخطاب بوجوب الحكم بما أنزل الله موجه إلى القاضي والإمام الحاكم، وبقية الناس غير داخلين فيه .)اهـ .
والله أعلم
والحمد لله رب العالمين .
أجابه، عضو اللجنة الشرعية :
الشيخ أبو المنذر الشنقيطي