الأثري
2015-03-06, 09:25 AM
خطط العلمانيين الملاحدة الممنهجة لافساد الأخلاق
مقال لـ أ/ يحيى
ربما لم تعرف الأمة المسلمة مصطلح العلمانية إلا منذ عهد قريب، ولكنها عرفت وتعاملت مع مجموعة خارجة عن الدين وتتعمد إفساد أخلاقيات المسلمين منذ قرون، فظلت الأمة المسلمة محافظة على أخلاقياتها التي استمدتها من دينها فترات طويلة حتى صارت أعراف المجتمعات تصطبغ بصبغة أخلاقية متينة، وكان المخالف لهذه الأخلاقيات لا يجرؤ على المجاهرة بها بل ظل يمارس أي نوع من الفجور الأخلاقي في طي الكتمان.
وكان التشهير وإعلام الناس بأمر المخالف نوعًا من العقوبة التي كان يطلق عليها في كثير من البلاد الإسلامية "التجريس "فكان يُطاف به في الأسواق والتجمعات على ظهر دابة ويُخبر الناس بفعلته، فربما كان التجريس عليه عقوبة أشد من أي عقوبة أخرى نظرًا لما يلحقه بها من المهانة والصغار.
وبدا الإفساد الخلقي الجماعي والمنظم في حياة الأمة الإسلامية إبّان الاحتلال الغربي لكثير من البلاد الإسلامية، إذ شعر المحتلون أنّ الأمة الإسلامية تتميز بحائط قوي ومتين من الأخلاقيات المجتمعية العامة التي يصعب من خلالها استمرار احتلالهم ونهب خيراتهم وقمع اثر الدين فيهم، فعمدوا بداية إلى إحداث حالة من الإفساد الخلقي المنظم والمتتابع والمستمر للوصول بالمجتمع المسلم لحالة من قبول الخلق السيئ والتعامل معه ومع صاحبه دون إنكار ليسهل بعد ذلك قيادهم.
ولقد كانت رسالة نابليون بونابرت -إبان الحملة الفرنسية على مصر- واضحة جدًّا لخليفته كليبر في هذا الخصوص؛ حيث أدرك نابليون أن سبب فشله الأول في مصر هو وجود هذا السياج القوي من الأخلاق التي دفعت المصريين إلى عدم تقبل وجود الفرنسيين الغزاة على أرضهم وخاصة أن المحتلين -رجالاً ونساء- متهتكون ومنحلون أخلاقيًّا، فكان هناك رفض شعبي تبلور بعد ذلك في عدة مظاهرات واحتجاجات وحروب تمخضت في النهاية عن جلاء الفرنسيين عن مصر بعد أقل من ثلاث سنوات فقط.
وتعتبر هذه الرسالة من الوثائق شديدة الأهمية في بيان رحلة المروق من الأخلاقيات التي خاضتها -قسرًا- المجتمعات المسلمة؛ إذ تكررت تقريبًا مع كل المجتمعات نفس هذه السياسة بدرجات متفاوتة وبأساليب متغيرة للوصول لنفس الهدف، وهو إخراج الناس من الخلق الإسلامي القويم ومحاولة جرهم إلى اعتياد رؤية المنكرات دون أن تثير فيهم نفس الرغبة في الإنكار والتغيير.
ونصّت هذه الرسالة على الخطة التي ستمكن الدول الغربية من احتلال بلاد المسلمين عسكريًّا وثقافيًّا، والتي تبدأ أولاً بالعبث بالمنظومة الأخلاقية للبلاد، فتقول الرسالة "قال: ستظهر السفن الحربية الفرنسية بلا ريب في هذا الشتاء أمام الإسكندرية أو البرلس أو دمياط، اجتهد في جمع خمسمائة أو ستمائة شخص من المماليك حتى متى لاحت السفن الفرنسية تقبض عليهم في القاهرة أو الأرياف ونسفرهم إلى فرنسا وإذا لم تجد عددًا كافيًا من المماليك فاستعض عنهم برهائن من العرب ومشايخ البلدان، فإذا ما وصل هؤلاء إلى فرنسا يُحجزون مدة سنة أو سنتين يشاهدون في أثنائها عظمة الأمة الفرنسية ويعتادون على تقاليدنا ولغتنا، ولما يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حزب يُضم إليه غيرهم، وسأهتم اهتمامًا كبيرًا بإرسال فرقة تمثيلية لأنّها ضرورة للجيش وللبدء في تغيير تقاليد البلاد".
وذهبت البعثات المسلمة لأكثر الطلاب نجابة وذكاء، فاعتادت أعينهم رؤية المنكرات في أوروبا، وانبهروا بالتقدم المادي الحادث فيها وتغذوا على فكرة حاولوا نشرها عندما عادوا وهي أنّ التقدم الاقتصادي والعلمي مرهون بالتخلّي عن كل ما ورثناه سواء كان دينيًّا أو اجتماعيًّا، فكان منهم بعد ذلك من قال: "إن أردنا التحضّر والتقدّم فلنأخذ من الغرب كل شيء حلوه ومرّه، وخيره وشره"، معتبرًا أنّ المسلمين لم يحققوا إنجازًا في تاريخهم، فيجب عليهم أن يكونوا أتباعًا غير مخيرين، فلا يرقى المسلم -في نظره- أن يصل لمستوى يستطيع التمييز فيه بين خير الغرب وشره، فعليه إن أراد الرقيَّ والتقدم والحضارة أن يأخذ كل ما لديهم ويقلدهم في كافة النواحي وخاصة في الناحيتين الثقافية والسلوكية.
ولهذا جاءت الليبرالية كفكرة تستعلي بالغرب وتحتقر بلاد الإسلام، ترفع قيم الغرب وتمتدح تصرفاته في الوقت الذي تذم قيم بلاد الإسلام وتستنكر تصرفاتهم وأخلاقياتهم، وأصبح مروق أحدهم من الخلق القويم أسرع من مروق السهم من الرمية، وادَّعوا أنّ ما يصلحنا هو أن تتمكن منا مفاهيم الليبرالية التي تعني في نظرهم حرية الإنسان من أي قيد سماوي أو أرضي، إلهي أو بشري، وأنّ التقدم والتطور مرهون فقط بتلك الفكرة، فعادوا الدين بداية وتصادموا مع الأخلاق بالتبعية.
ولم يكن همهم الأول أن تفسد أخلاقهم وحدهم، فتلك قضية منتهية، فلن يكون أحدهم ليبراليًّا حق الليبرالية، ولن يرضى عنه أشياعه ومن هم على شاكلته إلا إذا تخلص من الأخلاق خلقًا خلقًا، بل أصبح همهم الأكبر وشغلهم الشاغل هو كيفية تغيير الضابط الخلقي المجتمعي لينخلع أكبر عدد من الناس من أخلاق.
وكانت أكبر وأهم وسائلهم؛ وسيلة رأوها أكثر الوسائل نجاعة، وهي يظهر أحدهم المخالفة الخلقية المستهجنة من الناس، فتتجه سهام الناس إليه، فينبري الباقون منهم دفاعًا عنه وتأييدًا وتثبيتًا له وتبريرًا لفعلته وتصوير منعه اعتداء على حريته والاستعانة بأربابهم وربائبهم في الخارج ليوفروا لهم حماية ودعما، ثم عندما تهدأ الأمور بعض الشيء يكررها ثان ثم ثالث فرابع وهكذا يتقبل الناس رؤيتها وسماعها، ويتجرأ عليها من كان متهيبَا من فعلها، حتى تصير سلوكًا متكررًا يصعب تخليص الناس منه أو مقاومته، ومن ثم ينتقلون إلى مرحلة تالية أشد وأخطر وأقوى.
ويعتمدون على نشر أفكارهم المستهجنة في الشعوب العربية والمسلمة على الإسلاميين أنفسهم إذ يتصدى أحيانًا الغيورون من المسلمين ويقومون بالرد الضعيف ويتولون بأنفسهم نشر هذا الخبث تحت مسمى التحذير، فكان من الأولى بهم عدم نشره وترك أمر الرد للعلماء {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].
والأمثلة على هذه السياسة كثيرة جدا وفي كل شأن من الشئون، فمن ينظر لواقع دولة عربية مثل مصر في الستينات والسبعينات في القرن الماضي ليدرك كم تغيرت نظرة المجتمع للحجاب وكم تغير حجم الإنكار الشعبي لعدم وجوده، وخاصة إذا علم أنه حتى عام 1920 لم تكن في مصر كاملة امرأة تستطيع أو تجرؤ على كشف وجهها في الطريق العام، ويدرك أن خمسين عاما فقط من العمل التغريبي من الليبراليين قد غيروا نظرة ملايين المسلمين نحو إنكار قضية يعلم الجميع مدى فرضيتها.
وتعتبر المرأة كقضية محورًا هامًّا من محاور عملهم؛ إذ أنها بالنسبة لهم هدف ووسيلة على حد سواء، فإغواؤها كنصف للمجتمع هدفهم الأكبر، والمرأة ككيان فردي وسيلة مهمة جدًّا من وسائلهم، إذ يعتمدون على من سارت سيرهم في إفساد غيرها من الفتيات بالتلقين والتقليد وإفساد الشباب بالإغراء والإغواء.
ويحرص العلمانيون على السيطرة على وسائل التأثير في المجتمعات ليضمنوا وصول فكرتهم لأكبر قطاع ممكن من الناس، فميدان الإعلام المقروء والمسموع والمرئي يعتبر من أهم الميادين ويحتلونه بكثرة ويحاول كبارهم دس صغارهم بكل كثافة ممكنة حتى يضمنوا استمرارًا لفكرتهم بعد رحيلهم، وكذلك ميدان التعليم الخاص والعام يكثر وجودهم فيه وبغزارة لكي يعبثوا بتربية النشء الجديد، ومحاولة السيطرة على عقله وتغيير أنماط تفكيره وتشكيل نظرته للقضايا فيسهل عليهم قياد الشعب كله.
وبعدما سارت المجتمعات ذلك السير الحثيث يسوقها فيه العلمانيون للهاوية؛ لا نتعجب إذ رأيناهم يكررون نفس دورة الإفساد الخلقي ويزيدون في كل مرة حجم الخرق الذي يحدثونه في أخلاق الأمة، فكان التعري وقبول المخرج العلماني أن تزني أخته، وقبول المخرج العلماني الآخر أن يقبل الناس ابنته أو زوجته، وأن يطرح كاتب سياسي علماني الزواج المدني كخيار لتتزوج فيه المسلمة بالنصراني، وكذلك تطرح كاتبة علمانية نفس الفكرة ليكرروا الدورة التي لا تنتهي ولن تنتهي إلا بوقفة حازمة مدركة وواعية للخطر ثم لمقاومته ومنعه.
إنّ هذه الخطة الممنهجة لم تطبق في مصر وحدها؛ بل طبقت في كل أنحاء العالم الإسلامي باختلافات بسيطة، فما نراه من حال المسلمين في شمال إفريقيا وحال المسلمين في الشام والخليج لدليل على أن الخطة تسير متوازية، وما مسألة قيادة المرأة للسيارة في المملكة إلا سير في نفس الاتجاه.
وحاليًّا تستغل وسائل النشر الحديثة ومن أهمها مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر في طرح الفكرة التغريبية العلمانية بنفس الدورة السابقة مثلما حدث من حمزة كشغري أو تركي الحمد وغيرهما.
مقال لـ أ/ يحيى
ربما لم تعرف الأمة المسلمة مصطلح العلمانية إلا منذ عهد قريب، ولكنها عرفت وتعاملت مع مجموعة خارجة عن الدين وتتعمد إفساد أخلاقيات المسلمين منذ قرون، فظلت الأمة المسلمة محافظة على أخلاقياتها التي استمدتها من دينها فترات طويلة حتى صارت أعراف المجتمعات تصطبغ بصبغة أخلاقية متينة، وكان المخالف لهذه الأخلاقيات لا يجرؤ على المجاهرة بها بل ظل يمارس أي نوع من الفجور الأخلاقي في طي الكتمان.
وكان التشهير وإعلام الناس بأمر المخالف نوعًا من العقوبة التي كان يطلق عليها في كثير من البلاد الإسلامية "التجريس "فكان يُطاف به في الأسواق والتجمعات على ظهر دابة ويُخبر الناس بفعلته، فربما كان التجريس عليه عقوبة أشد من أي عقوبة أخرى نظرًا لما يلحقه بها من المهانة والصغار.
وبدا الإفساد الخلقي الجماعي والمنظم في حياة الأمة الإسلامية إبّان الاحتلال الغربي لكثير من البلاد الإسلامية، إذ شعر المحتلون أنّ الأمة الإسلامية تتميز بحائط قوي ومتين من الأخلاقيات المجتمعية العامة التي يصعب من خلالها استمرار احتلالهم ونهب خيراتهم وقمع اثر الدين فيهم، فعمدوا بداية إلى إحداث حالة من الإفساد الخلقي المنظم والمتتابع والمستمر للوصول بالمجتمع المسلم لحالة من قبول الخلق السيئ والتعامل معه ومع صاحبه دون إنكار ليسهل بعد ذلك قيادهم.
ولقد كانت رسالة نابليون بونابرت -إبان الحملة الفرنسية على مصر- واضحة جدًّا لخليفته كليبر في هذا الخصوص؛ حيث أدرك نابليون أن سبب فشله الأول في مصر هو وجود هذا السياج القوي من الأخلاق التي دفعت المصريين إلى عدم تقبل وجود الفرنسيين الغزاة على أرضهم وخاصة أن المحتلين -رجالاً ونساء- متهتكون ومنحلون أخلاقيًّا، فكان هناك رفض شعبي تبلور بعد ذلك في عدة مظاهرات واحتجاجات وحروب تمخضت في النهاية عن جلاء الفرنسيين عن مصر بعد أقل من ثلاث سنوات فقط.
وتعتبر هذه الرسالة من الوثائق شديدة الأهمية في بيان رحلة المروق من الأخلاقيات التي خاضتها -قسرًا- المجتمعات المسلمة؛ إذ تكررت تقريبًا مع كل المجتمعات نفس هذه السياسة بدرجات متفاوتة وبأساليب متغيرة للوصول لنفس الهدف، وهو إخراج الناس من الخلق الإسلامي القويم ومحاولة جرهم إلى اعتياد رؤية المنكرات دون أن تثير فيهم نفس الرغبة في الإنكار والتغيير.
ونصّت هذه الرسالة على الخطة التي ستمكن الدول الغربية من احتلال بلاد المسلمين عسكريًّا وثقافيًّا، والتي تبدأ أولاً بالعبث بالمنظومة الأخلاقية للبلاد، فتقول الرسالة "قال: ستظهر السفن الحربية الفرنسية بلا ريب في هذا الشتاء أمام الإسكندرية أو البرلس أو دمياط، اجتهد في جمع خمسمائة أو ستمائة شخص من المماليك حتى متى لاحت السفن الفرنسية تقبض عليهم في القاهرة أو الأرياف ونسفرهم إلى فرنسا وإذا لم تجد عددًا كافيًا من المماليك فاستعض عنهم برهائن من العرب ومشايخ البلدان، فإذا ما وصل هؤلاء إلى فرنسا يُحجزون مدة سنة أو سنتين يشاهدون في أثنائها عظمة الأمة الفرنسية ويعتادون على تقاليدنا ولغتنا، ولما يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حزب يُضم إليه غيرهم، وسأهتم اهتمامًا كبيرًا بإرسال فرقة تمثيلية لأنّها ضرورة للجيش وللبدء في تغيير تقاليد البلاد".
وذهبت البعثات المسلمة لأكثر الطلاب نجابة وذكاء، فاعتادت أعينهم رؤية المنكرات في أوروبا، وانبهروا بالتقدم المادي الحادث فيها وتغذوا على فكرة حاولوا نشرها عندما عادوا وهي أنّ التقدم الاقتصادي والعلمي مرهون بالتخلّي عن كل ما ورثناه سواء كان دينيًّا أو اجتماعيًّا، فكان منهم بعد ذلك من قال: "إن أردنا التحضّر والتقدّم فلنأخذ من الغرب كل شيء حلوه ومرّه، وخيره وشره"، معتبرًا أنّ المسلمين لم يحققوا إنجازًا في تاريخهم، فيجب عليهم أن يكونوا أتباعًا غير مخيرين، فلا يرقى المسلم -في نظره- أن يصل لمستوى يستطيع التمييز فيه بين خير الغرب وشره، فعليه إن أراد الرقيَّ والتقدم والحضارة أن يأخذ كل ما لديهم ويقلدهم في كافة النواحي وخاصة في الناحيتين الثقافية والسلوكية.
ولهذا جاءت الليبرالية كفكرة تستعلي بالغرب وتحتقر بلاد الإسلام، ترفع قيم الغرب وتمتدح تصرفاته في الوقت الذي تذم قيم بلاد الإسلام وتستنكر تصرفاتهم وأخلاقياتهم، وأصبح مروق أحدهم من الخلق القويم أسرع من مروق السهم من الرمية، وادَّعوا أنّ ما يصلحنا هو أن تتمكن منا مفاهيم الليبرالية التي تعني في نظرهم حرية الإنسان من أي قيد سماوي أو أرضي، إلهي أو بشري، وأنّ التقدم والتطور مرهون فقط بتلك الفكرة، فعادوا الدين بداية وتصادموا مع الأخلاق بالتبعية.
ولم يكن همهم الأول أن تفسد أخلاقهم وحدهم، فتلك قضية منتهية، فلن يكون أحدهم ليبراليًّا حق الليبرالية، ولن يرضى عنه أشياعه ومن هم على شاكلته إلا إذا تخلص من الأخلاق خلقًا خلقًا، بل أصبح همهم الأكبر وشغلهم الشاغل هو كيفية تغيير الضابط الخلقي المجتمعي لينخلع أكبر عدد من الناس من أخلاق.
وكانت أكبر وأهم وسائلهم؛ وسيلة رأوها أكثر الوسائل نجاعة، وهي يظهر أحدهم المخالفة الخلقية المستهجنة من الناس، فتتجه سهام الناس إليه، فينبري الباقون منهم دفاعًا عنه وتأييدًا وتثبيتًا له وتبريرًا لفعلته وتصوير منعه اعتداء على حريته والاستعانة بأربابهم وربائبهم في الخارج ليوفروا لهم حماية ودعما، ثم عندما تهدأ الأمور بعض الشيء يكررها ثان ثم ثالث فرابع وهكذا يتقبل الناس رؤيتها وسماعها، ويتجرأ عليها من كان متهيبَا من فعلها، حتى تصير سلوكًا متكررًا يصعب تخليص الناس منه أو مقاومته، ومن ثم ينتقلون إلى مرحلة تالية أشد وأخطر وأقوى.
ويعتمدون على نشر أفكارهم المستهجنة في الشعوب العربية والمسلمة على الإسلاميين أنفسهم إذ يتصدى أحيانًا الغيورون من المسلمين ويقومون بالرد الضعيف ويتولون بأنفسهم نشر هذا الخبث تحت مسمى التحذير، فكان من الأولى بهم عدم نشره وترك أمر الرد للعلماء {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].
والأمثلة على هذه السياسة كثيرة جدا وفي كل شأن من الشئون، فمن ينظر لواقع دولة عربية مثل مصر في الستينات والسبعينات في القرن الماضي ليدرك كم تغيرت نظرة المجتمع للحجاب وكم تغير حجم الإنكار الشعبي لعدم وجوده، وخاصة إذا علم أنه حتى عام 1920 لم تكن في مصر كاملة امرأة تستطيع أو تجرؤ على كشف وجهها في الطريق العام، ويدرك أن خمسين عاما فقط من العمل التغريبي من الليبراليين قد غيروا نظرة ملايين المسلمين نحو إنكار قضية يعلم الجميع مدى فرضيتها.
وتعتبر المرأة كقضية محورًا هامًّا من محاور عملهم؛ إذ أنها بالنسبة لهم هدف ووسيلة على حد سواء، فإغواؤها كنصف للمجتمع هدفهم الأكبر، والمرأة ككيان فردي وسيلة مهمة جدًّا من وسائلهم، إذ يعتمدون على من سارت سيرهم في إفساد غيرها من الفتيات بالتلقين والتقليد وإفساد الشباب بالإغراء والإغواء.
ويحرص العلمانيون على السيطرة على وسائل التأثير في المجتمعات ليضمنوا وصول فكرتهم لأكبر قطاع ممكن من الناس، فميدان الإعلام المقروء والمسموع والمرئي يعتبر من أهم الميادين ويحتلونه بكثرة ويحاول كبارهم دس صغارهم بكل كثافة ممكنة حتى يضمنوا استمرارًا لفكرتهم بعد رحيلهم، وكذلك ميدان التعليم الخاص والعام يكثر وجودهم فيه وبغزارة لكي يعبثوا بتربية النشء الجديد، ومحاولة السيطرة على عقله وتغيير أنماط تفكيره وتشكيل نظرته للقضايا فيسهل عليهم قياد الشعب كله.
وبعدما سارت المجتمعات ذلك السير الحثيث يسوقها فيه العلمانيون للهاوية؛ لا نتعجب إذ رأيناهم يكررون نفس دورة الإفساد الخلقي ويزيدون في كل مرة حجم الخرق الذي يحدثونه في أخلاق الأمة، فكان التعري وقبول المخرج العلماني أن تزني أخته، وقبول المخرج العلماني الآخر أن يقبل الناس ابنته أو زوجته، وأن يطرح كاتب سياسي علماني الزواج المدني كخيار لتتزوج فيه المسلمة بالنصراني، وكذلك تطرح كاتبة علمانية نفس الفكرة ليكرروا الدورة التي لا تنتهي ولن تنتهي إلا بوقفة حازمة مدركة وواعية للخطر ثم لمقاومته ومنعه.
إنّ هذه الخطة الممنهجة لم تطبق في مصر وحدها؛ بل طبقت في كل أنحاء العالم الإسلامي باختلافات بسيطة، فما نراه من حال المسلمين في شمال إفريقيا وحال المسلمين في الشام والخليج لدليل على أن الخطة تسير متوازية، وما مسألة قيادة المرأة للسيارة في المملكة إلا سير في نفس الاتجاه.
وحاليًّا تستغل وسائل النشر الحديثة ومن أهمها مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر في طرح الفكرة التغريبية العلمانية بنفس الدورة السابقة مثلما حدث من حمزة كشغري أو تركي الحمد وغيرهما.