المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفة مع {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ..}


فارووق
2015-05-01, 01:07 AM
وقفة مع {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، ...


لما خلق الله آدم أمر الملائكة و إبليس بالصلاة عليه، فامتثلت الملائكة لأمر الله إلا إبليس استكبر و عصى ربه: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}(البقرة).

أسكن الله آدم الجنة و خلق له زوجه حواء و أباح لهما كل ما في الجنة ما عدا شجرة واحدة نهاهم عنها، لِعِلَّةٍ لا يعلمها إلا الله {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ }(سورة البقرة)!
و حذر الله آدم و زوجه من إبليس، إذ يعلم الله ما لا يَعْلَمَا، و هو بُغْض الشيطان الشديد للإنسان و إصراره على إخراجه -اي آدم و ذريته (الانسان)- من رضوان الله و رحمته الى سخطه و عقابه الشديد {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الجنَّة فَتَشْقَى، إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى}(سورة طه).

و كان الامر كما أخبر الله سبحانه و تعالى ذكره، إذ ما لبث الشيطان أن بدأ يوسوس لآدم و زوجه ليعصيا الله، و الشيطان حِيَّله كثيرة و خبيثة، فهو يصور نفسه للإنسان على أنه ناصح له، و هو -اي إبليس- لا يدعوا الى معصية الله إلا من أبواب يصورها للإنسان على انها ابواب خير و رحمة، بل و كثيرا ما يصورها على انها ابواب لطاعة الله {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطان قَالَ ألا أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى}(سورة طه)،#{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشّيْطان لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِين، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ،#فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}(سورة الأعراف).

فنادى الله آدم و حواء معاتبا إتباعهما للشيطان رغم تحذيره لهم من ذلك {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ}(سورة الأعراف)، ... فكان جزاء الله لهذا العصيان أن طرد آدم و حواء و إبليس من الجنة {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ}(سورة الأعراف)، و جعل لهم مستقر في الارض، مستقر لآدم و حواء من جهة و إبليس من جهة اخرى، كل طرف عدو للآخر، هكذا اخبرنا الله عن بداية حياة البشر على الارض و عن صيرورتها الى ان تفنى، حياة صراع دائم بين الإنسان و الشيطان، بين الايمان و الكفر، {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ، فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ، قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ، قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ، قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ، إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}(سورة ص)، ....

و من ينسى أو يتناسى من الناس سبب وجوده في هذه الحياة، و حقيقة الصراع الدائم و الشديد بين الانسان و الشيطان، ما فلح في امتحان الحياة و كان مأواه يوم القيامة مع إبليس {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}(سورة ص)، .....
سبب وجود الانسان في الحياة الدنيا هو نفس السبب الذي أُخْرِجَ من أجله والديهما آدام و حواء من الجنة، .... امتحانهم في مدى طاعتهم لله، رغم وسوسة الشيطان لهم و إغوائه، ... و كما حذر الله آدم و حواء من إغواء الشيطان، حذر احفاد آدم و ذريته و سلالته، حذرنا نحن الجيل الذي يعيش في هذا العصر، و الأجيال السابقة، و الأجيال اللاحقة {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}(سورة الأعراف)، ...

فكما أباح الله لآدم و حواء أشياء في الجنة و حرم عليهم أشياء، بعث لنا نحن أوامره و نواهيه عن طريق رسله، ليمتحن إيماننا به و مدى طاعتنا لأوامره! هذا هو سر وجودنا في هذه الحياة الدنيا، .... الله أنعم علينا بالوجود، و وهبنا العقل و البصر و السمع و الذوق الخ ... لنشكره على ذلك و نحمده {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ}(سورة الملك)، و الشكر و الحمد لله يكون بطاعته، ... و طاعته لا تكون إلا بمحاربة الشيطان، محاربة هوى النفس و ميولاتها المخالفة لأوامره، .... طاعة الله تكون بالسعي لمعرفة ما أمرنا به و الخضوع له عن رضا دون تلكؤ {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(سورة النور)، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(سورة النساء)! ....

فكيف بمسلمين يدعون الايمان لكن يهربون من شرع الله و حكمه، يوسوس لهم هواهم ليصدوا عن سبيل الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا}(سورة النساء)،...

أصبح مقياس الحلال و الحرام عند الكثير من المسلمين هو العقل و الهوى و ليس الله، ... لا يقبلون بما لا يوافق هواهم و عقولهم، و الله يقول عن عقولهم و هواهم#{وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ}(سورة المائدة)، {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(سورة الجاثية)، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(سورة البقرة)،....

أصبح الكثير من المسلمين يأتون بحكم مسبق يريدونه و تميل له نفوسهم، ثم يطلبون من الله أن يُصادق على حكمهم و رأيهم لا غير، يرفضون قول الله و رسوله إذا خالف هواهم و يجدون حجج لا نهاية لها تسوغ لهم هواهم،... غرهم الشيطان و وسوس لهم أن عقولهم و حكمهم هم عين الصلاح و الخير، تعدهم عقولهم بجنات الخلود، كما وعد إبليس آدم بها {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}(سورة النساء)!... و كان الأجدر بهم ان يوطدوا انفسهم و عقولهم على طاعة الله و لو خالفت أوامر الله أهواهم، كان عليهم ألا يعبدوا الشيطان، و ما عبادة الشيطان إلا بطاعته و عصيان الله، ... كان عليهم ان يتعظوا مما جرى لأبيهم آدم و أمهم حواء حين أغواهم الشيطان،... كان عليهم ان يحذروا قول الله قبل فوات الأوان {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ، وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ، هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ، اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ، الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(سورة يس)،

اللهم أَلْهِمنا عقولا تهدينا لإدراك عظمتك و استوعاب شرعك و حب طاعتك و نيل ِرضوانك و جنتك، و قِنَا عقولا يسكنها الشيطان تُزيِّن لنا قلة فهمنا و سوء حكمنا و أفعالنا و تدخلنا نارك ! ...
....