عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 2010-10-11, 01:45 AM
MALCOMX MALCOMX غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-05-14
المكان: الكويت
المشاركات: 321
افتراضي

يقول القمص تادرس يعقوب ملطي في تفسير سفر التكوين:

نحن نعلم أن الإلحاد المعاصر هو رفض الله أكثر منه إنكارًا لوجوده، فالملحدون المعاصرون لا ينكرون وجود الله لكنهم يتجاهلون وجوده، أو بمعني أدق يريدون التحرر منه لأنه في نظرهم يستعبد الإنسان ويفقده إنسانيته. لذلك قال الملحد الألماني هنري هين: [فلنترك السماء للملائكة والعصافير]، وقال الشاعر الفرنسي بريفير: [أبانا الذي في السماوات، أبق فيها]. وجاء ماركس بإلحاده فتتلمذ جزئيًا علي كلمات الفيلسوف فووباخ (1804-1872) القائل: [أن نقطة التحول الكبرى في التاريخ ستكون اللحظة التي سيعني فيها الإنسان أن الإله الوحيد هو الإنسان نفسه Homo homini deus]. هكذا أراد فووباخ أن يكون الإنسان إلهًا لذاته، ليس من كبير يكتم أنفاسه، وجاء ماركس ينكر وجود الله لا لشيء إلاَّ ليؤكد وجود الإنسان. هكذا رأي ماركس خطأ أن الدين هو "تغرب عن الإنسان" بالهروب إلى ما يسمي "إله". والآن لا أريد مناقشة هذه الأفكار هنا وإنما يمكن الرجوع للبحث الشيق العلمي الذي كتبه الأستاذ كوستي بندللي[66]، وإنما ما أريد توضيحه أن ما أثار هؤلاء الفلاسفة الملحدين هو عدم إدراكهم لتقدير الله للإنسان. فالله ليس عدو الحرية الإنسانية كما كرر الماركسيون، ولا يقوم وجوده علي عجز الإنسان وذله، إنما خلق الإنسان علي صورته ليقبل خالقه صديقًا له، يتجاوب معه لا علي مستوي المذلة والضعف وإنما علي مستوي الحرية والحب والصداقة،

وجود الله لا يقوم علي إهدار حياة الإنسان وكرامته،. إن ما يحمله الملحدون المعاصرون من شوق نحو الألوهية إنما هو عطش داخلي نحو الأبدية يقوم خلال الصورة التي تمتع بها الإنسان دون سائر الخليقة الأرضية. وكما يقول كوستي بندللي: [أماني الإنسان اللامحدودة هي في الإنسان صورة الله غير المحدود الذي يدعوه إلى مشاركته حياته[67]].

لقد ظن ماركس أن يقيم من نفسه إلهًا لنفسه بإنكاره وجود الله، ولم يدرك أن ما في داخله من شوق نحو الألوهية إنما هو ثمرة خلقه علي صورة الله وإن كانت قد انحرفت في اتجاهاتها. وقد واجه ماركس "مشكلة الموت" في عجز لذا حاول عدم التعرض لها في إنتاجه الضخم إلاَّ مرة واحدة، بسبب ارتباكه أمام الموت وإدراكه أنه عندئذ يفقد ألوهيته التي أقامها لنفسه. وظهر ذلك في قوله: [إن موت ولدي آلمني كثيرًا حتى أنني لا أزال أشعر بمرارة فقده كما في اليوم الأول[68]]. هنا يتحطم كل رجاء له، ويفقد معني الحياة، لذلك بدأ الماركسيون يثيرون في مؤتمراتهم مشكلة "معني الحياة والموت" إذ يقفون في حالة ارتباك.

إن كان الملحدون المعاصرون يظنون في تحطيم العلاقة مع الله إقامة للكيان الإنساني،

[66] الإله الإلحاد المعاصر، بيروت 1986.
[67] المرجع السابق، ص 19.
[68] المرجع السابق، ص 51.
رد مع اقتباس