ولو تركنا اجنحة الفراشات , وذهبنا الى الطيور نجد ان السيناريو السابق ووصفه وتفاصيله يتكرران ايضا وبنفس الروعة و الدقة بالنسبة لاجنحة الطيور , وبالاخص الطواويس والببغاوات , بداية من الريش وتصميمه والاشكال والخطوط الرائعة المرسومة على صفحته , وانتهاء بالجناح وهيئته و تركيبه وتكوينه , مع الانتباه الى عدم وجود اى مجال لتدخل الية الانتخاب فى الناحية الجمالية المتعلقة بخطوط والوان الريش , لكون تشوهاتها ونشاذ نغماتها لا تتعارضان مع الظروف البيئية , كما حدث مع الفراشات فلا يبقى لدينا الا الصدف والعشوائية التى لابد ان تعتريها بعض الاخطاء فى التنسيق والتنظيم والتصميم , تتسبب فى ظهور بعض التشوهات القابلة للتراكم على مر الازمنة والدهور , هذه التشوهات يجب ان تكون مسجلة وباقية على صفحات الريش شاهدة على ما حدث لعدم وجود تعارض بينها وبين الظروف البيئية او الانتخاب كما قلنا لانها بعيدة تماما عن النواحى الوظيفية والحيوية والمقومات الحياتية الاخرى انما ناحية جمالية وثانوية.
يقول الجاحظ فى كتابه الخلق والتدبير : "فانه حين قدر للطائر طائرا فى الجو خفف جسمه وادمج خلقه واقتصر به القوائم الاربع على اثنين , ومن الاصابع الخمس على الاربع , ومن منفذى الزبل والبول على واحد يجمعهما .
ثم خلق ذو حوبة محدوب محنى ليسهل عليه ان يخترق الهواء كيفما توجه كما يجعل صدر السفينة بهذه الهيئة لتشق الماء , وتنفذ فيه وجعل فى جناحيه وذنبه ريشات متان لينهض به للطيران , وكسى جسمه كله بالريش ليتداخله الهواء فيقله , وتأمل ريش الطير كيف هو , فانك تراه منسوجا كنسج الثوب من سلوك دقاق قد ألف بعضها الى بعض كتأليف الخيط الى الخيط , والشعرة الى الشعرة , ثم ترى ذلك النسج اذا مددته ينفتح قليلا , ولا ينشق ليتداخله الريح فيقل الطائر .
وترى وسط الريشة عمودا غليظا قد نسج عليه ذلك كهيئة الشعر ليمسكه بصلابته , وهى القصبة التى تكون فى وسط الريشة وهو مع ذلك اجوف ليخفف على الطائر ذا طار .
ولما قدر ان يكون طعمه الحب واللحم يبلعه بلع بلا مضغ نقص من خلقة الانسان وخلق له منقارا صلبا جاسيا يتناول به طعمه فلا يتشجج من لقط الحب , ولا ينقصف من نهش اللحم ولما عدم الاسنان وصار يزدرد الحب صحيحا واللحم غريضا اعين بفضل حرارة فى الجوف يطحن له الطعام طحنا فيستغنى عن التقدم فى مضغه , واعتبر ذلك ان عجم العنب وغيره يخرج من اجواف الانس صحيحا , ويطحن فى اجواف الطير حتى لا يى له اثر .
ثم جعل ايضا مما يبيض بيضا , ولا يلد ولادة لكيلا يثقل عن الطيران , فانه لو كانت الفراخ تنجل فى جوفه وتمكث فيه حتى تستحكم وتكبر لاثقلته وعاقته عن النهوض والطيران .
ويقول فى موضع اخر فكر فى حوصلة الطائر وما قدرت له فان مسلك الطعام الى القانصة ضيق لا ينفذ فيه الطعام الا قليلا قليلا , فلو كان الطائر لا يلتقط حبة ثانية حتى تصل الاولى الى القانصة لطال عليه ذلك فمتى كان يستوفى طعمه , وانما يختلسه اختلاسا لشدة الحذر فجعلت له الحوصلة كالمخلاة المعلقة امامه ليوعى ما ادرك فيها من الطعام بسرعة ثم ينفذ الى القانصة على مهل .
ويقول فى موضع ثالث فكر فى خلق البيضة وما فيها من المح الاصفر الخائر , والماء الابيض الرقيق فبعضه لينشو به الفرخ وبعضه ليتغذى به الى ان تنجاب عنه البيضة , وما فى ذلك من تدبير فانه لما كان نشو الفرخ فى تلك القشرة المستحصفة التى لا مساغ لشىء اليها , جعل معه فى جوف البيضة من الغذاء ما يكفى به الى خروجه منها , كمن يحتبس فى حصن حصين لا يوصل الى ما فيه , فيجعل معه من القوت ما يكفى به الى خروجه منها" . (هل البيضة بهذه الهيئة والشكل والتركيب نتجت عن سلسلة من التراكمات والعشوائيات)
ويقول الكاتب هارون يحيى عن ريش الطائر , لو تاملنا ريشة الطائر نجد عود قوي وطويل، وتنطلق من جانبيه مئات الخيوط الدقيقة
غير أن الأغرب من هذا أن ذلك الريش الدقيق تتفرع داخله ”رُييشات” أخرى صغيرة جدا لا تُرى بالعين المجرّدة ,وتوجد على هذه الشعيرات الصغيرة كُلاّبات صغيرة، وبفضل هذه الكلابات فإن الشعيرات الصغيرة تمسك ببعضها البعض تماما مثل السّحابات.
وحتى تتمكن الطيور من مواصلة حياتها بشكل جيد فهي مضطرة دائما إلى المحافظة على نظافة ريشها والتنبه إلى أنها صالحة للاستعمال على النحو المطلوب.
وللمحافظة على سلامة ريشها تستخدم دهونا توجد في أكياس في جذور ذيلها.
وتقوم العصافير بأخذ مقدار معين من هذه الدهون بواسطة مناقيرها
ثم تنظف بها ريشها وتجعله لامعا , وهذه الدهون تمنع الماء من الوصول إلى جلد العصفور عندما يسبح في الماء أو عندما يتعرض لقطرات المطر.
ولكل ريشة من الريش المنتشر في أنحاء جسم الطير وظيفة مختلفة عن غيرها ,فالريش الموجود في بطن العصفور يتميز بخصائص مختلفة عن الريش الذي ينبت في جناحي العصفور وذيله ,فالريش الكبير الذي يتكون منه الذيل يقوم بوظيفة الفرامل , أما الريش الموجود في الجناحين فهو يمنح العصفور الطاقة اللازمة للإقلاع عندما يحركهما تحريكا عنيفا في بداية طيرانه ,وعندما ينزل العصفور باتجاه الأرض فإنّ ريش الجناحين يلتصق ببعضه البعض حتى يمنع تسرب الهواء من بينه.
أما عندما يقلع الطائر في السماء ,فإن ريش الجناحين يبتعد عن بعضه البعض بأقصى حد ممكن حتى يسمح للهواء بالتسرب، وهو ما من شأنه أن يساعده في عملية الطيران , وهناك أوقات معينة يسقط فيها العصفور قسما من ريشه وذلك لكي يحافظ على قدرته على الطيران.
فالريش الذي هَرم ولم يعد صالحا يتم إسقاطه ويجدد بسرعة.
والإنسان العاقل الذي يستعمل عقله ويفكر في هذه الأشياء التي شرحناها يفهم بسرعة أن الذي صمم ريش العصافير على هذا النحو هو الله رب العالمين
يتبع بعون الله
__________________
لا إله إلا الله العظيم الحليم , لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا اله الا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم
----
وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
|