وهذه مقتطفات من موضوع سابق توضح ذلك :
اولا : تحت اطار عقلنا المحدود و عالمنا المشاهد و المحسوس وما له من صفات وقوانين لا نجد مفر من الاقرار بحدوثه والاقرار فى نفس الوقت بوجود خالق قائم على كل جزئية من جزئياته , ولن يغير هذه الحقيقة الا القياس الذى يستدرج اليه الشيطان الانسان ويجعله يساوى فيه بين الخالق والمخلوق "(لاحظ ان سؤال الشيطان مبنى على وهم و افتراض .. هذا الافتراض مبنى على حقيقة فطرية مغروسة فى النفس الانسانية ولا يمكن مجابهة الافتراض بالحقيقة او الوهم بالواقع) , فهل يصح قياس المدرك على المتعالى عن الادراك ؟ هل يصح قياس المخلوق على الخالق ؟ هل يغير الحقيقة الفطرية وهم يلقيه الشيطان مبنى على هذه الحقيقة ؟ لو علم الانسان ذلك لوفر على نفسه الجهد والتعب والعناء ولن يفعل سوى شىء بسيط , الاخذ بالحقيقة الفطرية وغلق جميع الابواب على الظنون والاوهام , بعد علمه بانه و الكون شىء (تخبر الفطرة بان له خالق وهذا الاخبار مبنى على اشياء تدرك فى الكون ولا يمكن ان تدرك فى الخالق فانا ارى الكون ولا ارى خالقه) و الله وصفاته شىء اخر (فوق العقل والادراك فلا يستطيع العقل الا ان يدل عليه تحت حدوده اما البحث فى ذاته او صفاته فهو فوق طاقته فلا مجال للقياس او حيثيات للحكم) .
ثانيا : السؤال الذى يبثه الشيطان فيه مغالطة قائمة على التسوية بين أمرين متباينين تبايناً كلياً، ولا يصحّ التسوية بينهما في الحكم .
وهى التسوية بين الخالق والمخلوق التسوية بين الله سبحانه وتعالى والكون بقولهم إن كان لا بد أن يكون للكون بداية فلا بد أيضا أن يكون لله بداية .
فانا حكمى على الكون بالحدوث كان بناء على مشهادتى له والبحث فى صفاته ثم اقرار ما املته على فطرتى ثم عقلى اما بالنسبة للخالق فانا لم ارى الخالق وليس لى ولا لعقلى القدرة على الخوض فى ذاته او صفاته لاستدل منها على شىء يمكن ان اساوى به الخالق على المخلوق من حدوث او بداية لتعاليهم (ذاته وصفاته) عن الادراك فكيف احكم بان له بداية او ان له خالق بلا اى اساس او حيثيات , مع العلم بان الحيثيات التى جعلتنى احكم على الكون بالحدوث هى التى سوف توجب على الاعتراف بوجود محدث له متعالى عن الادراك ومنزه عن صفاته ... الصفات التى اوصلتنى الى هذا الحكم (اى ان هناك مقدمات للحكم على الكون بالحدوث تعتمد على صفاته هذا الامر غير متوفر بالنسبة لله تعالى لكون الله منزه عن صفات الحوادث و لعجز العقل فى نفس الوقت على الاحاطة بكنه ذاته او صفاته , واخيرا اذا افادت هذه المقدمات بوجود خالق للكون يجب ان اقف عند هذه النتيجة ولا اخوض فى اكثر منها فيجب ان يكون هناك مدرك (الكون) وهناك غير مدرك (الله) هناك ممكن الوجود (الكون) وهناك واجب الوجود (الله) هناك ما استطيع الحكم عليه وهناك ما لا استطيع الحكم عليه فلا مجال للتسوية بينهم او القياس).
و فى تشبيه للدكتور مصطفى محمود يقول انت الآن تماماً كالدمية التي تُحرّك بخيوط.. حين تخبرها ان من يحركها يتحرك بحرية ولا يتقيد باي خيط.. ولا يوجد من يتحكم فيه!.. فستنكر ذلك وتقول لك : كيف؟ إني أرى كل ما حولي يتحرك بخيوط.. فلابد أن مُحرِّكي يتحرك بخيوط مثلي.. وهذا منطق أعوج!
ثالثا : لاحظ ان الكون يحمل دائماً وباستمرار صفات حدوثه ، و تشهد بهذه الحقيقة النظرات العقلية المستندة إلى المشاهدات الحسية ، وتشهد بها البحوث العلمية المختلفة في كل مجال من مجالات المعرفة، والقوانين العلمية التي توصل إليها العلماء الماديون. بينما لا توجد اى مشاهدات حسية تشهد بحدوث الخالق او تقول بان له بداية او تحكم بكونه غير واجب الوجود , لان كل ذلك فوق ادراك العقل , وبالتالى لا يمكنه ان يبت فيه , ولن يمكنه ذلك اذا تبين ان الكون حادث فيكون له محدث واجب الوجود واذا كان هناك عقول اقل ادراكا من الانسان كعقول الحيوانات (فمثلا الحمارلا يستطيع ان يشرف على اطلاق مكوك فضائى لكونه محدود الادراك) وامكان ان يكون هناك (افتراضا) عقولا تدرك بدرجة اكبر من الانسان كل ذلك يجعلنا نتيقن بان عقل الانسان محدود ولا يمكنه ادراك كل شىء ويكفيه ان يعلم ان للكون خالق .