اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعودية سنية
العبارة من اساسها غير صحيحة
ان كانت الإشارة للإخوان أو لغيرهم
فهل الفقه ناتج عن قول علماء أم انه متولد من ذاته ؟؟؟
الفكرة من أصلها باطلة
والعلماء استفاضو في فقه الواقع
|
جزاكِ الله خيرا اختي الكريمة
فالعبارة من اساسها غير صحيحة
ولكن صاحب العبارة اراد منها ابراز اشخاص معيين علي انهم يفقهون الواقع
وقد ذكر مثال لذلك بحسن البناء كما جاء في عبارته
وساذكر لاحقا غلو الاخوان في حسن البناء كما سابين مدي جهل الاخوان للواقع
ولكن استكمالا لما بدأته في التعليق علي هذه الفرية واتماما لما قالته الاخت الكريمة اقول
ثالثا نسال هنا سؤالا من يحق له الفتيا في النوازل السياسية وغيرها !؟؟
وللاجابة علي هذا السؤال انقل كلام مهم جدا للشيخ عبد المالك الرمضاني حفظه الله
فيقول ( فحديثي هنا منصب على شروط من يتصدى للفتيا في النوازل السياسية
وأخص من هذه الشروط شرطا واحدا لانه الأهم ، ولان جل العاملين في هذا الميدان لا يراعونه
قال ابن القيم رحمه الله : "
العالم بكتاب الله وسنة رسوله واقوال الصحابة فهو المجتهد في النوازل
فهذا النوع الذي يسوغ لهم الافتاء ويسوغ استفتاؤهم ويتادى بهم فرض الاجتهاد
وهم الذين قل فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم :
( إن الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) "
قلت : أي بلوغ درجة الاجتهاد ، كما قال الماوردي : "
العلم المؤدي الى الاجتهاد في النوازل والاحكام
وقال الشاطبي : " بل اذا عرضت النوازل روجع بها اصولها فوجدت فيها ،
ولا يجدها من ليس بمجتهد وانما يجدها المجتهدون الموصوفون في علم اصول الفقه "
فتدبر هذا العلم ! وتدبر هذه الدقة التي لو حرص الاسلاميون على تطبيقها
لصانوا هذا الدين من عبث حدثاء الاسنان .
ويشبهه قول محمد الامين الشنقيطي _ رحمه الله _ في شروط الامام
:" ان يكون ممن يصلح ان يكون قاضيا من قضاة المسلمين ، مجتهدا
يمكنه الاستغناء عن استفتاء غيرة في الحوادث "
وقد مثل ابن رجب لهذا بالامام احمد رحمة اللة ؛ فقد بين وجه استحقاقة لمنصب الفتوى
في الحوادث _ أي النوازل_ بان وصفه ببلوغ النهاية في معرفته بالقران والسنة والاثار .
فمن القران: ناسخه ومنسوخه ، ومقدّمه ومؤّخره ،
وجمعه في تفسيره من اقوال الصحابة و التابعين الشئ الكبير.
ومن السنة : حفظه لها ، ومعرفته بصحيحها من سقيمها
ومعرفته بالثقات من المجروحين ، وبطرق الحديث وعلله ، ليس في المرفوع منه فحسب
بل وفي الموقوف منه ! وبفقهه وعلوم الائمة : ذكر انه عرض عليه عامة اقوالهم ..
ثم قال :" ومعلوم ان من فهم علم هذه العلوم كلها وبرع فيها ،
فأسهل شئ عنده معرفة الحوادث والجواب عنها ،
على قياس تلك الاصول المضبوطة والماخذ المعروفة ،
ومن هنا قال عنه ابو ثور :
كان احمد اذا سال عن مسالة كأنّ علم الدنيا لوح بين عينيه ، او كما قال " .
قلت : فأي هؤلاء الذين ابتدعوا اليوم ( فقه الواقع )_ ليسقطوا به العلماء _
ترونه قد بلغ في العلوم هذه الغاية ، حتى جعلتموه في نوازل السياسة لكم آية ؟!
لقد كان احمد _رحمه الله _ يفتي في الحوادث وينهى تلامذته عن ذلك ؛
قال ابن رجب :" واما علم الإسلام _ يعني الحلال والحرام كما فسره هو في كتابه المذكور
فكان يجيب فيه عن الحوادث الواقعة مما لم يسبق فيها كلام ؛ للحاجة الى ذلك
مع نهيه لاصحابة ان يتكلموا في مسائل ليس لهم فيها إمام ".
ومن كلام ابن القيم السابق تعلم ان رجوع الشباب اليوم في النوازل السياسية
الى الحركيين والمتكونين على موائد المجلات ووسائل الأعلام
والمتخرجين من خلايا المخيمات _ مهما زعموا انهم متحررون من قيود غابر المذاهب
او متضلعون بأسرار ما يعاصرون من المذاهب _ مصادم لهذه النصوص
التي أوردتها عن هؤلاء الأعلام ، وان المعمّمين من مقلدة المذاهب
غير داخلين في قول ابن القيم : ( الذين يسوغ استفتاؤهم ويتادى بهم فرض الاجتهاد ..)
مهما( تدكتروا ) ؛لان المقلد غير المجتهد ، بل المقلد هو الجاهل !
كما هو معلوم من كتب أصول الفقه ، قال الخطيب البغدادي:
( حتى يجد طريقا الى العلم بأحكام النوازل وتمييز الحق من الباطل
فهذا ما لا مندوحة للمفتي عنه ، ولا يجوز له الإخلال بشيء منه ) .
ولهذا كان من الأهمية بمكان أن يميز طالب العلم أهل الفتوى في هذا الميدان
من غيرهم ممن تسوروا المحراب ، أو دخلوه من غير هذا الباب ،
فقد كان سلفنا الصالح على دراية تامة بذلك ،
قال أبو حاتم الرازي – رحمه الله - :
( مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين
ومن بعدهم بإحسان ... ولزوم الكتاب والسنة والذب عن الأئمة المتبعة لآثار السلف
واختيار ما اختاره أهل السنة من الأئمة في الأمصار ، مثل مالك بن أنس في المدينة ،
والأوزاعي في الشام ، والليث بن سعد بمصر ،
وسفيان الثوري وحماد بن زيد بالعراق ،
من الحوادث مما لا يوجد فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ،
وترك رأي الملبسين المموهين المزخرفين الممخرقين الكذابين ! ) .
إذا فقد بان لذي بصيرة الطالب للحق من يسوغ استفتاؤه في هذا .
فمالكم – يا شباب الإسلام – تتهافتون على السياسة ، وتهوي إليها أفئدتكم ،
وتأتون مجالسها من كل فج عميق ، كأنها لكم ! ولعل رجالها لم يخلقوا بعد في أوساطكم؟!
فأولى لكم : تعلم ما في الكتاب والسنة مما تقدرون عليه ويجب عليكم أو يستحب
لأنه أثبت لاستقامتكم وأضمن لوصولكم إلى ما قفزتم إليه الآن ، قال الله تعالى
{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشدّ تثبيتا }
ولما أضحى العمل السياسي – الذي يؤمه الشباب اليوم –
مطية للولوغ به إلى العنف المسمى زورا جهادا ،
ولما كان هؤلاء – أنصاف المتعلمين – يهجمون بلا تردد ولا تحفظ
على البحث في دقائق مسائل الجهاد ، أجدني حينئذ حريصا
على نقل كلمة عظيمة لابن تيمية – رحمه الله – قالها في معرض كلامه عن الجهاد ،
فقال ( وفي الجملة فالبحث في هذه الدقائق من وظيفة خواص أهل العلم ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( سيأتي على الناس سنوات خداعات ، يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيها الصادق ،
ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون فيها الأمين ،[ وينطق فيها الرويبضة ] ،
قيل وما الرويبضة؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ) .
قال أبو شامة : (( وأكثر ما أتي الناس في البدع بهذا السبب ،
يظّن في شخص أنه من أهل العلم والتقوى ، وليس هو في نفس الأمر كذلك ،
فيرمقون أقواله وأفعاله ، فيتبعونه في ذلك ، فتفسد أمورهم ،
ففي الحديث عن ثوبان رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن مما أتخوف على أمتي الأئمة المضلين )أخرجه ابن ماجة والترمذي
وقال : حديث صحيح ، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ،
حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا ) )).
قال الإمام الطرطوشي رحمه الله :
فتدبروا هذا الحديث ، فإنه يدل على انه لا يأتى الناس قط من قبل علمائهم ،
وإنما يؤتون من قبل أنه اذا مات علمائهم أفتى من ليس بعالم ،
فيؤتى الناس من قبله ، قال : وقد صرّف عمر رضي الله عنه هذا المعنى تصريفا
فقال : ( ما خان أمين قط ، ولكن ائتمن غير أمين فخان )
قال : ونحن نقول : ما ابتدع عالم قط ، ولكن استفتي من ليس بعالم فضلّ وأضل
وكذلك فعل ربيعه ، قال مالك : بكى ربيعه يوما بكاء شديدا ، فقيل له : أمصيبة نزلت بك ؟
فقال : ( لا ! ولكن استفتي من لا علم عنده وظهر في الإسلام أمر عظيم ) .
قلت وعلى هذا كان هدي السلف ، قال هشام بن عروة :
(( ما سمعت أبي يقول في شيء برأيه ، قال : وربما سئل عن الشيء
فيقول : هذا من خالص السلطان )) .
وقال بن هرمز : (( أدركت أهل المدينة ، وما فيها إلا الكتاب والسنة ،
والأمر ينزل فينظر فيه السلطان )) .
فمن هو الرجل الصالح لذلك اذا ؟ قال الله تعالى
{ إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم }
فهو ليس عالما فقط بل مبسوط له في العلم !.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (( لا يزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم
من أصحاب محمد ومن أكابرهم ، فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا ))
وقال الشعبي – رحمه الله - : ما جاءك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فخذه ،
ودع عنك ما يقول هؤلاء الصعافقة –
قيل الصعافقة : الذين يدخلون السوق بلا رأس مال ، أراد الذين لا علم لهم )) .
وعلى هذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ألم ترى كيف لم يختلفوا في تولية أبي بكر رضي الله عنه
إلا في جلسة واحدة تحت السقيفة؟
الأمر الذي لا تعرفه الديمقراطيات على الرغم من أنها مدعومة بالحديد!
واختاروا أبا بكر رضي الله عنه ، لأنه كان كما جاء وصفه في حديث أبي سعيد
قال : (( وكان أبو بكر أعلمنا)).متفق عليه.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشاور في القضايا السياسية
إلا أبا بكر وعمر ومن هم على مستواهما ، وما قصة أسرى بدر عنكم ببعيد!
ومما يدل على ان أهل العلم المبرزين كان لهم مجلس خاص بهم لا يشاركهم فيه غيرهم
ما رواه البخاري(4970) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
(( كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وجد في نفسه ،
فقال : لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر : إنه من حيث علمتم!
فدعا ذات يوم فأدخله معهم ، فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم .
قال : ما تقولون في قول الله تعالى : { إذا جاء نصر الله والفتح } ؟
فقال بعضهم : أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح لنا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا.
فقال لي : أكذاك تقول يا ابن عباس ؟
فقلت : لا !
قال : فما تقول ؟
قلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له ، قال : { إذا جاء نصر الله والفتح } :
وذلك علامة أجلك ، {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } !
فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول )).
وإنما امتاز ابن عباس بالدخول على المجتهدين دون غيره من الشباب
لتميزه عنهم بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم :
(( اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل )) رواه أحمد وهو صحيح.
قال ابن القيم : (( ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس
أن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل ، والفرق بين الفقه والتأويل :
أن الفقه هو فهم المعنى المراد ، والتأويل إدراك الحقيقة التي يؤول إليها المعنى
التي هي أخيّته وأصله ، وليس كل من فقه في الدين عرف التأويل ،
فمعرفة التأويل يختص به الراسخون في العلم )).
قلت : تأمل هذا تفهم سبب عدم الاكتفاء في أمر السياسة بالعلم ، بل لابد من الرسوخ فيه.
ومن عرف من الشباب تأويل ابن عباس لسورة النصر – المذكورة آنفا –
عرف هل يصلح لهذا الأمر أو لا ؟
ولذلك قال ابن حجر – رحمه الله – عقبها : (( وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمه في العلم