عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2012-02-20, 03:37 PM
ابو عادل المغربي ابو عادل المغربي غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2012-02-19
المكان: المملكة المغربية
المشاركات: 125
افتراضي

ولقد خشي الملك عبد الله الأول أيضًا من شعبية عبد الله التل المتزايدة، فاتهمه فجأة بأنه يتآمر مع السوريين للاستيلاء على الحكم وضم الأردن إلى سوريا، وبدلاً من أن يعود عبد الله التل إلى بلده وعشيرته كبطل؛ فقد اضطُرّ التل إلى اللجوء إلى مصر حيث أمضى ما يقارب العشرين عامًا كلاجئ سياسي، ومثلما لمع اسم القائد عبد الله التل في معركة القدس، فقد لمع كذلك أثناء إقامته في القاهرة التي كانت مليئة بالسياسيين من مختلف جهات الأرض؛ مما مَكَّنه من التعرف على سياسيين وعسكريين ومثقفين مصريين.

الجريمة الكبرى

أظهر عبد الله التل في كتابه القيم "كارثة فلسطين.. مذكرات عبد الله التل قائد معركة القدس"، وقد ظهرت طبعته الأولى عام 1959م، أن النصر على اليهود كان قاب قوسين أو أدنى بسبب تضييق الحصار عليهم، إلا أن الخيانات العربية والتدخل البريطاني والأمريكي باقتراح الهدنة التي ساعدوا فيها اليهود حالت دون ذلك، يقول موضحًا ذلك:

(حينما أيقنت بريطانيا من قرب هلاك ربيبتها "إسرائيل"، ولم يمض على دخول الجيوش العربية إلى فلسطين أكثر من أسبوعين؛ سارعت لنجدة اليهود -سياسيًّا- تلبية لاستغاثة كبار الصهيونيين الذين نشطوا لإقناع الإنجليز والأمريكان بخطورة الوضع في فلسطين، فتقدم المندوب البريطاني لمجلس الأمن في آخر شهر مايو 1948م باقتراح يقضي بوقف القتال لمدة أربعة أسابيع، وتعيين وسيط دولي للتوفيق بين العرب واليهود، وقد استخدمت بريطانيا نفوذها للتأثير في جميع أعضاء مجلس الأمن؛ فأقر المجلس الاقتراح البريطاني في 29 مايو 1948م بوقف القتال في فلسطين لمدة أربعة أسابيع، وتعيين "الكونت برنادوت" وسيطًا منتدبًا من قِبَل هيئة الأمم، مهمته التوفيق بين العرب واليهود.

وبعد أن أبلغ مجلس الأمن قراره إلى اليهود والدول العربية، وطلب الرد على هذا القرار، اجتمعت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية في عمان لدراسة قرار مجلس الأمن، واتخاذ الخطوات اللازمة بشأنه).

ثم يقول: (وهكذا وافقت الدول العربية على قرار الهدنة بعد أن اشترطت أمورًا معينة، ما لبثت أن تنازلت عنها بعد أن سعى "برنادوت" وأقنعها بقبول حله الوسط)!

ويتابع التل قائلاً: (ليس لي إلا أن أصفها بالجريمة الكبرى! وهي أخفّ وصف يمكن أن توصف به موافقة الجامعة العربية على شروط الهدنة التي قدمها "برنادوت" بدون قيد أو شرط، فقد وافق أعضاء اللجنة السياسية على أكبر خطيئة في تاريخ الحروب بالشرق العربي؛ ألا وهي السماح بفك الحصار عن مدينة القدس، وإنقاذ مائة ألف يهودي كانوا على وشك التسليم أو الموت جوعًا وعطشًا.

وافقوا -أي العرب- قبل أن يفكروا قليلاً في نتائج ما أقدموا عليه، وافقوا قبل أن يفكر أحدهم فيما سيقع بعد عشرة أيام فقط من ذلك اليوم المشئوم، وافقوا لأنهم وثقوا من وفد الأردن في اللجنة السياسية، وصدَّقوا رئيس الحكومة الأردنية الخائن، وافقوا قبل أن يفهموا أن القدس هي كل شيء في فلسطين، وأن من يحتلها ينهي المعركة كلها، وافقوا قبل أن يسألوا ليفهموا: كيف كانت حال مائة ألف يهودي في القدس، هم سُبع يهود فلسطين؟!

وافقوا قبل أن يسمعوا ما يقوله القائد العربي في تلك المدينة العظيمة، وقبل أن يعلموا مقدار الدماء والدموع والجهود التي بذلناها في القدس حتى جعلناها تترنح لتهوي صاعقة على رأس الصهيونية فتزيلها إلى الأبد.

وافقوا قبل أن يفكروا قليلاً في نوايا الإنجليز وعزمهم على إنقاذ الصهيونية وخاصة في القلب "فلسطين"، وافقوا قبل أن يسيئوا الظن قليلاً بشروط الهدنة ويفرضوا شرطًا واحدًا على الأقل لمراقبة طريق الحياة للقدس، وجعل تموين اليهود تحت إشراف العرب، لقد وافقوا ولو لم يفعلوا لتغير مجرى الحرب في فلسطين. وإنني أعتبر جميع الدول العربية مسئولة عن ذلك القرار في اليوم الأسود بعمان؛ لأن الواجب كان يقضي بإخراج الأردن من الجامعة العربية في ذلك التاريخ ما دامت النتيجة واحدة، وما يريده الأردن من فواجع وكوارث لا بد أن يتحقق. أما إذا كانت الدول العربية في ذلك الحين حسنة الظن في عمان، فتكون الجريمة قد تمت نتيجة الجهل الفاضح وسوء الإدراك لما يجري على مسرح السياسة، وفي هذا مسئولية لا تقل عما سبق).

مؤلفات عبد الله التل

وكما جاهد عبد الله التل بالسلاح، جاهد بالكلمة، فترك عدة كتب في قضية فلسطين، والتي تعدُّ من أهم الكتب التي يجب على الجميع قراءتها؛ لفهم جذور قضية فلسطين القضية الإسلامية الأولى عند المسلمين، وجميع هذه الكتب طُبع في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الميلادي الماضي. أي خلال أو بعد الإعلان الرسمي عن سرقة أرض فلسطين وتقديمها لليهود، وبفضل الله هي موجودة على شبكة الإنترنت, ومن أهمها:

كتاب "كارثة فلسطين"، وهو مذكراته وتفاصيل معركة القدس التي انتصر فيها جيش المسلمين على جيش اليهود وفيالق الانتداب.

وكتاب "الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام"، ويدور حول التغلغل الباكر لليهود في عقول الطبقات السياسية الحاكمة وغيرها من الطبقات في العالم الإسلامي، وكتاب "جذور البلاء" الذي يبحث في أصل مشكلة فلسطين، وكتاب "خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية".

وفاة عبد الله التل

كان عبد الله التل صخرة من الصخور العربية التي لا تقبل التفجير، ومن سيوف الإسلام التي لا تقبل الانحناء، ولا يكون الإنسان مبالغًا إذا قال بأنه كان الرمح العربي الذي لا يقبل الانكسار، فقد ظل عند ثوابته على الرغم من مئات الوشايات والاتهامات الباطلة التي كالها له أصحاب الأحقاد.

وقد فاضت روحه لبارئها في الثالث عشر من أغسطس عام 1973م ليُدفن في مسقط رأسه، وقد ملأ الحزن قلبه على ما آلت إليه أوضاع الأمة العربية والإسلامية، ولم يُكتب له أن يشهد يوميات معركة أكتوبر التي نشبت بعد شهرين على رحيله، وفيها تم بفضل الله هزيمة الصهاينة. وقد أنجب ابنة واحدة اسمها "إيناس"، وخمسة أولاد هم: "منتصر" و"صلاح" و"أسامة" و"خالد" و"حمزة". خمسة وخمسون عامًا عاشها عبد الله التل كانت مليئة بالأحداث الكبيرة، قدَّم فيها الكثير لدينه وأمته.

المصدر: موقع لواء الشريعة.



__________________
رد مع اقتباس