عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 2008-07-13, 12:09 AM
abu_abdelrahman abu_abdelrahman غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2008-02-26
المشاركات: 779
افتراضي

الوجه الثالث عشر: أن يقال: المراد بهذا الإرث إرث العلم والنبوة ونحو ذلك لا إرث المال. وذلك لأنه قال: }وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ{ [سورة النمل: 16]، ومعلوم أن داود كان له أولاد كثيرون غير سليمان، فلا يختص سليمان بماله.

وأيضاً فليس في كونه ورث ماله صفة مدح، لا لداود ولا لسليمان، فإن اليهودي والنصراني يرث أباه ماله، والآية سيقت في بيان المدح لسليمان، وما خصّه الله به من النعمة.

وأيضاً فإرث المال هو من الأمور العادية المشتركة بين الناس، كالأكل، والشرب، ودفن الميت. ومثل هذا لا يُقصُّ عن الأنبياء إذ لا فائدة فيه، وإنما يُقص ما فيه عبرة وفائدة تُستفاد، وإلا فقول القائل: «مات فلان وورث ابنُه ماله» مثل قوله: «ودفنوه» ومثل قوله: «أكلوا وشربوا وناموا» ونحو ذلك مما لا يحسن أن يُجعل من قصص القرآن.

وكذلك قوله [عن زكريا]: }يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ{ [سورة مريم: 6] [ليس المراد به إرث المال؛ لأنه لا يرث من آل يعقوب شيئاً من] أموالهم بل إنما يرثهم ذلك أولادهم وسائر ورثتهم لو ورثوا، ولأن النبي لا يطلب ولداً ليرث ماله؛ فإنه لو كان يورث لم يكن بد من أن ينتقل المال إلى غيره: سواء كان ابناً أو غيره، فلو كان مقصوده بالولد أن يرث ماله، كان مقصوده أنه لا يرثه أحد غير الولد.

وهذا لا يقصده أعظم الناس بخلاً وشحًّا على من ينتقل إليه المال، فإنه لو كان الولد موجوداً وقصد إعطاء الولد وأما إذا لم يكن له ولد، وليس مراده بالولد إلا أن يحوز المال دون غيره، كان المقصود أن لا يأخذ أولئك المال، وقصد الولد بالقصد الثاني، وهذا يقبح نم أقل الناس عقلاً وديناً.

وأيضاً فزكريا - عليه السلام - لم يُعرف له مال، بل كان نجاراً. ويحيى ابنه - عليه السلام – كان من أزهد الناس.

وأيضاً فإنه قال: }وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي{ [سورة مريم: 5] ومعلوم أنه لم يخف أن يأخذوا ماله [من بعده] إذا مات، فإن هذا ليس بمخوف.

فصل

قال الرافضي: «ولما ذكرت فاطمة أن أباها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبها فدك قال [لها]: هات أسود أو أحمر يشهد لك بذلك، فجاءت بأم أيمن، فشهدت لها بذلك، فقال: امرأة لا يقبل قولها. وقد رووا جميعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أم أيمن امرأة من أهل الجنة، فجاء أمير المؤمنين فشهد لها بذلك، فقال: هذا بعلك يجرّه إلى نفسه ولا نحكم بشهادته لكِ وقد رووا جميعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليٌّ مع الحق، والحق معه يدور [معه] حيث دار لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فغضبت فاطمة – عليها السلام – عند ذلك وانصرفت، وحلفت أن لا تكلمه ولا تصاحبه حتى تلقى أباها وتشكو إليه، فلما حضرتها الوفاة أوصت عليًّا أن يدفنها ليلاً ولا يدع أحداً منهم يصلِّي عليها، وقد رووا جميعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا فاطمة! إن الله تعالى يغضب لغضبك ويرضى لرضاك. ورووا جميعاً [أنه قال]: فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله. ولو كان هذا الخبر صحيحاً حقًّا لما جاز له ترك البغلة التي خلَّفها النبي صلى الله عليه وسلم وسيفه وعمامته عند أمير المؤمنين عليّ، ولما حكم له بها لما ادّعاها العباس، ولكان أهل البيت الذين طهّرهم الله في كتابه من الرجس مرتكبين ما لا يجوز، لأن الصدقة عليهم محرَّمة. وبعد ذلك جاء إليه مال البحرين وعنده جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي: «إذا أتى مال البحرين حثوت لك، ثم حثوت لك، [ثلاثاً]، فقال له: تقدم فخذ بعددها، فأخذ [من بيت] مال المسلمين من غير بيِّنة بل بمجرد قوله».

والجواب: أن في هذا الكلام من الكذب والبهتان والكلام الفاسد ما لا يكاد يحصى إلا بكلفة، ولكن سنذكر من ذلك وجوهاً [إن شاء الله تعالى].

أحدها: أن ما ذكر من ادّعاء فاطمة – رضي الله عنها – فَدَك فإن هذا يناقض كونها ميراثاً لها، فإن كان طلبها بطريق الإرث امتنع أن يكون بطريق الهبة، وإن كان بطريق الهبة امتنع أن يكون بطريق الإرث، ثم إن كانت هذه هبة في مرض الموت، فرسول الله صلى الله عليه وسلم منزّه، إن كان يُورث كما يورث غيره، أن يوصي لوارث أو يخصه في مرض موته بأكثر من حقه، وإن كان في صحته فلا بد أن تكون هذه هبة مقبوضة، وإلا فإذا وهب الواهب بكلامه ولم يقبض الموهوب شيئاً حتى مات الواهب كان ذلك باطلاً عند جماهير العلماء، فكيف يهب النبي صلى الله عليه وسلم فَدَك لفاطمة ولا يكون هذا أمراً معروفاً عند أهل بيته والمسلمين، حتى تختص بمعرفته أم أيمن أو علي رضي الله عنهما؟

الوجه الثاني: أن ادّعاء فاطمة ذلك كذب على فاطمة، [وقد قال الإمام أبو العباس بن سريج في الكتاب الذي صنَّفه في الرد على عيسى بن أبان لما تكلم معه في باب اليمين والشاهد، واحتجّ بما احتجّ، وأجاب عما عارض به عيسى بن أبان، قال: وأما حديث البحتري بن حسَّان عن زيد بن عليّ أن فاطمة ذكرت لأبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها فَدَك، وأنها جاءت برجل وامرأة، فقال: رجل مع رجل، وامرأة مع امرأة، فسبحان الله ما أعجب هذا‍ قد سألت فاطمة أبا بكر ميراثها وأخبرها عن رسول الله عليه وسلم أنه قال: لا نُورث، وما حكى في شيء من الأحاديث أن فاطمة ادّعتها بغير الميراث، ولا أن أحداً شهد بذلك.

ولقد روى جرير عن مغيرة عن عمر بن عبد العزيز أنه قال في فَدَك: «إن فاطمة سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلها لها فأبى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفق منها ويعود على ضَعَفَة بني هاشم ويزوّج منه أَيِّمَهُمْ، وكانت كذلك حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صدقة وقبلت فاطمة الحق، وإني أُشهدكم أني رددتها إلى ما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم».

ولم يُسمع أن فاطمة – رضي الله عنها – ادّعت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها إياها في حديث ثابت متصل، ولا أن شاهداً شهد لها. ولو كان ذلك لحُكي، لأنها خصومة وأمر ظاهر تنازعت فيه الأمة وتحادثت فيه، فلم يقل أحد من المسلمين: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها فاطمة ولا سمعت فاطمة تدّعيها حتى جاء البحتري بن حسَّان يحكي عن زيد شيئاً لا ندري ما أصله، ولا من جاء به، وليس من أحاديث أهل العلم: فضل بن مرزوق عن البحتري عن زيد، وقد كان ينبغي لصاحب الكتاب أن يكف عن بعض هذا الذي لا معنى له، وكان الحديث قد حسن بقول زيد: لو كنت أنا لقضيت بما قضى به أبو بكر. وهذا مما لا يثبت على أبي بكر ولا على فاطمة لو لم يخالفه أحد، ولو لم تجر فيه المناظرة ويأتي فيها الرواية، فكيف وقد جاءت؟ وأصل المذهب أن الحديث إذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال أبو بكر بخلافه، إن هذا من أبي بكر - رحمه الله - كنحو ما كان منه في الجدّة، وأنه متى بلغه الخبر رجع إليه.

ولو ثبت هذا الحديث لم يكن فيه حجة، لأن فاطمة لم تقل: إني أحلف مع شاهدي فمنعت. ولم يقل أبو بكر: إني لا أرى اليمين مع الشاهد.

قالوا: وهذا الحديث غلط؛ لأن أسامة بن زيد يروي عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحَدَثَان، قال: كان مما احتج به عمر أن قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا: بنو النضير، وخيبر، وفدك. فأما بنو النضير فكانت حُبساً لنوائبه. وأما فَدَك فكانت حُبُساً لأبناء السبيل، وأما خيبر فجزَّأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء: جزئين بين المسلمين، وجزءً نفقة لأهله، فما فَضَلَ عن نفقة أهله جعله بين فقراء المهاجرين جزئين.

وروى الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عُروة عن عائشة أنها أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفَدَك وما بقي من خُمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نُورَث ما تركنا صدقة، وإنما يأكل آل محمد من هذا المال، وإني والله لا أغيّر شيئاَ من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً.

ورواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: حدثني عُروة: أن عائشة أخبرته بهذا الحديث. قال: وفاطمة – رضي الله عنها – حينئذ تطلب صدقة رسول الله التي بالمدينة وفَدَك وما بقي من خًمس خيبر. قالت عائشة: فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة، وإنما يأكل آل محمد في هذا المال، يعني مال الله - عز وجل -، ليس لهم أن يزيدوا على المال.

ورواه صالح عن ابن شهاب عن عروة أن عائشة قالت فيه: فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئاَ من أمره أن أزيغ. فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ وعباس، فغلب عليّ عليها. وأما خيبر وفَدَك فأمسكها عمر، وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمرها إلى من وَلِيَ الأمر. قال: فهما على ذلك إلى اليوم.

فهذه الأحاديث الثابتة المعروفة عند أهل العلم، وفيها ما يبيّن أن فاطمة – رضي الله عنها – طلبت ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت تعرف من المواريث، فأُخبرت بما كان من رسول الله فسلّمت ورجعت، فكيف تطلبها ميراثاً وهي تدّعيها مِلْكاً بالعطيّة؟ هذا ما لا معنى فيه. وقد كان ينبغي لصاحب الكتاب أن يتدبّر، ولا نحتج بما يوجد في الأحاديث الثابتة لرده وإبانة الغلط فيه، ولكن حبك الشيء يعمي ويصم.

وقد روي عن أنس أن أبا بكر قال لفاطمة وقد قرأت عليه إني أقرأ مثل ما قرأت ولا يبلغن علمي أن يكون قاله كله. قالت فاطمة: هو لك ولقرابتك؟ قال: لا وأنت عندي مصدَّقة أمينة، فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليك في هذا، أو وعدك فيه موعداً أو أوجبه لكم حقًّا صدَّقتك. فقالت: لا غير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أُنزل عليه: «أبشروا يا آل محمد وقد جاءكم الله عز وجل بالغنى». قال أبو بكر: صدق الله ورسوله وصدقت، فلكم الفيء، ولم يبلغ علمي بتأويل هذه أن استلم هذا السهم كله كاملاً إليكم، ولكن الفيء الذي يسعكم. وهذا يبيّن أن أبا بكر كان يقبل قولها، فكيف يرده ومعه شاهد وامرأة؟ ولكنه يتعلق بكل شيء يجده.

الوجه الثالث: أن يقال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم يورث فالخصم في ذلك أزواجه وعمه، ولا تُقبل عليهم شهادة امرأة واحدة ولا رجل واحد بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق المسلمين، وإن كان لا يُورث فالخصم في ذلك المسلمون، فكذلك لا يقبل عليهم شهادة امرأة واحدة ولا رجل واحد باتفاق المسلمين، ولا رجل وامرأة. نعم يُحكم في [مثل] ذلك بشهادة ويمين الطالب عند فقهاء الحجاز [وفقهاء أصحاب] الحديث. وشهادة الزوج لزوجته فيها قولان مشهوران للعلماء، هما روايتان عن أحمد: إحداهما: لا تُقبل، وهي مذهب أبي حنيفة ومالك والليث بن سعد والأوزاعي وإسحاق وغيرهم.

والثانية: تُقبل، وهي مذهب الشافعي وأبي ثور وابن المنذر وغيرهم. فعلى هذا لو قُدِّر صحة هذه القصة لم يجز للإمام أن يحكم بشهادة رجل واحد ولا امرأة واحدة باتفاق المسلمين، لاسيما وأكثرهم يجيزون شهادة الزوج، ومن هؤلاء من لا يحكم بشاهد ويمين، ومن يحكم بشاهد ويمين لم يُحكم للطالب حتى يحلّفه.

الوجه الرابع: قوله: «فجاءت بأم أيمن فشهدت لها بذلك، فقال: امرأة لا يُقبل قولها. وقد رووا جميعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أم أيمن امرأة من أهل الجنة».

الجواب: أن هذا احتجاج جاهل مفرط في الجهل يريد أن يحتج لنفسه فيحتج عليها، فإن هذا القول لو قاله الحجَّاج بن يوسف والمختار بن أبي عبيد وأمثالهما لكان قد قال حقًّا، فإن امرأة واحدة لا يقبل قولها في الحكم بالمال لمدعٍ يريد أن يأخذ ما هو في الظاهر لغيره، فكيف إذا حُكي مثل هذا عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -؟!

وأما الحديث الذي ذكره وزعم أنهم رووه جميعاً، فهذا الخبر لا يعرف في شيء من دواوين الإسلام ولا يُعرف عالم من علماء الحديث رواه. وأم أيمن هي أم أسامة بن زيد، وهي حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من المهاجرات، ولها حق وحرمة، لكن الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تكون بالكذب عليه وعلى أهل العلم. وقول القائل: «رووا جميعاً» لا يكون إلا في خبر متواتر، فمن ينكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يُورث، وقد رواه أكابر الصحابة، ويقول: إنهم جميعاً رووا هذا الحديث، إنما يكون من أجهل الناس وأعظمهم جحداً للحق.


وبتقدير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنها من أهل الجنة، فهو كإخباره عن غيرها أنه من أهل الجنة، وقد أخبر عن كل واحد من العشرة أنه في الجنة، وقد قال: «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة» وهذا الحديث في الصحيح ثابت عند أهل العلم بالحديث، وحديث الشهادة لهم بالجنة رواه أهل السنن من غير وجه، من حديث عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد. فهذه الأحاديث المعروفة عند أهل العلم بالحديث. ثم هؤلاء يكذِّبون من عُلِمَ أن الرسول شهد لهم بالجنة، وينكرون عليهم كونهم لم يقبلوا شهادة امرأة زعموا أنه شهد لها بالجنة، فهل يكون أعظم من جهل هؤلاء وعنادهم؟!

ثم يُقال: كون الرجل من أهل الجنة لا يوجب قبول شهادته، لجواز أن يغلط في الشهادة. ولهذا لو شهدت خديجة وفاطمة وعائشة ونحوهن، ممن يُعلم أنهن من أهل الجنة، لكانت شهادة إحداهن نصف شهادة رجل، كما حكم بذلك القرآن. كما أن ميراث إحداهن نصف ميراث رجل، وديَّتها نصف ديّة رجل. وهذا كله باتفاق المسلمين، فكون المرأة من أهل الجنة لا يُوجب قبول شهادتها لجواز الغلط عليها، فكيف وقد يكون الإنسان ممن يكذب ويتوب من الكذب ثم يدخل الجنة؟

الوجه الخامس: قوله: «إن عليًّا شهد لها فردّ شهادته لكونه زوجها» فهذا مع أنه كذب لو صح ليس يقدح، إذ كانت شهادة الزوج مردودة عند أكثر العلماء، ومن قبلها منهم لم يقبلها حتى يتم النصاب إما برجل آخر وإما بامرأة مع امرأة، وأما الحكم بشهادة رجل وامرأة مع عدم يمين المدّعي فهذا لا يسوغ.

الوجه السادس: قولهم: إنهم رووا جميعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عليٌّ مع الحق، والحق معه يدور حيث دار، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» من أعظم الكلام كذباً وجهلاً، فإن هذا الحديث لم يروه أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا بإسناد صحيح ولا ضعيف. فكيف يقال: إنهم جميعاً رووا هذا الحديث؟ وهل يكون أكذب ممن يروي عن الصحابة والعلماء أنهم رووا حديثاً، والحديث لا يعرف عن واحد منهم أصلاً؟ بل هذا من أظهر الكذب. ولو قيل: رواه بعضهم، وكان يمكن صحته لكان ممكناً، فكيف وهو كذب قطعاً على ا لنبي صلى الله عليه وسلم؟!.

بخلاف إخباره أن أيمن في الجنة، فهذا يمكن أنه قاله، فإن أم أيمن امرأة صالحة من المهاجرات، فإخباره أنها في الجنة لا يُنكر، بخلاف قوله عن رجل من أصحابه أنه مع الحق [وأن الحق] يدور معه حيثما دار لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض؛ فإنه كلام ينزَّه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما أولاً: فلأن الحوض إنما يَرِدُه عليه أشخاص، كما قال للأنصار: «اصبروا حتى تلقوني على الحوض» وقال: «إن حوضي لأبعد ما بين أيلة إلى عدن، وإن أول الناس وروداً فقراء المهاجرين الشعث رؤوساً الدنس ثياباً الذين لا ينكحون المتنعّمات ولا تفتح لهم أبواب السدد، يموت أحدهم وحاجته في صدره لا يجد لها قضاء» رواه مسلم وغيره.

وأما الحق فليس من الأشخاص الذين يردون الحوض. وقد رُوي [نه قال]: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض». فهو من هذا النمط وفيه كلام يذكر في موضعه [إن شاء الله].

ولو صح هذا لكان المراد به ثواب القرآن. أما الحق الذي يدور مع شخص ويدور الشخص معه فهو صفة لذلك الشخص لا يتعداه ومعنى ذلك أن قوله صِدْقٌ وعمله صالح، ليس المراد به أن غيره لا يكون معه شيء من الحق.
رد مع اقتباس