جوانب يجهلها الكثيرون من حياة أم المؤمنين رضي الله عنها
من غير الفضائل
ألقاب ميّزتها رضي الله عنها:
تميّزت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأن ظفرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بألقاب أطلقها عليها، لم تطلق على غيرها من أمهات المؤمنين ولا يعلمها الكثير من الناس، فقد ناداها بقوله: (يا عائش) على الترخيم من العيش، وكثيراً ما ناداها (يا بنت الصديق، ويا بنت أبي بكر)، ومن الألقاب التي أطلقها الرسول صلى الله عليه وسلم عليها: (يا حميراء) تصغير الحمراء، يريد البيضاء، لأن العرب تطلق على الأبيض أحمر لغلبة السمرة على لون العرب.()
وكانت تُكنّى رضي الله عنها بأم عبد الله، وقد أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الكنية عليها، فقد روى عروة عنها أنها قالت: (كل صواحبي لهن كنى، قال فاكتنّي بابنك عبدالله() –يعني ابن أختها-قال: فكانت تكنّى بأم عبدالله).()
ذكر تسميتها رضي الله عنها ((مُوَفًّقة)):
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من كان له فرطان() من أمتي أدخله الله الجنة، قالت عائشة رضي الله عنها: فمن كان له فرط من أمتك؟
قال: ومن كان له فرط من أمتي يا ((مُوَفًّقة))؛ قلت: ممن لم يكن له فرط من أمتك؟ قال: أنا فرط لأمتي لن يصابوا بمثلي- خرجه الترمذي في الشمائل.()
ومن الجوانب التي خفيت على كثير من الناس أن ينتبهوا إليها في سيرة أم المؤمنين رضي الله عنها؛ وهو دورها القوي في المجتمع، ومن ذلك ما يلي:
عائشة رضي الله عنها وقضية المرأة
كانت عائشة رضي الله عنها زعيمة الآخذين بناصر المرأة، والمنافحين عنها بلا منازع.وإليها كانت تتطلع أبصار المستضعفات لما تمّ لها من المكانة الكبيرة في العلم والأدب والدين.وإليها يرجـع الفضـل الأكبر - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم - في إعظام الناس المرأة الإعظام اللائق، حتى ظهر كثير من اللائي طمحن إلى اقتفاء أثرها في الشجاعة الأدبية والجرأة.
فإذا أحبت النساء أن يسألن من علم..أو يبحثن عن مسألة..توجهن إلى عائشة..وإذا أحست المرأة بظلم زوجها..جاءت عائشة تستفتيها وتطلب نصرتها..
في الحديث عن عبد الواحد بن أيمن قال: حدثني أبي قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها وعليها درع قِطْر ثمنه خمسة دراهم فقالت: (ارفع بصرك إلى جاريتي فإنها تُزهى أن تلبسه في البيت، وقد كان لي منه درع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كانت امرأة تُقَيَّنُ بالمدينة إلا أرسلت إليّ تستعيره).
عائشة رضي الله عنها والسياسة
شاركت السيدة عائشة رضي الله عنها في أحداث عصرها السياسية.
كان لها رأيها الواضح المؤيد أو المعارض.ففي عهد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما اقتصر دورها على الناحية العلمية والاجتماعية..
وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، سارت السيدة عائشة في الشطر الأول من خلافته سيرتها على زمن صاحبيه..أما في الشطر الثاني..فقد قرّب عثمان أقاربه فولاّهم الأمصار وفضّلهم على غيرهم من كبار رجال المسلمين..وبسببهم أقصى الكثير من صحابة الرسول..ويقال أنه أساء إلى رجال كانت لهم يد وسابقة..وأغضبت هذه التصرفات الكثير من الناس..وحاولت عائشة كما حاول الآخرون أن يسدوا النصح إلى عثمان، مبينين له فساد ما يتبع من سياسة.فكان يستمع إليهم، ثم لا يلبث أن يغلبه مستشاروه من ذوي رحمه فيعود إلى ما كان ينهج من تصرف.
كان من ذلك أن ازداد غضب الكثيرين عليه.في هذه المرحلة مارست السيدة عائشة حقها في النصح والتسديد وأصبحت زعيمة للمعارضة بلا منازع.
فعندما غضب الخليفة عثمان على عمّار بن ياسر رضي الله عنهما ويقال بأنه ضربه وشتمه..نددت السيدة عائشة بفعله هذا وقالت على الملأ: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم، وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد.وحينما عزل عثمان عبد الله بن مسعود عن بيت مال الكوفة..ونال منه
وشتمه..غضبت عائشة وقالت: أي عثمان، أتقول هذا لصاحب رسول الله..؟
وولىّ عثمان على الكوفة أخاه من أمه الوليد بن عقبة، فبرم به أهلها وكرهوه، وأتى وفد منهم إلى عثمان يشكونه..
وحدث أمر مشابه مع ولاة عثمان في مصر والبصرة..وفي كل ذلك كانت السيدة عائشة تعلن رأيها صراحة على الملأ..تندد بالخطأ، وتأخذ جانب أصحاب رسول الله، وتطالب عثمان التزام جانب الصواب..
وفي أوج الأزمة حضرت وفود من البصرة والكوفة ومصر، وحاصرت المدينة وهم يطالبون بخلع الخليفة أو قتله.
وبعث عثمان بعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما يستمع إلى شكايتهم، ويعدهم بإزالة أسبابها.وقام علي بمهمته خير قيام.فانصرف القوم وهم راضون مطمئنون.
ولم يمض على هذا الأمر غير أيام قليلة حتى عاد الثائرون، فحاصروا المدينة من جديد، فقد اكتشفوا أن كتابا ممهورًا بخاتم عثمان أرسل إلى والي مصر يطالبه بقتل هؤلاء بمجرد عودتهم..وانفجر الموقف..بين خليفة لا علم له بالكتاب..وبين شكوك حامت حول مروان بن الحكم مستشاره وحامل ختمه..وبين ثوار لم يعودوا يرضون بغير خلع الخليفة أو قتله..
في هذه الظروف تأهبت نساء النبي ومعهن السيدة عائشة لمغادرة المدينة إلى مكة يبغين الحج..ولربما للبعد عن هذه الفتنة التي تعصف بالخلافة والخليفة.
وحملت الأخبار إلى مكة نبأ مقتل الخليفة عثمان...
تأثر الناس لهذا الحدث الجلل وأنكره جميع الصحابة بلا استثناء ومنهم بالطبع أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها..فالمعارضة ونصح الحاكم شيء والاعتداء المسلح على الخليفة شيء آخر..الأسلوب الأول واجب شرعي يقوم به كل مسلم، والأسلوب الثاني خروج على الله ورسوله وخليفته.وكما كانت عائشة تطالب عثمان بالاستقامة على منهج رسول الله في سياسته..فهي اليوم تطالب بالضرب بيد من حديد على أيدي الجناة القتلة..وعندما سئلت في هذا قالت: رأيتهم استتابوه، فلما تاب، قتلوه وهو صائم في الشهر الحرام، والبلد الحرام، وأخذوا المال الحرام..والله لأصبع عثمان خير من طباق الأرض من أمثالهم..
- هذا الموقف، فهمه بعضهم على أن عائشة غيّرت موقفها من عثمان..وهو فهم غريب..فعائشة العالمة الفقيهة تفرق بين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وبين قتل رجل صحابي جليل وخليفة عظيم مثل عثمان.
- وفهم البعض أيضا أن عائشة هي التي أوقدت نيران الحرب بين المسلمين أنصار علي الذي بويع بالخلافة وأنصار عثمان الذين يطالبون بمحاكمة ومقاضاة القتلة..
أما عائشة فقد أعلنت بأبلغ بيان..بأنها إنما خرجت للإصلاح بين الناس، (وأرجو فيه الأجر إن شاء الله).()
إيضاح العلاقة الحسنة بين أم المؤمنين عائشة وبين علي وفاطمة وذريتهما وأئمة آل البيت رضي الله عنهم جميعاً على ضوء الأحاديث والأقوال والأفعال من خلال كتب السنة وروايات الشيعة.
أبدأ بكلام منقول نصاً دون تصرف للإمام بن القيم رحمه الله عن فضل عائشة وفضل فاطمة رضي الله عنهما.
( الخلاف في كون عائشة أفضل من فاطمة أو فاطمة أفضل، إذا حرر محل التفضيل صار وفاقًا، فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم.
فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله عز وجل، فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب، لا بمجرد أعمال الجوارح، وكم من عاملين أحدهما أكثر عملًا بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة.
وإن أريد بالتفضيل التفضل بالعلم، فلا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها، واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها.
وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب، فلا ريب أن فاطمة أفضل، فإنها بضعة من النبي وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير إخوتها.وإن أريد السيادة، ففاطمة سيدة نساء الأمة.
وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل.وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل ولم يوازن بينهما، فيبخس الحق وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصيب وهوى لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسائل عديدة من مسائل التفضيل فأجاب فيها بالتفصيل الشافي.
فمنها إنه سئل عن تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر أو العكس.فأجاب بما يشفي الصدور.فقال: أفضلهما أتقاهما لله، فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة.
ومنها أنه سئل عن عشر ذي الحجة والشعر الأواخر من رمضان، أيهما أفضل فقال: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة.
وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيًا كافيًا، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة، وفيهما يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية.وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الأحياء التي كان رسول الله يحييها كلها وفيها ليلة خير من ألف شهر.فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة.
ومنها أنه سئل عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي أيهما أفضل، فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة، فحظ النبي الذي اختص به ليلة المعراج منها أكمل من حظه من ليلة القدر، وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج، وإن كان لهم فيها أعظم حظ، لكن الفضل والشرف والرتبة العليا، إنما حصلت فيها لمن أسرى به.
ومنها أنه سئل عن يوم الجمعة ويوم النحر فقال: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ويوم النحر أفضل أيام العام.وغير هذا الجواب لا يسلم صاحبه من الاعتراض الذي لا حيلة له في دفعه.
ومنها أنه سئل عن خديجة وعائشة أم المؤمنين أيهما أفضل.فأجاب بأن سبق خديجة وتأثيرها في أول الإسلام ونصرها وقيامها في الدين لم تشركها فيه عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين، وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من العلم ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به عن غيرها.فتأمل هذا الجواب الذي لو جئت بغيره من التفضيل مطلقًا لم تخلص من المعارضة).()
في البداية إذا نظرنا إلي التاريخ نظرة عامة دون البدء في الخوض في التفاصيل لوجدنا أدلة واضحة وضوح الشمس على حسن العلاقة بين أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وبين علي وفاطمة وذريتهما وأئمة آل البيت رضي الله عنهم جميعاً، لذا آثرت أن أبدأ بإلقاء النظرة على أسماءهم وكيف أنهم تسموا بأسماء بعضهم البعض، فمن أين ياتُرى أتى هذا الكره الذي يدّعيه البعض؟؟!!
أسماء الأعلام من أهل البيت من العلويين والهاشميين الذين تسمُّوا بأسماء الصحابة رضوان الله عليهم:
أبو بكر بن علي بن أبي طالب:
قتل مع الحسين في كربلاء، وأمه ليلي بنت مسعود النهشلية، ذكره: الإرشاد للمفيد ص 248 – 186، تاريخ اليعقوبي في أولاد علي، ومنتهى الآمال للشيخ عباس القمي 1/261 وذكر أن اسمه محمداً وكنيته أبو بكر قال: و (( محمد يكنى بأبي بكر...)) 1/544، وبحار الأنوار للمجلسي 42/120.
|