ويجب أن نوضح هنا ما هو التظاهر؟ وما هو الحديث المسّر؟
إن الحديث الذي أسره رسول الله إلى بعض أزواجه هو: تحريمه لجاريته مارية القبطية على نفسه.
وقد أَسَرَّ هذا الحديث إلى حفصة رضي الله عنها، وطلب منها أن لا تذكره لأحد، فأخبرت بذلك عائشة رضي الله عنها.فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على أنّها – أي حفصة – قد نبأت بذلك صاحبتها.
هذا هو سبب نزول تلك الآيات التي بنى عليها الشيعة من مزاعمهم ما بَنَوْا، وافتروا من الإفك والبهتان ما افترَوْا.
وهذا هو المشهور عند العلماء من سبب نزول تلك الآيات، وقد ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله عند تفسيره لهذه الآيات.
وذكر معه سبباً آخر؛ وهو قصة المغافير.()
وقصة المغافير أسندها البخاري في صحيحه إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وفيها قولها: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش، ويمكث عندها، فواطأت أنا وحفصة عن أيّتنا دخل عليها فلتقل: أكلتَ مغافير؟ إنّي أجد منك ريح مغافير.قال: لا، ولكنّي كنتُ أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش، فلن أعود له، وقد حلفتُ، لا تخبري بذلك أحداً)).()
فالحديث المُسَرّ-إذاً-هو: تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاريته مارية القبطية على نفسه- وهو الأشهر عند المفسرين ورجحه الحافظ بن كثير وغيره ()-، أو امتناعه صلى الله عليه وسلم عن أكل العسل عند زوجته زينب بنت جحش رضي الله عنها – وهو الذي رواه البخاري في صحيحه.
أما زعم الشيعة أنّ الحديث المُسَرّ هو قوله صلى الله عليه وسلم لحفصة: إنّ أباك وأبا بكر يليان الخلافة بعدي أو قوله لعائشة: إنّ الله أطلعني أنّ علياً هو الوصي وطلب مني أن أُخبر النّاس بذلك، ثم تآمر الأربعة على وضع السُمّ له صلى الله عليه وسلم فزعم باطلٌ، وكلتا الروايتين باطلتان
لم يقل بهما واحدٌ من المفسِّرين:
فالأولى: أبطلها الشيعة أنفسهم.
والثانية: تُخالف المشهور عندهم والمنسوب إلى أئمتهم، وفيها تناقضات كثيرة أيضاً.
والمظنون بعائشة وحفصة رضي الله عنهما أنّهما قد تابتا، وعُلِم أنَّ تظاهرهما كان على تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان مباحاً له على نفسه، وليس ما ادّعاه الشيعة الرافضة.
ويقال للشيعة أيضاً: إنّ دلالة قوله تعالى: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما، على الذنب ليس بأقوى من دلالته على طلب التوبة وحصولها.
وما وقع من أُمّهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهنّ لا يقدح بهنّ، فالغيرة من جبلّة النساء، ولا مؤاخذة على الأمور الجبليّة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب من غيرتهنّ، وإنّما كان غضبه صلى الله عليه وسلم من إفشاء سره.
4) إدعاء الشيعة الإثنى عشرية أن الله سبحانه وتعالى ضرب امرأة نوح وامرأة لوط مثلاً لعائشة وحفصة:
يدَّعي الشيعة الرافضة الإثنى عشرية أنّ الله عز وجل ضرب امرأة نوحٍ وامرأة لوط مثلاً لعائشة وحفصة رضي الله عنهما، ويفسرون قوله تعالى: - {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}التحريم10-بذلك.
فقد زعم الشيعة أنّ هذه الآية مثلٌ ضربه الله لعائشة وحفصة رضي الله عنهما-وهو مثلٌ للذين كفروا-.وفي رأي الشيعة هم يعدون عائشة وحفصة رضي الله عنهما من الذين كفروا.
ونسبوا هذا الزعم إلى ذي النورين؛ عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولاشكّ أنّ هذه القصّة التي أوردها الشيعة مكذوبة على عثمان رضي الله عنه، ولم ينقلها أحدٌ إلّا الشيعة.
والرد على هذه المزاعم:
إنّ الله سبحانه وتعالى لم يضرب امرأة نوح وامرأة لوط مثلاً لعائشة وحفصة رضي الله عنهما، بل ضربهما مثلاً للذين كفروا، قال سبحانه وتعالى: ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأة لوط، ولم يقل: ضرب الله مثلا لعائشة وحفصة رضي الله عنهما.
فالمثل مضروب للذين كفروا من الناس الذين يُخالطون المسلمين ويُعاشرونهم، بياناً منه تعالى أنّ هذه المخالطة لا تفيد إذا لم يصاحبها إيمانٌ بالله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.وعلى هذا إجماع المفسِّرين()، ولم يقل أحد إنّ الله ضرب هذا مثلاً لعائشة وحفصة رضي الله عنهما إلّا الشيعة.
ولم يقل أحد من المفسِّرين إنّ الخيانة في قوله تعالى: (فخانتاهما) هي الوقوع في الفاحشة، بل الجميع أوّل الخيانة بأنّها: الخيانة في الدين.
قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير (فخانتاهما): ((ما زنتا. أمّا خيانة امرأة نوح: فكانت تُخبر أنّه مجنون، وأمّا خيانة امرأة لوط: فكانت تدلّ قومها على أضيافة)).
ولم يقل أحدٌ من الشيعة أو غيرهم عن عائشة وحفصة رضي الله عنهما إنّهما كانتا تفعلان ذلك.
- وأقوال الرافضة في عائشة رضي الله عنها مرفوضة مردودة قبيحة، حتى إن بعضهم قد غالى في ذلك وقال قولاً يكفر به صاحبه إن اعتقده؛ قال بعض الغلاة ممن كانوا على هذه النحلة والملة في تفسير قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ))البقرة: 67،قال: هي عائشة تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.()
عائشة رضي الله عنها بنص القرآن الكريم:
رغم أنف الظالمين فعائشة رضي الله عنها أم للمؤمنين في قرآن يتلى إلى يوم القيامة قال تعالى
في سورة الأحزاب:
"النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)
قال البغوي في التفسير "قوله عز وجل: { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وفي حرف أُبيّ: "وأزواجه وأمهاتهم وهو أبٌ لهم" وهن أمهات المؤمنين في تعظيم حقهن وتحريم نكاحهن على التأييد"
قال بن كثير "قوله: { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} أي: في الحرمة والاحترام، والإكرام والتوقير والإعظام
ونقل الطبري في التفسير: عن قتادة( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) يعظِّم بذلك حقهنّ
|