عرض مشاركة واحدة
  #88  
قديم 2013-04-12, 08:27 PM
نمر نمر غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-02-26
المكان: بلاد الاسلام بلادي
المشاركات: 918
افتراضي

6) كان من حكمة حبس الوحي شهراً، أن القضية مُحِّصَتْ وتمحَّضتْ، واستشرفت قلوبُ المؤمنين أعظم استشرافٍ إلى ما يُوحيه الله إلى رسوله فيها، وتطلَّعت إلى ذلك غاية التطلُّع، فوافي الوحي أحوج ما كان إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأهل بيته، والصديق وأهله، وأصحابه والمؤمنون، فورد عليهم ورودَ الغيث على الأرض أحوج ما كانت إليه، فوقع منهم أعظم موقع وألطفه، وسُرُّوا به أتم السرور، وحصل لهم به غايةُ الهناء، فلو أطلع الله رسوله على حقيقة الحال من أول وهلة، وأنزل الوحي على الفور بذلك، لفاتت هذه الحكم وأضعافها بل أضعاف أضعافها.
7) فإن قيل: فما بالُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توقَّف في أمرها، وسأل عنها، وبحث واستشار وهو أعرف بالله وبمنزلته عنده، وبما يليق به، وهلّا قال: سبحانك هذا بهتان عظيم، كما قاله فضلاء الصحابة؟.
الجواب: أن هذا من تمام الحِكَمَ الباهرة التي جعل الله هذه القصة سبباً لها، وامتحاناً وابتلاءً لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولجميع الأمة إلى يوم القيامة، ليرفع بهذه القصة أقواماً، ويضع بها آخرين، ويزيد الله الذين اهتدوا هدىً وإيماناً، ولا يزيد الظالمين إلا خساراً، واقتضى تمام الامتحان والابتلاء أن حبس عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- الوحي شهراً في شأنها، لا يوحى إليه في ذلك شيء لتتم حكمتُهُ التي قدرها وقضاها، وتظهر على أكمل الوجوه، ويزداد المؤمنون الصادقون إيماناً وثباتاً على العدل والصدق، وحُسن الظن بالله ورسوله، وأهل بيته، والصِّدَّيقينَ من عباده، ويزداد المنافقون إفكاً ونفاقاً، ويظهر لرسوله وللمؤمنين سرائرهم، ولتتم العبوديةُ المرادة من الصديقة وأبويها، وتتم نعمة الله عليهم، ولتشتد الفاقةُ والرغبةُ منها ومِن أبويها إلى الافتقار إلى الله والذل له، وحُسن الظن به، والرجاء له، ولينقطع رجاؤها من المخلوقين، وتيأس من حصول النصرة والفرج على يد أحد من الخلق، ولهذا وفّت هذا المقام حقه، لما قال لها أبواها: قومي إليه، وقد أنزل الله عليه براءتها، فقالت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي.()
8) ومن فوائد هذا الحديث أن عائشة رضي الله عنها قالت"والله لا أتوب مما ذكروا أبداً" فالتوبة والاستغفار أمر مطلوب.
قال الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال أبو هريرة سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".
قلت: فهي لم يحصل منها ما نسب إليها فلا يلزمها أن تتوب ولكن بعموم النصوص التي جاءت في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالأمر مطلوب
قال العلامة صالح أل الشيخ حفظه الله في شرحه على الطحاوية رقم الشريط (27)
والتوبة معناها -ضابط التوبة-: تاب بمعنى رجع.
والتوبة مأمورٌ بها إجمالا وتفصيلاً قال - عز وجل - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}التحريم: 8، هذا إجمالاً، كل مؤمن حتى الصالح حتى الأنبياء مأمورون بالتوبة، كان صلى الله عليه وسلم يقول «إني ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة»أخرجه مسلم وكان يُحْسَبُ له صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد يتوب إلى - عز وجل - مائة مرة، وقال سبحانه {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}النور: 31.
فالتوبة مأمورٌ بها سواء كان العبد مُسَدَّدَاً أو كان دون ذلك.
9) رعاية الله لأوليائه، وهذا يتضح من جوانب عديدة: فبالنوم ينقطع تفكير عائشة رضي الله عنه فيما أهمها وأقلق راحتها، ويقدر الله تأخُّر صفوان ليُلحِقَها بالجيش، وتتجلى في أعظم صورها في نزول آيات براءتها، وفي أنها مرضت بعد رجوعها غلى المدينة فلم تعلم بما يقال إلا قبل وقت يسير من نزول براءتها، ولو علمت من أول الأمر لكان الخطب أعظم.
10) اهتمامها بحجابها، فعقب استيقاظها ورؤيتها لصفوان خمَّرتُ وجهها، ومُنه يُستنبط مشروعية تغطية الوجه.
الاسترجاع عند المصائب كما علمنا ربنا، عن أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا».قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفي أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-.()

11)​فضل كل من دافع عن عائشة رضي الله عنه، كزينب، وأسامة، وأسيد، وسعد بن معاذ، وأبي أيوب وزوجه، رضي الله عنهم أجمعين.
12) من مهمات الآداب: ازدراء الإنسان لنفسه وهضمه لها " وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى" ومن ازدرى نفسه كان عند الله فوق ذلك، ومن ابتلي بالعجب كان وضيعاً حقيراً، ومن درر بكر بن عبد الله المزني رحمه الله قوله يوم عرفة: " لولا أنا فيهم لقلت قد غفر الله لهم ".
13) إسناد النعمة والخير والفضل إلى الله " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي".
14) مكانة الصديقة عائشة رضي الله عنها، ويكفي أنّ الله لما ذكر مقالة الناس فيها سبّح نفسه: { وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} النور: 16.
15) دفاع الله عن العفيفين، فدافع الله عن عائشة، ومريم، ويوسف عليهم السلام، وأجرى كرامةً على يد جريج الراهب.
16) أنّ المرء يتعلم من أخطائه، فعائشة رضي الله عنه خرجت لقضاء حاجتها وكان الأولى أن تعلم بذلك لئلا يغادروا المكان دونها "وَقَدْ وَقَعَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي ضَيَاع الْعِقْد أَيْضًا أَنَّهَا أَعْلَمَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ، فَأَقَامَ بِالنَّاسِ عَلَى غَيْر مَاء حَتَّى وَجَدَتْهُ، وَنَزَلَتْ آيَة التَّيَمُّم بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَظَهَرَ تَفَاوُت حَال مَنْ جَرَّبَ الشَّيْء وَمَنْ لَمْ يُجَرِّبهُ.
17) قد يكون الخير فيما نكرهه {بل هو خير لكم}، والخيرية هنا تتبدى في عشرة جوانب:
أ- براءة عائشة رضي الله عنه تتلى في القرآن إلى يوم القيامة.
ب- ما أورثته الحادثة من تعلق قلبها بالله.
ت- ومن امتلاء قلبها بعبودية الصبر.
ث- ومن تثقيل لميزان حسناتها.
ج- ومن حصولها على حسنات غيرها ممن تكلم فيها.
ح- ومن تكفير لسيئاتها.
خ- وبيان لعظيم مكانتها.
د- وقد عُرف المؤمنون من المنافقين.
ذ- وعرف قوي الإيمان من غيره.
ر- واشتملت آيات الحادثة على مهمات الآداب للجماعة المؤمنة.
-​والفوائد من حادثة الإفك كثيرة ليت البحث يتسع لذكرها كلها، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يُقدر لي في بحث آخر أن أُفصّل أكثر في الأمر، والله المستعان.
-​أما في الحديث عن الفوائد من حادثة الإفك المعاصرة،فأحببت أن أكتب ما أحسسته وأحسه كل مسلم ومسلم جراء تلك الافتراءات والأكاذيب المتكررة عن أم المؤمنين رضي الله عنها، فأقول كما في آيات الدفاع عن أم المؤمنين....لا تحسبوه شرا بل هو خير لكم
وأشير إلى شيء من هذه الفوائد فيما يلي:
1.​في الوقت الحالي انصرف كثير من المسلمين والمسلمات عن الدين الحق، وشغلتهم الدنيا وفتنها الكثيرة؛ حتى أنك تجد الكثير منهم لا يعرفون الكثير من أمور دينهم وسير أمهات المؤمنين والصحابة فضلاً عن سيرة حير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم، فلما كثرت تلك الافتراءات في الآونة الأخيرة وجدنا أعداد كبيرة من المسلمين يقرؤون في السيرة والتفاسير ويبكون لما يُقال في أم المؤمنين رضي الله عنها ويدافعون عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الأمر في ظاهره ابتلاء شديد وفي باطنه يحمل رحمه لكثير من المسلمين الذين استنفرتهم الأحداث للدفاع عن عرض رسول الله وعرض أمهات المؤمنين وصحابته رضي الله عنهم أجمعين.
2.​تأليف العديد من الأبحاث والكتب التي ترد على الافتراءات والأكاذيب والشبهات المُوجهه لأم المؤمنين رضي الله عنها ورسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ولدين الإسلام كله.
3.​رجوع كثير من أمة الإسلام لهدي النبي الكريم صلوات ربي عليه وسلامه.
4.​اجتماع أمة الإسلام على كلمة الحق والدفاع عن الدين.
5.​بينت اختلاف مواقف الناس على حسب إيمانهم وديانتهم، فكما ميزت بين الناس قديماً، الآن أيضاً تمايز الناس فيما بينهم فانقسموا بين مفترٍ ظالم لنفسه يُطلق الأكاذيب على أم المؤمنين رضي الله عنها؛ ومؤمن مُدافع عن الحق بكل ما أتاه الله من قدرة وقوة؛ وهذا المتفرج الذي يرى ولا يقدم شيئا.
-​وأختم تلك الفوائد المختصرة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
-​قالَ رَسُولُ اللهِ: (عَجَبًا لأَمْرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ ليسَ ذلكَ لأَحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ) رواهُ مُسْلِمٌ.
رد مع اقتباس