عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2025-02-15, 05:15 PM
معاوية فهمي إبراهيم مصطفى معاوية فهمي إبراهيم مصطفى غير متواجد حالياً
مشرف قسمي العيادة الصحية والمجتمع المسلم
 
تاريخ التسجيل: 2018-02-05
المشاركات: 2,797
افتراضي إحذروآلأسباب المانعة من الشفاعة

بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم
السلامُ عليكم و رحمةُ اللهِ و بركاتهُ:ـــ
[ إحذروآلأسباب المانعة من الشفاعة ]
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين وصلَّ اللهُ على نبينا محمدٍ و على أَلهِ وصَحبهِ أجمعين وبعد :ـــ
إخوتي و أحبتي في الله يسرني أن أحذركم عن
عملٍ يقعُ فيه الكثيرون منا, أنا شخصياً أعتبرهُ وهنٌ يؤدي فقط إلى الخسارةِ الفادحة ، يظنُّ فيهِ البعض أنَّ باب الشفاعة الذي فتحهُ الله سُبحانهُ وتعالى للمؤمنين رحمةً بهم، أنّهُ بابٌ يدخلهُ الجميع دون قيدٍ أو شرط ، ويتصوَّر فيهِ فئاتٌ من الناس عدم وجود إطارٍ يُحدِّد الصفاتَ والشروطَ التي يستحق بها صاحبها نيل الشفاعة، وربما جرَّ هذا القصُور في التصوُّر بعض العصاة إلى الإسراف في المعاصي، والتساهل في المحرَّمات.

وهذا ليس بصحيح، فإن أمورًا كثيرة تمنع صاحبها إستحقاق الشفاعة يوم القيامة، وتحرمهُ من نيل فضلها، فلا بُدَّ إذن من تسليط الضوء على تلك الموانع حتى يبقى المرء في كمال الطهارة والسلامة منها، ويمكن حصر هذه الأسباب فيما يلي:

أولاً: التلبُّس بالشرك:
الشِرك مانعٌ من حصول الشفاعة لصاحِبها؛ ذلك أن مقتضى الشفاعة حصول الصفح والتجاوز عن المشفوعِ لهُ، والله سُبحانهُ وتعالى قد أخبرَ عن نفسهِ أنَّه لن يغفر أبدًا عمَّن تلبَّس بالشرك وخالط الكُفر فقال:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: ٤٨]، والشرك محبطٌ للعمل مبطلٌ له، فمهما عمل صاحبه من أعمال فلن تُقبل منه، وستكون هباءً منثورًا: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: ٦٥ ].

وإنّما ينتفعُ بالشفاعاتِ الثابتة من كان على حالٍ من التقصيرِ والزلل والمعصية، لا سِيما أهلُ الكبائِر والمُوبقات، فعسى الله أن يعفو عنهم ويتجاوز عنهم بشفاعةِ الشافعين، أما أهلُ الشركِ وأصحابُ المعتقداتِ الكُفريَّة فلن تنفعهم شفاعةُ أحدٍ مهما عَلت منزلتُهُ عِند ربِّهُ، قال الله تعالى واصفًا أهلِ النار:
{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: ٤٨]، وقال سُبحانهُ: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: ١٨].

ثانيًا: ظُلم الإمام للعباد، والغُلّو في الدين:
ويدلّ على هاتين المسألتين حديث أبي أمامة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلَّ الله عليه وسلم) :
"صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَنْ تَنَالَهُمَا شَفَاعَتِي: إِمَامٌ ظَلُومٌ، وَكُلُّ غَالٍ مَارِقٍ". رواهُ الطبراني في المعجم الكبير، وقال الهيثمي: رجالهُ ثقات.
ويمكن تلمُّس تأثير هاتينِ الصفتين في الحرمانِ من الشفاعة بأن نقول: إنَّ الأصل في الإمام أن يرعى حُقوقَ رعيّته؛ لأنّه المُستخلف في إقامة شرع الله ومنهجهُ بكافّةِ صورهِ وتشريعاتهِ، وأصل الشريعة وعمودها: وضع قواعد العدل؛ ولذلك كان الإِمام العامل بمقتضى العدل في رعيَّتهِ
أحدُ السبعةِ الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلّهُ، فعن أبي هريرة ــ رضي اللهُ عنهُ و أرضاهُ ــ أنَّ النبيّ(صلَّ الله عليه وسلم) قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ". رواه البخاري.
ويُقال أيضاً: إنَّ الظُلم صفةٌ ذميمة لا يُجْتنى منها سوى الفساد والفتن، والبلايا والمِحن، والشرور والسيئات، وهي ظُلماتٌ يومَ القيامة، وما كان هلاك الأُممِ والقُرى إلاَّ لأجلهِ، فإذا كان هذا حالُ ظُلمُ الأخ لأخيهِ، فكيف إذا كان الظُلم واقعًا على أمَّةٍ بأكملها، وشعبٍ بأكملهِ؟ وكيف يستحقُّ التجاوز والشفاعة من كان هذا حالهُ مع رعيَّتهِ؟.
وتدلُّ السُنّة النبويَّة على أنَّ الظُلم مُنافٍ للأخوَّةِ الإسلاميَّة، كما جاء عن أبي هريرة ــرضي الله عنه ــ أنَّ رسول الله ( صلَّ الله عليه وسلَّم ) قال:
"كُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ". رواه مسلم، والجائر من الولاة والأئمة لم يعمل بمقتضى هذه الأخوَّة، فلم يستحق الشفاعة لذلك.
ولا شكَ أنَّ الغلو في الدين مذموم والتشديد فيه غير محمود، لأنَّه خروجٌ عن منهج الاِّعتدال الذي إِتصفت بهِ الشريعة الربَّانية، وقد نهى اللهُ سُبحانهُ وتعالى وحذَّر أهلَ الكتاب من الغلو في أي ناحية من نواحي الدِين العقائدية والتشريعية فقال:
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: ١٧١]، ونهى عنهُ النبيّ ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ) بقولهِ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ". رواه ابن ماجه.

ثالثًا: التكذيب بالشفاعة:
فعن أنسِ إبن مالك ـ رضيّ الله عنهُ ـ قال: "مَنْ كَذَّبَ بِالشَّفَاعَةِ فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ". رواه الآجري في "الشريعة"، وصحَّح إسنادهُ الحافظ إبن حجر في الفتح، ومثلُ هذا لا يُقال بالرأي، فالذين يُبطلون الشفاعة عن رسولِ الله ( صلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم ) ويُنكرون المقام المحمود الذي يبعثه اللهُ يومَ القيامةِ وينفونها عنهُ، لن تنالهم شفاعتهُ عليه الصلاة والسلام.

رابعًا: الإِحداث في الدين:
دلَّت النصوص على أنها تمنع من ورودِ الحوضِ يوم القيامة، فلا تنفع معهُ شفاعة الرسول( صلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم ) لهم؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله (صلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم ) قال
: "أَلَا وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي. فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [المائدة: ١١٨]". متفقٌ عليهِ.

ومِنَ المُناسب ذكر بعضِ الأمور المانعةِ للشفاعة؛ لكن ليس فيها مستندٌ معتمد من حديثٍ صحيح، وهي ما جاء حول غش العرب، وفيهِ حديثُ عثمان إبن عفان ـ رضي اللهُ عنهُ ـ: قال: قالَ رسولُ الله (صلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم):
"مَنْ غَشَّ العَرَبَ لَمْ يَدْخُلْ فِي شَفَاعَتِي وَلَمْ تَنَلْهُ مَوَدَّتِي". فقد رواه الترمذي وقال: "حديثٌ غريب، لا نعرفهُ إِلاَّ من حديث حُصين بن عمر الأحمسي، عن مخارق، وليس حصين عند أهل الحديث بذاك القوي"، وقد أنكر الحفَّاظ أحاديث هذا الراوي، كما ذكر من أهل الحديث.
ويُقال في الحديث السابق: إن الغشَّ مذمومٌ شرعًا، وصاحبه مرتكبٌ لكبيرةٍ من كبائر الذنوب، كما قال النبيُّ( صلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم ) :
"مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا". رواهُ مُسلم، وهذا التحريم إِنَّما ثبتَ في النصوصِ على وجه العموم، أما إِثبات الخصوصيَّة في غشِّ العرب من ناحيةِ الحُكم، وجعلها مناطًا للحرمانِ من الشفاعةِ النبويَّة يومُ القيامةِ، وسببًا للمنعِ مِنها، فهذا ما لا ينبغي إِثباته إلاّ بالنصِ الصحيح.
إعداد و تحضيرالفقير إلى رحمة الله:ـــ
أخوكم في الله معاوية فهمي.
*************

رد مع اقتباس