عرض مشاركة واحدة
  #55  
قديم 2010-05-31, 07:29 PM
MALCOMX MALCOMX غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-05-14
المكان: الكويت
المشاركات: 321
افتراضي

ب - بطلان الدور:

الدور هو توقف الشيء على نفسه، بأن يكون هو نفسه علة لنفسه بواسطة أو بدون واسطة[1].

أو توقف شيء على شيء قد توقف على الأول بمرتبة أو مراتب بمعنى : توقف الشيء على ما توقف عليه[2].

وهذا الدور هو الدور السبقي أو الدور القبلي[3]، وهو باطل لأنه يقتضي أن يكون الشيء نقيض نفسه، فيكون متقدماً ومتأخراً في لحظة واحدة وموجوداً ومعدوماً في وقت واحد، وهذا جمع بين النقيضين، والجمع بين المتناقضات باطل.

يقول ابن تيمية:« فأما الدور القبلي فممتنع، فإنه إذا كان هذا لا يوجد إلا بعد ذاك، وذاك لا يوجد إلا بعد هذا، لزم أن يكون ذاك موجودا قبل هذا، وهذا قبل ذاك، فيكون كل من هذا وذاك موجودا قبل أن يكون موجودا، فيلزم اجتماع الوجود والعدم غير مرة، وذلك كله ممتنع»[4].

ما قاله ابن تيمية بين فيه بطلان الدور لأنه يلزم اجتماع الوجود والعدم، وهو ايضا باطل لأنه يجمع التقدم والتأخر فهو يستلزم -أي الدور- يستلزم تقدم الشيء على نفسه وهو ضروري الاستحالة، وجه الاستلزام أن الشيء إذا كان علة لآخر كان متقدما عليه وإذا كان الآخر علة له كان متقدما عليه والمتقدم على المتقدم على الشيء متقدم على ذلك الشيء فيكون الشيء متقدما على نفسه ويلزمه كون الشيء متأخرا عن نفسه وهو معنى احتياجه إلى نفسه وتوقفه على نفسه والكل بديهي الاستحالة



أمثلة توضيحية لبطلان الدور

· الكون وجد بنفسه: هذا الكلام فيه دور مرفوض عقلا، إذ يقتضي أن يكون الكون علة لنفسه، ومعلولا لها بآن واحد، فجُعِلَت العلة هي نفس المعلول، وهذا يقتضي أن يكون وجود الكون سابقاً على وجوده نفسه، وفي هذا تناقض ظاهر، فمعلوم أن العلة تسبق المعلول في الوجود، فبوصف الكون علة هو موجود، وبوصفه معلولا هو غير موجود، فهو إذن حسب الدعوى موجود غير موجود أو موجود ومعدوم، وهذا جمع بين النقيضين وهو باطل.



· لو قلنا أن الدجاجة متوقف وجودها على البيضة، والبيضة متوقف وجودها على الدجاجة، فهذا أيضا دور مستحيل، إذ يقتضي أن علة الدجاجة البيضة وعلة البيضة الدجاجة، وهذا دور بواسطة، وكلاهما سيظل معدوما ما دام متوقفا على الآخر.

وبطلان ذلك يظهر إذا أزلنا الواسطة، فستصير الجملة كالتالي: علة الدجاجة هي الدجاجة نفسها أو علة البيضة هي البيضة نفسها.

فلزم منه إثبات أن يكون الشيء الواحد موجودا قبل أن يكون موجودا، ليوجِد شيئا آخر، يكون هذا الشيء الآخر علَّة في وجود ما كان هو سببا في وجوده، وهذا باطل بَيِّنُ البطلان.



· لو فرضنا أن شخصا حاول الانتساب إلى شعبة الدراسات الإسلامية، فقيل له إن ذلك متوقف على أن تكون مسجلا في جامعة الشريعة، ولما حاول التسجيل في جامعة الشريعة، قيل له إن ذلك متوقف على أن تكون عندك شهادة حسن السيرة، ولما حاولت أخذ هذه الشهادة قيل لك إن ذلك متوقف على أن تكون مسجلا في شعبة الدراسات. فمن البديهي أنه لن يستطيع أن يحقق لنفسك أي الغرض ما دام سقط في هذا الدور الممتنع.



فالدور المستخدم في المثال الأول -حدوث الكون بنفسه- والمثال الثاني -الدجاجة والبيضة- يسمى الدور الصريح، لأنه دور يتوقف فيه الشيء على نفسه مباشرة دون واسطة أو بواسطة واحدة.

والدور المستخدم في المثال الثالث يسمى دورا مضمرا لتوقف الشيء على نفسه بواسطة عنصرين فأكثر.

--------------------------------------------------------------------------------

[1] انظر ضوابط المعرفة ص 323

[2] مذكرة التوحيد - عبد الرزاق عفيفي – ص 12

[3] يجب التفريق بين الدور السبقي والدور المَعِّي الاقتراني، فهذا الأخير دور لا استحالة فيه، مثل توقف كل من المتضايقين على الآخر، كالأبوة والبنوة، والأكبر والأصغر، إذ لا تُتَصور الأبوة إلا مع البنوة، ولا يتصور الأكبر إلا مع الأصغر.

[4] درء التعارض ج 3 ص 143 - 144