عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2010-07-19, 11:27 PM
MALCOMX MALCOMX غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-05-14
المكان: الكويت
المشاركات: 321
حوار الدين، وهم أم حقيقة؟

المحور الأول : هل الدين حقيقة إلهية أم وهم بشري ؟


إذا كان ارسطو قد عرّف الإنسان بأنه ( حيوان ناطق ) أي مفكر فقد عرّفه غيره من الفلاسفة بأنه ( حيوان متدين ) فذهب هيجل , مثلا إلى ( إن الانسان وحده هو الذي يمكن أن يكون له دين , و أن الحيوانات تفتقر إلى الدين بمقدار ما تفتقر إلى القانون و الأخلاق )
إن الدين او التدين عنصر اساسي في تكوين الانسان , و الحس الديني إنما يكمن في أعماق القلب البشري بل هو يدخل في صميم ماهية الانسان مثله مثل العقل .

كتاب المعتقدات الدينية لدى الشعوب تحرير جفري بارند – طبعة عالم المعرفة صفحة 7

و السؤال الذي يجب أن نطرحه و نجيب عليه هو ما هو الدين ؟
الدِين أو الدِيانة —من دان خضع وذل ودان بكذا فهي ديانة وهو دَيِّن، وتديَّن به فهو متدين— إذا أطلق يراد به: ما يَتَدَيّنُ به البشر، ويدين به من اعتقاد وسلوك؛ بمعنى آخر، هو طاعة المرء والتزامه لما يعتنقه من فكر ومبادئ.
الموسوعة الحرة

فهذا التعريف واسع جدا يشمل كل أصحاب المعتقدات , فالشيوعيه هنا تصبح دينا بل حتى اللادينية تصبح كذلك دينا .
و لكن ليس هذا موضوعنا فنحن نريد تعريفا للدين بالمفهوم الضيق أي الدين بالمعنى المتعارف عليه اليوم

يعرف معجم اكسفورد الدين بانه اعتراف الانسان بقوة عليا غير منظورة تتحكم في مصيره و لها عليه حق الطاعة و التبجيل و العبادة.

هذا تعريف جيد و لكن فيه بعض القصور حيث لا يشمل النواحي التنظيمية و لا يفصل فيها .
لذلك أقول معرفا :
الدين : هو نظام من مصدر مقدس مغاير للمادة .
فالدين هو نظام ينظم العلاقة بين المعطيات التالية :
1- بين الانسان و خالقه : حيث يحدد شكل هذه العلاقة هل هي علاقة أبوة و بنوة أم علاقة عبودية ,,, الخ
2- بين الانسان و نفسه : ما هي حقوق النفس البشرية على صاحبها و حقوق جسده ووجباته تجاه هذا الجسد , ماذا يأكل ماذا يشرب ,,, الخ .
3- بين الانسان و المنظومات الخارجية و هي كاللآتي :
-المجتمع البشري أو النظام الاجتماعي : فالدين ينظم علاقة الفرد بباقي الافراد في المجتع من خلال مجموعة من القيم الاخلاقية , كبر الوالدين و حسن معاملة الجار و شكل العلاقة بين الجنسين سواء نظام الزواج المتعدج أو الفردي ,,, الخ.
- النظام الاقتصادي : و يتم تنظيم سير الفرد في معاملاته المالية و الاقتصادية وفق نظام معين محدد و قيم مرجعية معينة .
- شكل النظام السياسي و علاقة الفرد داخل هذا النظام و وجباته و حقوقه .

فالدين هو نظام شامل للحياة في نسخته السماوية ( اليهودية المسيحية و الاسلام ) مع بعض الفروق طبعا فاليهودية أشمل من المسيحية و الاسلام أشمل دين على الاطلاق و لكن لا تخلوا كلها من تنظيم للجزئيات التي ذكرتها .
و يكون الدين نظاما جزئيا أقل شمولا في بعض الديانات الروحية التي تكتفي بالتنظيم في دائرة علاقة الفرد مع خالقه و بعض التوجيهات فيما يخص العلاقة مع الكيانات الأخرى.
فهل هذا الدين هو حقيقة ام وهم ؟
ماذا نقصد بكلمة حقيقة ؟
فالحقيقة لها معنيين , الاول بمعنى الوجود و الثاني بمعنى الصواب , و الدين حقيقة بحسب المعنيين .

الدين حقيقة من حيث الوجود :
لا ينازع أحد في وجود الدين كحقيقة نعيشها كل يوم و عاشها أجدادنا سابقا .
و لكن هل وجود الدين دليل على صوابيته ؟
سنفصل إنشاء الله .

الدين حقيقة بمعنى الصواب :

هنا سنقوم اولا بطرح سؤال .
لماذا تدين الإنسان سابقا و لماذا ما زال متدينا إلى اليوم ؟
قبل ان نجيب على هذا السؤال لا بد أن نفهم الإنسان أولا .

الإنسان مادة، وقد أودع الله فيه الروح ( سنتكلم عن الروح لاحقا)، فأوجدت فيه طاقة حيوية تتمثل في الخاصيات التالية: الغرائز والحاجات العضوية، والتفكير.

الغرائز
الغرائز خاصيات في الإنسان تدفعه لأن يميل إلى أشياء وأعمال، أو لأن يحجم عن أشياء وأعمال وذلك من أجل أن يشبع أمراً داخله.
وقد اختلف الباحثون والعلماء في عدد هذه الغرائز، ويرجع سبب هذا الاختلاف إلى عدم وقوع الحواس على واقع هذه الغرائز، وإلى عدم إدراك العقل هذا الواقع مباشرة، وقد اعتبروا مظاهر الغرائز غرائز، فنتج عندهم غرائز عديدة، كغريزة الخوف وغريزة الميل الجنسي وغريزة العطف، وغريزة التملك، وغريزة التقديس، وغريزة حب الاستطلاع , و ... و... و... .
وبعد استقراء هذه المظاهر التي اعتبروها غرائز، وجد أن هذه المظاهر تنتظم في ثلاث مجموعات، وأن كل مجموعة تنتمي إلى غريزة.

النوع الأول من هذه المجموعات الثلاث، وهي مظاهر الخوف وحب التملك وحب الاستطلاع، وحب الوطن، وحب القوم، وحب السيادة، وحب السيطرة وغيرها، ترجع كلها إلى غريزة البقاء لأن هذه المظاهر تؤدي إلى أعمال تخدم بقاء الإنسان كفرد.
والنوع الثاني من هذه المظاهر، كالميل الجنسي، والأمومة، والأبوة، وحب الأبناء والعطف على الإنسان والميل لمساعدة المحتاجين، وغيرها، ترجع إلى غريزة النوع، لأن هذه المظاهر تؤدي إلى أعمال تخدم بقاء النوع الإنساني كنوع وليس كفرد.
والنوع الثالث من هذه المظاهر كالميل لاحترام الأبطال والميل لعبادة الله، والشعور بالنقص والعجز والاحتياج وغيرها، ترجع إلى غريزة التدين، لأن هذه المظاهر تدفع الإنسان إلى البحث عن خالق قادر كامل، لا يستند في وجوده إلى شيء، وتستند المخلوقات في وجودها إليه.
فالغريزة خاصية فطرية موجودة في الإنسان من أجل المحافظة على بقاءه، ومن أجل المحافظة على نوعه، ومن أجل أن يهتدي بها إلى وجود الخالق، وهذه الغريزة لا يقع الحس عليها مباشرة، وإنما يدرك العقل وجودها بإدراكه مظاهرها.

لقد خلق الله الخاصيات، وألهم الإنسان أو الحيوان استعمالها .
قال تعالى : (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً) ، أي أعطاها خاصية تمكنها من بناء خلاياها في الجبال.

وقال تعالى : (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه) وقال : (إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً) فالإنابة إلى الله، والخوف من عذابه من مظاهر غريزة التدين.

الحاجات العضوية
(الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى)

الحاجات العضوية هي خاصية احتياج جسم الإنسان لأمور معينة، وطلب الإنسان لهذه الأمور، وهي خاصية أودعها الله في الإنسان، وهذه الحاجات تتطلب إشباعاً، ومن أجل إشباعها يحتاج الإنسان إلى أوضاع وأشياء وأعمال معينة. فمن هذه الأوضاع التي يحتاجها جسم الإنسان النوم والراحة، ودرجة الحرارة المناسبة، والضغط الجوي المناسب. من هذه الأشياء التي يحتاجها الإنسان الطعام والشراب والهواء ومن الأفعال التنفس والأكل والتغوط.
هذه الحاجات العضوية إن لم يتوفر أي منها للجسم الإنساني الحي تعرض للهلاك.

ما الفرق بين الغرائز الحيوية و الحاجات العضوية ؟
الفرق يكمن في تأثير عدم الاشباع , فإذا لم تشبع الحاجة العضوية يموت الانسان بينما إذا لم تشبع الغريزة فإن الانسان يحس بالألم فقط و لكنه لا يموت إلا نادرا.
فالذي لا يشبع غريزة التدين مثلا يحس بالألم و الإكتئاب ( و هذا يفسر زيادة نسبة الانتحار لدى الملحدين و اللادينيين ) .

الطاقة الحيوية :

إن جماع الغرائز الحيوية و الحاجات العضوية و التفكير يسمى الطاقة الحيوية , فهذه الطاقة التي تسير الانسان في جميع حياته , فهو يعمل و يأكل و يتزوج و يضحك و يقتل و يسرق و يعبد و يتصدق و و و الخ , بدافع من هذه الطاقة الحيوية .

و الآن نعود للاجابة على السؤال الذي طرحناه أولا .

لماذا تدين الإنسان سابقا و لماذا ما زال متدينا إلى اليوم ؟

الاجابة : لان التدين هو غريزة في الإنسان .
كيف عرفنا هذا ؟
بالاحساس بالواقع , فنحن نعرف ان الإنسان فيه غريزة النوع و التي من مظاهرها حب الانسان لقومه مثلا , فكذلك عرفنا بوجود غريزة التدين لأن البشر منذ سجل التاريخ و هم متدينون بطبعهم , بل إن الذين لم تصلهم ديانة سماوية تراهم صنعوا حجرا و راحوا يعبدونه ( كالذي لم يجد امرأة فراح يمارس الجنس مع الحيوان ) فالفعلين هما مظهر من مظاهر الغرائز و طريقة ( خاطئة ) للاشباع الغريزي.


.
هل الانسانية متدينة ام الدين ظاهرة فردية او جماعية خاصة ؟
بيقين تام نقول إن التدين هو ظاهرة بشرية عامة حيث لم توجد حضارة و لا جماعة بشرية الا و لها دين .
و نسوق بعض أقوال العلماء في هذا .

يقول إريك فروم (23 مارس, 1900 - 18 مارس، 1980) عالم نفس وفيلسوف إنساني ألماني أمريكي. في كتابه التحليل النفسي للدين

و لا توجد – بكل تأكيد- حضارة في الماضي و يبدوا انه لا يمكن ان توجد حضارة في المستقبل دون ان يكون لها دين بهذا التعريف
فالدين يعرفه ’ بانه مذهب للفكر و العمل تشترك في جماعة ما و يعطي للفرد اطارا للتوجيه و موضوعا للعبادة .
و يقول
ذلك ان دراسة الانسان تسمح لنا بادراك ان الحاجة- الى مذهب للتوجيه و الى موضوع للعبادة- هذه الحاجة تضرب بجدورها عميقا في احوال الوجود الانساني

الدين و التحليل النفسي اريك فروم –مكتبة غريب- صفحة 25

و يتابع
فلا وجود لانسان بدون حاجة دينية
’ و تبدو لي هذه الدعوة القائلة بان الحاجة الى اطار للتوجيه و موضوع للعبادة تضرب جذورها في احوال الوجودالانساني – تبدو لي صحيحة تؤكد صحتها تاكيدا وفيرا حقيقة ظهور الدين في التاريخ و على نطاق شامل و هذه نقطة قد قررت و فصلت على ايدي رجال اللاهوت و علماء النفس و علماء الانسان
فلو اننا خدشنا سطح الانسان الحديث لاكتشفنا عددا من الاشكال البدائية للدين .
صفحة 28

بل إن حتى اللاديني يظهر عليه مظاهر التقديس استجابة للغريزة الفطرية فيه شاء أم أبى .
يقول اريك ’ و الدين التسلطي العلماني ( او الدنيوي ) يتبع لهذا المبدأ ( الخضوع و التقديس ) نفسه فهنا يصبح الفوهرر ( هتلر ) او ابو الشعب او المحبوب او الدولة او الجنس او الوطن الاشتراكي موضوعا للعبادة.
صفحة 37

و هذه الظاهرة العالمية قد حاول الكثير من العلماء تفسيرها و ما يهمني هنا التفسير الذي أراه صحيحا و سأترك التفسير المخالف لمحاوري .

من ضمن التفسيرات القوية هو ما نذهب إليه من أن الدين فطري مزروع فينا شئنا أم أبينا .
يقول الدكتور احمد عبد الرحيم السايح

نظرية التوحيد الفطري او البدائي ( في تفسير الظاهرة الدينية ) و قد انتصر لها كثير من علماء الاجناس و علماء الانسان و علماء النفس و من اشهرهم لانج الذي أثبت وجود عقيدة الاله الاعلى او اله السماء عند القبائل الهمجية في استراليا و افرقيا و امريكا و منهم شريدر الذي اثبتها عند الاجناس الآرية القديمة و بروكلمان اللذي وجدها عند الساميين قبل الاسلام و لرواه و كاترفاج عند اقزام اواسط افريقيا و شميدث عند الاقزام و عند سكان استراليا الجنوبية و الشرقية و انتهى بحث شميدث هذا الى ان فكرة الاله الاعظم توجد عند جميع الشعوب الذين يعدون من اقدم الاجناس .
المرجع: بحوث في مقارنة الاديان الدين نشاته و الحاجة اليه – الدكتور احمد عبد الرحيم السايح صفحة 42 – 43

اما المفكر ديكارت فيقول ’بانه يوجد في الانسان افكار فطرية لا مجال للشك فيها و منها فكرة الكامل الالهي .
المرجع السابق صفحة 64
و يقول ديكارت أيضا ’ فكيف احس بنقصي ان لم يكن عندي فكرة عن وجود كائن كامل .

فديكارت يرى ان فكرة الله قد غرست في الانسان عند خلقه و بهذا يوافق القرآن الكريم في حديثه عن الفطرة كأصل للإيمان .

اما لانج فيرى ايضا ان الدين فطري و يستند الى ابحاث قام بها هوايت في قبائل استراليا و التي قام بها مان في القبائل الافريقية البيدائية كالبوشمان و الزولو و كتابات مسز باركر عن بعض قبائل استراليا و قصصهم و التي قد اوصلت هؤلاء العلماء الى ان هذه القبائل تؤمن بوجود اله اعلى . صفحة 68

اما ابحاث شميدث و غيره حول الاقزام في اواسط افريقيا و جزائر الاندمان فهو يرى بان هؤلاء يمثلون اقدم طور في التطور البشري و انهم يؤمنون بوجود اله اعلى في السماء .

اما فوركارت في دائرة المعارف فصل الدين و الاخلاق فيقول ان تصور اله السماء يرجع الى اقدم العصور الانسانية
بل و و يقرر ان فكرة تعدد الآله فكرة لاحقة لفكرة التوحيد السابقة عليها
المرجع السابق صفحة 70

ننقل الآن بعض ما ذكره الدكتور عبد الله دراز رحمه الله في كتابه -الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الاديان الدكتور عبد الله دراز – دار القلم
صفحة 82
يقول معجم لارومس للقرن العشرين ( ان الغريزة الدينية مشتركة بين كل الاجناس البشرية حتى اشدها همجية و اقربها الى الحياة الحيوانية و ان الاهتمام بالمعنى الالهي و بما فوق الطبيعة هو احدى النزعات العالمية للحالة للانسانية )
و يقول صفحة 83
( ان هذه الغريزة الدينية لا تختفي و لا تذبل الا في فترات الاسراف في الحضارة و عند عدد قليل جدا من الافراد )
و كتب المستشرق الألماني سانت هيلير ( ان هذا اللغز العظيم الذي يستحث عقولنا : ما العالم ؟ ما الانسان ؟ من اين جاء . من صنعهما . من يدبرها . ما هدفهما ؟ كيف بدأ ؟ كيف ينتهيان ؟ ما الحياة ؟ ما الموت ؟ ما القانون الذي يجب ان يقود عقولنا ؟,,,, الخ
هذه الاسئلة لا توجد امة و لا شعب و لا مجتمع الا وضع لها حلولا جيدة او رديئة مقبولة او سخيفة ثابتة او متحولة )
و يقول شاوشن ( مهما يكن تقدمنا العجيب في العصر الحاضر علميا و صناعيا و اقتصاديا و اجتماعيا و مهما يكن من اندفاعنا في هذه الحركة العظيمة للحياة و للجهاد و التنافس في سبيل معيشتنا و معيشة ذوينا فان عقلنا في اوقات السكون و الهدوء ( عظاما كنا او متواضعين خيارا كنا او اشرار ) يعود الى التأمل في هذه المسائل الازلية : لم و كيف كان وجودنا و وجود العالم ؟ و الى التفكير في العلل الاولى او الثانية و في حقوقنا و واجباتنا )
يقول الفيلسوف هنري برجسون الحائز على جائزة نوبل (( لقد وجدت و توجد جماعات انسانية من غير علوم و فنون و فلسفات , و لكنه لم توجد قط جماعة بغير ديانة )
صفحة 87
يقول الدكتور ماكس نوردوه عن الشعور الديني ( هذا الاحساس اصيل يجده الانسان غير المتدين كما يجده اعلى الناس تفكيرا و اعظمهم حدسا و ستبقى الديانات ما بقيت الانسانية و ستتطور بتطورها و ستتجاوب دائما مع درجة الثقافة العقلية التي تبلغها الجماعة )
و يقول أرنست رينان المؤرخ الفرنسي في تاريخ الاديان ( إن من الممكن أن يضمحل كل شيىء نحبه , و أن تبطل حرية استعمال العقل و العلم و الصناعة , و لكن يستحيل أن ينمحي التدين , بل سيبقى حجة ناظقة على بطلان المذهب المادي الذي يريد أن يحصر الفكر الإنساني في المضايق الدنيئة للحياة الأرضية )
المرجع السابق

بل إن هناك دلائل تشير إلى أن الدين قديم بقدم البشرية

البدائية - آشلي مونتاغيو – عالم المعرفة
يقول الكاتب

إن في الاعمال الفنية التي أنتجها انسان ما قبل التاريخ الذي عاش ما بين 15000 إلى 30000 سنة خلت أوضح دليل على أن هذا الانسان , بوصفه فنانا , قد بلغ من الرقي ما بلغه أي إنسان عاش بعده , و عندما نتذكر أن هذه الأعمال لم تخلق كأعمال فنية بل كجزء من الطقوس السحرية الدينية .
صفحة 17
تخيلوا قبل ثلاثين ألف سنة كان هناك دين .
و يقول

صفحة 111 و 112

كذلك يظهر أول دليل على دفن البشر في هذه الفترة ( قبل 100000 سنة). وهناأيضا لا نجد تقليدا واحدا ثابتا. فقد وجدت جثث مطوية وأخرى .مدودة.وتتفاوت محتويات القبور من الحلي الصدفية والأدوات الصوانية إلى عظامالحيواناتء. وقد وجدت بعض القبور محددة بالحجارة.ووجدت الجثث في بعضها مثقلة بألواح صخرية ١). وعلى أضعف الفروض تدل عادات الدفن هذه على بداية الاهتمام بالموتى أما
على أقوى الفروض فتدل على وعي بالحياة وعلى محاولة واعية للتعبير الديني و يبدو أن الاحتمال الأخير له ما يبرره ) .

أي توجد دلائل على وجود الدين قبل مائة ألف سنة

بل إن الدين لا تصنعه المؤثرات الاقتصادية و السياسية .

في صفحة 144 يقول

معنى هذا أن الدين كدين أساسي من النشاط السلوكي الثقافي يرتبط بغيره من الانماط ولكنه ليس نتيجة لها. فمن السخف في رأيي أن نفترض أن الدين تخلقه عوامل اقتصادية واجتماعية مثلما أن من السخف
أن نفترض العكس أي نفترض أن جذور الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية تمتد في أرضية الدين. إن هذه حاجات وقدرات ونوازع متساوية في القوة وفي العمر وفي الطبيعة الإنسانية تترابط في عموميتها بطرق معقدة جداوبعيدة عن الإدراك

البدائية - آشلي مونتاغيو – عالم المعرفة.

و قد نشرت الديلي تلغراف بحثا عن وجود الفطرة و أن الدين كشعور و حاجة ينشأ عند الإنسان دون أي تلقي من مصدر خارجي سواء التلقين أو العوامل النفسية الناتجة عن إدراك الطبيعة .
ننقله للاهمية
نشر موقع صحيفة التلغراف البريطانية نتائج بحث بتاريخ نوفمبر 2008 :

Children are born believers in God, academic claims

إليكم نص الخبر كما هو:
باحثين يتوصلون إلى أن الأطفال يولدون مؤمنين بالله
"الاطفال يولدون مؤمنين بالله ولا يكتسبون الأفكار الدينية عبر التلقي " كما يقول أكاديمي.
الدكتور جاستون باريت (Dr Justin Barrett) , باحث متقدم في مركز علم الانسان والعقل في جامعة أوكسفورد, يقول بأن الأطفال الصغار لديهم القابلية المسبقة للايمان ب"كائن متفوق" لأنهم يعتبرون أن كل ما في هذا العالم مخلوق لسبب.
و يقول هذا الباحث بأن الأطفال الصغار لديهم ايمان حتى اذا لم يتم تلقيمهم ذلك عبر المدرسة او الأهل, و يضيف بأنه حتى اذا نشأو بمفردهم على جزيرة صحراوية فسيتوصلون للايمان بالله.
"غالبية الأدلة العلمي في العقد الماضي أظهرت أن الكثير من الأشياء تدخل في البنية الطبيعية لعقول الأطفال مما ظننا مسبقا , من ضمنها القابلية لرؤية العالم الطبيعي على أنه ذو هدف ومصمم بواسطة كائن ذكي مسبب لذلك الهدف", كما قال لراديو BBC
"اذا رمينا أطفالاً لوحدهم على جزيرة و تربوا بأنفسهم فسيؤمنون بالله" -كما يقول الباحث- في محاضرة سيتم القائها في معهد فاراداي في جامعة كامبردج يوم الثلاثاء, الدكتور باريت سيروي اختبار نفسي تم القيام بها على أطفال يؤكد بأنهم و بشكل فردي يؤمنون بأن كل شيء مخلوق لسبب محدد.
في دراسة واحدة, تم سؤال أطفال بعمر السادسة و السابعة عن سبب وجود الطير الأول فأجابوا "لاصدار أصوات جميلة" و "لتجعل العالم يبدو جميلا".
و أظهر اختبار آخر على أطفال بعمر 12 شهرا بأنهم تفاجؤ عند مشاهدنهم لفيلم يظهر فيه طابة متدحرجة صنعت جدارا منظما من كومة قطع مبعثرة.
و يقول الدكتور باريت بأنه يوجد دليل آخر وهو بأن الأطفال -حتى في عمر الأربع سنوات- يفهمون بأنه مع كون بعض الأشياء هي من صنع الانسان,


العالم الطبيعي مختلف عن ذلك.
و يضيف بأن ذلك يعني بأن الأطفال يميلون للايمان بالخلق و ليس بالتطور, بغض النظر عما سيقوله لهم المعلمون أو الأهل.
و يقول الدكتور باريت بأن علماء الانسان قد وجدوا في بعض الثقافات أطفال يؤمنون بالله مع أن التعاليم الدينية ليست في متناولهم.
"العقول الناشئة بشكل طبيعي للأطفال تجعلهم يميلون للايمان في خلق الاهي و تصميم ذكي بدل التطور فهو غير طبيعي للعقول البشرية و صعب التقبل و الاستيعاب.
بقلم مارتن بيكفورد
مراسل الشؤون الدينية في صحيفة التلغراف (1)



من كل ما سبق نقول يقينا إن الدين إن كان أكذبوة فإن البشرية كلها أكذوبة لانها لم تعش يوما دون دين .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ

لقد أثبتنا وجود الدين و وجود الغريزة الدينية .

و لكن هل وجود هذه الغريزة دليل على حقيقة الدين و صوابيته ؟

طبعا .

ما الدليل ؟
الدليل أنه لا يمكن للإنسان أن يحس بحاجة لشيء غير موجود , فلا يمكن عقلا أن يحس الإنسان بالميل الجنسي و لا يوجد جنس آخر يميل إليه , و لا يمكن عقلا أن يحس الإنسان بغريزة البقاء و لا يوجد شيئ يهدد حياته, كأن يكون خالدا مثلا .

يقول كارل كوستاف يون : Carl Jung هو عالم نفس سويسري ومؤسس علم النفس التحليلي. , في كلامه عن الظاهرة الدينية .


إن الوجود النفسي ذاتي اذا طرأت الفكرة لشخص واحد فحسب و لكنه موضوعي اذا كان ثمة مجتمع قد اقر هذه الفكرة .

المرجع السابق: الدين و التحليل النفسي صفحة 19

فهو يعتبر مجرد وجود الفكرة لدى كثيرين دليلا على موجودها الموضوعي , فهي ليست تجربة ذاتية .

أخيرا أقول : لا يمكن أن يوجد المستقبِل دون وجود المؤثِر .

كما أنه لا يمكن أن يوجد خرم في الثلاجة التي في منزلي إلا و له برغي صمم خصيصا لهذا الخرم .

فوجود غريزة التدين في البشر كمستقبل لهو دليل يقيني على وجود الدين كحقيقة مؤثرة تأخذ شكل هذا المستقبل و تستقر فيه .

لقد أراد محاوري في التوطئة لهذا الحوار دليلا على وجود الروح .
سنجيب بشيىء من التفصيل لأن الموضوع مرتبط بحوارنا فإذا ثبت وجود الروح فقد ثبت وجود الدين كحقيقة مرتبطة بالله سبحانه .

الروح :


الإنسان كائن حي، مكون من مادة، وقد خلق الله آدم من طين، قال تعالى : (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) .
فتساءل البشر عن ماهية الروح، وسألوا الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم عنها، فجاء الوحي بجواب من رب العالمين : (ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) .
فالروح، أمر من الله سبحانه، وضعه في الإنسان، وأسنده إلى نفسه، فقال : (نفخت فيه من روحي).
ولم يدرك الإنسان واقع هذه الروح، ولكنه أدرك أنها موجودة من إدراكه مظاهرها، فالروح هي سر الحياة و هي التي تشكل شخصية الانسان و احيانا يطلق عليها الوعي او العقل .
فهي الجانب غير المادي من شخصية الانسان ( الجوانب المادية كالشكل و الصوت و الرائحة ) , فالانسان في المنظور الديني هو روح تسكن في جسد مادي .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلفه عليه ، ثم يقول : باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين "

يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ في كتابه الحكيم: )الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ([سورة الزمر: 42].وبذلك يبين لنا سبحانه وتعالى ثلاث حالات للنفس أو الروح، وهي: التوفي، والإمساك، والإرسال، ففي المنام وحين الموت يتوفى الله الأنفس، فإن كان موتاً أمسكت النفس فلا تعود لجسدها، وإن كان مناماً أرسلت ثانية إلى أن يحين أجلها، أي: الموت. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته حين ناموا ففاتتهم الصلاة: (إن الله قبض أرواحكم حيث شاء وردها حيث شاء) (أخرجه البخاري [1/154]) وهكذا نرى أن صلة الروح بالجسد أثناء المنام تختلف تماماً عن حالة اليقظة، فالله يتوفى الروح أو يقبضها في المنام وبذلك تتحرر الروح وتخرج من قيود الجسد التي تحد من قدرتها وإمكانيتها لتدخل حالة التوفي وهي حالة خاصة يظهر فيها من وقت لآخر ما لتلك الروح من قدرات يختفي معها حاجز الزمن وحاجز المكان، فهي تستطيع أن تستقبل ما لا يدركه الإنسان بحواسه المعروفة ضيقة المدى وإدراكه المحدود بإمكانية البشرية حبيسة الزمان والمكان، فالروح جوهر يخالف في مادته عن جوهر البدن الأرضي الترابي، ولذلك يمكنها أن تتلقى من الأحاديث، وتظل الروح على اتصال بجسم النائم بصورة لا يعلمها إلا الله، فتنقل إليه كل ما تلقاه، ولكن بصورة رمزية قد يصعب تأويلها في كثيرٍ من الأحيان.
فالنوم كصفة من صفات الإنسان تلازمه طوال حياته، فهو ليس نقيضاً للحياة ولا مرادفاً للموت، وإنما تتوفى فيه النفس ثم ترسل ثانية، وبذلك يظل الجسد حياً بعكس الموت الذي يتم فيه إمساك روحه، فتتوفى الروح، ثم إرسالها في النائم يغاير تماماً توفي الروح ثم إمساكها بالنسبة للميت، ولذلك يظل النائم حياً بكل ما تحمله الحياة من مدلولات، إلا أنه يفقد ما تضفيه عليه الروح من صفات العقل والإدراك والانفعال والإرادة بالإضافة إلى الإحساس بالزمن، ولكن تظل العمليات الحيوية الكيميائية والفيزيائية تعمل تلقائياً بكل خلاياه أي يصبح الجسد آليا ماديا مع اتصال مع الروح التي تكون في عالم آخر ، ولذلك كان القول بأن النوم هو الموت الأصغر له دلالاته الإيجابية الموحية، فنفس النائم يتوفاها الله ويرسلها عند الاستيقاظ، والنائم يرى من رموز الغيب ودلالاته ما لا يدركه الإنسان المستيقظ، وما يخرج عن إمكانيات الحواس المادية والقدرات الجسدية الفسيولوجية المعروفة، وإنما يدل على إمكانيات وقدرات الروح، وهي في حالة التوفي أثناء المنام، وكلها دلائل على وجود عوالم أخرى وآفاق غيبية لا يعلمها إلا الله، كما أن النوم يفقد الإنسان إحساسه بالزمن، فالنائم ساعة كالنائم يوماً كالنائم سنوات لا يدرى كم من الوقت مضى عليه وهو نائم، ويبدو الأمر بالنسبة له فترة زمنية لا تتعدى ساعات قليلة، إن أهل الكهف ناموا )ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً(وقاموا من رقودهم يتساءلون بينهم: )قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم قالوا: ربكم أعلم بما لبثتم ([سورة الكهف:].

مسألة ان الرؤى أو الأحلام قد تتحقق مسألة ثبتت بالإخبار المتواتر بل لا أظن أن أحدا من الناس إلا و له رؤيا أو اثنتان قد تحققتا في يوم من الأيام .
مثلا أنا قد رأيت بعض الرؤى و تحققت.
لا تحبل امرأة في عائلتنا إلا و رأت أمي مناما تعرف من خلاله جنس المولود بل و عدده إذا كان توأم , و ذلك قبل أي تصوير طبي .
و هذا تكرر عدة مرات .
فهذا دليل يقيني على وجود الروح و إنها حين النوم تفارق الجسد و تذهب إلى عالم لا يعلمه إلا الله .
و إلا فإننا نطالب الزملاء اللادينيين و أطالب محاوري بتفسير مادي لهذه الرؤى و تحققها .

قلنا أن الروح من أهم مظاهرها الوعي و الادراك بمعنى هي شخصيتنا الساكنة في آلة الجسد , و هذا مستنبط من الأدلة الشرعية و العقلية .
فهل هناك من أدلة علمية على هذا ؟
نعم يوجد تجارب علمية تؤيد ما ذهبنا إليه .

فهناك أبحاث علمية تشير الى وجود الروح ككيان منفصل عن المادة و موجها لها , و سأنقل بعض المقتطفات من كتاب العلم في منظوره الحديث طبعة عالم المعرفة – فصل العقل .

ولقد جاء القرن العشرون بكشوف رائعة عن الفسيولوجيا، ولكنها لم تكن بأي حال من النوع المتوقع . فالكشوف الجديدة لم تكمل النظرة القديمة ، ولكنها قدمت نظرة جديدة بدات بالسير تشارلز سرنغتون الذي يعتبر مؤسس فسيولوجيا الأعصاب الحديثة . ونتيجة بحوثه الرائدة في الجهاز العصبي والدماغ خلص شرنغتون إلى مايلي " هكذا ظهر فرق جذري بين الحياة والعقل . فالحياة هي مسألة كيمياء وفيزياء ، أما العقل فهو يستعصي على الكيمياء والفيزياء".
ويوافق على ذلك السير جون اكلس ، المتخصص في مبحث الأعصاب ، فيقول : " التجارب التي تنم عن الوعي تختلف في نوعها كل الاختلاف عما يحدث في آلية الأعصاب . ومع ذلك فإن مايحدث في آلية الأعصاب شرط ضروري للتجربة . وإن كان هذا شرطاً غير كاف ".
فلنورد مثالا لتوضيح المراد من أقوال اكلس وشرنغتون ، ماذا يحدث ، مثلا ، عندما يرى سقراط شجرة؟ تدخل أشعة الشمس المنعكسة من الشجرة في بؤبؤعين سقراط ،و تمر من خلال العدسة التي تركز صورة مقلوبة ومصغرة للشجرة على شبكة العين فتحدث فيها تغيرات فيزيائية وكيميائية .فهل هذا هو الإبصار ؟ كلا ، إذ لو كان سقراط فاقد الوعي لأمكن تركيز تلك الصورة على شبكية عينيه ، محدثة نفس التغيرات الفيزيائية والكيمائية ، ولكنه في هذه الحالة لايبصر شيئا. وبالمثل ، تركز آلة التصوير على صورة ما ، فيتعرض " الفيلم " الموجود في الآلة لتغيرات فيزيائية وكيميائية،ولكن آلة التصوير لاتبصر بالمعنى الحرفي في الألوان والأشكال التي تسجلها.


ويؤكد أكلس على سر الإدراك الحسي فيتسائل " أليس صحيحاً أن أكثر تجاربنا شيوعاً تقبل دون أي تقدير لما تنطوي علي من غموض هائل ؟ ألسنا لا نزال كالأطفال في نظرتنا إلى مانقبله من تجاربنا المتعلقة بالحياة الواعية . فلا نتريث إلا نادراً للتفكير في أعجوبة التجربة الواعية أو لتقديرها ؟ فالبصر ، مثلا ، يعطينا في كل لحظة صورة ثلاثية الأبعاد لعالم خارجي ، ويركب في هذه الصورة من سمات الإلتماع و التلون مالاوجود له إلا في الإبصار الناشيء عن نشاط الدماغ . ونحن بالطبع ندرك الآن النظائر المادية لهذه التجارب المتولدة من الإدراك الحسي كحدة المصدر المشع والطول الموجي للإشعاع المنبعث . ومع ذلك فعمليات الإدراك ذاتها تنشأ بطريقة مجهولة تماما عن المعلومات المنقولة بالرموز من شبكية العين إلى الدماغ.
فالصورة التي تسلط على الشبكية ، مثلا ، لاتعود أبدا إلى الظهور مجددا في الدماع ، بل لابد للعقل الواعي من أن يعيد تركيبها من أنماط النبضات المرموزة. فكل عملية إدراك حسي تتكون من ثلاث مراحل : المنبه الأصلي لعضو الحس ، والنبضات العصبية المرسلة إلى الدماغ ، ونمط النشاط العصبي المثار في الدماغ ، ويلخص أكلس هذه العملية فيقول : " أن عملية النقل من عضو الحس إلى قشرة المخ تستخدم نمطا من النبضات العصبية معبراً عنها برموز تشبه رموز مورس ، وتنحصر فيها النقاط في تسلسلات زمنية شتى . ومن المؤكد أن هذا النقل المرموز يختلف تمام الإختلاف عن عملية الحفز الأصلي لعضو الحس المعني ، كما أن النمط المكاني / الزماني للنشاط العصبي المثار في قشرة المخ مختلف هو الآخر كل الأختلاف .


إذا فالنشاط الفسيولوجى و الكيميائى للدماغ وفقا للنظرة العلمية الجديدة أمر ضروري للإحساس متزامن معه ولكنه ليس الإحساس بعينه والمادة وحدها لا تستطيع أن تفسر الإدراك الحسى فالنظرة القديمة تستطيع أن تتحدث عن الموجات الضوئية والتغيرات الكيميائية والنبضات الكهربائية فى الأعصاب ونشاط خلايا المخ أما عن عمليات الإبصار و الشم و الذوق و السمع واللمس ذاتها فليس عند المادية ما تقوله .
إن الإدراك الحسى حقيقة ولكنة ليس المادة ولا هو من خواص المادة وليس فى مقدور المادة ان تفسره ومن هنا يخلص شرنغتون الى ان كون وجودنا مؤلفا من عنصرين جوهريين أمر ليس فى تصورى ابعد احتمالا بطبيعته من اقتصاره على عنصر واحد فالنظرة الجديدة تفترض وجود عنصرين جوهريين فى الإنسان : الجسم و العقل .
لقد تناولنا بالبحث حتى الآن مثالا واحدا وهو الإدراك الحسى ولكن ماذا تقول النظرة الجديدة عن العقل البشرى قبل ان نطرف هذه المسالة يلزم أولا ان نميز بوضوح بين العقل وملكتنا العقلية الأخرى وسنفعل ذلك بإيجاز وبطريقة معقولة استنادا الى ما نشترك فيه جميعا من تجارب داخلية.
فنحن نلاحظ أن النباتات تتحرك من خلال النمو ، غير أنها لا تدرى إلى أين تمضى . فالشجرة تمد جذورها إلى أعماق التربة ، لا لأنها تدرك أن الماء والمواد المغذية موجودان هناك . ومن جهة أخرى ، فالحيوانات تدرك بحواسها إلى أين تمضى ، ولكنها لا تدرى لماذا . فالعصفور ، مثلا بفضل قدرته على الإبصار ، ينتقى المواد المناسبة لبناء عشه ، و غير انه لا يبنى هذا العش لأنه يدرك أن ذلك ضرورى للتوالد بل إن ردود فعل العصفور تثيرها حوافز معينة بطريقة أليه فشمس الربيع الدافئة تجعل الغدد النخامية عند العصفور تفرز بعض الهرمونات التى تحرك نشاط بناء العش والعصافير التى تحقن بهرمون الإستروجين الأنثوى تشرع فى بناء الأعشاش فى غير أوانها .
النباتات تحرك نفسها ، ولكنها لا تدرى إلى أين تمضى والحيوانات تدرك إلى أين تمضى ، ولكنها لا تعرف السبب ولإكمال مراتب الأحياء لا بد من وجود مخلوقات لا تعرف فقط إلى أين تمضى ، ولكن لماذا تمضى ايضا ونحن البشر نشكل هذه المخلوقات ، والملكة التى تمكننا من فهم علل الأشياء تسمى العقل أو الفكر وهى تسمى كذلك سلطان العقل ( power reason ) لأننا بواسطتها نتعرف على علل الأشياء وما من قوة حسية تستطيع أن تؤدى هذه الوظيفة . فاللسان ، مثلا ، يدلنا على أن البحر مالح ولكنه لا يفسر لنا علة ملوحته .
والعقل كذلك يمكننا من إدراك ما هية الأشياء و هو أمر لا تستطيع الحواس القيام به ولا ملكة الخيال ذاتها فإذا حاولنا مثلا أن نتخيل ما هو الحيوان فالصورة التى ترتسم فى أخيلتنا الحسية تختص بحيوان بعينه له صفات محددة من حيث الحجم والشكل واللون ومن المستحيل تكوين صورة حسية لما يشترك فيه جميع الحيوانات ومع ذلك فليس من المستحيل على العقل أن يفهم ما هو الحيوان .
والمكان الذى يتحدث عنه أينشتاين لا يمكن تصوره يقول عالم الفيزياء الفلكية وليم كوفمان ( william kaufman ) ما نصه : ومن المستحيل عمليا أن نتصور متصل المكان و الزمان الملتوى ذا الأبعاد الأربعة فالمكان الرباعى الأبعاد لا يستطيع أن يحس به أو يتخيله حتى علماء الفيزياء والرياضيات ولكن يمكن فهمه والعقل فى مجال العلوم يسمو على قيود الخيال وهو حاسة داخلية فالعقل البشرى إذا ليس متميزا من الخيال فحسب بل هو قدرة إدراكية تفوقه بكثير والعقل لا الحواس هو الذى يصنع العلم لأنه وحده يستطيع أن يستكشف ماهية الأشياء وعللها .
وأخيرا هناك ملكة أخرى تفصلنا عن عالم الحيوان وهى الإرادة ومن اليسير التمييز بين الإرادة والعاطفة لأن الاثنين يمكن أن تتصادما و الأعمال الجريئة تبرهن على أن الإرادة تفرض نفسها حتى على الخوف من الموت فالعواطف تثيرها الحواس ولكن الإرادة تختار وفقا لما يراه العقل ( reason ) بل إننا كثيرا ما نقول إن فلانا من الناس قد تغلب على عاطفته لأنه كان عنده سبب وجيه للقيام بذلك فالحيوان يتبع حكم الإحساس والعاطفة ولكن الإنسان يتمتع بقدرة على الاختيار وفقا لما يفهمه عقله .
أما وقد رأينا ما يميز العقل البشرى والإرادة البشرية من ملكاتنا الأخرى ففى وسعنا الأن أن نعود إلى مسالة ما تقوله النظرة الجديدة بشأن العقل والإرادة وفيما يتعلق بالعلاقة بين العقل والإرادة تم بعض أروع اكتشافات القرن العشرين خلال عمليات جراحية أجراها ويلدربنفيلد على أدمغة ما يربو على ألف مريض فى حالة الوعى وملاحظات بنفيلد حول وظيفة الدماغ تفوق فى حجيتها وكمالها جميع الإدلة السابقة غير المباشرة المستفادة من بحوث أجريت على حيوانات ومن عمليات جراحية أجريت على أدمغة أشخاص مبنجين وكان بنفيلد ، و الذى يعود له الفضل الأول فى ادماج مباحث الأعصاب وفسيولوجيا الأعصاب وجراحة الأعصاب ، وقد شرع فى بحوثه الرائدة فى الثلاثينات من هذا القرن غير أن الأثار الكاملة المترتبة على اكتشافه لم تتضح إلا حين نشر كتابه المسمى ( لغز العقل ) ( the mystery of the mind ) .
إن بعض أنواع الصرع قابل للعلاج عن طريق الجراحة فبعد أن يبنج الجراح المريض تبنيجا عاما ، ويزيل بطريقة جراحية جزءا من جمجمته لتعريض الدماغ يعيده إلى وعيه ونظرا لانعدام الإحساس فى الدماغ نفسه يستطيع الجراح أن يستكشفه بواسطة الالكترود ( القطب الكهربائى ) وأن يحدد مستعينا بالمريض موقع الخلايا التى تسبب النوبات الصرعيه وأن يزيل هذه الخلايا .
وفى عام 1993 اكتشف بنفيلد بمحض الصدفة أن تنبيه مناطق معينه فى الدماغ بالكهرباء تنبيها خفيفا يحدث استرجاعا فجائيا للذاكرة عند المريض الواعى لقد ساورت بنفيلد الشكوك أول الأمر ، ثم أخذته الدهشه فعندما لامس الالكترود قشرة مخ شاب تذكر هذا الشاب أنه كان جالسا يشاهد لعبة ( بيسبول ) فى مدينة صغيرة ويراقب ولدا صغير يزحف تحت السياج ليلحق بجمهور المتفرجين وهناك حالة مريضة أخرى سمعت الات موسيقية تعزف لحنا من الألحان ويروى بنفيلد هذا الخبر فيقول اعدت تنبيه الموضع نفسه ثلاثين مرة محاولا تضليلها وأمليت كل استجابة على كاتبه الاختزال وكلما أعدت تنبيه الموضع كانت المريضة تسمع اللحن من جديد وكان اللحن يبدأ فى المكان نفسه .ويستمر من اللازمة إلى مقطع الاغنية وعندما دندنت ، مصاحبة الموسيقا ، وكان ايقاعها يسير بالسرعة المتوقعة له .

وكان المرضى يحسون دائما بالدهشة لتذكر الماضى بمثل هذه التفاصيل الحية ويفترضون على الفور أن الجراح هو المسؤول عن تنبيه الذاكرة التى ما كانت تتاح لولاه وكان كل مريض يدرك أن التفاصيل هى من واقع تجارية الماضية وكان من الواضح أن الأشياء التى كان قد أولاها عنايته هى وحدها التى أودعها فى محفوظات دماغه .
وكان بنفيلد من وقت لأخر يحذر المريض أنه سينبه دماغه ولكنه لا يفعل ذلك وفى مثل هذه الحالات لم يكن المريض يذكر أى ردود فعل إطلاقا .
ثم إن ملامسة المنطقة الخاصة بالنطق فى الدماغ تؤدى إلى فقدان مؤقت للقدرة على الكلام ( حبسه ) عند المريض ونظرا لانعدام الإحساس فى الدماغ فالمريض لا يدرك أنه مصاب بالحبسه إلا عندما يحاول أن يتكلم أو يفهم الكلام فيعجز عن ذلك ويروى بنفيلد ما حدث ذات مرة ( أخذ أحد مساعدى يعرض على المريض صورة فراشة وضعت الالكترود ( القطب الكهربائى ) حيث كنت أفترض وجود قشرة المخ الخاصة بالنطق فظل المريض صامتا للحظات ثم طقطق باصابعه كما لو كان غاضبا ثم سحبت الالكترود فتكلم فى الحال وقال : الأن أقدر على الكلام إنها فراشة لم اكن قادرا على النطق بكلمة ( فراشة ) فحاولت أن أنطق بكله ( عثة )
لقد فهم الرجل بعقله الصورة المعروضة على الشاشة وطلب عقلة من مركز الكلام فى دماغه أن ينطق بالكلمة التى تقابل المفهوم المائل فى ذهنه وهذا يعنى أن ألية الكلام ليست متماثلة مع العقل ، وإن كانت موجهة منه فالكلمات هى أدوات تعبير عن الأفكار ، ولكنها ليست الأفكار ذاتها وحين عجز المريض عن التفوه بالكلمة لانسداد الكلام عنده استغرب وأمر بالبحث عن اسم شىء مشابه هو ( العثه ) وعندما فشل ذلك أيضا طقطق بأصابعه غضبا ( إذ إن هذا العمل الحركى لا يخضع لمركز الكلام ) وأخيرا عندما انفتح مركز الكلام عند المريض شرح تجربته الكاملة مستخدما كلمات تناسب أفكاره وقد استنتج بنفيلد أن المريض حصل على كلمات من آلية الكلام عندما عرض مفاهيم ونحن نستطيع الاستعاضة عن ضمير الغائب فى عملية الاستبطان هذه بكلمة عقل فعمل العقل ليس عملا أليا )
وتوصل بنفيلد إلى نتائج مماثلة فى مناطق الدماغ التى تضبط الحركات : ( عندما جعلت أحد المرضى يحرك يده بوضع الالكترود على القشرة الحركية فى أحد نصفى كرة دماغه كنت أساله مرارا عن ذلك وكان جوابه على الدوام ( أنا لم احرك يدى ولكنك أنت الذى حركتها ) وعندما أنطقته قال : أنا لم أخرج هذا الصوت أنت سحبته منى )
وهذه الحركات اللااديه تشبه إجفال ساق المريض لنقرة خفيفة بمطرقة الطبيب وكلنا يدرك أن مثل هذه الحركات ليست أفعالا إرادية ويلخص بنفيلد ذلك بقوله : إن الالكترود يمكن أن يخلق عند المريض احاسيس بسيطة متنوعة كأن يجعله يدير رأسه أو عينيه أو يحرك أعضاءه أو يخرج أصواتا أو يبلع وقد يعيد إلى الذاكرة إحساسا حيا بتجارب ماضية ، أو يوهمه بأن التجربة الحاضرة هى تجربة مألوفة أو أن الأشياء التى يراها تكبر وتدنو منه ولكن المريض يظل بمعزل عن كل ذلك وهو يصدر أحكاما على كل هذه الأمور وربما قال : إن الأشياء تكبر ) ولكنه يستطيع مع ذلك أن يمد يده اليسرى ويقاوم هذه الحركة .
ونتيجة مراقبة مئات المرضى بهذه الطريقة ينتهى بنفيلد إلى أن عقل المريض الذى يراقب الموقف بمثل هذه العزلة والطريقة النقدية لا بد من أن يكون شيئا أخر يختلف كليا عن فعل الاعصاب اللاإرادي ومع أن مضمون الوعى يتوقف إلى حد كبير على النشاط فالإدراك نفسه لا يتوقف على ذلك .
وباستخدام أساليب المراقبة هذه استطاع بنفيلد أن يرسم خريطة كاملة تبين مناطق الدماغ المسؤولة عن النطق و الحركة وجميع الحواس الداخلية و الخارجية غير انه لم يكن فى المستطاع تحديد موقع العقل أو الإرادة فى اى جزء من الدماغ فالدماغ هو مقر الإحساس و الذاكرة والعواطف والقدرة على الحركة ولكنه فيما يبدو ليس مقر العقل أو الإرادة .
ويعلن بنفيلد أنه ما من عمل من الأعمال التى نعزوها إلى العقل قد ابتعثه التنبيه بالالكترود أو الإفراز الصرعى ) ويضيف قائلا : ( ليس فى قشرة الدماغ أى مكان يستطيع التنبيه الكهربائى فيه أن يجعل المريض يعتقد أو يقرر شيئا و الالكترود يستطيع أن يثير الأحاسيس و الذكريات غير أنه لا يقدر أن يجعل المريض يصطنع القياس المنطقى ، أو يحل مسائل فى الجبر بل إنه لا يستطيع أن يحدث فى الذهن أبسط عناصر الفكر المنطقى والالكترود يستطيع أن يجعل جسم المريض يتحرك ولكنه لا يستطيع أن يجعله يريد تحريكه إنه لا يستطيع أن يكره الإرادة فواضح أذا أن العقل البشرى و الإرادة البشرية ليس لهم أعضاء جسدية .
وبناء على ما تقدم لا ترى النظرة الجديدة استحالة فى تاثر الإرادة فى المادة ويشرح اكلس ذلك فيقول : تعلمت بالتجربة الثابتة أننى بالتفكير والإرادة أستطيع أن أتحكم بافعالى إذا شئت ذلك وليس فى وسعى أن أفسر تفسيرا علميا كيف يستطيع التفكير أن يؤدى إلى الفعل ، ولكن هذا العجز يأتى مصداقا لكون علوم الفيزياء والفسيولوجيا فى وضعها الراهن بدائية للغاية وأعجز من أن تتصدى لهذه المهمة العسيرة وحين يؤدى التفكير إلى الفعل أجدنى مضطرا كعالم متخصص فى الأعصاب إلى افتراض أن تفكيرى يغير بطريقة تستعصى على فهمى تماما أنماط النشاط العصبى التى تؤثر فى دماغى وهكذا يصبح التفكير يتحكم بشحنات النبضات الناشئة فى الخلايا الهرمية الشكل للقشرة الحركية فى دماغى كما يتحكم أخر الأمر بتقلصات عضلاتى والأنماط السلوكية الناشئة منها .
فاذا كانت الإرادة البشرية غير مادية فليس مما ينافى العقل أن تتصرف بغير طرق المادة أى بحرية اختيار ومن ثم فالنظرة الجديدة لا ترى فى الاعتراف باستقلال الإرادة فينا أى مجانبة للأسلوب العلمى ويخلص من ذلك إلى أنه ليس هناك إذا أسباب علمية وجيهة لإنكار حرية الإرادة ، والتى لا بد من افتراض وجودها إذا أردنا ان نتصرف كباحثين علميين بل إن إنكار حرية الإرادة يجعل من العلم كله أمرا منافيا للعقل فعلى العالم ألا يسأل : ما هو الصحيح ؟ بل ما هو الذى نحن مهياون لاعتقاده ويقول الفيزيائى كارل فون فايتز ساكر ( الحرية شرط من شروط التجربة فانا لا أستطيع أن أجرى التجارب إلا حين لا يكون فها فعلى وتفكيرى محكومين بالظروف والحوافز والعادات بل بحرية اختيارى )
زد على ذلك أن النظرة الجديدة لا ترى فى قدرة العقل على توجيه انشطة الدماغ أمر مستحيلا ويصف عالم الأعصاب روجر سبرى الثورة الفكرية التى حدثت فى علم النفس خلال السبعينات من هذا القرن والتى أحدثت انقلابا مثيرا فى معالجة الوعى فيقول : ( لقد قلبت المبادىء السلوكية التى سادت طوال نصف قرن ونيف وأخذ علم النفس فجاة يعالج أحداث ذاتية كالصور الذهنية والأفكار الباطنية والأحاسيس و المشاعر و الأفكار وما إليها بوصفها عوامل ذات دور سببى حقيقى فى وظيفة الدماغ وفى السلوك وأصبحت مضامين الأستبطان وعالم التجارب الداخلية كلها مقبولة على نحو فجائى كعوامل تستطيع أن تؤثر فى العمليات الفيزيائية والكيميائية التى تتم فى الدماغ ولم تعد تعامل بوصفها جوانب منفعلة وغير موجودة .
وينتهى سبرى من ذلك إلى أن الخواص المخية العليا للعقل والوعى هى التى تملك زمام الأمر فهى تكتنف التفاصيل الفيزيائية والكيميائية وتحملها وتهيمن عليها وهى التى تحدد الحركات وتتحكم نزوليا بحركة النبضات العصبية ونموذجنا الجديد أى المبدأ الذهنى – هو الذى يشغل العقل والخواص الذهنية ويعطيها سبب وجودها وتطورها فى نظام مادى .
إن المعرفة والقيادة تتطلبان قدرا من البعد فلا يمكن أن يكون العقل ظاهرة ثانوية مصاحبة لألية الأعصاب إذا أريد له أن يعاين ويوجه الكل ويقول بنفيلد : ( أن العقل لا الدماغ هو الذى يراقب ويوجه فى أن معا فالعقل هو المسؤول عن الوحدة التى نحس بها فى جميع أفعالنا وأفكارنا و أحاسيسنا وعواطفنا ويضيف اكلس ( إن وحدة التجربة الواعية يتيحها العقل الواعى نفسه لا ألية الأعصاب)
ولو كان الدماغ حاسبة الكترونية بالغة التعقيد فلا بد له إذا شأنه شأن الحاسبة من أن يوجه من قبل العقل ويقول بنفيلد ( إن الحاسبة الالكترونية و الدماغ هو كذلك لا بد من أن تبرمجها وتديرها قوى قادرة على الفهم المستقل ويحدد بنفيلد دور العقل هكذا : ( إن ما تعلمنا أن نسميه العقل هو الذى يركز الانتباه فيما يبدو والعقل يعى ما يدور حوله وهو الذى يستنبط و يتخذ قرارات جديدة وهو الذى يفهم ويتصرف كما لو كانت له طاقة خاصة به وهو يستطيع أن يتخذ القرارات وينفذها مستعينا بمختلف أليات الدماغ و هكذا فان توقع العثور على العقل فى احد اجزاء الدماغ او فى الدماغ كله ، واشبه بتوقع كون المبرمج جزءا من الحاسبة الالكترونية .
وبناء على الأدلة سالفة الذكر لا يرى بنفيلد أى أمل فى النهج المادى للنظرة القديمة إزاء العقل فيعلن : إن توقع قيام ألية الدماغ العليا أو أى مجموعة من ردود الفعل ، مهما بلغت من التعقيد بما يقوم به العقل ، وبأداء جميع وظائفة أمر محال تماما ويوافق عالم الإحياء أدولف بورتمان على ذلك فيقول : ( ما من كمية من البحث على النسق الفيزيائى أو الكيميائى .يمكنها أبدا أن تقدم صورة كاملة للعمليات النفسية والروحية والفكرية .
كما أن بنفيلد لا يتوقع أن يقوم علم وظائف الأعضاء فى المستقبل كما كانت تتوقع النظرة القديمة بإظهار اتبثاق العقل من المادة فيقول : ( يبدو من المؤكد أن تفسير العقل على أساس النشاط العصبى داخل الدماغ سيظل أمر مستحيلا كل الاستحالة ) ولذلك فهو يرى أنه أقرب إلى المنطق أن نقول أن العقل ربما كان جوهرا متميزا ومختلفا عن الجسم )
ومن دواعى السخرية أن بنفيلد بدا أبحاثة بهدف اثبات العكس تماما فيقول : ( طوال حياتى العلمية سعيت جاهدا كغيرى من العلماء إلى إثبات أن الدماغ يفسر العقل فهو قد بدأ مسلحا بجميع افتراضات النظرة القديمة غير أن الأدلة حملته أخر الأمر على الإقرار بأن العقل البشرى و الارادة البشرية حقيقتان غير ماديتين ويعلن بنفيلد ياله من أمر مثير إذا ، أن نكشف أن العالم يستطيع بدوره أن يؤمن عن حق بوجود الروح وإذا كان العقل والإرادة غير مادتين فلا شك أن هاتين الملكتين على حد تعبير اكلس ( لا تخضعان بالموت للتحلل الذى يطرأ على الجسم والدماغ كليهما ) .انتهى .

العلم في منظوره الجديد – عالم المعرفة تأليف :روبرت م.أغروس و جورج ن.ستانسيو
ترجمة:د.كَمَال خلايلي


عذرا للاطالة في النقل و لكن البحث جميل جدا و مهم في موضوعنا , فلقد ثبت ان العقل أو الإرادة أو الوعي و كلها من مظاهر الروح التي تذهب بذهابها مؤقتا مثلا عند النوم , ثبت علميا ان هذه الروح هي كيان غير مادي يسكن في هذه المادة و هي سبب وعينا و ادراكنا و شخصيتنا .
فكيف ينبثق كيان غير مادي عن المادة ؟
أترك الجواب لمحاوري .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ

إذا كان هناك إله فلماذا يتدخل فينا و يفرض علينا دينا معينا ؟


و الأجابة ستكون على عدة محاور .
المحور الأول : قياس الإنسان على باقي المخلوقات : و سنفصل فيه هنا .
المحور الثاني : بما انه قد ثبت وجود التدين كمستقبل فإن وجوده كمؤثر هو وجود حقيقي أي أن الله قد بعث فعلا الديانات لنا و هذا فصلناه سابقا .
المحور الثالث : إثبات أن الله فعلا بعث لنا دينا و ذلك بإثبات إن الاسلام هو دين حق من عند الله .
و هذا الأخير سنفصل فيه في المحور الثاني من الحوار .


المحور الأول : قياس الإنسان على باقي المخلوقات :
قبل أن نفصل أقول بأن هناك حجة ديكارت حول المخلوق الكامل و التي تدل على أن الله كامل أي لا يعبث أي لا بد سيبعث لنا دينا و إلا كان خلقه لنا عبثا.
و لكن لن نستخدمها لأن تعريف العبث سيكون عسيرا بعض الشيىء و سنقع في اختلافات لن تودي لنتيجة .
لذلك أرى القفز الى هذا القياس و هو قياس الإنسان على باقي المخلوقات , و لا ننسى أننا نسلم جدلا هنا بوجود الله .
أقول ,,,
إن الإنسان هو مخلوق من المخلوقات و جنس من الأجناس التي خلقها الله سبحانه .
و قد جعل الله لكل جنس من الاجناس و لكل مخلوق و حيوان نظاما خاصا و طرازا معينا في العيش , فنرى مثلا نظام تعدد الزوجات عند الدجاج , و نرى نظام القائد و القطيع عند الجواميس , و المعيشة الفردية عند اسماك القرش .
نرى بعض الحيوانات مخلصة لازواجها و اولادها , و نرى اجناسا اخرى قد تأكل اولادها او قد تنكحهم ,,,, الخ من الانظمة المختلفة .
اجناس لاحمة و أخرى نبايتة و اخرى مختلطة .
و هذه الحيوانات في كل اتباعها لهذه الانظمة فإنها تكون مسيرة آليا ( كما في المثال السابق حول الطائر و العش ) .
و لا أظن أن احدا يجادل بوجود النظام عند الاجناس الحيوانية .
أما الإنسان فأنه رغم أن لديه طاقة حيوية و لكن كيفية اشباع هذه الطاقة يختلف و يتفاوت فلا نرى نظاما معينا اتبعته البشرية في حياتها .
فنرى اقواما تبيح تعدد الزوجات و اخرى تبيح تعدد الازواج و اخرى تاخذ بنظام الزوجة الواحدة فقط .
نرى اناسا يأكلون كل ماهب و دب كما في الصين و نرى اناسا لا يأكلون اللحم مثلا .
نرى أفعالا تكون محرمة يعاقب عليها القانون في بلد معين و يكون مسموحا به في البلد الذي بقربه تماما .
و هكذا فإن اختلاف القوانين بين بني البشر و بين الدول و الحضارات أمر معروف و لا داعي للشرح أكثر .
اي إن البشر بعكس باقي المخلوقات ليس لهم نظام واحد قسري ( بمعنى آلي ) يجمعهم.

الآن سيأتي محاوري و يقول : طبعا ستختلف القوانين لأن البشر مختلفون .
و سنرد عليه ’ لا البشر غير مختلفين .
أعيدها ’ البشر غير مختلفين .
مرة أخرة
البشر غير مختلفين .
فلقد أثبتنا أن الإنسان هو روح و مادة لها حاجات عضوية و غرائز حيوية , و هذه الاشياء لم تتغير و لن تتغير و هي موجودة في كل إنسان .
و بما أن القانون أو النظام هو معالجات لاشباع هذه الطاقة فإن المعالجات تبقى كما هي مادامت الطاقة الحيوية ثابتة لم تتغير .
و الآن نقول
بما أنه قد ثبت أن الله قد وضع نظاما للكائنات .
و معروف أن الانسان كائن .
اذا فلا بد أن الله قد وضع نظاما للانسان و هو الدين .
الفرق بين الانسان و الحيوان ان الانسان لديه ارادة فيكون إتباعه للنظام إراديا , أما الحيوان فإن انصياعه للنظام لا إرادي آلي .

و بهذا نكون قد أثبتنا أن الله لا بد سيرسل لنا نظاما من عنده لينظم حياتنا كما نظم حياة باقي مخلوقاته سبحانه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحجة الأخيرة في مداخلتي هي حجة الضرورة , فالدين إذا لم يكن حقيقة فهو ضرورة إنسانية :


يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في رسالته فكر حركة الإستنارة وتناقضاته ص26 :- ( يدعو روسو إلى إقرار دين طبيعي مادي يقوم على تأليه المجتمع فالمجتمع هو المُطلق العلماني الذي سيحل محل المُطلق اللاهوتي ).


إن هذا الأمر يحمل في داخله تناقضا عجيبا فالإنسان مُستَوعب تماما في الطبيعة.. قوانين الطبيعة هي قوانينه و كما يمكن استخدام الطبيعة يمكن استخدام الإنسان في أحط الأعمال , فلا فرق بين الإنسان و الطبيعة بل هو جزء مادي منها .
فالعقل مادة طبيعية متلقية وبالتالي فإنه في المرحلة التالية سيتنازل الإنسان عن مركزيته فالإنسان من منظور مادي إلحادي ليس هو المركز بل المركز هو الطبيعة المادية وقوانينها وحتمياتها وبالتالي سيحل محل مركزية الإنسان مركزية الطبيعة باعتبارها المُطلق الأول وهذا يعني انهيار المشروع الهيوماني ( مشروع الإيمان بالإنسان ) وبذا يُصفَّى الإنسان على حد تعبير المسيري لحساب الطبيعة وسيتم استيعابه تماما ويسقط في هيمنة المادية الحتمية.

فالفلسفة الهيومانية ضحت أول ما ضحت بالإنسان وعادت لإعتبار الطبيعة هي المُطلق وهي المرجع فهي فلسفة ذاتية الهدم وقد نجح هتلر في فك هذه الشفرة بكفاءة غير عادية حينما قال :- ( يجب أن نكون مثل الطبيعة، والطبيعة لا تعرف الرحمة أو الشفقة ) . وقد تبع في ذلك داروين ونيتشه ودوركايم وفرويد
فالدولة العلمانية تعبر عن القانون الطبيعي وتستمد شرعيتها منه .. وقد آمن هتلر بالطبيعة إيمانا صارما متعصبا .. إيمانا يتسم بالشمولية الكاسحة وبرفض مركزية الإنسان وداخل معامل هتلر النازية كان يتم إحضار التوائم المولودة حديثا ويتم وضع كل منهما في غرفة مستقلة ويتم تعريض أحد التوأمين للتبريد أوالتسخين أو التعذيب بل وحتى الموت وملاحظة الأثار التي تظهر على التوأم الآخر للإفادة من ذلك في علوم الطب ... وكان يتم إبادة الغجر والسلاف واليهود والأقزام وغيرهم في أفران الغاز الهتلرية تعبيرا عن إرادة الشعب الحُرة في استئصـال الأغيـار الغير مفيدين useless eaters وفي 14 يوليو 1933 أصدر النازي قرارا بتعقيم 400 ألف شاب عن طريق تمريرهم على ترددات عالية من أشعة إكس حتى يفقدوا القدرة على الإنجـاب فهؤلاء الشباب كانوا مصابين بأمراض عصابية كثيرة ربمـا تضر الأجنة وكان هتلر يقول إن "أفران الغـاز" والتعقيم ليست سـوى "أدشاش" تُستخدَم من أجل الصحة العامة.. ولذا يصف بعد المؤرخين الفترة الهتلرية على أنها اللحظة النموذجية في تطبيق الإلحاد والعلمانية الشاملة والتفكيكية في أعلى صورها ..


وهتلر جاء إلى الحكم بطرق ديموقراطية محترمة وجميع قرارات النازي كانت نابعة من إرادة الشعب و عرفه ( حُكم الشعب بالشعب ) وتنفيذها كان ديموقراطيا إلى أبعد حد.. ويكفي أن تعرف أن الجنود الألمان كانوا ممنوعون من الإساءة إلى الغجر والسلاف واليهود وهم في طريقهم إلى الحرق في أفران الغـاز لأن هذا يعني شكلا من أشكال الإساءة لحقوق الإنسان وخدشا لكرامته .. وقد عوقب أحد الضباط الألمان لأنه كان يحيط أسر الضحايا علمـا بإعدام أقاربهم على كارت بوستال مفتوح بدلا من ظرف مغلق


والبحث عن السعادة على الأرض من منظور لاديني هو شكل من أشكال الغرور الإنساني وهو يعني القول بمركزية الإنسان وأن له مكانا خاصا في الكون وبداهة لا يمكن القول بوجود غائية إنسانية مستقلة عن الغائية الطبيعية أو المادية.
و هذا ما لا يستطيع اللاديني البرهنة عليه , فأنا أطلب من محاوري أن يثبت فرقا واحدا بين الإنسان و بين الغنمة أو التفاحة التي نأكلها على الغداء .
او بين الإنسان و بين الروبوت الذي نستخدمه في الصناعة دون أي حقوق سوى الصيانة .

إن علم الأخلاق الإلحادي المجتمعي ليس أكثر من نوع من أخلاق الأنانية المستنيرة .
وماذا يمكن أن يفعل العقل أو المركزية المادية مع النظريات التي تنكر المساواة بين البشر .. فالقتل الرحيم مثلا والإعقام اليوجيني والإخصاب الصناعي والإجهاض كلها امور عقلية ومنطقية تماما لا توجد حجج علمية ضدها
نكاح المحارم و جماع الامهات و الشذوذ مع الحيوانات ايضا هو مصدر للمتعة لمن تمتع به و لا يمكن للاديني ان يقبح هذا الفعل .


ولا يأتي الإيمان بمركزية الإنسان وقيمته وسموه إلا بالإيمان بمُطلق أعلى يتجاوز المادة فحقوق الانسان مسألة ميتافيزيقية دينية بحتة , فخارج الدين لا يوجد حقوق لأنه لا مصدر للحقوق اساسا .

و يورد المسيري بعض الامثلة في كتابه الفسلفة المادية و تفكيك الإنسان – عبد الوهاب المسيري – دار الفكر بدمشق فصل المادية و الابادة صفحة 201فيقول :
مع تزايد معدلات العلمنة لم يعد من الممكن تصنيف البشر على اساس ديني _ متجاوز للقوانين الطبيعية- المادية ) فلم يكن من مفر من تصنيفهم على اساس مادي موضوعي طبيعي كامن , حال فيهم و ليس مفارقا و لهذا طرح الاساس البيولوجي العرقي اساسا وحيدا و أكيدا لتصنيفهم ...و كانت النتيجة هي النظرة الغربية في التفاوت بين الاعراق ذات الطابع الدارويني , و تقسم هذه النظرية الجنس البشري باسره الى أعراق لكل منها سماته التي يمكن تحديدها علميا .
و يقول في الصفحة 203
مع تصاعد معدلات العلمنة ظهرت ايضا فكرة الفولك أو الشعب العضوي الذي تربطه بأرضه و ثقافته رابطة عضوية حتمية ,,,, و تاكيد التفاوت بين الشعوب .
ثم يتابع رحمه الله ’ تزايد معدلات النسبية المعرفية , فعالم الطبيعة المادة هو عالم حركي لا ثبات فيه و لا حدود ,بحيث أصبح الانسان يشك في وجود أي حقيقة يقينية .
و هذا الشك لا ينضرف إلى الحقيق و حسب إنما إلى الموضوع ثم إلى الذات , و قد انتهى الأمر بالفلسفة الغربية إلى انكار الكليات و الميتافيزيقيا و أي شكل من اشكال الثبات , بما في ذلك ثبات الطبيعة البشرية و ظهرت الفلسفة المعادية للفلسفة و الميتافزيقيا و هي فلسفة النسبية المعرفية الكاملة التي تصل الى حالة من السيولة الكاملة و تنظر الذات و الموضوع و المركز و مفهوم الطبيعة البشرية و امكانية المعرفة و الاخلاق و اي شكل من اشكال المعيارية ( ما بعد الحداثة ) .
تزايد معدل انفصال الحقائق و العلم الطبيعي عن الاخلاق , و التجريب عن العقل , بحيث أصبح التجريب المنفصل عن أي غاية انسانية أو اخلاقية غاية في حد ذاته .
ثم يركز رحمه الله على الانسان في الصفحة 205 و 206
تزايد معدلات الترشيد و التنميط و هيمنة النماذج الكمية و البيروقراطية على المجتمع ما نجم عن ذلك من ترشيد للبيئة المادية و الجتماعية و ترشيد الانسان من خارجه و داخله .
و الذي آدى الى التجريد الي حصل للانسان , اي نزع الصفات الخاصة و التركيز على الصفات العامة و ابعاده عن اي قيمة متجاوزة .
و يرى اورتيجا جاسيت ان عملية التجريد مرتبطة بعملية نزع الصفة الانسانية .
و تظهر عمليتا التجردي و الترشيد في استجابة البشر للعنف و الابداة اذ تحسب الحسابات الرشيدة محل الاستجابة التلقائية و العواطف .
و اذا ظهرت هذه الشخصة اصبح من الممكن أن تقرر الدولة و أعضاء النخبة إبادة العناصر الغير نافعة في المجتمع , الفائض البشري المادي , او في وطن آخر أو قارة باسرها .
و لم يعد هذا جريمة قانونية إذ لا توجد قوانين مطلقة خارجة عن الدولة , أو هي جريمة قانونية مشروع اذا صح القول .
و يقول في الصفحة 208 كلاما رائعا ’ و حتى اذا شعر الانسان في اعماقه بلا أخلاقية القرار , فسوف يكون قد تعلم من الآليات ما يجعله قادرا على اسكات حسه الخلقي , فالانسان الحديث أصبح بوسعه بحسه العلمي و من خلال الحسابات الرشيدة و التسويغ العلمي الموضوعي المحايد الصارم و النسبية الكاملة التي تجعل الأمور متساوية , تبرير أي شيىء و قبول أي وضع .
ا

و هذه الاماكينة في الابادة قد تحققت تاريخيا في الاستعمار الغربي المدفوع بنظرية تفوق الانسان الابيض ثم في النازية و الشيوعية و في افريقيا و الهنود الحمر و و و الخ
و كل هذه الاعمال كانت علمية حتمية محسوبة بصرامة لصالح التطور البشري الدارويني .

مرجعيات اللادينيين في التقبيح و التحسين :
1- العلم : و هذا واسع لأن العلم و بالأخص نظرية دارون تنظر إلى الإنسان كمادة فقط نشأت عن مادة كما أسلفنا و هنا يمكن تحسين أي فعل مهما كان اجراميا لأننا نجيز استعمال المادة .
2- العقل : العقل المجرد لا يمكن أن يحكم على الأفعال و إذا حكم فسيكون حكمه نسبيا و يمكن تجاوزه بحكم عقلي آخر لأنه لا مزية لعقل على عقل , بالإضافة إلى أن العقل محدود قاصر يتأثر بالبيئة و بالآيديولوجية و الآراء الشخصية و التجارب الناقصة ,,, الخ.
3- العرف : أيضا عرف الناس متغير , و بالتالي حكم اللاديني متغير , و بناء على هذه المرجعية فإن فعل هتلر كان حسنا لانه استند الى عرف النازيين الذي لم يروا في فعل الإبادة أي شيىء قبيح , و بحسبه أيضا يصبح فعل الشذوذ فعلا حسنا و نكاح الأمات أيضا إذا قبل به العرف .
و علينا أن نلاحظ أيضاأن اللادينية قبيحة بحسب مرجعية العرف , فبما أن عرف بلادنا يقبح الكفر فإن فعلهم قبيح عرفيا و لا يفرق عن فعل القتل في قبحه .
اي ببساطة هم كمن يقتل من حيث الحكم العرفي سواء سواء .
4- المصحلة : و هنا نقول ما قلناه عن العقل لأن المصحلة هي التي يبحث عنها العقل في حكمه , فكل يرى المصحلة في فعله , المرتشي يرى الرشوة مصلحة له كما يمكن أن يراها المواطن , و هذا ما حدث في بعض الدول العربية كسوريا مثلا حيث أصبح العرف القائم على المصحلة يحسن فعل المرتشي حتى أصبح يقال لمن لا يرتشي بأنه أهبل أي أحمق .
5- عامل الناس كما تحب أن تعامل : أيضا قاعدة فاشلة لأن الحياة ليست مكانا للفرص المتساوية و إنما هي كلعبة الكراسي الموسيقية حيث إن الفرص محدودة و لا بد من خاسر , فلا يمكن توزيع المنافع بالتساوي على كل الناس , اي إن هذه القاعدة مثالية أي غير واقعية أي ساقطة .



اما في الاسلام فقد جعل الإسلام مقياسا شرعيا للأعمال , هذا المقياس هو الحلال و الحرام .
نفصل فيه قليلا و نوضح القبح و الحسن و الخير و الشر فنقول .

دلّت النصوص الشرعية على أن هناك مقاييس في الإسلام، تقاس بها الأفعال والأشياء وهي: الخير والشر، والحسن والقبح، والحلال والحرام، فما هي هذه المقاييس؟

الخير والشر

كلمة ((خير)) لفظ مشترك من جهة الاشتقاق، ومن جهة المعنى. أما من جهة الاشتقاق، فهي اسم تفضيل، الأصل القياسي فيها أن تأتي ((أخير)) على وزن أفعل، ولكن حذفت الهمزة حذفاً شاذاً، وهي مصدر على وزن فَعْلٌ.
وأما من جهة المعنى، فكلمة ((خير)) تعني الإسلام، كما في قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير...) وتعني المال، كما في قوله تعالى: (وما تنفقوا من خير يوف إليكم...) وتعني أيضاً الفعل الذي يرضي الله تعالى، كما في قوله: (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله، هو خيراً وأعظم أجراً) (20/ المزمل ).
وكلمة ((شرّ)) من جهة الاشتقاق تشبه كلمة ((خير))، وأما من جهة المعنى، فالشر ضد الخير.
وقد أطلق العربي ((الخير)) على كل ما ينفعه، وأطلق ((الشر)) على كل ما يضره، فإن أصابه من الفعل نفع مادي أو معنوي عدَّه خيراً، وإن أصابه ضرر مادي أو معنوي عدّه شراً، قال تعالى: (فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه...) (11/ الحج)، وقال تعالى: (إذا مسّه الشر جزوعاً، وإذا مسه الخير منوعاً ...) (21/ المعارج)، فهو يحب الخير بمعنى النفع، ويكره الشر بمعنى الضرر، فبين الله للإنسان عدم دقة المقياس بقوله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون) وقال تعالى فيمن كرهوا زوجاتهم: (فإن كرهتموهن، فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) (19/ النساء). فالخير والشر في الإسلام، لا يقاس بالنفع والضرر، لا في الأفعال التي تقع قضاءً، أي تقع من الإنسان أو عليه جبراً عنه، ولا في الأفعال التي يقوم بها الإنسان باختياره، لأنه لا يدرك بدقة إن كان الفعل أو الشيء نافعاً أو ضاراً له ولغيره، بسبب عدم معرفته للنتائج الحقيقية التي ستترتب على أفعاله في الدنيا والآخرة. ولنضرب مثلاً لذلك الشخص الذي نام وتأخر عن موعد سفره بطائرة، كانت ستقله لعقد صفقةٍ تجارية رابحة، فكره ما حصل، وعده شرّاً له، ولكنه عندما علم أنَّ تلك الطائرة قد سقطت بعد إقلاعها وتحطمت، وقتل جميع من كان عليها، حمد الله على تأخره، وعدّه خيراً له.
فوصف الإنسان للفعل بالخير والشر بناء على النفع أو الضرر الذي يصيبه من جراء القيام به، وصف غير صحيح وغير ثابت، لأنه آت من البشر، وهم عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض والتأثر بالبيئة، وعقولهم عاجزة عن معرفة النتائج قبل حدوثها، فيكون الوصف الحقيقي للفعل بأنه خير أو شر غير آت من الإنسان، ولا آت من الفعل نفسه، فالقتل فعل واحد، يكون من المسلم خيراً إن كان قتلاً للمحارب، ويكون شرّاً إن كان قتلاً للمواطن أو المعاهد، فوصف الفعل بالخير أو الشرّ، لا يأتي من ذات الفعل ولا من الإنسان , لأن الفعل مادة ولا يحمل أي قيمة ، وإنما يأتي من عوامل خارجة عنه، وهذه العوامل تستند إلى وجهة النظر في الحياة، وهي العقيدة التي يعتنقها الإنسان، وما ينبثق عنها من أفكار وأنظمة.
والإسلام، عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام شامل كامل، وضع مقياساً دقيقاً لما هو خير ولما هو شر، فالفعل إن كان مما يرضي الله بإطاعة أوامره واجتناب نواهيه فهو خير، وإن كان مما يغضب الله لمخالفته أوامره واتباع نواهيه فهو شر، فالخير – عند المسلم – ما يرضي الله والشر ما يغضب الله.
فالصلاة والجهاد، وحمل الدعوة و محاسبة الحاكم خير لأنها ترضي الله، والربا والزنا والتجسس شر لأنها تغضب الله، بغض النظر عن النفع أو الضرر الذي يصيب الإنسان في الحياة الدنيا نتيجة قيامه بها، فهي حياة قصيرة تنتهي بموته، ثم تليها حياته في الآخرة حيث النعيم المقيم في الجنة، أو العذاب الأليم في النار، جزاء لما فعله الإنسان من خير أو شر، قال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره). فعلى المسلم أن يقدم على فعل الخير لأنه يرضي الله لا لأنه يحقق له منفعة دنيوية، وأن يحجم عن فعل الشر لأنه يسخط الله، لا لأنه يسبب له ضرراً.

إنّ الحكم على الأشياء والأفعال بالحسن والقبح، قد يكون من جهة واقعها أو من جهة ملاءمتها أو منافرتها لفطرة الإنسان، أو من جهة الثواب والعقاب عليها من الله تعالى.
أما من جهة واقعها، وملاءمتها أو منافرتها للفطرة، فإن الإنسان بحسه وعقله يستطيع الحكم عليها، فيحكم على الشيء الحلو كالعسل بأنه حسن، وعلى الشيء المر كالحنظل بأنه قبيح، وحكم على العلم أو الغنى بأنه حسن، وعلى الجهل والفقر بأنه قبيح لما فيها من الكمال والنقص، لأن الله أودع فيه خصائص يمكنه بها أن يدرك ذلك، وهي الغرائز والحاجات العضوية والتفكير.
وأما الحكم على الأشياء والأفعال بالحسن والقبح من جهة الثواب والعقاب عليها من الله تعالى، فإنه ليس للإنسان، لأنه عاجز بما أعطي من خصائص، عن معرفة كون الأمر مما يثيب عليه الله، أو مما يعاقب عليه الله، لأن ذلك لا يقع تحت حسه، فلا يمكن أن يدركه عقله إلا بإخبار من الله تعالى، وهذا الإخبار هو الشرع الذي جاء به الوحي إلى الرسل.
والشرع مدح أشياء وأفعالاً ورتب على بعضها ثواباً، وذم أشياء وأفعالاً، ورتب على بعضها عقاباً، لذلك كان الحكم عليها بالحسن والقبح من جهة المدح والذم ومن جهة الثواب أو العقاب هو لله تعالى، وليس لعقل الإنسان، وذلك لأن واقع العقل مكوّن من إحساس وواقع ومعلومات سابقة ودماغ، والإحساس جزء أساسي من العقل، فإن لم يحس الإنسان بالشيء لا يمكن لعقله أن يصدر حكماً عليه، لأن العقل مقيد حكمه على الأشياء بكونها محسوسة أو محسوس أثرها، وما دام لا يحس بمدح الله أو ذمه للأشياء والأفعال، ولا يحس بما رتب عليها من ثواب أو عقاب، فإنه عاجز عن إصدار الحكم عليها من هذه الجهة، إلا بإخبار من الله تعالى.
وإن حكم الإنسان عليها من جهة واقعها، أو من جهة ملاءمتها أو منافرتها لفطرته، لا قيمة شرعية له، ولا دخل له في قيامه أو عدم قيامه بالفعل، فالمسلم يجاهد في سبيل الله، ويحمل الدعوة، ويصوم، كما أمره الله، وأن لم يدرك حسن واقع هذه الأعمال، أو كانت منافرة لفطرته لان الفطرة قد تتغير بالعرف و الضغط الاجتماعي. وهو يجتنب الربا والزنا والتجسس كما نهاه الله، وإن لم يدرك قبح هذه الأعمال، أو كانت ملائمة لفطرته.
ففي الإسلام، الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبَّحه الشرع، قال تعالى: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) (157/ الأعراف ). فالطيب أو الحسن ما أحله الله والخبيث أو القبيح ما حرمه الله، وليس ما لاءم أو نافر فطرة الإنسان وعقله، فالعنب طيب وحسن والخمر المصنوع منه خبيث وقبيح، والبيع حلال وحسن، والربا حرام وقبيح.


الحلال والحرام

إن ألفاظ: ((الخير والشر)) و ((الحسن و القبيح)) ألفاظ عربية وضعها العرب أصلاً لتدل على معان معينة، ثم استعملها الشارع في القرآن الكريم، والسنة النبوية لتدل على معانيها اللغوية كما وصفها العرب في مكان، ولتدل على معان شرعية في مكان آخر. فإن أطلقت دون قرائن دلت على المعاني الشرعية فقط، وإن أريد بها المعاني اللغوية احتاجت إلى قرائن.
وأما الحلال والحرام، فهما لفظان نقلا من معناهما اللغوي الوضعي، إلى المعنى الشرعي، وأهمل المعنى اللغوي، فهما حقيقتان لغويتان شرعيتان أينما وردتا في الكتاب والسنة، سواء وردتا أسماء أم أفعالاً، قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) وقال صلى الله عليه وسلم: (الحلال ما أحلّ الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه...) وقال صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بيّن والحرام بيّن...)) فالحلال ما سمح الله به، ولم يرتب على فعله أي عقوبة، والحرام ما حذر الله منه، ورتب على فعله عقوبة في الدنيا والآخرة.
والحلال يشمل كلاً من الواجب والمندوب والمباح والمكروه، والحرام يشمل الحرام فقط.
وأحكام التكليف في الإسلام لا تخرج عن واحد من هذه الأنواع الخمسة، وأحكام الوضع المتعلقة بها خمسة أيضاً وهي: السبب، والشرط، والمانع، والرخصة والعزيمة، والصحة والبطلان والفساد.
ومقياس ((الحلال والحرام)) يشملها جميعها، وهو المقياس الشرعي لكل الأشياء والأفعال اللازمة للإنسان في حياته الدنيا.
وقد ثبت باستقراء الأدلة الشرعية المتعلقة بالأشياء أنّ الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم، وأنّ الأصل في الأفعال التقيد، فلا يوجد في الكون شيء أو فعل إلا وأنزل الله له حكماً شرعياً في الإسلام، إما حلالاً وإمَّا حراماً. فإن لم يجد المسلمون حكماً لشيء أو فعل فهو نتيجة تقصيرهم في الاجتهاد لاستنباط الأحكام، وليس هو نتيجة قصور أو نقص في الأدلة الشرعية، لأن الله تعالى نص بصراحة على اشتمال الإسلام لكل حكم يلزم الإنسان إلى يوم القيامة، قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً) (3/ المائدة)، وقال تعالى: (وأنزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) (89/ النحل ).
ويحرم على المسلم أن يصف فعلاً أو شيئاً بالحلال أو الحرام دون دليل شرعي، قال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام، لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) (116/ النحل).


ومعرفة الحكم الشرعي لازمة للمسلم قبل قيامه بالعمل، لأن الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي.
وعليه فإن وصف الأفعال بالخير والشر، أو الحسن والقبح أو بالحلال والحرام، من جهة الثواب والعقاب، هو للشرع الذي أنزله الله، وليس للعقل، أو للقوانين التي وضعها الإنسان من عنده.
وكذلك وصف الأشياء بالحسن والقبح أو الحلال والحرام أعم من الوصف بالخير والشر، لأن المقياس الأخير خاص بالأفعال، بينما المقياسان الآخران يشملان الأفعال والأشياء.

أي إن القاعدة الفكرية في الاسلام هي الحلال و الحرام
بينما في باقي النظريات و منها اللادينية فهي اللذة و الألم أو الضرر و النفع .



و لهذا فإن أحكام الإسلام مطلقة لا رجوع عنها و لا يمكن نسخها بعد وفاة صاحب الشريعة فهي مطلقة من حيث الزمن من وقت صدورها عن الشارع و حتى يرث الله الأرض و ما عليها .
فأحكامنا على القتل بغير حق او الزنا أو اكراه الناس على الاسلام هو القبح و هذا الحكم مطلق لا يمكن ابطاله , بينما حكم اللاديني على القتل بغير حق فإنه حكم متغير كما يعترف بهذا اللادينييون بقولهم إن أحكامنا نسبية و ليست مطلقة أي يمكن تغييرها نظريا .
و ليس أدل على هذا من أن مفاهيم حقوق الأنسان تصبح لا قيمة لها حين تتعرض مصلحة معينة للتهديد و لو بنسبة ظنية كما حدث و يحدث اليوم في اوروبا في منع المآذن أو في سجن أبو غريب.

أعجبني منذ يومين فقط مشاهدة الفيلم الأمريكي الجديد Unthinkable فهو فيلم رائع يبين حجم النسبية الكامنة في الفكر العلماني اللاديني , ففي الفيلم يتم تعذيب الأطفال بغية الحصول على اعتراف من ارهابي , بل إن أشد معارضي التعذيب في الفيلم يصبحون مؤيدين له أمام احتمال نسبي ظني جدا بوجود تهديد لأمن الولايات المتحدة .
من يضمن لنا أنه اذا رأت أمريكا أن أوروبا مثلا تهدد صناعاتها و ستؤدي إلى تجويع شعبها , من يضمن أنها لن تضرب اوروبا بصورايخ نووية ؟
هل يستطيع أحد أن يقول ’ لا هذا حرام ؟

هذا هو الخطر الوجودي للادينية .


المصدر:

(1)
Children are born believers in God, academic claims
http://www.telegraph.co.uk/news/news...ic-claims.html
Why Would Anyone Believe in God
http://www.planetsantabarbara.com/Re...n-god-251.aspx

المصدر العربي
http://www.quran-m.com/firas/arabic/...&select_page=2
رد مع اقتباس