سابعا :- تمسك الوهابية التيمية بقوله تعالى :- ( أأمنتم من في السماء ) ومن السنة ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ( زوجني الله من فوق سبع سماوات ) ( ربنا الذي في السماء ) .. وقال هؤلاء المجسمة أن هذه نصوص في علو الله المكاني !! علما أنهم بذلك خالفوا المنطق واللغة وعلماء الأمة من السلف والخلف .. البيان :- قال الإمام القرطبي :- { ءَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } قال ابن عباس: أأمِنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه ( أي الله عز وجل ) . وقيل: تقديره أأمِنتم من في السماء قدرته وسلطانُه وعرشُه ومملكتُه. وخصّ السماء وإن عَمّ مُلْكُه تنبيهاً على أن الإلٰه الذي تنفذ قدرته في السماء لا من يعظّمونه في الأرض. وقيل: هو إشارة إلى الملائكة. وقيل: إلى جبريل وهو المَلَك المُوَكّل بالعذاب. قلت: ويحتمل أن يكون المعنى: أأمنتم خالق مَن في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون. { فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } أي تذهب وتجيء. والمَوْر: الاضطراب بالذهاب والمجيء. قال الشاعر:رَمَيْنَ فأقْصَدْنَ القلوبَ ولن ترى دماً مائراً إلاّ جَرَى في الحَيازِم جمع حَيْزوم وهو وسط الصدر. وإذا خُسف بإنسان دارت به الأرض فهو المَوْر. وقال المحققون: أمنتم مَن فَوقَ السماء؛ كقوله: { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [التوبة:2] أي فوقها لا بالمماسّة والتحيّز لكن بالقهر والتدبير. وقيل: معناه أمنتم مَن على السماء؛ كقوله تعالى: { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [طه:71] أي عليها. ومعناه أنه مديرها ومالكها؛ كما يقال: فلان على العراق والحجاز؛ أي واليها وأميرها. والأخبار في هذا الباب كثيرة صحيحة منتشرة، مشيرة إلى العلو؛ لا يدفعها إلا مُلْحدٌ أو جاهل معاند. والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السّفل والتّحت. ووصفه بالعلوّ والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود لأنها صفات الأجسام. وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء لأن السماء مهبط الوحي، ومنزل القطر، ومحل القُدس، ومعدن المطهرين من الملائكة، وإليها ترفع أعمال العباد، وفوقها عرشه وجنته؛ كما جعل الله الكعبة قِبلةً للدعاء والصلاة، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها، وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان ولا مكان له ولا زمان. وهو الآن على ما عليه كان. وكذلك أشار الإمام الشوكاني :- ثم خوّف سبحانه الكفار فقال: { ءامَنْتُمْ مَّن فِى ٱلسَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ } قال الواحدي: قال المفسرون: يعني: عقوبة من في السماء، وقيل: من في السماء قدرته، وسلطانه، وعرشه، وملائكته، وقيل: من في السماء من الملائكة، وقيل: المراد جبريل . وإلى ذلك أشار جميع علماء التفسير ، ولم يذكر أحد منهم لا من بعيد ولا من قريب أن مثل هذه الآيات تشير إلى أن لله مكانا يحدده ، فكون الله في السماء مؤولة عند جميع السلف الصالح ومن ثم فسروها ببيان عظمته وقهره وجبروته اللازم لعلوه وفوقيته على خلقه علو الملك والسلطان لا علو حركة وزوال ومكان وانتقال الذي يقوله المجسمة خلافا لسلف الأمة ..ويجدر الإشارة هنا إلى أن كون الله في السماء والإشارة إلى السماء وأنه فوق العرش كلها عبارات دالة على علو عظمته وكمال سلطانه وعموم قهره .. والإشارة للسماء تكمن لسببين :- الأول :- لأنها باب رزق الله ومنزل الخيرات والبركات ومصدر أوامره وملائكة قدسه عذابه وخيره ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) ( يتنزل الأمر بينهن ) .. ثانيا :- لأنها إشارة توحيدية ؛ تشير إلى تنزيه الله تعالى وتوحيده وأنه يتعالى عن كل الآلهة المدعاة والأصنام التي هي في السفل والتحت مما أشرك الناس .. ولهذا خُصت السماء والإشارة إليها إلى تنزيه الله تعالى عن الشركاء وتوحيده وأنه أكبر وأعظم من كل ما يخطر في البال ويجول في الخاطر ..ولهذا يقول العلامة الإمام الشاطبي في الموافقات ( 4- 154 ) :- مسألة لا بد من معرفتها لمن أراد علم القرآن .. ومن ذلك معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل .. وإلا وقع في الإشكالات والشبه المتعذر الخروج منها إلا بهذه المعرفة . ومنها :- قوله تعالى :- ( أأمنتم من في السماء ) وأشباهها ، إنما جرت على معتادهم في اتخاذ الآلهة في الأرض وإن كانوا مقرين بإلهية الواحد الأحد ، فجاءت هذه الآيات بتعيين الفوق وتخصيصه تنبيها على نفي ما ادعوه في الأرض ، فلا يكون فيها دليل على إثبات الجهة البتة ) وقال في الإعتصام ( 2- 787 ) :- وبدعة الظاهرية فإنها ظهرت بقوم حتى قالوا عن قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى ) قاعد .. قاعد .. وأعلنوا ذلك وتقاتلوا عليه . وروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الرواية الصحيحة والتي صححها الذهبي فقال ( إسنادها كالشمس ) و صححها الألباني وقال هي على شرط الشيخين .. لما قدم عمر بن الخطاب للشام استقبله الناس وهو على بعيره ، فقالوا له يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونا يلقاك عظماء الناس ووجوههم فقال عمر بن الخطاب :- ألا أريكم ههنا ؛ إنما الأمر من ههنا ، وأشار بيده إلى السماء ) .ولم يقل عمر إنما الله ههنا !!! كما يتوهم الوهابية المجسمة إنما قال إنما الأمر ههنا وهذا لأن أمر الله ينزل من السماء كما نص الله في كتابه ، فالإتجاه لها إتجاه إلى الله تعالى من باب رزقه وأمره .. مع التنزيه الكامل اللائق بالله تعالى عن المكان . ولهذا ثبت عن رسول الله أنه رفع يديه إلى السماء سائلا الله عز وجل الغيث والمطر فقط .. ولو كان الله على العرش جالسا لكان التوجه بالدعاء ورفع اليدين لازما عند كل دعاء ولكانت الصلاة مع رفع الوجه إلى السماء ، وهذا مخالف تماما لفعل رسول الله وأصحابه الكرام .. فأكثر دعائهم بينهم وبين أنفسهم لأنه هو القريب الذي هو أقرب إلى الصحابة من حبل الوريد .. وكذلك :- كان رسول الله عليه السلام ينظر إلى السماء ينتظر ويرجو أمر الله تعالى بتحويل القبلة ، فنزل قول الله تعالى :- ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ) .. وهذا نص في أن التوجه للسماء إنما يكون لأن أمر الله يتنزل منها وليس لأن مكان الله فيها سبحانه وتعالى عما يصفون .. يتبع بإذن الله تعالى ..