إن قول الإمام أبو حنيفة لنا أن نجيب على من سألنا بأين الله ؟ أن نقول له :- كان الله ولا مكان وهو الآن على ما كان عليه في الأزل .. أقول ، هذه عقيدة المؤمنين العارفين .. أما إذا كنت تريد أن تتأكد من إسلام أحد المشركين الذين كانوا يعبدون الأصنام ، فيكفيهم أن يقولوا أنهم آمنوا بالإله الذي هو في السماء أو يكفيهم أن يشيروا إلى السماء إن كانوا خرسى ، كتلك التي وردت في رواية الإمام مسلم حين أشار إليها رسول الله عن معبودها فأشارت إلى السماء .. وأما قول رسول الله أين الله فإنها من الراوي وكذلك قولها في السماء فمن قول الراوي كذلك .. ولذلك فهذا الحديث نفسه رواه الإمام عبد الرزاق في المصنف بلفظ آخر وهو أن النبي عليه السلام قال لها :- ( أتشهدين أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ ) وهذا الحديث هو الأصح سندا ومتنا وهذا السؤال من رسول الله هو المتواتر المشهور عنه . وعلى كل فلا يستدل بهذا الحديث على شيء في الإعتقاد بل هو كما قلنا عن تلك الآيات التي توهم أن الله في السماء وكلها مؤولة عند أهل السنة والجماعة من السلف والخلف .. والحاصل أن الإمام مسلم وضع هذه الرواية في قسم نهي الكلام في الصلاة فقط ؛ أي أنه لم يأخذ من هذه القصة إلا قضية فقهية موجودة في أول هذا الحديث وهي سبب اعتاق هذه العبدة وهو أن سيدها تكلم في الصلاة فأحب أن يكفر عن خطأه هذا ، وهذا يؤكد على عقيدة التنزيه الذي أجمع عليها أهل السنة والجماعة من السلف والخلف عن تنزه الله عز وجل عن مشابهة خلقه في المكان والجسمية وأنه لا يتمسك بتلك الشبهات إلا من كان في قلبه مرض من المجسمة . __________________________________________________ ____________________________________________ ثامنا :- تمسكهم بقصة الإسراء والمعراج ، وتوهمهم أنها نص على أن لله مكانا وأن رسول الله قد صعد إلى ذلك المكان !!!! نقول :- هذا الزعم من المجسمة مخالف لما جاء في القرآن والسنة ومخالف لعقيدة السلف الصالح .. أولا :- بين الله سبحانه وتعالى في القرآن أن رحلة المعراج كانت ليكرمه الله في رؤية آياته الكبرى ، ولم يقل الله أنها ليريه ذاته أو مكانه !!!! يقول عز وجل :- ( سبحان الذي أسرى .. لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) الإسراء . وكذلك قوله عز وجل :- ( ولقد رآه نزلة أخرى ، عند سدرة المنتهى ، عندها جنة المأوى ، إذ يغشى السدرة ما يغشى ، ما زاغ البصر وما طغى ، لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) النجم . وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك ، جاء فيه أنه صعد به من سماء لسماء حتى وصل للسماء السابعة ، وهنا انتهى صعود سيدنا محمد بنص الحديث وأصبح يريه الله من آياته ويوحي إليه في ذلك المكان .. وهذا هو النص :- ( ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل .. قيل : من هذا ؟ قال :- جبريل ، قيل :- ومن معك ، قال :- محمد .. فلما خلصت فإذا إبراهيم ، قال :- هذا أبوك فسلم عليه ، قال :- فسلمت عليه ، ثم رفعت لي سدرة المنتهى ، وإذا أربعة أنهار .. ثم رفع لي البيت المعمور ، ثم أُتيت بإناء خمر ولبن وعسل ، فأخذت اللبن .. ثم فرضت علي خمسين صلاة كل يوم .. ثم رجع إلى موسى فحثه أن يرجع ليسأل الله تعالى أن يخفف عن أمته .. وهكذا حتى استحى أن يعود لمناجاة ربه عز وجل فقال عليه السلام :- سألت ربي حتى استحييت ، ولكن أرضى وأسلم . وكل ما في هذا الحديث أن الله عز وجل كرم محمدا بأن جعل مكان مناجاة ربه فوق السماء السابعة ليريه من آياته الكبرى كما بينا في الحديث ، ومثله مثل موسى لما جعل الله له الواد المقدس طوى بجانب الطور مكانا خاصا له لمناجاة ربه وقد سأل موسى ربه الرؤية هناك وهذا ما لم يفعله محمدا عليه السلام ... وكذلك قول سيدنا إبراهيم الخليل :- ( إني ذاهب إلى ربي سيهدين ) .. وكذلك جاء في صحيح البخاري ( لا تفضلوني على يونس ابن متى ) لأنه نزل في قاع البحر فناجا ربه هناك في بطن الحوت وهذا مكان لم يصل إليه أحد ، فكان كرامة من الله تعالى له أن ناجى ربه في بطن الحوت فقال :- ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) .. والحمد لله رب العالمين .