والظاهر أن هؤلاء الوهابية لا يستطيعون أن ينكروا على أهل الحق من الأشاعرة إيمانهم بإله منزه عن صفات الجسمانية كما لا يصح هروبهم من إلزامهم بأنهم مجسمة ، لأن الله عز وجل وصف الإنسان بأنه خلقه من صورة مركبة ( في أي صورة ما شاء ركبك ) .. فزعم المجسمة أن الله صورة مركبة من الوجه والجوارح ( اليدين والساقين والجنب والوجه ) ومن ثم قولهم أنه يجلس و يمشي ويهرول ويطوف في الأرض - كما أثبتها ابن القيم صفة فعلية لله تعالى في كتابه زاد المعاد ص 677 - وأنه يمل مللا يليق به !!! .. تشبيه وأي تشبيه ! وتجسيم وأي تجسيم !! وأما قضية أن الله تعالى لا يوصف بالدخول ولا بالخروج ولا بالاتصال ولا بالانفصال ؛ فهذا ببساطة لأنه ليس جسما محدودا ممددا في الأبعاد . فوجود الله لا يشبه وجود الأجسام ، لأنه سبحانه ( ليس كمثله شيء ) . ولذلك صح على اعتقاد أهل السنة الأشاعرة وصف الله تعالى بما وصفه به الرسول عليه السلام وبما جاء في عقيدة السلف من أنه متعال عن الجهات وأنه لا شيء فوقه ولا شيء تحته وأنه ليس كمثله شيء فلا يكون جسما .. فيكون خارج التصور البشري ، فلا تدركه الأفهام ولا يشبهه الأنام . أما المجسمة الذين لا يعجبهم هذا الكلام يقولون إن مثل ذلك الإله غير موجود في الخارج لأن العقل لا يتصوره موجودا إلا إذا كان جسما محدودا له داخل وخارج ومن ثم فهو يتحرك نازلا أو صاعدا كما يتوهمون !! ومن ثم يقولون أن هذا معلوم بالبداهة ، بل يزعم ابن تيمية أنه من الضروريات !!! فالجواب عليهم يكون ببساطة أن كلامهم لا يقوله عاقل ؛ فهو مخالف للواقع وللمنطق كذلك ، فإذا كان وجود الإله المنزه عن الجسمية مستحيل بالبداهة كما يزعمون ، فلماذا قاله واعتقده جمهور علماء المسلمين المحققين العارفين ؟؟؟؟؟؟؟ ونذكر منهم :- 1- قال الإمام السلفي الطبري في تفسيره لآية ( لا تدركه الأبصار ) وقد قرر أن الله عز وجل لا يكون مماسا ولا مباينا للعالم ، وألزم الذين ينفون الرؤية بأنه إذا كان الله كذلك فلا بأس من رؤيته لا في جهة . وكذلك نص في كتابه التبصير ص 201:- إجماع الموحدين من أهل القبلة وغيرهم على فساد وصف الله تعالى بالحركة والسكون . 2- قال الحافظ النووي ناقلا قول الإمام المتولي مقرا له في ( روضة الناظرين ) 10-64 :- قال المتولي :- من اعتقد قدم العالم ، أو حدوث الصانع ، أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع كتنزيهه عن الألوان ، أو أثبت له الاتصال أو الانفصال كان كافرا . 3- قال الإمام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه دفع شبه التشبيه ص 130 :- وكذا ينبغي أن يقال ليس بداخل في العالم وليس بخارج منه لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات . 4- وقال الإمام أبو مظفر الاسفراييني في التبصير في الدين ص 97 :- ( وأن تعلم أن الحركة والسكون والاتصال والانفصال .. كلها لا تجوز عليه تعالى لأن جميعها يوجب الحد والنهاية . 5- قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام في كتابه القواعد ص 201 مقررا أنه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل ولا منفصل عنه وأن ذلك يعلمه العلماء المحققون تماما ويجهله الجاهلون . 6- قال حجة الإسلام الغزالي في الإحياء (4-434) :- إن الله تعالى مقدس عن المكان ومنزه عن الأقطار والجهات وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا هو متصل ولا منفصل عنه ؛ قد حير عقول أقوام حتى أنكروه إذ لم يطيقوا سماعه ومعرفته ) . ولذلك قال :- إذا قال لك المجسمة أن مثل ذلك الإله المنزه عن الجسمية والتحيز غير مفهوم !!؟ فقل له :- فإذا كان قصدك أنه خارج عن الوهم والتصور والتخيل فقد أصبت لأنه عز وجل كذلك ، لأنه لا يدخل في الخيال والوهم والتصور إلا الأجسام التي لها لون وقدر ، أما من انفك عن اللون والقدر لا يتصوره الخيال ؛ لأن الخيال قد أنس بالمبصرات فلا يتوهم الشيء إلا على وفق مرآه ولا يستطيع أن يتوهم ما لا يوافقه . وأخيرا نقول لهم :- إذا كان الشيء قابلا للمتضادين فيستحيل خلوه من أحدهما وهناك يصح القول بعدمه ؛ كقولنا أن الجسم لا بد أن يكون داخلا أو خارجا ، أما إذا كان غير قابل لهما فلا يجوز أن ننفيه فلا يجوز أن نقول إن الجدار إما أن يكون أعمى أو بصيرا ، أو ذكرا أو أنثى أو متزوجا أو أعزب .. وكذلك الله عز وجز لا يقبل الاتصال والانفصال فهو خارج عن كل تلك الأوصاف لأنه ليس جسما متحيزا ذا طول وعرض وارتفاع فهو سبحانه ليس كمثله شيء . والسلام عليكم .