قال الإمام الشافعي في فقهه الأكبر ص17:-
( اعلموا أن الباري لا مكان له والدليل عليه أن الله تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفته الأزلية كما كان قبل خلق المكان لا يجوز عليه التغير في ذاته والتبدل في صفاته ولأن ما له مكان وله تحت يكون متناهيا الذات محدود ، والمحدود مخلوق تعالى الله عن ذلك ، ولهذا استحال عليه الزوجة والولد لأن ذلك لا يتم إلا بالمباشرة والاتصال والانفصال .. وذلك كله محال في صفته عز وجل .
نكمل مع الإمام الشافعي حيث قال بعد أن نفى لوازم الجسمية عن الله تعالى فنفى عنه الحدود والمكان والاتصال والانفصال .. قال : فإن قيل ، قال الله تعالى :- ( الرحمن على العرش استوى ) يقال له :- إن هذه الآية من المتشابه التي يحار في الجواب عنها وعن مثلها من لا يريد التبحر في العلم - نقول له - أن يمر بها كما جاءت ولا يبحث عنها ولا يتكلم عنها وعن أمثالها ؛ لأنه لا يأمن الوقوع في الشبه والورطة إذا لم يكن راسخا في العلم ، ويجب أن يعتقد في صفة الباري ما ذكرناه وأنه لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان فهو منزه عن الحدود والنهايات مستغن عن المكان والجهات ، ليس كمثله شيء .
ثم قال الإمام العلامة الشافعي :- ولهذا قال الإمام مالك الاستواء مذكور _ ولاحظوا أيها الكرام أن المجسمة يعتقدون أن الإستواء هو الجلوس والاستقرار وهو مخالف لعقيدة السلف المنزهة كالشافعي ومالك وهو تحريف لقول الإمام مالك من أنه معلوم أي معلوم ذكره في القرآن الكريم كما بين هنا الشافعي رضي الله عنه _ وكيفيته مجهولة _ والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ) ثم قال الشافعي ، من أن الإمام مالك حذر السائل أنه إذا عاد لذلك السؤال مرة أخرى فسوف يضرب عنقه ، ثم قال الشافعي :- أعاذنا الله وإياكم من التشبيه .
والحق أن ابن تيمية خالف السلف وحمل هذه الآية على ظاهرها التجسيمي فقال أن الله يجلس ويقعد على عرشه بشكل يخالف قعود وجلوس الإنسان - هذا نص كلامه - وصرح ابن تيمية بالتجسيم حيث قال أنه لا محذور من أن يمس الله عرشه كما في مماسته لكل مخلوق .. كما روي في مس آدم وغيره ونسب هذا القول في بداية كلامه إلى علماء المسلمين وأنه متواتر ومجمع عليه !!!!!.
والحق يا أيها الإخوة الكرام ، إذا أتينا للتحقيق فإن ابن تيمية دائما يتخيل التجسيم الذي في رأسه ثم يضيفه إلى السلف الصالح بلا تأن ولا ترو ولا تحقيق !!!!!
والحق أن مماسة الله لعرشه ولخلقه ولآدم غير ثابت إطلاقا ، ولا يوجد نص واحد صحيح فضلا عن كونه متواترا ..
والحق أن ابن تيمية يتبع الكرامية المجسمة وهم من يقصدهم بالسلف وكذلك كما بينت سابقا من أن ابن تيمية يعتمد دائما على شيخه القاضي أبي يعلى والدارمي المجسمين ، ولقد أوصى ابن تيمية تلميذه ابن القيم بهما وبكتبهما جيدا وقال أن فيها من تقرير العقيدة ( التجسيم ) ما ليس يوجد في غيرها .. - وهذه الوصية تجدونها في مقدمة كتب الدارمي وأبي يعلى - على كل ، فإننا نجد هذا الذي يعتقده ابن تيمية عقيدة أجمع عليها السلف موجود في رواية ضعيفة بل موضوعة ( أن الله مس آدم بيده مسيسا ) كما نص عليها الدارمي في كتبه ..
وهنا أأكد على أن الاستواء من المتشابهات التي لا تحمل على ظاهرها كما بين ابن كثير في تفسيره من عقيدة أهل السنة وكما بينت من عقيدة الشافعي والطبري وغيرهما ..
وهنا سأنقل قول العلامة ابن حجر العسقلاني أمير المؤمنين بالحديث حيث بين في شرحه على البخاري في تفسير الاستواء :-
( وقالت المجسمة معناه الاستقرار وهو قول فاسد لأن الاستقرار من صفات الأجسام ويلزم منه الحلول والتناهي وهو محال في حق الله تعالى ) .
وقال كذلك في شرحه عند قوله تعالى :- ( إليه يصعد الكلم الطيب ) :-
وقال ابن بطال أن غرض البخاري في هذا الباب الرد على المجسمة في تعلقها بهذه الظواهر وقد تقرر أن الله تعالى ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان ليستقر فيه ، فقد كان ولا مكان ..
وقال الإمام العلامة أبو حنيفة النعمان في عقيدته :- ( ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة )
وشرحه العلامة ملا علي القاري فقال :- أي أنه لا تعالى لا يكون في غاية القرب ولا البعد فهو سبحانه منزه عن الحلول والاتصال والانفصال والاتحاد ..
وقال :- ومجمل الكلام وزبدة المرام أن الواجب لا يشبه الممكن ولا الممكن يشبه الواجب فليس بمحدود ولا لا يوصف بلوازم الأجسام من الحرارة والبرودة واليبوسة والرائحة ولا يجوز عليه التمكن في المكان لا علو ولا سفل ولا غيرهما ولا يجري عليه زمان تعالى عما يتوهمه المشبهة والمجسمة والحلولية .
وقال أبو حنيفة في عقيدته كذلك في كتاب الوصية ( نقر بأن الله تعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة واستقرار عليه وهو حافظ العرش وغير العرش .. ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان ؟؟ فهو منزه عن ذلك وتعالى عنه علوا كبيرا .
ولا ننسى في في الختام أن نأكد على أن صحابة رسول الله سألوه عليه السلام عن مكان الله فقالوا :- هل ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟؟؟
ولو كان أحد من المجسمة ليجيب مكان رسول الله لقالوا لهم أنهم مبتدعون لا يعلمون مكان ربهم !!!
ولكن رسول الله عليه السلام الذي نهى الصحابة عن التكلم في ذات الله كما بينت آنفا ، صمت ، وانتظر نزول قوله جل وعلا .. حتى جاء الجواب من الله تعالى ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) .
وكذلك لما سأل الناس رسول الله عن ذات الله تعالى :- سكت رسول الله حتى نزل قوله تعالى القاطع بتنزه الله عن التشبيه المطلق ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) .
وهذا جواب يؤكد أن الله لا شبيه له مطلقا فليس بجسم وليس بجالس على العرش وليس بذي أعضاء يتكون منها كما يتوهم الوهابية ، أسأل الله تعالى لهم الهداية والتوفيق والرشاد وحسن الخطاب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
|