عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2022-04-20, 10:03 AM
معاوية فهمي إبراهيم مصطفى معاوية فهمي إبراهيم مصطفى غير متواجد حالياً
مشرف قسمي العيادة الصحية والمجتمع المسلم
 
تاريخ التسجيل: 2018-02-05
المشاركات: 2,733
افتراضي تبريد الطعام وعدم النفخ فيه

تبريد الطعام وعدم النفخ فيه
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
(( تبريد الطعام وعدم النفخ فيه ))

من السنن التي حث عليها نبينا الكريم صل الله عليه وسلم والتي نسيها كثير من الناس اليوم هي:

أولًا: سنة (تبريد الطعام والشراب الساخِنَين) قبل تناولهما بحيث تكون درجة حرارتهما معقولة لما فيهما من الفوائد الطبية على أجسامهم.

فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم: (( أَبْرِدُوا الطَّعَامَ الْحَارَّ فَإِنَّ الطَّعَامَ الْحَارَّ غَيْرُ ذِي بَرَكَةٍ )).[1]

قال المناوي (رحمه الله): "أبردوا: ندبًا، بالطعام أي: أخروا أكله إلى أن يبرد، فتناولوه باردًا... والمراد هنا: نفي ثبوت الخير الإلهي، فيكره استعمال الحار لخلوه من البركة ومخالفته للسنة، بل إن غلب على ظنه ضرره فيحرم".[2]

قال الأستاذ عبدالدائم الكحيل في موسوعته: أثبتت الدراسات الطبية أن الإدمان على تناول الطعام والشراب الحار يهيئ خلايا الجسم لحدوث السرطان، وبخاصة في الجهاز الهضمي، وقد تمت مراجعة عشرات الدراسات السابقة، وتبيَّن أن الطعام الحار يؤثر سلبيًّا على جسم الإنسان ويرتبط بسرطان المريء، فمن الذي علم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بأن الطعام الحار لا بركة به؟[3]

فهل سنعمل بهذا التوجيه النبوي: ((أَبْرِدُوا الطَّعَامَ الْحَارَّ فَإِنَّ الطَّعَامَ الْحَارَّ غَيْرُ ذِي بَرَكَةٍ))، والذي بدأ علماء الغرب بتوجيه الناس للأخذ بكلام سيدنا محمد صل الله عليه وسلم، ومن أقرب معاني البركة أن الطعام تتناوله أنه يغذِّيك ولا يصيبك منه أذى ويقويك على طاعة الله تعالى.

ثانيًا: سنة: (عدم التنفس في الإناء والنفخ فيه):

لقد نهى النبي صل الله عليه وسلم عن التنفس في الإناء، والنفخ في الطعام والشراب، فعن أبي قتادة رضي الله عنه أَنَّ النّبِيَّ صل الله عليه وسلم: (( نَهَى أَن يُتَنَفَّسَ فِي الإِنَاءِ)) [4]، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صل الله عليه وسلم (( نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الإِنَاءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ )).[5]

وقد بيّن العلماء (رحمهم الله) سبب هذا النهي، فقال الحافظ ابن حجر (رحمه الله): " وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّأَدُّبِ لِإِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّظَافَةِ إِذْ قَدْ يَخْرُجُ مَعَ النَّفَسِ بُصَاقٌ أَوْ مُخَاطٌ أَوْ بُخَارٌ رَدِيءٌ فَيُكْسِبُهُ رَائِحَةً كَرِيهَةً فَيَتَقَذَّرُ بِهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ عَنْ شُرْبِهِ ".[6]


وقال الشوكاني (رحمه الله) عند شرح قوله صل الله عليه وسلم: (أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ):"أَيْ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي يُشْرَبُ مِنْهُ، وَالْإِنَاءُ يَشْمَلُ إنَاءُ الطَّعَامِ وَالشَّرَاب فَلَا يُنْفَخُ فِي الْإِنَاءِ لِيَذْهَبَ مَا فِي الْمَاءِ مِنْ قَذَارَةٍ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو النَّفْخُ غَالِبًا مِنْ بُزَاقٍ يُسْتَقْذَرُ مِنْهُ، وَكَذَا لَا يُنْفَخُ فِي الْإِنَاءِ لِتَبْرِيدِ الطَّعَامِ الْحَارِّ، بَلْ يَصْبِرُ إلَى أَنْ يَبْرُدَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَأْكُلُهُ حَارًّا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَذْهَبُ مِنْهُ وَهُوَ شَرَابُ أَهْلِ النَّارِ".[7]

وهذا إِذا أَكَلَ وَشَرِبَ مع غيره، وأَما لو أَكَلَ وحده أَو مع أَهْلِهِ أو مع من يعلم أَنَّه لا يَتَقَذَّرُ شَيْئًا مِمَّا يتناوله فلا بَأْس، والأولى عدم النفخ أو التنفس في الإناء؛ حتى لا يفوته التأدب بهذا الأدب الرفيع الذي تحبه وترضاه النفوس الكاملة، ولا يفوته أجر امتثال هذه التوجيهات النبوية التي تحث الأمة على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات.

وإذا كانت هناك حاجة تدعو إلى النفخ في الطعام أو الشراب لتبريده، وكان يحتاج إلى أن يأكل أو يشرب ويشق عليه أن ينتظره ليبرد، فإن الكراهة تزول حينئذ كما صرح بذلك الإمام المرداوي من فقهاء الحنابلة (رحمه الله) فقال: "قَالَ الْآمِدِيُّ: لَا يُكْرَهُ النَّفْخُ فِي الطَّعَامِ إذَا كَانَ حَارًّا، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، إنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ إلَى الْأَكْلِ حِينَئِذٍ".[8]

ولكن الأَوْلَى ألا ينفخَ، حتى لو كان حارًّا، فإذا كان الطعام أو الشراب حارًّا وعنده إناء آخر، فإنه يَصبُّه في الإناء، ثم يعيده مرة ثانية حتى يبرد.

فعلى المسلم أن يفتخر بهذا الدين العظيم الذي حرص على تعليمه لآداب المعيشة كلها، حتى في أمور طعامه وشرابه، وليتأمل كم في كتب فقهائنا (رحمهم الله) من تعليم مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات.

فهل سننتهي عما نهانا عنه نبينا صل الله عليه وسلم من التنفس في الاناء، والنفخ في الطعام والشراب؟

وهل سنتخلق بمكارم الأخلاق التي علمنا إياها نبينا صلى الله عليه وسلم؟


نسأل الله تعالى لنا ولكم الحفظ، والسلامة، والعافية من كل داء، وحسن الختام، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

[1] المستدرك على الصحيحين للحاكم، كتاب الأطعمة- أَبْرِدُوا الطَّعَامَ الْحَارَّ4/ 132)، برقم (7125)، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

[2] فيض القدير للمناوي: (1/ 77).

[3] أسرار الإعجاز العلمي، موقع مخصص لأبحاث ومقالات عبد الدائم الكحيل،

[4] صحيح البخاري، كتاب الأشربة - باب النهي عن التنفس في الإناء: (7/ 146)، برقم (5630)، صحيح مسلم، كتاب الأشربة - بَابُ كَرَاهَةِ التَّنَفُّسِ فِي نَفْسِ الْإِنَاءِ، وَاسْتِحْبَابِ التَّنَفُّسِ ثَلَاثًا خَارِجَ الْإِنَاءِ: (3/ 1602)، برقم (267)

[5] سنن الترمذي، أبواب الأشربة - بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ: (3/ 368)، برقم(1888)، قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

[6] فتح الباري لابن حجر: (1/ 253).

[7] نيل الأوطار للشوكاني8/ 221).

[8] الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي: (8/ 328).

§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§
رد مع اقتباس