واقع الكلمة وضوحا واظهار

[أكرم غريب]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
أما بعد:
لماذا نقاتل؟
إن القتال يحصل من كل أمة ولا ينفك القتال بين الأمم إلى قيام الساعة وهذا القتال وإن كانت له أسباب وأهداف مختلفة فإنه يندرج تحت سنة الله تعالى القدرية التي بينها بقوله: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين () فالقتال الذي يحصل إنما هو لحفظ الأرض من الفساد –وكل فساد منشأه عدم التقيد بمنهج الله تعالى- وهذا الفساد بينه تعالى بقوله: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز()، فالله تعالى يريد أن يُذكر ولهذا خلق الخلق:وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون()، والبشرية تميل دوما إلى الانحراف والفساد لأن الإنسان بطبعه ظلوم جهول: إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا()، مصداقا لقوله تعالى: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين()، وكما أن القتال سنة قدرية فهو في دين الله تعالى سنة شرعية: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير()، وهذا القتال إنما هو كما بينه عليه الصلاة والسلام عن أبي موسى قال:جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضبا، ويقاتل حمية، فرفع إليه رأسه، قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائما، فقال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله عز وجل.أ.هـ وهذا الحديث يشتمل على ثلاثة أمور:
الأول: فعل وهو القتال.
الثاني: النية بأن يكون هذا القتال لله تعالى.
الثالث: تحقيق هدف محسوس وهو إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى.
فالقتال إنما يسبقه أمران هما:
1- ظهور الكلمة وبيانها ووضوحها(وضوح الراية).
2-إيجاد الواقع الذي يتحقق فيه إعلاء هذه الكلمة.
ولذلك فالله تعالى بين بأن القتال يسبقه توضيح وإظهار لهذه الكلمة يترتب عليه: أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير() الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز()، وأول نصر لكلمة الله تعالى هو إظهارها وتوضيحها وهو صريح قوله تعالى: إلا أن يقولوا ربنا الله() وهو الجهاد الكبير قال تعالى: فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا() فأول جهاد إنما هو جهاد الكلمة والذي يترتب عليه نصر من الله تعالى وهو التمكين لهذه الكلمة وإيجاد الواقع الذي تتحقق فيه هذه الكلمة قال تعالى: إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم()، وهذا التمكين الذي هو من عند الله تعالى لا يخضع للأسباب فكما مكن لموسى عليه السلام وقومه مع ما كانوا فيه من استضعاف قال تعالى: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجلهم الوارثين() ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون () وقال أيضا: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون () فهذا التمكين ليس خاصا بموسى عليه السلام وقومه وإنما هي سنة الله في عبادة ولا يكون هذا التمكين إلا بعد تحقيق التوحيد والصبر على تبعات هذه الكلمة واليقين بوعد الله تعالى لمن حقق هذه الكلمة فهذا هو الإيمان الذي يعقبه التمكين وهذا نبي الله يوسف عليه السلام عندما حقق هذه الكلمة وصبر على أمر الله تعالى جاءه التمكين وهو في غياهب السجون قال تعالى: وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين () ( راجع رسالة لماذا أنا مسلم ؟ ولماذا اخترت الإسلام؟ .
فما هي هذه الكلمة التي لا يتحقق النصر إلا عليها ؟ إنها كما قال تعالى:وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون() إنها البراءة من كل معبود سوى الله تعالى: وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين () وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون() إنها كلمة التوحيد ولفظ البراءة هو المدلول العملي لهذه الكلمة أي: التخلص من كل معبود دون الله تعالى فلا يبقى لأي طاغوت( المعبود من دون الله تعالى) كلمة في حياة قائلها وبينها أيضا سبحانه وتعالى في قوله: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد لا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون() وقد بين تعالى في هذه الآية أن المراد بهذه الكلمة هو معناها ومدلولها العملي القائم على ركنين عمليين هما:
1- ألا نعبد وهو عمل.
2- ولا نشرك بالله شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله وهذا عمل أيضا .
وهذان الركنان هما الإسلام كما وضح الله تعالى ذلك بقوله: ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت الآية. فكلمة الله تعالى هي: اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، وهي كلمة واضحة بينة فهل هناك كلمة يقاتل المسلم لإعلائها غير هذه الكلمة الربانية ؟
هل في كتاب الله تعالى ما يزيد عليها؟
هل في كتاب الله تعالى ما ينقص منها شيئا أو يستثني منها شيئا؟
كلا، إنها كلمة تامة عامة واضحة لا يتم النصر إلا بتحقيقها.
فإذا حصل النقص أو الزيادة عليها أصبحت ليست كلمة الله تعالى فليست من دين الله تعالى وإنما كلمة من يقولها وهذا ما حذر الله منه بقوله: وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون()، فأنى يحصل نصر الله تعالى لغير كلمته ؟ وهذه الكلمة هي: عبادة الله وترك عبادة غيره, إذن فمدار هذه الكلمة على العبادة وما حصل الخلل إلا بعدم العلم بها سواءً جهلا أو تحريفا وقد لخص ربعي بن عامر رضي الله عنه الغاية من القتال بقوله:لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده .
فالعبادة هي الدعاء والدعاء هو الطاعة ( امتثال الأمر) والسؤال والاستغاثة وما يتعلق بالأسماء الحسنى.
والعبادة هي الحكم والتحاكم والتشريع.
والعبادة هي الولاء وهي الطاعة والإتباع والمحبة والنصرة.
فكلمة التوحيد بأن يكون هذا كله لله سبحانه وتعالى قولا وعملا ليس للطاغوت منه شيء وهذا هو معنى البراءة فهي على هذا كلمة واضحة بينة قولا وعملا.
فأين كلمة الله تعالى التي تجعل للطاغوت في هذه الكلمة من شيء؟!
فمع علمي يقينا وكلمة أُشهد الله تعالى عليها أن أكثر الناس وممن ينتسبون إلى الإسلام خصوصا لا يعلمونها كمدلول ناهيك عن العمل بها مصداقا لقوله تعالى: إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون()، وكثير ممن ينتسبون إلى الإسلام وخاصة الدعاة قد جهلوا معناها على الواقع فتراه يقول مثلا أن التحاكم عبادة ( وقليل من يقر بذلك) وهو يجهل معنى التحاكم عمليا وكذلك الطاعة وكل ما يتعلق بهذه الكلمة.
فهل من قاتل وأجاز التحاكم إلى الطواغيت لأي سبب سوى الإكراه يكون مجاهدا في سبيل الله؟!
هل من قاتل وأجاز طاعة الطاغوت يكون مجاهدا في سبيل الله؟!
هل من قاتل وأجاز العمل مع الطواغيت يكون مجاهدا في سبيل الله ؟!
هل من قاتل وأجاز العمل بشرع الطواغيت يكون مجاهدا في سبيل الله ؟!
هل من قاتل وأجاز اللجوء إلى الطواغيت وتحقيق المصالح الأخروية ناهيك عن الدنيوية يكون مجاهدا في سبيل الله ؟!
فلا بد من العلم بمعنى هذه الكلمة علما كاملا والعمل بها كاملة والقتال عليها كاملة وإلا فإن الله تعالى لا يحابي أحدا ولا يعطي الناس بدعواهم فكما أن الجهل يكون بخلو النفس من الشيء فإنه يكون أيضا بأن يكون المرء واقعا في خلافه وهو يظن أنه ليس منه أي : إخراج صور من المعنى العام بدون دليل وبينة.
واعلموا يا عباد الله أن الجهاد يكون بعد التمكين لهذه الكلمة والذي هو وعد من الله تعالى ليس من عمل البشر واجتهادهم وإنما على تحقيقهم لهذه الكلمة وإظهارها ولذلك قال تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعمل الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون()،وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم()، وبين هذه الحقيقة أيضا بقوله: الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور() والجهاد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إن سنة الله لا تتبدل فعليكم بالوحي فإنكم لن تضلوا ما إن تمسكتم به فإذا حصل تمكين لهذه الكلمة في واقع الأشخاص كأفراد تبعه التمكين لهم في الواقع كجماعة فما هو الواقع المعاصر من هذه الكلمة وضوحا وإظهارا ؟ .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.