جديد المواضيع |
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
دعوى: خلو الكتب السابقة من البشارة برسول الإسلام
دعوى: خلو الكتب السابقة من البشارة برسول الإسلام زعموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس برسول. وبنوا هذا الزعم على أربع شعب هي: 1. إن العهد والنبوة والكتاب محصورة في نسل إسحق لا إسماعيل.؟! 2. إن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزات.؟! 3. إن القرآن من نوادر الأعمال الإنسانية ، فليس هو معجزاً(1)؟! 4. إن الكتب السابقة - التوراة وملحقاتها والأناجيل - خلت من البشارة برسول الإسلام؟! الرد على الشبة: ولكن قبل أن نواجهها مواجهة مباشرة أريد أن أقدم كلمة موجزة بين يدي هذه المواجهة ، رأيت أن تقديمها من أوجب الواجبات في هذا المجال. وجود "البشارات" وعدمها سواء.. أجل: إن وجود البشارات وعدمها في الكتب المشار إليها آنفًا سواء، وجودها مثل عدمها، وعدمها مثل وجودها. فرسالة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ليست في حاجة إلى دليل يقام عليها من خارجها، بحيث إذا لم يوجد ذلك الدليل "الخارجي" بطلت - لا سمح الله - تلك الرسالة؛ فهي رسالة دليلها فيها، ووجود البشارات بها في كتب متقدمة - زمنا - عليها لا يضيف إليها جديداً، وعدم وجود تلك البشارات لا ينال منها شيئاً قط. فهي حقيقة قائمة بذاتها لها سلطانها الغني عما سواها. ودليلها قائم خالد صالح للفحص في كل زمان ومكان، باق بقاء رسالته أبد الدهر أشرق ولم يغب، ظهر ولم يختف، قوى ولم يضعف. علا ولم يهبط، إنه دليل صدق الأنبياء كلهم. فكل الأنبياء مضوا ولم يبق من أدلة صدقهم إلا ما جاء في هذا الدليل "القرآن العظيم" حيث شهد لهم بالصدق والوفاء وأنهم رسل الله المكرمون.. فلا يظنن أحدُ أننا حين نتحدث عن بشارات الكتب السابقة برسول الإسلام إنما نتلمس أدلة نحن في حاجة إليها لإثبات صدق رسول الإسلام في دعواه الرسالة. فرسول الإسلام ليس في حاجة إلى "تلك البشارات" حتى ولو سلم لنا الخصوم بوجودها فله من أدلة الصدق ما لم يحظ به رسول غيره. وستعالج البشارة به صلى الله عليه وسلم على قسمين: 1- بشاراته صلى الله عليه وسلم في التوراة. 2- بشاراته صلى الله عليه وسلم في الإنجيل. أولاً: البشارات في التوراة تعددت البشارات برسول الإسلام في التوراة وملحقاتها، ولكن اليهود أزالوا عنها كل معنى صريح، وصيروها نصوصاً احتمالية تسمح لهم بصرفها عنه صلى الله عليه وسلم ومع هذا فقد بقيت بعد تعديلها وتحريفها قوية الدلالة على معناها "الأصلي" من حملها على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم لأن حملها على غيره متعذر أو متعسر أو محال. فهي أشبه ما تكون برسالة مغلقة محي "عنوانها" ولكن صاحب الرسالة قادر - بعد فضها - أن يثبت اختصاصها به ، لأن الكلام " الداخلي " الذي فيها يقطع بأنها " له " دون سواه؛ لما فيها من "قرائن" وبينات واضحة ونعرض - فيما يلى - بعضاً منها: "وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته". فقال: "جاء الرب من سيناء ، وأشرق لهم من ساعير ، وتلألأ من جبل فاران"(2). في هذا النص إشارة إلى ثلاث نبوات: الأولى: نبوة موسى عليه السلام التي تلقاها على جبل سيناء. الثانية: نبوة عيسى عليه السلام وساعير هي قرية مجاورة لبيت المقدس ، حيث تلقى عيسى عليه السلام أمر رسالته. الثالثة: نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وجبل فاران هو المكان الذي تلقى فيه - عليه الصلاة والسلام - أول ما نزل عليه من الوحي وفاران هي مكة المكرمة مولد ومنشأ ومبعث محمد صلى الله عليه وسلم. وهذه العبارة - مرة أخرى - تضمنت خبراً وبشارتين: فالخبر هو تذكير موسى بفضل الله عليه حيث أرسله إليهم رسولاً. والبشارتان: الأولى: خاصة بعيسى عليه السلام. والثانية: خاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم. وموقف اليهود منهما النفي: فلا الأولى بشارة بعيسى ابن مريم ولا الثانية بشارة برسول الإسلام. أما موقف النصارى فإن النفي - عندهم - خاص ببشارة رسول الإسلام. ولهم في ذلك مغالطات عجيبة ، حيث قالوا إن "فاران" هي "إيلات" وليست مكة. وأجمع على هذا "الباطل" واضعو كتاب: قاموس الكتاب المقدس. وهدفهم منه واضح إذ لو سَلَّمُوا بأن "فاران" هي مكة المكرمة ، للزمهم إما التصديق برسالة رسول الإسلام ، وهذا عندهم قطع الرقاب أسهل عليهم من الإذعان له!! أو يلزمهم مخالفة كتابهم المقدس ، ولم يقتصر ورود ذكر "فاران" على هذا الموضع من كتب العهد القديم ، فقد ورد في قصة إسماعيل عليه السلام مع أمه هاجر حيث تقول التوراة: إن إبراهيم عليه السلام استجاب لسارة بعد ولادة هاجر ابنها إسماعيل وطردها هي وابنها فنزلت وسكنت في "برية فاران"(3). على أنه يلزم من دعوى واضعي قاموس الكتاب المقدس من تفسيرهم فاران بإيلات أن الكذب باعترافهم وارد في التوراة. لأنه لم يبعث نبي من "إيلات" حتى تكون البشارة صادقة. ومستحيل أن يكون هو عيسى عليه السلام ؛ لأن العبارة تتحدث عن بدء الرسالات وعيسى تلقى الإنجيل بساعير وليس بإيلات. فليست " فاران " إلا " مكة المكرمة " وباعتراف الكثير منهم ، وجبل فاران هو جبل " النور " الذي به غار حراء ، الذي تلقى فيه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بدء الوحي. وهجرة إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة المكرمة " فاران " أشهر من الشمس. وترتيب الأحداث الثلاثة في العبارة المذكورة: جاء من سيناء وأشرق من ساعير وتلألأ من فاران. هذا الترتيب الزمنى دليل ثالث على أن " تلألأ من جبل فاران " تبشير قطعى برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. وفي بعض " النسخ " كانت العبارة: "واستعلن من جبل فاران" بدل "تلألأ". وأياً كان اللفظ فإن "تلألأ" و"استعلن" أقوى دلالة من "جاء" و"أشرق" وقوة الدلالة هنا ترجع إلى "المدلولات " الثلاثة. فالإشراق جزء من مفهوم "المجيء" وهكذا كانت رسالة عيسى بالنسبة لرسالة موسى (عليهما السلام). أما تلألأ واستعلن فهذا هو واقع الإسلام ، رسولا ورسالة وأمة ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هذه المغالطة (فاران هي إيلات) لها مثيل حيث تزعم التوراة أن هاجر أم إسماعيل عندما أجهدها العطش هي وابنها إسماعيل بعد أن طردا من وجه "سارة" طلبت الماء فلم تجده إلا بعد أن لقيا ملاك " الرب " في المكان المعروف الآن " ببئر سبع " ؟! وأنها سميت بذلك لذلك..؟! وكما كذبت فاران دعوى "إيلات" كذَّبت "زمزم الطهور" دعوى "بئر سبع"؟ وستظل فاران - مكة المكرمة - وزمزم الطهور "عملاقين" تتحطم على صخورهما كل مزاعم الحقد والهوى. ويجيء نص آخر في التوراة لا محمل له إلا البشارة برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم مهما غالط المغالطون. وهو قول الله لموسى حسب ما تروى التوراة: "أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك ، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه"(4). حدث هذا حسب روايات التوراة وعداً من الله لموسى في آخر عهده بالرسالة ، وكان يهمه أمر بني إسرائيل من بعده ، فأعلمه الله - حسب هذه الرواية التوراتية - أنه سيبعث فيهم رسولا مثل موسى عليه السلام. ولقوة دلالة النص على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقد وقف أهل الكتابين - اليهود والنصارى - موقفين مختلفين هدفهما واحد ، وهو أن النص ليس بشارة برسول الإسلام. أما اليهود فلهم فيه رأيان: الأول: أن العبارة نفسها ليست خبراً بل هي نفي ، ويقدرون قبل الفعل "أقيم" همزة استفهام يكون الاستفهام معها "إنكارياً" وتقدير النص عندهم هكذا " أأقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك؟! بطلان هذا الرأي وهذا الرأي باطل ولن نذهب في بيان بطلانه إلى أكثر من كلام التوراة نفسها. وذلك ؛ لأنه لو كان النص كما ذكروا بهمزة استفهام إنكاري محذوفة هي في قوة المذكور لكان الكلام نفياً فعلاً.. ولو كان الكلام نفياً لما صح أن يعطف عليه قوله بعد ذلك: "ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه " ؟! فهذا المقطع إثبات قطعاً فهو مرتب على إقامة النبي الذي وعد به المقطع الذي قبله. فدل هذا " العطف " على أن المقطع السابق وعد خبرى ثابت لا نفي. ويترتب على ذلك بطلان القول الذاهب إلى تقدير الاستفهام..؟! الثاني: وقد أحس اليهود ببطلان القول بالاستفهام فاحتاطوا للأمر وقالوا لا مانع أن يكون النص خبراً ووعداً مثبتاً ، ولكنه ليس المقصود به عيسى ابن مريم عليه السلام ولا محمد بن عبد الله رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ، بل المراد به نبى من أنبياء إسرائيل يوشع بن نون فتى موسى، أو صموئيل..؟! موقف النصارى: أما النصارى فيحملون البشارة في النص على عيسى عليه السلام وينفون أن يكون المراد بها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ، وقد علمنا قبلا أن اليهود ينفون أن تكون لعيسى عليه السلام. وللنصارى مغالطات عجيبة في ذلك إذ يقولون إن النبي الموعود به ليس من بنى إسماعيل بل من بنى إسرائيل. ومحمد إسماعيلي فكيف يرسل الله إلى بنى إسرائيل رجلاً ليس منهم.؟! كما قالوا إن موسى أتى بمعجزات ومحمد لم يأت بمعجزات فكيف يكون مثله. وقد رددنا على هذه الفرية فيما تقدم. الحق الذي لا جدال فيه: والواقع أن كل ما ذهب إليه اليهود والنصارى باطل. باطل. ولن نذهب في بيان بطلانه إلى أبعد من دلالة النص المتنازع عليه نفسه. أما الحق الذي لا جدال فيه فإن هذا النص ليس له محمل مقبول إلا البشارة برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وإليكم البيان: إن النص المتنازع عليه يقيد البشارة بالنبي الموعود به فيه بشرطين: أحدهما: أنه من وسط إخوة بنى إسرائيل. وثانيهما: أنه مثل موسى عليه السلام صاحب شريعة وجهاد لأعداء الله وهذان الشرطان لا وجود لهما لا في يوشع بن نون ، ولا في صموئيل كما يدعى اليهود في أحد قوليهم. ولا في عيسى عليه السلام كما يدعى النصارى. أما انتفاء الشرط الأول فلأن يوشع وصموئيل وعيسى من بنى إسرائيل وليسو من وسط إخوة بنى إسرائيل. ولو كان المراد واحداً منهم لقال في الوعد: أقيم لهم نبياً منهم.. ؟! هذا هو منهج الوحي في مثل هذه الأمور كما قال في شأن النبي صلى الله عليه وسلم: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم...)(5). وكما جاء على لسان إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم...)(6). وأما انتفاء الشرط الثاني ، فلأن: لا صموئيل ولا يوشع ولا عيسى ابن مريم كانوا مثل "موسى" عليه السلام. فموسى كان صاحب شريعة ، ويوشع وصموئيل وعيسى وجميع الرسل الذين جاءوا بعد موسى عليه السلام من بنى إسرائيل لم يكن واحداً منهم صاحب شريعة ، وإنما كانوا على شريعة موسى عليه السلام. وحتى عيسى ما جاء بشريعة ولكن جاء متمماً ومعدلاً فشريعة موسى هي الأصل. إن عيسى كان مذكراً لبنى إسرائيل ومجدداً الدعوة إلى الله على هدى من شريعة موسى عليه السلام !! فالمثلية بين هؤلاء - وهي أحد شرطيْ البشارة - وبين موسى عليه السلام لا وجود لها؟! الشرطان متحققان في رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وبنفس القوة والوضوح اللذين انتفي الشرطان بهما عمن ذكروا من الأنبياء ثبت ذلك الشرطان لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: فهو من نسل إسماعيل ، وإسماعيل أخو إسحق ، الذي هو أبو يعقوب المسمى إسرائيل. فهو من وسط إخوة بنى إسرائيل - بنو عمومتهم - وليس من إسرائيل نفسها. وبهذا تحقق الشرط الأول من شرطيْ البشارة: ومحمد - عليه الصلاة والسلام - صاحب شريعة جليلة الشأن لها سلطانها الخاص بها - جمعت فأوعت - مثلما كان موسى - أكبر رسل بنى إسرائيل - صاحب شريعة مستقلة كانت لها منزلتها التي لم تضارع فيما قبل من بدء عهد الرسالات إلى مبعث عيسى عليه السلام. وبهذا يتحقق الشرط الثاني من شرطى البشارة وهو " المثليه " بين موسى ومحمد (عليهما صلوات الله وسلامه) ، فعلى القارئ أن يتأمل ثم يحكم. في المزامير المنسوبة إلى داود عليه السلام وردت كثير من العبارات التي لا يصح حمل معناها إلا على رسول الإسلام. ومن ذلك قول داود كما تروى التوراة: " أنت أبرع جمالاً من بنى البشر. انسكبت النعمة على شفتيك، لذلك باركك الله إلى الأبد. تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار ، جلالك وبهاؤك. وبجلالك اقتحم. اركب من أجل الحق والدعة.. بتلك المسنونة في قلب أعداء الملك - يعنى الله - شعوب تحتك يسقطون.. من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك " (7). اسمعي يانيت وأميلي أذنك ، وانسي شعبك وبيت أبيك ، فيشتهي الملك الملك حسنك ؛ لأنه هو سيدك فاسجدي له. وبنت صور أغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية. كلها مجد ابنة الملك في خدرها. منسوجة بذهب ملابسها مطرزة ، تحضر إلى الملك في إثرها عذارى صاحباتها مقدمات إليك يحضرن بفرح وابتهاج يدخلن إلى قصر الملك. عوضاً عن آبائك يكون بنوك نقيمهم رؤساء في كل الأرض اذكر اسمك في كل دور فدور من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والآبد " وقفة مع هذا الكلام في المقطع الأول (أ) لا تنطبق الأوصاف التي ذكرها داود إلا على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. فهو الذي قاتل بسيفه في سبيل الله وسقطت أمامه شعوب عظيمة كالفرس والروم. وهو الممسوح بالبركة أكثر من رفقائه الأنبياء ؛ لأنه خاتم النبيين ، ورسالته عامة خالدة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )(8). ولم يترك رسول هدى وبيانا مثلما ترك رسول الإسلام في القرآن الحكيم ، وفي أحاديثه وتوجيهاته ، التي بلغت مئات الآلاف ، وتعددت المصادر التي سجلتها ، وفيها من روائع البيان ، وصفاء الألفاظ ، وشرف المعاني ما ليس في غيرها. أما المقطع الثاني (ب) فهو أوصاف للكعبة الشريفة. فهي التي تترضاها الأمم بالهدايا. وهي ذات الملابس المنسوجة بالذهب والمطرزة ، وهي التي يذكر اسمها في كل دور فدور وتأتيها قوافل" الحجيج " رجالاً ونساءً من كل مكان فيدخل الجميع في " قصر الملك " ويحمدها الناس إلى الأبد؛ لأن الرسالة المرتبطة بها رسالة عامة: لكل شعوب الأرض الإنس والجن. بل والملائكة. وفي مواسم الحج يأتيها القاصدون من جميع بقاع الأرض مسلمين، ورعايا مسلمين من بلاد ليست مسلمة. خالدة: لم ينته العمل بها بوفاة رسولها، كما هو الحال فيما تقدم. وإنما هي دين الله إلى الأبد الأبيد. وأشعيا وسفره من أطول أسفار العهد القديم ملئ بالإشارات الواضحة التي تبشر برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، ولولا المنهج الذي أخذنا به هنا وهو عدم التطويل لذكرنا من ذلك الكثير؛ ولذا فإننا نكتفي بهذا المقطع لدلالته القوية على ما نقول: " قومي استنيري؛ لأنه قد جاء نورك ، ومجد الرب أشرق عليك.. لأنه ها هي الظلمة تغطى الأرض والظلام الدامس الأمم. أما عليك فيشرق الرب ، ومجده عليك يرى. فتسير الأمم في نورك ، والملوك في ضياء إشراقك. ارفعي عينيك حوالي وانظري. قد اجتمعوا كلهم جاءوا إليك. يأتي بنوك من بعيد، وتحمل بناتك على الأيدي ، حينئذ تنظرين وتنيرين ويخفق قلبك ويتسع ؛ لأنه تحول إليك ثروة البحر ، ويأتي إليك غنى الأمم تغطيك كثرة الجمال بكران مديان ، وعيفة كلها تأتي من شبا. تحمل ذهبًا ولبانًا ، وتبشر بتسابيح الرب. كل غنم قيدار تجتمع إليك. كباش نبايوت تخدمك تصعد مقبولة على مذبحي، وأزين بيت جمالي. من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها. إن الجزائر تنتظرني وسفن ترشيش في الأول لتأتى من بعيد ، وفضتهم وذهبهم معهم لا سم الرب إلهك…(9). وبنو الغريب يبنون أسوارك، وملوكهم يخدمونك.. وتفتح أبوابك دائما نهاراً وليلاً لا تغلق ، ليؤتى إليك بغنى الأمم وتقاد ملوكهم...(10). دلالة هذه النصوص: بلا أدنى ريب فإن هذا الكلام المنسوب إلى أشعيا وصف لمكة المكرمة وكعبتها الشامخة. فالمقطع الأول إنما هو حديث عن موسم الحج المبارك فيه يجتمع بنوها حولها من كل مكان وفيه لمحة قوية جداًُ إلى نحر الهدى صبيحة العيد. ألم يشر النص إلى غنم قيدار، وقيدار هوولد إسماعيل عليه السلام الذي تشعبت منه قبائل العرب. ثم ألم ينص على المذبح الذي تنحر عليه الذبائح؟ كما أشار النص ثلاث إشارات تعد من أوضح الأدلة على أن المراد بهذا النص مكة المكرمة. وتلك الإشارات هي طرق حضور الحجاج إليها. ففي القديم كانت وسائل النقل: ركوب الجمال. ثم السفن. أما في العصر الحديث فقد جدت وسيلة النقل الجوى "الطائرات" وبشارة أشعيا تضمنت هذه الوسائل الثلاث على النحو الآتي: 1- الجمال ، قال فيها: تغطيك كثرة الجمال!! 2- السفن ، قال فيها: وسفن ترشيش تأتي ببنيك من بعيد! 3- النقل الجوى، وفيه يقول: من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها؟!! أليس هذا أوضح من الشمس في كبد السماء. على أن النص ملئ بعد ذلك بالدقائق والأسرار ، ومنها أن مكة مفتوحة الأبواب ليلاً ونهاراً لكل قادم في حج أو عمرة!! ومنها أن خيرات الأمم تجبى إليها من كل مكان ، والقرآن يقرر هذا المعنى في قول الله تعالى: (أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء)(11). ومنها أن بنى الغريب (يعنى غير العرب) يبنون أسوارها. وكم من الأيدي العاملة الآن، وذوي الخبرات يعملون فيها ويشيدون قلاعها فوق الأرض وتحت الأرض ومنها أنه ما من عاصمة من عواصم العالم إلا دخلت في محنة من أهلها أو من غير أهلها إلا هذه "العاصمة المقدسة", فظلت بمأمن من غارات الغائرين وكيد الكائدين، ومثلها المدينة المنورة. ومنها كثرة الثروات التي مَنَّ الله بها عليها. أليس البترول من ثروات البحر العظمى التي تفجرت أرض الحجاز وشبه الجزيرة منه عيوناً دفاقة بمعدل لم تصل إليه أمة من الأمم. أضف إلى ذلك سبائك الذهب والفضة. والحديث عن مكة المكرمة حديث عن رسول الإسلام ؛ لأن مجدها لم يأت إلا على يدي بعثته صلى الله عليه وسلم. هذه الحقائق لا تقبل الجدل. ومع هذا فإن أهل الكتاب (وخاصة اليهود) يحملون هذه الأوصاف على مدينة "صهيون" ولهذا فإنهم عمدوا إلى النص وعدلوه ليصلح لهذا الزعم. ولكننا نضع الأمر بين يدي المنصفين من كل ملة. أهذه الأوصاف يمكن أن تطلق على مدينة "صهيون". لقد خرب " بيت الرب " في القدس مراراً وتعرض لأعمال شنيعة على كل العصور. أما الكعبة الشريفة والمسجد الحرام فلم يصل أحد إليهما بسوء ، ثم أين ثروات البحر والبر التي تجبى إلى تلك المدينة وأهلها (إلى الآن) يعيشون عالة على صدقات الأمم. وأين هي المواكب التي تأتى إليها براً وبحراً وجَوّاً ، وهل أبوابها مفتوحة ليلاً ونهاراً ، وأين هم بنوها الذين اجتمعوا حولها. وما صلة غنم قيدار وكباش مدين بها. وأين هو التسبيح الذي يشق عنان السماء منها.. وأين.. وأين..؟ إن هذه المغالطات لا تثبت أمام قوة الحق ، ونحن يكفينا أن نقيم هذه الأدلة من كتبهم على صدق الدعوى ، ولا يهمنا أن يذعن القوم لما نقول فحسبك من خصمك أن تثبت باطل ما يدعيه أمام الحق الذي تدافع عنه. والفاصل بيننا ـ في النهاية ـ هو الله الذي لا يُبدل القول لديه. وتنسب التوراة إلى نبي يدعى "حبقوق" من أنبياء العهد القديم ، وله سفر صغير قوامه ثلاثة إصحاحات. تنسب إليه التوراة نصوصاً كان يصلي بها. تضمنها الإصحاح الثالث من سفره. وهذا الإصحاح يكاد يكون كله بشارة برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. وإليكم مقاطع منه: "الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران ـ سلاه ـ جلاله غطى السماوات. والأرض امتلأت من تسبيحه وكان لمعان كالنور له من يديه شعاع ، وهناك استتار قدرته. قدامه ذهب الوبأ. وعند رجليه خرجت الحمى. وقف وقاس الأرض، نظر فرجف الأمم ودكت الجبال الدهرية، وخسفت آكام القوم. مسالك الأزل يسخط دست الأمم ، خرجت لخلاص شعبك... سحقت رأس بيت الشرير معرياً الأساس حتى العنق... سلكت البحر بخيلك..(12). دلالات هذه الإشارات: لا يستطيع عاقل عالم بتاريخ الرسالات ومعاني التراكيب أن يصرف هذه النصوص على غير البشارة برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. فالجهتان المذكورتان في مطلع هذا المقطع وهما: تيمان: يعنى اليمن، وجبل فاران: يعنى جبل النور الذي بمكة المكرمة التي هي فاران. هاتان الجهتان عربيتان. وهما رمز لشبه الجزيرة العربية التي كانت مسرحاً أولياً لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم. فليس المراد إذن نبياً من بنى إسرائيل؛ لأنه معلوم أن رسل بنى إسرائيل كانت تأتى من جهة الشام شمالاً. لا من جهة بلاد العرب. وهذه البشارة أتت مؤكدة للبشـارة المماثلة ، التي تقدم ذكرها من سفر التثنية ، وقد ذكرت أن الله: تلألأ أو استعلن من جبل فاران. بيد أن بشارة التثنية شملت الإخبار بمقدم موسى عليه السلام والتبشير بعيسى عليه السلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم أما بشـارة حبقوق فهي خاصة برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. ولو لم يكن في كلام حبقوق إلا هذا "التحديد" لكان ذلك كافياً في اختصاص بشارته برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم, ومع هذا فقد اشتمل كلام حبقوق على دلائل أخرى ذات مغزى: · منها: الإشارة إلى كثرة التسبيح حتى امتلأت منه الأرض.. ؟! · ومنها: دكه صلى الله عليه وسلم لعروش الظلم والطغيان وقهر الممالك الجائرة. · ومنها: أن خيل جيوشه ركبت البحر ، وهذا لم يحدث إلا في ظل رسالة الإسلام. على أن كلام حبقوق ملئ بالرمز والإشارات مما يفيدنا في هذا المجال ولكننا نتجاوزه لأمرين: أحدهما: أن في الإشارات الصريحة غناء عنها. وثانيهما: عدم التطويل ـ هنا ـ كما اتفقنا. بشاراته صلى الله عليه وسلم في العهد الجديد أسفار العهد الجديد (الأناجيل والرسائل) حافلة بالنصوص التي يتعين أن تكون "بشارات" برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. تلك البشـارات تعـلن أحياناً في صورة الوعـد بملكوت الله أو ملكوت السماوات. وأحيانا أخـرى بالـروح القـدس. ومرات باسـم المعـزى أو الفارقليط ، وهي كلمة يونانية سيأتي فيما بعد معناها ، تلك هي صورة البشارات في الأناجيل في صيغها المعروفة الآن. ففي إنجيل متى وردت هذه العبارة مسـندة إلى يحيى عليه السلام المسمى في الأناجيل: يوحنا المعمدان. وفيها يقول: "توبوا ؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات"(13). فمن هو ملكوت السماوات الذي بشر به يحيى؟! هل هو عيسى عليه السلام ـ كما يقول النصارى؟! هذا احتمال.. ولكن متَّى نفسه يدفعه حيث روى عن عيسى عليه السلام نفس العبارة: "توبوا ؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات"(14). فلـو كان المراد بملكـوت السماوات ـ هذه ـ عيسى عليه السلام لما وردت هذه "البشارة" على لسان عيسى؛ إذ كيف يبشر بنفسه ، وهو قائم موجود ، والبشـارة لا تكون إلا بشئ محـبوب سيأتي، كما أن الإنذار ـ قسيمه ـ لا يكون إلا بشيء "مكروه" قد يقع. فكلاهما: التبشير والإنذار ـ أمران مستقبلان. إن ورود هذه العبارة عن عيسى نفسه تخصيص لذلك العموم المستفاد من عبارة يحيى عليهما السلام. فدل ذلك على أن المراد بملكوت السماوات رسول آخر غير عيسى. ولم يأت بعد عيسى ـ باعتراف الجميع ـ رسول غير رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. فدل ذلك على أنه هو المراد بملكوت السماوات في عبارة عيسى عليه السلام ـ قولاً واحداً ـ وباحتمال أرجح في عبارة يحيى؛ إذ لا مانع عندنا ـ أن يكون يحيى عليه السلام قد بشر بها بعيسى عليه السلام. أما بشارة عيسى فلا موضع لها إلا الحمل ـ القطعي ـ على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. وفي صيغة الصلاة التي علمها المسيح لتلاميذه ـ كما يروي مَتَّى نفسه ـ بشارة أخرى بنبي الإسـلام. وهذا هو نص مَتَّى في هذا "فصلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليأت ملكوتك"(15). ووردت هذه الصيغة في إنجيل لوقا هكذا: "متى صليتم فقـولوا: أبانا الذي في السماوات ليتقـدس اسمك ليأت ملكوتك.."(16). ويذكر لوقا أن المسيح جمع تلاميذه، وعلمهم كيف يقهرون الشياطين، ويشفـون الأمراض ثم قال: "وأرسلهم ليكرزوا ـ أي يبشروا ـ بملكوت الله"(17). أما مرقس فيسند هذه البشارة إلى المسيح نفسه إذ يقول: "جاء يسوع إلى الجبل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول: قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله " (18). فهـؤلاء ثلاثة من التلامذة يتفقـون على أن يحيى وعيسى (عليهما السلام) قد بشرا بملكوت الله الذي اقترب. فمن المراد بملكوت الله إذا لم يكن هو رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم؟! وأكاد أجزم بأن عبارة "المسيح ، قد كمل الزمان" لا تعني سوى انتهاء عصر الرسالات الموقوتة وإقبال الرسالة الخالدة!! أما يوحنا صاحب رابع الأناجيل. فإنه يذكر هذه البشارات في مواضع متعددة من إنجيله. ومن ذلك ما يرويه عن المسيح عليه السلام " الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي، والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للأب الذي أرسلني. بهذا كلمتكم وأنا عندكم. وأما المعزى (اسم فاعل من الفعل المضعف العين عزى)(19) الروح القدس، الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بما قلته لكم"(20). كما يروي يوحنا قول المسيح ـ الآتي ـ مع تلاميذه: "إنه خير لكم أن انطلق. إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى بر وعلى دينونة"(21). ويروي كذلك قول المسيح لتلاميذه: "وأما إذا جاء ذاك روح الحق ، فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه. بل كل ما يسمع يتكلم به ، ويخبركم بأمور آتية ".. ؟!(22). فمن هو المعزى أو روح القدس أو روح الحق الذي بشر به المسيح عليه السلام حسبما يروى يوحنا؟! إن المسيح يقول: إن ذلك المُعَرِّى أو الروح القدس لا يأتي إلا بعد ذهاب المسيح، والمسيح ـ نفسه ـ يُقـِرُّ بأن ذلك المُعَرِّى أو الروح أَجَلُّ منه شأنا، وأعم نفعاً وأبقى أثراً، ولذلك قال لتلاميذه: خير لكم أن أنطلق. إن لم أنطلق لا يأتيكم المُعَرِّى. وكلمة "خير" أفعل تفضيل بمعنى أكثر خيراً لكم ذهابي ليأتيكم المعزى ولو كان "المُعَـزَّى" مسـاويًا للمسيح في الدرجة لكانا مستويين في الخيرية ولما ساغ للمسيح أن يقول خير لكم أن أنطلق. ومن باب أولى لو كان "المعزَّى" أقل فضلاً من المسيح. فعبارة المسيح دليل قاطع على أنه بشر بمن هو أفضل منه ، لا مساوٍ له ولا أقل. ثم يصف المسيح ذلك المُعَرَّى أو الروح بأوصـاف ليست موجـودة في المسيح نفسه عليه السلام. ومن تلك الأوصاف: أ ـ إنه يعلم الناس كل شيء. وهذا معناه شمول رسالته لكل مقومات الإصلاح في الدنيا والدين. وذلك هو الإسلام. ب ـ إنه يبكت العالم على خطية. والشاهد هنا كلمة " العالم " وهذا معناه شمول الإسلام لكل أجـناس البشر ، عربا وعجماً ، في كل زمان ومكان. ولم توصف شريعة بهذين الوصفين إلا الإسلام. جـ ـ إنه يخـبر بأمور آتية ، ويذكـر بما مضى. وقد تحقق هذا في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. فأخبر بأمور آتية لم يخبر بها من سبقه أو أخبروا ولكن ليس على وجه التفصيل والتأكيد الذي كان على يديه صلى الله عليه وسلم فكم في القرآن من أمور أخبر بها قبل أن تقع فوقعت كما أخبر ، وكم فيه من الإخبار بما سيكون في الحياة الآخرة من أوصاف الجنة ، والنار ، والبعث ، وعلامات الساعة ، وتخاصم أهل النار ، وحوار أصحاب الجنة مع " رجال الأعراف " ، وندم من باعوا دينهم بدنياهم... إلخ. وذكر بما مضى من أحوال الأمم ، وقيام الحضارات ثم سقوطها وأحوال المرسلين وما بلغوا به أقوامهم والشهادة لهم بالصدق والأمانة والإخلاص والوفاء ، ومسلك بعض الأقوام من رسلهم والصراع الذي دار بين المحقين وأهل الباطل ، وعاقبة بعض المكذبين... إلخ. ثم استوعبت رسالته الحياة كلها فأرست قواعد الاعتقاد الصحيح وسنت طرق العبادة المثمرة ، ووضعت أصول التشريع في كل ما هو متعلق بالحياة عاجلها وآجلها ، ووضحت العلاقة السليمة بين المخلوق والخالق ، وبين الناس بعضهم بعضاً. وحررت العقول ، وطهرت القلوب ورسمت طريق الهدى لكل نفس ولكل جماعة ولكل أمة. أي أنها أرشدت إلى كل شيء. وعلمت كل شيء مما يحتاج تعلمه إلى وحي وتوقيف..! ذلك هو الإسلام ، ولا شيء غير الإسلام. وشهدت ـ فيما شهدت ـ للمسيح عليه السلام بأنه رسول كريم أمين أدى رسالته وبشر وأنذر بنى إسرائيل, وأنه عبده ورسوله (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون)(23). وشهادة رسول الإسلام لعيسى عليه السلام منصوص عليها في بشارات عيسى نفسه به (صلى الله عليه وسلم). فاسمع إلى يوحنا وهو يروى عن المسيح عليه السلام قوله الآتي: "ومتى جاء المعزَّى الذي سأرسله " أنا " إليكم من الأب روح الحق من عند الأب ينبثق فهـو يشهـد لي.. وتشهـدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء"(24). روح القـدس هذا، أو المعزَّى ، أو روح الحق لا يمكن أن يكون عيسى ؛ لأن عـيسى لم يبشر بنفسـه ، وهو كان موجوداً ساعة قال هذا ولا يمكن أن يكون المراد به نبياً بعد عيسى غير محمد (صلى الله عليه وسلم) لأننا متفقون على أن عيسى لم يأت بعده نبي قبل رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. فتعين أن يكون روح القدس ، أو المعزَّى ، أو روح الحق تبشيرا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذ فيه تجتمع تلك الأوصاف ، كما يتحقق فيه معنى "الأفضلية" إذ هو خاتم النبيين، الذي جاء بشريعة خالدة عامة، وعلى هذا حملنا قبلا قول عيسى: خير لكم أن أنطلق. إن لم أنطلق لا يأتيكم المُعَزِّى " وهذا إقرار من عيسى بأن المبشر به أفضل من المُبَشِّر وكفي بذلك شواهد. أما البشارة باسم "الفارقليط" فقد خلت منها الترجمات العربية المعاصرة للكتاب المقـدس. ومعـلوم أن الكتاب المقدس خضع للترجمات وطبعات متعددة ؛ لدرجة أن الترجمات العربية لتختلف من نسخة إلى أخرى اختلافا بيناً. وتحت يدي ـ الآن ـ نسختان من الطبعـات العربية كلتاهما خاليتان من كلمة الفارقليط، وموضوع مكانها كلمة المعزى. بيد أنني وجدت أن ابن القيم ، وابن تيمية ، كل منهما قد نقل عن نسخ خطية كانت معاصرة لهما نصوصاً فيها التصريح باسم "الفارقليط" كما أن الشيخ رحمت الله الهندي (رحمه الله) نقل في كتابه "إظهار الحق" نصوصاً "عن ترجمات عربية ترجع إلى أعوام: 1821 ـ 1831 ـ 1844م وتمت في لندن معنى "الفارقليط": كلمة يونانية معناها واحد مما يأتي: الحامد ـ الحماد ـ المحمود ـ الأحمد. أو معناها كل ما تقدم. فمعنى "فارقليط" يدور حول الحمد وجميع مشتقاته المشار إليها. وكل واحد منها يصح إطلاقه على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم فهو الحامد والحمّاد والمحمود والأحمد ، والمحمد. وفي الطبعات ـ اللندنية ـ المتقدم ذكرها ورد النص هكذا: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي. وأنا أطلب من الآب فيعطيكم فارقليط آخر، ليثبت معكم إلى الأبد". "الفارقليط" روح القـدس الذي يرسله الآب باسمي هو يعلمكم كل شيء، وهو يذكركم كل ما قلته لكم"(25). ومقارنة هذين النصـين بالنص المقابل لهما الذي نقلناه آنفا عن إنجيل يوحنا من الطبعات العربية الحديثة تريك أن الطبعات الحديـثة حـذفت كلمة " الفارقليط " ووضعت مكانها كلمة " المعزى " كما تريك أن الطبعات الحديثة حذفت جملة: " ليثبت معـكم إلى الأبد " وهو نص على خلود الإسلام على أنهم عادوا واعترفوا بأن كلمة " المعزى " التي في الطبعات الحديثة للكتاب المقـدس أصلها مترجـم عن كلمة يونانية لفظاً ومعنى وهي " باراكليتس " ومعناها المعزى ، وليست " فارقليط " أو " بارقليط " التي معناها الحماد والحامد... والتي يتمسك بها المسلمون! وهذه المحاولات مردودة لسببين: أولهما: ليس نحن ـ المسلمين ـ الذين قاموا بعمل بالطبعات القديمة التي فيها " الفارقليط " وإنما طبعها النصارى قديماً. فعملهم حجة على الطبعات الحديثة, وهم غير متهمين في عملهم هذا. وثانيهما: ولو كانت الكلمة "هي: الباراكليتس" فلماذا خلت منها الطبعات القديمة والنسخ المخطوطة؟! بل ولماذا خلت منها الطبعات الحديثة؟! وأيًا كان المدار: فارقليط ، أو باراكليتس ، أو المعزى ، أو الروح القدس فنحن لا نعول على الكلمة نفسها بقدر ما نعول على الأوصاف التي أجريت عليها. مثل يعلمكم كل شيء ـ يمكث معكم إلى الأبد. فهـذه الأوصـاف هي لرسـول الإسـلام صلى الله عليه وسلم ومهما اجتهدتم في صرفها عنه فلن تنصرف. ولهم " شبهة " أخرى يحلو لهم تردادها وهي: محمد صلى الله عليه وسلم عربي الجنس واللسان ، فكيف يرسله الله إلى أمم وأجناس غير عربية.. وكيف يكلف الله الناس برسالة لا يعرفون لغتها ولا عهد لهم بالتحدث معها. وكيف يستطيعون أن يفهموا القرآن ، وتوجيهات رسول الإسلام ، وهما باللغة العربية؟! رد الشبهة: نرد عليها من طريقين: الأول: وهو مستمد من واقـع القـوم أنفسهم. فهم يدعون تبعاً لما قال "بولس" أن عيسى عليه السلام مرسل لخلاص العالم كله. وأنه أمر حوارييه أن يكرزوا كل العالم برسالة الخلاص ، وفي أيامنا هذه كثرت المنشورات التي تقول: المسيح مخلص العالم. وهنا نسأل القوم سؤالاً: أية لغة كانت لغة المسيـح عليه السلام وحوارييه ؟! هل هي العبرانية أم اليونانية؟! وأيا كان الجواب فإن المسيح كان يتكلم لغة واحدة. وأوحى إليه الإنجيل بلغة واحدة.. فعلى أي أساس إذن قلتم: إنه منقذ لكل العالم؟! هل كل العالم كان وما يزال يعرف لغة المسيح ؟! أم أن العالم أيام المسيح كان يتكلم بعدة لغات.. والآن يتكلم بمئات اللغات؟! فإن كنتم قد ادعيتم أن المسيح هو منقذ كل العالم مع تسليمكم بأنه كان يتكلم بلغة واحدة فلماذا تنكرون على رسول الإسلام أن يكون مرسلاً لكل العالم.؟! وما الفرق بين رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم والمسيح عليه السلام حتى تحظروا عليه ما استبحتموه للمسيح؟! أهذا عدل.. أهذا إنصاف!! وإن تنازلتم عن عالمية المسيح فأنتم مدينون!! الثاني: وهو مستمد من طبيعة الإسلام. ومن تاريخه الطويل الحافل بكل عجيب. نعم: إن محمداً صلى الله عليه وسلم عربي اللسان ، والجنس ، والقرآن العظيم الذي جاء به عربي اللسان، عالمي التوجيه والتشريع والسلطان. ووحدة اللغة في الإسلام مثل وحدة العقيدة فيه. ولم يحل دون انتشار الإسلام بين الأمم والشعوب غير العربية أن لغة رسالته عربية ورسوله عربي ورواده الأوائل عرب. هذه الاعتبارات لم تحل دون نشر الإسلام لجميع شعوب الأرض باختلاف لغاتها وعقائدهـا وأجناسها. وكان سلوك الدعوة إلى الإسلام حكيمًا، وهذه أبرز ملامحه: أولاً: إن صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم أرسل رسله يحملون رسائله وكتبه إلى كل رؤساء القبائل وملوك الأمم والشعوب ، وقد بدأت هذه الطريقة بعد وقوع صلح الحديبية ، وكل حامل رسالة أو كتاب إلى رئيس أو ملك كان على علم بلغة من هم المبعوث إليهم. فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل دحية بن خليفة الكلبي. وأرسل إلى المقوقس عظيم القبـط بمصـر حاطب بن أبى بلتعة. وأرسل إلى كسرى عبد الله بن حذافة السهمي. وأرسل إلى الحارث بن أبى شمر الغساني شجاع بن ذهب الأسدى. وكان هؤلاء الرسل عالمين بلغات من أرسلوا إليهم. كما كان صلى الله عليه وسلم يحتفظ بمترجمين يترجمون له ما يرد من رسائل لغتها غير العربية. ثانياً: إن الملوك والرؤساء كان لديهم مترجمون ـ كذلك ـ يترجمون لهم ما يرد من رسول الإسلام أو يقومون بالترجمة من العربية إلى غيرها ، ومن غير العربية إلى العربية في حالة ما إذا كان " المرسل " وفداً يحمل رسائل شفوية للتبليغ. ثالثاً: إن اليهود وكثيراً من النصارى كانوا يعرفون اللسان العربي ، ومن النصارى من هم عـرب خلص كنصـارى نجـران ، كما أن العجم من الفرس والروم كان من بينهم عرب يعايشونهم ويقيمون بينهم. رابعاً: كان صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم يحض أصحابه على تعلم لغات الأمم ومما يروى عنه ـ عليه الصلاة السلام ـ قوله: من تعلم لغة قوم أمن غوائلهم. خامساً: لما اجتازت الدعوة مرحلة الدعوة بالرسالة والكتاب والوفد ، والبعث ، ودخلت في مرحلة الفتح كان الجنود المسلمون ينشرون اللغة العربية كما ينشرون الإسلام نفسه. وما من أرض حل بها الإسلام إلا وقد حلت بها اللغة العربية تعضده ، وتؤازره في انسجام عجيب ، فقضت اللغة العربية على لغات الأمم والشعوب وحلت هي محلها. قضت على القبطية في مصر وعلى الفارسية في الشام وعلى البربرية في شمال غرب أفريقيا كما قضت على السريانية وغيرها من اللغات ، وأصبحت هي لغة الحياة والإدارة والكتابة والنشر والتأليف. سادساً: قام العرب المسلمون بترجمة ما دعت إليه المصلحة من تراث الأمم المفتوحة ، ففتحوا نوافذ الفكر ، والثقافة ، والمعرفة لمن لا يعرف غير العربية من العرب المسلمين. كما ترجموا من الفكر الإسلامي ما يصلح ضرورة لغير العرب من المسلمين فنقلوه من العربية إلى غير العربية وفاءً بحق الدعوة والتبليغ. سابعاً: أقبل غير العرب من الذين دخلوا الإسلام على تعلم العربية وتركوا لغاتهم الأصلية وأصبحوا عربي اللسان واللغة. ومن هـؤلاء أعلام لا يحصون كان لهم فضل عظيم في إنماء الفكر الإسلامي منهم اللغويون ، والنحويون ، والبيانيون ، والفقـهاء ، والأصوليون ، والمفسرون ، والمحدثون ، والمتكلمون ، والفلاسفة ، والمناطـقة ، والرياضيون ، والأطباء ، والفلكيون ، بل والشعراء والأدباء والرحالة والجغرافيون ، وغيرهم ، وغيرهم. إن كل مجال من مجـالات النشـاط العلمي في الإسلام نبغ فيه كثير من غير العرب بعد تعلمهم اللغة العربية التي كانوا فيها مثل أنجب وأحذق وأمهر أبنائها. ولو رحنا نحصى هؤلاء لضاق بنا السهل والوعر ، فلتكن الإشارة إليهم نائباً عن ذلك التفصيل غير المستطاع. إن وحدة اللغة في الإسلام لم تحل دون نشر الإسلام ، فلم يمض طويل من الزمن حتى بلغت الدعوة مشارق الأرض ومغاربها. وصلت إلى الهند والصين في أقصى الشرق ، وإلى شواطئ المحيط الأطلسي في أقصى الغرب وإلى بلاد النوبة جنوباً وإلى جبال البرانس جنوبي فرنسا شمالاً. وتوطدت في قلب الكون: الحجاز واليمن والشام وفارس وبلاد ما بين النهرين وما وراء النهرين ومصر وجنوب الوادي، وتركت اللغة العربية الواحدة آثارها في كل قطر أشرقت فيه شمس الإسلام ، وحتى ما فارقه الإسلام ـ كأسبانيا ـ ما تزال حضارة الإسلام وآثار العربية تغزو كل بيت فيها. وكما استوعب الإسلام مناهج الإصلاح في كل مجالات الحياة الإنسـانية استوعـبت شقيقته الكبرى " اللغة العربية " كل أنماط التعبير ووسعت بسلطانها كل وسائل التسجيل والتدوين.. وامتلكت ناصية البيان الرائع الجميل ، فهي لغة علم ، ولغة فن ومشاعر ، ووجدان. وقانون وسلام وحرب ، ودين ودنيا. إن أكثر من ألف مليون مسلم ينتشرون في ربوع الأرض الآن لم يعجز الكثير منهم من غير العرب عن حفظ كتاب الله " القرآن العظيم " ويتلونه كما أنزل بلسان عربي فصيح. فإذا عاد إلى حديثه اليومي لجأ إلى لغة أمه وأبيه وبيئته. ومسلم غير عربي استطاع أن يحفظ أو يقرأ القرآن بلغته العربية الفصحى لهو قادر ـ لو أدى المسلمون العرب واجبهم نحو لغة التنزيل ـ أن يقرأ بها كتب الحديث، والفقه، والتشريع، والنحو، والصرف ، والبلاغة ، والأدب وسائر العلوم والفنون. ولكنه ذنب العـرب المسـلمين لا ذنب اللغة. فهي مطواعة لمن يريد أن يتقنها إن وجد معلماً مخلصاً. والأمل كبير ـ الآن ـ في أن يلتقي كل المسلمين على لغة واحدة ، كما التقوا على عقيدة واحدة. إن رسـول الإسـلام صلى الله عليه وسلم عالمي الدعوة وإن كان عربي اللسان والجنس. وإن الإسلام الحنيف عالمي التوجيه والسلطان وإن كانت لغة تنزيله عربية ورسوله عربياً ، ورواده الأوائل عرباً. ------------------ (1) رددنا على هذه الادعاءات في " الإسلام في مواجهة الاستشراق في العالم " مرجع سبق ذكره. (2) سفر التثنية: الإصحاح (33) الفقرات (1-2). (3) سفر التكوين (21 - 21). (4) سفر التثنية: الإصحاح (18) الفقرات (18 - 19). ويكون المعنى عليه: كيف أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم ؟ أي لا أفعل هذا. (5) الجمعة: 2. (6) البقرة: 129. (7) المزمور (45) الفقرات (2 - 17) مع الحذف اليسير. (8) الأنبياء: 107. (9) مكان النقط هنا كلام لم نذكره هو " قدوس إسرائيل لأنه مجدك " ؟! وهذا مقطع مضاف بكل تأكيد والهدف منه صرف الكلام عن معناه الظاهر!! (10) سفر أشعياء الأصحاح (60) الفقرات (4-12) مع حذف يسير. (11) القصص: 57. (12) (3 ـ3 ـ15) مع الحذف. (13) الإصحاح (3) الفقرة (2). (14) الإصحاح (4) الفقرة (17). (15) الإصحاح (6) الفقرة (9ـ10). (16) الإصحـاح (11) الفقـرة (2). (17) الإصحاح (9) الفقرة (2). (18) الإصحاح (1) الفقرة (14 ـ15). (19) هذا إيضاح وليس من النص. (20) الإصحاح (14) الفقرات (24 ـ 26). (21) الإصحاح (16) الفقرتان (7 ـ8). (22) الإصحاح (16) الفقرة (13). (23) مريم: 34. (24) الإصحاح (15) فقرتا (26 ـ 27). (25) انظر كتاب " إظهار الحق " ص 528 للشيخ رحمت الله الهندي تحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا. نشر دار التراث. |
#2
|
|||
|
|||
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6 كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين |
#3
|
|||
|
|||
رد: دعوى: خلو الكتب السابقة من البشارة برسول الإسلام
مشكور والله يعطيك الف عافيه .
|
أدوات الموضوع | |
|
|