مخيم الهول.. معضلة تنتظر الحل
ثمة إجماع على أن الوضع في مخيم الهول شرق سوريا بات أشبه بقنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه الجميع في أي وقت.
ففيه يقطن أكثر من ستين ألف شخص من ستين جنسية، معظمهم من عناصر داعش وعائلاتهم، بينهم أكثر من ثلاثين ألف طفل، وهؤلاء يشكلون الفئة الأخطر؛ لأنهم ما زالوا يتلقون معتقدات التنظيم من خلال عناصر داعش المعروفين بالحسبة، ولعل التعبير الأخطر عن الظاهرة، ما شهده الجميع عندما واجهه العشرات من هؤلاء الأطفال لأى شخصية زارت المخيم قبل فترة بشعارات من نوع (أنت مرتدة - أنت كافرة - ودولة الإسلام باقية) وسط أعمال قتل واغتيال وحرق للخيم وهروب لعناصر داعش من المخيم إلى مناطق في سوريا أو حتى إلى العراق وتركيا عبر شبكات مرتبطة بخلايا داعش.
يقع المخيم في منطقة صحراوية على الحدود السورية-العراقية بني عام 1991 بإشراف الأمم المتحدة بالتعاون مع الحكومة السورية لاستقبال مئات اللاجئين العراقيين خلال حرب الخليج الأولى، وفي عام 2003 تحول المخيم إلى محطة لعشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين هربوا من العراق أو طردوا منها عقب الغزو الأمريكي للعراق، وفى عام 2005 كانت هناك معاناة كبيرة لهؤلاء اللاجئون من ظروف قاسية في مناخ صحراوي، وانعدام للخدمات، ونقص في المواد الأساسية من غذاء ودواء إلى أن تم ترحيل اللاجئين الفلسطينيين من المخيم إلى دول أوروبية وكندا، حيث أغلق المخيم عام 2010، قبل أن تندلع الأزمة السورية ويسيطر داعش عليه وقبل أن تسيطر عليه قوات قسد التي حولته عقب تحرير الباغوز شرقي دير الزور إلى أكبر مكان لتجمع عناصر داعش، إلى درجة أن البعض وصف المخيم بأنه أصبح مدينة داعشية وأكاديمية لجيله الجديد.
تتلخص مشكلة مخيم الهول بقضيتين أساسيتين:
الأولى: صعوبة السيطرة على المخيم، فرغم كل الجهود التي تم بذلها خلال السنوات الماضية إلا أنه من الواضح أن ثمة ثغرات كبيرة موجودة، سواء لجهة عدم كفاية عناصر الحراسة، أو كيفية مواجهة الفكر المتطرف في المخيم، أو تعقيدات علاقة المقيمين في المخيم بخلايا داعش في الخارج، كما أثرت الحملات العسكرية التركية على قدرات قسد في تأمين المخيم؛ إذ تضطر قسد إلى إرسال قسم كبير من عناصرها إلى جبهات القتال مع تركيا على حساب تأمين المخيم، حيث كان لافتا عثور عناصر قسد خلال حملتهم الأخيرة (مستمرة إلى الآن) لضبط المخيم على أنفاق وخنادق ومعدات، في مؤشر إلى خطورة الوضع هناك، وإمكانية تفجره وتحوله إلى نزاع مسلح، خاصة في ظل الأفكار المتطرفة التي يعتقد بها عناصر التنظيم ووجود أكثر من عشرة آلاف مقاتل داعشي.
الثانية: رفض الدول التي لها مواطنون في صفوف داعش استقبالهم، فرغم المناشدات العديدة لقسد والإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا وحتى من الإدارة الأمريكية لهذه الدول لاستقبال هؤلاء العناصر، إلا أن هذه الدول ترفض استقبالهم حتى الآن، بل سارعت بعض الدول إلى اتخاذ إجراءات، منها نزع الجنسية عنهم لقطع الطريق أمام إعادتهم إلى بلدانهم، وفي أحسن الأحوال توافق على استعادة بعض الأطفال من دون أمهاتهم، وهو ما جعل للقضية أبعادا أمنية وسياسية وقانونية وأخلاقية متداخلة، انعكس في تباين مواقف هذه الدول من كيفية التعامل مع عشرات الآلاف من عناصر داعش المعتقلين لدى قسد، سواء في مخيم الهول أو غيره من المخيمات في شمال شرق سوريا.
أمام هذا الواقع الصعب، عملت قسد على مستويين، فعلى مستوى الداخل اتفقت مع وجهاء عشائر عربية على الإفراج عن قرابة نحو ثلاثة آلاف من عناصر داعش السوريين غير المتورطين في أعمال القتل، ربما بهدف التخفيف من الأعباء عنها ولكسب ود هذه العشائر واستيعابها، وعلى مستوى الخارج طالبت قسد مرارا بإنشاء محكمة دولية لمحاكمة هؤلاء العناصر، سواء في الخارج أو في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، إلا أن هذه الدعوة تواجه مشكلات كثيرة، فإلى جانب عدم تجاوب الدول الأجنبية معها، ثمة جوانب قانونية غير متوفرة لإقامتها في مناطق سيطرة قسد، لعل أهمها عدم وجود أي اعتراف دولي بقسد سياسيا، فضلا عن أن المناطق الواقعة تحت سيطرتها هي في النهاية جزء من سوريا؛ إذ إن أي إجراء رسمي لإقامة مثل هذه المحكمة في مناطق قسد سيشكل اعترافا قانونيا وسياسيا بها، وهو ما لن تقبل به الحكومة السورية التي تريد مثل هذا الدور لها، وترى أنه من حقها وحدها.
أمام هذه المعطيات المعقدة، من الواضح أن مشكلة مخيم الهول مرشحة للتفاقم والمزيد من المخاطر، وربما المتاح في المرحلة المقبلة هو تحويل المخيم إلى جوانتانامو جديد؛ إذ إن مثل هذه الفكرة قد تحظى بدعم مالي وأمني من الدول الأجنبية، ولا سيما الأوروبية التي تصر على عدم استقبالها مواطنيها من داعش، وإلى أن تتغير الظروف والمعطيات، ومن ثم الخيارات والحلول، لا أحد يضمن ألا تنفجر القنبلة الموقوتة في مخيم الهول في وجه الجميع، خاصة أن إمكانات قسد تبقى محدودة في مواجهة خطر داعش وخلاياه السرية وذئابه الفردية.
|