أنصار السنة  
جديد المواضيع





للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 محاسب قانوني   Online quran classes for kids > K- 2542911 >
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك


العودة   أنصار السنة > رد الشبهات وكشف الشخصيات > رد الشبهات وكشف الشخصيات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 2023-06-22, 10:36 AM
ناصرالشيبي ناصرالشيبي غير متواجد حالياً
باحث
 
تاريخ التسجيل: 2023-06-18
المكان: مكة المكرمة
المشاركات: 37
افتراضي الرد على مزاعم شحرور بمقاله (لا تتقولوا على الله)

1 - لقد بني شحرور طعنه في أحاديث السنة المشرفة على وصفه لها ، الذي قال فيه بأنها ( أخبار أحداث حصلت منذ 1400 عام ، سجلها من سمع بها بعد ما لا يقل عن مئتي عام من حدوثها) . و وصفه الذين دونوها بأنهم إنما ( سمعوها من أصحاب المغازي) . ووصفه الذين دونوها بقوله ( سمعها بدوره) فكل هذه مزاعم باطلة .
لأن الحقيقة هي أن عدداُ من الصحابة - رضي الله عنهم - حضروا تلك الأحداث مع النبي صلى الله عليه وسلم و سمعوا أقواله فيها ، وبشأنها . فحفظها معظمهم ، ودونها بعضهم من فورهم . ونقلوا كل ما لديهم منها لجيل تابعيهم بالطريقين . ونقل التابعون كل ما وصلهم منها مكتوباً ، و دونوا المسموع منها لمن بعدهم . ثم نقل تابعوا التابعين للأمة غالبية السنة المشرفة مدونة . في كتب السنن المعروفة اليوم . فتدوين أحاديث السنة المشرفة قد اكتمل في عهدهم .
فالذي اكتمل في جيل أتباع التابعين إنما هو جمع كل ما كان متفرقاً من المدون ، والمحفوظ من أحاديث السنة المشرفة . أي التجميع الأخير لها .
ومعلوم ان مجموع أعوام جيلي الصحابة والتابعين لم يجاوز القرن الهجري الأول ، إلا بقليل . فلم يتعده من جيلهما إلا ما يمكن اعتباره في حكم الاستثناء .
ولكن شحرور وأمثاله - نظراً لاستهدافهم التشكيك في احاديث السنة المشرفة - يتعمدون نشر وتكرار زعمهم أن تدوينها لم يبدأ إلا بعد مضي مئتي عام من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم . أي في القرن الثالث الهجري لترسيخه في الأذهان . مع علمهم بأنه كذبة افتروها، و لكنهم يحاولون بها تشكيك المسلمين و زعزعة ثقتهم في أحاديث السنة المشرفة .
أما الحقائق التي تبرهن على كذب زعمه فأهمها :
أ ـ أن معظم الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحفظون أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم في ذاكرتهم و وجدانهم . و يتداولون روايتها لبعضهم البعض . فكان من شهد منهم مجلس النبي صلى الله عليه وسلم يخبر من غاب عنه ، بما قاله ، وما فعله عليه الصلاة والسلام أولاً بأول .
وقد أخبروا بذلك كثيراً ، و روي عن عدد منهم أنهم كانوا يعملون بما يبلغهم من بعضهم من سنته صلى الله عليه و سلم القولية والفعلية . بحرص شديد منهم على اتباع هديه صلى الله عليه وسلم، والعمل بسنته في كل صغيرة وكبيرة .
ب - أن العرب قد اشتهر عنهم منذ زمن الجاهلية سرعة وجودة حفظهم لما يسمعون . فقد كانوا يحفظون القصائد الطوال بمجرد سماعها من الشاعر مرة واحدة . وموهبتهم الفذة في ذلك تعرفها عنهم كل الأمم .
ولولا ضيق المقام وطول قائمة الأكاذيب المراد تفنيدها ، و الرد عليها - لذكرت أمثلة كثيرة من جودة حفظ الصحابة و التابعين . ولكني أحيل من يرغب الوقوف على مثال جيد منها أن يقرأ ما جرى في مجلس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما حين كان يجيب على استفسارات أحد رؤوس الخوارج ، وهو نافع بن الأزرق عن جملة من آيات كتاب الله تعالى . وفي ذلك المجلس أنشد الشاعر عمر بن أبي ربيعة ابن عباس قصيدته الطويلة التي مطلعها قوله :
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ـ ـ غداة غد أو رائح فمهجر .
وعدد أبياتها (75) بيتاً . حيث أعاد ابن عباس سرد القصيدة بتمامها ، بناء على طلب نافع بن الأزرق ، بمجرد سماعه لها مرة واحدة . حيث أراد نافع أن يمتحن قوة حافظة ابن عباس . فأذهله ذلك .
ولا شك أن عناية الصحابة رضي الله عنهم بما كانوا يتلقونه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كانت أعظم بكثير من عنايتهم بغيره . لأنهم آمنوا به ، وأيقنوا أنه مبلّغ لهم عن ربهم سبحانه وتعالى مراداته منهم ؟ . فتنافسوا على إتقان حفظهم لسنته " لكل ما يقول و يفعل و يأمر به أو ينهى عنه " بدقة فائقة لا نظير لها . لحرصهم على التأسي والاقتداء به عليه الصلاة والسلام .
ج ـ لقد ثبت أن عدداً من الصحابة رضي الله عنهم دونوا الأحاديث على عهد النبي صلى الله عليه و سلم . منهم : علي ابن أبي طالب و عبدالله بن عمرو بن العاص صاحب الصحيفة المسماة ( الصادقة ) . و صحيفة عبدالله بن أبي أوفى التي جمعها و كتبها بخطه و صحيفة سعد ابن عبادة التي سميت ( صحيفة همام بن منبه ) ، و جابر بن عبدالله بن حرام ، و كتاب عمرو بن حزم الأنصاري ، و سمرة بن جندب ، وأنس بن مالك .
قال صبحي الصالح ( من المؤكد أن بعض الصحابة كتبوا طائفة من الأحاديث في حياته صلى الله عليه و سلم بعد أن أذن بالكتابة لكل من رغب فيها و قدر عليها ـ ـ و إن كنا لا نرتاب في تحقيق كتابتها في حياته صلوات الله عليه ، و في تناقل الناس لها زمنا غير قليل بعد وفاته عليه السلام ولحاقه بالرفيق الأعلى ) أ . هـ ( أنظر : علوم الحديث و مصطلحه ، ص 23 - 24 ) . قال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم أريد حفظه . فنهتني قريش عن ذلك . و قالوا : تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ! و رسول الله صلى الله عليه و سلم بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟ . فأمسكْتُ عن الكتابة حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم . فأومأ بأصبعه إلى فيه (أي إلى فمه الشريف ) فقال : ( اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق ) رواه أبوداود في سننه برقم ( 3646) ، وأحمد في مسنده (2 / 162) ، و صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1532) .
هذا فضلاً عن كتبه صلى الله عليه و سلم التي أمر بكتابتها من ( العهود والاتفاقات ، وتولية الولاة ، وعزلهم ، و إقطاع بعض الأراضي ، وأحكام الصدقات ، وكتب دعوته الملوك والسلاطين إلى الإسلام . وخطبته يوم الفتح التي أمر بكتابتها لأبي شاه . ومرويات أمهات المؤمنين رضي الله عنهن لأقواله وأفعاله صلى الله عليه و سلم ، والتي تم تدوينها عنهن ، والتي سماها الله تعالى الحكمة . وسمى ذكرها للعمل بها ( تلاوة) بقوله سبحانه " وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا " 34 ، الأحزاب) . وكل ما ذكرت إنما كان في النصف الأول من القرن الهجري الأول .
قال الماوردي ( ثُمَّ جَعَلَ أَهْلَ كُلِّ عَصْرٍ حُجَّةً عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ مِن الأعصار لِيَسْتَدِيمَ الإبلاغ ، فَقَالَ تَعَالَى{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ و َيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} 143، البقرة ، فَجَعَلَ الرَّسُولَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ، وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ ) أ . هـ ( أنظر: الحاوي الكبير ، ثالثاً: الإجماع ، 16 / 107 ) .
لكل ذلك فإن تعجب م/ شحرور الإنكاري على المسلمين تصديقهم بأحاديث السنة المشرفة ، وعدم تشكيكهم فيها هو في الحقيقة الداعي للتعجب . لأن الحقيقة أنه أسلوب خداع مغرض ممن يزعم للمسلمين أنه يقرأ لهم كتاب ربهم قراءة معاصرة .
د - ثم دون الأحاديث عدد من التابعين منهم الإمام محمد بن شهاب الزهري ، وسعيد بن جبير الأسدي ، محمد بن إسحاق بن يسار ، ومحمد بن مسلم الأسدي ، وغيرهم .
هـ - لقد فرغ الإمام مالك المتوفي عام 179 هجري من تصنيف كتابه الموطأ قبل وفاته بما يزيد على الثلاثين عاماً - أي بنهاية النصف الأول من القرن الهجري الثاني - ظل خلالها يلقى منه الدروس في المسجد النبوي حتى وفاته رحمه الله . ومن مروياته في الموطأ أحاديث كثيرة ذات إسناد عالٍ . وهي الأحاديث التي يبلغ رواتها بين مالك و بين النبي صلى الله عليه و سلم راويان فقط . أحدهما هو الصحابي الذي سمع الحديث بنفسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد سماها علماء الحديث بـ "سلسلة الذهب" . وهي (مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه) يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول كذا وكذا -- -).
وسبب حرصي على إيضاح حقيقة المدة التي مرت قبل تدوين أحاديث السنة المشرفة : هو أن شحرور وأمثاله يتعمدون إطالتها كذباً ليطعنوا في السنة من خلال إطالتها . حيث قال : "سجلها من سمع بها بعد ما لا يقل عن مئتي عام من حدوثها ") . ولم يقل (سمعها) . بل قال (سمع بها ) . وهناك فرق لا يخفي بينهما. كما قال ( بعد ما لا يقل ) مع أن هذا غير صحيح . كما تقدم . وقال ( وقد سمعها بدوره من أحد أصحاب المغازي ، وهو يرويها في جلسة ما ) . فأطلق على علماء الحديث و رواته اسم ( أصحاب المغازي ) . وسمى مجالس دروس الحديث الشريف ( جلسة ما) . وكأنه يتكلم عن جلسة ترفيهية لأصدقاء بمقهى ، أو بحديقة عامة .
فألفاظ شحرور- وأمثاله - وتعبيراتهم تظهر مدي حرصهم على الطعن في الأحاديث النبوية المشرفة ، وفي كل ما يتعلق بها بالافتراءات الكاذبة وبـأساليب خداع المسلمين ، والتدليس عليهم .
2 ـ فما تقدم يثبت كذلك بطلان استنكار ( شحرور، وأمثاله ) بناء الدين على أحاديث السنة المشرفة . مع أن الصحيح أنها الأصل الثاني للدين بعد كتاب الله تعالى . فهي المبينة له ، كما قال تعالى ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الآية 44 ، النحل . فلا يصح إنكار أي حديث من أحاديث السنة المشرفة تلقه الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح . لقوله تعالى ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الآية 7 ، المدثر.
إلا إن كان سبب الرد لحديث معين يرجع لاختلال أحد معايير إسناده . وفقاً لقواعد نقد أسانيد الحديث التي قررها علماء مصطلح الحديث . وأهم تلك المعايير هو: ثبوت اتصال سنده ، وعدالة رواته وضبطهم ، وعدم الشذوذ و الاعتلال .
أو إن كان سبب رد الحديث لخلل أحد المعايير المقررة في علم المصطلح لنقد المتون . وهي تتصف بنفس الدقة العلمية والمنطقية كمعايير الإسناد .
وعرض الأحاديث على معايير نقد الأسانيد والمتون ليس لمجرد التحكم . بل لأنها بالفعل معايير علمية دقيقة جداًً و ذات أصول شرعية ومنطقية صحيحة . وأهم معايير نقد المتون هو عدم مناقضة الحديث لآيات كتاب الله تعالى و سلامة لغته وعدم ركاكة الفاظه ، - - الخ . (أنظر التفاصيل في : معايير نقد متون السنة ،للدكتور مسفر غرم الله الدميني ، مجلد واحد) .
أما ما نراه من رد أحاديث السنة المشرفة بالمزاج تارة ، و بالانتقائية تارة أخرى ، و بالعصبية تارة ثالثة . دون سبب يعود لمعايير نقد الأسانيد ، أو لمعايير نقد المتون المعتمدة فلا يصح لمسلم ان يرتكبه . لأنه ينافي الإيمان ويقدح فيه
دلت على هذا آية سورة المدثر- آنفة الذكر- وأمثالها من الآيات التي يأمر الله تعالى فيها بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وامتثال أوامره والكف عن نواهيه ، وبينت أن وجوبها كوجوب طاعة أوامر الله تعالى و نواهيه .
هذا وقد صح قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( يوشك أن يقعد الرجل منكم متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) . رواه أبو داود في سننه ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجه في سننه ، وأحمد في مسنده ، وغيرهم من أصحاب السنن ، عن المقدام بن معد يكرب ، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع برقم (2657) .
فهذا الحديث نبوءة منه صلى الله عليه سلم بحال هؤلاء الذين يسمون أنفسهم زوراً وبهتاناً بـ (القرآنيين) والقرآن منهم براء . بل هم (اللاقرآنيون) قوم مفتونون في دينهم . و العياذ بالله تعالى . وكل ما تقدم هو بشأن رد بعض أحاديث السنة المشرفة .
أما رد السنة كلها جملة و تفصيلاً اعتقاداً لعدم حجيتها أصلاً ، والتكذيب بها كما هو مذهب ( شحرور ، وأمثاله ) فإن اعتقادهم هذا ينافي أصلا من أصول الإيمان . وقد عرضوا انفسهم به للخروج من الدين بالكلية . ولا شك أنه مذهب منحرف مرفوض عقلاً ، وشرعاً .
3 - أما زعم شحرور( وأمثاله من الجهلاء) بأن السنة النبوية محرفة ، وأنها تشوهً الإسلام . فهو اتهام باطل لكل الأمة الإسلامية بانها على ضلالة ، بسبب اتباعها السنة التي زعموا أنها محرفة . بينما تكذب هذا الاتهام عدة أدلة شرعية صحيحة منها الآية 44 ، النحل آنفة الذكر .
ومنها ما صح من قول الرسول صلى الله عليه و سلم :( إن أمتي لا تجتمع على ضلالة ) . رواه ابن ماجة وابن أبي عاصم في سننهما . وقال الألباني بأنه صحيح بشواهده . ( أنظر : ظلال الجنة ، حديث رقم 84 ،1 / 41) .
ومع شدة فداحة اتهامه للأمة الإسلامية كلها بأنها تدين الله تعالى بسنة محرفة مشوهة للإسلام لقرون طويلة من الزمان ، فإنه لم يقدم أي دليل عليه . وإنما هو مجرد عرض لرأيه الشخصي المبني على هواه ومزاجه ، الذي تكون وتشكل في روسيا وبريطانيا حيث تلقى تعليمه فيهما . ولا علاقه لفريته بالحقائق من قريب ، ولا من بعيد . وقد صاغ هذا الاتهام بأسلوب التعميم الفاسد . لذا ليست له أي قيمة علمية .
4 - بالنسبة لقوله ( بأن تحريف السنة المشرفة قد انعكس و ينعكس على حياة المسلمين اليومية) . هو انتقاد مبهم . لأنه لم يبين مقصوده منه . إلا أنني أراه يشير إلى استيائه الشديد من التزام المسلمين بالأحكام و القيم الشرعية الراقية التي استمدتها الأمة من أحاديث السنة النبوية المشرفة . ولا أجد رداً عليه أنسب مما أمر الله تعالى به رسوله أن يقوله للمنافقين ( قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) الآية 119، آل عمران . قال الزمخشري في بيان معناها ( دعاء عليهم بأن يزداد غيظهم حتى يهلكوا به . والمراد بزيادة الغيظ ، زيادة ما يغيظهم من قوّة الإسلام ، وعز أهله) أ.هـ ( أنظر : الكشاف 1 / 315) .
أما زعم شحرور انعكاس أثر سيء لأحاديث السنة المشرفة على علاقات المسلمين بالكافرين حيث قال ( وعلاقتنا مع الآخر ) ، فإن هذا تعبير منه عن استيائه من التزام المسلمين بعقيدة وجوب البراءة من الكافرين . مع أنها عقيدة مستمدة من آيات كتاب الله تعالى قبل استمدادها من أحاديث السنة المشرفة . فأظهر بهذه الجملة استياءه من التزام المسلمين بعقيدة البراء الإسلامية في معاملة غير المسلمين . فاللاقرآنيون يدعون إلى تعطيل العمل بعقيدة البراءة من الكافرين تحت شعار ما يحلو لهم تسميته بـ (التعايش السلمي) بالنسبة لجانب الدين ، ويسمونه في جانب السياسة بـ (التطبيع) ، ويطالبون المسلمين بهما .
بل إن شحرور يعتقد أن - أهل الكتاب ( اليهود و النصارى) وحتى المجوس والصابئة - يعتبر أنهم جميعاً مسلمون . ويحرص على تسميتهم بـ ( الآخر) تدليساً على المسلمين .
وسبق لي مراراً الرد على زعمه هذا . أذكر هنا أحدها على سبيل المثال . وقد كان ضمن الرد على كلامه ( بالحلقة رقم " 14 " من برنامجه النبأ العظيم ) نشرته على صفحته الرسمية . ونسخة منه على صفحتي ، كما ضمنته كتابي ( الرد على شبهات حول الإسلام العظيم) . وقد كان هذا الرد بعنوان ( الرد على مزاعم م/ شحرور بشأن " جرأته على تأويل آيات التنزيل الحكيم بمجرد رأيه الشخصي ") بتاريخ 16/ 6/ 2018 م ، السبت ، الموافق 2/ 10/ 1439 هـ . وأقتبس هنا بعضاً منه فقط . وهو ما يتعلق بهذه الفرية تحديداًً حيث كتبت:
( فإن إطلاق م/ شحرور زعمه تعميم صفة الإسلام على اتباع الملل الأخرى ( اليهودية ، الصابئة ، والنصرانية ،و المجوس) . هو إطلاق باطل ، لا يصح . أولاً لأنهم جميعاً يكذبون بالرسالة الخاتمة ( برسولها محمد صلى الله عليه وسلم ، و بكتابها القرآن الكريم) . بل إن أكثرهم يشركون بالله تعالى . فمنهم ملحدون ، ومنهم وثنيون ، ومنهم لا دينيون ، وغير ذلك . فلا يصح اعتقاد إسلامهم هؤلاء بحال . وذلك لآيات عديدة من أصرحها قوله تعالى ( وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا) 13، الفتح ) أ . هـ
5 - بالنسبة لقول شحرور بأن الآمة تتبع الرسول في شعائرها فقط . هو في الحقيقة زعم كاذب . وهو يكرره دائماً بهدف ترسيخه في أذهان المسلمين .
فالمسلمين يتبعون رسولهم صلى الله عليه وسلم في كل أمر من أمور دينهم ، بل و في معظم أمور دنياهم . وهذه حقيقة مشاهدة . لا ينكرها إلا كاذب ، أو حاسد حاقد .
فلقد فرض الله تعالى على عباده المؤمنين خمسة واجبات تجاه رسوله صلى الله عليه وسلم بعد الإيمان بصدق رسالته ، و محبته . وهي : ( طاعته - اتباعه - الاقتداء به - اتحاذه أسوة لهم ، وتوقيره وإجلاله) في آيات كثيرة . سيأتي ذكر ما يلزم ذكره منها ، وتسبقها جميعا محبتهم له صلى الله عليه و سلم ، لأن إيمانهم برسالته أصلاً يقتضيها منطقياً . وسيأتي التعليق على محبته بالذات:
فالطاعة معناها الشرعي: الانقياد والامتثال لكل ما أمر به . والانتهاء عن كل ما نهى عنه. عن رضى و طيب نفس .
أما الاتباع فمعناه الشرعي: تقليده والتشبه به في كل أقواله وأفعاله . لأن معنى الاتباع في اللغة هو مشي المتبع على خطى من يتبعه .
وأما الاقتداء فمعناه الالتزام بسلوكه ، وأخلاقه صلى الله عليه وسلم .
وأما التأسي به فهو استلهام واستمداد الصبر على المكاره منه . والاعتبار بصبره عليه الصلاة والسلام على ما كان يصيبه من المكاره .
وأما توقيره وإجلاله صلى الله عليه وسلم فهو: احترامه ومعرفة عظيم قدره ، ورفعة مكانته عند من أرسله سبحانه ، وعند أمته. لعظيم رحمته بها، وحرصه على كل ما ينفعها .
وأرى - والله تعالى أعلم - أن أهم ما يميز هذه الواجبات الخمسة على المسلمين المؤمنين تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أن طاعته واتباعه يتعلقان بالأحكام أمراً ، ونهياً ، أي يوجبان امتثال تشريعه ، وإنفاذه .
أما كون الاقتداء والتأسي به صلى الله عليه وسلم يشمل كل أحوال الحياة فإنما يتعلقان بتقويم السلوك وضبطه ، والارتقاء بالأخلاق . لأنه صلى الله عليه وسلم هو صاحب الخلق الذي يرضاه الله تعالى .
فقد أكد سبحانه وصف خلق رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه (عظيم) بقوله ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) الآية 4 ، القلم . فلم يقل " هو على خلق ". بل استعمل حرفي التوكيد (إن ، واللام) ، واستعمل حرف الجر (على) الذي يدل على الاستعلاء والتمكن . واستعمل ( الكاف) ضمير المخاطب المتصل ، ولم يستعمل ضمير الغائب .
وحسبنا أن هذا الوصف صدر من صاحب العظمة المطلقة سبحانه وتعالى لرسوله - صلى الله عليه و سلم - بأن خلقه عظيم .
وأما عن واجبي توقير المسلمين لرسول ربهم صلى الله عليه و سلم ، وإجلالهم له : فيرجعان لمعرفة عظيم حقه عليهم ، وعرفاناً منهم بجسامة جميله ، واستحضاراً لحقيقة أن الله تعالى جعله سبباً لهدايتهم ، وإنقاذهم من النار . وسبباً لسعادتهم في الدارين . كما قال تعالى ( وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا) الآية 103، آل عمران . ولعموم قوله سبحانه ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) الآية 123، طه .
قال السعدي ( أي : وقت جاءهم ذلك الهدى ، الذي هو الكتب والرسل ، فإن من اتبع ما أمر به واجتنب ما نهي عنه ، فإنه لا يضل في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا يشقى فيهما . بل قد هدي إلى صراط مستقيم ، في الدنيا والآخرة ، وله السعادة والأمن في الآخرة) أ. هـ ( تفسير السعدي ، ص 605) .
وما رواه مسلم في صحيحه من قوله صلى الله عليه وسلم ( ‌مَثَلِي ‌وَ مَثَلُكُمْ ‌كَمَثَلِ ‌رَجُلٍ ‌أَوْقَدَ ‌نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا. وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا. وَأنا آخِذٌ بِحُجَزِكمْ عَنِ النَّارِ. وَ أَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي) . ( صحيح مسلم ، 6 باب شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته - - في تحذيرهم مما يضرهم ، 4/ 1790) .
فيجب على المسلمين الالتزام بالتأدب مع مقامه الرفيع وتوقير جنابه الكريم ، ومعرفة مكانته صلى الله عليه وسلم عند من أرسله سبحانه وتعالى . لعموم قوله سبحانه (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) الآية 124، الأنعام .
أما أدلة وجوب طاعة المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ورد الأمر بها في آيات عديدة : منها قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ - - -) الآية 59 ، النساء . قال الطبري في تأويل معناها (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ربكم فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ، وأطيعوا رسوله محمدًا صلى الله عليه و سلم ، فإن في طاعتكم إياه لربكم طاعة ، وذلك أنكم تطيعونه لأمر الله إياكم بطاعته ) أ. هـ ( جامع البيان ، 5 / 249) .
ومنها قوله تعالى ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ ‌وَأَطِيعُوا ‌الرَّسُولَ ‌وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) الآية 92 ، المائدة . قال الطبري في تأويل معناها ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول في اجتنابكم ذلك و اتباعكم أمره فيما أمركم به من الانزجار عما زجركم عنه ) أ . هـ ( جامع البيان ، 8 / 663 ) .
ومنها قوله تعالى ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ‌وَإِنْ ‌تُطِيعُوهُ ‌تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَاّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) الآية 54 ، النور. قال الطبري في تأويل معناها (أَطِيعُوا اللَّهَ) أيها القوم فيما أمركم به ، ونهاكم عنه ( وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فإن طاعته لله طاعة ( فَإِنْ تَوَلَّوْا) يقول : فإن تعرضوا وتدبروا عما أمركم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو نهاكم عنه ، وتأبوا أن تذعنوا لحكمه لكم ، وعليكم ( فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ ) يقول : فإنما عليه فعل ما أمر بفعله من تبليغ رسالة الله إليكم على ما كلَّفه من التبليغ (وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ) يقول : وعليكم أيها الناس أن تفعلوا ما ألزمكم ، وأوجب عليكم من اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، والانتهاء إلى طاعته فيما أمركم ونهاكم . ( ‌وَإِنْ ‌تُطِيعُوهُ ‌تَهْتَدُوا) وإن تطيعوا - أيها الناس - رسول الله - فيما يأمركم وينهاكم - ترشدوا وتصيبوا الحقّ في أموركم . ( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) يقول : وغير واجب على من أرسله الله إلى قوم برسالة إلا أن يبلغهم رسالته بلاغا يبين لهم ذلك البلاغ عما أراد الله به) أ. هـ ( انظر: جامع البيان ، 207/19) .
فطاعة المؤمنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم واجب يلزمهم في كل مقاماته عليه الصلاة والسلام ، وفي كل أحوالهم ( عباداتهم - أعمالهم - أقوالهم - معاملاتهم - و علاقاتهم مع كل فئة أو شخص من الناس) .
أما استدلال شحرور على أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تجب على المسلمين إلا في الصلاة والزكاة : واستدلاله عليه بأن طاعته صلى الله عليه وسلم لم يرد ذكرها منفردة في القرآن الكريم كله إلا مرة واحدة هي قوله تعالى ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) 56 ، النور. فهو زعم باطل . واستدلاله عليه بهذه الآية استدلال خاطئ .
قال البيضاوي في بيان معنى هذه الآية ( وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ في سائر ما أمركم به . ولا يبعد عطف ذلك على "أطيعوا الله " فإن الفاصل وعد على المأمور به ، فيكون تكرير الأمر بطاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم للتأكيد ، وتعليق الرحمة بها) أ. هـ ( انظر: أنوار التنزيل وأسرار التأويل ، 4/ 113) . وكذلك قال النسفي ({واقيموا الصلاة} معطوف على أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، ولا يضر الفصل ، وإن طال) أ. هـ ( مدارك التنزيل وحقائق التأويل ،2/ 517) . وقال الشنقيطي في تأويلها (لِأَنَّ إِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ دَاخِلانِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ " وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ") . (أضواء البيان ، 5/ 554) .
أي أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها عامة ، وإنما ذكر بعض أفراد عمومها للتأكيد على أهمية المذكورين فيها ، وهما ( الصلاة و الزكاة) . وهذا خلاف ما زعمه شحرور أن ذكر الصلاة والزكاة فيها يدل على حصر طاعته صلى الله عليه وسلم فيهما فقط . فثبت بهذا خطأ استدلاله بهذه الآية .
فينتج عن ذلك أمران :أولهما أن ادعاءه انحصار طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة والزكاة أصبح بدون دليل عليه . وثانيهما : ينكشف بطلان استدلاله بالآيات الكريمة على تقسيم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة أقسام حيث زعم أنها تنقسم إلى:
أ - طاعة متصلة بطاعة الله . وأنها تختص بطاعته في الرسالة فقط .
ب ـ طاعة منفردة . وأنها تختص بطاعته في الصلاة والزكاة فقط .
ج ـ طاعة منفصلة . وأنها تختص بولايته للأمر فقط . وقد فسر هذه بقوله "أي طاعة للقانون الذي شرّعه وزعم أنها تنقطع بوفاته .
وهو تقسيم باطل كما تقدم .
ومن أوضح وأقوى الأدلة على عموم وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) الآية 80 ، النساء . قال الطبري في تأويلها (هذا إعذارٌ من الله إلى خلقه في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى ذكره لهم : من يطع منكم أيها الناس محمدًا فقد أطاعني بطاعته إياه . فاسمعوا قوله وأطيعوا أمرَه . فإنه مهما يأمركم به من شيء فمن أمري يأمركم ، وما نهاكم عنه من شيء فمن نهيي . فلا يقولنَّ أحدكم : إنما محمد بشر مثلنا يريد أن يتفضَّل علينا ! . ثم قال جل ثناؤه لنبيه : ومن تولى عن طاعتك يا محمد فأعرض عنك . فإنا لم نرسلك عليهم "حفيظا" يعني : حافظًا لما يعملون محاسباً . بل إنما أرسلناك لتبين لهم ما نـزل إليهم ، وكفى بنا حافظين لأعمالهم ، ولهم عليها محاسبين) أ. هـ ( جامع البيان ، 5/ 302) .
ليس ذلك فحسب ، بل قد حذر الله تعالى وهدد وتوعد مخالفي أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) 63، النور. وسمى سبحانه وتعالى من يخالف أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وهديه (ظالماً) . وأخبر بأنه سيندم يوم القيامة أشد الندم - حيث لا ينفعه ثَمَّ الندم - بقوله ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) 27، الفرقان . وقال سبحانه ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّه) 64، النساء .
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية فبعد أن ذكر الآيات التي تأمر بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم قال : ( فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَّبِعَ الْكِتَابَ وَعَلَيْنَا أَنْ نَتَّبِعَ الرَّسُولَ . وَاتِّبَاعُ أَحَدِهِمَا هُوَ اتِّبَاعُ الْآخَرِ. فَإِنَّ الرَّسُولَ بَلَّغَ الْكِتَابَ ، وَالْكِتَابُ أَمْرٌ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ . وَلَا يَخْتَلِفُ الْكِتَابُ وَالرَّسُولُ أَلْبَتَّةَ . كَمَا لَا يُخَالِفُ الْكِتَابُ بَعْضُهُ بَعْضًا ) أ. هـ ( أنظر: مجموع الفتاوى ، 19/ 83) .
كما نفى الله تعالى الإيمان عمن لا يطيعون رسوله صلى الله عليه و سلم بقوله سبحانه ( وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْد ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) 47 ، النور.
وفوق كل ما تقدم فإن على كل مسلم أن يوقن بأن مصدر طاعته لرسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم هو إيمانه بالله وبرسوله ، وأنها تنتج محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وأن أعظم البشارات في الآخرة تترتب على محبته صلى الله عليه وسلم ، ألا وهي البشارة الصادقة بمعية المحب له صلى الله عليه وسلم في الجنة .
فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري ، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن : الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ ولَمَّا يَلْحَقْ بهِمْ ؟. قالَ :( المَرْءُ مع مَن أحَبَّ) . وقد وردت في رواية أخرى للترمذي لنفس هذا الحديث عن صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه ، وهي عبارة ( يَوْمَ القِيَامَةِ ) أي أن كامل لفظ رواية الترمذي للحديث هي(المَرْءُ مع مَن أحَبَّ يَوْمَ القِيَامَةِ) . وقال (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) . فأي رفعة أعظم من رفعة محبته صلى الله عليه وسلم ، وأي نفع أكبر من نفعها في الدارين .
6 - بالنسبة لادعاء شحرور- وأمثاله - بأن الله تعالى لم يتكفل بحفظ السنة المشرفة كما تكفل بحفظ كتابه . واستدلالهم بكمال كتاب الله تعالى على عدم حاجته إلى تتمة . وقولهم باستغناء الأمة بكمال كتاب الله عن أحاديث السنة المشرفة عموماً ، وعن الأحاديث القدسية خصوصاً . هو زعم باطل . واستدلالهم عليه استدلال خاطئ .
فأما ذكرهم لكمال كتاب الله تعالى فهي كلمة حق . لكنه - وأمثاله - أرادوا توظيف هذا الحق لدعم زعمهم الباطل: الاستغناء بالكتاب عن السنة المشرفة ، مع أن آيات الكتاب تكذب زعمهم .
فاعتقاد الأمة بحجية السنة المشرفة لا يعني ولا يدل على اعتقاد عدم كمال كتاب الله تعالى . وإنما يدل على التزامهم ببيانها للتنزيل الحكيم . وبيانها للتنزيل ثابت بإخبار الله تعالى عنه بقوله ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الآية 44 ، النحل . وبقوله تعالى (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ // فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ // ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) الآيات 17 - 19 ، القيامة .
وقد ذكر الطبري ، وغيره من المفسرين في تفسير هذه الآية قولين في معناها أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه جبريل صلوات اللَّه عليه أطرق . فإذا ذهب ، قرأه كما وعده اللَّه . والمعنى الثاني لها : نُبَيِّنَه بلسانك . أي بألفاظه صلى الله عليه وسلم . أي بأحاديث السنة المشرفة . ولكنهم لم يرجحوا أحدهما .
و أرى - والله تعالى أعلم - ترجيح الثاني (أي أن بيانه كان بأحاديث السنة المشرفة) . بدليل ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم ( ألا إني أوتيت ‌القرآن ‌ومثله ‌معه) . رواه أحمد في مسنده (4/ 132) ، والترمذي في سننه ، كتاب العلم ، باب ما جاء في كراهية كتابة العلم ، 5/ 38 . وابن ماجه في سننه، المقدمة ، باب تعظيم حديث رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والتغليظ على من عارضه ،حديث رقم 12، 1/ 6. وصححه الألباني في صحيح الجامع ، برقم (2657) .
قال النيسابوري في تفسير قوله تعالى ( وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ و َكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) الآية 113، النساء : ( هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه ذكر تلاوة الكتاب ثم تعليمه ثم عطف عليه الحكمة ، فيكون شيئا خارجا عنهما . وليس ذلك إلا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم) أ. هـ ( أنظر: غرائب القرآن و رغائب الفرقان ، 1/ 404) .
وزعمه الثاني باطل كسابقه . لأن كفالة الله تعالى لحفظ السنة المشرفة تابعة لكفالته حفظ كتابه ، وليست منفصلة عنها . فكمال كتاب الله تعالى إذاً لا يلزم منه ولا ينافى حجية السنة المشرفة .
كما أن كمال كتاب الله تعالى لا يصلح دليلاً على الاستغناء عن حجية السنة المشرفة حتى منطقياً . لأن وجود أصل التشريع ، لا ينفي الحاجة إلى بيانه. وإلا لكان البيان المذكور في الآية الكريمة لا معنى له . وهذا محال في حق كلام الله تعالى .
أما بشأن التشكيك في الأحاديث القدسية الذي استدل عليه أيضاً بكمال كتاب الله تعالى ، فقد طرح شحرور سؤاله الاستنكاري : إن كانت الأحاديث القدسية كلام الله تعالى فلماذا لم تكن بين دفتي المصحف المتضمن لكامل القرآن الكريم ؟. فستأتي الإجابة عنه في الفقرة (17) .
7 ـ بالنسبة لتعريفه للذكر بأنه (الصيغة الصوتية للتنزيل الحكيم ) . هو تعريف خاطئ باطل . لسببين:
أولهما : أن الله تعالى سمى إصدار الصوت بنظم تنزيله الحكيم ( تلاوة - وقراءة - وجهر - وخفت - تذكير) .
فسمى إصدار الإنسان الصوت بنظمه المعجز( تلاوة في الآية رقم 30 ، الرعد) ، وسماه ( قراءة في آيات منها 45 ، الإسراء ، 20 ، المزمل) ، وسماه ( جهراً و مخافتة في الآية 110 ، الإسراء) . وسماه ( تذكيراً في الآية رقم 45 ، ق) .
أما التنزيل الحكيم نفسه فسماه الله تعالى (الذكر) في آيات سيأتي بيان أرقامها ، والسور التي وردت فيها .
وثانيهما : لأنه سبق لشحرور في الحلقتين 3 ، 4 من برنامجه ( لعلهم يعقلون) أن أطلق زعماًً افتراه - بأن القرآن الكريم مفرق إلى عدة أقسام - وزعم بأن (الذكر) واحداً منها . وحقيقة هذا التقسيم هي أنه ( تعضية أو للقرآن الكريم) . وقد ذم الله تعالى الذين عضهوا القرآن الكريم و سماهم " المقتسمين" بقوله ( كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ// الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) الآيتين 90 -91 ، الحجر.
وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله (هم أَهْلُ الكِتَابِ جَزَّءُوهُ أَجْزَاءً ، فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ ، و َكَفَرُوا بِبَعْضِهِ ) . ( انظر : الجامع الصحيح ، باب قوله تعالى ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) . حديث رقم (4705) ، 6/ 81) .
وقال الطبري ( الصواب من القول في ذلك أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه و سلم أن يُعْلِم قوما عَضَهُوا القرآن أنه لهم نذير من عقوبة تنـزل بهم بِعضْهِهِمْ إياه . مثل ما أنـزل بالمقتسمين . وكان عَضْهُهُم إياه : قذفهموه بالباطل ، وقيلهم إنه شعر وسحر ، وما أشبه ذلك) أ. هـ ( أنظر : جامع البيان ، 5/ 302) .
فالصحيح أن ( الذكر) هو كتاب الله تعالى كله . وقد نصت عليه آيات عديدة منها الآية المتقدم ذكرها (44، النحل) . قال الفراهيدي ( الذِّكْرُ : الكتاب الذي فيه تفصيل الدين . وكل كتاب للأنبياء: ذِكرٌ) . ( أنظر: العين 5/ 346) . قال تعالى ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) الآية 105 ، الأنبياء .
وقد نشرت الرد على مزاعمه الواردة في الحلقتين المذكورتين على صفحته بالفيس بوك ، ونسخة منه على صفحتي بتاريخ 10/ 10/ 1439 هـ اثبت فيه بطلان جميع مزاعمه التي افتراها على كلام الله تعالى ، وكان هذا الزعم منها . وبينت أن الصواب هو أن الله قد أطلق على كلامه أسماء كثيرة أشهرها:
( الكتاب -القرآن- الذكر- الفرقان- حكما -العلم - تنزيل - الوحي - قول ثقيل - روح) . وأن هذه الأسماء هي في الحقيقة صفات اعتبارية وصف الله تعالى بها كلامه . لتوجيه إدراك الناس عند إطلاقه أحدها ليراعوا الصفة التي وردت في كل موضع جاءت فيه دون غيرها من صفات كلام الله تعالى الأخرى . ففي استعمال كل واحد منها في موضعه زيادة بيان لمن يتدبر.
فأطلق سبحانه على كلامه اسم( الذكر) في آيات عديدة ، منها الآيات ( 6، 9 ، الحجر، 27 ، التكوير، 8 ، ص ، 105، الأنبياء ، 44 ، النحل) .
8 - بالنسبة لزعم شحرور أن الإسلام بصفة عالميته يمكن لرحمته استيعاب أهل الأرض . هذه كلمة حق . أراد بها باطل .
والباطل الذي أراده هو أن يتخذ عالمية الإسلام وسعة رحمته أساسا لزعمه الذي أطلقه بعده مباشرة ، ألا وهو وصفه المنقوص والمشوه لقوام دين الإسلام: أن(قوامه الإيمان بالله الواحد، واليوم الآخر، ودعامته العمل الصالح) .
ومقصوده منه إقناع السذج والجهلاء من المسلمين بإمكان حذف وجوب الإيمان بمحمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ليصح وصف الإنسان بأنه مسلم . أي أنه أراد به تجاوز الشهادة برسالته ( أشهد أن محمداً رسول الله) لدخول الإنسان الإسلام . وهذا محض كذب وافتراء على دين الإسلام . وهو يناقض وينافي ما أخبرت به آيات عديدة من كتاب الله تعالى منها على سبيل المثال قوله تعالى ( ومَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا) الآية 13، الفتح .
كما أنه مع صحة وصف الإسلام بالعالمية وبسعة رحمته ،إلا أن هذا لا يحتم ( أي لا يلزم منه) أن تشمل رحمته الذين يكفرون به وبرسوله وبكتابه . فسعة الرحمة حق أخبر عنه الله تعالى . ولكن الله أخبر بأنه قد اختص برحمته عباده المؤمنين بآيات كتابه . ولكن شحرور وأمثاله (أصحاب أهواء منحرفة) يحتجون من هذه الآية بعموم الرحمة الوارد فيها ، ويجحدون بالتخصيص المذكور فيها . قال تعالى ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) الآية 156، الأعراف تلاعباً منهم بآيات كتاب الله تعالى .
فلا يصح استدلالهم بعالمية الدين وعموم رحمة على اعتبار أن كل الناس من المسلمين . بل إن كل من يتبنى هذا الزعم فإنما يريد أن يكون ملكياًً أكثر من الملك سبحانه . لزعمهم أنهم أكثر رحمة من أرحم الراحمين ! .
9 ـ بالنسبة لزعمه بأن الإسلام هو الإيمان بالله الواحد واليوم الآخر ، وأن دعامته العمل الصالح . هو زعم باطل . وهدفه منه أشد بطلاناً منه . بل إن قوام الإسلام هو: الإيمان بالله و ملائكته وكتبه ورسله " كلهم " واليوم الآخر وبقدر الله تعالى .
فنجد شحرور وأمثاله يتعمدون عدم ذكر الإيمان برسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم في كلامهم عن الإسلام ، ليدعموا زعمهم بأن أتباع كل الملل الأخرى هم من المسلمين .
ولكن نظراً لعلمهم بأن (اشتراط الإيمان بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو الذي يقف عائقاً أمام زعمهم بأن اتباع الملل الأخرى مسلمون ، فقد أرادوا الالتفاف على هذا الشرط . فتوهموا بأنه يمكنهم تجاوزه مع أنه كذلك شطر الركن الأول من أركان الإسلام (شهادة أن محمد رسول الله ) . وقد كرر شحرور كثيراً محاولاته في هذا الصدد .
فهو يتعمد أن لا يذكر سوى ثلاث خصال فقط من خصال الإيمان الستة المذكورة في حديث جبريل المتفق عليه (أن تُؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره).
أما تركيز شحرور على العمل الصالح بالذات فله هدف إضافي منه ، وهو إقناع المسلمين بأن أعمال (غير المسلمين ) - أي الكفار- الصالحة صلاحاً دنيوياً مثل( رصف الطرق وإنارتها ، وتوفير كافة الوسائل التي تنفع الناس في حياتهم ، و- - الخ) بأن الله تعالى سيثيبهم و يأجرهم عليها خيراً يوم القيامة .
وهذا باطل تماماً . لتنافيه مع ما دلت عليه كثير من النصوص الشرعية منافاة تامة . منها قوله تعالى (وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) الآية 20، الشورى. وقوله تعالى ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الآية 85 ، آل عمران . وقوله تعالى (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) الآية 17، البلد . ومثيلاتها من الآيات . وبما صح من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت :(قلت يا رسول الله ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ يَصِلُ الرّحِمَ ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ ؟. قَالَ ("لاَ يَنْفَعُهُ. إِنّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماًً رَبّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ"). رواه مسلم في صحيحه ، بكتاب الإيمان .
فبين صلى الله عليه وسلم بأنه قد خسر كل أعماله الخيرة التي كان يعملها ، لأنه لم يكن مؤمناً بالله تعالى ولم يكن يدعو الله تعالى ويسأله غفران خطاياه .
فليس لإصرار م/ شحرور-على اعتبار غير المؤمنين برسالة خاتم رسل الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم أنهم من المسلمين - سوى تصنيف واحد: أنه مكابرة ومعاندة منه لحكم الله تعالى ولتسميته سبحانه لهم بـ(الكافرين). بل وأخباره تعالى بأنه سيعذبهم يوم القيامة في السعير بقوله ( ومَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا) الآية 13، الفتح .
10 ـ بالنسبة لقول شحرور (بأن الرسول إنما طبق الرسالة كتفاعل أول مع المجتمع ) أ. هـ فإن معناه أنه يزعم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكمل رسالته المباركة في حياته ، وإنما أنجز تفاعلها الأول مع المجتمع فقط . وهو زعم باطل ، في غاية القبح . لأنه يناقض و يكذب ما أخبر الله تعالى به عباده من أنه قد أكمل لهم دينهم وأتم عليهم نعمته وأنه قد رضي لهم الإسلام دينا بقوله سبحانه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) 3، المائدة . والأدلة على بطلان ما زعمه كثيرة . ولكن هذه الآية تكفي لإثبات كذبه . قال تعالى ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) الآية 6، الجاثية .
11 ـ أما بالنسبة لقوله بأن (الرسول وضع حجر الأساس لدولة مدنية . فيها كل أطياف المجتمع الذي عاصره) أ.هـ فالشطر الأول منه زعم باطل . لأن الحقيقة هي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام دولة الإسلام التي حكمها بما أنزله الله تعالى من كتابه وبسنته صلى الله عليه وسلم . فكانت دولة النبوة دولة شرعية . ولم تكن دولة مدنية كما زعم . يدل على هذا قوله تعالى ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) الآية 18، الجاثية . وقوله تعالى ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) الآية 105 ، النساء . وقوله تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الآية 65، النساء .
اما الشطر الثاني من كلامه وهو قوله (فيها كل أطياف المجتمع الذي عاصره). فمع صحته ، إلا أنه أراد توظيفه هنا لدعم الباطل الذي زعمه .
فالحقيقة أن الرسول تعاهد مع اليهود أول هجرته للمدينة المنورة . ولكنهم حينما خانوا العهد أمره الله بإجلائهم فأجلاهم عنها .
وأما المنافقون فهم قوم كانوا يظهرون إسلامهم ، ويخفون كفرهم بالله وبرسوله. فأمهلهم الله تعالى في الدنيا . ليتولى هو سبحانه محاسبتهم في الاخرة على كفرهم الذي يخفونه، وهو العليم بحقيقتهم . وكانوا قلة في المدينة المنورة . قد عرّف الله تعالى رسوله بهم ( بأشخاصهم) ليتجنب الصلاة على احدهم إذا مات ، لأنه تعالى قد نهاه عن الصلاة عليهم بقوله (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) 84 ، التوبة .
كما أن كلام ( شحرور) هذا لا طائل منه أصلاً ، فإنما هو تحصيل حاصل . إذ لم يقل أحد من علماء المسلمين بأن الإسلام يمنع من تعدد وجود اتباع الملل المختلفة في المجتمع المسلم .
بل إن الواقع الفعلي المشاهد هو أنهم في كل البلاد ذات الأغلبية الإسلامية ، يتعايشون فيها معهم دون أي إشكالات تذكر . ولكن الملاحظ في هذا الشأن أن شحرور يصر على التعبير عن أتباع الملل الأخرى بكلمة ( أطياف) أو أي اسم آخر . ولكنه يتحاشى تماماً أن يسميهم بالاسم الذي سماهم الله تعالى به ( الكافرين) ، ولا حتى يقول أبداًً (غير المسلمين) .
12- بالنسبة لقوله بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بايع النساء . فهي كلمة حق . فقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمبايعة النساء ، فبايعهن . ولكن شحرور أراد بها باطل ، وهو زعم سبق له نشره على صفحته على الفيس بوك بتاريخ 19/ 11/ 2018 م قال فيه (أما سياسياً فللمرأة حق الانتخاب كالرجل . والرسول بايع النسوة ، ومنحهن حقوقهن ) أ. هـ ، وقد رددت على زعمه هذا في حينه بما يلي : (هو زعم باطل فليس للمرأة في الإسلام الحق في الإمامة لا الصغرى في الصلاة ، ولا الكبرى في الحكم . وهي ليست من أهل الحل والعقد . ويحتاج بيان هذا تفصيلاً بأدلته إلى مقام أوسع من مجرد رد على مقال كهذا . ولكن أبينه هنا بإيجاز ، فمع إدراكي بأن "ما ذكرته آنفاً من حقائق الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة "من شأنه أن يستثير حفيظة الغربيين والشرقيين كافة ، ومن شايعهم ودار في فلكهم - من دعاة تحرير المرأة والمطالبين بمساواتها بالرجل " في ظاهر دعواهم "- مع وجوب الإشارة إلى أن هذه ادعاءهم يخالف حقيقة سعيهم لإخراجها من الحصن الشرعي المنيع ،الكفيل بالمحافظة على عفتها . ليتمكنوا من الوصول لابتذالها وامتهانها . لإفساد مجتمعات المسلمين . إنفاذاً لبنود عديدة في أجنداتهم المعادية للإسلام والمسلمين) .
كما أن عدم تقديم شحرور أي دليل على زعمه معناه أنه يعتبر مجرد دعواه حجة في الدين !. والحقيقة أن السبب هو عدم وجود دليل عليه أصلاً .
فمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء الداخلات في الإسلام هي مبايعة دينية ، وليست سياسية . كما أراد شحرور أن يقنع الناس . قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) 12، الممتحنة .
فالآية الكريمة لم تشترط لمبايعته صلى الله عليه وسلم النساء سوى إقرارهن بالامتناع عن ستة أمور فقط ، هي : الشرك بالله و السرقة والزنا وقتل أولادهن وافتراء البهتان ومعصية الرسول ( صلى الله عليه وسلم) . ولا يتعلق أياً منها بالسياسة وأمورها حتى يمكن لأي أحد اعتبارها دليلاً على إعطاء النساء أية حقوق سياسية . فخصال البيعة الستة كلها محرمات دينية خالصة .
13 - بالنسبة لقول شحرور بأن (الرسول صلى الله عليه وسلم من مقاميه كرسول وكولي أمر شرع للأمة باجتهاده ، ضمن حدود الله وفق الظروف الزمانية والمكانية السائدة حوله ) أ. هـ هو زعم باطل . كما تقدم بيانه في الفقرة (5) بشأن مقامات الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبيان أنه يهدف به إقناع المسلمين بتصنيفه المشوه لنوع طاعتهم له عليه الصلاة والسلام ، بحسب كل مقام منها .
وبقي هنا الرد على وصفه ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ( اجتهاد منه في التشريع ، في حدود ظروف الزمان والمكان الذي كان يعيش فيه) . وهو وصف مخل ، ومشوه لما فعله عليه الصلاة والسلام . يوهم محدودية منجزاته، ويقلل من شأنها، إضافة إلى زعمه أنها تمت باجتهاده الشخصي في التشريع ، وكذلك زعمه أن اجتهاده صلى الله عليه وسلم محدود بظروف زمانه ومكان تواجده فقط .
كل ذلك مهد به شحرور للنتيجة التي أراد أن يصل إليها ، وهي فريته التي عبر عنها بقوله : ( ولي أمر. أي طاعة للقانون الذي شرّعه . تنقطع بوفاته) أ. هـ وهذا وصف غير صحيح لتشريعه صلى الله عليه وسلم . تعمد صياغته بأسلوب موهم مخادع ، وهو كذب محض .
فالصحيح أن رسالته صلى الله عليه و سلم هي للناس جميعاً . قال سبحانه ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَ يُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ كَلِمَاتِهِ وَ اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) الآية 158، الأعراف . وقد بلغها صلى الله عليه و سلم لهم جميعاً بالفعل ، كما أمره الله تعالى .
وقد أخبر الله تعالى بأنه سبحانه قد أكمل لهم دينهم ، وأتم عليه نعمته ، ورضي لهم الإسلام ديناً ، قبيل وفاة رسوله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر فقط بقوله سبحانه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) الآية 3 ،المائدة . فأثبت سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم كمال إبلاغ رسالته بما أنزله عليه لكل ما أمره بإبلاغه ، ولكل من أمره بإبلاغهم .
هذا من جهة ما يوهمه كلام ( شحرور) من محدودية إبلاغه صلى الله عليه وسلم للرسالة حيث قال:( وطبق الرسالة كتفاعل أول لها مع المجتمع) . فهذا باطل . وإنما أراد به تهيئة الأذهان لتقبل فكرة (أن المسلمين سيحتاجون مع مرور الوقت إلى تغيير أحكام الشريعة ، في ضوء تغير الظروف) .
فتوصل إلى هذه الصياغة الماكرة لإرساء وترسيخ هذا المفهوم في أذهان السدج من المسلمين لاتخاذه مسوغاً لفتح باب إسناد مهمة التشريع للبرلمانات ، تمهيداً للمطالبة رسمياً باستبدال الأحكام الشرعية تدريجياً ، بما تشرعه البرلمانات .
وقد قال ( شحرور) هذا الكلام صراحة في عدد من مقالاته - منها المنشور على صفحته بالفيس بوك بتاريخ 1/19/ 2019 م ، وفي عدة لقاءات متلفزة - فهو دائما يدعو لإسناد مهمة التشريع للبرلمانات ، ولا يخفي ذلك .
أما بالنسبة لنوع الحكم الذي حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام فقد قال تعالى ( فاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) الآية 48 ، المائدة . فامتثل هذا الأمر صلى الله عليه وسلم ، وحكم دولة الإسلام بما شرعه الله تعالى لعباده ، وأنزله عليه. فهدى الناس به إلى صراط الله المستقيم . وقد بين الله تعالى للناس بأن طاعتهم لرسوله هي سبب هدايتهم ، بقوله سبحانه (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) الآية 54 ، النور.
وأما ما اعتبره - شحرور- وأمثاله - اجتهاداً منه صلى الله عليه وسلم في التشريع ، فهو مما أراه الله تعالى . لأنه كان مؤيداً بالوحي الشريف في كل أفعاله وأقواله وأحواله عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى ( لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ) الآية 105 ، النساء . ولم يقل له ( بما تراه) . ومعلوم أن ما يريه الله تعالى لرسوله طريقه الوحي منه . قال الشنقيطي ( ولم يقل بما رأيت أنت) أ. هـ ( أنظر: أضواء البيان 4/ 270) .
وهذا يختلف عن أي مجتهد آخر فإنه يعمل رأيه ، مع ما يستند إليه من الأدلة والقرائن ، متوخياً الصواب المحقق للمصلحة على قدر طاقته . ولكن ليس ثمة ما يضمن موافقة اجتهاده لمراد المشرع سبحانه من عدمه .
أما اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الله تعالى يصوب له ما لم يوافق فيه مراده تعالى بالوحي . والأدلة عليه ماثلة في كتاب الله تعالى في آيات معاتبته تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في عدة أمور ، لم يوافق اجتهاده فيها مراد الله تعالى بشأنها .
لذا فإن آيات معاتبته هي في الحقيقة من الأدلة المثبتة لصدق نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم . ولكن شحرور وأمثاله يستدلون بها على نقض ما تدل عليه تماماًً كعادته في التلاعب بالآيات .
فاجتهاده صلى الله عليه وسلم كان في ضوء ما يريه الله تعالى بالوحي من الحق المبين . ولا تصح مقارنة غيره من البشر مهما بلغ اجتهاده وعلمه ، بوحي الله تعالى العليم الحكيم سبحانه . قال تعالى ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) الآية 216، البقرة .
فقول شحرور:(في حدود ظروف الزمان والمكان السائدة حوله) أ. هـ هو محاولة منه لإقناع البسطاء من المسلمين بأن تغير ظروف الزمان والمكان تقتضي منهم ، بل تلزمهم بتغيير ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم به . فأراد به التأسيس لباطل كبير، ومقصد خبيث . هو اتخاذه مسوغاًً لإسقاط حجية السنة المشرفة في التشريع.
وهو مردود بقول الحكيم الذي أحاط بكل شيء علما سبحانه ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) الآية 18، الجاثية . وقال تعالى ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَ مُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيه) الآية 13، الشورى . وأمر الله تعالى الناس باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم كما في الآيات المتقدم ذكرها .
بل وتوعد بالعذاب من يخالف هدي رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهدي أصحابه بأمرين أحدهما في الدنيا: أنه سبحانه يتخلى عنه ، فيضله هواه الذي ترك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجله . والثاني في الآخرة بتعذيبه في جهنم . حيث قال تعالى ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) الآية 115، النساء .
14 - بالنسبة لزعمه: أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم نفذ التشريع من مقام النبوة ( أي بصفته نبياً) . واستدلاله عليه بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الآية 70، الأنفال . هو زعم باطل . واستدلاله عليه بهذه الآية استدلال خاطئ .
فليس فيها ما يدل أصلاً على إنفاذه صلى الله عليه وسلم لأي تشريع حتى يسوغ لشحرور الربط بينه، وبين مخاطبة الله تعالى لرسوله بصفة النبوة . بل الحقيقة أن إنفاذه صلى الله عليه وسلم للأحكام لم يكن يختص بصفة معينة من صفاته صلى الله عليه وسلم . بل كان ينفذ شرائع الله تعالى بكل صفاته صلى الله عليه وسلم . لذا فإنه لا وجه لاحتجاجه بورود صفة النبوة في هذه الآية ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) . فلم يرد في هذه الآية سوى تكليفه بإبلاغ رسالة محددة للأسرى نصها (إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ومع أنها (رسالة نصية ) كلفه سبحانه بإبلاغها للأسرى فقد خاطبه فيها بصفة النبوة ،لا بصفة الرسالة . وحسبنا بهذا تكذيباً لزعمه . وهذا يدل بوضوح على أنه لا توجد علاقة حتمية بين صفة المخاطبة ، وبين موضوع الآية . وإنما المعتبر في الصفة التي يذكر الله تعالى نبيه ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أو يخاطبه بها : هي التي يقتضيها الحكم الذي في الآية ، أو المعنى الذي يؤديه سياقها .
فمن الأمثلة التي اقتضى فيها معنى السياق ذكره صلى الله عليه وسلم بصفة من صفاته ، دون غيرها:
قوله تعالى ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الآية 101، آل عمران . فلأن معنى سياقها هو استنكار لكفرهم ، مع وجود رسوله فيهم ، فاقتضى هذا المعنى ذكره الصفة المؤثرة في الاستنكار، لذا قال تعالى (وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ ) ولم يقل وفيكم نبيه .
و كذلك اقتضى السياق أن يذكره الله تعالى بصفة الرسالة بالذات ، في قوله سبحانه ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا) في الآية 53 ، الأحزاب . مع أنه تعالى قد ذكره قبلها - في نفس هذه الآية - بصفة النبوة حيث قال ( بُيُوتَ النَّبِيِّ) ، إلا أن حكم تحريم نكاح أزواجه صلى الله عليه وسلم من بعده اقتضى استعمال صفة الرسالة بالذات . لبيان أنها هي الصفة المؤثرة في حكم التحريم ، فقال سبحانه ( أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ) ولم يقل أن تؤذوا النبي ، ثم عطف النهي عن نكاح أزواجه من بعده على عموم النهي عن أذاه صلى الله عليه وسلم ، فقال سبحانه ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا) .
أما سياق الآية ( 70، الأنفال) التي استدل بها شحرور على الارتباط بين" تنفيذ التشريع ، وبين صفة النبوة " فإن ألفاظ ، وسياق هذه الآية الكريمة لا يتعلق بما تم من أسر أولئك الكفار، ولا حتى بحكم فدائهم ، أي أخذ الفدية منهم مقابل إطلاق سراحهم . لأن كل ذلك كان قد تم بالفعل قبل نزول هذه الآية الكريمة. وإنما نزلت هذه الآية لمعالجة نفوس الأسرى من الأثر السيء للخسارة المالية التي لحقت بهم مقابل استعادتهم حريتهم . فوعدهم الله تعالى فيها بأنه سيعوضهم خيراًً مما أخذ منهم من الفداء ، وأنه سيغفر لهم ما مضي من محاربتهم للإسلام - إذا أصلحوا نوايا قلوبهم وآمنوا به سبحانه وبرسوله صلى الله عليه وسلم . وليس فيها أي لفظ يسوغ الربط بين صفة النبوة المخاطب بها صلى الله عليه و سلم فيها ، وبين تنفيذ أي حكم تشريعي. فلا يصح استدلاله بها على الارتباط بينهما . لذا فإن استدلاله بها استدلال خاطئ .
15 - إن زعم شحرور أن الله تعالى لم يوح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتنزيل الحكيم فقط . واستدلاله عليه بقوله تعالى ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) الآية 110، الكهف . هو زعم باطل آثم . بل إن السنة المشرفة هي وحي من الله تعالى لرسوله محمداً صلى الله عليه وسلم . واستدلاله على الحصر الذي زعمه بهذه الآية خاطئ .
أما هدفه من إنكار كون السنة وحي من الله تعالى فهو أشد بطلاناً منه . لأنه مهد به لأمرين:
أحدهما: نفي حجية السنة المشرفة في التشريع .
والثاني: نفي عموم عصمته صلى الله عليه وسلم ، وحصرها في تبليغه آيات كتاب الله تعالى فقط .
وفيما يلي الرد عليهما:
أ ـ فأما نفيه لحجية أحاديث السنة المشرفة في التشريع . فتكذبه ، وتدل على بطلانه آيات عديدة . منها على سبيل المثال قوله تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الآية 157، الأعراف . ومثيلاتها من الآيات .
ب ـ وأما عن نفيه عموم العصمة عنه . وزعمه حصرها في مقام الرسالة فقط . فسيأتي ذكر الآيات الدالة على بطلانهما .
ومع عظم فداحة فرية شحرور" حصر العصمة في مقام الرسالة فقط " فإنه لم يأت عليها بأي دليل . بل اكتفى بطرحه لها فقط . أي أنها من رأيه الشخصي . لذا فإنها فرية لا قيمة لها إطلاقاً .
أما أدلة عموم عصمته صلى الله عليه وسلم فمنها على سبيل المثال قوله تعالى "وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلاَّ وحي يوحى" ، الآيتين 3 و4 ، النجم) . وقوله تعالى (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ/ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ// ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) الآيات 44 - 46 ، الأحقاف . فقد نفى الله تعالى عن رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم التقول عليه سبحانه ما لم يقله سبحانه . وقوله تعالى ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) الآية 7 ، الحشر . وأما زعم حصر دلالة هذه الآية على الإعطاء من المال فقط . فهو زعم باطل . وهو مردود بأن العبرة في آيات كتاب الله تعالى بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب .
16 - أما قوله ببطلان وصف الرسول بأنه ( صاحب الوحيين) ، وأنه تزوير افتراه الإمام الشافعي على الآيتين 3 ، 4 من سورة النجم لتعميم مضمونهما ليشمل كل ما نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم . وأن هذا الوصف هو الذي أوصل الأمة لكوارث لا تعرف الخروج منها .
فكل هذه مزاعم باطلة ، وكذلك التهمة التي افتراها على الإمام الشافعي ، و تحريف منه لمعنى آيتي سورة النجم بهدف إنكار حجية السنة المشرفة في التشريع . فالوصف الذي وصف به الإمام الشافعي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه صاحب الوحيين هو وصف صادق ، موافق للحق . وقد اتفقت الأمة عبر كل عصور الإسلام على أن مصدري الدين هما كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المشرفة . وأن كليهما وحي من الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام ، دلت على هذا آيات عديدة من كتاب الله تعالى منها الآيات المذكورة في الرد على البند السابق بالفقرة (أ) منه .
غير أن القرآن الكريم أوحي إليه بلفظه ومعناه . وأما أحاديث سنته صلى الله عليه وسلم المشرفة فهي موحاة إليه بمعانيها فقط . أما صيغة أحاديثها فهي من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم .
17 ـ أما تكذيب شحرور للأحاديث القدسية جملة وتفصيلا ، وسؤاله الاستنكاري بشأنها الذي طرحه بقوله (إذا كانت قول الله فلماذا لا نجدها بين دفتي المصحف ؟) . فإن عدم وجودها بين دفتي كتاب لله تعالى مع أنها من كلامه سبحانه فأن ضم الأحاديث القدسية إلى آيات كتاب الله تعالى أو إخراجها منه هو أمر توقيفي لا يخضع للرأي والاجتهاد . بل يلتزم فيه بما أمر به أمين الوحي عليه السلام بلاغاً عن الله تعالى ، فبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابته كما جاءه دون أي اجتهاد منه . ومثله حكم ترتيب سور القرآن ، وكذلك ترتيب مواضع الآيات في كل سورة . فكل ذلك حكمه التوقيف . وقد بينه صلى الله عليه وسلم لأصحابه تفصيلاً فأنفذوا ما أمرهم به . كما بين لهم موضع كل آية من كل سورة . وفق ما أتاه الأمر به . فوضعوها حيث قال . وكانوا يسمعونه صلى الله عليه وسلم في الصلوات وفي غيرها يتلو الآيات وفق ما أمرهم بمواضعها من السور الكريمة ، فيتأكدون من مواضع الآيات من السور مرات عديدة .
فعلى سبيل المثال لا الحصر: صح قول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ( وَاللَّهِ لقَدْ أخَذْتُ مِن في رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِضْعًا وسَبْعِينَ سُورَةً) . متفق عليه . فكان الصحابة رضي الله يحفظون الآيات ويكتبونها بالترتيب الذي تلقوها به منه صلى الله عليه وسلم .
أما عن سؤال شحرور عن سبب أمر الله تعالى بإخراج الأحاديث القدسية من القرآن الكريم مع أنها من كلام الله تعالى ؟ فهو سؤال تشكيك ، لا يجوز طرحه أصلاً لأنه قد ثبت أن الترتيب توقيفي من الله تعالى ، لا اجتهاد فيه .
إلا إن كان السؤال عن الحكمة منه فإنه لا بأس بطرحه . بخلاف طرحه بغرض معرفة سبب اختيار تعالى إخراج الأحاديث القدسية عن كتابه وفصلها عنه ، فإنه لا يصح طرحه . لأن القاعدة في اختيارات الله تعالى وأفعاله هي قوله عز وجل ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْأَلُونَ) الآية 23، الأنبياء . أما السؤال لمعرفة الحكمة فصح ولم يبطل ، لأنه لا يتوقف على معرفتها شيء من الاعتقاد ، أو العمل . فاعتقاد أن الأحاديث القدسية من كلام الله تعالى واجب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الله تعالى قالها فوجب التصديق بما أخبر.
وأما عن الحكمة من إحراج الأحاديث القدسية من كتاب الله تعالى فالواجب تفويض العلم بها له سبحانه ، لدخولها في عموم قوله (الله أعلم حيث يجعل رسالته) الآية 124، الأنعام . وفي عموم قوله تعالى ( فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) الآية 51 ، الشورى ، وكذلك في عموم الآية ( 23) من سورة الأنبياء آنفة الذكر.
وأما شحرور فقد رأى في تعدد طرق الوحي مادة يمكنه توظيفها للتشكيك في السنة المشرفة . وكعادته لا يفوت أي شيء يتوهم أنه يصلح للتشكيك فيها .
فسبق له أن ضمن مقاله المنشور على صفحته بتاريخ 26 / 7/ 2019 م قوله:( إذا لم يكن الله هو القائل في الحديث فهل نزل الوحي الثاني كأفكار والرسول صاغه ؟) وقوله بأن :( أي فكرة بحاجة لحامل لغوي . حتى المنام نراه ضمن حامل لغوي - - - فلا يمكن الفصل بين الفكر و اللغة) أ. هـ
فدل ما قاله على جهله ، أو تجاهله أن لفظ " الوحي" من الألفاظ المشتركة في اللغة . أي أن له عدة معاني . منها : أنه الإعلام بخفاء . ومنه قوله تعالى (بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآن وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) 3، يوسف . ومنها الإشارة المفهمة . ومنه قوله تعالى ( فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا ) 11، مريم. ومنها الرؤيا الصادقة ، وهي رؤى الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام . ومنه قوله تعالى ( قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَال يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) 102، الصافات . فلم يقل إسماعيل : " يا أبت افعل ما رأيت في منامك" ، وإنما قال ( مَا تُؤْمَرُ) . ومن طرق الوحي الإلهام . وهو قذف المعنى المراد في القلب مباشرة دون واسطة . ومنه قوله تعالى ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ) 7 ، القصص . فادعاء حتمية وجود حامل لغوي في الوحي إلى أم موسى معناه القول بأنها من رسل الله تعالى . بل وفي حال النحل هو أبعد من ذلك . وهذا لم يقل به أحد .
وهذا يبين مدى بطلان ، بل وقبح زعم ( شحرور) حتمية حاجة المعاني والأفكار لحامل لغوي ، لاسيما مع علمه بأنه يتكلم في شأن الوحي بالذات ، فجهل أو تجاهل أن صاحب إرادة إيصال هذه الأفكار والمعاني لبعض خلقه هو الله تعالى . وأنه لا يصح في حق إرادته سبحانه أن يستعمل فعل (تحتاج ) ، لأن الله تعالى لا يصح أن ينسب إليه الاحتياج لشيء من خلقه مطلقاً . تعالى الله تعالى ، وتعالى وحيه عما قاله - شحرور وأمثاله - علواً كبيراً.
فقد ثبت أن بعض ما كان يتلقاه رسول الله صلى الله عليه من ربه لم يكن بأي حامل لغوي البتة . كما في "النفث في الروع " الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم بقوله :(إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب - -) . ( حديث صحيح جاء من عدة طرق :
الأول : عن ابن مسعود ، أخرجه الحاكم ( 2/ 4) . الثاني : عن أبي أمامة ، أخرجه الطبراني في الكبير ؛ وأبو نعيم في حلية الأولياء ، 10/ 28. الثالث : عن حذيفة ، أخرجه البزار كما في الترغيب ،3 / 7 . ( أنظر الهيثمي في مجمع الزوائد ، 4/ 71 ) ، قال الألباني " فهذه طرق يقوّي بعضها بعضا . ولهذا - والله أعلم - جزم ابن القيم في زاد المعاد بنسبة الحديث إليه صلى الله عليه وسلم" أ. هـ ، أنظر : تحريج الألباني لأحاديث فقه السيرة للغزالي ، بهامش ، الصفحة 95 .
وأختم هذه الفقرة ببيان الله تعالى جزاء المكذبين لآياته ، اتباعا منهم لأهوائهم : قال سبحانه ( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) الآية 3، القمر. قال الطبري في تأويلها : ( وكلّ أمر من خير ، أو شرّ مستقر قراره ، و متناه نهايته . فالخير مستقرّ بأهله في الجنة ، والشرّ مستقرّ بأهله في النار) أ.هـ (أنظر: جامع البيان ، 22/ 577) .
18 - أما سؤال شحرور الاستنكاري عن سبب تعدد صيغ الحديث الواحد ؟ . فهو استنكار باطل . لثبوت العديد من الأحاديث التي تعددت صيغها ، وكلها مستوفية لمعايير صحة المتون ، والأسانيد نقية من العلل والشذوذ فلا مناص من اعتماد واعتقاد صحتها .
كما أنه استنكاره غير منطقي ، لأنه ليس ثمة مانع من أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث مرات عديدة بصيغ متقاربة في مناسبات مختلفة ، كلما دعت الضرورة أن يبين لمن حضروا معه واقعة معينة ، أو مجلساً من مجالسه ، نظراً لاختلاف أشخاص الحاضرين في كل مجلس ، عن الحاضرين في غيره .
فكان صلى الله عليه وسلم بسماحته وكريم خلقه يراعي عدم سماع بعضهم لسابق بيانه لأمر ما . فكان هذا هو سبب اختلاف بعض ألفاظ روايات الحديث في الشأن الواحد . وهو سبب طبيعي ، ومنطقي . كما أن في تعدد الألفاظ سعة للأمة وهذا مقصد شرعي دلت عليه آيات عديدة ، منها قوله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) 28 ، النساء ، ومنها قوله تعالى ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) الآية 185 ، البقرة ، ومثيلاتهما من الآيات .
ولكن محاولات شحرور وأمثاله - توظيف هذا الاختلاف غير المؤثر في ألفاظ الحديث الواحد لتشكيك المسلمين في عدالة رواة الأحاديث بغرض زعزعة الثقة في أحاديث السنة المشرفة عموماً - باءت ، وتبوء بالفشل دائماً . لأن الله تعالى يقول ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) الآية 81 ، يونس .
وأما سؤاله الاستنكاري عن سبب جود العنعنات في الأحاديث الشريفة ؟ . فإن طرحه لهذا السؤال يدل على أمرين لا ثالث لهما :
- إما على جهله بأهمية الإسناد للتثبت من صحة كل حديث . بفحص صلاحية كل راو من رواته . للتأكد من صواب قبول روايته ، أو ردها . لأن الرواة هم الذين نقلوا للأمة ألفاظ الأحاديث عبر العصور رجوعا متصلاً زمنياً عبر الطبقات ، حتى الوصول إلى الصحابي الذي سمعه بنفسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- وإما أنه - وأمثاله - يعلمون ضرورة ، وشدة أهمية التثبت من عدالة وضبط كل رجل من رجال الإسناد للاطمئنان لصحة رواية كل منهم للحديث . ومع ذلك يتعمد استنكار الإسناد الذي سماه " العنعنة " استهزاء به . لإرادته - و أمثاله - الطعن في السنة المشرفة من جهة أسانيدها التي هي في الحقيقة الوسيلة العلمية الدقيقة المسوغة للثقة في صحة نقل الأحاديث للأمة عبر الأجيال .
19 - أما اتهام شحرور أحاديث السنة المشرفة بأنها هي سبب تأخر الأمة وتردي حالها . فهو افتراء آثم غاشم ، من جنس التعميم الفاسد . ومع شناعة وفداحة هذا الاتهام العريض إلا أنه لم ير ما يدعوه لأن يدلل عليه . بل أطلقه هكذا على عاهنه تهوراً . معتبراً أن رأيه الشخصي حجة بذاته لا يحتاج إلى إثبات . وهذا يظهر مدى اختلال فكر شحرور وانحراف معتقده وسوء ظنه . بل وعظيم غيظه من أحاديث السنة المشرفة وحقده عليها .
فالحقيقة المؤكدة هي أن أحاديث السنة المشرفة لا يصح شرعاً ، ولا عقلاً أن ينسب لها شيء من تأخر الأمة و تردي حالها البتة . ولكن كما يقول المثل المعروف ( إذا تحكم الغرض استعضل المرض) .
بل الصحيح أن تأخر الأمة وتردي أحوالها يرجع بالمرتبة الأولى إلى بعد المسلمين عن الالتزام بهدي مصدري الإسلام الأساس الكتاب ، والسنة . ثم يرجع بالمرتبة الثانية إلى سلسة من العوائق الاجتماعية والسياسية والإدارية والاقتصادية . وأهمها ضعف ، وانعدام كفاءة المتنفذين في بلدان المسلمين .
وقد أصبحت هذه العوائق معروفة في هذا العصر بكثير من تفاصيلها ،لا تخفى على كثير من المسلمين ، لا سيما المتعلمين منهم . وليس هذا مقام بسط الكلام عنها . ولكن المهم هنا هو بيان أن الصحيح هو عكس الزعم الذي افتراه شحرور تماما على أحاديث السنة المشرفة .
فلقد كان لهدي كتاب الله تعالى ، وأحاديث السنة المشرفة ، ثم جهود علماء الأمة في كافة التخصصات اليد البيضاء في كثير مما توصلت إليه الإنسانية برمتها من رقي وتحضر وكمال وجمال . سواء في الماديات أو في المعنويات . وقد شهد بهذا حتى المنصفون من غير المسلمين .
وكفى بالله شهيداً سبحانه الذي أخبر بأن طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم سبب للهداية بقوله ( وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) الآية 54 ، النور. ولا يقترن بالهداية إلا الصلاح والفلاح في الدارين .
20 - وأخيراً تشبيه شحرور طاعة المسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطاعة أي مدير له في عمله . وأنها طاعة تتعلق بمنصبه لا بشخصه . وأن طاعة المسلمين لرسولهم صلى الله عليه وسلم قد انقطعت بوفاته . وكل هذه مزاعم باطلة ، جمعت مع بطلانها شدة القبح . وزاد من قبحه جرأة شحرور على الاستدلال عليه بقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) الآية 59 ، النساء .
ويكذب زعمه أن الله تعالى قد رتب طاعته على طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) الآية 80 ، النساء . ثم يأت الضالون المضلون فيزعمون للمسلمين بأن طاعتهم لرسول ربهم صلى الله عليه وسلم قد انقطعت بوفاته .
قال الإمام الشافعي رحمه الله ( طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَ مَعْصِيَتَهُ تَبَعٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَعْصِيَتِهِ . لِأَنَّ الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ مَنْصُوصَتَانِ بِفَرْضِ الطَّاعَةِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَازَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لِمَا وَصَفْت) أ. هـ أي بسبب تبعية طاعته صلى الله عليه وسلم لطاعة الله تعالى . (أنظر: الأم ،1/ 232) .
فلا يجوز لمسلم أن يعتقد بأن طاعته لله تعالى تنقطع بأي حال حتى يغادر كل إنسان هذه الدنيا بالموت . قال تعالى لرسوله:( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) الآية 99، الحجر.
وأبشر كل من يقرأ هذه السطور بأن الله تعالى بكمال عدالته قد أثلج صدور عباده المؤمنين بأخبارهم بأن افتراءات هؤلاء الظالمين ستسجل شهادات تكتب عليهم ، وأخبر بأنهم سيسألون عنها . قال تعالى (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الآية 19، الزخرف . وشحرور منهم بالفعل فقد قال بأن الملائكة كانت تأتي على شكل إناث ، في لقاء متلفز له (أنظر: على قوقل محرك البحث الإلكتروني بعنوان ( شحرور: كانت النذر من الملائكة تأتي على شكل إناث) .
وقد أورد الواحدي رواية قول ابن عباس عن معنى هذه الآية ( سنأمر الحفظة بإثباته عليه ، لنجازيه به) أ. هـ (أنظر : التفسير الوسيط ، سورة مريم ، 3/ 194) . وصح من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال:(‌ من ‌نُوقِشَ ‌الْحساب يَوْم الْقِيَامَة عذب) . متفق عليه . ( أنظر: صحيح البخاري ، كتاب البيوع (2091) ، صحيح مسلم كتاب صفات المنافقين (4/ 35) ، والجمع بين الصحيحين ، للحميدي ، حديث رقم 3277) . وهذا لفظ رواية البخاري . وأختم بقوله تعالى (وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا) الآية 80 ، مريم . هذا أهم ما لزم الرد عليه . والحمد لله رب العالمين .
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع الأقسام الرئيسية مشاركات المشاركة الاخيرة
هذه أمنا عائشة أم المؤمنين أبوسياف المهاجر الشيعة والروافض 4 2010-07-29 01:34 AM
ليس بالقرآن وحده يكون الإسلام جنة الرحمن حوارات عامة 12 2010-05-27 06:47 PM
رد شبهات السنه حول الشيعه الحسيني بشار الشيعة والروافض 51 2010-05-06 10:14 PM
يوم الغفران والتهانى والهدايه عيد قتلهم لعمر رضى الله عنه ويختم احتفالهم بالمسابقات من يسب ويلعن ويحقد اكثر محمدع الشيعة والروافض 2 2009-12-20 09:42 AM
العضو سامي تفضل للنقاش , سعودية سنية رد شبهات الملاحدة العرب 212 2009-12-01 02:40 AM

 link 
*** مواقع صديقة ***
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 كحل الاثمد   متاجر السعودية   مأذون شرعي   كحل الاثمد الاصلي   تمور المدينة   شركة تنظيف افران   صيانة غسالات الدمام   صيانة غسالات ال جي   صيانة غسالات بمكة   شركة صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات سامسونج 
شركة صيانة افران بالرياض  كود خصم   سطحة هيدروليك   سطحة بين المدن   سطحة غرب الرياض   سطحة شمال الرياض 
 yalla live   يلا لايف   bein sport 1   كورة لايف   بث مباشر مباريات اليوم   Kora live   yalla shoot 
 سحب مجاري   translation office near me   كورة سيتي kooracity   زيوت امزويل AMSOIL   ايجار سيارات مع سائق في ماربيا   اشتراك شاهد رياضه   شركة تنظيف في رأس الخيمة   شركة تنظيف في دبي 24 ساعة   مظلات وسواتر   تركيب مظلات سيارات في الرياض   تركيب مظلات في الرياض   مظلات وسواتر   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركه تنظيف بالرياض   ربح المال من الانترنت 
 برنامج ادارة مطاعم فى السعودية   افضل برنامج كاشير سحابي   الفاتورة الإلكترونية فى السعودية   المنيو الالكترونى للمطاعم والكافيهات   افضل برنامج كاشير فى السعودية 
 شركة تنظيف مكيفات بجدة   عزل فوم بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   يلا شوت   يلا شوت   الحلوى العمانية 
 شركة تنظيف منازل بالرياض   شراء اثاث مستعمل   شركة تنظيف منازل بالرياض   نقل عفش الكويت   زيادة متابعين تيك توك حقيقيين   يلا شوت   اهم مباريات اليوم   يلا شوت   شركة عزل خزانات بجدة   يلا لايف   يلا شوت 
 Yalla shoot   شركة حور كلين للتنظيف 
 تركيب ساندوتش بانل   تركيب مظلات حدائق 
 موقع الشعاع   بيت المعلومات   موقع فكرة   موقع شامل العرب   صقور الخليج   إنتظر 
 شركة نقل عفش بالرياض   شركة نقل عفش بالرياض   دكتور مخ وأعصاب 
 كشف تسربات المياه   شركة تنظيف منازل   نقل اثاث بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   نقل اثاث   كشف تسربات المياه   شركة تنظيف بالرياض   شركة عزل اسطح   عزل اسطح بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   تنظيف خزانات بالرياض   مكافحة حشرات بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة عزل فوم   كشف تسربات المياه   عزل خزانات بالاحساء   شركة نقل اثاث بالرياض   نقل عفش بالرياض   عزل اسطح   شركة تنظيف بالرياض   شركات نقل الاثاث   شركة تنظيف منازل بجدة   شركة عزل فوم   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة تنظيف خزانات بالرياض   شركة تخزين اثاث بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بخميس مشيط   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركة عزل اسطح   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة كشف تسربات المياه   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   شركة عزل اسطح   عزل خزانات   شركات عزل اسطح بالرياض   شركة عزل خزانات المياه   شركة تنظيف فلل بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   شركة كشف تسربات المياه بالدمام   عزل خزانات بالاحساء   عزل فوم بالرياض   عزل اسطح بجدة   عزل اسطح بالطائف 
دليل السياح | تقنية تك | بروفيشنال برامج | موقع . كوم | شو ون شو | أفضل كورس سيو أونلاين بالعربي | المشرق كلين | الضمان | Technology News | خدمات منزلية بالسعودية | فور رياض | الحياة لك | كوبون ملكي | اعرف دوت كوم | طبيبك | شركة المدينة الذهبية للخدمات المنزلية

تطوير موقع الموقع لخدمات المواقع الإلكترونية

Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd