جديد المواضيع |
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية
تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية
تأليف د/محمد سعد الشّويعر سبب التأليف الحمد لله و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و آله و صحبه أجمعين . و بعد، كنت قد أخرجت كتاباً صغيراً باسم تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية يقع في 110 صفحات تقريباً و طبع للمرة الأولى بتطوان بالمغرب عام 1407 هـ و طبعته دار المعارف بالرياض الطبعة الثانية عام 1413 هـ , أوضحت فيه بأن خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و أعداء دين الله الحق , من أرباب المصالح الدنيوية ممن يريدون إطفاء نور الله و التصدي لمن يريد أن يحقق التوحيد الذي أمر به الله و أرسل به رسله من أولهم إلى آخرهم : دعوة و تطبيقاً و تنقية من مداخل الشرك . فوجدوا دعوة خارجية أباضية في شمال إفريقيا نشأت في القرن الثاني الهجري باسم الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الأباضي , ووجدوا فتاوى من علماء المغرب و الأندلس ممن عاصرها أو جاء بعدها فأرادوا شيئاً عاجلاً يحقق الغرض و ينهض الهمم لإسكات الدعوة الجديدة خوفاً من توسع الدائرة الإسلامية حيث قامت الدولة السعودية الأولى مناصرة للدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب – فتصافحت يداً الإمامين : محمد بن سعود و محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله في عام 1157 هـ على القيام بهذه الدعوة نصرة لدين الله و أداء لأمانة التبليغ . فوفق الله و لقيت الدعوة قبولاً و تأييداً حيث امتدت إلى العام الإسلامي كله و تأثر بها العلماء من الحجاج و بدأوا في نشرها في بلادهم .... فخاف المنتفعون دنيوياً من آثارها ووجدوا الضالة في الوهابية الرستمية , المدفون خبرها في سجلات التاريخ فنبشوا في فتاوى العلماء حولها و كانت فرصة بإلباس الثوب القديم للدعوة الجديدة ووجدت الإشاعة صدى في النفوس لأن أرباب المنافع الدنيوية جهدوا في التمويه و التشويه و الناس عادة يتلقفون الكذب أكثر من اهتمامهم و تحريهم للصدق . و لذ فإن للإشاعات دوراً كبيراً في تغيير المفاهيم ووضع تصورات تغاير الواقع ... بحسن نية أو سوء فهم . وفي حدود عام 1407 هـ كان نقاش علمي مع أحد علماء المغرب حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – حقق نتيجة مرضية و صحح مفهوماً تاريخياً سائداً و قد رغب إلى أكثر من أخ كريم ذكر سبب التأليف تلك الرسالة كتابياً حيث ذكرتها لهم شفوياً لأنه أمكن في البلاغ و يطلع عليها أكبر عدد ممكن حيث تبقى حية لمن يريدها و اســتجابة لذلك أقول :- قد يكون من المناسب الاشتراك مع القارئ في السبب الذي من أجله كتبت : تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية , ولأن الله قد جعل لكل شئ سبباً فكان هذا الحوار الذي تولد عنه النقاش العلمي المقنع و الحوار الهادئ المثمر هو السبب المباشر لكتابة هذه الرسالة . ( ففي عام 1407 هـ، كنت في مهمة لموريتانيا ، ثم عرجّنا على السنغال ، وكان خط سير الطيران ملزماً لنا بالبقاء في المملكة المغربية ستة أيام . وفي أحد الأيام كنت في ضيافة أحد الأساتذة بإحدى الجامعات هناك ، وأرمز له : بالدكتور عبد الله . وفي جلسة بمكتبته دارت أحاديث شتى ، ومن محبته للملكة وحضور مؤتمرات عديدة بها ، طرح عليّ هذا السؤال أمام الحاضرين ،وعددهم يقارب الاثني عشر شيخاً من فضلاء البلاد هناك . قال إننا نحب المملكة ، ونفوس المسلمين وقلوبهم تهفوا إليها ، وبيننا وبينكم تقارب كبير وتفاهم بين القيادات ، وإعجاب بما يؤديه حكام وعلماء المملكة من جهود مخلصة للإسلام والمسلمين ، ولكن حبذا لو تركتم المذهب الوهابي الذي فرق بين المسلمين ؟! . فأجبته : قد يكون علق بالذهن معلومات خاطئة ، مأخوذة من غير مصدرها السليم ، ولكن حتى تلتقي المفاهيم ، نحب أن نطرح الموضوع بحضور الإخوة للنقاش العلمي المقرون بالبراهين .. ثم قلت :- ولما كان كل إنسان ترتاح نفسه ، ويطمئن قلبه ، لما ألفه علماء بلده ، فإنني في هذا الحوار لن أخرج عما في محتويات هذه المكتبة ، التي تضمنا جدرانها الأربعة ؛ لأنك كما تراني الآن لا أحمل كتاباً ، ولم يخطر ببالي مثل هذا النقاش . ولذا وقبل أن نبدأ : أرجو أن يكون نقاشنا بعيداً عن التعصب والانفعال ، أو طرح الآراء بدون دليل مقنع يعول عليه ، لأن نشدان الحقيقة هو هدفنا ، والامتثال لأمر الله وأمر رسوله هو غايتنا ، ونصر الدين هو المؤمل من كل منّا . قال : أوافقك على هذا ، وأصحاب الفضيلة المشايخ هم الحكم بيننا. قلت : رضيت بذلك ، وبعد التوكل على الله أرجو أن تطرح أي مدخل للحوار . قال : خذ مثلاً ما ذكره الونشريسي في كتابه ] المعيار [ الجزء 11 ، وهو قوله : سئل اللخمي : عن أهل بلد بنى عندهم الوهابيون مسجداً ، ما حكم الصلاة فيه ؟.1 وللمعلومية : فإن كتاب ]المعيار[ هذا هو كتاب يجمع الفتاوى في الفقه المالكي ، جمعه أحمد بن محمد الونشريسي ، وطبع في 13 مجلداً ، وقد طبعته الحكومة المغربية وتوزع منه نسخ عن طريق الإهداء . بعد طرح السؤال ، و إحضار الكتاب المذكور الجزء 11 ، أجبته: بان الفتوى على هذا السؤال صحيحة ، ونوافق اللخمي على ما جاء في فتواه . قال إذا اتفقنا على أن هذه الفرقة ، وخطأ ما تسير عليه ، خاصة وأن المفتي قال : هذه فرقة ، خارجية ضالة كافرة ، قطع الله دابرها من الأرض ، يجب هدم المسجد ، وإبعادهم عن ديار المسلمين . قلت : لم نتفق بعد ولا زلنا في بداية الحوار .. ولعلمك : فإن هذه الفتوى لها نظائر كثيرة قبل اللخمي وبعده ، موجودة لدى علماء الأندلس ، وفقهاء شمال أفريقيا ، وهي مستمدة من حكم رسول الله في الخوارج ، الذين قاتلهم علي بن أبي طالب في النهروان . وفي نقاشنا هذا ، سوف نصل بإذن الله إلى تصحيح المفهوم التاريخي بين ما تعنيه هذه الفرقة ، التي أفتى علماء الإسلام في الأندلس وشمال إفريقيا بشأنها ، وبين التسمية التي ألصقت وصفاً مستهجناً بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله التصحيحية . هذا التصحيح لن يكون مقنعاً إلا بقرائن وبراهين مرضيّة عندكم ، لأن رائدنا جميعاً الوصول إلى الحقيقة لذات الحقيقة .. والرأي الهادئ المقنع هو الذي تنجلي به الغشاوة وتصحح به المفاهيم . |
#2
|
|||
|
|||
قال: كلنا نريد الوصول لهذه الحقيقة .. ثم قال : وبعد هذه الفتوى نريد أن تعطينا ما عندك ، ونحن نستمع والإخوة يحكمون بيننا ، ويصوبّون أو يخطئون ما يقال أو يعرض أمامهم .
قلت : : سترون – إن شاء الله - ، ما ينير الطريق لمن يريد الوصول للرأي الصائب ، واستجلاء الأمر ، و لهذا : نبدأ بما لدينا من أجزاء المعيار .. ولعلك تقرأ طرة الكتاب ليسمع الإخوة ؟ . قال : تريد الفتوى حتى أقرأها أمامهم ، أم أبدأ بما على الغلاف الخارجي من معلومات ؟؟. قلت : بل الغلاف الخارجي .. أو الداخلي .. فهما سواء .. فقرأ : ] المعيار المعرب في فتاوى أهل المغرب [ ، تأليف : أحمد بن محمد الونشريسي المتوفى عام 914 هـ ، بفاس بالمغرب . قلت لأكبر المشايخ سناً ، وهو شيخ وقور ، هادئ الطبع ، اسمه أحمد : يا شيخ أحمد سجل تاريخ وفاة الونشريسي .. فرصد ذلك عام 914 هـ . ثم قلت : هل من الممكن إحضار ترجمة اللّخميّ ؟ . قال : نعم .. ثم قام إلى رفّ من رفوف المكتبة فأحضر جزءاً من أحد كتب التراجم ، وفيه ترجمة : علي بن محمد اللخمي ، مفتي الأندلس وشمال إفريقيا ، والترجمة طويلة ، وفيها ثناء عليه وعلى علمه .. فقلت : إن بيت القصيد في نهاية الترجمة ، فمتى توفي ؟ قال القارئ : وتوفي عام 478 هـ 1 . فقلت للشيخ أحمد : اكتب تاريخ وفاة الشيخ علي اللّخمي ، فكتبه في عام 478 هـ . فقال الدكتور عبد الله : هل تشك في علمائنا وفي فتاواهم ؟ قلت وما دليلك على هذا الشك ؟ . ثم التفتّ إلى المشايخ .. وقلت : هل بدر مني ما يدعو إلى الشك الذي أوجب هذا القول ؟. فكان الجواب بالإجماع : النفي . قلت : ولكي أنفي الشك عني ، وعن علمائنا في بلادي ، فإننا نحترمهم ونجلّهم ، ونصوّب كل فتوى تصدر عنهم ، يدعمها الدليل من الكتاب الكريم ، والصحيح من سنة رسول الله . ولكن الوصول إلى ما بدأنا الحديث من اجله ، مقروناً بما يدعمه ، يحتاج إلى شيء من الأناة والصبر . ومن باب استعجال الجواب : أطرح على الجميع هذا السؤال : هل يمكن أن يفتي العلماء على معتقد لم يوجد صاحبه الذي ينسب إليه بعد ، أو الحكم على ملّة من الملل لم تظهر بعد ؟؟!! . قالوا جميعاً : لا .. ولم يعرف هذا ، إلا ما جاء عنه إخبار من رسول الله . وهذا من معجزات النبوة ، وفي الغالب يأتي الوصف دون المسمى . قلت موجهاً الكلام لمحدّثي : ألست تعتقد ويعتقد غيرك : أن الوهابية أول من أنشأها محمد بن عبد الوهاب في نجد ؟ قال بلى. قلت : إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، عندما أفتى اللّخمي وغيره من علماء المالكية في الأندلس . وفي الشمال الإفريقي ، كان أكثر من اثنين وعشرين من أجداده لم يولدوا بعد ، باعتبار أن المتوسط لكل قرن ثلاثة جدود ، كما أن بين وفاة عبد الوهاب بن رستم ووفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما يقرب من واحد وثلاثين جداًّ ، وعلماؤكم وعلماء المسلمين لا يعلمون الغيب ، وننزههم عن الكهانة والسحر ، وعن القول في أمر لا يعلمونه ، قال تعالى ) قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيَّان يبعثون ( . قال : أوضح أكثر ..!! قلت : إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولد عام 1115هـ ، ومات سنة 1206 هـ ، وبينه وبين أحمد الونشريسي الذي ألف كتاب ( المعيار ) ، ونقل الفتوى عن اللّخمي – كما مر بنا – مئتان واثنتان وتسعون سنة ( 292 ) وفق تاريخ الوفاة ، كما أن بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين اللّخمي ، وهو صاحب الفتوى سبعمائة وثمانية وعشرون عاماً (728 ) وفق تاريخ الوفاة، وفق ما سجّل الشيخ أحمد لوفاة كل منهما . ويقاس على هذا كل من أفتى من علماء الأندلس وشمال إفريقيا عن تلك الوهابية . قال : هل يمكن أن توضح أكثر لما تعني .. بدليل مقنع ؟ قلت : لم يهتم علماء شمال إفريقيا والأندلس ، بالفتاوى عن الوهابية والتحذير منها ، إلا لأنها موجودة عندهم بخلاف ديار المسلمين الأخرى ، التي وضّح فرقها الشهرستاني في كتابه ( الملل والنحل ) 1 . وابن حزم في كتابه ( الفصل في الملل والأهواء والنحل ) 2 . وفي موضوعنا : ألا يوجد عندك كتاب : ( الفرق الإسلامية في شمال إفريقيا ) ، الذي ألفّه الفرنسي : ألفرد بل ، وترجمه للغة العربية : عبد الرحمن بدوي ؟ .. وهو جزء واحد . قال : هاهو موجود .. ثم قام وأحضره . قلت فلنقرأ في آخره ، حرف الواو .. فقرأ أحدهم : الوهبية أو الوهابية : فرقة خارجية أباضية أنشأها عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن رستم ، الخارجي الأباضيّ ، وسميت باسمه وهابية ، الذي عطّل الشرائع الإسلامية ، وألغى الحج ، وحصل بينه وبين معارضيه حروب .. إلى أن قال : المتوفى عام 197 هـ ، بمدينة تاهرت بالشمال الأفريقي ، وأخبر بأن فرقته أخذت هذا الاسم ؛ لما أحدثه في المذهب من تغيرات |
#3
|
|||
|
|||
ومعتقدات ، وكانوا يكرهون الشيعة قدر كراهيتهم لأهل السنة .وكان ألفرد هذا قد تحدث في كتابه المنوه عنه عن الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي من الفتح العربي حتى وقت المؤلف في العصر الحاضر تقريباً .
وعبد الوهاب بن رستم قد اختلف في تاريخ وفاته ، عند من كتب عنه ، ويرى الزر كلي في ( الأعلام ):أن وفاته نحو 190 هـ . عند ذلك قلت له وللحاضرين : هذه هي الوهابية التي فرقت بين المسلمين ، وصدرت بشأنها فتاوى من علماء وفقهاء الأندلس وشمال أفريقيا ، كما تجدون في كتب العقائد عندكم ، وهم محقون فيما قالوا عنها . أما دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي ناصرها الإمام محمد بن سعود – رحمهما الله – السلفية التصحيحية ، فهي ضد الخوارج وأعمالهم ؛ لأنها قامت على كتاب الله وما صح من سنة رسوله ، ونبذ ما يخالفهما وهم من أهل السنة والجماعة . والشبهة التي انتشرت في بلاد الإسلام قد روجها أعداء الإسلام والمسلمين من مستعمرين وغيرهم لكي تبث الفرقة في صفوفهم ، فقد كان المستعمرون يسيطرون على غالب العالم الإسلامي في ذلك الوقت ، وهو وقت عنفوانهم ، ويعلمون من واقع حروبهم الصليبية ، أن عدوهم الأول في تحقيق مآربهم : الإسلام الخالي من الشوائب ، وتمثله السلفية ، ووجدوا ثوباً جاهزاً ألبسوه هذه الدعوة تنفيراً ، وتفريقاً بين المسلمين – لأن مبدأهم فرق تسد – حيث أن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لم يخرجهم من ديار الشام إلى غير رجعة ، إلا بعد أن قضى على دولة الفاطميين العبيديين الباطنيين من مصر ، ثم استقدم علماء من أهل الشام ووزعهم في الديار المصرية فتحولت مصر من التشيّع الباطني إلى منهج أهل السنة والجماعة ، الواضح دليلاً وعملاً واعتقاداً . فالمستعمرون خافوا من إعادة الكرّة ، بعدما رأوا دولة التوحيد السنّية ، التي قادها الإمامان : محمد بن عبد الوهاب ، ومحمد بن سعود ، ثم من جاء بعدهما ، تتسع أعمالهما ، ، ويكثر المستجيبون لما تهدف إليه هذه الدعوة ، ومعلوم لديكم أن المستعمر ما دخل بلدة إسلامية إلا حاول إقصاء أهل السنة ، وتقريب أهل الأهواء والبدع ؛ لأنهم مطيته فيما يريد عمله في ديار الإسلام . كنت أعتقد أن هذا الجواب فيه إقناع .. لكن طرح أحدهم سؤلاً قال فيه : ألا يكون محمد بن عبد الوهاب قد أخذ منهج السابقين وأحياه من جديد واتبع طريقتهم ؟! قلت : أولاً : لبعد الاتصالات بين المكانين فإن المعلومات لا تصل ولم يكن لدعوة عبد الرحمن بن رستم ذكر في تاريخ الجزيرة العربية ، بل كما مر بنا ، لم يكن لها تصنيف عند الدارسين والراصدين للملل والنحل والأهواء ؛ كالشهرستاني وابن حزم ، ولا في ردود ابن تيمية ، وابن رستم مات قبل هؤلاء بزمن . مما يدل على أن دعوة عبد الوهاب بن رستم ( الوهّابيّة ) لم تتعدّ الشمال الإفريقي والأندلس قبل ضياعها . ثانيا : أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تختلف عن دعوة جميع الفرق المخالفة لكتاب الله ولسنة رسوله ، لأنها دعوة تجديدية على منهج السلف الصالح ، ولم يأت بشيء يخالف ذلك . ثالثاً : تسمية الدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب بـ ( وهّابيّة ) نسبة إليه خطأ لغوي ، لأن والده لم يقم بها ، و إلا لأشترك في هذه النسبة الوالد وأولاده ، ومحمد واحد منهم لتصبح نسبة مشتركة . رابعاً : الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته لا يوافق الإباضية في آرائهم ، ولا غيرهم من الفرق التي ذمها علماء أهل السنة منذ نشأت في ديار المسلمين ، وكتبه ورسائله توضح ذلك . خامساً : أن ما نسب إليه من أمور ، آتي لها بشواهد – إن رأيتم في الوقت متسعاً _ من كلامه وكلام تلاميذه بالتبرئ مما نسب إليه كذباً وزوراً ، ويقول في كلامه : سبحانك ربي هذا بهتان عظيم . فكيف ينسب للإنسان شيء هو يتبرأ منه ؟؟! لكن سوف نستكمل الحوار ، ولعلنا نجد في هذه المكتبة – بحول الله – ما يزيل ما علق بالأذهان من شبهة ، والحكمة ضالة المؤمن . قلت : ولعلنا نجد عندكم كتاباً تاريخياً عن منطقتكم اسمه ( تاريخ شمال أفريقيا ) من تأليف أحد الغربيين في فرنسا .. واسم المؤلف: شارلي أندري ، وقد ترجمه إلى اللغة العربية محمد مزالي رئيس وزراء تونس الأسبق ، والبشير بن سلامة .. قال الدكتور عبد الله : نعم موجود .. فأحضره وهو ثلاثة أجزاء . وباستعراض الفهارس : قرأنا في الجزء الثاني ، عن ممالك الخوارج ، ومن ضمنها مملكة تاهرت ، التي هي الدولة الرستمية، حيث توسع المؤلف في الحديث عن معتقداتها واتساعها ومعالمها الحضارية ، وتسميتها بالوهابية ، نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ، الذي خالف أهل ملته ، كما أبان في عشر صفحات ، بأن هذه الوهابية – الرستمية – تخالف أهل السنة في المعتقد 1. ثم قلت : ولعلك تحضر أيضاً كتاب : ( المغرب الكبير ، العصر العباسي ) للدكتور : السيد عبد العزيز سالم ، إن كان موجوداً في هذه المكتبة . قال : نعم موجود : ثم أحضره . فقرانا سوياً بعد إحضاره في الجزء الثاني عن الدولة الرستمية ، في مدينة تاهرت في المغرب : أن عبد الرحمن بن رستم ، وهو من أصل فارسي ، عندما أحس بدنو أجله |
#4
|
|||
|
|||
في عام 171 هـ ، أوصى لسبعة من خيرة رجال الدولة الرستمية ، ومن بينهم ابنه عبد الوهاب ، ويزيد بن فنديك : وقد بويع عبد الوهاب ، مما ترتب عليه نشوء خلاف بينه وبين ابن فنديك . وقد انقسمت الإباضّية التي هي ديانة ابن رستم ومن معه ، حيث نقلها من المشرق إلى المغرب إلى فرقتين : الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ، والنكارية ، ودارت بين الطرفين معارك ومقاتل ، تنهزم فيها النكارية ، إلى أن قتل زعيمها : ابن قنديرة ، وفي حالة ضعف من النكارية ، انضموا إليهم الواصلية المعتزلة . ثم قال : وقد عزم عبد الوهاب هذا على حج في آخر حياته ، إلا أن أتباعه نصحوه بالبقاء في ( نفّوسه ) خوفاً عليه من العباسين 1. ثم قلت : ولو رجعنا إلى كتاب ألفرد بل ، عن الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي ، من الفتح الإسلامي حتى اليوم ..لوجدناه في موضع آخر يقول : الخوارج الوهبيين الذين سمّوا نسبة على عبد الله بن وهب الراسبي ، الذي قاتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النهروان هم : خوارج أباضية ، وعن انقسامهم قال : بأن أباضية المغرب ، في تاهرت منهم ، وهم الذين كانت ولتهم الرستمية في شمال إفريقيا ، وكانوا أشد الفرق تعصباً . واتباع عبد الوهاب بن رستم ، الذي سميت فرقته بالوهابية نسبة إليه ؛ لما أحدثه في المذهب من تغييرات ومعتقدات . وقد تحدث في هذا الأمر قرابة اثني عشرة صفحة ، واخبر أنهم يكرهون أهل السنة 2. ثم قلت : من هذا الرصد وغيره من كتب العقائد والسير ، في تاريخ شمال أفريقيا ، يبرز أمام طالب الحقيقة ، ما حرص عليه الكاتبون من تفنيد لمعتقدات الخوارج الإباضية الرستميين ، الذين منهم الوهابيون – نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم - ، منذ خرجت هذه الفرقة بالقرن الثاني الهجري ، حيث أكدت ذلك جميع المصادر . و الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي قام بدعوته للقضاء على الشوائب التي أدخلت على الإسلام في صفائه و نقاوته رغبة منه في تصحيح العقائد و تنقيتها من مداخل و البدع مثلما سار من قبله دعاة منهم أحمد بن حنبل , وشيخ الإسلام ابن تيمية في الشام و العز بن عبد السلام في مصر و غيرهم ... كلهم و غيرهم من أئمة الإصلاح و التجديد يخالفون ملل الخوارج و ما يدعون إليه من معتقدات و اعتزال و بدع تخالف ما درج عليه أهل السنة و الجماعة و هذا مرصود في كتب : الملل و الأهواء و النحل . فحصل بحمد الله الاقتناع خاصة بعد أن تردد اسم الوهابية في مصادرهم التاريخية و العقدية مراراً مع إيضاح نماذج مما يدعون إليه .. لكنني أحببت ترسيخ هذا المفهوم عندهم بما لا يدع مجالاً للشك و لكي يستفيد منه من يطلع عند تدوينه وفقاً لكلام البلاغيين : زيادة المبنى , زيادة في تمكين المعنى . فقلت : ما رأيكم إذا اتسعنا مع المصادر و برز أمامنا من الحقائق التاريخية زيادة عما ذكر ما يدل على أن علماءبلادكم و حكامها قد اهتموا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما حرص آل سعود على نشرها و تبلغها لحكام المسلمين بالمكاتبات و بعث المندوبين اقتداء بأسلافنا في أداء الأمانة و تبليغ ما قاموا من أجله أخذاً من قول الله سبحانه : { و إنه لذكر لك و لقومك و سوف تسئلون } (سورة الزخرف آية 44 ) حيث قام حكام المغرب الأقصى و علماؤه بالتقصي و المحاورة ثم اقتنعوا بسلامة هذه الدعوة . قالوا : نعم ... نريد المزيد , بالشئ المفيد , المقنع و الموثق . قلت : سوف يكون ذلك إن شاء الله . ثم قلت : لعلكم تعلمون أن الإمام سعود بن عبد العزيز – و هو الإمام الثالث من الدولة السعودية الأولى – قد بعث بعد ما دخل مكة في عام 1219 هـ رسائل شمال أفريقيا : تونس و المغرب الأقصى و غيرهم يشرح فيها حقيقة التوحيد و أصول الدين الذي جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم صافياً نقياً من الأمور التي أدخلت عليه و بلغه للناس بصدق و أمانة , عليه من ربه أفضل الصلاة وأزكى التسليم , وهي رسالة من ثلاث صفحات حسبما نشرتها مجلة ألمانية اسمها إسلاميكا " islamiga " مع دراسة باللغة الألمانية لما تعنيه الدعوة التي قاموا بها من أحد المستشرقين (1) . و كانت هذه الرسالة توضح بمحتواها و نصها العربي ما قام به الإمام سعود ووالده من قبل من عمل وفق أمر الله و أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى دين الله على نور من الله ليزيل ما قد يكون علق بالأذهان من أكاذيب قيلت عن الدعوة و نفاها الشيخ محمد بن عبد الوهاب قبل وفاته [1115 – 1206 هـ] و في ردوده بقوله : سبحانك هذا بهتان عظيم و قبلنا كذب على صفوة الخلق عليه الصلاة السلام كما في رسالته رحمه الله لعبد الله بن سحيم و هو من المعارضين له , و في رسالته إلى عالم بغداد الشيخ عبد الرحمن السويدي رحمه الله تعالى : بعد أن بين لهذا الأخير عقيدته و ما يدعوا الناس إليه من إخلاص العبادة لله تعالى و إنكار ما فشا في الناس من أمر الشرك من دعاء الأموات و الالتجاء إليهم من دون الله تعالى قال : فقام بسبب هذه الدعوة من عارضنا في ذلك و افترى علينا الكذب – إلى أن قال : فإني ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة و إيتاء الزكاة و غير ذلك من فرائض الله و نهيتهم عن الربا و شرب الخمر و أنواع المنكرات فلم يمكن الرؤساء القدح في هذا و عيبه لكونه مستحسناً عند العوام فجعلوا قدحهم و عداوتهم فيما آمر به من التوحيد و أنهى عنه من الشرك و لبسوا على العوام : أن هذا خلاف ما عليه أكثر الناس و كبرت الفتنة جداً و أجلبوا علينا بخيل الشيطان و رجله , منها : إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه عن أن يفتريه و منها ما ذكرتم : أتى الكفر جميع الناس إلا من اتبعني و أزعم أن أنكحتهم غير صحيحة و يا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل ؟ هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون ؟؟ !! . و بعد أ، عدد أموراً كثيرة مما نسب إليه قال : و الحاصل أن ما ذكر عنا من الأسباب غير دعوة الناس إلى التوحيد و النهي عن الشرك فكله من البهتان و هذا لو خفي على غيركم ما خفي عليكم (2) . ثم قلت : و من رغبة الحكام و العلماء في المغرب التقصي نرى الحقيقة التالية : 1- تأثر بهذه الدعوة و اهتم بها و بمحتواها بعد الدراسة و العمق سلطان المغرب الأقصى : سيدى محمد بن عبد الله العلوي – جد الأسرة الحاكمة الآن : حيث قام بمحاربة البدع في بلاده كما حارب تشعب الطرق الصوفية و دعا إلى الاجتهاد و إلى انتشار السنة لأنه ذلك الوقت من أقوى الحكام المسلمين و لأن بلاده قد اكتوت بنيران : الباطنية العبيدية و أصحاب البدع مع تفشي الجهل و الوهابية الرستمية الخارجية الباطنية علاوة على الغزو الصليبي للشمال الإفريقي بعد سقوط الأندلس في أيدي الإفرنج . و قد ذكر محمد جمعه في كتابه : انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أموراً من أعمال سيدي محمد بن عبد الله العلوي , فيما يتفق مع دعوة الشيخ محمد بن الوهاب و حرصهما على تنقية التوحيد من البدع و الشرك مع الله (3) هذا السلطان هو الذي وصفه المؤرخ الفرنسي شارلي جوليان في كتابه : تاريخ أفريقيا الشمالية الذي ترجمه إلى اللغة العربية : محمد مزالي و البشير بن سلامه الذي مر بنا قبل قليل . فقرأنا في الجزء الثاني قوله : و كان سيدي محمد و هو التقي الورع علم بواسطة الحجيج بانتشار الحركة الوهابية في الجزيرة العربية و تأييد آل سعود لها و قد أعجب بعباراتها و كان يؤثر عنه قوله " أنا مالكي المذهب وهابي العقيدة " و قد ذهبت به حماسته الدينية إلى الإذن بإتلاف الكتب المتساهلة في الدين و المحللة لمذهب الأشعرية و تهديم بعض الزوايا (4) 2- أما مؤرخ المغرب الأقصى : أحمد الناصري فإنه توسع في الجزء الثامن من كتابه التاريخي الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى – ولابد أن يكون موجوداً ضمن محتويات هذه المكتبة – فقال : نعم فلما أحضره فتحنا على أحداث عام 1226 هـ فإذا هو يقول في هذا العام حج جماعة من المغاربة صحبه المولى إبراهيم بن السلطان المولى سليمان , سلطان المغرب , الذي خلف و الده السلطان : سيدي محمد بن عبد الله العلوي , فقال ابنه المولى إبراهيم و من معه ما رأينا من ابن سعود ما يخالف ما عرفناه من ظاهر الشريعة و إنما شاهدنا منه ومن أتباعه ما به الاستقامة و القيام بشعائر الإسلام من صلاة و طهارة وصيام و نهي عن المنكر و تنقية الحرمين من الآثام (5) ثم قلت لهم : هل من شهد له و أتباعه المولى بن السلطان سليمان و من معه من علماء بعد المناقشة في مكة أثناء الحج عام 1226 هـ حيث قال الناصري عن الطريقة المتبعة الركب النبوي الذي جرت العادة بخروجه من فاس على هيئة بديعة الاحتفال و كانت الملوك تعتني به و تختار له أصناف الناس من العلماء و الأعيان و التجار و القاضي و شيخ الركب و غير ذلك مما يضاهي ركب مصر و الشام (6) . هذا الركب بعلمائه ووجهائه بعد مناقشته مع الإمام سعود و العلماء هل يتفق مع عبد الوهاب بن رستم الخارجي الأباضي , صاحب الوهابية الأساسية التي جاءت عنها الفتاوى أم أنها فردية من أعداء دين الإسلام و صدقها بعض المسلمين دون تمحيص و لا روية و لا رجوع للكتب التاريخية و العقدية الموثقة ؟ !! قالوا جميعاً : نحن معك و اقتنعنا ... لكن كيف غاب على الكثير من الباحثين ما رصد في مصادرنا مما لا يقبل الشك . قلت : و لكي أزيدكم و يستفيد منه من يطلع عليه من بعدنا فإن الناصري في تاريخه هذا قد غطى حيزاً كبيراً من أخبار هذه الدعوة بأكثر من عشر صفحات و سوف أزيدكم من قوله و هو من المؤرخين الموثقين عندكم و تاريخه من مصادر بلادكم المهمة . قالوا : نعم قلت : يقول الناصري عن السلطان سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي الذي بويع في فاس في حدود عام 1226 هـ و قد كان معاصراً للإمام عبد الله بن سعود ووالده الإمام سعود بن عبد العزيز الذي دخل مكة المكرمة في المرة الأولى حاجاً عام 1214 هـ الموافق لعام 1799 م بأنه أراد أن يتحقق من ابن سعود وما يدعوا غليه فأرسل ابنه المولى إبراهيم في جماعة من علمائ المغرب و أعيانه و معه جواب من ولاده فوصلوا الحجاز و قضوا المناسك و زاروا الروضة الشريفة كل هذا على الأمن و الأمان و الر و الإحسان ثم أردف الناصري قائلاً : حدثنا جماعة وافرة ممن حج مع المولى إبراهيم في تلك السنة أنهم ما رأوا من ذلك السلطان – يعني الإمام سعود – ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة و إنما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الاستقامة و القيام بشعائر الإسلام من صلاة و طهارة و صيام و نهي عن المنكر الحرام و تنقية الحرمين الشريفين من القاذورات و الآثام التي كانت بهما من غير نكير و أنه لما اجتمع بالشريف المولى إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب لآل البيت الكريم و جلس معه كجلوس أحد أصحابه و حاشيته و كان الذي تولى الكلام معه الفقيه القاضي : أبو إسحاق الزرعي فكان من جملة ما قاله ابن سعود لهم : إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية فأي شئ رأيتمونا خالفناه من السنة و أي شئ سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا ؟؟ . فقال له القاضي : بلغنا أنكم تقولون بالاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوى فقال له : معاذ الله إنما نقول كما قال الإمام مالك رحمه الله : الإستواء معلوم و الكيف مجهول و السؤال عنه بدعة و الإيمان به واجب .. فهل في هذا مخالفة ؟ ! . قالوا : لا ... و بمثل هذا نقول أيضاً ثم قال القاضي الزرعي له : و بلغنا أنكم تقولون : بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم و حياة إخوانه الأنبياء عليهم الصلاة و السلام في قبورهم .... فلما سمع ذكر النبي لى الله عليه وسلم ارتعد و رفع صوته بالصلاة عليه و قال معاذ الله إنما نقول : إنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره و كذا غيره من الأنبياء حياة حياة فوق حياة الشهداء . 3- ثم في نهاية هذا الحديث قال الناصري : و أقول إن السلطان المولى سليمان رحمه الله كان يرى شيئاً من ذلك و لأجله كتب رسالته المشهورة التي تكلم فيها عن حال متفقرة الوقت – و يعني بهم رهينة الصوفية – وحذر فيها رضي الله عنه , من الخروج عن السنة و التغالي في البدعة و بين فيها آداب زيارة الأولياء و حذر من غلو العوام في ذلك و أغلظ فيها مبالغة في النصح للمسلمين جزاه الله خيراً . كما قال : إن المولى سليمان قد حدد خطبة تحث على التوحيد و محاربة البدع و أمر بتوزيعها على مساجد الجمعة كما أمر بإغلاق زوايا الصوفية (7) و بعد الحوار الذي دار في أمور كثيرة مما نسب لهم قال الناصري : ثم قال صاحب الجيش : هذا ما حدث به أولئك المذكورون سمعنا ذلك من بعضهم جماعة ثم سألنا الباقي أفراد فاتقف خبرهم على ذلك (8) ثم قلت : هذه بعض الحقائق المقرونة بالحوار و الرصد و كما وعدتكم بعدم الخروج عما هو محيط منطقتكم حيث نشأت الوهابية الحقيقة و حيث لبس عليكم و على من المسلمين أمر و حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي قام بنشرها آل سعود . و إلا فإن الشيخ محمد كما يتضح من رسائله وردود التي طبعتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كما مر بنا نماذج منها فيها نفي و تفنيد لما ألصق بدعوته من تهم و أكاذيب لم يقلها بل قد نفاها و كرر مراراً القول : هذا بهتان عظيم (9) فكيف يصدق العاقل ما قيل من أمور هو في حياته سمعها و نفاها كما نفاها تلاميذه من بعده . وهذا كتابه : كتاب التوحيد و شرحه فتح المجيد , وتيسير العزيز الحميد , اقرأوها بتمعن و تدقيق فإن رأيتم فيها شيئاً يخالف ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلكم الحق في التشكيك و مثل ذلك رسائله : ثلاثة الأصول و كشف الشبهات و القواعد الأربع و آداب المشي إلى الصلاة و غيرها . 4- أما الدكتور عباس الجراري و هو من هنا من المغرب – و لست أدري هل اطلعتم على محاضرته في عام 1399 هـ بجامعة الرياض – جامعة الملك سعود حالياً – التي قال فيها : إن التيار السلفي في المغرب قد ظهر مرة أخرى في بداية القرن الرابع عشر الهجري حيث وجه السلطان الحسن عام 1300 هـ رسالة إلى الشعب المغربي و قد نوه عن هذا الناصري أيضاً كما حصل مثل ذلك عام 1185 هـ عندما أرسل الإمام عبد العزيز بن محمد , الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين , إلى والي مكة آنذاك لمناظرة علماء مكة فكان من علماء مكة المشايخ : يحيى بن صالح الحنفي , و عبد الوهاب بن حسن التركي مفتي السلطان , و عبد العزيز بن هلال , فتفاوضوا في ثلاث مسائل , وقت المناظرة ظهرت منها لهم الحقائق المقنعة بسلامة هذه الدعوة . ثم قلت : إن علماء مكة ذلك الوقت عندهم شبهة كما هي لدى علماء المغرب و غيرهم حسبما يتردد من إشاعات و ما يصلهم من أكاذيب و افتراءات ينشرها المغرضون . و بعد ما دخل الإمام سعود بن عبد العزيز مكة ثانية , جرت مناظرات و اجابات على تساؤلات وكان من علماء نجد : الشيخ عبد العزيز الحصين , و الشيخ حمد بن ناصر بن معمر , الذي عينه الإمام سعود قاضياً و مفتياً بمكة حتى توفي بمكة بعد ذلك فحصلت القناعة من علماء مكة و صدر بهذا وثيقة وقتها الجميع بنفي الشبهات و الأكاذيب حول الدعوة و طبعت عدة مرات. ثم في عهد الملك عبد العزيز بعد ما دخل مكة عام 1343 هـ حصل مثل ذلك مما أوجد قناعة بسلامة منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله . و أزيدكم علماً بأن القباب المبنية على القبور في مكة هدمت أيام الشريف عون الرفيق ما عدا قبر السيدة خديجة في الفترة ما بين الدولة السعودية الثانية و قيام الملك عبد العزيز لإعادة الدولة السعودية في دورها الثالث كان ذلك الهدم بمشورة الشيخ أحمد بن عيسى و تأييد من الشريف و بعض علماء مكة مما على القناعة (10) ثم قلت : أيها الاخوة مما دار من نقاش و مما مجدنا من نصوص نرى أن الوهابية لعيوبها نسبتها إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية خطأ محض و أن الوهابية التي أصدرت عنها الفتاوى في كتبهم لا علاقة لها بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و لا تقارب بينهما لأن الخطين المتوازيين لا يلتقيان . ذلك أن الشيخ محمد و تلاميذه يمقتون الوهابية الرستمية كما مقتها علماؤكم من قبل ... لأن دعوة الشيخ محمد سلفية و لا يوجد فيها ما يخالف كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم . كما برز أمامنا : أن علماء المغرب برأوا علماء الدعوة و حكام آل سعود الذين ناصروها و إحياء لدين الله و تجديداً لما اندثر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم و إماتة للبدعة عندما تناظروا معهم في حج عام 1226 هـ و ظهر لهم كذب ما نسب للشيخ و الدعاة لدين الله و على هذا بان لنا أن أربعة من سلاطين المغرب الأقصى و اهتموا بهذه الدعوة و تبنوا نشرها في بلادهم و هم : - 1- المولى السلطان : سيدى محمد بن عبد الله العلوي الذي كان معاصراً للإمام عبد العزز بن محمد و تبلغ رسالة الإمام سعود . 2- المولى السلطان : سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي أوفد العلماء مع ابنه المولى إبراهيم , و تناقش مع الإمام سعود بن عبد العزيز و علماؤه مع علماء الدعوة . 3- المولى السلطان : إبراهيم بن سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي الذي تسلم زمام الأمر بعد أبيه السلطان سليمان . 4- المولى السلطان : الحسن الأول في عام 1300 هـ ووقته فترة بين الدولة السعودية الثانية و الدور الثالث لهذه الدولة الذي قام به الملك عبد العزيز من خمسة شوال عام 1319 هـ . كما أن الدكتور محمد تقي الدين الهلالي – رحمه الله – اهتم بهذه الدعوة و هو حسني من العائلة المغربية الحاكمة و قد كان تيجانياً ثم لما عرف حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – حرص على نشرها في كل مكان ذهب إليه حتى أستقر آخر عمره في المغرب بفاس ثم تحول إلى الدار البيضاء حتى توفي رحمه الله و قد ألف رسالة عن التيجانية و بطلانها و مثله الشيخ عبد الرحمن الإفريقي الذي كان سنغالياً تيجانياً فتركها و ألف في ذمّ ما هم عليه . كما جرت كتابات عديدة عن محاكمة السلفية في المغرب و عن انتشارها و تأثر قادتها بعلماء الحجاز و نجد , من ذلك التاريخ حتى اليوم و قد رد الأستاذ أحمد العماري الذي حقق رسالة الوتري وقال : إن تحامله على السلفية تزمت شديد للطرقية على حساب السلفية و المحقق مغربيّ . ثم قلت : أرجو أن يكون في ذلك مقنع كفاية و إن أردتم زيادة توضيحية أكثر سواء بنقل آراء العلماء من العالم الإسلامي أو بوجهات نظر و تحليل المستشرقين من بلاد الغرب الذين راقبوا الأحداث و تتبعوا مسيرة الدعوة فلا مانع .... لكن ذلك يحتاج إلى مصادر قد لا تتوفر هنا . لذلك اقتصرت على علماء المغرب و حكامهم لأن طارحي الشبهة الآن مغاربة حيث يسهل الرجوع للمصادر من هذه الكتبة و ذلك أقرب إلى القناعة أخذاً من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : خاطبوا الناس بما يعرفون حتى لا يكذب الله و رسوله . و قال صاحبنا : كل ما ذكرت مقنع وواقعي و أزال بحمد الله الشبهات التي كانت تثار فما رأي الاخوة قالوا : هذا صحيح ثم أردف قائلاً لكن كيف أن هذه الإجابات المقنعة بين أيدينا و سهلة التناول و غاب عنا استجلاؤها . قلت له : جوابه عندكم ... وطالب العلم مسئوليته أمام الله عظيمة فليس هو كالجاهل الذي يلقى إليه الأمر ويصدق إذ يجب أن لا يحكم طالب العلم على أمر إلا بعد البحث و الاستقصاء فالعامي و نصف المتعلم إن وجد له عذر إلا أن طالب العلم و الأستاذ الجامعي لا يعذران لأن كل منهما قدوة لغيره و لأن طلابه يأخذون عنه و ينتظرون توجيهه و غزالة الشبهات من أمامهم قال : هل من الممكن أن تكتب بهذا الخصوص في صحيفة النور التي تصدر في تطوان بالمغرب مقالاً قلت : نعم .... ثم بعد أن عدت إلى المملكة بعثت لهم موثقاً بمصادره .. و بعد أن نشر هذا المقال جاءتني رسائل إجابية و سلبية عن صدى ما نشر عن الوهابية ... فالذين تحدثت معهم رغبوا في زيادة المقالة حتى تصبح رسالة تضم معلومات أوسع ليمكن طبعها هناك . و قد استجبت و تم ذلك – بحمد الله – و حرصت على عدم الإطالة مع الإشارة للمصادر حتى يسهل على راغب الزيادة و الحريص على توسيع المدرك معرفة الكتب المعينة له في إشباع رغبته . و قد طبعت هذه الرسالة للمرة الأولى في كتيب في تطوان بالمغرب في حدود عام 1407 هـ كما طبعت ثانية بعد ذلك بعدة سنوات في الرياض عام 1413 هـ وما ذلك إلا أن أعداء الإسلام و الراغبين في فرقة المسلمين و أصحاب المآرب الخاصة أعاذ الله المسلمين من شرهم قد وجدوا في الوهابية الرستيمة ثوباً جاهزاً ألبسوه عاجلاً هذه الدعوة السلفية الصحيحة في مقصدها و دعوتها خوفاً من تجمع المسلمين ضدهم حيث يريدونهم مثل الجياع الذين يلاحقون من يطعمهم كالأيتام على مائدة اللئام . هذا من جانب و للتنفير و بث العداوات بين أبناء المسلمين من جانب آخر و ليحققوا مآربهم بتوسيع دائرة الخلافات و لإثارة الشبهات في المجتمع الإسلامي . و قد كان من المصالح التي تحققت – بحمد الله – من هذه الرسالة بعد طبعها للمرة الثانية أن أكثر من شخص من المرموقين أخبرت عنهم بأنه قد مرت بهم مواقف في الجمهوريات الإٍسلامية المنفصلة عن الإتحاد السوفييتي بعد انحلال الشيوعية لأن فتوى انتشرت هناك مستغل مروجها حماسة السكان إسلامياً و قصورهم في فهم العقيدة الصحيحة و المعارف الإسلامية تقول هذه الفتوى : إن قتل وهابي واحد أفضل من قتل مائة يهودي حتى صار السلفي لا يسير منفرداً . فجمع بعضهم ببعض العلماء و أئمة المساجد هناك أوضحوا لهم عن الوهابية الرستمية و عن حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وفق ما جاء في هذه الرسالة فكان من ذلك جلاء للغشاوة و إزالة الشبهة بتصحيح المفهوم و قد ترجمت للغات المحلية هناك فنفع الله بها . و الذي يجب أن يدركه كل مسلم مخلص أن الأعداء لا يكلون و لا يملون من ترديد شبهاتهم و لكن المعرفة و التعليم ورد الأمور في دين الله إلى أصولها من كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين هما وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم إذا تمسكوا بهما لن يضلوا (11) و هما السلاح لمن يريد أن يجابه مكائد الخصوم و سموهم . كما أن الدارسين لهذه الدعوة خرجوا بنتيجة : - 1- أنها ليست حزباً له تنظيماته : و إنما هي تجديد لدين الله على خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه الكرام و سلف هذه الأمة الأخيار . 2- أنها ليست مذهباً يخالف به معتنقوه المذاهب الفقهية المعروفة . 3- أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب سلفي العقيدة شأنه شأن من يدعو إلى منهج السلف الصالح في كل عصر و مصر , يدعو إلى توحيد الله و إخلاص العبادة له سبحانه . 4- أما مذهبه في الفروع فهو على مذهب الإمام أحمد بن حنبل مثلما أن هناك أحنافاً سلفيون و شوافع سلفيون و مالكية سلفيون . و قد بان لنا من هذا الحوار أن أحد سلاطين المغرب وهو المولى السلطان : سيدي محمد بن عبد الله العلوي قال عن نفسه : " أنا وهابي العقيدة مالكي المذهب " (12) و هو لا يقصد الوهابية الرستمية و إنما يرد بذلك على من وصم دعوة التوحيد الخالص لله بهذا النعت . و مثله قال : عمران بن رضوان , و هو من علماء بلدة لنجه بإيران في الجهة الشرقية من الخليج : أنا وهابي لما بلغته دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و هو حنفي المذهب و قيل شافعي و قد مدحها بقصيدة منها هذا البيت : إن كان تابع أحمد متوهباً فأنا المقر بأنني وهابي و الأمير الشيخ الصنعاني : محمد بن إسماعيل , وهو من اليمن وجيهاً و عالماً و مع أن مذهبه الفقهي زيدي فإنه درس هذه الدعوة و أحبها و مدحها و مدح الشيخ بقصيدة بدأها بقوله : - سلام على نجد و من حل في نجد و إن كان تسليمي على البعد لا يجدي و مثله الإمام الشوكاني من اليمن أيضاً . (13) . و الشيخ الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله الذي مر بنا ذكره و هو من علماء المغرب و حسني ينتمي للعائلة المالكية يقول عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ضمن قصيدة : - نسبوا إلى الوهاب خير عبادة فياحبذا نسبي إلى الوهابي و قد استعنت بالله في إخراج هذه الرسالة المختصرة " تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية " حتى تسهل القراءة لأن المطولات في هذا العصر قد لا تقرأ إلا من ذوي الاختصاص و أرجو أن تتحقق منها الفائدة في إزالة اللبس و تنقشع الغشاوة التي أراد بها أعداء الإسلام و الراغبون في الإضرار بالمسلمين بلبلة الأفكار و بث الفرقة ... لعل الله أن يصحح المفاهيم و ينير الأذهان و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون . د . محمد سعد الشويعر يتبع ان شاء الله |
#5
|
|||
|
|||
عرض رائع حقاً.
__________________
قـلــت : [LIST][*]من كفر بالسـّنـّة فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله تعالى يقول : (( وما آتاكم الرسول فخذوه )). [*]ومن كذّب رسولَ الله ، فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ،لأن القرآن يقول : (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )). [*]ومن كذّب أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله سبحانه يقول فيهم : (( رضى الله عنهم ورضوا عنه )). [*]ومن كذّب المسلمين فهو على شفا هلكة ، لأن القرآن يقول : (( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) والنبي - صلى الله عليه وسلم يقول : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ). [/LIST]
|
#6
|
|||
|
|||
اقول كما قيل الشيخ العرعور والله انه فخرا لنا ان نكون وهااابيين ...
ربي يعطيك العاافيه ويرزقك الجنننان موضوووع رااائع جدا
__________________
قال رب العزة والجلال:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ }.. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (لا تمار حليماً ولا سفيهاً فإن الحليمَ يقليك والسفيهَ يؤذيك, واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به,وَأعْفِهِ مماتحب أن يعفيك منه,وعامل أخاك بما تحب أن يعاملك به.... قال تعالى (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون)
|
#7
|
|||
|
|||
المقدمة
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فلقد كان بحمد الله لمقالي الذي نشرته منذ أربعة أعوام حول تصحيح مفهوم تاريخي أثر طيب، عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأنه لا علاقة للوهابية الرستمية بالدعوة السلفية التي جددها الشيخ محمد رحمه الله. وقد كانت مبادرة من أستاذ كريم بإحدى جامعات المغرب الشقيق طالباً المزيد من التفصيل لذلك الموضوع. وهذه الرسالة الموجزة ما هي إلا استجابة لمطلبه، وتوضيحاً لمكانة قادة وعلماء المغرب من الرغبة الأكيدة بالدفاع عن هذا الدين، وتحرى الأصوب فيما يتجهون إليه. وقد حاولت أن تكون وجهة النظر التي أطرح في هذا البحث مستندة على مصدر معتمد في نقل الأحداث. وقد حققت الطبعة الأولى من هذا الكتاب تجاوباً حسناً، ورغبة في استجلاء الحقيقة التي حرصت على تجليتها خدمة للعلم، وأداء للأمانة، وتأليفاً للقلوب في مسيرة الإسلام الخيرة التي رسم معالمها سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً وتوفي بعد أن ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. كما قال صلى الله عليه وسلم وهأنذا أقدم للقارئ الكريم الطبعة الثانية مزادة ومنقحة جعل الله الحق رائدنا، والحقيقة منطلقنا، والألفة تجمعنا، والجنة مستقرنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. محمد الشويعر الرياض في 15/5/1409هـ تمهيد إذ كان المثل يقول الناس أعداء ما جهلوا ... فإن بعض الناس أيضاً أعداء ما خالف شهواتهم و تعارض مع مصالحهم الشخصية . و الحكم الفصل فيما يجب أن ينطلق منه الفرد في رأيه و حكمه هو عرض الأمور على مصدر التشريع السماوي الذي لا يأتيه الباطل و لا يتطرق إليه الشك . و المسلمون في كل مكان مأمورون قبل انطلاقهم نحو وجهة نظر معينة في أمور العقيدة و كل ما له صلة بالدين و قبل القدح أو المدح أن يرجعوا لمصدري التشريع في دينهم و هما : كتاب الله و سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . فمن أتى بشيء يخالفهما نبذ و من سار وفقهما قولاً و عملاً أيد و نصر . هذا حكم فيما يجب أن يكون عليه الفرد المسلم و هو الوعي و الإدراك و التحليل و التأكيد بحيث لا يكون إمعة ينقل صدى الآخرين و يستغله أعداء دين الإسلام و هو لا يدري . و قصة بني المصطلق التي نزل بشأنها قرآن يتلى حيث يقول جل و علا { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعتم نادمين } (1) فيها درس عملي للفئة المؤمنة التي تحرص على دينها و علاقاتها بإخوانها المؤمنين بأن تتوثق من كل إشاعة ترمي إلى خلخلة الصف و بذر الشحناء و إتاحة الفرصة للفرقة . فما اكثر الأعداء الذين يحاولون الغرر بالمسلمين و إيجاد مبررات التخاذل لمباعدتهم عن حقيقة الإسلام و صفاءه و إدخال أشياء على المسلمين في دينهم هي من جذور طقوس الديانة اليهودية و النصرانية التي أفسدت حقيقة تلك الديانات السماوية من قبل بما دخلها من تبديل في محاولة دؤوبة لبثها في صفوف المسلمين عن طريق بعض عبادهم و علمائهم . و هدفهم من هذا أن يتساووا معهم في المعصية و المخالفة ليسهل بذلك النفاذ إلى المجتمع ثم عن هذا الطريق إدخال أشياء تباعد المسلمين عن الإسلام و مع الزمن و التساهل تتسع الشقة و يكثر البعد فيصبح الإسلام غريباً على أبنائه . يروى عن سفيان الثوري ( 97 – 161 هـ ) رحمه الله أنه قال: "من فسد من علماء المسلمين ففيه شبه باليهود الذين معهم علم و لم يعملوا به و من فسد من عباد المسلمين ففيه شبه بالنصارى الذين يعبدون الله على جهل و ضلال" نسأل الله السلامة و العافية (2) . و من هنا جاءت نقاوة الإسلام في التشريع و صفاؤه في العقيدة وسطاً في العمل ووسطاً في القول ووسطاً في الاعتقاد و قمة في العلاقة مع الله و قد جعل الله أمة الإسلام وسطاً بين الأمم في كل شئ قال تعالى { و كذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيداً } (3) فأمة الإسلام وسط بين رهبانية النصارى و غلوهم في عيسى عليه السلام اعتقادا و في عبادتهم بالضلال و الجهل و اتباعهم لرجال الكنيسة بدون فهم أو مناقشة . و بين تحايل اليهود و كذبهم و ادعائهم على الله جل و علا و أنبيائه عليهم السلام بما تصف ألسنتهم و تعمدهم الضلال و الإضلال و إخفائه للحقائق العلمية و العقيدة في الديانة التي جاءتهم من عند الله على ألسنة الأنبياء و الرسل من باب الإفساد و المخالفة . و التاريخ الإسلامي يشير إلى أن الجهل فشي في المجتمعات الإسلامية في نهاية الخلافة العباسية بعد ما كثرت العجمة و قل العلم و تأثر الناس بفلسفة الرومان و علوم فارس و الهند . و قبل ذلك و في أثناءه كان التأثر في أطراف الدولة أكثر حيث نشأت فرق كثيرة لها معتقدات متباينة و نماذج شتى في الاتجاه و الهدف وضع بذورها اليهودي عبد الله بن سبأ الذي أسلم مخادعة حتى وجد فرصة ملائمة لبث روح الفرقة بين المسلمين في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه . و نشأت أول فرقة باسم الفرقة السبأية و هو الذي أسسها. و قد تحدثت بعض الكتب كالملل و النحل للشهرستاني و الفصل في الملل و الأهواء و النحل لابن حزم و شيخ الإسلام ابن تيميه في فتاواه و كتبه عن تلك الفرق و معتقداتها و كيفية نشأتها و ما تخالف فيه أهل السنة و الجماعة . و يمتاز ابن تيميه رحمه الله بالرد على بعض تلك الفرق و التنويه عن معتقدات أصحابها و أعمال البعض الآخر . و من يتبع الحركات الفكرية و العقيدة الإسلامية في العالم الإسلامي منذ ذلك التاريخ يلمس هذا جيداً حيث برز الصراع الفكري في المجتمع على أعقاب تعلق بعض المسلمين بفلسفة اليونان و علوم فارس و الهند . و المجتمع الإسلامي لا يعدم وجود أناس يدركون ما تنطوي عليه تلك الأفكار و ما يندس في ثناياها من معتقدات وافدة على عقيدة الإسلام الصحيحة النقية فيصححون لمن حولهم ما أدخل في بيئتهم و ما يراد لعقيدتهم لأن جميع الملل و النحل في الأرض تريد أن تضل المسلمين عن دينهم الحق إن استطاعوا. قال تعالى { و لا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا } (4) . و هذه حكمة أرادها الله في صراع الحق بالباطل لتسترشد العقول و تتفهم الأفئدة فيرجع للصواب من الله به خيراً لأن الحق واضح بالدليل النقلي و العقلي . و هذا جزء من مهمات الدعوة و التوضيح التي حمل بها بنوا إسرائيل و تخلوا عنها عناداً و مكابرة فكان لزاماً على علماء المسلمين العارفين الخائفين من عقاب الله و نقمته الأنبراء لدعوة الناس إلى المنهج المحمدي في العقيدة و العبادة و تصحيح المفاهيم العقدية حسبما أمر الله في كتابه و دعا إليه نبيه الكريم ثم ما سار عليه أصحابه و من تبعهم بإحسان امتثالاً و تطبيقاً . و لا تعدم كل دعوة سليمة و صحيحة في كل زمان و مكان و جود أعداء و خصوم إما عن جهل أو لتعصب شخصي أو لمآرب خاصة و مصالح ذاتية " فالهوى يعمي و يصم " فيحرك تلك النوازع أمثال هؤلاء ليشهروا السلاح في وجه الإسلام علانية أو بالاستتار فيلصقوا التهم ضد الدعاة المخلصين و يستعينوا بالكذب و الافتراء لبلبلة الأفكار ثم بوضع الألقاب المنفرة لنزع الثقة من هؤلاء الدعاة حتى يعمي الأمر على الغالبية العظمى من الناس و هم العامة الذين لا يقرؤون و لا يبحثون . و دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية التصحيحية التي نبعت من وسط الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر في وقت كان المسلمون - لا في الجزيرة العربية وحدها بل في كل مكان أحوج ما يكونون إليها لإنقاذهم من الجهل الذي ران عليهم و تصحيح مفاهيمهم في أمور العقيدة و العبادات التي أشدها الجهل بأمور الدين و الإقتداء بعلماء يجهلون أمور دينهم كما أخبر بذلك الصادق المصدوق فيما يخشاه على أمته من العلماء المضلين الذين يفتون بغير ما أنزل الله فيضلون و يضلون في قوله الكريم " إن الله لا ينزع العلم بعد ما أعطاكموه انتزاعاً و لكن ينتزعه مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال فيستفتون فيفتون برأيهم فيضلون و يضلون " (5) . فقد جاءت دعوة الشيخ محمد لإزالة ما علق بتعاليم الإسلام من شوائب و تصحيح ما أدخل على التوحيد و خاصة توحيد الألوهية و توحيد الأسماء و الصفات من مشاركة للمخلوق مع الخالق في صرف ما هو لله جل و علا مقروناً بالمخلوق في العمل و الاعتقاد و تعطيل أسماء الله و صفاته جل و علا أو نفيها و السير خلف تأويلات ما أنزل الله بها من سلطان . فصار التوحيد بأقسامه الثلاثة : الربوبية و الألوهية و الأسماء و الصفات مشوباً بما يكدره حيث دخل عليها في المعتقد ما يصرفها عن حقيقتها نظراً للتأثر بالمعتقدات البعيدة عن المنهج الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم الإقتداء بأصحابها بعد أن بهرهم القول و أعجبهم المظاهر و الدعوات لأمثال من قال الله فيهم { و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا و يشهد الله على ما في قلبه و هو ألد الخصام و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد } (6) . وما ذلك إلا لأن النفوس خليت من القاعدة المكينة و هو العلم و الإدراك بما شرع الله لخلقه و معرفة الحكمة من إيجادهم للحياة . لقد نشأ عن ذلك الضعف العلمي و نقص في الإدراك و تقليد للأمم الغلبة و المؤثرة فكثرت الطرق الصوفية التي بدأت برغبة دينية و حرص على التبتل و المحافظة على الإسلام فكانت بدايتها طيبة و هدفها نبيل . إلا أن الجهل و رغبة التوارث لهذه المكانة الاجتماعية التي جاءت باسم المنصب الديني قد جاء برجال لا علم عندهم و لا قدرة لديهم في فهم رأي الشريعة الإسلامية في كثير من الأمور و هذا ما كان يخشاه صلى الله عليه وسلم على أمته . ومن ينظر في إزالة الحجب و رفع التكاليف و أعمال المريدين و الأقطاب عند الطرق الصوفية و يربط هذا بالغفران لدى النصارى و مكانة أصحاب الألقاب في الكنيسة و طقوس الميلاد و صكوك الغفران يرى أن أحدهما استمد من الآخر في هذه الجوانب و في جوانب أخرى . و لكي يعود للإسلام نقاوته و صفاؤه من كل شوائب دخيلة عن جهل أو تقليد سواء من الديانة اليهودية أو النصرانية أو من جذور الجاهلية فإنه لابد من الامتثال لأمر الله جل و علا في مثل قوله سبحانه { و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى و لئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي و لا نصير } (7) . و إن علماء المسلمين العارفين بأمور دينهم فهماً حقيقياً لهم الذين عليهم دور التوضيح و الإرشاد و التوجيه و التبيين حسبما يأمرهم بهذا مصدر التشريع في الإسلام كتاب الله و سنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم الصحيحة الثابتة التي خدمنا فيها علماء الحديث المعروفون . و هذا ما يجب أن يعيه كل داعيه و يهتم به كل عالم من علماء المسلمين . و في تاريخ الدعاة و المصلحين صفحات مشرقة نتيجة اهتمامهم و انطلاقهم في دعوة الناس من ذلك النبع الصافي الفياض و المعين الزاخر الذي لا ينضب . و الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله واحد من ذلك الجيش الذي انتهج طريقاً يتفق مع رسالة الصفوة الأولى من التابعين و اتباعهم بإحسان للإصلاح و العم فقد أدرك ما يعيش فيه مجتمعه من صوفية متطرفة رغم وفرة العلماء و ما سار عليه أبناء جلدته من تعلق بالقبور التي لا تنفع و لا تضر و تبرك بالأحجار الجامدة ووضع الكلام في غير محله . فكان الناس يتعقلون بتلك الجمادات طلباً للنفع أو دفعاً للضر و نسوا أن الله هو النافع الضار القادر على كل شئ و إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم . لقد شق هذا الأمر عليه لما فيه من جرأة على الخالق بصرف القلب و العمل إلى غيره مع أنه هو المنعم و المتفضل سبحانه بكل شئ . و يمكن وصف حالة المجتمع الإسلامي في كل مكان ذلك الوقت و ليس في نجد وحدها بما قاله المؤرخ الأمريكي لوثروب ستودارد بمثل هذه الكلمات " أما الذين غشيته غاشية سوداء فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة سجفاً من الخرافات و قشور الصوفية و خلت المساجد من أرباب الصلوات و كثر عدد الأدعياء الجهلاء و طوائف الفقراء و المساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التعاويذ و يوهمون الناس بالأباطيل و الشبهات و يرغبون في الحج إلى قبور الأولياء و زينوا للناس الشفاعة من فناء القبور و غابت عن الناس فضائل القرآن فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر و رأى من كان يدعي الإسلام لغضب " . هذه – كما قال الشيخ عبد الله خياط إمام و خطيب الحرم المكي الشريف – شهادة حق من عدو منصف لم يعرف عنه الدخول في الإسلام يصف واقع الإسلام و المجتمع الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري و ما وصل إليه من الانحطاط و التدني (8) و يقول الأمير شكيب أرسلان عن هذا المؤرخ : لو أن فيلسوفاً من فلاسفة الإسلام أراد تشخيص حالة الإسلام في هذه القرون الأخيرة ما أمكنه يصيب المحز و يطبق المفصل , تطبيق هذا الكاتب الأمريكي استودارد . و نجد و الجزيرة العربية لم تكن تختلف عن ديار الإسلام في ذلك الوقت فقد تغلب الباطل على الحق في أكثر ديار الإسلام و كثرت البدع و الخرافات فالعلماء موجودون و لكنهم لا يرشدون الناس للطريق الأقوم بل أضلوهم و أفسدوا عقائدهم. و قد ذكر المؤرخان النجديان : حسين بن غنام الإحسائي ثم النجدي المتوفى عام 1225 هـ , و عثمان بن بشر المتوفى عام 1290 هـ , نماذج مما آلت إليه حالة الناس في العقيدة و العبادة في البلاد الإسلامية و العربية و في نجد بصفة خاصة باعتبارهما يعرفان عن كثب و عرفا واقع الناس و ما هم فيه . فابن غنام عاصر الدعوة من بدايتها و أدرك دور الشيخ محمد و مكانته في نقل الناس من حال إلى حال و تفانيه في سبيل الدعوة . قد أحب هذه الدعوة و أرخ لها و انتقل من أجلها من بلدة الأحساء و سكن الدرعية , حيث توفي بها , نراه في كتابه التاريخي يصف البلاد العربية عامة و نجد بصفة خاصة و يضرب الأمثال بانحراف الناس إلى الوثنية بقبر زيد بن الخطاب الذي كان عليه قبة وله مزار في بلدة الجبيلة قرب الرياض إلى جانب قبور و قباب أخرى لبعض الصحابة الذين قتلوا في حروب الردة ثم ذكر ما كان يعتنق الناس عندها من الشرك بالله من دعاء و نذور و تبرك و توسل من دون الله و لم يقتصر الأمر على القبور بل تعداها إلى الشجر و الحجر و الشياطين (9). و نأخذ من تاريخ ابن غنام الذي عاصر الأحداث و سجلها فكرة و من تاريخ خلفه ابن بشر الذي أدرك كثيراً من مجريات الأحداث بأن نجداً قد نالها ما نالها من بلاد الإسلام من الانحراف و التدهور العقدي (10) , الذي يحركه أصحاب المصالح و مشايخ الطرق . و من هنا بدأت غيرة الشيخ محمد و تحركت همته للدعوة أداء لرسالة المعرفة و تنفيذاً لما يأمره به العلم حيث رأى أن العلم لا بد أن يقترن بالعمل و أن الأمانة توضيح ما خفي على الناس و ما يجب عليهم عمله و يتحتم عليه تركه من أمور هي من الإسلام تركت و أشياء أدخلت عليه و سارت في حياة الناس على أنها من مستلزمات العقيدة أو جزء من أوامر الدين و هم لا يدركون الحقيقة . ذلك أن العلماء المنتفعون أو الجهلة المتعالون و رجال الطرق الصوفية قد لبسوا الأمر و أفسدوا المعتقدات و صرفوا الناس عن الفهم الحقيقي لشرائع الإسلام و وجهوهم إلى ما يحلوا لهم في المكتسب الدنيوي و الاستعلاء في السيادة . فكان يقيناً أن تلقى هذه الدعوة التصحيحية السلفية جحوداً و نكراناً من المقربين العارفين و توجساً و خيفة من الآخرين المتطلعين و عداء من الخصوم و أرباب المصالح . و من هنا بدأت الاتهامات تتوافد و السهام تشرع و الأفكار تعمل لحبك الأكاذيب و اختراع الألقاب المنفرة . و هذا شئ ينتظر في كل أمر جديد و فكر مناهض لما ألفه الناس و ساروا عليه قولاً، و عملاً فقديماً قال عرب الجاهلية للنبي صلى الله عليه وسلم " إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون " (11) . لكنه غير مقبول بعد انتهاء فترة الاختبار و ظهور الحجة الساطعة بعد البلوى و الامتحان و بعد النقاش و الحوار و المداولة و المجادلة . فقد أثبتت المراسلات الهادئة و الكتابات الهادفة و آراء العلماء المتزنين الذين حاوروا في مكة مجموعة من علماء الدعوة بأن الإمام سعود بن عبد العزيز الذي سار على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم ينتهج أمراً بدعاً و لم يخالف في دعوته ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و أن الشيخ محمداً لم يستدل في كتبه بغير الآيات القرآنية الكريمات و الأحاديث النبوية الصحيحة حسبما دار من حوله بين علماء مكة و علماء نجد ذلك الوقت و بين ابن سعود و علماء نجد من جانب و علماء المغرب من جانب آخر عام 1226 هـ كما رصد ذلك في تاريخ المغرب (12) . و سوف أستعرض في هذا البحث أسماء بعض العلماء من نجد الذين ناوؤوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و خرجوا من نجد يحملون العداء للدعوة و الكذب عليها و تشويهها أمام المسلمين فاقتنع بكلامهم و دعواهم البعيدون و تأثروا بمقالاتهم بينما لم يعرفوا عن الدعوة شيئاً من غير هذا الجانب و لم يدركوا سبب الافتراء عليها و مبررات الكذب و البهتان ضد الشيخ محمد و دعوته. و قد نلتمس لبعض العلماء في ديار الإسلام عذراً إذ جاءهم أناس من أبناء المنطقة يجأرون إليهم و يصفون الدعوة بنعوت قد توافق أهواء في النفوس أثار بعضها أصحاب المصالح من الدول الاستعمارية و يحرك ذلك ما عرف لدى العلماء من حسد و تناحر و تعصب واختلاف . كما دفعني للحديث في هذا الموضوع : كتاب فقهي قديم على مذهب الإمام مالك له رغبة كبيرة في نفوس إخواننا المغاربة و قد طبع حديثاً في بيروت عن طريق دار الغرب الإسلامي اسم الكتاب " المعيار المعرب و الجامع المغرب عن فتاوى علماء أفريقيا و الأندلس و المغرب ". و المؤلف هو : احمد بن يحيى الونشريسي. وقد نشرته دار الغرب الإسلامي في بيروت عام 1401 هـ , 1981 هـ . لقد لفت نظري ما رأيت في الجزء 11 ص 168 تحت عنوان سؤال جاء العبارة : كيف يعامل معتنقوا المذهب الوهابي ؟؟!! و هو سؤال ملفت للنظر و مثير للانتباه خاصة و أن دعوة السيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الإصلاحية التجديدية المصححة لأمور العقيدة الإسلامية مما داخلها قد كادت لا تعرف إلا بهذا الاسم الذي أطلقه أعداؤها على هذه الدعوة و من يتعاطف معها أو يسير على منوالها حتى و لو كان لا يعرف من هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب و لا أين قامت دعوته ؟؟!! هذا الاصطلاح جاء من باب التنفير حيث حركت ذلك اللقب و دعت إليه بعض الطرق الصوفية و مصالحها أو الرغبة في تفكيك المسلمين و مباعدتهم عن دينهم الحقيقي حسب منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم و خلفائه الراشدين . فوافق ذلك هوى في نفوس أعداء الدين الإسلامي الحريصين على تفكيك وحدة المسلمين و تفتيت ما بين أبناء الإسلام من أواصر و محبة يدعو إليها دينهم و تهتم بها تعاليمه : { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم و اتقوا الله لعلكم ترحمون . يآيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم } (13) . " مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى و السهر " (14) . و ما ذلك إلا لإذكاء روح التناحر و البغضاء في صفوف المسلمين لأنهم أدركوا تأثير الكلمة فيما يتعلق بأمور الدين من جهة و من أخرى فلأن نسبة الأمية آنذاك في العالم الإسلامي عالية جداً فالناس لا يقرؤون ليعرفوا و لا يفهمون إلا ما يقال لهم عن طريق أناس نصبوا من أنفسهم علماء و هم أدعياء للعلم حيث توجههم السلطات و يرون أن ما خرج عن هؤلاء يجب أن يعتقده الناس رغم و جود أصوات تنادي بالحق و تدعوا إليه بسطاً و توجيهاً ولكن عينهم بصيرة و يدهم قصيرة كما يقال . و قد ذكر الشيخ عبد الله عبد الغني خياط إمام و خطيب الحرم المكي الشريف في لمحاته التي تصدر كل ثلاثاء في جريدة عكاظ بأن الأستاذ احمد علي الكاظمي قد أورد في كتاب ألفه كلمة قصيرة عن ضابط بريطاني اسمه " هارفورد برايجس " كان يقيم في العراق كوكيل سياسي من سنة 1199 هـ إلى سنة 1209 هـ و كان يعاصر الإمام محمد و كانت له صلات مع الأمير سعود بن عبد العزيز – الذي أصبح فيما بعد الحاكم الثالث للدولة السعودية الأولى بعد أن تولى الأمر بعد مقتل والده عام 1218 هـ - و لهذا الضابط تاريخ موجز عن الوهابية – و نص الكلمة كالآتي : " لقد أشاع الباب العالي أن ابن سعود كان يمنع الناس من زيارة المدينة المنورة و لكن الصحيح أنه كان يمنع الناس من ارتكاب أعمال الشرك أمام الروضة كما منع الناس من عبادة الأولياء " . و قد ظن البسطاء اعتماداً على قول أصحاب النفوذ من ولاة و غيرهم أن الوهابية أو دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية – كفر و أن من يسير عليها إنما هو كافر . و لكن الصحيح الذي عرفه كل من اهتم بدراسة ذلك المعتقد أن الشيخ محمد وأتباعه يسيرون على نهج الكتاب و السنة في الأصول . أما في الفقه – و هو الاتجاه المذهبي – فوفق الفقه الحنبلي و ليسوا مذهباً خامساً كما أطلقوا عليهم من باب التنفير لدى العامة و الفقه الحنبلي قد انتقل إلى نجد قبل ولادة الشيخ محمد بأكثر من قرن أتى به الدارسون في مدرسة الصالحية بدمشق و الدراسون في مصر و قبله كان السائد المالكي و الحنفي . و قد صدق برخاردت في قوله : إن كل ما أشيع عن الوهابية سببه سوء فهم حقيقة الوهابية التي لم تكن إلا تطهيراً داخلياً للإسلام . فهذه شهادة قررها من لا يتعرف بالإسلام كدين غير أنه منصف حكى الواقع الذي لا مرية فيه و قد قال بمثل هذا الرأي كل من : الأستاذ منح هارون في الرد على الكاتب الإنجليزي كونت ويلز و الباحث الأمريكي لوثروب ستودارد في كتاب " حاضر العالم الإسلامي " . و المستشرق الألماني كارل بروكلمان في كتابه " تاريخ الشعوب الإسلامية " الذي تناول هذه الحركة بالدرس و التحليل في الجزء الرابع . و المؤرخ الألماني داكوبورت فون ميكوس في كتابه " عبد العزيز " و صدر بألمانيا عام 1953 م . و الأستاذ ديلفرد كانتول في كتابه "الإسلام في نظر الغرب" و قد ألفه جماعة من المستشرقين . و العالم الفرنسي برنارد لويس في كتابه " العرب في التاريخ ". و المستشرق النمساوي جولد زيهر في كتابه " العقيدة و الشريعة " . و المستشرق الإنجليزي جب في كتابه " المحمدية " . و المستشرق الفرنسي سيديو في كتابه " تاريخ العرب العام " . و دائرة المعارف البريطانية التي جاء فيها " الوهابية اسم لحركة التطهير في الإسلام و الوهابيون يتبعون تعاليم الرسول وحده و يهملون ما سواها و أعداء الوهابية هم أعداء للإسلام الصحيح " (15) . أما في بعض ديار الإسلام فهناك أصوات منصفة مسلمة قالت الحق لأنه الحق الذي يجب إبلاغه للناس عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مثل : - الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه " صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان". - الشيخ محمود شكري الألوسي العراقي في كتاب ألفه عن تاريخ نجد . - الشيخ أحمد بن سعيد البغدادي – العراقي في كتابه " نديم الأديب " . الشيخ جمال الدين القاسمي , و الشيخ عبد الرازق البيطار , و الشيخ طاهر الجزائري , و الشيخ محمد كامل القصاب في أرض الشام حيث درسها هؤلاء فأعجبوا بها و رأوا أنها على حق و صواب فنشروها في المجتمع الشامي مما دفع السلطات العثمانية إلى إحالة عميد الحركة الشيخ جمال الدين القاسمي إلى القضاء في عام 1908 م و قد برأه القضاء. هذا إلى جانب آراء كثير من العلماء مثل : السيد محمد رشيد رضا في كتابه " محاورة المصلح و المقلد , و كتابه الآخر " الوهابيون و الحجاز " , و ما ينشره في مجلة المنار . و محمد كرد علي , و شكيب أرسلان , و فيليب حتى , و أمين سعيد , وعلي الطنطاوي , و الزركلي , و محمد جميل بيهم , و عمر أبو النصر , و عبد المتعال الصعيدي في " المجددون " , و حامد الفقي في " أثر الدعوة الوهابية " , و عبد العزيز بكر في " الأدب العربي و تاريخه " , و مصطفى الحفناوي , و الدكتور أحمد أمين في " زعماء الإصلاح , و محمد قاسم في " تاريخ أوروبا و مناع القطان في دعوة الإسلام " , و عبد الكريم الخطيب في " محمد بن عبد الوهاب " , و محمد ضياء الدين في مجلة الإرشاد الكويتية رجب عام 1373 هـ . و الدكتور محمد بن عبد الله ماضي " حاضر العالم الإسلامي " . و أحمد حسين في " مشاهداتي في جزيرة العرب " بعد أدى فريضة الحج عام 1948 م ( 1367 هـ ) . و العقاد في " الإسلام في القرن العشرين " , و طه حسين في بحث نشره عام 1354 هـ عن الحياة الأدبية في جزيرة العرب (16). و الشيخ أحمد بن حجر القاضي بقطر في كتابه " الشيخ محمد بن عبد الوهاب " , و مسعود الندوي في كتابه " مصطلح مظلوم و مفترى عليه " , و الدكتور محمد جميل غازي في كتابه " مجدد القرن الثاني عشر , و أمين سعيد في كتابه " سيرة الإمام محمد بن عبد الوهاب " , و مسلم الجهني في كتابه " أثر حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العالم الإسلامي " و غيرهم كثير جداً . و إن ما يرى و يلمس عن تسمية الدعوة السلفية بالوهابية فهو مما أطلقه خصوم هذه الدعوة السلفية التصحيحية , التي نبعت من الجزيرة العربية غيرة على دين الله و لإزالة ما علق بتعاليم الإسلام من شوائب و ما أدخل على التوحيد من مشاركة للمخلوق مع الخالق في صرف ما هو له جل و علا مقروناً بالمخلوق و في هذا منافاة لمضمون الحديث القدسي الذي جاء فيه قول الله جل و علا " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته و شركه " (17). و من باب ربط السبب بالمسبب و محاولة التصحيح لما علق بأذهان الناس عبر مدة زمنية طويلة نقول : إن أولئك الخصوم أعطوا هذه الدعوة اصطلاحاً في اللقب هو " الوهابية " من باب التنفير و التشويه و تلقفها من جاء بعدهم حيث إن أول من حرك ذلك الاصطلاح و دعي إليه أصحاب بعض الطرق الصوفية و الدراويش التي أخطأت هي في فهم الدين الإسلامي على نقاوته و كما يجب أن يفهم ليتعبد الناس به خالقهم كما أمروا بذلك لأن الإسلام لا رهبانية فيه . و ما ذلك إلا أن بعض القائمين على تلك الطرق يحكمون الجانب الذاتي فلا يهتمون إلا بما يتوفر لهم من مصالح و مكاسب دنيوية يخشون ضياعها و نسوا أن تعاليم الإسلام و شرائعه أسمى من ذلك و أن إخلاص العمل يجب أن يراد به الله جل وعلا وحده . و سلاحهم في الوصول لما يريدون : التضليل على العوام و التلبيس أمام السلطة و تخويفها من هذا الصوت الجديد على مصالحها من باب استعدائها عليه . فتلقف ذلك أعداء الإسلام حيث لقي هوى في نفوسهم لحرصهم على تفكيك وحدة المسلمين و غرس بذور الشر بينهم لأنهم أدركوا ووعوا خطر ما ترمي إليه الدعوة الصحيحة لدين الإسلام و إذكاء الحماسة الدينية لدى المسلمين على مصالحهم و سيطرتهم على ديار الإسلام . و هذا الموضوع و إن كان قد كتب الناس فيه كثيراً نسأل الله أن ينفع المسلمين بما كتب لهم و أن يعيد ضالهم إلى الطريق الأقوم فهو سبحانه القادر على ذلك . إلا أن الذي لفت نظري و دفعني للحديث في هذا الجانب هو ما وجدته في ذلك الكتاب الفقهي القديم على مذهب الإمام مالك رحمه الله حيث أثار انتباهي كما قلت من قبل عنوان هذا السؤال : كيف يعامل معتنقوا المذهب الوهابي ؟؟!! (18) و في قراءتي لنص السؤال و جدته كما يلي : سئل اللخمي عن قوم من الوهبية سكنوا بين أظهر المسلمين زماناً و أظهروا الآن مذهبهم و بنوا مسجداً .. إلى آخر ما جاء في السؤال ... الذي ختمه بقوله : فهل لمن بسط الله يده في الأرض الإنكار عليهم و ضربهم و سجنهم حتى يتوبوا من ذلك ؟؟ و لما كان الجواب فيه قساوة وحدة و لم يفصل عن هذه الفرقة و ما إذا كانت نسبة إلى عبد الله بن وهب الراسبي الخارجي المتوفي عام 38 هـ في وقعة النهروان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه قد خرج عليه بعد التحكيم (19) أو نسبة إلى شئ آخر أياً كان زمانه و مكانه . و أنه لم يشر فيه إلى شئ غير هذا بل إن أحد الاخوة من المغرب العربي قد فهم كما يتبادر للذهن لدى آخرين بأن المقصود من ذلك دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأن المعهود الذكرى يتغلب على ما يراد بحثه و استقصاؤه و مع هذا فإن صاحب هذا الفهم من ذوي العلم و المكانة حيث جرى معه حوار تراجع – بحمد الله – عن فهمه السابق بموجبه و هذه الرسالة استجابة لمطلبه . و قد يعذر هو غيره لأن الهجوم منصب على هذه الدعوة من كل جانب و الدفاع عنها قليل و لأن هذه التسمية قد طغت و عمت و فتاوى علماء المغرب القديمة على الوهابية الرستمية الخارجية الأباضية تنفر الناس منها و تكفر أتباعها لما عرفوه عنها من مخالفة لأهل السنة و الجماعة إذ قد أفتى غير اللخمي علماء آخرون كالشيخ السيوري. ومن هنا فقد أحببت التثبت أولاً عمن يعني السائل و المجيب ثم إزالة ما في الأمر من لبس و جلاء ذلك الاشتباه الذي قد أدركه كثير من الناس من باب أمانة العالم و توثيق المعلومات و لأن هذا اللبس قد امتدت بعض المفاهيم حوله و ألبست ثوباُ جاهزاً على دعوة سلفية تباين ذلك الاتجاه و تخالفه . |
#8
|
|||
|
|||
الوهابية أو الوهبية . . من هم ؟ !
الوهابية أو الوهبية . . من هم ؟ !
في القرن الثاني الهجري و على يد عبد الوهاب بن رستم انتشرت في الشمال الإفريقي فرقة الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب هذا و هي فرقة متفرعة عن ألوهية الفرقة الإباضية الخارجية نسبة إلى مؤسسها الأصلي عبد الله بن وهب الراسبي و بعضهم يسميها الراسبية . و لما كان أهل السنة بالمغرب كله يناوؤنها لأنها تخالفهم في هذا المعتقد و قد كفرهم كثير من علمائهم كما نلمس في فتاواهم القديمة . و من هنا أحببت التوثق من المصادر المهتمة بهذا و لذا فقد رجعت لترجمة حياة علي بن محمد اللخمي و هو الذي وجه إليه السؤال فإذا هو قد توفي عام 478 هـ و أنه فقيه مالكي قيرواني الأصل توفى بسفاقس (1) . أما المؤلف أحمد بن يحيى الونشريسي فقد جاء على غلاف كل جزء من أجزاء المعيار – طرته – و تحت اسمه بأنه توفي بفاس عام 914 هـ . و لما كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب و هو صاحب الدعوة السلفية التصحيحية في نجد لم يكن قد ولد بعد حيث إن ولادته عام 1115 هـ بالعينية و بدأ الدعوة مع الإمام محمد سعود بالدرعية منذ عام 1158 هـ . و على هذا فإن هذا الجواب الذي ترتب عن السؤال قد سبق ولادته بأكثر من ستمائة عام بالنسبة لوفاة المجيب و هو اللخمي و أكثر من مائتي عام بالنسبة لوفاة المؤلف الونشريسي. و كلا الأمرين يحدثان لبساً لدى من يريد المقارنة ووضع الأمور في نصابها . و هذا الأمر دفعني للبحث تأريخياً في كتب المغرب عن أصل ذلك المذهب ومتى وجد لأن في الأمر لبساً لابد من جلائه أما بمعرفة المقصود أو أن زيادة قد حصل في الكتاب لم يكن للمجيب و المؤلف ضلع فيها. خاصة و أن هذا السؤال و جوابه قد جاء في كلام الونشريسي مرة باسم الوهبية و أخرى بالوهابية و لم يعلق الناشر أو المحقق عليه بشيء مما يجعلني أعتقد أن كثيراً من كتب المغاربة و خاصة منها ما يتعلق بالعقائد قد تعرض لمثل هذا بشيء من التوضيح في أماكن متفرقة . و من باب ربط الحوادث التاريخية بمصادرها و إشراك القارئ في قراءة و رصد ما تحفل به المصادر فإن الموضوع يحتاج إلى مراجعة تاريخية متفحصة لكي نعرف ما يحاول دسه أعداء الإسلام في تاريخ أمة الإسلام للتنفير من كل عمل تصحيحي عقدي في المجتمع الإسلامي لأنهم يعرفون حقيقة الإسلام و ما يضفيه على أبنائه إذا ساروا على منهجه الصحيح جيداً و ما يعود على الأمة من ألفة و محبة و ترابط و لا تستطيع معه قوى الشر أن تنفذ لديار الإسلام أو تجد بين أبناء المسلمين مستقراً أخذاً من حديث رسول الله لى الله عليه وسلم الذي قال فيه : " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي و ذكر منهن " و نصرت بالرعب مسيرة شهر " (2) . فلابد أن يجدوا منفذاً في ديار الإسلام للاستفادة من خيراتهم بالتركيز على كلمتهم المعهودة : فرق تسد . فسيادة أعداء الإسلام في ديار الإسلام و تمكنهم من التصرف في أمورهم و استثمار خيرات بلادهم و التسلط عليهم فكرياً كل هذا لا يتم إلا ببث الفرقة و إيجاد مسببات الشحناء ة و بذور الكراهية بين الأفراد و الجماعات . و أعداء الإسلام كالشيطان الذي يسترق السمع فإذا وجد كلمة بنى عليها كذبات كثيرة لإفساد ذات البين و بلبلة الأفكار . و استنتج هذا من بعض النصوص التاريخية و الوقائع الزمنية التي وقع نظري على جزء منها تراءى أمامي أثناء البحث ما يلي عن الفرقة الوهابية التي بشمال أفريقيا : 1 ) جاء في كتاب المعرب الكبير الجزء الثاني : العصر العباسي للدكتور السيد عبد العزيز سالم أن عبد الرحمن بن رستم الذي أسس الدولة الرستمية في مدينة تاهرت بالمغرب . عندما أحس بدنوا أجله في 171 هـ أوصى بالأمر لسبعة من خيرة رجال الدولة الرستمية و من بينهم ابنه عبد الوهاب و يزيد بن فنديك و قد بويع عبد الوهاب مما ترتب عليه نشوء خلاف بينه و بين ابن فنديك . و قد انقسمت الإباضية – التي هي ديانة ابن رستم و من معه حيث نقلها من المشرق إلى المغرب - إلى فرقتين : الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن ابن رستم , و النكارية , و دارت بيت الطرفين معارك و مقاتل تنهزم فيها النكارية إلى أن قتل زعيمها ابن قنديره و في حالة ضعف من النكارية انضم إليهم الواصلية المعتزلة . و قد عزم عبد الوهاب هذا على الحج في آخر حياته إلا أن أتباعه نصحوه بالبقاء في " نفوسة " خوفاً عليه من العباسيين . و توفي عبد الوهاب هذا الذي يعتبر مؤسس للدولة الرستمية ذات الاتساع في شمال إفريقيا عام 211 هـ (3) . 2 ) أما المؤلف الفرنسي شارلي أندري فقد تحدث في كتابه " تاريخ أفريقيا الشمالية " تعريب محمد مزالي , و البشير بن سلامه عن مالك الخوارج و من ضمنها مملكة تاهرت التي هي الدولة الرستيمة و قد أفاض في حديثه عن معتقداتها و اتساعها و معالمها الحضارية و تسميتها بالوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الذي خالف أهل ملته كما أبان بأنها تخالف أهل السنة في المعتقد (4) . 3 ) كما تحدث الفردبل في كتابه " الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي " من الفتح العربي حتى اليوم و قد ترجم هذا الكتاب عن الفرنسية عبد الرحمن بدوي في عدة مواضع و قال بأن الخوارج الوهبيين الذين سموا نسبة إلى عبد الله وهب الراسبي الذي قاتله الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النهروان هم خوارج أباضية . و عن انقسامهم أيضاً حيث قال : أباضية المغرب في تاهرت منهم و هم الذين كانت دولتهم الرستمية و كانوا أشد الفرق تعصباً . ثم قال عن أتباع عبد الوهاب بن رستم هذا الذي سميت فرقته بالوهابية نسبة إليه لما أحدثه في المذهب من تغيرات و معتقدات : بأنهم أشد الأباضية تقوى و كانوا يكرهون الشيعة قدر كراهيتهم لأهل السنة (5) . و الزركلي في الأعلام أخذ خلاصة من عشرة كتب تعرضت لسيرة الأباضية و الدولة الرستمية في تيهرت بالجزائر و مما جاء في كلامه عنه بأن عبد الوهاب هذا ثاني الأئمة الرستميين من الأباضية فارسي الأصل كان مرشحاً للإمامة في حياة أبيه و جعلها أبوه شورى فوليها بعد وفاته بنحو شهر سنة 171 هـ و اجتمع له من أمر الإباضية و غيرهم مالم يجتمع مثله لزعيم إباضي قبله و كان فقيهاً عالماً شجاعاً يباشر الحروب بنفسه و له مواقف كثيرة مذكورة و استمر إلى أن توفى و في تاريخ وفاته خلاف و الزركلي يرجح أن وفاته 190 هـ (6) . ومن هذه النبذة الصغيرة نستدل على أن هذه الفرقة قد رصد عنها أشياء كثيرة ليس من الفرنسيين و حدهم – بل من أبناء البلاد أيضاً منه جرى الاطلاع عليه و أكثره لم نطلع عليه. لأن عبد الوهاب الرستمي هذا قد جعل من تاهرت مركزاً فكرياً و فتح باب الجدل مع علماء السنة ثم الشيعة التي قامت دولتهم في نهاية القرن الثالث الهجري باسم الدولة الفاطمية حيث قضى عبد الله الشيعي في عام 296 هـ على الرستمية (7) . مما تتبلور عنه تفنيد معتقدات الرستميين التي تختلف مع ما يراه أهل السنة و الجماعة و ثبتت به الأحاديث الصحيحة . و هذا الحوار هو الذي تفتق عنه جذور عميقة عند علماء و فقهاء المغرب و حول هذه الفرقة و معتقداتها . و قد استغل المستعمرون و أصحاب المصالح تلك الجذور في إذكاء العداوة بين أبناء المسلمين فيما بعد فألبسوا الثوب القديم بما فيه عيوب و ما عليه من مثالب لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله و دعوته الإصلاحية السلفية كما ألبسوا هذا الثوب لكل دعوة تدعوا إلى نقاوة الإسلام و الإقتداء بالمسيرة الأولى في تبليغ دين الله الحق منذ قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه من بعده مستغلين الحزازات ضد الدعوة الجديدة التي جاءت لإصلاح العقائد و إعادة الناس إلى منزلة الإسلام الأولى التي سار عليها الصفوة الأولى من أمة الإسلام مدة ثلاثة قرون لم تعرف الدخائل و لا البدع اللهم إلا فرقاً عرفت بمباعدتها للإسلام حيث قوتلت في وقائع كثيرة ابتداء من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي جرد سيفه لقتالهم اتباعاً لمنهج الرسالة المحمدية التي حاد عنها أولئك الذين خرجوا عليه . الاستعمار . . و مواجهة الدعوة : - كما هي عادة أعداء الإسلام لا يدخلون في المواجهة مع الإسلام لمعرفتهم بعدم الصمود لأن حججهم واهية و لكنهم يستغلون فئات من المنتمين للإسلام ليجعلوهم جسوراً يعبرون منها لمآربهم و يضعون باسم الشبهات حيث أدرك الصليبيون و الحاقدون على الإسلام من واقع مجريات الأمور في الأندلس و في أرض الشام و في حروب الدولة العثمانية مع أوروبا و غير ذلك من المواقف العديدة أن الإسلام الصافي من الشوائب و الحريص أبناؤه على نشر دين الله و تخليص الأمم الأخرى مما يخالفه هو عدوهم الأول فلا يستطيعون مجابهته لأنه المنتصر إذاً فلابد من تشويه صورته و تفرقة أبنائه و إثارة الفتن و القلاقل في بيئته . أولاً : فالإنجليز مثلاً لمسوا آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في أعظم مكان يعتزون باستعماره و الاستيلاء على خبراته عندما تلقفها الهنود على يد الداعية الإسلامي : أحمد بن عرفان الشهير بأحمد باريلي , و أتباعه و في حركات أخرى مثل " الفراتفيين و تيتومان " نزار علي (8) . تلك الدعوات التي ناوأت القاديانية الكافرة التي أرادها الإنجليز واجهة إسلامية تحقق مآربهم و ينضوي تحتها من لا يعرف من الإسلام إلا اسمه . و يظهر انزعاج الإنجليز و حرصهم على القضاء على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي تمثل يقظة جديدة في الدين الإسلامي و دعوة إلى فهمه من مصادر الصافية : كتاب الله , و سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أنهم بذلوا جهوداً و أموالاً في هذا السبيل و قد أبانت رحلة " سادلير" الضابط البريطاني و قائد الفوج 47 ومبعوث الحكومة البريطانية في الهند الذي قام برحلة شاقة من الهند إلى أن وصل الرياض ووقف على أطلال الدرعية التي هدمها إبراهيم باشا بناء على تخطيط اشترك في الإعداد له الإنجليز ليطمئن على تفتيت الحكومة الإسلامية التي تحركت في الجزيرة لإيقاظ المسلمين و القضاء على قاعدة الدعوة السلفية بنفسه لما أحدثته من خوف و قلق بداخل الحكومة الإنجليزية خوفاً على مصالحها و قد كان في رحلته هذه ضمن قافلة كبيرة أغلبها من الأتراك أبانت هذه الرحلة جانباً مهماً في التعاطف و الحرص على القضاء على هذه الدعوة التي تمثل يقظة إسلامية توحد المسلمين كما أبانت عن حقد الإنجليز على الإسلام ذلك الحقد المخطط له من التبشير الكنسي الموجه بأفكار المستشرقين و دسائسهم . فقد مر بالدرعية متشفياً في 13 أغسطس من عام 1819 م (9) , وبعد أن ارتاحت نفسه شد الرحال لاحقاً بإبراهيم باشا حتى أدركه في آبار علي , على مقربة من المدينة المنورة ليقدم له التهاني بهذا النصر مقرونة بهدايا حكومة الهند الشرقية ( الحكومة البريطانية ) (10) هذا من جانب و من جانب آخر حتى يطمئن الحكومة البريطانية على نتائج القضاء على قادة هذه الدعوة و هدم و تدمير قاعدة الملك فيها و ذلك عام 1233 هـ لأن آثارها قد امتدت لمواطئ أقدام الإنجليز في ديار الإسلام في كل مكان . و كان سادلير يكرر عبارات التشفي و الارتياح للقضاء على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مثل قوله " مع سقوط الدرعية و خروج عبد الله عنها يبدو أن جذور الوهابيين قد انطفأت فقد عرفت من كل البدو الذين قابلتهم في نجد أنهم سنيون و أنهم يداومون على الصلاة المفروضة حتى في السفر الطويل و تحت أقسى الظروف " (11) . ثم من باب التفرقة أيضاً في داخل البلد الواحد يقول " إن البدو لم يثبتوا على الوهابية إلا مرغمين و ذلك حين كانت الدعوة قوية و سهلت لهم سبل النهب " (12) . مع أن الدولة السعودية منذ أن قامت على ركيزة الدعوة إلى الله مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في عام 1158 هـ كانت تحكم شرع الله و تقطع يد السارق فأمنت الطرق لأن أول ما حاربته النهب و الاعتداء على الناس أو أخذ أموالهم . و هذا و غيره من كلامه فيه تناقض و تشويه للحقيقة و خداع للناس بما يعطي من معلومات لأسباب جاءت في كتابه عندما تحدث عن قوة القواسم البحرية في الخليج و البحر العربي حتى وصلوا إلى بومباي في الهند و هاجموا سفناً عديدة لحكومة الهند الشرقية و سفناً حربية إنجليزية , و القواسم ممن أيد الدعوة السلفية فهم يعاضدونهم لأن مبادئ الدعوة السلفية تحض على مقاومة السلطان الأجنبي لأنهم كفار لا يحق لهم بسط النفوذ على ديار الإسلام . و لأن ولاية الكافر لا تجوز على المسلم فالمسلمون يجب أن يلوا أمورهم بأنفسهم ليحكموا شرع الله في بلادهم . و قد تحدث سادلير في كتابه هذا كثيراً عن هذا الموضوع الذي أرق بريطانيا فتحدث مع إبراهيم باشا و حمل كتاباً من الإنجليز له بطلب التحالف ضد القواسم و عن دور بريطانيا في شرق الجزيرة العربية لمناوأة كل من يؤيد الدعوة السلفية التي أيقظت همة الناس و فتحت مغاليق أفكارهم و حركتهم من سبات عميق . و قد ظهرت همومه و سمومه ضد الإسلام و المسلمين في مواقف : 1 ) بث العداء بين أهل اليمن و دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كقوله ك و قد سقط آخر زعيم يمني و هابي خلال إقامة هذا الباشا – يعني خليل ياشا – و هذا الزعيم هو محمود ين محمد , و الذي جئ به مكبلاً بالأغلال إلى حبك و من هناك أرسل بسفينة إلى مصر ... إلى آخر حديثه عن اليمن (13) و مثل هذا ما هو إلا محاولة للتفرقة بين أبناء الأمة الواحدة كما قال عن عُمَان و أبناء الجزيرة العربية كلاماً يدعوا للفرقة بين أبناء الجزيرة جميعاً يربطهم الإسلام و يجمع شملهم مصدراً التشريع فيه كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم (14) . 2 ) وصفه التساهل الديني بالتقدم الحضاري و المحافظة على شعائر الإسلام بالتناقض مع متطلبات النفس في مثل قوله : يصف بدو نجد : و هم حريصين جداً على عباداتهم و لا يهملون أياً من الصلوات المفروضة مهما كان المسير طويلاً في أسفارهم و تحت أشق أنواع الحرمان و العوز و يظهر التناقض الغريب عنده بمقارنة هؤلاء البدو مع الأتراك الذين يتسمون بثقافة روحية أكثر لكنهم لا يسمحون للدين أو للصلوات أن تتعارض مع راحتهم و اطمئنانهم أبداً (15) . 3 ) محاولة الحط من قدر أهل المدينة المنورة ووصفهم بنعوت كثيرة كالشحاذين و الجشع و أن من حقهم – اعتقاداً – أن يكونوا متغطرسين و أنهم يعيشون على صداقات الحجاج إلى غير هذا مما ينبئ عن جذور صليبية . (16) . 4 ) لكن الأغرب من ذلك أن يقول سادلير عن إبراهيم باشا : أ- بأنه تناول معه الطعام على الطريقة الإنجليزية و أنه تحدث معه عن رحلته و أعطاه الهدايا البريطانية و الخطابات قبل دخوله المدينة للسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم و قدم له الشاي و الدخان و السعوط و الغلايين و فنجان القهوة يقدم في صحن مرصع بالألماس (17) . ب- أنه ليس إلا ولد متبنى لمحمد علي و عندما ترعرع أمضى سنة كرهينة في استنبول و يقال أن إبراهيم باشا ولد بعد شهور قلائل من زواج والديه لكنه كان مفرطاً في إدمانه على الخمر وجلفاً مع المستخدمين عنده (18) . ت- و في موطن آخر يقول : وكان يشرف على خدمة بعض المماليك فقط ولدى دخوله أرض ( محمد ) المقدسة صمم سعادته على اعتزال اللهو و المسكرات فأهدر كل ما كان مختزناً عنده منها مما أتى به من القاهرة و كان ذلك قبل انطلاقه نحو المدينة (19) . ثانياً: و الفرنسيون أيضاً لهم دور فقد أحسوا باهتمام الشمال الإفريقي بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و حرصهم عليها في مثل : 1 ) اهتمام سيدي محمد بن عبد الله العلوي , سلطان المغرب الأقصى بها حيث قام بمحاربة البدع و الانحراف كما كان يحارب تشعب الطرق الصوفية و يدعوا إلى العودة إلى الاجتهاد و إلى السنة (20) إلى جانب حرصه الشديد و حرص الدولة العلوية منذ أن قامت على محاربة النصارى وفي تعاطفهم مع الدعوة السلفية قوة تمتد إلى نفوذ الفرنسيين . هذا السلطان هو الذي وصفه المؤرخ الفرنسي شارلي جوليان بقوله : وكان سيدي محمد و هو التقي الورع على علم بواسطة الحجيج بانتشار الحركة الوهابية في الجزيرة العربية و تأييد عائلة آل سعود لها و قد أعجب بعباراتها و كان يؤثر عنه قوله " أنا مالكي المذهب وهابي العقيدة و قد ذهبت به حماسته الدينية إلى الإذن بإتلاف الكتب المتساهلة في الدين و المحللة لمذهب الأشعرية و تهديم بعض الزوايا (21) . 2 ) كما أنه في عام 1226 هـ حج جماعة من المغاربة صحبة المولى إبراهيم بن السلطان المولى سليمان سلطان المغرب و نقل عنهم صاحب كتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى : أنهم ما رأوا من ابن سعود ما يخالف ما عرفوه من ظاهرة الشريعة و إنما شاهدوا منه ومن أتباعه مآبه الاستقامة و القيام بشعائر الإسلام من صلاة و طهارة و صيام و نهي عن المنكر و تنقية الحرمين من الآثام (22) . 3 ) رسالة بعث بها الإمام سعود بن عبد العزيز لأهل تونس يشرح فيها حقيقة التوحيد و أصول الدين و هي رسالة طويلة تقع في ثلاث صفحات مطبوعة كما جاءت في صحيفة ألمانية ضمن مقال طويل باللغة الألمانية لأحد المستشرقين عن الوهابية في المغرب أما الرسالة فقد كتبت باللغة العربية (23) . 4 ) و السلطان سليمان بن محمد بن عبد الله الذي بويع في فاس عام 1226 هـ كان معاصراً للإمام عبد الله ابن سعود ووالده الإمام سعود بن عبد العزيز الذي دخل مكة عام 1217 هـ , الموافق لعام 1802 م أراد أن يتحقق من ابن سعود و ما يدعوا إليه فأرسل ابنه المولى إبراهيم في جماعة من علماء المغرب و أعيانه و معه جواب من والده فوصلوا إلى الحجاز و قضوا المناسك و زاروا الروضة الشريفة كل هذا على ألمن و الأمان و البر و الإحسان و يقول في هذا الشيخ أحمد الناصري صاحب كتاب الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى من ص 119 إلى ص 123 : حدثنا جماعة وافرة من حج المولى إبراهيم في تلك السنة أنهم ما رأوا من ذلك السلطان – يعني ابن سعود – ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة و إنما شاهدوا منه و من أتباعه غاية الاستقامة و القيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة و صيام و نهي عن المنكر الحرام و تنقية الحرمين الشريفين من القاذورات و الآثام التي كانت تفعل بع من غير نكير و أنه لما اجتمع بالشريف المولى إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب آل البيت الكريم و جلس معه كجلوس أحد أصحابه و حاشيته و كان الذي تولى الكلام معه الفقيه القاضي أبو إسحاق إبراهيم الزرعي فكان من جملة ما قال ابن سعود لهم : إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية فأي شئ رأيتمونا خالفنا من السنة و أي شئ سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا ؟ فقال له القاضي : بلغنا أنكم تقولون بالاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوى . فقال له : معاذ الله إنما نقول كما قال الإمام مالك : الاستواء معلوم و الكيف مجهول و السؤال عنه بدعة و الإيمان به واجب فهل في هذا مخالفة ؟ قالوا : لا و بمثل هذا نقول أيضاً . ثم قال له القاضي : و بلغنا عنكم أنكم تقولون بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم و حياة إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة و السلام في قبورهم فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتعد و رفع صوته بالصلاة عليه . وقال : معاذ الله إنما نقول : إنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره و كذا غيره من الأنبياء حياة فوق حياة الشهداء . و في نهاية ذلك الحديث قال المؤلف : و أقول إن السلطان المولى سليمان رحمه الله كان يرى شيئاً من ذلك و لجله كتب رسالته المشهورة التي تكلم فيها عن حال متفقرة الوقت و حذر فيها رضي الله عنه من الخروج عن السنة و التغالي في البدعة و بين فيها آداب زيارة الأولياء و حذر من غلو العوام في ذلك و أغلظ فيها مبالغة في النصح للمسلمين جزاه الله خيراً (24) . و ينقل الأستاذ محمد كمال جمعه عن دائرة المعارف الإسلامية بأن المولى سليمان قد تأثر بعد عام 1810 م بالوهابية أو على الأصح بالدعوة السلفية التي قام بها السيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مما جعله يتخذ موقفاً صارماً ضد المربوطية و هو اللقب الذي كان يطلق في المغرب على الصوفيين (25) . 5 ) كما ينقل عن الدكتور عباس الجراري في محاصرة ألقاها في عام 1399 هـ بجامعة الرياض بأن هذا التيار السلفي في المغرب قد ظهر مرة أخرى في بداية القرن الرابع عشر الهجري حين وجه السلطان الحسن الأول سنة 1300 هـ رسالة إلى الشعب المغربي (26) . 6 ) و قد تحث أحمد بن حجر عن الحركة السنوسية التي أسسها محمد بن علي السنوسي في الجزائر و أنه تأثر بها عندما كان يطلب العلم في مكة وقت استيلاء آل سعود عليها و قد ابتدأ حركته الإصلاحية في الجزائر على ضوء تعاليم الإصلاح الديني الإسلامي الذي أضرم نارها في الجزيرة العربية محمد بن عبد الوهاب (27) . ثالثاً و في مصر : يلمس من يقرأ تاريخ عبد الرحمن الجبرتي المتوفى عام 1237 هـ المسمى عجائب الآثار في التراجم و الأخبار في مثل قوله : و لغط الناس في خبر الوهابي و اختلفوا فيه فمنهم من يجعله خارجياً و منهم من يقول بخلاف ذلك لخلو عرضه . ثم أورد رسالة من رسائل الإمام سعود التي أرسل لشيخ الركب المغربي تتضمن دعوته و عقيدته و قد بين في تلك الرسالة أمور الدين مجملة و عرض لبيان الشفاعة و فتنة و تعظيم القبور و النذور – أي للمقبورين – و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و اتخاذ الوسائط عند الله و أعقب ذلك بقوله : و على هذا أقول إن كان كذلك فهذا ما ندين لله به نحن أيضاً و هو خلاصة لباب التوحيد و ما علينا من المارقين و المتعصبين وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه " إغاثة اللهفان " و الحافظ المقريزي في " تجريد التوحيد " و الإمام اليوسي في " شرح الكبرى " و ذكر كتباً أخرى – كلها تدافع عن حقيقة التوحيد الصافي النقي الذي صلب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (28) . و من جانب آخر ذكر الجبرتي مطامع الإنجليز في الشمال الإفريقي المسلم عندما ذكر قصة الإنجليز مع أهل الجزائر لأن لهم صولة و استعداداً و يغزون مراكب الإفرنج و يغنمون منهم مغانم و يأخذون منهم أسرى و تحت أيديهم أسرى كثير من الإنجليز و غيرهم فقد جاء الإنجليز بمراكبهم و معهم مرسوم من السلطان العثماني ليفتدوا أسراهم بمال فأعطاهم أهل الجزائر ما يزيد عن الألف أسير و دفعوا عن كل أسير مائة و خمسين ريالاً فرنسياً و رجعوا من حيث أتوا إلا أنهم بعد مدة رجعوا و بأيديهم مرسوم آخر يطلبون باقي الأسرى فامتنع حاكم الجزائر من ذلك و ترددوا في المخاطبات و في هذه الأثناء وصلت مراكب فأثاروا الحرب و الضرب بطرائقهم المستحدثة فأحرقوا مراكب أهل الجزائر و قد أمد سلطان المغرب مولاي سليمان أهل الجزائر و بعث لهم مراكب عوضاً عن الذي تلف (29) . رابعاً : الإيطاليون : أقلقهم ما قام به محمد بن علي السنوسي المولود في الجزائر عام 1202 هـ من دعوة إصلاحية في ليبيا لإعادة الإسلام إلى صفائه ووضعه الصحيح في النفوس تطبيقاً و عملاً و الوقوف ضد الإيطاليين الوافدين الذين لا يهمهم إلا استغلال خيرات البلاد و التفريق بين المسلمين (30) . كما أقلقهم تأثر الحجاج الصوماليون بها و امتدادها إلى القرن الإفريقي لقربهم من الجزيرة العربية و تأثر الحجاج المغاربة بها حيث نقلوا آثارها لبلادهم فقام فيهم مصلحون مجددون . خامساً: والهولنديون حركهم ما لمسوه من اهتمام جديد من المسلمين الذين استولوا على ديارهم و يظهر ذلك واضحاً بالحرص على الولاء لعقيدة الإسلام في جزيرة سومطرة و جاوة و سولو بإندونيسيا مما وفد لتلك الديار مع الحجاج المتأثرين بما يجب أن ينقى به المجتمع الإسلامي و تصفى من شوائبه شعائر الإسلام بعد أن درس هؤلاء الحجاج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية التجديدية و اهتموا بها بعد أن اطمأنوا على سلامة منهجها في إصلاح العقيدة المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، و لما فيها من صفاء الدعوة و سلامة الاتجاه و البعد عن الهوى و أنها لم تأت لمآرب ذاتية . فلذا نقلوا بقناعة لبلادهم حيث قامت دعوات متعددة مثل : الجمعية المحمدية في جاكرتا التي بدأت الدعوة بنبذ الشوائب و الخرافات التي أدخلت على تعاليم الإسلام مما وقف حائلاً دون اتساع دعوة المستعمرين في تبني فئات إسلامية أو محسوبة على الإسلام تشجع الخرافة و تمي البدع في المجتمع الإسلامي مما يستفيد منه المستعمر بتغذية الطائفية و تذكية الفتن على مبدأ الاستعمار : فرق تسد . و لقد بدأ هذا التأثر من عام 1803 م الموافق لعام 1218 هـ عندما قامت حركة ضد الهولنديين استمرت 16 عاماً تغلبت فيها قوى الاستعمار على السلفيين الموحدين المتأثرين بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (31) . هذا إلى جانب دول إسلامية عديدة انتقلت إليهم آثار الدعوة مع الحجاج الذين أعجبوا بها لما فيها من تخليص الإسلام من الشوائب التي أدخلت عليه و تخليص البلاد من المستعمر الجاثم عليها و الحريص على إفساد عقيدة أهلها بما يشيعه من أعمال و ما يتيحه من فرص للفساد و الإفساد و لما يدعوا إليه المبشرون من رغبة في تحويل المسلمين إلى النصرانية و ما يبثه الملحدون و أصحاب النزعات الأخرى من دعوة لترد المسلمين عن دينهم و محاولة لإبعادهم عن صفائه و نقاوته التي تخاطب العقول المستنيرة . لذا كثرت الأصوات المستجيبة في كل مكان كالسودان و مصر و الشام و اليمن و أفغانستان و جزر الهند الشرقية و نيجيريا و بلاد الهوسا و برنو و بلاد التكرور و غيرها مما ذكره كل من درس حياة الشيخ و أثرها في بلاد الشام لأنها أيقظت الهمم و حركت الناس من سباتهم و أوجدت يقظة فكرية و رغبة واسعة في إصلاح المجتمع الإسلامي بالدين السليم كما قال بذلك الإمام مالك رحمه الله مما زلزل أقدام المستعمرين و حرك مشاعرهم ضد هذه الدعوة و المعتنقين لمبادئها . |
#9
|
|||
|
|||
الدولة العثمانية .... و الدعوة : -
إن تأثر بعض الأوروبيين و بعض الأتراك و جماعات من الأفارقة إلى جانب اهتمام مجموعة من المفكرين المسلمين بدعوة الشيخ في بلاد الشام و المغرب و حتى داخل تركيا و غيرها كل هذا أثار حفيظة الباب العالي و أرباب المصالح و المناصب الذين موهوا الحقيقة على العثمانيين و اغتنموا بعض التصرفات من الأعراب في الحج فلبسوا الشبه للتنفير ضد هذه الدعوة لإثارة الحفائظ على من قام بها و اختلاق أشياء لم يكن لها أساس من الصحة . و في رسائل الشيخ محمد و إجابات تلاميذه نبين الجوانب الإيجابية و الحرص من بعض المسلمين استجلاء حقيقة الدعوة من الشيخ نفسه بإرسال رسائل له أجاب عليها مثل : 1- رسالة الشيخ محمد رحمه الله إلى الشيخ فاضل آل مزيد رئيس بادية الشام التي جاء فيها : فالسبب في المكاتبة أن راشد ابن عربان ذكر لنا عنك كلاماً حسناً سر الخاطر وذكر عنك أنك طالب مني المكاتبة بسبب ما يجيك عنا من كلام العدوان من الكذب و البهتان و هذا هو الواجب من مثلك أنه لا يقبل كلاماً إلا إذا تحققه ثم بدأ يشرح له ما قيل و يوضح الحقيقة في ذلك وفق شرع الله وهدى رسوله الكريم تفنيداً و شرحاً (1) . 2- رسالة الشيخ محمد رحمه الله إلى عبد الرحمن السويدي علام من أهل العراق جاء فيها : فقد وصل كتابك و سر الخاطر جعلك الله من أئمة المتقين و من الدعاة إلى دين سيد المرسلين و أخبرك أني و لله الحمد متبع و لست مبتدع عقيدتي و ديني الذي أدين لله به مذهب أهل السنة و الجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة و أتباعهم إلى يوم القيامة لكني بينت للناس إخلاص الدين لله و نهيتهم عن دعوة الأحياء و الأموات من الصالحين و غيرهم و عن اشتراكهم فيما يعبد الله من الذبح و النذور و التوكل و السجود وغير ذلك مما هو حق لله الذي لا يشرك فيه ملك مقرب و لا نبي مرسل و هو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم و هو الذي عليه أهل السنة و الجماعة (2) . 3- رسالة الشيخ محمد ين عبد الوهاب التي بعث إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام و يوضح لهم عن المعالم المهمة في دعوته و مما جاء فيها قوله : جرى علينا من الفتنة ما بلغكم و بلغ غيركم و سببه هدم بنيان في أرضنا على قبور الصالحين فلما كبر هذا على العامة لظنهم أنه تنقيص للصالحين و مع هذا نهيناهم عن دعواهم و أمرناهم بإخلاص الدعاء لله فلما أظهرنا هذه المسألة مع ما ذكرنا من هدم البنيان على القبور كبر على العامة جداً و عاضدهم بعض من يدعي العلم لأسباب أخرى لا تخفى على مثلكم أعظمها اتباع هوى العوام مع أسباب أخرى فأشاعوا عنا أنا نسب الصالحين و أنا على غير جادة العلماء و رفعوا الأمر إلى المشرق و المغرب و ذكروا عنا أشياء يستحي العاقل من ذكرها و أنا أخبركم بما نحن عليه خبراً لا أستطيع أن أكذب بسبب أن مثلكم لا يروج عليه الكذب على أناس متظاهرين بمذهبهم عند الخاص و العام فنحن و لله الحمد متبعون غير مبتدعين على مذهب الإمام أحمد بن حنبل و حتى من البهتان الذي أشاع الأعداء أني أدعي الاجتهاد و لا أتبع الأئمة فإن بان لكم أن هدم البناء على القبور و الأمر بترك دعوة الصالحين لما أظهرناه يخالف مذهب سلف الأمة . إلى أن قال : و أنا أشهد الله و ملائكته و أشهدكم على دين الله ورسولكم أني متبع لأهل العلم و ما غاب عني من الحق و أخطأت فيه فبينوا لي و أنا أشهد الله أني أقبل على الرأس و العين و الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل (3) . 4- و رسالته أيضاً إلى عالم من أهل المدينة و فيها يقول : الخط وصل أوصلك الله إلى رضوانه و سر الخاطر حيث أخبر بطيبكم فإن سألت عنا فالحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات و إن سألت عن سبب الاختلاف الذي هو بيننا و بين الناس فما اختلفنا في شئ من شرائع الإسلام من صلاة وزكاة وصوم و حج و غير ذلك و لا في شئ من المحرمات الشيء الذي عندنا زين هو عند الناس زين (4) . و غير ذلك من الرسائل حيث تخوفت منها الدولة العثمانية بقياداتها في العالم الإسلامي نتيجة الجهل و تعاونوا مع المستعمرين من اجل مصالحهم من جهة و من أجل ضرب المسلمين بعضهم ببعض لتحقيق المآرب بإضعاف قوة المسلمين و القضاء على دعوة الإصلاح التي تؤلف بين القلوب و تجمع الشمل و تقضي على أسباب الفرقة بإتباع ما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه و ما ذلك إلا من جهل هذه القيادات بما تنص عليه تعاليم الإسلام و خوفهم على مراكزهم و مصالحهم التي قدموها على حكم الله و أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم بإتباع الأهواء و الرغبات . و بذلك يخرج العدو المستعمر هو الكاسب من جانب ومن جانب آخر فلأن المسلم لا يقبل ذلك المستعمر المخالف له في دينه أن يتدخل فيما يتعلق بعقدته و إلا انكشفت النوايا و عادت الحروب الصليبية من جديد . و لذا فإن هؤلاء الغربيين و لا يستبعد أن يكون من بينهم يهود يهمهم ضرب الإسلام كما هي مخططاتهم و أعمالهم منذ حل رسول الله صلى اله عليه وسلم في المدينة مهاجراً و الدارس يلمس مثل هذا الشعور لدى عبد الله بن أبي رأس المنافقين في المدينة و عبد الله ابن سبأ اليهودي الذي دخل الإسلام ليفسده من داخله و ليشك ضعاف الفهم للإسلام في مكانته فكان أول من انشأ فرقة فيه عرفت باسم السبأية . كما نلمس هذا في دراسات المستشرقين الذين حاولوا تشويه صورة الإسلام في العصر الحديث للتنفير منه و الدرس في فكره و تأريخه و غالبيتهم من اليهود . فقد بدأ هؤلاء جميعاً يقبلون صفحات التاريخ و ينبشون الماضي علهم يجدون أشياء ترضى أصحاب الأهواء من أدعياء العلم الذين نصبهم المستعمر في مقامات إسلامية يستتر خلفهم و يزينون له ما يريد و أصحاب المصالح الذين باعوا أخراهم بعرض من الدنيا فهؤلاء جميعاً ينشدون غرضاً و يريدون تحقيق غاية . فأوهموا العامة و أنصاف المتعلمين الذين لا يقرؤون و لا يتعمقون و هم الغالبية العظمى في المجتمع الإسلامي ذلك الوقت بأن هذه الدعوة الجديدة التي تحركت في الجزيرة العربية ما هي إلا امتداد لتلك السابقة التي كانت في المغرب : فرقة الخوارج الأباضية التي تخالفكم معاشر المسلمين في المذهب و المعتقد . و لكي تنطلي الحجة و يمر التمويه لفقوا أقاويل على الشيخ محمد و اتباعه و أوضح رحمه الله كذبها في رسائله العديدة و عرف هذا علماء المغرب في حوارهم عام 1226 هـ عندما حج المولى أبو إسحاق إبراهيم بن السلطان المولى سليمان رحمه الله و معه مجموعة كبيرة من علماء المغرب لحوار الإمام سعود بن عبد العزيز و مناقشته فيما نسب إليهم و كان هذا بعد وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بزمن . و قد سجلت تواريخ المغرب عن هذه الحادثة ما يثبت البراءة لهذه الدعوة السلفية من كل نسب إليها و قناعة علماء المغرب من سلامتها و صدقها حتى أن الإمام إبراهيم هذا اقتنع بها(5) و قد وجد هذا القول – أعني القدح في هذه الدعوة – صدى في نفوس راغبي الزعامة و التسلط باسم العلم و المعرفة و لدى أصحاب الأهواء و المصالح الظاهرة أيضاً . هذا من جانب و من جانب آخر انطلت النسبة إلى عبد الوهاب – والد الشيخ محمد و هي نسبة غير صحيحة لأنه لم يكن هو صاحب الدعوة و لأنهم لو نسبوها للشيخ محمد لصارت محمدية و لا يتحقق لهم ما أرادوا لأن الدين الإسلامي كله يسمي الرسالة المحمدية نسبة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي بلغها عن ربه . و العامة لا تفرق بين هذا وذاك و لذا حرصوا أن يكون للاسم المراد إطلاقه صدى في نفوس الجماهير الذين هم قاعدتهم في التمويه و التلبيس و خلفية يموه بها على أنصاف المتعلمين . ظهر مثل هذا القول في تقارير و خطابات إبراهيم باشا التي كان يبعث بها لمحمد على بمصر و في كتابات لبعض العثمانيين حيث بدأ إطلاق الألقاب التالية : الوهابية , الخوارج , المارقين من الدين (6) على دعوة الشيخ محمد و الدولة السعودية من ذلك التاريخ . هؤلاء في مظهر عام اتفقوا جميعاً في اتجاه واحد للتلبيس على الناس في هذا الأمر و الناس بطبيعتهم يتخوفون من كل جديد و يستنكرون ما جاء لمخالفة ما ساروا عليه . و خير شاهد في هذا ما نجده موضحاً في القرآن الكريم و السيرة النبوية العطرة من أمور كثيرة في موقف المعاندين للإسلام عندما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه داعياً ومنقذاً . كما نلمس شاهداً حياً في عصرنا الحاضر عندما بدأ الشباب الإسلامي يهتم بدينه و يرجع لتعاليم ربه فيما أطلق عليه : الصحوة الإسلامية فقد بدأت صحف الغرب و الشرق ووسائل إعلامه و جهود مفكريه تشوه الصورة و تنفر من الاتجاه و تصف هذا التحول الإسلامي بنعوت متعددة لكي يوجد حجاب يمنع المسيرة و يقضي على الحماسة . و العامة في كل عصر و مكان وهم الجم الغفير يلجأون في مثل هذا الأمر إلى مصدر القوة لتوضيح لهم الأمر و تجلي الحقيقة لكن هذا المصدر في ذلك الوقت من علماء و أرباب مصالح أرادوا قلب الحقائق و تشويه أصوات المستجيبين العارفين و ذلك بإطلاق الشبهة و اختلاق الآراء التي تلقفها العامة بالنشر و الإذاعة من جانب و من جانب آخر بالاستجابة للنداء بالوقوف ضد هذا الاتجاه الذي سموه للناس انشقاقاً في الدين و خروجاً على جماعة المسلمين و بدعاً في الدين بينما واقع الأمر عكس ذلك . و قد وجدت هذه الشبهة التي أطلقت صدى في نفوس أرباب المصالح و الجاه لدى الباب العالي العثماني خوفاً على سمعة و مكانة الدولة و نفوذها بعد أن أثاروا حفيظة والدة أحد سلاطينهم على الإمام عبد الله بن سعود بعد انتصاره على جيوشهم في وادي الصفراء بين المدينة و ينبع . و في كثير من أقطار المسلمين بالتبعية حيث روجها أناس يأكلون أموال الناس بالباطل و يرضون بزعامات مؤقتة دينية و يتسلطون بها على الجهال الذين لا يدركون حقيقة دينهم و لا نوايا هؤلاء و ما هم عليه و هذا ما كان يخشاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من زلة العالم و العلماء المضللين الذين يفتون بغير ما أنزل الله فيضلون و يضلون (7) . و قد ضرب هؤلاء جميعاً على الوتر الحساس في حياة الناس و هو الدين الذي تحتاجه النفوس و تتشوق إليه الأفئدة و لكنها تجهله حقيقة و تجهل المصادر التي يجب أن يؤخذ منها فتتبع كل ما يقال لها فيه . و من هذه الجذور بدأوا في التعاون لتشويه الدعوة التي كان من أهدافها توحيد كلمة المسلمين و نبذ الخرافات و تنوير الأذهان و توجيه النفوس إلى العلم باعتباره مصدر الحقيقة حيث بلغ الأمر بالناس في الدرعية كما ذكر ابن غنام و ابن بشر في تاريخها رغبة عارمة في النهل من العلم ثم العمل المتواصل لكسب المعيشة فكان تلاميذ الشيخ يوزعون أوقاتهم بين العلم و العمل . من بعد صلاة الفجر حتى ارتفاع الشمس للعلم ثم يتجهون لأعمالهم و فلايحهم حتى الظهر ليرتاحوا العمل من العصر حتى المغرب إلى العشاء جلسات علم و اهتمام بالبحث عن المعرفة في الحلقات و النقاش . شبهات الخصوم : - و هذا مما دفع أيضاً بعض الأشخاص ممن تعارضت مصلحته الدنيوية مع دعوة الشيخ على مخالفة الشيخ و محاولة التشهير به كذباً و افتراء و أغلبهم من بني قومه فألصقوا بالشيخ و دعوته أشياء كثيرة طفق جاهاً في رسائله العديدة إلى التبرئ منها و الدفاع عن سلامة المعتقد الذي ينادي به و أنه لم يخرج عن الكتاب و السنة و سوف يكون لنا مع بعض أولئك وقفة خاطفة ترشد طالب الحقيقة إلى بعض مواطن الداء . و إن من يقرأ ما كتبه خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عنها من افتراءات و أكاذيب فإنه لا شك سيلمس أن جميع ما أوردوه من شبهات و ما اختلقوه من مجادلات لا أصل لها في أي مصنف مما كتبه رحمه الله بل إن رسائله العديدة التي ملأت سفراً كاملاً و رسائل وردود أولاده و أحفاده و تلاميذه من بعده و هي كثيرة و عديدة كلها كانت تنفي تلك الأقاويل و تتبرأ منها بأيمان صادقة و مثل هذه الرسائل و الردود التي يجدها المتتبع لمسيرة هذه الدعوة و المنافحين عنها النافين للشبهات المطروحة من دون أصل ثابت منذ اقترانه بالعمل الجهادي السياسي و حتى اليوم . إننا عندما نعود إلى أصل تلك الشبهات فإننا سنراها لا تخرج عن : 1- شبهات ذات جذور في الفرق السابقة ألصقوها بالشيخ محمد بن عبد الوهاب مع أن له رأياً فيها هو رأي أهل السنة و الجماعة حيث ينكر خروجها عن الصف الإسلامي كما أنكرها قبله شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في الشام و الإمام الشاطبي في المغرب و العز بن عبد السلام في مصر سنة 660 هـ . 2- و إما أشياء مختلقة لا أساس لها من الصحة و لم ترد في أصل مما نقل عن نصوص و مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب و لا في مؤلفات تلاميذه و أبنائه . و المختلق لا حدود له و فيه تمويه على القارئ و السامع فقد أبانت رسائل الشيخ ضد هذا الشيء الكثير كما مر بنا في مقتطفات من أربع رسائل بعثها للآفاق (8) البراءة من كل ما نسب إليه و أنه محض افتراء لا أصل له عنده قولاً أو عقيدة خذ مثلاً قوله في إحدى رسائله لأهل القصيم و قد جاء فيها : ثم لا يخفى عليكم أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم (9) قد وصلت إليكم و أنه قبلها و صدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم و الله يعلم أن الرجل افترى على أموراً لم أقلها و لم يأت أكثرها على بالي . فمنها قوله : أني مبطل كتب المذاهب الأربعة و إني أقول إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شئ و إني أدعي الاجتهاد و إني خارج عن التقليد و إني أقول إن اختلاف العلماء نقمه و إني أكفر من يتوسل بالصالحين و إني أكفر البوصيري لقوله : يا اكرم الخلق و و إني أقول لو أقدر على هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها و لو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها و جعلت له ميزاباً من خشب و إني أحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلمو إني أنكر زيارة قبر الوالدين و غيرهما و إني أكفر من حلف بغير الله و إني أكفر ابن الفارض و ابن عربي و إني أحرق دلائل الخيرات و روض الرياحين و أسميته روض الشياطين جوابي عن هذه المسائل أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم و قبله من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى ابن مريم و يسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب و قول الزور (10) . 3- و يدخل في هاتين الحالتين ظهور عجز من جادلوا أتباع الشيخ و أفحموهم و من باب الرغبة في تغطية هذا العجز بدأوا ينالون من الشيخ و دعوته و هذا من باب التلبيس على الناس ذلك أنهم لو قالوا الحقيقة التي دارت في النقاش لانتهت مكانتهم و مصالحهم و لذا لم يبق أمامهم إلا قلب الحقيقة و تمويه النتيجة لأن ما جرى لم ينشر على الملأ. 4- و إما كلام مبتور من أصل كلامه رحمه الله أو أقول مؤول على غير معناه مثل من يقرأ " ويل للمصلين " و يسكت عن إكمال الآية . و يدخل في هذا قولهم : إن أتباع محمد بن عبد الوهاب ينكرون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم و ينكرون رسالته مما لا يصدقه عاقل متبصر . و لا أستبعد أن يكون جميع من كتب متهجماً على الشيخ محمد و دعوته بأنه لم يقرأ واحداً من كتبه سواء في التوحيد و العقيدة أو الفقه و الأحكام أو التفسير و السيرة النبوية بل إنه لم يناقش رأياً مما قال و إنما حركتهم المصالح الدنيوية و أعماهم الهوى حيث وجدوها فرصة عاجله لأخذ عيوب الوهابية الرستمية , الخارجية الأباضية التي قال فيها علماء الإسلام ما قالوا و دار حولها في المغرب نقاش طويل و ردود و مجادلات و تناولها علماء المغرب و الأندلس في كتبهم بالردود و القدح كثيراً لإلصاق تلك العيوب بالدعوة الجديدة بادئ ذي بدء . و قد استغل الخصوم قرابة في الاسم فطابقوا اللقب في الحالين و أطلقوا الأول على الثاني و أعطوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب اصطلاحاً جديداً هو اسم لجذور عميقة في نفوس المسلمين في شمال أفريقيا بصفة خاصة و هو "الوهبية أو الوهابية " فوجدوا هذا ثوباً جاهزاً ألبسوه دعوة الشيخ محمد للتنفير منها حيث أبرزوا عيوب السابقة و الصقوها بدعوة الشيخ محمد . و المغاربة ممن شهد لهم التاريخ بدور إيجابي في الوقوف ضد الدعوات المناهضة لأهل السنة : مع عبد الوهاب بن رستم هذا ثم مع الفاطميين العبيديين و غيرهم ثم بمناهضة المستعمر في بلادهم و الوقوف ضد مطامعه . فألبس أعداء الإسلام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية ثوباً مستعاراً من باب التنفير خوفاً من عودة المسلمين إلى المنهج المحمدي و بساطته و استمالة لقلوب المسلمين الذين ملوا الفرقة و أضناهم الخلاف فيكون في ذلك سبب لاتفاق الكلمة و نبذ الخلافات التي ينفذ منها الأعداء . لاسيما و أن صدوراً في العالم الإسلامي و خاصة في شمال أفريقيا قد انفتحت لهذه الدعوة و استجاب لها أصحابها لأنها بغية كل مسلم كما مر بنا نماذج من ذلك . فأقض ذلك مضاجع أصحاب المصالح و أرباب الأهواء و البدع و تعاموا عن الحقيقة حيث بذلوا جهوداً مضنية لطمسها و إلهاء الناس عنها وعن تتبع مصادرها بحثاُ و استقصاء . و يتضح مثل ذلك في كتابة الباحثين الغربيين و المستشرقين من فرنسيين و إيطاليين و إنجليز و ألمان عن الإسلام و المسلمين في شمال إفريقيا على وجه الخصوص و في كل مكان بوجه عام و خاصة عند تعرضهم لليقظة الفكرية الجديدة في تاريخ الإسلام التي ترتبط دائماً و من الدراسات المنصفة بقيام السيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته و امتدادها للعالم الإسلامي لأنها جاءت في وقت الظلمة و الجهل . ففي الوقت الذي بدأ المسلمون يعون حقيقة الدعوة السلفية التي جددها الشيخ محمد بن عبد الوهاب و أعادت للمسلمين يقظة فكرية عقدية في المنهج الإسلامي الصحيح و العقيدة الصافية السليمة لأنها لم تخرج بالإسلام عن نقاوته الأولى حيث سلك في هذا الدرب منحى المصلحين في تاريخ الإسلام المجددين لمنهج السلف الصالح كلما اندثر كابن تيمية أحمد بن عبد الحليم المتوفى بالشام عام 728 هـ و ابن قيم الجوزية المتوفى بدمشق عام 751 هـ و الشاطبي المتوفى بغرناطة بالأندلس عام 790 هـ و العز بن عبد السلام المتوفى بمصر و غيرهم كثير من علماء السلف . كما تحدث عن ذلك كثير من العارفين و المفكرين العرب و المسلمين و غيرهم . و قد أورد الأستاذ عبد الله بن سعد بن رويشد في كتابه الإمام محمد بن عبد الوهاب في التاريخ : حدود أربعين رأياً تشيد بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و دورها في تحريك اليقظة في نفوس المسلمين في كل مكان من المعمورة (11) . عودة لإثارة الشبهات : - دهمت العالم عامة والمسلمين بصفة خاصة المبادئ المنكرة من شيوعية و مأسونية و وجودية و علمانية و إلحادية و لم يجد المسلمون مخرجاً يضئ لهم الطريق و منفذاً يهربون منه إلى بر ألمان إلا بالإسلام الصافي النقي الخالص من الشوائب و الدخائل . ذلك أن أبناء المسلمين قد جبلهم الله على حب الولاء و الاتجاه بالعقيدة إلى ما يوصل لله جل و علا و هذه فطرة الله التي فطر البشر عليها و إن جذور الإسلام تجذبهم و رابطته تجمع بينهم فتتجاذب القلوب لتتقارب النفوس إلا أن جهات ذات أهداف متباينة و أحقاد دفينة تأتي مع بعدها عن العاطفة مع المسلمين لتستغل ذوي العقول الضعيفة و المآرب الوقتية و البضاعة المزجاة من العلم و المعرفة فتتحدث باسم العلم و تتزعم باسم الغيرة و المعرفة وهذا ما كان يخشاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته من العلماء المضللين الذين يلبسون الأمور على الناس . ألمس هذا عندما بدأت كتب تطبع و توزع بالمجان مجدداً في إفريقيا و آسيا و أوروبا تعيد تلك الشبهات على المسلمين بعد أن كاد المسلمون ينسوا الماضي بأحقاده و يتآلفون من جديد على منهج كتاب الله و سنة نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم بعد أن عصفت بهم الفتن و أعمل الأعداء أيديهم في التخريب و الإفساد و ذلك من أجل تنقية الدين من الشوائب الدخيلة ذلك أن النصرانية الحاقدة و اليهودية الماكرة قد حركتا الأعوان لأنهما بدأتا تفلسان في ديار الغرب فضلاً عن ديار الإسلام بعد أن تمرد عليهم أبناؤهم و شعروا بخواء أفكار أرباب تلك الدعوات ثم عندما رأوا أبناء المسلمين يتجهون للإسلام الصحيح في نقاوته حسبما حدثني أحد الدعاة في أفريقيا عن حرص الناس هناك و في كل مكان على تتبع تعاليم الإسلام من مصادرها الصحيحة النقية . و كان مما حدثني به هذا الداعية أن أحد علمائهم مال مع تلك الكتب التي تطبع في دولة إسلامية و توزع بعدة لغات و قد بدأ هذا الشيخ ينال من شخصية محمد بن عبد الوهاب و دعوته ويصفها بنعوت عديدة لتأثره بالكتب التي وصلته و ألصقت بالدعوة الإصلاحية التي انتهجها الشيخ و من جاء بعده سبهاً ة افتراءات . فقال له الداعية : هل قرأت للشيخ محمد بن عبد الوهاب شيئاً من كتبه ؟ قال : لا و يكفي ما قيل عنه . و كان الداعية ذكياً فأعطاه كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد أن نزع عنه غلافه و قال : أحب أن تقرأ هذا الكتاب و تعطيني رأيك فيه غداً. و في موعد اللقاء : أثنى ذلك العالم على هذا الكتاب و ترحم على مؤلفه لما حوى من علم مستمد من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم واتجاه رصين يحتاج إليه المسلمون في تصحيح معتقداتهم . فما كان منه إلا أعطاه نسخة أخرى منه و عليها الغلاف . و قال له : هذا هو الكتاب كاملاً و مؤلفه الشيخ محمد ين عبد الوهاب صاحب الدعوة الإصلاحية التجديدية السلفية كما ترى و بقية كتبه من هذا النوع . فما كان من ذلك العالم إلا أن قال : حسبنا الله و نعم الوكيل لقد أتهم الشيخ بما ليش فيه و ما نقرؤه عنه يخالف ما يقوله هو في مؤلفه هذا إن هذا هو التوحيد الخالص الذي جاء به محمد بن عبد الله عليه الصلاة السلام و دعانا إلى التمسك به . و منذ عشرات السنين حصلت قصة مماثلة في الهند فقد هدى الله عالماً من علماء الهند بتوفيق من الله ثم بمناظرة مع شخص يسمى البكري في قضية مماثلة . هذه نظرة عامة يحسن بالمسلمين عموماً الانتباه إليها و ألا يجعلوا الآخرين يفرضون عليهم رأياً بدون معرفة خفاياه فالرأي العلمي و الحقيقة التي تتعلق بالعقيدة و الدين يحسن بالمسلم العارف أن يبحث عنهما و ينقب بنفسه عن كل ما يؤصلهما و يتوثق و يدقق حتى لا تزل قدمه بعد ثبوتها و يترتب على ذلك خلاف في الصف الإسلامي لا يستفيد منه سوى العدو الذي يبذل الشيء الكثير من جهده و ماله و فكره و أعوانه لبث الفرقة و تشتيت الشمل بين أبناء المسلمين لأن مصالحه و منافعه في هذه الفرقة و سيطرته و نفوذه في بذر الخلافات . و ندعوا الله أن يجمع كلمة المسلمين و أن يؤلف بين قلوبهم في آخر الزمان كما ألف بينهم في أوله عندما قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { و ألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعـاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم } (سورة الأنفال آية 63) و اليهود و النصارى لن يرضوا عن المسلمين حتى يفسدوا عليهم دينهم و يجعلوهم في خلاف مستمر و تشاحن و تباغض كما أبان الله عنهم ذلك الشعور في محكم التنزيل عندما قال { و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى } (سورة البقرة آية 120) و لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها كما قال الإمام مالك رحمه الله و أولها لم يصلح إلا بعقيدة الإسلام الصافية النقية وآخرها لن يصلح إلا بذلك. خصوم الدعوة من داخل المنطقة : - جوبهت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أول ما جوبهت من داخل المنطقة التي انطلقت منها فوقف أمامها أناس ادعوا العلم و كانت لهم مصالح سوف تتأثر من معرفة الناس للحقيقة التي حرص الشيخ على إبانتها للناس مستمدة من كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. و الهوى دائماً يعمي و يصم كما أن للحسد دوراً في تلك المجابهة كما يقول الشاعر العربي : حسدوا الفتى إذ لم يكونوا مثله فالقوم أعداء له و خصوم لقد بلغ من هؤلاء القوم أن انبروا لدعوة الشيخ بالحرج و الكذب و الافتراء .... ثم لخوفهم الذي اقلق راحتهم بدأوا يبثون الرسائل يميناً و شمالاً من باب التنفير و الكيد كما حصل من ابن سحيم و ابن مويس و غيرهما ممن سوف نلم بذكرهم و الإشارة لانتشار رسائلهم التي كشفها الشيخ محمد نفسه في الرسائل التي يبعث بها للآفاق داعياً و موضحاً من جهة و مزيلاً لما علق بالأذان من أكاذيب و افتراءات من جهة أخرى . و لن ندخل في تلك المنافحات و المراسلات و لكن يكفي أن نستشهد بالآية الكريمة { فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } (سورة الرعد آية 17) لقد ذهب القوم جميعاً الناقد و المنقود و المفتري و المفترى عليه و أثبتت الأيام صدق إخلاص الشيخ محمد رحمه الله حيث بقي صدى الدعوة بل ازداد و حرص الناس في كل مكان على تتبع كتبه رحمه الله و دراستها كما عاد كثير من المناوئين إلى رشده بعدما استبان لهم سلامتها و صدق هدف الداعية لأن الحق أحق أن يتبع أما أولئك المناوئون فقد ماتت أسماؤهم و مات معها كل ما قالوه و لا يكاد الناس يعرفون عن أغلبهم إن لم نقل كلهم إلا من فحوى رسائل الشيخ محمد رحمه الله . هذا في الدنيا و أما في الآخرة فالجزاء عند الله جلت قدرته لأنه هو الذي يعلم السرائر و ما تخفي الصدور . و قد اعتبر الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله - خصوم الشيخ ثلاثة أقسام : - 1- علماء مخرفون يرون الحق باطلاً و الباطل حقاً و يعتقدون أن البناء على القبور و اتخاذ المساجد عليها من دون الله و الاستغاثة بها و ما أشبه ذلك دين و هدى و يعتقدون أن من أنكر ذلك فقد أبغض الصالحين و أبغض الأولياء و هو عدو يجب جهاده . 2- و قسم آخر من المنسوبين للعلم : جهلوا حقيقة هذا الرجل و لم يعرفوا عنه الحق الذي دعا إليه بل قلدوا غيرهم و صدقوا ما قيل فيه من الخرافيين المضللين و ظنوا أنهم على هدى فيما نسبوه إليه من بعض الأولياء و الأنبياء و من معاداتهم و إنكار كراماتهم فذموا الشيخ و عابوا دعوته و نفروا عنه . 3- و قسم آخر خافوا على المناصب و المراتب فعادوه لئلا تمتد أيدي أنصار الدعوة الإسلامية إليهم فتنزلهم عن مراكزهم و تستولي على بلادهم (12) . و من أبرز خصوم الدعوة الذين صاروا يكاتبون الآفاق و يفترون على الشيخ أشياء لم يقلها ثم لما ضاق بهم المكان و عرف الناس حقيقة دعوة الشيخ محمد و اتبعوها لأنها دين الله الخالص , لم يسعهم إلا مغادرة الديار إلى أماكن أخرى ليوصلوا عملهم و يجدوا ميداناً أرحب يصولون و يجولون فيه فموهوا على كثير من المسلمين و اغتر بهم بعض العلماء هناك من دون روية أو تبصر . و نذكر من أولئك بعض الأسماء باختصار : 1- سليمان بن محمد بن سحيم الذي جاء ذكره في كثير من رسائل الشيخ بأنه يكتب للأمصار في النيل من الشيخ و مهاجمة دعوته حيث يصور للناس برسائله أشياء لم تقع من الشيخ و ليس لها أصل , كان من علماء الرياض و بعد سقوط الرياض في يد الدولة السعودية الأولى غادر للأحساء ثم الزبير بالعراق و قد توفي هناك و فيها أولاده عام 1181 هـ (13) . كما روى هذا العداء للدعوة من آل سحيم لعدة رجال وكلهم بيت علم ذلك الوقت في مدينة المجمعة و في الرياض و لعل السر في هذا من حسد العلماء و غيرتهم لأن الشيطان حريص بدخول المنافذ على الإنسان مهما كانت . 2- محمد بن عبد الله بن فيروز النجدي أصلاً الأحسائي مولوداً , كان من العلماء الأعلام و قد اهتم به والي البصرة العثماني عبد الله أغا لما انتقل إليها و سكنها و بقي بها حتى آخر حياته عام 1216 هـ , حيث دفن بالزبير و قد خرج من الأحساء عندما أوشكت جيوش آل سعود أن تدخلها لأنه ناوأ الدعوة منذ بدايتها فوجد عند الوالي ما يعينه على تحريض السلطان العثماني بالقضاء على الدعوة و قمعها (14) و قد أيده في هذا المسلك بعض تلاميذه ماعدا : محمد بن رشيد العفالقي الذي هاجر للمدينة فلما دخلها الإمام سعود بن عبد العزيز أكرمه كعادته في إكرام العلماء و جعله على قضاء المدينة فأحب الدعوة السلفية و كان من دعاتها و ظهرت جهوده في مصر بعد أن سكنها فأحبه الناس هناك و له دور كبير في تعريف الناس بالسلفية و توفي بالقاهرة سنة 1257 هـ (15) . 3- محمد بن عبد الرحمن بن عفالق له مكانة علمية في الأحساء يرتاده طلاب العلم و قد توفي بالأحساء سنة 1163 هـ و قد أدرك أول دعوة الشيخ محمد – رحمه الله – فعاداها و كتب إلى الشيخ رسالة يتحداه فيها بأن يبين له ما تحتوي عليه سورة العاديات من المجاز و الاستعارة و الكناية و غيرها من العلوم البلاغية , حيث صح في اعتقاده أن استحضار النكت البلاغية و الاصطلاحات البيانية هي الوسيلة الوحيدة على تحقيق ما يجب لله تعالى على عباده من معرفته و معرفة توحيده و إخلاص العبادة له كما قال الشيخ عبد الله بن بسام عند ترجمته لحياته (16) 4- عبد الله بن عيسى المويسي قاضي حرمة الذي جاء ذكره في رسائل الشيخ كثيراً فأخذ الشيخ محمد يحذر الناس منه و يبين أعماله و قد توفي ببلده عام 1175 هـ (17) و ذلك قيل انتشار الدعوة أو اتساع دائرتها في الجزيرة العربية. 5- عثمان بن عبد العزيز بن منصور الذي درس في العراق ومن أشهر مشايخه داود بن جرجيس , ومحمد بن سلوم الفرضي , وهما من أشد خصوم الدعوة و بين ابن جرجيس و علماء نجد ردود و منافرات حول هذه الدعوة قال ابن بسام في ترجمته : و المترجم له متردد في اتجاهه العقدي فمرة يوالي الدعوة السلفية و ينتسب إليها و أخرى يبتعد عنها و يوالي أعداءها و لذا فإنه لما وصل نجداً داود بن جرجيس الذي أخذ يقرر استحباب التوسل بالصالحين من الأموات و الاستعانة بهم و نحو ذلك مما يخالف صافي العقيدة ناصره و صار يثني عليه و يمدح طرقته و قرظ كتابه و أثنى على نهجه بقصيدة بلغت ستة و ثلاثين بيتاً و قد رد عليه بقصائد مماثلة بالوزن و القافية أكثر من سبعة علماء من نجد (18) 6- محمد بن عبد الله بن حميد المولود في عنيزة سنة 1232 هـ و مفتي الحنابلة في مكة إلى أن توفي بالطائف سنة 1295 هـ ذكر ابن بسام في ترجمته لحياته قائلاً : إن المترجم له بحكم وظيفته تبع الدولة العثمانية – مفتي الحنابلة بالحرم المكي – التي حابت العقيدة السلفية و بحكم وجود المترجم له بعد النكبة التي أصابت الدعوة السلفية في بلادها فقضت عليها و كثرت أعداءها و الموالين لأضدادها و بحكم قراءته خارج نجد على علماء نذروا أنفسهم لمحاربة هذه الدعوة فإن هذه المؤثرات طبعته بطابعها الخاص و جعلت منه خصماً لها و حليفاً لأعدائها (19) 7- مربد بن أحمد التميمي الذي ناوأ الدعوة ثم سافر على اليمن سنة 1170 هـ و بدأ يبث التشويه لسمعة الدعوة و دعاتها و القائمين عليها و بقي هناك حوالي عشرة أشهر و فارقهم إلى الحجاز مع الحجاج . و قد قال عنه ابن بسام عند ترجمته : و القصد أن هذا الرجل و أمثاله ممن ناوأوا الدعوة الإصلاحية هم الذين شوهوا سمعتها و ألصقوا بها الأكاذيب و زوروا عليها الدعاية الباطلة حتى اغتر بهم من لا يعرف حقيقتها و لا يخبر حالها فرميت بالعداء عن قوس واحد إما من الحاسدين الحاقدين و إما من المغرورين المخدوعين و إما من أعداء الإصلاح و الدين حتى غزتها الجيوش العثمانية في عقر دارها فأوقفت سيرها و شلت نشاطها بالقضاء على دعاتها و إبادة القائمين عليها من ملوك الحكومة السعودية الأولى و رجال العلم من أبناء الشيخ محمد و أحفاده حتى شاء الله تعالى انبعاثها مرة أخرى هيأ الله لها البطل المغوار الإمام تركي بن عبد الله, الذي قاوم الجيوش التركية حتى طهر البلاد منها (20) و لا تزال بحمد الله في طريق آمن و ممهد و من أثرها الأمن الذي تنعم به البلاد في ظل تطبيق الشريعة الإسلامية السمحة . و قال في نهاية ترجمته إنه عاد من الحجاز إلى بلده حريملاء و لكن الإمام محمد بن سعود تغلب عليه فهرب منها فلما وصل بلدة رغبة أمسكه أميرها علي الجريسي و قتله و ذلك في عام 1171 هـ (21) . 8- و هناك علماء آخرون لم يعرف عنهم التحدي للدعوة لكنهم يميلون مع خصومها في البلاد التي انتقلوا إليها أمثال : محمد بن علي بن سلوم الفرضي الذي انتقل من سدير إلى الزبير بالعراق متعاطفاً مع شيخه محمد بن فيروز حيث توفي بالعراق هو و ابناه عبد الرازق و عبد اللطيف اللذان أصبحا من أعلام علماء سوق الشيوخ و البصرة في وقتها . و إبراهيم بن يوسف الذي تعلم في دمشق م سكنها و كان له حلقة علم في الجامع الأموي و قتل في ظروف غامضة هناك عام 1187 هـ , و راشد بن خنين الذي انتقل من الخرج إلى الأحساء و مات هناك بغير عقب (22) . و غيرهم ممن جاء ذكرهم في رسائل الشيخ كابن إسماعيل وابن ربيعة و ابن مطلق و ابن عبد اللطيف و صالح بن عبد الله و غيرهم و قد بلغ ماجمع من رسائله التي توضح دعوته رحمه الله و الرد على ما قيل نحوها من افتراءات واحد و خمسون رسالة , وطبعت في 323 صفحة ضمن مجلد واحد و هي ذات فائدة كبيرة لمن يريد التحقق عن كثب عن كنه الشيخ و دعوته و لا ريب أن كثيراً من ناوأها عندما اسـتبانت له الحقيقة رجع عن رأيه السابق لأن الحق أحق أن يتبع . |
#10
|
|||
|
|||
الهدف من التسمية : -
لئن كان مسعود الندوي – رحمه الله – في كتابه " محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم و مفترى عليه " قد قال : إن من أبرز الأكاذيب على دعوة شيخ الإسلام تسميتها بالوهابية و لكن أصحاب المطامع حاولوا ن هذه التسمية أن يبثوا أنها دين خارج على الإسلام و اتحد الإنجليز و الأتراك و المصريون فجعلوها شبحاً مخيفاً بحيث كلما قامت أي حركة إسلامية في العالم الإسلامي في القرنين الماضيين و رأى الأوروبيون فيها خطراً على مصالحهم ربطوا حبالها بالوهابية النجدية وإن ناقضتها (1) فإن الشيخ أحمد بن حجر قاضي المحكمة الشرعية الأولى بقطر قد ربط افتراءات بعض المتكلمين الحنابلة السابقين بالافتراءات على الشيخ محمد لأن المخالفين لا ينقصون من قدر الآخرين إلا بالافتراء عليهم وكذلك المستعمر لا يجد طريقاً في القضاء على الحركات الإسلامية إلا بمثل هذا الأسلوب . و كان مما قاله الشيخ أحمد في كتابه " نقض كلام المفترين الحنابلة السلفيين " : (( و نسبوا إلى الشيخ و إلى أتباعه أنهم لا يجعلون للرسول صلى الله عليه وسلم حرمة بل يقول أحدهم عصاي خير من الرسول . ولا يرون للعلماء و لا الصالحين مقاماً و ينكرون شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم و يحرمون زيارة القبور و قبور سائر المؤمنين ولا يرون الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم و لا يعتنون بكتب الأئمة بل يحرقونها و يتلفونها و لا يرون تقليدهم جائزاً و يكفرون المسلمين من قرون عديدة سوى من كان على معتقدهم و يحرمون قراءة المولد النبوي )) (2) إلى غير ذلك من المزاعم . و الجواب أن هذه الأشياء المنسوبة إليهم كلها كذب لا نصيب لها من الصحة أبداً و هذه كتبهم مطبوعة تباع و توزع فمن أراد أن يعرف كذب هذه المزاعم فليقرأ كتبهم (3) . و من هنا ندرك السر في الإصرار على لقب الوهابية و إشاعة أنهم مذهب خامس لأن علماء المغرب قد اكتووا بنار الوهابية الرستمية الخارجية الأباضية التي قامت هناك و أسسها عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم في آخر القرن الثاني و بداية القرن الثالث الهجري و لديهم فتاوى حولها و مذهب أهلها كما أوضحنا من قبل . فهي ثوب جاهز ما على أعداء الدعوة إلا خلعه على هذه الدعوة الجديدة من باب التنفير و اختصار الطريق لأنه لا يخدم المستعمر في ديار الإسلام إلا أصحاب البدع و الخرافات . أما العلماء من أصحاب المصالح فتمسكوا بما قيل من افتراءات و ألصق من شبهات رغم أن الحوار و النقاش ينفي تلك التهم و أنها لا أساس لها من الصحة و يتبرأون منها و ما ذلك إلا أن الهوى يعمي و يصم . و لكي يؤكدوا صحة ما وضعوا من شبهات استغل أعداء الدعوة ما صار بين الشيخ محمد و أخيه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب من خلاف بادئ الأمر حيث عارضه سليمان شأنه شأن طلبة العلم في منطقة نجد و خارجها عدم الاستجابة إلا بعد معرفة الحقيقة فإذا استبان الرشد رجعوا للحق مذعنين . و الشيخ سليمان أيضاً ممن اقتنع بحقيقة الدرب الذي سار فيه أخوه و سلامة المقصد فصار من مؤيديه بعد ذلك . نقول استغل الخصوم ذلك فألفوا رسالتين نسبتا إلى سليمان هذا هما " الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية " و " فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب " بينما المتتبعون للأمر ينفون ذلك عن سليمان و إنما قصد إلصاقها بسليمان لزيادة التنفير بأن أخاه سليمان و هو أقرب الناس أنكر عليه بينما واقع الحال أنه تابعه ووفد إليه معتذراً في الدرعية . و كدليل آخر على كذب هذه المؤلفات و عدم صحة نسبتها لسليمان أن لقب الوهابية لم تتفتق عنه الحيلة إلا مع الحملات التركية المصرية بقيادة إبراهيم باشا على نجد و بعد موت الشيخ محمد بأكثر من عشرين سنة و بعد موت سليمان أيضاً . بدليل أن " ني بور " المعاصر الأوروبي للشيخ محمد لم يستعمل اصطلاح الوهابية أصلاً و قال مسعود الندوي عنه : و يظهر من هذا اصطلاح الوهابية لم يكن معروفاً إلى ذلك الوقت و لكنه يسمي دعوة الشيخ بدين جديد New صلى الله عليه وسلمeligion مع أنه في النهاية يعبر عن مذهب محمد بن عبد الوهاب الجديد بالمحمدية . و أن أول ذكر للوهابية جاء عند " برك هارت " الذي جاء الحجاز بعد استيلاء محمد علي في سنة 1229 هـ كما جاء ذلك عند الجبرتي في تاريخه (4) . و كما جاء أيضاً في رحلة سادلير التي مر بنا ذكرها . و قرينة ثالثة فلو كان سليمان بن عبد الوهاب ممن رد على أخيه و ناوأ الدعوة فإن اسمه سوف يتكرر في الردود و ســــــيأتي له ذكر أسوة بأسماء من ناوأها و لو لفترة حيث الجدل و النقاش مستمر و إنما هو ثوب ألبس لسليمان هذا و لم يكن له , كما ألبست الدعوة اصطلاحاً لا يربطها به صلة , لتنافر ما بين دعوة الشيخ محمد و الوهابية الرستمية الخارجية , من حيث المعتقد و المحتوى و المكان و الطريقة و الاستشهاد بالدليل الشرعي و لذا لم يرد له ذكر في ذلك مما يدل على براءته من ذلك . فالوهابية الرستمية تخالف معتقد أهل السنة و الجماعة كما هو معروف عنهم من الدارسين لحالهم ؟, بينما الشيخ كما يقول بنفسه في رسائله و تشهد به جميع كتبه و كتب أبنائه و تلاميذه : متبع و ليس بمبتدع يسير وفق مذهب أهل السنة و الجماعة و يدعو رأيه بالدليل الصحيح من كتاب الله الكريم و سنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم و ما انتهجه السلف الصالح من القرون المفضلة كما هو واضح القياس في جميع كتبه و رسائله . و قرينة رابعة : فإن مخالفة سليمان بن عبد الوهاب لأخيه كانت في بداية أمر الشيخ محمد , ووقتها لم تتعد الردود الكلام الشفوي و المراسلات الصغيرة , و ابن غنام ممن رصد ذلك بتاريخه و قد عاصرهما و توفي بعدهما بزمن و لم يذكر من ذلك شيئاً رغم أنه ذكر المخالفين للشيخ . هذا من جانب و من جانب آخر فإن كلمة الوهابية نسبة لوالدهما سوياً و لا يمكن أن يكون لسليمان الابتداع في إطلاقها لأنه لم يرد على والده من جهة و من جهة أخرى فإنه يدرك أن النسبة خطأ لأنها من نسبة الشيء إلى غير أصله فال يمكن أن تقول للمكي إنه مدني و لا للمغربي أنه هندي و إن أطلقت تجاوزاً فهما يشتركان فيها , الراد و المردود عليها .و هذه لا تنطلي على سليمان بن عبد الوهاب إذا كان هو صاحب الرد حقيقة . و قرينة خامسة : أن الكاتبين عن الدعوة في وقتها حيث لفتت الأنظار من الغربيين و غيرهم مثل " ني بور " ممن عاصرها الذي وصل إلى الأحساء فقد كان يسميها المحمدية نسبة إلى محمد ابن عبد الوهاب و تارة يسميها الدعوة الجديدة . و هذان الاسمان لا يحققان الغرض المقصود باستثارة العامة و " برك هارت " الذي و صل الحجاز عام 1229 هـ و قابل محمد علي و أثنى على هذه الدعوة و مكانتها العقدية و سلامتها من الشوائب و انتقد من يخافها فيما رصده برحلته . مما يبرهن على أن الحيلة قد تفتقت عن اسم يراد به الإثارة . و يعطي شرعية على تحريك الجيوش , و تجريد الحملات ضد هذه الدعوة بمثل هذا اللقب الجديد الذي لابد أن يكون له جذور تستولي على المشاعر و إثارة الحماسة . و لذا سبقت هذه التسمية الحملات من أجل إرهاق الناس بالضرائب و دعوتهم للبذل و الإنفاق كما ذكر الجبرتي في تاريخه من أقاويل عنهم بوجوب قتال الخوارج , و بأن الوهابية الأباضية الخارجية قد عادت للظهور فيجب بذل المستطاع لمحاربتها . هذا من أهم بواعث نفض الغبار عن ذلك اللقب الكامن في سجلات التاريخ و لذا فإنه قد كذب على سليمان بن عبد الوهاب تأليف هذه الرسالتين بعد موته بزمن . كما زيفت في الوقت الحاضر مذكرات " همفر " الذي قيل عنه بأنه جاسوس بريطاني و عن علاقته بالشيخ محمد بن عبد الوهاب حيث لم يعرف لذلك أصل و لم يسمع بهذا الشخص من قبل . و هذا من الادعاءات التي لا برهان عليها أو دليل يؤيدها ... و الكذب لا حدود له . و أعداء الإسلام يهتمون بإثارة مثل هذا لما فيه من بلبلة للأفكار و تحريك للفتن ونزع للثقة من كل داعية مخلص . و صحافة اليوم دليل قاطع على هذا المنهج في الإثارة و كثرة الافتراءات على كثير من الدول لأن منهجها يخالف الآخرين . ذلك أن الدين الحق الصافي من الشوائب كلما برز و بدأ الناس يميلون إليه لما فيه من تخليص للنفوس و المجتمعات من السلبيات التي تدخل على دين الإسلام و هو منها براء , ينزعج أعداء الإسلام من ذلك العمل الذي يؤلف القلوب فيحركون أعوانهم لمباعدة هذا الاقتراب , كما تحس هذا عندما قام الفلسطينيون بانتفاضتهم بالحجارة و الهتافات ... فقد انزعج اليهود من الدعوة للجهاد التي هتفت بها الأطفال ومن ترديدها لكلمة " الله أكبر " و أشاعوا في العالم بوسائل إعلامهم أن التمرد شيوعي ليصرفوا النظر عن الاتجاه الإسلامي الذي خشاه اليهود .. فما أشبه الليلة بالبارحة . و الأمثال في ذلك كثيرة في كل مكان و زمان : فهذا الوتري المولود بالمدينة عام 1261 هـ و الذي رأى الأستاذ أحمد العماري الذي حقق رسالته في محاكمة السلفية الوهابية بالمغرب في تساؤلاته حول هذه الرسالة بما نصه : ألا يكون الوتري أراد من مرافقته هاته و محاكمته متابعة السلفية بالمغرب كما تابعها بالمشرق حسب الإشارات التي وردت عنده بالرسالة ؟ لماذا يتحيز للسلطان التركي و للوالي على مصر ضد محمد بن عبد الوهاب فهل هو تزمت شديد للطرقية على حساب السلفية , أو توجد خلفيات أخرى وراء التحامل ؟ نحاول أن نجيب على هذه الأسئلة من خلال عرض الأسباب التي جعلت الوتري يكتب رسالته (5) إذا فكل من كتب كان لسبب دفعه و هدف وجه إليه . فقد تأثر أمثال الوتري باهتمام أهل المغرب بالدعوة السلفية بعد أن وصلت رسالة الإمام سعود بن عبد العزيز في عام 1225 هـ حيث عهد المولى سليمان العلوي للأديب السيد حمدون بن الحاج الفاسي الإجابة عليها و قد أرفق بالجواب قصيدة مدح فيها ابن سعود و قد أكد أبو عبد الله محمد الكنسوس أن حمدون بن الحاج أجاب ابن سعود و مدحه بأمر من السلطان سليمان و برهن على ذلك بأمور مقنعة ثم ذكر المحقق بعضاً من هذه الميمية في مدح سعود و منها : إن قمت فينا بأمر لم يقم أحد *** به فجوزيت ما يجزاه ذو نعم بقطع أهل الحروب بالحجاز بأن *** يقتلوا أو يصلبوا بلاوهم أو أن تقطع أيديهم و أرجلهم *** عن الخلاف أو أن ينفوا من أرضهم حتى جرى الماء في بلد الحجاز بأن *** طلعت سعد سعود غير ملتثم لاشيء يمنع من حج و معتمر *** وزورة يكمل المأمول من حرم إذ عاد درب الحجاز اليوم سالكه *** أهنأ و أمن من حمامة الحرم مذُ لاح فيه سعود ماحياً بدعاً *** قد أحدثتها ملوك العرب و العجم (6) من نتائج الخصومة : - لقد كانت العيينة التي ارتبطت باسم الشيخ محمد و تحركت منها دعوته الأولى , قلعة علمية يرتادها طلاب العلم و رواد المعرفة و يجاورها من الشرق بلدة صغيرة اسمها الجبيلة و قد التصقتا الآن في مدينة واحدة (7) و بالجبيلة كانت توجد قبور الصحابة رضوان الله عليهم الذين قتلوا في حروب الردة حيث قرب المكان من مواقع معارك اليمامة التي أعز الله فيها دينه بقتل مسيلمة الكذاب . و مع الجهل وطول الزمن و ضعف العقيدة في النفوس اتخذ الناس عليهم المباني و نصبت القباب على قبر زيد بن الخطاب و بقية الصحابة فصارت النذور تقدم لهم و القرابين تدفع ضدهم و قصدهم الناس من دون الله . و الذي يرجع لمبدأ البناء على القبور في العالم الإسلامي يراه مرتبطاً بقيام دولة القرامطة في الجزيرة العربية و الفاطميين في المغرب ثم في مصر و لكن العلماء لا يحركون ساكناً لأن جوهر العقيدة وهو المحرك لذلك قد ضعف بل بلغ الأمر إلى الجهة التي لا يوجد فيها أولياء يبنى على قبورهم كان الناس يبحثون عن شئ يتعلقون به كالشجر و الحجر و المغارات و غيرها . و من يدرك من العلماء ضرر ما وقع فيه الناس من خلل و بعد عن العقيدة الصافية فإنه تنقصه الشجاعة في إظهار الأمر و لا يستطيع الجهر خوفاً من العامة التي تدعمها السلطة . لكن الشيخ محمد رحمه الله أدرك هذا و هو لا يزال طالباً إذ بدأ ينمي الشجاعة في نفسه و يوطنها على التحمل في سن مبكرة و يبين ما يحب إيجابه كلما عرض له مناسبة في مثل هذه المواقف . 1- عندما كان يدرس في العيينة كان أحد أساتذته إذا أراد بدء درسه همهم بدعاء يستعين فيه بزيد بن الخطاب و يطلب منه المدد فكان محمد يرد بصوت خفيف لا يسمعه غير هذا الأستاذ لينبهه : الله أقدر من زيد . و مع الزمن ترك الأستاذ تلك العادة ثم استدعاه و نصحه بالرفق فيما هو مقبل عليه مع الحلم في دعوة الناس لأن تغيير ما ألفه الناس و إن كان باطلاً يحتاج إلى علم مقرون بحلم و شجاعة. 2- و عندما كان يطلب العلم في مكة كان يجلس في حلقة أحد المشايخ الذي أعجب به وبذكائه و كان هذا الشيخ إذا قام من كرسيه بعد انتهاء الدرس يقول : يا كعبة الله . فأراد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن يلفت نظر الشيخ و برفق لهذا الخطأ العقدي . فجاء إليه يوماً مبكراً و قبل وصول الطلاب و قال له : أريد أن أقرأ عليك شيئاً من حفظي في القرآن فرحب الشيخ بذلك : فقرأ عليه سورة قريش فلما وصل إلى الآية : { فليعبدوا رب هذا البيت } قرأها فليعبدوا هذا البيت فرد عليه الشيخ الخطأ و صحح له و لكنه أعادها ثلاثاً بنفس الخطأ فقال له الشيخ : أنت ذكي فلماذا كررت الخطأ و هذا لا يصح لأن العبادة لله لا للبيت فقال : يا شيخ معذرة فقد تأثرت بك . فقال عجيب و ماذا قلت ؟ فأخبره بما يقول كلما قام . قال الشيخ هذا خطأ و قد قلدت غيري فيه من دون روية و استغفر الله من ذلك . و أبطل هذه العادة . ثم قال له : سيكون لك شأن و لكن عليك بالتحمل و الصبر . 3- أما في الزبير بالعراق فقد آذوه و طردوه لأنه أنكر عليهم التمسح و التوسل بقبر الزبير بن العوام الذي سميت البلدة باسمه . 4-و عندما كان يدرس تلاميذه في الدرعية التوحيد و أيقن أنهم قد أدركوا ذلك أراد اختبارهم و كان بعد صلاة الفجر فقال في أول الدرس لطلابه لقد سمعت ضجة ليلة البارحة في أحد أحياء المدينة و صباحاً فماذا ترون قد حصل ؟ فاهتم التلاميذ بالمساهمة و الحماسة إذ لعله سارق أو مجرم أو شخص يتعدى على أعراض الناس . و في اليوم التالي : سألهم هل عرفتم الأمر و ماذا ترون جزاءه . فقالوا : لم نعرف و لكن يجب أن يجازى بأقصى العقوبات الرادعة . فقال الشيخ محمد مهوناً الأمر أمامهم ليعرف نتائجه في نفوسهم : أما أنا فقد عرفت : ذلك أن امرأة نذرت أن تذبح ديكاً أسود للجن إن عوفي ابنها من مرض لم به و قد عوفي فتعاونت مع زوجها على ذبح الديك فهرب منهم و صاروا يلاحقونه من سطوح المنازل حتى أمسكوه و ذبحوه بدون تسمية للجن كما أخبرها بذلك أحد المتعاطين للسحر . فهدأت ثائرة الطلاب . فلما رأى هذا منهم . قال : إنكم لم تعرفوا التوحيد الذي درستم . لما كانت المسألة جريمة يعاقب عليها الشرع بالحد الموضح نوعه في كتب الفقه أهمكم الأمر و تحمستم له و لما أصبح الموضوع يتعلق بالعقيدة هدأتم بينما الأول معصية أما الثاني فشرك و الشرك يقول الله فيه{إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء}(سورة النساء آية 48) إذاً سنعيد دراسة التوحيد من جديد ثم جاءته فكرة إعداد كتاب التوحيد و تقريره على طلابه من تلك الحادثة . لقد نتج عن دعوة الشيخ أمور منها : بالنسبة لمن يريد أن يسترشد فإنه قد كتب بعضهم للشيخ مستوضحاً عما وصله من أخبار الشيخ و مستجلباً للإجابة عن الشبهات التي نسبت للشيخ ووصل إليهم علمهم . و رسائل الشيخ التي أشرنا إليها من قبل تنبئ عن ذلك و لذا فإن من فطنة الشيخ أن يخبرهم بأسماء من أشاعها من طلبة العلم في زمانه و يوضح لهم ما يجب عليهم . أما العلماء الذين يريدون الوصول للحقيقة فكانت كتاباتهم للشيخ تتسم بعمق النظرة و تركيز السؤال حيث يحكمون على الشيخ من إجابته المدعومة بالدليل الشرعي نقلا من كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو عقلاً بما هو مدرك و محسوس . و هؤلاء الطلاب في الغالب الأعم عندما يتبين لهم الحق يتبعونه و يركنون إليه و تعتبر بمثابة التعليم لهم و الإرشاد كما في رسالته إلى محمد بن عيد من مطاوعة ثرمداء (8) و رسالته إلى البكيلي في اليمن (9) و رسالته إلى عبد الله بن سحيم مطوع المجمعة (10) و غيرها . أما الحكام الذين هدفهم حقيقة الدفاع عن دين الله ورد الشبهات التي تثار حوله فإنهم يتخذون المناظرة طريقاً للوصول للهدف و لا يجري المناظرة إلا من لديه استعداد بالرجوع للحق إذا استبان له كما حصل لهذه الدعوة مع علماء مكة التي جرت على إثرها مناظرة بين علماء مكة و علماء من الدرعية منهم الشيخ محمد بن معمر , و الشيخ عبد العزيز الحصين . وقد كانت النتيجة قناعة علماء مكة بسلامة منهج هذه الدعوة و صحة الخط الذي تسير فيه (11) و مع ملوك المغرب فقد كتب الشيخ محمد رسالة لأهل المغرب (12) ثم رسالة أخرى قال عنها أبو العباس الناصري في كتابه التاريخي " الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى " و في هذه المدة أيضاً و صل كتاب عبد الله بن سعود الوهابي النابغ بجزيرة العرب , المتغلب على الحرمين الشريفين المظهر لمذهبه فيها إلى فاس المحروسة بكتاب لأن ابن سعود لما استولى على الحرمين بعث كتبه إلى الآفاق كالعراق و الشام و مصر و المغرب يدعوا الناس إلى اتباع مذهبه و التمسك بدعوته ... ثم شكك المؤلف هل الرسالة أصلها لتونس حيث بعث مفتيها نسخة إلى فاس . أم أنها موجهة للسلطان المولى سليمان العلوي بالقصد إلا أن نسخة منه وردت بواسطة علماء تونس (13) . و من باب الإيضاح : فإن هذه الرسالة قد بعثها الإمام سعود بن عبد العزيز بع أن استولى على المدينة في عام 1220 هـ لأن الشيخ محمد قد توفي في عام 1206 هـ و قد وجدت نسخة من هذه الرسالة منشورة باللغة العربية في صحيفة ( اسلاميكا ) الألمانية ISLAMICA العدد الأول المجلد السابع الصادر في عام 1935 م ضمن مقال مطول باللغة الألمانية لأحد المستشرقين عن الوهابية بالمغرب . و هذه الرسالة لشرح حقيقة التوحيد و ما تنطوي عليه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و تقع في ثلاث صفحات (14) و لقد كان لهذه الرسالة صدى لدى حكام المغرب العلويين الذين قامت دولتهم لمحاربة النصارى و النهوض بالمغرب الأقصى منذ عام 1631 م الموافق لعام 1041 هـ (15) . ففي عام 1226 هـ - يقول الناصري : - وجه السلطان المولى سليمان رحمه الله ولده الأستاذ الأفضل المولى أبا إسحاق إبراهيم بن سليمان إلى الحجاز لأداء فريضة الحج مع الركب النبوي الذي جرت العادة بخروجه من فاس على هيئة بديعة من الاحتفال ... و كانت الملوك تعتني بذلك و تختار له أصناف الناس من العلماء و الأعيان و التجار و القاضي و شيخ الركب و غير ذلك مما يضاهي ركب مصر و الشام و غيرهما فوجد السلطان ولده المذكور في جماعة من علماء المغرب و أعيانه مثل الفقيه العلامة القاضي أبي الفضل بن العباس بن كيران , و الفقيه الشريف البركة المولى الأمين بن جعفر الحسني الرتبي , و العلامة الفقيه الشهير أبي عبد الله محمد العربي السواحلي و غيرهم من علماء المغرب (16) إلى أن قال : و لما اجتمع (17) بالشريف المولى إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب لأهل البيت الكريم و جلس معه كجلوس أحد أصحابه و حاشيته و كان الذي تولى الكلام عه الفقيه القاضي أبو إسحاق إبراهيم الزداغي فكان من جملة ما قال ابن سعود لهم : إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية فأي شئ رأيتمونا خالفنا من السنة و أي شئ سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا فقال القاضي : بلغنا أنكم تقولون الاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوى : فقال لهم : معاذ الله إنما نقول كما قال الإمام مالك : الاستواء معلوم , و الكيف مجهول و السؤال عنه بدعة فهل في هذا مخالفة ؟ قالوا : لا . و بمثل هذا نحن أيضاً نقول ثم قال القاضي : و بلغنا أنكم تقولون بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم و حياة إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة و السلام في قبورهم , فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتعد و رفع صوته بالصلاة عليه . و قال معاذ الله إنما نقول إنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره و كذا غيره من الأنبياء حياة فوق حياة الشهداء ثم قال القاضي : و بلغنا أنكم تمنعون من زيارته صلى الله عليه وسلم و زيارة سائر الأموات مع ثبوتها في الصححاح التي لا يمكن إنكارها فقال معاذ الله أن ننكر ما ثبت في شرعنا و هل منعناكم أنتم لما عرفنا أنكم تعرفون كيفيتها و آدابها و إنما نمنع منها العامة الذين يشركون العبودية بالألوهية و يطلبون من الأموات أن تقضي لهم أغراضهم التي لا تقضيها إلا الربوبية و إنما سبيل الزيارة الاعتبار بحال الأموات و تذكر مصير الزائر إلى ما صار إليه المزور ثم يدعو له بالمغفرة و يستشفع به إلى الله تعالى (18) و يسأل الله تعالى المتفرد بالإعطاء و المنع هذا قول إمامنا أحمد ابن حنبل رضى الله عنه و لما كان العوام في غاية البعد عن إدراك هذا المعنى منعناهم سداً للذريعة فأين مخالفة السنة في هذا القدر . ثم قال صاحب الجيش : هذا ما حدث به أولئك المذكورون سمعنا ذلك من بعضهم جماعة ثم سألنا الباقي أفراداً فاتفق خبرهم على ذلك (19) . ثم قال المؤلف : و أقول بأن السلطان المولى سليمان رحمه الله كان يرى شيئاً من ذلك و لأجله كتب رسالته المشهورة التي تكلم فيها على حال متفقرة الوقت و حذر فيها رضي الله عنه من الخروج عن السنة و تغالي العوام في ذلك و أغلظ فيها مبالغة في النصح للمسلمين جزاه الله خيراً (20) و قد نشأ عن اهتمام ملوك المغرب بالاتجاه السليم في العقيدة لأنهم يبحثون عن الحكمة التي ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها أن رأينا منهم اهتماماً كبيراً بتنقية العقيدة : 1- فهذا السلطان سيدي محمد بن عبد الله العلوي وصفه المؤرخ الفرنسي شارلي جوليان في كتابه تاريخ إفريقيا الشمالية تعريب محمد المزالي و البشير بن سلامة بقوله : و كان سيدي محمد و هو التقى الورع على علم بواسطة الحجيج بانتشار الحركة الوهابية في الجزيرة العربية و تأييد عائلة آل سعود لها و قد أعجب بصرامتها و كان يؤثر عنه قوله : " إني مالكي المذهب و هابي العقيدة " و مضت به حماسته الدينية إلى الإذن بإتلاف الكتب المتساهلة في الدين حسب رأيه و المحللة لمذهب الأشعرية و تهديم بعض الزوايا مثل زاوية بوجاة (21) و قد توفي هذا السلطان في شهر رجب من عام 1204 هـ (22) 2- و السلطان سليمان التي مرت بنا مناظرته قد أحب هذه الدعوة و عمل جاهداً على إصلاح وضع المغرب برسالته التي عمم و بمحاربته للطرق الصوفية المنحرفة " المربوطية (23) و كانت وفاته عام 1238 هـ كما قال بذلك الناصري في كتابه الاستقصاء بعد أن أثنى على ديانته و سيرته و حرصه على محاربة الإلحاد و البدع (24). 3- و السلطان الحسن الأول في عام 1300 هـ وجه رسالة إلى الشعب المغربي يودع فيها القرن . و يتحدث عن ضرورة الرجوع على الكتاب و السنة و محاربة البدع و يرغب في حسن العقيدة كما قال بذلك الدكتور عباس الجراري في محاضرة ألقاها بجامعة الرياض سنة 1399 هـ حيث قال : إنه عاش في السنوات الأولى لهذا القرن في المغرب مع الدعوة السلفية على أيد أحد كبار العلماء المحدثين المغاربة و هو الشيخ أبو شعيب الدكالي الذي أقام بمكة مدة تزيد على عشر سنين و قام بتدريس الحديث في الحرم المكي ثم عاد على المغرب حيث أصبح زعيماً للحركة السلفية لمدة تزيد على ربع قرن و بشر بالفكرة السلفية و حارب البدع و الضلالات (25). هذا على جانب اهتمام المسلمين بها في كل مكان و تحقيق طلبة العلم من صدق الهدف و بعدها عن مسارب البدع و الخرافات التي أنكرها علماء الإسلام في كل مكان . و لقد زاد الأمر وضوحاً أن الناس في كل مكان ما كانوا ليقتنعوا إلا بما هو واضح يدعمه الدليل فوضح أمامهم أن محمد بن عبد الوهاب كغيره من الدعاة المصلحين جاء ليجدد الدعوة و ينقي العقيدة من الفساد الذي أدخل عليها نتيجة الجهل أداء للأمانة و نصحاً للأمة ليعيد الناس بأعمالهم و اعتقادهم إلى منهج السلف الصالح منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نهاية القرن الثالث الهجري حيث بدأت البدع تدخل الصف الإسلامي نتيجة غلبة الأمم و التأثر بثقافات و أفكار الأمم و الأخرى في معتقداتها و لضعف العلماء في أداء الأمانة . و تعتبر الدولة الفاطمية التي ناوأها أهل المغرب في القرن الرابع الهجري فاتجه شر في تاريخ البدع في المجتمع الإسلامي و قد أبان عن أعمالهم ابن عذارى المراكشي في تاريخه البيان المغرب في تاريخ الأندلس و المغرب و أتى بالشيء الكثير من سيرهم و أعمالهم حيث يرى أنهم ليسوا من نسل فاطمة الزهراء و إنما يعودون إلى اليهود و أنهم من اصل غير شرعي حيث اتصلوا بابن الحلاج و أخذوا عنه هذا المعتقد (26) و بعــد فإذا كان الفقهاء رحمهم الله يقولون : الأصل براءة الذمة و رجال القانون في العصر الحاضر كلمتهم المعهودة تقول : المجرم برئ حتى تثبت إدانته , و أصدق من ذلك قول الله عز وجل : { فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } (سورة الحجرات آية 6) فإن من مهمات طالب العلم عدم الانسياق خلف كل قول من دون تحقيق أو تثبت لأن زلة العالم كبيرة و انسياقه خلف آراء أصحاب الأهواء يزري بمكانته و يقدح في عدالته فلقد جاء في الأثر : إذا جاءك الخصم قد فقئت عينه فلا تحكم له فلعل الآخر قد فقئت عيناه. ذلك أن الخصومة في الرأي أو المعتقد أو الحقوق مداولة بين الطرفين فلا يصح أن يؤخذ الحكم من جانب و يترك الجانب الآخر و إلا أصبح في الحكم تحيز . و إصدار الحكم عدالة يجب التثبت منها و التروي في نتيجتها حتى لا تكون جائرة لأن منهجنا في الإسلام حفظ اللسان من الزلل و الأعمال من الخطأ . و ميزان ذلك الحفظ , عرض كل أمر على كتاب الله و سنة رسوله الكريم : { فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله و الرسول } (سورة النساء آية 59) و الحق أحق أن يتبع . يقول عمر بن عبد العزيز – رحمه الله : - لأن أخطئ في العفو خير من أن أخطئ في العقوبة , هذا لرغبته رحمه الله عدم إيجاد نفرة في المجتمع الإسلامي أفراداً و جماعات و لئن كانت هذه التسمية – الاصطلاحية – خطأ في النسبة و المعتقد كما كانت الآراء المنسوبة للشيخ محمد و أتباعه خطأ و تبرأوا من ذلك كتابة و مناقشة , فإن المتتبعين لذهه العقيدة السلفية هم أعرف بما تعنيه من دلالات واضحة من مصدري التشريع في دين الإسلام : كتاب الله و سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم و لذا لم يتبرموا من هذا اللقب لإدراكهم بأن ما قيل ما هو إلا محض افتراء لا يثبت بالنقاش و المحاورة فهم متبعون للمحجة البيضاء التي ترك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , وهي مأخوذة من قوله صلى الله عليه وسلم و عمله و تقريره , وبعد التوثق من ذلك صحة و سنداً . فهذا عمران بن رضوان , وهو من مسلمي خارج الجزيرة , وعلماء بلدة لنجه , عندما بلغته هذه الدعوة و تحقق عنها مدحها بقصيدة جاء فيها هذا البيت (27). إن كان تابع أحمد متوهباً *** فأنا المقر بأنني وهابي و ما ذلك غلا هذا اللقب كما قال العالم العراقي محمد بهجت الأثري : من وحي أعداء الإسلام , و الذين كانوا يظنون أن العالم الإسلامي قد صار جثة هامدة لا حراك بها و لابد أن تكون الدول الاستعمارية هي الوارثة لأرضه و كنوزه و معادنه و خيراته , فوضعت هذه الدعوة الجديدة التي انبعثت من قلب جزيرة العرب مدوية لجمع شمل المسلمين و إنقاذهم من المهالك في ثورة الطائفية التي تزيد أرقام الطوائف رقماً جديداً أي عكست الحال فنبزتها بالوهابية و أذاعت هذا النبز الأنباء الذائعة الشهرة فتلقفته الأسماع و رددته الألسن و راق الدولة العثمانية هذا النبز فأجرته عل ألسنة الدراويش و مرتزقة طعام التكايا و الزوايا من تنابلة السلطان و أفرطت في إلقاء الشبهات عليه و تشويهه و لا سيما بعد استفحال شأنه و قيام الدولة العربية الإسلامية في جزيرة العرب على أساسه و قواعده (28). و لقد رأيت من المناسبات أن أختم هذه الرسالة الموجزة بكتابين : أحدهما أرسله الشيخ سليمان بن عبد الوهاب إلى ثلاثة من علماء المجمعة و الآخر من الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأهل القصيم إلا أن تأريخهما بكل أسف لم يكن واضحاً . في هذا الكتاب يوضح الشيخ محمد منهجه في الدعوة حيث طلب مني بعض علماء موريتانيا ذلك عندما زرت بلادهم في شعبان عام 1407 هـ و ذلك من باب إفادة القارئ و فتح المجال أمامه ليستوثق بنفسه و يحكم و يوازن من غير أن يفرض عليه رأي لم يقتنع به و قد جعلتهما ملحقاً و ما أردت إلا الإصلاح و التوفيق من الله العزيز الحكيم . الملحـق : - أولاً : - وإن من استكمال فائدة القارئ إيراد واحدة من رسائل الشيخ محمد التي بعث لأهل القصيم لما سألوه عن عقيدته للاطمئنان عن اتجاهه و الرد عليه إذا كان مخالفاً لآراء العلماء لأن الناس هناك لم يستجيبوا لدعوته إلا بعد دراسة و تمحيص و هذا من مهمة العلماء في استجلاء الحقيقة ورد المعتدي ببصيرة و إدراك . و هذا هو نص هذه الرسالة ... و لها نظائر مع كل من سأله أو أشبه في أمره ... و تكون النتيجة الاستجابة لمن يريد الحق لأنهم لم يجدوا لدى الشيخ ما يخالف شرع الله أو يغاير ما عليه أعلام أمة الإسلام من المصادر الموثوقة . رسالة الشيخ إلى أهل القصيم لما سألوه عن عقيدته: (29) بسم الله الرحمن الرحيم أشهد الله و من حضرني من الملائكة و أشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة و الجماعة من الإيمان بالله و ملائكته و كتبه ورسله و البعث بعد الموت , و الإيمان بالقدر خيره و شره , و من الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف و لا تعطيل بل أعتقد أن الله سبحانه و تعالى ليس كمثله شئ و هو السميع العليم , فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه و لا أحرف الكلم عن مواضعه , و لأا ألحد في أسمائه و آياته و لا أكيف و لا أمثل صفاته تعالى , بصفات خلقه لأنه تعالى لا سمي له و لا كفؤ له , ولا ند له , ولا يقاس بخلقه فإنه سبحانه أعلم بنفسه و بغيره و أصدق قيلاً , و أحسن حديثاً فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف و التمثيل : و عما نفاه عنه النافون من أهل التحريف و التعطيل فقال { سبحن ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين } (الصافات الآيات 180 – 182) الفرقة الناجية وسط باب أفعاله تعالى بين القدرية و الجبرية و هم في باب و عيد الله بين المرجئة و الوعيدية , وهم وسط في باب الإيمان و الدين بين الحرورية و المعتزلة , و بين المرجئة و الجهمية و هم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض و الخوارج . و أعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ إليه و يعود : و أنه تكلم به حقيقة و أنزله على عبده و رسوله و أمينه على وحيه و سفيره بينه و بين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم و أومن بأن الله فعال لما يريد و لا يكون شئ إلا بإرادته و لا يخرج شئ عن مشيئته و ليس شئ في العالم يخرج عن تقديره و لا يصدر إلا عن تدبيره و لا محيد لأحد عن القدر المحدود و لا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور . و أعتقد الإيمان بكل ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت , فأومن بفتنة القبر و نعيمه و بإعادة الأرواح إلى الأجساد فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلاً تدنو منهم الشمس و تنصب الموازين و توزن بها أعمال العباد فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون و تنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه و آخذ كتابه بشماله . و أومن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة و ماؤه أشد بياضاً من اللبن و أحلى من العسل , و آنيته عدد نجوم السماء , من شرب منه مرة لم يظمأ بعدها أبداً و أومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم . و أومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم و أنه شافع و أول مشفع و لا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع و الضلال و لكنها لا تكون إلا من بعد الإذن و الرضى كما قال تعالى { و لا يشفعون إلا لمن ارتضى } (سورة الأنبياء آية 28) و قال تعالى : { و من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } (سورة البقرة آية 255) و قال : { و كم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء و يرضى } (سورة النجم آية 26) و هو لا يرضى إلا التوحيد , ولا يأذن إلا لأهله , و أما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب كما قال تعالى : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } (سورة المدثر آية 48) و أومن بأن الجنة و النار مخلوقتان و أنهما موجودتان و أنهما لا يفنيان و أن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر في رؤيته . و أومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين و المرسلين , و لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته و يشهد بنبوته و أن أفضل أمته أبو بكر الصديق , ثم عمر الفاروق , ثم عثمان ذو النورين , ثم علي المرتضى , ثم بقية العشرة ثم أهل بدر ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم . و أتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و اذكر محاسنهم و أترضى عنهم و استغفر لهم و أكف عن مساويهم و أسكت عما شجر بينهم و اعتقد فضلهم عملاً بقوله تعالى : { و الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم } (سورة الحشر آية 10) و أترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء و اقر بكرامات الأولياء و ما لهم من المكاشفات , إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً و لا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله , ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة أو نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني أرجو للمحسن و أخاف على المسيء و لا أكفر أحداً من المسلمين بذنب و لا أخرجه من دائرة الإسلام وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو فاجراً و صلاة الجماعة خلفهم جائزة و الجهاد ماض منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال لا يبطله جور جائر و لا عدل عادل و أرى وجوب السمع و الطاعة لأئمة المسلمين برهم و فاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله و من ولي الخلافة واجتمع عليه الناس و رضوا به و غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت له طاعته و حرم الخروج عليه و أرى هجر أهل البدع و مباينتهم حتى يتوبوا و أحكم عليهم بالدين و أكل سرائرهم إلى الله و أعتقد أن كل محدثة في الإسلام بدعة. و اعتقد أن الإيمان قول باللسان و عمل يعمل , بالأركان و اعتقاد بالجان , يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية و هو بضع و سبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله , وأدناها إماطة الأذى عن الطريق , و أرى وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة . فهذه عقيدة وجيزة حررتها و أنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي و الله على ما نقول وكيل . ثم لا يخفى عليكم أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم و أنه قبلها و صدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم , و الله يعلم أن الرجل افترى على أموراً لم أقلها و لم يأت أكثرها على بالي ( فمنها ) قوله : إني مبطل كتب المذاهب الأربعة و إني أقول أن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شئ و إني أدعي الاجتهاد و إني خارج عن التقليد و إني أقول إن اختلاف العلماء نقمة و إني أكفر من توسل بالصالحين و إني أكفر البوصيري لقوله يا أكرم الخلق و غني لو اقدر على هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها و لو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها و جعلت لها ميزاباً من خشب و إني أحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم و غني أنكر زيارة قبر الوالدين و غيرهما و إني أكفر من حلف بغير الله و إني أكفر ابن الفارض و ابن عربي و إني أحرق دلائل الخيرات و روض الرياحين و أسميه روض الشياطين . جوابي عن هذه المسائل : أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم . وقبله من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى بن مريم و يسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب و قول الزور قال تعالى : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله } (سورة النحل آية 105) بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول إن الملائكة و عيسى و عزيراً في النار فأنزل الله في ذلك { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } (سورة الأنبياء آية 101) و أما المسائل الأخر و هي أني أقول لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله و أني أعرف من يأتيني بمعناها و أني أكفر الناذر إذا أراد بنذره التقرب لغير الله و أخذ النذر لأجل ذلك و أن الذبح لغير الله كفر و الذبيحة حرام . فهذه المسائل حق و أنا قائل بها ولي عليها دلائل من كلام الله و كلام رسوله و من أقوال العلماء المتبعين كالأئمة الأربعة و إذا سهل الله تعالى بسطت الجواب عليها في رسالة مستقلة إن شاء الله . ثـم اعملوا و تـدبروا قوله تعالى : { يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة } (سورة الحجرات آية 6) ثانياً : قال صاحب كتاب مصباح الظلام بعد اعتراضه على نسب لسليمان بن عبد الوهاب من رد على أخيه هذا و قد من الله وقت تسويد هذا بالوقوف على رسالة لسليمان فيها البشارة برجوعه عن مذهبه الأول و أنه قد اســتبان له التوحيد و الإيمان و ندم على فرط من الضلال و الطغيان و هذا نصها : بسم الله الرحمن الرحيم من سليمان بن عبد الوهاب إلى الأخوان : حمد محمد التويجري و أحمد و محمد ابنا عثمان بن شبانه (30) . سلام عليكم و رحمة الله و بركاته ( و بعد ) فأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو و أذكركم ما من الله به علينا و عليكم من معرفة دينه و معرفة ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من عنده و بصرنا به من العمى و أنقذنا من الضلالة و أذكركم بعد أن جيتونا في الدرعية من معرفتكم الحق على وجهه وابتهاجكم به و ثنائكم على الله الذي أنقذكم و هذا دأبكم في سائر مجالسكم عندنا و كل من جاءنا بحمد الله يثني عليكم . و الحمد لله على ذلك . وكتبت لكم بعد ذلك كتابين غير هذا أذكركم و أحضكم و لكن يا إخواني معلومكم ما جرى منا من مخالفة الحق و اتباعنا سبل الشيطان و مجاهدتنا في الصد عن اتباع سبل الهدى . و الآن معلومكم لم يبق من أعمارنا إلا اليسير و الأيام معدودة و الأنفاس محسوبة و المأمول منا أن نقوم لله و نفعل مع الهدى أكثر مما فعلنا مع الضلال و أن يكون ذلك لله وحده لا شريك له لا لما سواه لعل الله يمحو عنا سيئات ما مضى و سيئات ما بقى . و معلومكم عظم الجهاد في سبيل الله و ما يكفر من الذنوب و أن الجهاد باليد و اللسان و القلب و المال و تفهمون أجر من هدى الله به رجلاً واحداً . و المطلوب منكم أكثر مما تفعلون الآن , و أن تقوموا لله قيام صدق و أن تبينوا للناس الحق على وجهه و أن تصرحوا لهم تصريحاً بينما بما كنتم عليه أولاً من الغي و الضلال . فيا إخواني الله الله . فالأمر أعظم من ذلك فلو خرجنا نجأر إلى الله في الفلوات و عدنا الناس من السفهاء و المجانين في ذلك لما كان ذلك بكثير منا . و أنتم رؤساء الدين و الدنيا في مكانكم أعز من الشيخ و العوام كلهم تبع لكم . فاحمدوا الله على ذلك و لا تعتلوا بشيء من الموانع . و تعلمون أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لابد أن يرى ما يكره و لكن أرشدكم في ذلك إلى الصبر كما حكى عن العبد الصالح لقمان في وصيته لابنه فلا أحق من أن تحبوا لله و تبغضوا لله و توالوا لله و تعادوا لله . و ترى يعرض في هذا أمور شيطانية : و هي أن من الناس من ينتسب لهذا الدين و ربما يلقى الشيطان لكم أن هذا ما هو بصادق , و أن له ملحظ دنيوي و هذا أمر ما يطلع عليه إلا الله فإذا أظهر أحد الخير فاقبلوا منه ووالوه فإذا ظهر من أحد شر و إدبار عن الدين فعادوه و اكرهوه و لو أحب حبيب . و جامع الأمر في هذا : أن الله خلقنا لعبادته وحده لا شريك له ومن رحمته بعث لنا يأمرنا بما خلقنا له و بين لنا طريقه و أعظم ما نهانا عنه الشرك بالله و عداوة أهله و أمرنا بتبيين الحق و تبيين الباطل فمن التزم ما جاء به الرسول فهو أخوك و لو أبغض بغيض . ومن نكب عن الصراط المستقيم فهو عدوك و لو ولدك أو أخوك . و هذا شئ أذكركموه مع أني بحمد الله أعلم أنكم تعلمون ما ذكرت لكم ومع هذا فلا عذر لكم عن التبيين الكامل الذي لم يبق معه لبس و أن تذاكروا دائماً في مجالسكم ما جرى منا و منكم أولاً و أن تقوموا مع الحق أكثر من قيامكم مع الباطل فلا أحق من ذلك و لا لكم عذر لأن اليوم الدين و الدنيا و لله الحمد مجتمعه في ذلك فتذاكروا ما كنتم فيه أولاً في أمور الدنيا من الخوف و الأذى و اعتلاء الظلمة و الفسقة عليكم . ثم رفع الله ذلك كله بالدين و جعلكم السادة و القادة و ذلك من آثار من دعوة شيخ الإسلام و علم الهداة الأعلام . ثم أيضاً مت من الله به عليكم من الدين انظروا إلى مسألة واحدة مما نحن فيه من الجهالة قبل انتشار الدعوة الإسلامية كون البدو تجري عليهم أحكام الإسلام مع معرفتنا أن الصحابة قاتلوا أهل الردة و أكثرهم متكلمون بالإسلام ومنهم من أتى بأركانه و مع معرفتنا أنه كذب بحرف من القرآن كفر و لو كان عابداً و أن من استهزأ بالدين أو بشئ منه فهو كافر و أن من جحد حكماً مجمعاً عليه فهو كافر إلى غير ذلك من الأحكام المكفرات و هذا كله مجتمع في البدو و أزيد و نجري عليهم أحكام الإسلام اتباعاً لتقليد من قبلنا بلا برهان . فيا إخواني تأملوا و تذكروا في هذا الأصل يدلكم على ما هو أكثر من ذلك و أنا أكثرت عليكم الكلام لوثوقي بكم إنكم ما تشكون في شئ فيما تحاذرون و نصيحتي لكم و لنفسي و العمدة في هذا أن يصير دأبكم في الليل والنهار و أن تجأروا إلى الله تعالى و أن يعيذكم من شرور أنفسكم و سيئات أعمالكم و أن يهديكم على الصراط المستقيم الذي عليه رسله و أنبياؤه و عباده و الصالحون و أن يعيذكم من مضلات الفتن فالحق وضح و أبلولج و ماذا بعد الحق إلا الضلال . فالله الله ترى الناس الذين في جهاتكم تبع لكم في الخير و الشر فإن فعلتم ما ذكرت لكم ما قدر حد من الناس يرميكم بشر و صرتم كالأعلام هداية للحيران فإن الله سبحانه و تعالى هو المسؤول أن يهدينا و إياكم سبل السلام . و الشيخ و عياله و عيالنا طيبين و لله الحمد و يسلمون عليكم و سلموا لنا على من يعز عليكم و السلام . و صلي الله على محمد ة آله و صحبه و سلم . اللهم اغفر لكاتبها و لوالديه و لذريته و لمن نظر فيه فدعا له بالمغفرة و للمسلمين و للمسلمات أجمعين . ثم ذكر أنهم أجابوه برسالة ينبغي أن تذكر لما فيها من جواب حسن ثم ذكرها بعد ذلك . ثالثاً : و لعل مما يفيد في الموضوع إيراد رسالة كتبها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قبل وفاته لأهالي المغرب يوضح فيها ما يدعو إليه من إخلاص العبادة لله و تنقية التوحيد .... مما يفيد أن الجذور الحسنة و القناعة مهدت للاتفاق بين رأي الإمام إبراهيم بعد المناظرة بين علماء المغرب بزعامة المولى إبراهيم و بين علماء نجد برئاسة الإمام سعود بن عبد العزيز في مكة المكرمة عام 1226 هـ و حصول القناعة بسلامة ما يدعا إليه و نفي الشبهات عن الشيخ محمد مما يتبرأ منه هو و العلماء بمكة و هذا نصها : - بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوب إليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مصل له ومن يضلل فلا هادي له و اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله من يطع الله و رسوله فقد رشد ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و لن يضر إلا نفسه و لن يضر الله شيئاً و صلي الله على محمد و آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً أما بعد . فقد قال الله تعالى { قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني و سبحان الله و ما أنا من المشركين } (سورة يوسف آية 108) و قال تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم } (سورة آل عمران آية 31) و قال تعالى { و ما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } (سورة الحشر آية 7) و قال تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً } (سورة المائدة آية 3) فأخبر سبحانه أنه أكمل الدين و أتمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم و امرنا بلزوم ما أنزل إلينا من ربنا و ترك البدع و التفرق و الاختلاف فقال تعالى : { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم و لا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون } (سورة الأعراف آية 3) و قال تعالى { و أن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } (سورة الأنعام آية 153) و الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن أمته تأخذ مآخذ القرون قبلها شبراً بشبر و ذراعاً بذراع و ثبت في الصحيحين و غيرهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " قالوا يا رسول الله اليهود و النصارى ؟ قال : فمن ؟ و أخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا من هي يا رسول الله ؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم و أصحابي . إذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله و التوجه إلى الموتى و سؤالهم النصر على الأعداء و قضاء الحاجات و تفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض و السماء و كذلك التقرب إليهم بالنذور و ذبح القربان و الاستغاثة بهم في كشف الشدائد و جلب الفوائد إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله . و صرف شئ من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك و لا يقبل من العمل إلا ما كان خاصاً كما قال تعالى : { فأعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص و الذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من كاذب كفار } (سورة الزمر آية 2 , 3) فاخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصاً لوجهه و أخبر أن المشركين يدعون الملائكة و الأنبياء و الصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى و يشفعوا لهم عنده و أخبر أنه لا يهدي من كاذب كفار فكذبهم في هذه الدعوى و كفرهم فقال : ( إن الله لا يهدي من كاذب كفار ) و قال تعالى : { و يعبدون من دون الله ما لا يضرهم و لا ينفعهم و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ق أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات و لا في الأرض سبحانه و تعالى عما يشركون } (سورة يونس آية 18) فأخبر أن من جعل بينه و بين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم و أشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى : { قل لله الشفاعة جميعاً } (سورة الزمر آية 44) فلا يشفع أحد إلا بإذنه كما قال تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } (سورة البقرة آية 255) و قال تعالى : { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن و رضي له قولاً } (سورة طه آية 109) و هو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى : { و لا يشفعون إلا من ارتضى } (سورة الأنبياء آية 28) و قال تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات و لا في الأرض و ما لهم فيها من شرك و ما له منهم من ظهير و لا تنفع الشفاعة عنده غلا لمن ارتضى } (سورة سبأ آية 22 , 23) فالشفاعة حق و لا تطلب في دار الدنيا إلا من الله تعالى كما قال تعالى : { و أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً } (سورة الجن آية 18) و قال : { و لا تدع من دون الله ما لا ينفعك و لا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين } (سورة يونس آية 106) فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو سيد الشفعاء و صاحب المقام المحمود و آدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله و صفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لا يشفع ابتداء بل : " يأتي فيخر ساجداً فيحمده بمحامد يعلمه إياها ثم يقال ارفع رأسك , و قل يسمع و سل تعط و اشفع تشفع ثم يحد له حداً فيدخلهم الجنة " فكيف بغيره من الأنبياء و الأولياء . و هذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من علماء المسلمين قد اجمع عليه السلف الصالح من الصحابة و التابعين و الأئمة الأربعة و غيرهم ممن سلك سبيلهم و درج على منهجهم . و أما ما صدر من سؤال الأنبياء و الأولياء بعد موتهم و تعظيم قبورهم ببناء القباب عليها و السرج و الصلاة عندها و اتخاذها أعياداً و جعل السدنة و النذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه وسلم و حذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان " و هو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية و سد كل طرق يوصل إلى الشرك فنهى أن يجصص القبر و أن يبنى عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر , و ثبت فيه أيضاً أنه بعث على بن أبي طالب رضي الله عنه و أمره أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه و لا تمثالاً إلا طمسه و لهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القبب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم . فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا و بين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا و قاتلونا و استحلوا دماءنا و أموالنا حتى نصرنا الله عليهم و ظفرنا بهم و هو الذي ندعوا الناس إليه و نقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله و سنة رسوله و إجماع السلف الصالح من الأئمة ممثلين لقوله سبحانه و تعالى : { و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله } (سورة الأنفال آية 39) فمن لم يجب الدعوة بالحجة و البيان قاتلناه بالسلف و السنان كما قال : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب إن الله قوي عزيز } (سورة الحديد آية 25) و ندعوا الناس إلى إقام الصلاة في الجماعات على الوجه المشروع و إيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان و حج بيت الله الحرام و نأمر بالمعروف و ننهى عن المنكر كما قال : { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة و ءاتوا الزكاة و أمروا بالمعرف و نهوا عن المنكر و لله عاقبة الأمور } (سورة الحج آية 41) فهذا الذي نعتقد و ندين لله به فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له ما لنا و عليه ما علينا . و نعتقد أيضاً أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين لسنته لا تجتمع على ضلالة و أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم حتى يأتي أمر الله و هم على ذلك و صلي الله على محمد (31) رابعاً : دور الملك عبد العزيز في تصحيح الخطأ: الملك عبد العزيز عندما دخل مكة المكرمة عام 1343 هـ بعد سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية ثم بعد أن إنظوت المدينة وجده على لواء الدولة الجديدة بقيادة الملك عبد العزيز , وقامت أصوات أجنبية عديدة تتهمه بأمور عديدة هو منها براء .... فقالوا إن مذهبه وهابي و انه مذهب خامس و إنه امتهن قدسية الحرمين و أنهم ضربوا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقنابل و انتهكوا الأعراض و لا يحبون النبي و لا يصلون عليه و غير هذا من الأكاذيب التي تكررت من قبل , فجاء مجموعة من علماء أهل الحديث و حجوا وزاروا مسجد الرسول , وبان لهم كذب تلك الادعاءات و قد عادوا إلى الهند ليردوا على الافتراءات و ليبينوا حقيقة ما رأوا و عقدوا مؤتمرين رداً على مؤتمر لكنؤ , و مؤتمر دلهي , وتحدثت الصحف التي في مقدمتها : أهل الحديث , و أخبار محمدي , وزمنيدار , عن حقيقة حال الملك عبد العزيز , و ما أحدثه في الحرمين من إصلاحات مع اهتمامه بأمن الحجاج و راحتهم و سلامة عقيدته و حماسته لدين الله. و لكي يوضح للمسلمين حقيقة العقيدة التي هو متمسك بها نراه يرسل الكتب و يتحدث في وفود الحجاج سنوياً و كان من كلامه ما جاء في خطابه الذي ألقاه في القصر الملكي بمكة يوم غرة ذو الحجة عام 1347 هـ الموافق 11 مايو عام 1929 م بعنوان " هذه عقيدتنا " جاء فيها قوله :-- يسموننا " بالوهابيين " و يسمون مذهبنا " الوهابي " باعتبار أنه مذهب خامس و هذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض . نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة و لم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح جاءت في كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و ما كان عليه السلف الصالح . و نحن نحترم الأئمة الأربعة و لا فرق عندنا بين مالك و الشافعي و أحمد و أبي حنيفة و كلهم محترمون في نظرنا و نحن في الفقه نأخذ بالمذهب الحنبلي . هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يدعوا إليها و هذه هي عقيدتنا و هي عقيدة مبنية على توحيد الله عز و جل خالصة من كل شائبة منزهة عن كل بدعة فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعوا إليها و هي التي تنجينا مما نحن فيه من محن و أوصاب . أما التجديد الذي يحاول البعض إغراء الناس به بدعوى أنه ينجينا من آلامنا فهو لا يوصل إلى غاية و لا يدنينا من السعادة الأخروية . إن المسلمين في خير ما داموا على كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و ما هم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة . إننا لا نبغي التجديد الذي يفقدنا ديننا و عقيدتنا و إنا نبغي مرضاة الله عز وجل و من عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه و هو ناصره فالمسلمون لا يعوزون التجدد و إنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح . و لقد ابتعدوا عن العمل بما جاء في كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فانغمسوا في حمأة الشرور و الآثام فخذلهم الله جل شأنه ووصلوا إلى ما هم عليه من ذل و هوان و لو كانوا متمسكين بكتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لما أصابهم ما أصابهم من محن و آثام و لما أضاعوا عزهم و فخارهم . لقد خرجت و أنا لا أملك شيئاً من حطام الدنيا و من القوة البشرية و قد تألب الأعداء علي و لكن بفضل الله و قوته تغلبت على أعدائي و فتحت كل هذه البلاد . إن المسلمين متفرقون اليوم طرائق بسبب إهمالهم العمل بكتاب الله و سن رسوله صلى الله عليه وسلم و من خطل الرأي الذهاب إلى أن الأجانب هم سبب هذه التفرقة و هذه المصائب إن سبب بلايانا من أنفسنا لا من الأجانب يأتي أجنبي إلى بلد ما فيه مئات الألوف بل الملايين من المسلمين فيعمل عمله بمفرده فهل يعقل أن فرداً في مقدوره أن يؤثر على ملايين من الناس إذا لم يكن له من هذه الملايين أعوان يساعدونه و يمدونه بآرائهم و أعمالهم ؟؟! . كلا ثم كلا فهؤلاء الأعوان هم سبب بليتنا و مصيبتنا إن هؤلاء الأعوان هم أعداء الله و أعداء أنفسهم . إذاً فاللوم واقع على المسلمين وحدهم لا على الأجانب إن البناء المتين لا يؤثر فيه شئ مهما حاول الهدامون هدمه إذا لم تحدث فيه ثغرة تدخل فيها المعاول و كذلك المسلمون لو كانوا متحدين متفقين لما كان في مقدور أحد خرق صفوفهم و تمزيق كلمتهم . في بلاد العرب و الإسلام أناس يساعدون الأجنبي على الإضرار بجزيرة العرب و الإسلام و ضربها في الصميم و إلحاق الأذى بنا و لكن لم يتم لهم ذلك إن شاء الله و فينا عرق ينبض . إن المسلمين بخير إذا اتفقوا و عملوا بكتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليتقدم المسلمون للعمل بذلك فيتفقون فيما بينهم على العمل بكتاب الله و سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم و بما جاء فيها و الدعوة إلى التوحيد الخالص فإنني حينذاك أتقدم و أسير و إياهم جنباً إلى جنب في كل عمل يعملونه و في كل حركة يقومون بها . و الله إنني لا أحب الملك و أبهته و لا أبغي إلا مرضاة الله و الدعوة إلى التوحيد ليتعاهد المسلمون فيما بينهم على التمسك بذلك و ليتفقوا فإنني أسير و وقتئذ معهم لا بصفة ملك أو زعيم أو أمير بل بصفة خادم (32) و في 23 المحرم عام 1348 هـ الموافق أول يوليو عام 1929 م جاء في أحد خطاباته: قد علمتم أن بعض الناس قد شذ عن طرق الهداية و تنكب الطريق المستقيم ووقع في أحابيل الشيطان بفعل الدسائس التي يكيدها بعض من يدعون الإسلام ويتظاهرون بالغيرة على الإسلام و الله يشهد أن الدين منهم براء و براء من أعمالهم لقد قلت و ما زلت أقول : إنني لا أخشى من الأجانب قدر ما أخشى من بعض المسلمين فالأجانب أمرهم معروف و في الاستطاعة الحذر منهم و في الإمكان الاستعداد لصد هجماتهم و إحباط دسائسهم و أضف إلى ذلك أنهم لا يقدرون على محاربتنا باسم الإسلام أما بعض المسلمين فهم ما زالوا يكيدون لنجد و أهل نجد باسم الإسلام و المسلمين و يحاربون إخوانهم المسلمين باسم الإسلام منذ عصور . كانت الدولة العثمانية و قد كانت أقرب الناس بصفتها دولة الإسلام فحاربتنا باسم الإسلام و المسلمين محاربات شديدة و أحاطت بنا من كل جانب حاربنا مدحت باشا من جهات القطيف و الأحساء و سيرت علينا من الحجاز و اليمن قوات عظيمة و كذلك سارت جيوشها من الشمال فحاصرتنا من كل جانب للقضاء علينا و ضربنا في الصميم حاربتنا باعتبار " الوهابية " مذهباً جديداً , و ابن عبد الوهاب جاء ببدعة جديدة و أن " الوهابيين " تجب محاربتهم إلى غير ذلك من الأقوال المنمقة التي انطلت عل أصحاب العقول السذج من الدهماء فانخدعوا و أتعادوا لأقوالها و لكن الله نصرنا عليهم . و كذلك فعل غيرهم في هذا الزمان فحوصرنا من كل جانب و أرادوا القضاء علينا باسم الدين أيضاً و لكن الله نصرنا عليهم و جعل كلمته هي العليا و قد نصرنا الله بقوة التوحيد الذي في القلوب و الإيمان الذي في الصدور و يعلم الله أن التوحيد لم يملك علينا عظامنا و أجسامنا و حسب بل ملك علينا قلوبنا و جوارحنا و لم نتخذ التوحيد آله لقضاء مآرب شخصية أو لجر مغنم و إنما تمسكاً به عن عقيدة راسخة و إيمان قوي و لتجعل كلمة الله هي العليا (33) و لا يسعني بعد ذلك الجهد المتواضع إلا أن أسأل الله سبحانه و تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجه الكريم و أن ينفع به طلاب العلم و المعرفة . و الحمد لله رب العالمين و صلي الله و سلم على سيدنا و نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين . |
#11
|
|||
|
|||
جزاك الله خير
رحم الله محمد بن عبدالوهاب وجمعنا به في الفردوس الأعلى و بنبية محمد صلى الله عليه وسلم وصحابة ابو بكر وعمر وعثمان وعلي موضوع متكامل |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
يوم الزينة | معاوية فهمي إبراهيم مصطفى | مناسبات إسلامية | 2 | 2021-01-31 12:19 PM |
الوهابي الاهدل لم يثبت بنص معتبر احاديث النيروز انها من الاعياد الاسلامية | موحد مسلم | الشيعة والروافض | 1 | 2020-04-05 11:04 AM |
العنصرية المجوسية | موحد مسلم | الشيعة والروافض | 0 | 2020-01-30 06:38 PM |
أصناف الناس يوم الجمعة | معاوية فهمي إبراهيم مصطفى | المجتمع المسلم | 0 | 2020-01-12 11:57 AM |